مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

بصحيحة عبيد الله بن عليّ الحلبي ومحمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : «نعم إن شاء سرّا وإن شاء جهرا» قلت :أفيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال : «لا» (١).

ولا يخفى عليك أنّ هذه الصحيحة وإن كانت صريحة في نفي الوجوب ، وقضيّة الجمع بينها وبين ما يظهر منه الوجوب : صرفه إلى الاستحباب ، إلّا أنّ ما في ذيلها من نفي وجوب البسملة مع السورة الأخرى ربما يوهن التعويل عليها حيث يغلب على الظنّ جريها مجرى التقيّة ، فليتأمّل.

واستدلّ الحلّي لما ذهب إليه ـ من اختصاص الاستحباب بالأوّلتين من الصلاة الاخفاتيّة ـ بما صورته : لا خلاف بيننا في أنّ الصلاة الاخفاتيّة لا يجوز فيها الجهر بالقراءة ، والبسملة من جملة القراءة ، وإنّما ورد استحباب الجهر في الصلاة الاخفاتيّة التي يتعيّن فيها القراءة ، ولا تتعيّن القراءة إلّا في الركعتين الأوليين فحسب.

وأيضا فطريق الاحتياط يوجب ترك الجهر بالبسملة في الأخيرتين ؛ لأنّه لا خلاف بين أصحابنا بل بين المسلمين في صحّة صلاة من لا يجهر بالبسملة في الأخيرتين ، وفي صحّة صلاة من جهر فيهما خلاف.

وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا في وجوب الإخفات في الركعتين الأخيرتين ، فمن ادّعى استحباب الجهر في بعضها ـ وهو البسملة ـ فعليه الدليل.

فإن قيل : عموم الندب والاستحباب بالجهر في البسملة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٢٨١

قلنا : ذلك فيما تتعيّن وتتحتّم القراءة فيه ؛ لأنّهم عليهم‌السلام قالوا :يستحبّ الجهر بالبسملة فيما يجب فيه القراءة بالإخفات ، والركعتان الآخرتان خارجتان من ذلك (١). انتهى.

وأجيب (٢) عنه : بمنع ورود دليل في خصوص ما يتعيّن فيه القراءة.

وما ادّعاه من أنّهم عليهم‌السلام قالوا : «يستحبّ الجهر بالبسملة فيما يجب فيه القراءة بالإخفات» ففيه : أنّا لم نجد له عينا ولا أثرا بل ولا نقله ناقل.

نعم ، يستفاد من نصوصهم المستفيضة رجحان الجهر بها في قراءة الصلاة مطلقا ، سواء كانت واجبة عينا أو تخييرا.

وأمّا عن قاعدة الاحتياط : فبأنّ إطلاق الروايات الواردة عنهم عليهم‌السلام وارد على القاعدة ، مضافا إلى أنّ المرجع في مثل المقام البراءة على ما تقرّر في محلّه.

وأمّا الإجماع على وجوب الإخفات في الأخيرتين فهو فيما عدا البسملة ، وأمّا فيها فعدمه مظنّة الإجماع.

والذي يقتضيه الإنصاف أنّه ليس في شي‌ء من الأخبار إطلاق يفي بإثبات المدّعى.

أمّا الأخبار الحاكية لفعلهم عليهم‌السلام : فواضح ؛ إذ لم يعلم أنّهم عليهم‌السلام قرأوا الفاتحة في الأخيرتين في تلك الموارد ، بل في خبر رجاء بن أبي الضحّاك التصريح بأنّه عليه‌السلام كان يسبّح في الأخيرتين (٣).

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٢) المجيب هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٤.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ (الباب ٤٤) ضمن ح ٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٨.

٢٨٢

وأمّا سائر الروايات : فلا يستفاد منها إلّا استحباب الجهر بالبسملة في الصلاة على سبيل الإجمال ، وغاية ما يمكن ادّعاؤه أنّه ينسبق إلى الذهن إرادته في المواضع التي كانت التسمية فيها معروفة لديهم ، فإن ثبت تعارف القراءة في الأخيرتين في عصرهم أمكن دعوى استفادته من النصوص ، وإلّا فلا يخلو عن إشكال.

