مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

اسجد حتى تطمئنّ ساجدا ثمّ ارفع حتى تستوي قائما ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» (١).

وخبر بكر بن محمّد الأزدي ـ المرويّ عن قرب الإسناد للحميري ـ عن الصادق عليه‌السلام : «إذا ركع فليتمكّن» (٢).

ومصحّحة زرارة ، قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (٣).

ورواية عبد الله بن ميمون القدّاح ـ المرويّ عن محاسن البرقي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أبصر عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام رجلا ينقر صلاته ، فقال : منذ كم صلّيت بهذه الصلاة؟ قال له الرجل : منذ كذا وكذا ، فقال :مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر ، لو متّ متّ على غير ملّة أبي القاسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال : أسرق الناس من سرق من صلاته» (٤).

والنبويّ المرويّ عن الذكرى : «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود» (٥).

وفيه : أنّ غاية ما يمكن استفادته من هذه الأدلّة ـ بعد الغضّ عمّا في

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٦٣ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٣.

(٢) قرب الإسناد : ٣٦ ـ ٣٧ / ١١٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٦٨ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٩ / ٩٤٨ ، الوسائل الباب ٣ من أبواب الركوع ، ح ١.

(٤) المحاسن : ٨٢ / ١١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ٢.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٦٧ ، وعنه في الجواهر ١٠ : ٨٣.

٤٢١

بعضها من قصور السند ـ إنّما هو اعتبار الطمأنينة في الركوع في الجملة ، وعدم جواز الإتيان به بحيث يكون كنقر الغراب ، وأمّا كونها بقدر ما يؤدّي الذكر الواجب فلا.

اللهمّ إلّا أن يدّعى ظهور قوله عليه‌السلام : «إذا ركع فليتمكّن» في شرطيّة الاستقرار للركوع ما دام كونه راكعا ، نظير ما لو قال : إذا قام إلى القراءة فليقم صلبه ، فيجب حينئذ بقاؤه مستقرّا إلى أن يتحقّق الفراغ من الذكر الواجب في الركوع من باب المقدّمة.

ولكنّه لا يخلو عن نظر.

فعمدة المستند لإثبات وجوب الطمأنينة بقدر أداء الذكر الواجب هو الإجماع ، فيختصّ اعتبارها بحال العمد ؛ إذ لا إجماع عليه مع السهو ، بل المشهور لو لم يكن مجمعا عليه عدم اختلال الصلاة بالإخلال بها سهوا.

وما يقال من أنّ مقتضى الأصل فيما ثبت جزئيّته أو شرطيّته في الجملة : الركنيّة ، فلم يثبت ، بل الأصل يقتضي خلافه ، كما تقدّم التنبيه عليه مرارا ، وأوضحناه في الأصول.

فما حكي عن الإسكافي والشيخ في الخلاف من القول بركنيّتها (١) ضعيف ، إلّا أن يراد مسمّاها الذي قد يدّعى توقّف صدق الركوع عليه عرفا ، وأنّه به يمتاز عن الهويّ للسجود ونحوه ، دون الزيادة التي توازي الذكر الواجب ، فيتّجه حينئذ دعوى ركنيّته وإن كان لا يخلو أيضا عن نظر ؛ إذ لا نسلّم توقّف صدق اسم الركوع على الطمأنينة والاستقرار ، والفرق بينه وبين الهويّ للسجود ونحوه يحصل برفع الرأس عند انتهائه إلى حدّ الركوع

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٨ ، المسألة ٩٨ ، وحكاه عنهما الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٦٧ و ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

٤٢٢

أو مكثه في الجملة ولو متزلزلا.

نعم ، لو قلنا بظهور الأخبار المتقدّمة في كونها شرطا للركوع لا واجبا مستقلّا كالذكر فيه ، فقضيّة ما في بعضها من الإطلاق شموله لحال السهو كسائر المطلقات المسوقة لبيان الحكم الوضعي وإن لا يخلو عن تأمّل ، فيتّجه حينئذ الالتزام ببطلان الصلاة بتركه سهوا.

