مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

التي لا يوجب اختلافها تغييرا في المعنى ولا في نظم الكلام وترتيبه ولا إخلالا بالعربيّة ـ كضمّ المثلّثة من «حيث» وفتحها ـ مرجعه إلى الاختلاف في كيفيّة التعبير بذلك الكلام الخاصّ بحسب اختلاف الألسن واللّغات ، فهو كالإمالة والترقيق والتفخيم والمدّ والإدغام وأشباهها من كيفيّات القراءة لا المقروء ، كما هو الشأن بالنسبة إلى المرتبة الخاصّة من الحركة التي تشخّصت الكلمة بها ، مع أنّ المباينة بينها وبين مرتبة أخرى من جنسها ربما تكون أشدّ من المباينة بينها وبين حركة أخرى من غير جنسها ، ألا ترى أنّ أدنى مرتبة الفتحة ربما تشتبه لدى النطق بالكسرة ولا تشتبه بأقصاها التي قد يتولّد منها الألف ، فكيف لا يكون هذا الاختلاف مضرّا بصدق حكاية ذلك الكلام بعينه دون الأوّل!؟ فليتأمّل.

(والبسملة جزء منها تجب قراءتها معها) بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر ، بل إجماعا كما عن جماعة (١) نقله ، بل الأمر كذلك بالإضافة إلى سائر السّور عدا «براءة» على المشهور ، بل لم ينقل عن أحد منّا الخلاف فيه عدا ما ستسمعه (٢) من ابن الجنيد ، بل عن التذكرة (٣) وغيره (٤) دعوى إجماعنا

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٢٨ و ٣٣٠ ، المسألة ٨٢ ، والطبرسي في مجمع البيان ١ : ١٨ ، والعلّامة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ٤٦٢ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٢٩٨ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٤ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٣٩ ، والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٧ ، والحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٢.

(٢) في ص ١٢٤.

(٣) كذا قوله : «التذكرة» في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة ، ولم نقف على دعوى الإجماع فيها ، بل هي في الذكرى ٣ : ٢٩٨ ، كما حكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٢.

(٤) نفس المصادر في الهامش (١) ما عدا مدارك الأحكام وكشف اللثام ، والحاكي

١٢١

عليه ، وعن المنتهى نسبته إلى فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام (١).

ويشهد له في خصوص الفاتحة جملة من الأخبار.

منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال : «نعم» قلت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من السبع؟ قال : «نعم هي أفضلهنّ» (٢).

ومرفوعة يونس بن عبد الرحمن ـ المرويّة عن تفسير العيّاشي ـ قال :سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٣) قال : «هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات ، منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وإنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين» (٤).

وعنه عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فقال : «فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول» وقال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنّة منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الآية التي يقول الله تعالى فيها : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٥) و (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دعوى أهل الجنّة حين شكروا الله حسن الثواب (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال جبرئيل عليه‌السلام : ما قالها

__________________

عنها هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٢.

(١) منتهى المطلب ٥ : ٤٨ ، وحكاه عنه السبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٧٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٥٧ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٣) الحجر ١٥ : ٨٧.

(٤) تفسير العيّاشي ١ : ١٩ / ٣ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٢ : ٢٣٥ / ٢٣.

(٥) الإسراء ١٧ : ٤٦.

١٢٢

مسلم قطّ إلّا صدّقه الله وأهل سماواته (إِيّاكَ نَعْبُدُ) إخلاص العبادة (وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ) أفضل ما طلب به العباد حوائجهم (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) صراط الأنبياء ، وهم الذين أنعم الله عليهم (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود (وَلَا الضّالِّينَ) النصارى» (١).

ويدلّ عليه في سائر السور صحيحة معاوية بن عمّار ـ المرويّة عن التهذيب ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قمت إلى الصلاة أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ قال : «نعم» قلت : إذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع السورة؟ قال : «نعم» (٢).

وعن الكافي (٣) نحوه بأدنى اختلاف في التعبير.