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ ما دلّ على وجوب الإخفات في الأخيرتين لا يعمّ البسملة ، فإنّ عمدته الإجماع والسيرة بالتقريب الذي عرفته فيما سبق ، وهما لا ينهضان لإثباته في البسملة التي ذهب المشهور إلى استحباب الجهر بها ، فلا يبعد حينئذ الالتزام باستحبابه ؛ لما يستشعر بل يستظهر من خبر هارون عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ الواردة تعريضا على المخالفين الذين تركوا البسملة في القراءة أو أخفوها ـ رجحان الجهر بها من حيث هي في كلّ موضع شرّعت ولو في غير الصلاة.

قال عليه‌السلام : «كتموا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فنعم والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويرفع بها صوته ، فتولّي قريش فرارا ، فأنزل الله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (١)» (٢).

وربما يستشعر من هذه الرواية أنّ المقصود بالأخبار المستفيضة الواردة في الحثّ على الجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأنّه من علائم

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٤٦.

(٢) الكافي ٨ : ٢٦٦ / ٣٨٧ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٢٨٣

المؤمنين الذين هم شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) هو الجهر به في كلّ موضع كتمه من عداهم ، وهو في أوّل كلّ سورة من الفاتحة وغيرها من السّور القرآنيّة من غير فرق بين كونه في الركعتين الأوليين أو غيرهما ، كما يؤيّد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم ، مع أنّ فتواهم بالاستحباب كاف لإثباته من باب المسامحة بعد كون المحلّ قابلا لها ، كما هو المفروض ، فالقول باستحبابه مطلقا ـ كما هو المشهور ـ أظهر ، ولكنّ الأحوط ترك الجهر في الأخيرتين ، وأحوط منه اختيار التسبيح ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق ما نسب إلى المشهور : عدم الفرق بين المأموم وغيره.

ولكن لا يبعد دعوى انصراف كلماتهم عنه ؛ إذ المقصود في هذا المقام بيان ما هو وظيفة المصلّي من حيث هو مع قطع النظر عمّا يقتضيه تكليفه حال الائتمام المؤثّر في اختلاف تكليفه في أصل القراءة وكيفيّتها ، كبحثهم عن أصل الجهر والإخفات.

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله في ذيل هذه المسألة ـ بعد موافقته للمشهور في استحباب الجهر بالبسملة مطلقا ـ ما لفظه : وهل يعمّ الحكم ما لو وجب الإخفات لعارض الجماعة ، أم لا؟ الظاهر : الثاني ؛ لانصراف هذه الأخبار إلى غيرها ، فيبقى إطلاق ما دلّ على الإخفات بالقراءة خلف الإمام ـ مثل قوله عليه‌السلام في تلك الأخبار : «قرأ في نفسه بأمّ الكتاب» (٢) وعموم قوله عليه‌السلام :«لا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام ما يقوله» (٣) ـ سليما عن المقيّد ، مع أنّه

__________________

(١) راجع الهامش (٢ و ٣) من ص ٢٧٩.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٢٨٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التشهّد ، ح ٢.

٢٨٤

لو منع الانصراف فغاية الأمر تعارض المطلقين بالعموم من وجه ، ولا دليل على الاستحباب ، مع أنّه إذا سقط الجهر في موارد وجوبه لمراعاة جانب الإمام اللائق بالاحترام فسقوطه في موارد ندبه أولى (١). انتهى.

وهو جيّد ، ولكن صدر كلامه يوهم إرادته في خصوص الأوّلتين من الجهريّة ، ولكن ما ذكره وجها له يقتضي التعميم حتّى في الأخيرتين ، وما ذكره من تعارض المطلقين بالعموم من وجه إنّما ذكره من باب المماشاة ، وإلّا فلا ريب في أنّ شمول قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ـ الواردة في المأموم المسبوق : «إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة» (٢) الحديث ـ للبسملة أوضح من شمول الأخبار الدالّة على استحباب الجهر بها (٣) للمأموم ؛ فإنّ جملة من تلك الأخبار (٤) وردت حكاية للفعل ، فلا إطلاق لها بحيث يفهم منه حكم المأموم ، وكثير منها ـ كالمستفيضة الواردة في علائم المؤمن (٥) ـ قضايا طبيعيّة ، نظير قول القائل : «الغنم حلال» فليس لها إطلاق أحواليّ بحيث يفهم منه استحبابه حال المأموميّة التي عرضها جهة مقتضية لرجحان الإسرار ، فلم يبق في المقام ما يمكن أن يتمسّك بإطلاقه للمأموم عدا قوله عليه‌السلام في خبر الأعمش :

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٤.