وما دلّ على أنّ «الصلاة لا تعاد إلّا من خمسة» (١) وأنّ ملاك صحّة الصلاة حفظ الركوع والسجود (٢) قاصر عن أن يعمّ الإخلال بشرائط الركوع الذي هو أحد الخمسة التي تعاد الصلاة من الإخلال بها ، ولكنّه يدلّ على عدم بطلان الصلاة بترك الطمأنينة سهوا فيما زاد عن مسمّى الركوع ممّا لا يجب إلّا مقدّمة للذكر بالفحوى بل بالدلالة الأصليّة ؛ لأنّ مرجع الإخلال به إلى الإخلال بشرط الذكر الذي يجب الإتيان به راكعا ، لا الإخلال بشرط الركوع المعتبر في الصلاة من حيث هو ، فكما يفهم من عموم قوله عليه‌السلام :«لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (٣) أنّه لو ترك أصل الذكر نسيانا ورفع رأسه عن الركوع بعد حصول مسمّاه لا تبطل صلاته ، كذلك يفهم منه عدم اختلال الصلاة بالإخلال بشرائطه نسيانا كبقائه راكعا إلى أن يتحقّق الفراغ من الذكر أو مطمئنّا كذلك.

فلو شرع في الذكر الواجب قبل البلوغ إلى حدّ الركوع أو أتمّه ناهضا ، فإن كان ناسيا مضى في صلاته ، ولا شي‌ء عليه عدا إعادته في الأوّل

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٠ ، الهامش (١).

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٧٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ١٠.

٤٢٣

بعد وصوله إلى حدّ الركوع واستقراره ، كما لو أتى بشي‌ء منه بلا اطمئنان.

ويحتمل الاجتزاء به في مثل الفرض ؛ نظرا إلى كون الطمأنينة شرطا اختياريّا للذكر وقد سقط اعتباره بالنسيان ، فلا مقتضي لإعادته ، فليتأمّل.

وإن كان عامدا بطلت صلاته في الثاني ؛ لحصول الإخلال العمدي ، وعدم إمكان تداركه ، وأعاده في الأوّل ، كما صرّح به غير واحد (١) ؛ لأنّ فساد الجزء لا يستلزم فساد الكلّ إذا أمكن تداركه قبل فوات محلّه ، خلافا لجماعة منهم : المحقّق والشهيد الثانيان (٢) على ما حكي عنهما ، فحكموا ببطلان الصلاة ؛ لما مرّ منهم غير مرّة في طيّ مباحث القراءة وغيرها من الحكم ببطلان الصلاة بتعمّد إبطال جزء [منها] (٣) ؛ لوجوه تقدّمت مع ما فيها من الضعف.

(ولو كان مريضا لا يتمكّن) منها (سقطت عنه ، كما لو كان العذر في أصل الركوع) فعليه أن يركع بلا طمأنينة ؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، مضافا إلى قصور ما دلّ على شرطيّتها عن إفادة اعتبارها في غير حال التمكّن.

ومن هنا يظهر أنّه لو دار الأمر بين الركوع قائما بلا طمأنينة أو جالسا معها ، قدّم الأوّل ، كما يقتضيه إطلاق كلماتهم من غير نقل خلاف فيه ، فلو كان لدليلها إطلاق لوقعت المعارضة حينئذ بينه وبين إطلاق دليل القيام ، فقد يشكل الترجيح وإن لا يخلو أيضا تقديم الأوّل عن وجه ؛ فإنّ مقتضى

__________________

(١) كالعلّامة الحلّي في قواعد الأحكام ١ : ٢٧٦ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٨١.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٩٠ ، روض الجنان ٢ : ٧٢٢ ، والحاكي عنهما هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ٢ : ٢٦.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٤٢٤

قاعدة الميسور وأدلّة نفي الحرج ونحوها : نفي اعتبار ما تعلّق العجز به أوّلا وبالذات ، لا ثانيا وبالعرض ، فليتأمّل.

ويجب عليه الإتيان بتمام الذكر حال الركوع وإن كان غير مطمئنّ ، فلا يجوز له الخروج عن حدّ الراكع قبل إكمال الذكر.