ورواية يحيى بن [أبي عمران الهمداني] (٤) ـ المرويّة عن الكافي ـ قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في صلاته وحده في أمّ الكتاب ، فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها ، فقال العبّاسي : ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه «يعيدها ـ مرّتين ـ على رغم أنفه» يعني العبّاسي (٥).

قوله : «مرّتين» يحتمل أن يكون من كلام السائل متعلّقا بقوله : «كتب» فيكون ضمير «يعيدها» عائدا إلى الصلاة. ويحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه‌السلام متعلّقا بـ «يعيدها» أي يعيد السورة أو البسملة مرّتين : مرّة في

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ٢٢ / ١٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٢ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٤٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٩ / ٢٥١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أبي عمير الهذلي». والمثبت كما في المصدر والحدائق الناضرة ٨ : ١٠٥ وكتب الرجال.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

١٢٣

الركعة الأولى ، وأخرى في الثانية.

وعن العيّاشي في تفسيره عن صفوان الجمّال ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أنزل الله من السماء كتابا إلّا وفاتحته (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء للأخرى» (١).

وعنه عن خالد بن المختار ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : «ما لهم قاتلهم الله ، عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها ، وهي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٢).

وعنه أيضا عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «حرّفوا أكرم آية في كتاب الله (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٣).

وما في بعض هذه الروايات من ضعف الدلالة أو قصور السند مجبور بالشهرة وعدم معروفيّة الخلاف إلّا من أهل الخلاف الذين صدرت جملة من الأخبار تعريضا عليهم.

فما حكي عن ابن الجنيد ـ من أنّها في الفاتحة بعضها ، وفي غيرها افتتاح لها (٤) ـ ضعيف ، وإن كان قد يشهد له بعض الأخبار النافية لوجوبها مع السورة.

مثل : ما عن الشيخ ـ في الصحيح ـ عن عبيد الله بن علي الحلبي ومحمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ (بِسْمِ

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ١٩ / ٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٢ : ٢٣٦ / ٢٩.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ٢١ ـ ٢٢ / ١٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٢ : ٢٣٨ / ٣٩.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ١٩ / ٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٩٢ : ٢٣٦ / ٢٨.

(٤) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٢٩٩.

١٢٤

اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : «نعم إن شاء سرّا وإن شاء جهرا» فقالا : فيقرأها مع السورة الأخرى؟ قال : «لا» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ قال :«نعم ، إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح ثمّ يكفيه ما بعد ذلك» (٢).

ورواية مسمع قال : صلّيت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد ، ولم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثمّ قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثمّ قرأ بسورة أخرى (٣).

والمتّجه حمل هذه الأخبار بأسرها على التقيّة ، كما يؤيّد ذلك ما في الخبر الأخير من تركها مع الحمد أيضا في الركعة الثانية ، وظهور صحيحة محمّد بن مسلم أيضا في عدم وجوبها إلّا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى ، وهذا بحسب الظاهر ممّا لا محمل له عدا التقيّة ، كصحيحته الأخرى الظاهرة في عدم وجوبها مع الفاتحة في الأولى أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال : «لا بأس ولا يضرّه» إذ النصوص الدالّة على

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٩ / ٢٥٠ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ / ١١٦٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٨ / ١١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ١١٥٨ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

١٢٥

وجوبها مع الفاتحة كالإجماعات المنقولة عليه لعلّها متواترة ، وفي الأخبار المتقدّمة أيضا شهادة بكون المقام مقام التقيّة ، والله العالم.

(ولا يجزئ المصلّي) عن الفاتحة (ترجمتها) ولو بالعربيّة فضلا عن الفارسيّة اختيارا بلا شبهة ، فإنّ ترجمتها ليست عين فاتحة الكتاب المأمور بقراءتها كي تكون مجزئة.

(ويجب) عليه (ترتيب كلماتها وآيها على الوجه المنقول) بلا خلاف فيه على الظاهر ؛ لأنّه هو المنساق إلى الذهن من إطلاق أدلّتها.

(فلو خالف عمدا ، أعاد) الصلاة إذا فرض خروجه بذلك عن القرآنيّة ودخوله في كلام الآدميّين ، وإلّا فالمتّجه عدم الإعادة إن تداركه قبل فوات محلّه ، كما سيأتي تحقيقه في مباحث الخلل إن شاء الله.