(٣) راجع ص ٢٧٧ ـ ٢٧٩.

(٤) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٧ ، والهامش (٣) من ص ٢٧٨.

(٥) راجع الهامش (٢ و ٣) من ص ٢٧٩.

٢٨٥

«والإجهار بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة واجب» (١) وفي خبر الفضل : «والإجهار بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في جميع الصلوات سنّة» (٢) وهما لو لم نقل بانصرافهما في حدّ ذاتهما عن المأموم فلا أقلّ من عدم كون ظهورهما في الإطلاق كظهور الصحيحة في إرادة مطلق القراءة حتّى البسملة ، كما يؤيّده عموم المناسبة المقتضية للإسرار ، بل لا شبهة في أنّ المقصود بالصحيحة الأمر بقراءة أمّ الكتاب والسورة مع بسملتهما ، فحمل قوله عليه‌السلام :«في نفسه» (٣) على إرادته في البعض تكلّف بعيد ، فالصحيحة كادت تكون صريحة بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام : «في نفسه» أيضا في إرادة الأعمّ.

ويستفاد منها رجحان الإسرار في الأخيرتين لغير المسبوق أيضا بالأولويّة ، مع أنّه لا دليل يعتدّ به لاستحباب الجهر بها في الأخيرتين لغير المأموم أيضا لو لا قاعدة المسامحة واستشعاره من بعض الأخبار التي هي بمنزلة القضايا الطبيعيّة ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا ، وشي‌ء منهما لا ينهض لإثباته في المأموم الذي عرضه جهة مقتضية لرجحان الإسرار ، وقد ورد فيه النصّ بأنّه «لا ينبغي له أن يسمع الإمام ما يقوله» (٤) فليتأمّل.

(و) منه : ال (ترتيل) في (القراءة) إجماعا ، كما ادّعاه جماعة (٥).

ففي المدارك قال في شرح العبارة : أجمع العلماء كافّة على استحباب ترتيل القراءة في الصلاة وغيرها ، إلى أن قال : والترتيل لغة : الترسّل والتبيين

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٨ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجه في الهامش (٢) من ص ٢٧٨.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٢٨٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٤ ، الهامش (٣).

(٥) منهم : البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٧٢.

٢٨٦

وحسن التأليف ، وفسّره في الذكرى بأنّه حفظ الوقوف وأداء الحروف (١) ، وعرّفه في المعتبر بأنّه تبيين الحروف من غير مبالغة (٢) (٣). انتهى.

والأصل في هذا الحكم قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤).

وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن البرقي (٥) وأبي أحمد جميعا عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة وذكر النار سأل الله الجنّة وتعوّذ بالله من النار ، وإذا مرّ بـ (يا أَيُّهَا النّاسُ) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يقول : لبّيك ربّنا» (٦).

وفي المرسل المرويّ ـ عن الكافي ـ عن عليّ بن أبي حمزة ، قال :دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال [له] أبو بصير : جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال : «لا» قال : ففي ليلتين؟ فقال : «لا» فقال :ففي ثلاث؟ قال : «ها» وأشار بيده ، ثمّ قال : «يا أبا محمّد إنّ لرمضان حقّا وحرمة لا يشبهه شي‌ء من الشهور ، وكان أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ ، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتّل ترتيلا» (٧).

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٣٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٣٦١.

(٤) المزّمّل ٧٣ : ٤.

(٥) في الوسائل : «أبي عبد الله البرقي».

(٦) التهذيب ٢ : ١٢٤ / ٤٧١ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٧) الكافي ٢ : ٦١٧ (باب في كم يقرأ القرآن ويختم) ح ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٢٨٧

في مجمع البحرين : الهذرمة : السرعة في القراءة (١).

وفي الخبرين إشارة إلى أنّ المراد بالترتيل التأنّي في القراءة.