خلافا لظاهر الشهيد في محكيّ الذكرى فجوّز أن يتمّ الذكر رافعا رأسه ، فإنّه ـ على ما حكى عنه في الحدائق (١) ـ بعد أن ذكر الطمأنينة وأنّه يجب كونها بقدر الذكر الواجب ولا يجزئ عنها مجاوزة الانحناء عن القدر الواجب ثمّ العود إلى الرفع مع اتّصال الحركات قال : نعم ، لو تعذّرت أجزأ زيادة الهويّ ، ويبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حدّ الراكع وينتهي بانتهاء الهويّ. وهل يجب هذا الهويّ لتحصيل الذكر في حدّ الراكع؟ الأقرب : لا ؛ للأصل ، فحينئذ يتمّ الذكر رافعا رأسه (٢). انتهى.

وفيه : أنّ ما دلّ على وجوب الذكر إنّما أوجبه في الركوع لا حال الرفع ، غاية الأمر أنّه ثبت اشتراطه بالطمأنينة لدى التمكّن ، فسقوط شرطيّة الطمأنينة لأجل الضرورة لا يقتضي ارتفاع شرطيّة كونه في الركوع الذي هو ميسور له ، كما لا يخفى.

الواجب (الثالث : رفع الرأس منه) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (٣).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٦٧.

(٣) الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٥١ ، المسألة ١٠٢ ، وابن حمزة في الوسيلة :٩٣ ، وابن زهرة في الغنية : ٧٩ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٧٢ ، ـ

٤٢٥

ويشهد له جملة من الأخبار :

منها : المستفيضة الواردة في كيفيّة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعراج ، التي هي الأصل في شرع الصلاة وكيفيّتها ، ففيها : «أنّ الله تعالى أوحى إليه بعد أن ركع أن ارفع رأسك من الركوع» (١).

وفي صحيحة حمّاد بعد ذكر الركوع : «ثمّ استوى قائما فلمّا استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده» (٢) الحديث.

وفي النبوي المتقدّم (٣) ، المرويّ عن الذكرى : «ثمّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائما».

وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك» (٤).

وفي خبره الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا قال : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (٥).

__________________

ـ المسألة ٢٥٠ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٧٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٨ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٩ ، مفتاح ١٥٩ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ :٧٣ ، والحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٢٠.

(١) علل الشرائع : ٣١٢ ـ ٣١٦ (الباب ١) ح ١ ، و ٣٣٤ (الباب ٣٢) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ١٠ و ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ :٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ١.

(٣) في ص ٤٢٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الركوع ، ح ٢.

٤٢٦

(فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلّا لعذر) وأمّا مع العذر فيسقط اعتباره ؛ لانتفاء التكليف بغير المقدور ، وعدم سقوط الصلاة بحال ، وكذا مع النسيان.

وحكي عن الشيخ في الخلاف القول بركنيّته (١). ولعلّه لعموم نفي الصلاة بدونه في الخبر المزبور (٢).

وفيه : أنّه لا بدّ من تخصيص هذا العموم بالعامد ونحوه ؛ لحكومة قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (٣) وغيره من المستفيضة الدالّة على إناطة صحّة الصلاة بمحافظة الركوع والسجود عن النسيان (٤) على سائر العمومات المثبتة للشرائط والأجزاء.

وكون ظاهر الدليل في خصوص المقام إرادة نفي الحقيقة من حيث هي ، المقتضي لعمومه لحال النسيان لا يقدح في الحكومة المزبورة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وقد تقدّم التنبيه عليه في نظيره «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٥) فلاحظ.

فلو هوى للسجود قبل انتصابه لعذر أو نسيانا فارتفع العذر أو ذكر قبل وضع الجبهة على الأرض ، فعن غير واحد من الأصحاب (٦) ـ منهم :

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥١ ، المسألة ١٠٢ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٧٠.

(٢) في ص ٤٢٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٠ ، الهامش (١).

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٤٢٣.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٣٧ ، الهامش (٥).

(٦) منهم : ابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٩ ، والحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٢٢.

٤٢٧

العلّامة في التذكرة (١) ـ أنّه يجب عليه تداركه ، وربما يستشعر من الجواهر (٢) الميل إليه ، واختاره صريحا شيخنا المرتضى رحمه‌الله معلّلا ببقاء الأمر والمحلّ (٣).