(وإن كان ناسيا ، استأنف القراءة ما لم يركع) إذا فرض فوات الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلام ، والإعادة على ما يحصل معه تدارك ما أخلّ به ، فلو قدّم مثلا (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) على (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أجزأه إعادة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) دون (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وإن كان هذا ـ أي إعادة ما أخّره ـ أيضا أحوط ، بل لا يخلو وجوبه عن وجه.

(فإن ركع ، مضى في صلاته ولو ذكر) إجماعا ، كما ادّعاه في الجواهر (١) ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (٢) الحديث.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدم بطلان الصلاة بترك الفاتحة

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٣٠٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٠٣ ، الهامش (٢).

١٢٦

سهوا (١) ، ولا بزيادة الكلام كذلك (٢).

(ومن لا يحسنها يجب عليه التعلّم) ولو قبل دخول الوقت لدى العلم بعدم التمكّن منه بعده ، كما يظهر وجهه ممّا حقّقناه في أوّل كتاب الطهارة عند التكلّم في وجوب الغسل في الليل لصوم غده (٣).

وربما استظهر من إطلاق المتن وغيره كون التعلّم واجبا عينيّا لا تخييريّا بينه وبين الائتمام أو متابعة الغير في القراءة.

وقد قوّاه في الجواهر بعد أن حكى عن كاشف الغطاء التصريح به ، وفرّع عليه أنّه لو تركه في السعة وائتمّ أثم ، وصحّت صلاته (٤).

ولا يخفى عليك أنّ هذا إنّما يتّجه لو قيل بكون التعلّم واجبا نفسيّا ، وهو ليس كذلك ؛ إذ لا دليل عليه ، وإنّما أوجبناه مقدّمة للقراءة الواجبة في الصلاة ، فمتى فرض قدرته على الإتيان بصلاة صحيحة مبرئة لذمّته بدون تعلّم القراءة بأن يأتمّ غيره ، لا يتعيّن عليه تعلّمها.

وما يقال من أنّ الائتمام لأجل توقّفه على فعل الغير ، الخارج عن قدرته ليس فعلا اختياريّا له كي يتخيّر بينه وبين التعلّم ، مدفوع :

أوّلا : بأنّه لو لم يكن فعلا اختياريّا له ، لامتنع تعلّق التكليف به مع أنّه أفضل فردي الصلاة الواجبة عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ (باب السهو في القراءة) ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٥ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٦٩ ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٥٧ / ٢٢٧ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، و ٣٥٨ / ١٥٦٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٩ ، والباب ٥ من تلك الأبواب ، ح ٣.

(٣) راجع ج ١ ، ص ١٧.

(٤) جواهر الكلام ٩ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، وراجع : كشف الغطاء ٣ : ١٨١.

١٢٧

وثانيا : بأنّه يكفي في عدم تنجّز التكليف بالمقدّمة علمه بحصول ذيها ولو بفعل الغير من غير توقّفه على هذه المقدّمة.

نعم ، تعلّقه بفعل الغير قد يكون مانعا عن الجزم ببقاء القدرة على إتمام الصلاة مأموما ، كما أنّ احتمال طروء بعض موانع الائتمام في الأثناء أيضا ـ كالحيلولة أو الفصل الكثير ـ كذلك ، فعند تركه للتعلّم قد لا يحصل له الاطمئنان بعدم احتياجه إلى القراءة ، فلا يتأتّى منه قصد القربة على سبيل الجزم ، فعلى القول باعتبار الجزم في النيّة ـ كما هو المشهور ـ اتّجه حينئذ بطلان صلاته ، لا صحّتها وكونه آثما بترك التعلّم ، كما ذكره في الجواهر (١).

نعم ، لو لم نعتبر الجزم في النيّة وقلنا بصحّة صلاته وإن احتمل حال التلبّس بها عدم سلامتها عن الطوارئ ، أمكن توجيه الإثم في مثل الفرض من باب التجرّي ؛ لاستلزام تلبّسه بالصلاة مع جهله بالقراءة واحتمال عروض موانع الاقتداء العزم على قطع صلاته على خلاف ما يقتضيه تكليفه.