وأوضح منهما دلالة عليه : خبر عبد الله بن سليمان ـ المرويّ عن الكافي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام بيّنه تبيينا (٢) ، ولا تهذّه (٣) هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرعوا (٤) به قلوبكم القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (٥).

وخبر أبي بصير ـ المرويّ عن المجمع ـ في تفسير الآية عن الصادق عليه‌السلام «هو أن تتمكّث فيه وتحسن به صوتك» (٦).

ويظهر من هذا الخبر أنّ تحسين الصوت أيضا مأخوذ في مفهومه.

وربما يظهر من بعض حمل الأمر في الآية الشريفة على الوجوب ، وتفسيره بإخراج الحروف من مخارجها.

قال في محكيّ المعتبر : نعني بالترتيل في القراءة تبيينها من غير مبالغة ، وبه قال الشيخ ، وربما كان واجبا إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض. قال : ويدلّ على الثاني قوله

__________________

(١) مجمع البحرين ٦ : ١٨٦ «هذرم».

(٢) في المصدر : «تبيانا» بدل «تبيينا».

(٣) الهذّ : الإسراع في القطع وفي القراءة. الصحاح ٢ : ٥٧٢ «هذذ».

(٤) في الكافي : «افزعوا» بدل «اقرعوا».

(٥) الكافي ٢ : ٦١٤ (باب ترتيل القرآن ...) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب قراءة القرآن ، ح ١.

(٦) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٣٧٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٤.

٢٨٨

تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) والأمر للوجوب (١). انتهى.

وعن المنتهى قال : يستحبّ للمصلّي م أن يرتّل قراءته بأن يبيّنها من غير مبالغة ، ويجب عليه النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يخفي بعضها في بعض ؛ لقوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٢). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ حمل الآية على إرادة خصوص هذا المعنى خلاف ما يظهر من الأخبار المزبورة المنطبق على ما حكي عن كثير من العلماء واللّغويّين في تفسيره (٣) ، فالمتّجه حمل الآية على المعنى المستفاد من الأخبار المزبورة ، وصرف الأمر إلى الاستحباب ، كما يشهد له ـ مضافا إلى الإجماع وظهور الرواية الأولى فيه ـ صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : في الرجل يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد ، فقال : «إن شاء قرأ في نفس وإن شاء في غيره» (٤).

وأمّا ما حكي عن الذكرى من تفسير الترتيل بأنّه حفظ الوقوف وأداء الحروف (٥) ، فلعلّه لكونه لازما عاديّا للترتيل بالمعنى المزبور وإن لا يخلو عن تأمّل.

ويحتمل أن يكون مستنده ما حكي (٦) عن بعض مؤلّفي التجويد من نسبته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن معنى الترتيل ، قال :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨١ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٦.

(٢) منتهى المطلب ٥ : ٩٦ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٦.

(٣) راجع : مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٣ ، الوسائل ، الباب ٤٦ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٥) راجع الهامش (١ و ٣) من ص ٢٨٧.

(٦) الحاكي هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٦.

٢٨٩

«حفظ الوقوف وأداء الحروف».

وعن المحدّث الكاشاني في الوافي روايته مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «الترتيل حفظ الوقوف وبيان الحروف» كذا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وقد طعن صاحب الحدائق (٢) في هذه الرواية بعدم ثبوته من طرقنا ، فلعلّها من روايات العامّة ، فيشكل حينئذ التعويل عليها في تفسير الآية.

نعم ، قد يتّجه العمل بها (و) الالتزام بأنّه يستحبّ (الوقوف (٣) على مواضعه) من باب المسامحة.

ولكنّ المواضع التي يمكن الالتزام باستحباب الوقف عليها ليست ما عيّنها القرّاء بآرائهم ؛ ضرورة أنّه لم يقصد بالرواية الصادرة عن النبي أو الوصي عليهما‌السلام الإشارة إلى المواضع المعروفة عند القرّاء ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المراد بالرواية ـ إن صحّ صدورها عن النبي أو الوصي عليهما‌السلام ـ بحسب الظاهر هو الوقوف على المحلّ الذي يحسن الوقف فيه بحسب نظم الكلام ، وقد عيّن القرّاء مواضعه بآرائهم ، فيرجع إليهم ؛ لكونهم من أهل الخبرة في ذلك ، إلّا في المواضع التي علم خطؤهم ؛ لجهلهم بالتفسير ، كما في بعض المواضع الذي كشف عنه أخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، كوقفهم على آخر الجلالة في قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٤) لزعمهم أنّ الراسخين

__________________

(١) الوافي ٨ : ٦٩٩ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٦.