وفيه : أنّ هذا إنّما يتّجه لو ثبت مطلوبيّة مطلق القيام عقيب فعل الركوع كي يمكن تداركه بعد هويّه إلى السجود وخروجه عن حدّ الراكع ، وهو ممّا لم يثبت ، بل الثابت نصّا وفتوى هو وجوب رفع الرأس من الركوع حتى يعتدل قائما ، وليس وجوبه مقدّميّا للقيام الحاصل عقيبه ، وإلّا لجاز الإخلال به عمدا على وجه لا ينافيه حصول القيام بعد الركوع ، كما لو جلس من الركوع أو هوى للسجود عمدا ثمّ قام ، وهو خلاف ظاهر النصّ والفتوى.

واحتمال كون نفس القيام معتدلا من حيث هو أيضا واجبا آخر كما ربما يومئ إليه قوله عليه‌السلام : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك» (٤) مدفوع بالأصل ، وليس في الخبر المزبور دلالة على مطلوبيّة إقامة الصلب من حيث هي ، بل مطلوبيّتها في القيام الحاصل من رفع الرأس من الركوع ، فما قوّاه شيخنا الشهيد في محكيّ الذكرى حاكيا عن المبسوط من عدم الوجوب معلّلا بسقوط التكليف به حال العذر وخروج محلّه عند زواله (٥)

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، الفرع «ط» من المسألة ٢٥٥.

(٢) جواهر الكلام ١٠ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٣) كتاب الصلاة ٢ : ٢٨.

(٤) تقدّم تخريجه في الهامش (٤) من ص ٤٢٦.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، وراجع المبسوط ١ : ١١٢ ، والحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ٢ : ٢٨.

٤٢٨

لا يخلو عن وجه ، فوجوب العود يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عنه ، ولا يدفعه استصحاب بقاء التكليف بالرفع والاشتغال بالصلاة ، كما ذكره شيخنا المرتضى (١) رحمه‌الله ؛ لما عرفت من تغيّر الموضوع المانع من جريان الاستصحاب.

وأمّا استصحاب الاشتغال بالصلاة وقاعدته فالحقّ عدم جريانه في مثل المقام ، كما حقّقناه في محلّه تبعا له.

وكذلك الكلام في مسألة ما لو أتمّ الركوع فسقط ، التي حكي عن الشيخ فيها أيضا الحكم بعدم العود ؛ لأصالة البراءة (٢) ، وإن كان قد يقوى في النظر وجوب تداركه في هذا الفرض ؛ نظرا إلى عدم كون السقوط القهريّ لدى العرف معدودا من أفعاله المنافية لصدق حصول الرفع من الركوع عند تداركه ، فالقول بوجوبه حينئذ إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتداركه في الفرض الأوّل أيضا ؛ إذ لا يترتّب على إيجاده من باب الاحتياط مفسدة ، كما لا يخفى.

نعم ، قد يشكل الأمر فيما لو سقط قبل إكمال الذكر ، فإنّه قد يقال بأنّ عوده على ما كان لأجل إكمال الركوع والرفع عنه يستلزم زيادة الركن.

ولكنّه لا يخلو عن نظر ؛ إذ الظاهر عدم صدق زيادة الركوع إذا كان عوده على ما كان بقيامه بهيئة الراكع.

ولكن الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها ، كما أنّ الأحوط بل الأقوى

__________________

(١) كتاب الصلاة ٢ : ٢٨.

(٢) المبسوط ١ : ١١٢ ، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٨٢ ، وكذا الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ٢ : ٢٨.

٤٢٩

ذلك لو مضى في صلاته من غير أن يتدارك ما فاته من الإكمال والرفع ، والله العالم.

(ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب) تحصيله ولو بأجرة لا تضرّ بحاله ؛ للمقدّميّة ، كما في سائر أحوال الصلاة.

ولا فرق في جميع ذلك بين الفريضة والنافلة ؛ لإطلاق النصّ والفتوى.