وكيف كان فمقتضى الأصل : عدم وجوب التعلّم عينا ، إلّا إذا امتنع الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة بدونه ، وإلّا فالواجب هو القدر المشترك بينه وبين غيره ممّا يتمكّن معه من الخروج عن عهدة الواجب ، لا خصوص شي‌ء منها بعينه. وإطلاق حكم الأصحاب بوجوبه إنّما هو بالنظر إلى ما هو تكليفه من حيث هو ، فهو مصروف عن فرض القدرة على الائتمام ، أي غير ملحوظ من هذه الجهة ، كما أنّ إطلاق حكمهم بوجوب الإتيان بما تيسّر أو بغيره ممّا ستسمعه لدى العجز عن التعلّم إنّما هو بهذه

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٣٠٠.

١٢٨

الملاحظة.

وهل تجوز القراءة من المصحف؟أمّا لدى الضرورة وعدم القدرة على الحفظ : فممّا لا شبهة فيه ، بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وأمّا مع التمكّن من الحفظ : فعن المصنّف والعلّامة وجماعة من المتأخّرين (١) : الجواز ؛ لإطلاق أدلّة القراءة.

وخصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في الرجل يصلّي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ فقال : «لا بأس بذلك» (٢).

وحكي عن جماعة ـ منهم : العلّامة في التحرير ، والشهيد في الذكرى والدروس ، والمحقّق الثاني (٣) ـ القول بالمنع إلّا على تقدير عدم التمكّن من الحفظ بدعوى أنّه هو المتبادر من الأمر بالقراءة في الصلاة.

واستدلّ له أيضا بقاعدة الاشتغال.

وبالخبر العامّي : إنّ رجلا سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال له : «قل : سبحان الله والحمد لله» (٤)

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٧٤ ، تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٦ ، ضمن المسألة ٢٢٤ ، نهاية الإحكام ١ :٤٧٩ ، مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٢ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٢ ، والحاكي عنهم السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٣٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٤ / ١١٨٤ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ٢٤٤ / ٨٣٣ ، الذكرى ٣ : ٣٠٦ ، الدروس ١ : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، والحاكي عنهم هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ :٣٣.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٤٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٣١٤ / ٢ ، سنن

١٢٩

إذ لو جاز القراءة من القرآن لأمره به.

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلّي ، قال : «لا يعتدّ بتلك الصلاة» (١).

ولأنّ القراءة من المصحف مكروهة إجماعا كما عن الإيضاح (٢) ، ولا شي‌ء من المكروه بواجب إجماعا. وفي الجميع نظر.

أمّا دعوى الانصراف : فيتوجّه عليها أوّلا : المنع ، خصوصا في الأوامر المتعلّقة بقراءة بعض السور الطوال التي لا يحفظها غالب الناس أو لا يحصل لهم الوثوق غالبا بصحّتها عند القراءة عن ظهر القلب ، ولو سلّم فهو بدويّ منشؤه غلبة الوجود ، ولا أقلّ من عدم كونه بحيث يجعل اللّفظ ظاهرا في إرادته بالخصوص ، فمع الشكّ في اعتبار الخصوصيّة يرجع إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة ، وهي البراءة ، كما حقّقناه في محلّه.

وبهذا ظهر لك ما في الاستدلال له بقاعدة الاشتغال ؛ فإنّ إطلاقات الأدلّة واردة على القاعدة ، وعلى تقدير تسليم قصور الإطلاقات عن الدلالة على كفاية القراءة عن المصحف فالمرجع قاعدة البراءة ، لا الاشتغال.

وأمّا النبويّ فبعد الغضّ عن سنده وعدم وضوح وروده في الصلاة فمورده على الظاهر هو العاميّ المحض ، كما هو الغالب في من لا يستطيع

__________________

البيهقي ٢ : ٣٨١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٢٤١ بتفاوت.

(١) قرب الإسناد : ١٩٥ ـ ١٩٦ / ٧٤٢ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٠٨ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٢٢.