(٢) الحدائق الناضرة ٨ : ١٧٤.

(٣) في الشرائع : «الوقف».

(٤) آل عمران ٣ : ٧.

٢٩٠

في العلم لا يعلمون تأويل القرآن ، مع أنّه مفسّر في الأخبار بالأئمّة عليهم‌السلام (١).

ويحتمل أن يكون المراد بها الوقوف في أواخر الآي التي هي من مواضعه المعروفة عند عامّة الناس ، كما يؤيّده ما عن مجمع البيان مرسلا عن أمّ سلمة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع قراءته آية آية (٢).

(و) منه أيضا : (قراءة سورة بعد الحمد في النوافل) التي عرفت في صدر المبحث أنّه يجوز فيها الاكتفاء بفاتحة الكتاب وحدها ، أي النوافل المطلقة ، لا النوافل الخاصّة التي لها كيفيّة مخصوصة اعتبرت السورة أو تكرارها أو تعدّدها في كيفيّتها الموظّفة ، كصلاة جعفر وعليّ وفاطمة عليهم‌السلام ، وصلاة الأعرابي ، وغير ذلك ؛ فإنّها خارجة عن محلّ الكلام ، وإنّما الكلام في سائر النوافل التي يجوز فيها الاكتفاء بفاتحة الكتاب وحدها من النوافل المبتدأة والمرتّبة ونظاهرها ، فإنّه يستحبّ فيها قراءة السورة بعد الحمد بلا خلاف فيه على الظاهر بل إجماعا ، كما عن غير واحد (٣) نقله ، بل هذا ممّا لا مجال للارتياب فيه بعد نفي احتمال وجوبه ، فكأنّ من تشبّث في المقام بالإجماع أراد بذلك نفي احتمال الوجوب ، وإلّا فمشروعيّة قراءتها في النوافل كالفرائض على سبيل الإجمال التي يلزمها الاستحباب على تقدير عدم الوجوب لا يبعد أن تكون من ضروريّات الدين فضلا عن

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٦ (باب فرض طاعة الأئمّة) ح ٦ ، و ٢١٣ (باب أنّ الراسخين في العلم ...) ح ١ ، و ٤١٤ ـ ٤١٥ (باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية) ح ١٤ ، تفسير القمّي ٢ :٤٥١ ، تفسير العياشي ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٦٤ ، ح ٤ و ٨.

(٢) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٣٧٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٥.

(٣) مثل : المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٨١ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٥٠ ، وحكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٦٢ ، وصاحب الجواهر فيها ٩ : ٤٠٠.

٢٩١

ظهور كثير من النصوص في كونها من الأمور المسلّمة المفروغ عنها لدى الأئمّة والسائلين ، كما لا يخفى.

وهل يجوز الاكتفاء بأقلّ من سورة بعنوان المشروعيّة على سبيل التوظيف كما ربّما يلوح ذلك من بعض كلماتهم في مقام توجيه بعض الأخبار الواردة في التبعيض (١) من حمله على النافلة ، ويومئ إليه قوله عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (٢)؟ فيه تردّد ، والأحوط عند إرادة التبعيض عدم قصد التوظيف.

وأمّا قراءة الأكثر من سورة فقد عرفت في مبحث القران نفي البأس عنه ، وقضيّة ذلك : كونه أفضل من الاكتفاء بسورة ، لا لأنّ مقتضى شرعيّة الزيادة رجحانها ، وإلّا لم يعقل وقوعها عبادة ؛ لما عرفت في مبحث التكبيرات السبع الافتتاحيّة من إمكان الخدشة في ذلك بالنسبة إلى أجزاء العبادة التي لم يتعلّق بها من حيث هي أمر شرعيّ ، بل لأنّ القراءة من حيث هي راجحة شرعا ، فإذا نفي البأس عنها في مورد بأن لم تكن في خصوص هذا المورد مشتملة على جهة مقتضية للمنع عنها ـ كالقران بين سورتين في الفريضة ـ اقتضى ذلك في كلّ موضع شرّعت أن يكون أكثرها أكثر فضلا من أقلّها.