وحكي عن العلّامة في النهاية أنّه قال : لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل عمدا ، لم تبطل صلاته ؛ لأنّه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل (١). انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الدليل ؛ فإنّه بظاهره ظاهر الفساد ، كما اعترضه بذلك جلّ من تأخّر عنه (٢) ، فإنّ عدم كونه ركنا لا يقتضي جواز الإخلال به عمدا ، كما في المقيس عليه ، فكأنّه يرى أنّ من لوازم عدم الركنيّة صحّة النافلة بدونه ، حيث إنّه يستكشف من صحّة الفريضة عند نسيان جزء أو تركه لعذر أنّ للصلاة الفاقدة له مرتبة من المصلحة مقتضية لطلبها ؛ إذ الظاهر أنّ تعذّر الجزء أو نسيانه لا يحدث مصلحة في فاقدته ، بل ينفي التكليف عن واجدته ، فيتعلّق الأمر حينئذ بفاقدته ؛ لكونها من الميسور الذي لا يسقط بالمعسور ، لا تكليفا جديدا ، فصحّة الفاقدة لدى الضرورة والنسيان كاشفة عن أنّ لها من حيث هي مرتبة من المصلحة مقتضية للأمر

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٣ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٩.

(٢) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٣٨٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٩ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٥.

٤٣٠

بها ولكن منعها عن التأثير في الفريضة لزوم الإتيان بالواجدة ، فإنّه يمتنع معه الأمر بالفاقدة أيضا ، وحيث لا لزوم في النافلة فلا مانع عن مطلوبيّة كلّ منهما على سبيل الشدّة والضعف ، كما في كثير من المطلقات والمقيّدات الواردة في المستحبّات ، فلاحظ وتدبّر ؛ فإنّه لا يخلو عن جودة وإن كان الالتزام به في الأحكام التعبّديّة خصوصا مع مخالفته لظاهر النصّ والفتوى لا يخلو عن إشكال ، والله العالم.

الواجب(الرابع : الطمأنينة في الانتصاب) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (١).

(وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا).

ويمكن الاستدلال له ـ مضافا إلى الإجماع ـ بقوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير ، المتقدّم (٢) : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك» وفي خبره الآخر : «فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (٣) وفي النبويّ المتقدّم (٤) : «ثمّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائما» بدعوى أنّ المتبادر من هذه العبائر إرادة استقراره على حالة الاعتدال وإقامة الصلب ، لا مجرّد إنهاء الرفع إليه ، ولعلّه إلى هذا يرجع ما في

__________________

(١) كابن زهرة في الغنية : ٧٩ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٧٢ ، المسألة ٢٥٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٨ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٩ ، مفتاح ١٥٩ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٧٣ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٢٠.

(٢) في ص ٤٢٦.

(٣) راجع الهامش (٥) من ص ٤٢٦.

(٤) في ص ٤٢٠.

٤٣١

المدارك من الاستدلال عليه بظاهر الأمر (١). ولكنّه لا يخلو عن التأمّل (٢).

ويظهر من قول المصنّف رحمه‌الله : «ولو يسيرا» جواز تطويله ، وهو كذلك ما لم يكن ذلك بالسكوت الماحي لصورة الصلاة أو نحوه.

وعن الذكرى أنّه حكى عن بعض متأخّري أصحابنا القول بأنّه لو طوّلها تبطل صلاته ؛ لأنّه واجب قصير (٣).

وفيه : أنّه لم يثبت تقييده بالقصر ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بتقصيره وجواز إطالة قيامه وإن لم يتشاغل حاله بقراءة ذكر أو دعاء ما لم يكن منافيا لصورة الصلاة ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وحكي عن الشيخ القول بركنيّة هذه الطمأنينة أيضا (٤).

ويظهر ضعفه ممّا مرّ.

الواجب (الخامس) : الذكر بلا خلاف فيه إجمالا ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه (٥) ، ولكنّهم اختلفوا في تعيينه على أقوال.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٩.

(٢) في «ض ١٧» : «عن تأمّل».

(٣) الذكرى ٣ : ٣٨٣ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٠ : ٨٩.

(٤) الخلاف ١ : ٣٥١ ، المسألة ١٠٢ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ :٣٨٩.

(٥) الطوسي في الخلاف ١ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، المسألة ٩٩ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٥ : ١١٨ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٦٧ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٥ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٩ ، مفتاح ١٥٩ ، وحكاه عنهم : العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٧.