١٣٠

أن يحفظ شيئا من القرآن ، وإلّا لأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقراءة من المصحف ؛ لتقدّمها على التسبيح والتحميد لدى الضرورة إجماعا ، كما ادّعاه غير واحد (١).

وأمّا خبر عليّ بن جعفر : فمقتضى الجمع بينه وبين رواية الصيقل ، المتّحدة معه موردا بمقتضى ظاهر السؤال : الحمل على الكراهة ، ولا يصحّ تنزيل إطلاق نفي البأس الوارد في خبر الصيقل على من لا يستطيع أن يقرأ شيئا من القرآن حتى الفاتحة عن ظهر القلب ، فإنّه تنزيل على فرد نادر بل غير واقع بحسب العادة ؛ إذ العادة قاضية بحفظ فاتحة الكتاب وشي‌ء من القرآن ممّا يقرؤه الرجل في صلواته الخمس قبل أن يصير عارفا بقراءة المصحف.

ويتلوه في الضعف حمل خبر الجواز على النافلة ، وخبر المنع على الفريضة ؛ فإنّه وإن أمكن ولكنّه بلا شاهد.

وأمّا ما ادّعي من الإجماع على كراهة القراءة من المصحف : فهو على خلاف المطلوب أدلّ ؛ إذ المراد بها إمّا كراهة الإتيان بالقراءة الواجبة في الصلاة بهذه الكيفيّة ، فلا معنى لها إلّا الكراهة العبادي الغير المنافية لصحّتها ، كالصلاة في الحمّام ، أو كراهتها باعتبار اشتمالها على النظر إلى المصحف المفتوح بين يديه ، الذي هو في حدّ ذاته ممّا يكره في الصلاة ، فمتعلّق الكراهة في الحقيقة هو النظر إلى المصحف الذي هو مقدّمة للقراءة التي هي عبادة ، لا نفسها ، فلا محذور فيه أصلا ، أو كراهة القراءة من المصحف في الصلاة من حيث هي كراهة حقيقيّة ، فحينئذ نقول : يكفي

__________________

(١) كالسيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٣٣.

١٣١

عدم حرمة الفرد في جواز اختياره في مقام امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة من حيث هي ، فإنّ قضيّة تعلّق الأمر بالطبيعة كون المكلّف مخيّرا في الإتيان بأيّ فرد من أفرادها السائغة.

وتوهّم استلزامه اجتماع الأمر والنهي في واحد شخصيّ عند اختيار الفرد المكروه كالمحرّم ، مدفوع أوّلا : بكونه شبهة في مقابلة الضرورة ، وثانيا : بما حقّقناه في كتاب الطهارة عند توجيه كراهة الوضوء بالماء المسخّن بالشمس (١).

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ القول بالجواز هو الأقوى ، فعلى هذا يكفي في حصول التعلّم الواجب تحصيل القدرة على القراءة من المصحف ، والله العالم.

(وإن ضاق الوقت) عن التعلّم (قرأ ما تيسّر منها) وصحّت صلاته بلا خلاف فيه ولا إشكال فيما إذا لم يكن عن تقصير ؛ لأنّ هذا هو الذي تقتضيه الأصول المقرّرة في الشريعة من عدم سقوط الصلاة بحال ، وانتفاء التكليف بغير المقدور ، وعدم سقوط الميسور بالمعسور.

وأمّا إذا كان عن تقصير ، فلا يخلو صحّتها عن إشكال ؛ إذ القدرة المعتبرة في صحّة التكليف هي مطلق القدرة الحاصلة في الفرض ، لا القدرة المطلقة ، أي المستمرّة إلى زمان الفعل ، وليس معنى أنّ «الصلاة لا تسقط بحال» بقاء الأمر بها بعد أن عصى المكلّف وصيّر إيجادها على النحو المعتبر شرعا في حقّه ممتنعا ، بل معناه أنّه لا يعرض للمكلّف حال ولا مرتبة من العجز إلّا وهو مكلّف بالصلاة معها بحسب وسعه ، ومن الواضح

__________________

(١) راجع ج ١ ، ص ٢٩٣ وما بعدها.