نعم ، قد يتّجه التفصيل بين النوافل الليليّة والنهاريّة ؛ لوقوع النهي عن القران في النهاريّة في رواية محمّد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا هل يجوز أن يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال : «ما كان من صلاة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٣ / ٢٧١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٨ ، الهامش (٣).

٢٩٢

الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث ، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلّا بسورة سورة» (١).

(و) منه : (أن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسّور القصار ، كالقدر والجحد ، وفي العشاء بالأعلى والطارق وما شاكلهما ، وفي الصبح بالمزّمّل والمدّثّر وما ماثلهما).

قال صاحب المدارك : المشهور بين الأصحاب أنّه تستحبّ القراءة في الصلاة بسور المفصّل ، وهو من سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر القرآن ، فيقرأ مطوّلاته في الصبح ، وهو من سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى «عمّ» ومتوسّطاته في العشاء ، وهي من سورة «عمّ» إلى الضحى ، وقصاره في الظهرين والمغرب ، وهي من الضحى إلى آخر القرآن ، وليس في أخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديده ، وإنّما رواه الجمهور عن عمر بن الخطّاب.

والذي ينبغي عليه العمل ما رواه محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة شي‌ء موقّت؟ قال : «لا ، إلّا الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين» فقلت له : فأيّ السّور تقرأ في الصلوات؟

قال : «أمّا الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأمّا الغداة فأطول ، فأمّا الظهر والعشاء الآخرة فـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ونحوهما ، وأمّا العصر والمغرب فـ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) و (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) ونحوهما ، وأمّا الغداة فـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) و (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ)

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٣ / ٢٦٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

٢٩٣

و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)» (١) (٢). انتهى.

وهو جيّد ؛ إذ لا ريب في أنّ العمل بالصحيحة أولى من متابعة المشهور من باب المسامحة ؛ إذ لم نجد دليلا يعتدّ به على التفصيل المزبور لو لا المسامحة.

وأمّا ما رواه الجمهور عن عمر فهو أنّه روي عن أبي حفص أنّه روى بإسناده قال : كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصّل ، واقرأ في الظهر بأوساط المفصّل ، واقرأ في المغرب بقصار المفصّل (٣).

ولكن هذا التفصيل لا ينطبق على ما نسبه إلى المشهور ، فكأنّ مراده أنّه ليس في أخبارنا التصريح باسم المفصّل ولا تحديد المفصّل ، ولذا أورد (٤) عليه بما رواه ثقة الإسلام في كتاب فضل القرآن من أصوله عن سعد الإسكاف ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعطيت السّور الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة ، وهو مهيمن على سائر الكتب» (٥) أي : شاهد عليها ودليل على أنّها كتب سماويّة على ما فسّره بعض (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٥ / ٣٥٤ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٣) الشرح الكبير ١ : ٥٦٩ ، وانظر سنن الترمذي ٢ : ١١٠ ، ذيل ح ٣٠٦ ، و ١١١ ، ذيل ح ٣٠٧ ، و ١١٣ ، ذيل ح ٣٠٨.

(٤) المورد هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٨.

(٥) الكافي ٢ : ٦٠١ / ١٠.

(٦) راجع شرح أصول الكافي ـ للمولى محمّد صالح المازندراني ـ ١١ : ١٧.

٢٩٤

والمراد بالسّور الطوال ـ على ما قيل بل حكي عن جمع من العلماء (١) ـ سبع سور من البقرة إلى يونس على أن يكون الأنفال والتوبة سورة واحدة.

والمئين ـ بكسر الميم والهمزة ـ جمع مائة على غير القياس ، فقيل في تفسيرها : إنّها سبع سور من سورة بني إسرائيل ، فآخرها المؤمنون (٢) ؛ لأنّها إمّا مائة آية أو أكثر بقليل أو أقلّ كذلك.

وأمّا المفصّل فكما تقدّم (٣) من سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر القرآن ، كما يؤيّده انطباقه على العدد المذكور في الرواية (٤) ، بناء على أن يكون كلّ من الضحى وأ لم نشرح وكذا الفيل ولإيلاف سورة مستقلّة.