٤٣٢

فقيل : يتعيّن (التسبيح) كما نسب (١) إلى الأكثر ، بل المشهور فيما بين القدماء (٢) ، بل عن غير واحد من القدماء دعوى الإجماع عليه (٣).

(وقيل : يكفي) مطلق (الذكر ولو كان تكبيرا أو تهليلا) أو غير ذلك ممّا يتضمّن الثناء على الله تعالى ، كما عن المبسوط (٤) بل النهاية والجامع (٥) ـ على خلاف في حكاية مطلق الذكر عنهما أو خصوص التهليل والتكبير ـ وعن الحلّي نافيا عنه الخلاف (٦) ، وقوّاه غير واحد من المتأخّرين (٧) ، بل هو المشهور بينهم على ما نسب (٨) إليهم.

ثمّ إنّ القائلين بتعيّن التسبيح منهم من اجتزأ بمطلقه ، أي أعمّ من الصغرى والكبرى مطلقا ، كما عن ظاهر الغنية والانتصار (٩).

وعن الشيخ في النهاية أنّه أوجب تسبيحة كبرى (١٠).

وعن ظاهر ابن بابويه والتهذيب التخيير بينها وبين ثلاث

__________________

(١) من الناسبين الشهيد في غاية المراد ١ : ١٤٢.

(٢) نسبه إليهم البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٦.

(٣) السيّد المرتضى في الانتصار : ٤٥ ، والطوسي في الخلاف ١ : ٣٤٩ ، المسألة ١٠٠ ، وابن زهرة في الغنية : ٧٩ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٨ :٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٤) المبسوط ١ : ١١١ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٠ : ٨٩.

(٥) النهاية : ٨١ ، الجامع للشرائع : ٨٢ ـ ٨٣.

(٦) السرائر ١ : ٢٢٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٧.

(٧) منهم : الشهيد الثاني في المقاصد العليّة : ٢٦٧ ، والطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٨) الناسب هو الطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ٢٠١.

(٩) الغنية : ٧٩ ، الانتصار : ٤٥ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١٠ : ٨٩ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ١١٠.

(١٠) النهاية : ٨١ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٩٠.

٤٣٣

صغريات (١) ، بل عن المنتهى أنّ الموجبين للتسبيح اتّفقوا عليه (٢).

وفي الجواهر نسب هذا القول إلى أبي الصلاح أيضا مع زيادته التصريح بإجزاء واحدة للمضطرّ (٣).

ولكن في الحدائق نقل عن أبي الصلاح أنّه أوجب على المختار ثلاث مرّات ، وواحدة على المضطرّ ، ثمّ حكى عن المختلف أنّه نقل عنه أنّه قال : أفضله «سبحان ربّي العظيم وبحمده» ويجوز «سبحان الله» (٤).

وظاهره تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات.

وعن العلّامة في [التذكرة] (٥) أنّه نسب إلى بعض علمائنا القول بثلاث كبريات عينا (٦).

وكذا القائلون بكفاية مطلق الذكر اختلفت كلماتهم ، فربما يستظهر من إطلاق كثير منهم كصريح بعضهم الاكتفاء بمسمّاه ، خلافا لظاهر بعض أو صريحه (٧) من اعتبار كونه بقدر تسبيحة كبرى ، أو ثلاث صغريات ، كما

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٥ ، ذيل ح ٩٢٨ ، المقنع : ٩٣ ـ ٩٤ ، التهذيب ٢ : ٨٠ ، ذيل ح ٢٩٩ ، وحكاه عنهما المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ١١٠.

(٢) منتهى المطلب ٥ : ١٢١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٥٥.

(٣) جواهر الكلام ١٠ : ٨٩ ، وراجع الكافي في الفقه : ١١٨.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٨ ، وراجع الكافي في الفقه : ١١٨ ، ومختلف الشيعة ٢ :١٨١ ، المسألة ١٠١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المختلف». والصحيح ما أثبتناه ؛ حيث إنّ المنقول عن العلّامة الحلّي موجود في التذكرة لا المختلف.

(٦) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٦٩ ، ضمن الفرع «أ» من المسألة ٢٤٩.