١٣٢

أنّ القادر على تعلّم الفاتحة مكلّف بالصلاة معها ، ويستحقّ المؤاخذة على تركها ، فمن الجائز أن لم تكن الصلاة المشروعة في حقّه إلّا هذه الصلاة التي فرّط فيها ، فيكون تركه للتعلّم بمنزلة تأخيره للصلاة إلى أن يتضيّق الوقت عن أدائها في عدم كونه منافيا لعموم «الصلاة لا تسقط بحال» فالأحوط إن لم يكن أقوى هو الجمع بين الصلاة الاضطراريّة في الوقت وقضائها تامّة في خارجه ، كما حكي القول به عن الموجز وشرحه (١).

وكيف كان فهل يعتبر في مشروعيّة الإتيان بما تيسّر عند ضيق الوقت عن التعلّم العجز عن الائتمام الذي هو فرد اختياريّ للمأمور به ، أم هو مخيّر بينهما كما هو الأظهر في من عداه من أفراد العاجز عن القراءة ممّن لم ينشأ عجزه عن ضيق الوقت عن التعلّم كالأخرس ونظائره على ما ستعرفه؟ وجهان ، أشبههما : الأوّل ؛ فإنّ مقتضى القاعدة : عدم الانتقال إلى الفرد الاضطراريّ الذي ثبتت مشروعيّته بقاعدة الميسور و [نظائرها] (٢) إلّا بعد العجز عن الخروج عن عهدة المأمور به في ضمن فرد اختياريّ.

ولكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بالتخيير ، كما في حقّ القادر ؛ نظرا إلى إمكان أن يدّعى أنّ الذي يظهر بالتدبّر في النصوص والفتاوى هو أنّ العبرة في تنجّز التكليف بالأفعال الاختياريّة المعتبرة في الصلاة أو ببدلها إنّما هو بقدرة المكلّف وعجزه عنها بالنظر إلى ذاته من حيث هو ، وكونه قادرا على الإتيان بفرد اختياريّ من الصلاة بإدراج نفسه في موضوع يسقط عنه القراءة لا يجعله قادرا على قراءة الفاتحة المعتبرة في الصلاة من حيث هي.

وإن شئت قلت : إنّ سقوط القراءة عن المأموم من الأحكام الثانويّة

__________________

(١) الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧ ، وكشف الالتباس مخطوط ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٢.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «نظائره». والظاهر ما أثبتناه.

١٣٣

اللاحقة للصلاة عند اختيار الائتمام ، فالواجب على المكلّف أوّلا وبالذات إنّما هو فعل الصلاة التي اعتبر فيها فاتحة الكتاب لدى الإمكان ، ومع العجز عنها بدلها ، ولكنّه لو اختار الائتمام يسقط عنه التكليف بقراءة الفاتحة ، وعلى هذا يتّجه ما عن فخر الدين في الإيضاح (١) من بناء المسألة في نظائر المقام على أنّ قراءة الإمام هل هي بدل عن قراءة المأموم أو مسقطة عنه؟فعلى الأوّل يتعيّن الائتمام لدى العجز عن القراءة مباشرة ، بخلاف الثاني ؛ حيث إنّ العجز أيضا كالائتمام مسقط ، فتعيّن أحد المسقطين يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، بل قضيّة الأصل وعموم ندبيّة الجماعة عدمه.

هذا كلّه ، مع إمكان دعوى استفادته بالنسبة إلى الموارد التي يأتي بها ملحونة لا ناقصة من إطلاق بعض الأخبار الآتية بالتقريب الآتي في حكم الفأفاء والتمتام ونحوهما ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ من لم يحسن قراءة الفاتحة إمّا متمكّن من الإتيان بمسمّاها عرفا بمعنى أنّه قادر على قراءتها ولكن مع اللّحن في إعرابها وحروفها ، كما هو الغالب في السواد وعوامّ العجم ، أو لا يقدر إلّا على بعضها.

أمّا الأوّل : فهو بمنزلة الفأفاء والتمتام ونحوهما في أنّه يأتي بما تيسّر له من قراءتها ، ويجتزئ به بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال ، فإنّه هو الذي تقتضيه قاعدة الميسور ، مضافا إلى إمكان استفادته من بعض الأخبار الواردة في العاجز ما لم يكن عن تقصير ، كما نبّهنا عليه آنفا.