وأمّا المثاني فهي من سورة يونس إلى بني إسرائيل ، ومن سورة الفرقان إلى سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وسمّيت بالمثاني لأنّها ثنّيت الطوال وتلتها ، والمئين جعلت مبادئ أخرى ، والتي تلتها مثاني لها.

وأمّا تسميتها بالمفصّل إمّا لكثرة فواصلها بالبسملة ، أو قصور فواصلها ، أو باعتبار اشتمالها على الحكم المفصل ، أي الغير المنسوخ.

وما ذكر في تحديد المفصّل منسوب إلى أكثر أهل العلم (٥).

وعن القاموس أنّه نقل في تحديده أقوالا شتّى :

__________________

(١) القائل والحاكي عنهم هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٨.

(٢) نسبه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٨ إلى جماعة من العلماء.

(٣) في ص ٢٩٣.

(٤) أي رواية سعد الإسكاف ، المتقدّمة في ص ٢٩٤.

(٥) نسبه إليهم الشيخ الطوسي في التبيان ١ : ٢٠.

٢٩٥

منها : ما ذكر ، ولكنّه عبّر عن سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بسورة القتال.

ومنها : أنّه من سورة الحجرات إلى آخر القرآن.

ومنها : أنّه من الجاثية.

ومنها : أنّه من القاف.

ومنها : أنّه من الصّافّات.

ومنها : أنّه من الصفّ.

ومنها أنّه من تبارك.

ومنها : من إنّا فتحنا.

ومنها : من سبّح اسم ربّك.

ومنها : من الضحى (١).

والظاهر أنّ هذه التحديدات بأسرها من اجتهادات العامّة ، ولكن الأوّل من حيث انطباقه على الحدّ المنصوص عليه في الرواية (٢) قد يقوى في النظر صحّته.

وكيف كان فقد عرفت أنّ الأولى في هذا الباب هو اتّباع الصحيح المزبور ، ونحوه الموثّق المرويّ عن عيسى بن عبد الله القمّي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي الغداة بـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) و (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) وشبهها ، وكان يصلّي الظهر بـ (سَبِّحِ اسْمَ وَالشَّمْسِ وَضُحاها) و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) وشبهها ، وكان يصلّي المغرب بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (إِذا جاءَ

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٠ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٨.

(٢) أي رواية سعد الإسكاف ، المتقدّمة في ص ٢٩٤.

٢٩٦

نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) و (إِذا زُلْزِلَتِ) وكان يصلّي العشاء الآخرة بنحو ما يصلّي الظهر ، والعصر بنحو من المغرب» (١).

فروع :

منها : أنّه ينبغي للمصلّي أن يقرأ في الركعة الثانية من الفريضة سورة غير السورة التي قرأها في الأولى ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها ، فإن فعل فما عليه؟ قال : «إذا أحسن غيرها فلا يفعل ، وإن لم يحسن غيرها فلا بأس» (٢).

واحتمال إرادة التبعيض مدفوع بأنّه لو كان مراد السائل التبعيض ، لأجابه عليه‌السلام بقراءة السورة التي يحسنها في كلتا الركعتين ، فإنّه أولى من التبعيض جزما ولو قلنا بجوازه ، وظاهرها النهي ، وهو محمول على الكراهة بشهادة الإجماع وغيره.

وينبغي استثناء سورة التوحيد عن ذلك ، فإنّه لا بأس بقراءتها في الركعتين ، بل تستحبّ ، كما يشهد له ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة قال :قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلّي بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)؟ فقال : «نعم قد صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلتا الركعتين بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) لم يصلّ قبلها ولا بعدها بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أتمّ منها» (٣).

وما في ذيله من الإجمال لا ينفي دلالته على المدّعى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣٥٥ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٧٢ / ٢٦٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٥٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٢٩٧

وعن صفوان الجمّال قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) تجزئ في خمسين صلاة» (١) إذ الظاهر أنّ المقصود بالرواية بيان فضل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وكونها مجزئة في الصلوات بأسرها من حيث الكمال ، لا مجرّد الصحّة التي تشاركها فيها سائر السّور.