(٧) الصدوق في الأمالي : ٥١٢ ، المجلس (٩٣) والطباطبائي في رياض المسائل ٣ :٢٠٣.

٤٣٤

قوّاه في الجواهر (١) وغيره (٢) ، وستعرف أنّه هو الأقوى.

حجّة القول بتعيّن التسبيح جملة من الأخبار :

منها : رواية عقبة بن عامر الجهني أنّه قال : لمّا نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٣) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اجعلوها في ركوعكم» فلمّا نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٤) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اجعلوها في سجودكم» (٥).

وعن الهداية إرساله عن الصادق عليه‌السلام مع زيادة «فإن قلت : سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزئ للمعتلّ والمريض والمستعجل» (٦).

وخبر هشام بن الحكم ـ المرويّ عن العلل ـ عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : قلت له : لأيّ علّة يقال في الركوع : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» ويقال في السجود : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده»؟ قال :«يا هشام إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أسرى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان من ربّه كقاب (قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) رفع له حجاب من حجبه فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعا حتى رفع له سبع حجب فلمّا ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وجعل يقول : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، فلمّا اعتدل من

__________________

(١) جواهر الكلام ١٠ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) رياض المسائل ٣ : ٢٠٣.

(٣) الواقعة ٥٦ : ٧٤.

(٤) الأعلى ٨٧ : ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الركوع ، ح ١.

(٦) الهداية : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، وعنها في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.

٤٣٥

ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه وهو يقول : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب ، فلذلك جرت به السنّة» (١).

في نسخة الحدائق الموجودة عندي نقله هكذا ، إلّا أنّه قال : «فلمّا قال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، سكن ذلك الرعب» بدل «قالها سبع مرّات» (٢).

ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أتدري أيّ شي‌ء حدّ الركوع والسجود؟» فقلت : لا ، قال : «سبّح في الركوع ثلاث مرّات :سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، ثلاث مرّات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له» (٣).

وعن إبراهيم بن محمّد الثقفي في كتاب الغارات عن عباية قال : كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى محمّد بن أبي بكر : «انظر ركوعك وسجودك ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أتمّ الناس صلاة وأحفظهم لها ، وكان إذا ركع قال : سبحان ربيّ العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات ، وإذا رفع صلبه قال : سمع الله لمن حمده ، اللهمّ لك الحمد مل‌ء سماواتك ومل‌ء أرضيك ومل‌ء ما شئت من شي‌ء ، فإذا سجد قال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، ثلاث مرّات» (٤).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ (الباب ٣٠) ح ٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الركوع ، ح ٢.

(٢) في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ مثل ما عن العلل.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٥ ، الوسائل الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ٧.

(٤) كتاب الغارات ١ : ٢٣١ ـ ٢٤٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٥ : ١٠٤ / ٧ ، والحدائق الناضرة ٨ : ٢٥١.

٤٣٦

وظاهر هذه الروايات ـ عدا مرسلة الهداية ـ تعيّن التسبيحة الكبرى.

وأوضح منها دلالة على ذلك خبر هشام بن سالم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسبيح في الركوع والسجود ، فقال : «تقول في الركوع :سبحان ربّي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع» (١).

ولكن يتعيّن صرفها عن هذا الظاهر ؛ جمعا بينها وبين كثير من الأخبار الآتية التي هي نصّ في خلافه ، فالقول بتعيّنها ضعيف.

وأضعف منه ما نسبه العلّامة في محكيّ [التذكرة] (٢) إلى بعض علمائنا من إيجابها عينا ثلاث مرّات (٣) ، كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ قال : «ثلاث تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامّة تجزئ» (٤).

وصحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال : «ثلاثة ، وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (٥).

قال في محكيّ الوافي : الظاهر أنّ المراد بالتسبيح «سبحان الله»

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ / ١٢٠٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ١.

(٢) راجع التعليقة (٥) من ص ٤٣٤.

(٣) تقدّم تخريجه في الهامش (٦) من ص ٤٣٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٥ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٦ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ٣.