مثل : رواية مسعدة بن صدقة ـ المرويّة عن قرب الإسناد ـ قال :سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : «إنّك قد ترى من المحرم (٢) من العجم

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٥٤ ، ولم نعثر على الحاكي عنه فيما بأيدينا من المصادر.

(٢) راجع لتوضيح الكلمة ج ١١ ـ من هذا الكتاب ـ ص ٤٤٤ ، الهامش (٤).

١٣٤

لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة والصلاة والتشهّد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح» (١).

وفي خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنّ الرجل الأعجمي من أمّتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيّته» (٢).

وفي الخبر : «أنّ سين بلال شين عند الله» (٣).

وانصرافها عن العاجز الذي منعه عن التعلّم ضيق الوقت لا عدم القدرة غير قادح بعد وضوح المناط.

هذا ، مع إمكان منع الانصراف خصوصا في رواية مسعدة بن صدقة ، بل هي كالنصّ في الشمول من حيث كونها في مقام إعطاء الضابط.

وأمّا الثاني ـ وهو ما إذا لم يقدر إلّا على بعضها ممّا يسمّى بعضا من فاتحة الكتاب ، مثل آية أو أكثر من الآيات المختصّة بها ، لا مثل البسملة ونحوها ممّا ستعرفه ـ فالحكم في هذه الصورة أيضا أنّه يجب عليه الإتيان بما يعلمه منها.

وهذا أيضا ممّا لا شبهة بل لا خلاف فيه بيننا على الظاهر ، بل عن غير واحد (٤) دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ج ١١ ـ من هذا الكتاب ـ ص ٤٤٥ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ج ١١ ـ من هذا الكتاب ـ ص ٤٤٥ ، الهامش (٢).

(٣) عدّة الداعي : ٣٦ ، وعنها في مستدرك الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٣.

(٤) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٣٠٥ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٣ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٢٩ ، مفتاح ١٥٠ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٦٩.

١٣٥

ويشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (١).

وقوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢).

ويمكن الاستشهاد له أيضا بإطلاق النبويّ الآتي (٣).

وربما يستدلّ له أيضا : بقاعدة الميسور :

وفيه نظر ؛ إذ الآية أو الآيتان والثلاث ليست ميسور الفاتحة ، فإن ثبت أنّ أبعاض الفاتحة من حيث هي كجملتها معتبرة في الصلاة التي لا تسقط بحال ، فهي عين المأمور به لا ميسوره ، وإلّا فلا يفي بإثباتها القاعدة.

نعم ، بعد أن علم بوجوب الإتيان بالبعض المتمكّن منه بقاعدة «ما لا يدرك» وغيرها ممّا تقدّمت الإشارة إليه يحكم بعدم سقوط ميسور هذا البعض كملحونه الغير الخارج عن مسمّاه عرفا بسقوط معسوره للقاعدة.

وكيف كان فلا شبهة في أصل الحكم ، أي وجوب الإتيان بالبعض الذي يتمكّن منها ممّا يسمّى في العرف بعضا من الفاتحة ، وإنّما الإشكال والخلاف في أنّه هل يجتزئ بهذا البعض من غير تعويض عن الجزء المجهول ، كما هو ظاهر المتن وغيره (٤) ، بل صريح بعض (٥) ، أم يجب عليه

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٧ ، الهامش (٢).

(٢) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٣) في ص ١٣٧.

(٤) مثل : إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٣.

(٥) كالعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٢٤٤ ضمن الرقم ٨٣٢ ، ومنتهى المطلب ٥ : ٦٨ ، الفرع الثاني ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٣ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٣.

١٣٦

التعويض بقدره ، كما عن العلّامة في بعض كتبه ، والشهيد في الدروس ، والمحقّق الثاني ، وغيره (١) ، بل عن بعض (٢) نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين؟

واستدلّ للأوّل : بأصالة البراءة ، واقتضاء الأمر بالقدر المستطاع أو الممكن من الشي‌ء في الخبرين المتقدّمين (٣) ، كقاعدة الميسور لو سلّمنا جريانها في المقام إجزاءه.