وأوضح منه دلالة عليه : ما رواه الكليني بإسناده عن صفوان الجمّال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صلاة الأوّابين الخمسون كلّها بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)» (٢).

وعن الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن عمران بن الحصين أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة واستعمل عليها عليّا عليه‌السلام ، فلمّا رجعوا سألهم ، فقالوا :كلّ خير غير أنّه قرأ بنا في كلّ الصلوات بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فقال :«يا عليّ لم فعلت هذا؟» قال : «لحبّي بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)» فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أحببتها حتى أحبّك الله» (٣).

ويكره ترك قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) في جميع الفرائض ؛ لما رواه الكليني بإسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيها بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قيل له : يا عبد الله لست من المصلّين» (٤).

ويظهر من جملة من الأخبار استحباب القراءة في الفرائض مطلقا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦٠ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٤ / ١٣ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٣) التوحيد : ٩٤ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

(٤) الكافي ٢ : ٦٢٢ (باب فضل القرآن) ح ١٠ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

٢٩٨

بالقدر والتوحيد حتّى الفجر ، واختيارهما على غيرهما.

كخبر [أبي] (١) عليّ بن راشد قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج تعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض (إِنّا أَنْزَلْناهُ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وإنّ صدري يضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال عليه‌السلام : «لا يضيقنّ صدرك ، فإنّ الفضل والله فيهما» (٢).

وعن الصدوق مرسلا قال : حكى من صحب الرضا عليه‌السلام إلى خراسان أنّه كان يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد و (إِنّا أَنْزَلْناهُ) وفي الثانية الحمد و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٣).

وعنه في العيون بإسناده عن رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا عليه‌السلام نحوه (٤).

وفي خبر عمر بن أذينة الوارد في كيفيّة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة المعراج أنّه تعالى أمره في الركعة الأولى بعد الحمد بقراءة التوحيد ، فقال : اقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فإنّها نسبتي ونعتي ، وفي الثانية بعد ما قرأ الحمد قال :اقرأ (إِنّا أَنْزَلْناهُ) فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة» (٥).

ولا معارضة بين الأخبار المزبورة ، فإنّ لكلّ من السّور التي ورد فيها

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من الكافي ، وفي التهذيب : عن ابن راشد.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٩ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠١ و ٢٠٢ / ٩٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ (الباب ٤٤) ح ٥ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ذيل ح ٣.

(٥) علل الشرائع : ٣١٢ ـ ٣١٦ (الباب ١) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ١٠.

٢٩٩

نصّ خاصّ جهة مقتضية لاستحبابها ، ولا منافاة بين أن يكون في سورة أخرى أيضا جهة كذلك ، فيكون موارد الأخبار من قبيل المستحبّات المتزاحمة التي قد يكون بعضها أفضل من بعض ، كما يومئ إلى ذلك وإلى أفضليّة سورة القدر والتوحيد مطلقا خبر الحميري ـ المرويّ عن الاحتجاج ـ أنّه كتب إلى الناحية المقدّسة أنّه روي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أنّ العالم عليه‌السلام قال : «عجبا لمن لم يقرأ في صلاته (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف تقبل صلاته؟» وروي «ما زكت صلاة لم يقرأ فيها (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)» وروي أنّ «من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا» فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هذه السّور التي ذكرناها مع ما قد روي أنّه لا تقبل صلاته ولا تزكو إلّا بهما؟ فوقّع عليه‌السلام «الثواب على السورة (١) على ما قد روي ، وإذا ترك سورة ممّا فيها الثواب وقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (إِنّا أَنْزَلْناهُ) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة (٢) التي ترك ، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين ، وتكون صلاته تامّة ولكنّه يكون قد ترك الأفضل» (٣).

(و) منه أيضا أن يقرأ (في غداة الخميس والاثنين) في الركعة الأولى (هَلْ أَتى)) (عَلَى الْإِنْسانِ) وفي الثانية بـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) لما عن الصدوق في الفقيه أنّه قال : حكى من صحب الرضا عليه‌السلام إلى خراسان أنّه عليه‌السلام كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة الأولى الحمد و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) وفي الثانية الحمد و

__________________

(١) في المصدر : «الثواب في السّور».

(٢) في المصدر : «السّور».

(٣) الاحتجاج : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

٣٠٠