٤٣٧

ويحتمل التامّ ، ولعلّ السرّ في اشتراط إمكان الجبهة من الأرض في [الاجتزاء بالواحدة تعجيل] (١) أكثر الناس في ركوعهم وسجودهم وعدم صبرهم على اللبث والمكث ، فمن أتى منهم بواحدة فربما يصدر منه بعضها في الهويّ أو الرفع ، فلا بدّ لمن هذه صفته أن يأتي بالثلاث [ليتحقّق] (٢) لبثه بمقدار واحدة (٣). انتهى.

أقول : ما احتمله في الرواية هو الذي ينبغي حملها عليه ؛ جمعا بينها وبين غيرها ، كما ستعرف.

وصحيحة عليّ بن يقطين أيضا عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال :سألته عن الرجل يسجدكم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال :«ثلاث ، وتجزئه واحدة» (٤).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة ، قال : «ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول :سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (٥).

ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ قال : «نعم ، قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الواحدة بتعجيل». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «لتحقّق». والمثبت كما في المصدر.

(٣) الوافي ٨ : ٧٠٥ ـ ٧٠٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ / ١٢١٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ٢.

٤٣٨

وَاسْجُدُوا) (١) قلت : كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال : «أمّا ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله ، ثلاثا» (٢).

وخبر داود الأبزاري ـ الوارد في السجود ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«أدنى التسبيح ثلاث مرّات وأنت ساجد لا تعجل بهنّ» (٣).

وخبر أبي بصير ، قال : سألته عن أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود ، قال : «ثلاث تسبيحات» (٤).

وهذه الأخبار وإن لا تخلو دلالة كثير منها على وجوب التسبيح عينا عن تأمّل إلّا أنّه ربما يستشعر منها كون اعتبار التسبيح في الركوع والسجود لديهم مفروغا عنه.

هذا ، مع أنّ ظهور بعضها في ذلك غير قابل للإنكار ، ولكن يجب رفع اليد عن هذا الظاهر ؛ جمعا بينها وبين صحيحة هشام بن سالم ، المرويّة عن الكافي والتهذيب : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام يجزئ عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر؟قال : «نعم ، كلّ هذا ذكر الله» (٥) (٦) ولفظ «[و] الحمد لله» ليس في رواية

__________________

(١) الحجّ ٢٢ : ٧٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ / ١٢١١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٨٠ / ٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٩ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٠ / ٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ١٢١٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ٦.

(٥) قوله : «كلّ هذا ذكر الله» لم يرد في الكافي.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢١ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ١٢١٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الركوع ، ح ٢.

٤٣٩

الكافي ، وإنّما هو في التهذيب ، وصحيحة هشام بن الحكم ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أيجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال :«نعم ، كلّ هذا ذكر» (١).

وعن الكافي ـ في الصحيح أو الحسن ـ نحوه ، إلّا أنّه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من كلمة أخفّ على اللسان منها ولا أبلغ من سبحان الله» قال : قلت : يجزئ في الركوع أن أقول مكان التسبيح (٢) ، الحديث.

وهذان الخبران مع صراحتهما في المدّعى قد يلوح منهما وجه تعلّق الأمر بخصوص التسبيح في تلك الأخبار المشعرة أو الظاهرة في وجوبه عينا ؛ لما فيهما من الإشارة إلى أنّ التسبيح هو الذي جرت السنّة على الإتيان به وثبت في أصل الشرع ، فتلك الأخبار منزّلة على وفق ما جرت السنّة به وتعارف استعماله في الشريعة ، وقد دلّت الصحيحتان على أنّ خصوصيّته ليست من مقوّمات شرعيّته ، فيجوز إبداله بذكر آخر ، فلا منافاة بين الروايات.

وكيف كان فالأخبار الواردة في التسبيح غايتها الظهور في تعيّنه ، وهو لا يصلح لمعارضة النصّ الصحيح ، كما لا يخفى.

وقضيّة ما في الخبرين من التعليل بأنّ «كلّ هذا ذكر» إنّما هو كفاية كلّ ذكر ، فالقول به ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين ـ أقوى من حيث المستند (و) لكن مع ذلك (فيه تردّد) فإنّ عدم التزام أكثر القدماء به واشتهار القول

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ١٢١٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الركوع ، ح ١ ، وفيهما :«... ذكر الله».

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٤٦.

٤٤٠