وللقول الثاني : بأصالة الاحتياط في العبادة ، وأنّ كلّ ما دلّ على البدليّة عند تعذّر جميع الفاتحة دلّ على اعتبارها عن كلّ جزء منها ، وبعموم (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٤) وعموم قوله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٥) خرج منه الصلاة المجرّدة عنها المشتملة على بدلها.

ولقوله عليه‌السلام في الخبر المرويّ عن علل الفضل ـ المتقدّم (٦) في صدر المبحث ـ : «وإنّما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا» إلى أن قال : «وإنّما بدأ بالحمد دون غيرها من السور لأنّه جمع فيه

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، الفرع «د» من المسألة ٢٢٤ ، الدروس ١ : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤٩ ، المقاصد العليّة : ٢٥٢ ، الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٧٧ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٠.

(٢) الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٦٩٥ ، والحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١١٠ ـ ١١١.

(٣) في ص ١٣٦.

(٤) المزّمّل ٧٣ : ٢٠.

(٥) مسند أبي عوانة ١ : ٤٥١ / ١٦٦٨ ، حلية الأولياء ٧ : ١٢٤ ، الكامل ـ لابن عدي ـ ٤ : ١٤٣٧.

(٦) في ص ١٠١.

١٣٧

من جوامع الخير والكلم ما لم يجمع في غيرها» (١) فإنّه بظاهره يدلّ على أنّ ماهيّة القراءة مطلوبة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن ، وخصوصيّة الفاتحة لحكمة أخرى ، ففقد الخصوصيّة لا يوجب سقوط الماهيّة.

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الأعرابي ـ في الخبر الآتي (٢) ـ بالتحميد والتهليل والتكبير ، مع بعد أن يكون جاهلا بالتسمية بل وبضمّ كلمتي (رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى التحميد الذي هو من أجزاء التسبيحات ، فيحصل له ثلاث آيات ، فلولا وجوب التعويض ولو بالذكر لاستغنى بالآيات الثلاث عن الذكر.

وفي جميع هذه الأدلّة نظر.

أمّا أصالة الاحتياط : ففيه : أنّ المرجع في مثل المقام هو البراءة ، لا قاعدة الاشتغال ، كما تقرّر في محلّه.

وأمّا ما دلّ على التعويض عند الجهل بقراءة القرآن : فلا إشعار فيه باعتبارها بدلا عن كلّ جزء فضلا عن الدلالة.

وأمّا عموم قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٣) ففيه ـ بعد تسليم إرادته في الصلاة ـ أنّه ليس المقصود به وجوب قراءة جميع ما تيسّر منه بالضرورة ، وبعضه صادق على بعض الفاتحة.

وأمّا عموم قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٤) فهو في حقّ

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٠ (الباب ١٨٢) ضمن ح ٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣ وذيل ح ٤.

(٢) في ص ١٣٩.

(٣) المزّمّل ٧٣ : ٢٠.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٣٧ ، الهامش (٥).

١٣٨

القادر على قراءتها ، لا مطلقا ، وإلّا للزم سقوط الصلاة عمّن لا يقدر عليها مع أنّها لا تسقط بحال ، فيلزمه أن لا تكون الفاتحة معتبرة فيها إلّا مع القدرة على قراءتها ، فالالتزام بوجوب شي‌ء آخر بدلا عنها يحتاج إلى دليل تعبّدي ، وإلّا فمقتضى الأصل عدم وجوب ذلك الشي‌ء وبراءة الذمّة عنه.

وأمّا خبر (١) العلل ـ فبعد تسليم سنده ودلالته والغضّ عن أنّ مثل هذه الأخبار مسوقة لبيان الحكم والمناسبات المقتضية لشرع الحكم من غير أن يقصد إناطة الحكم بها ـ أنّ غاية مفادها مطلوبيّة ماهيّة القراءة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن ، وهي تتحقّق في ضمن بعض الفاتحة ، فمن الجائز أن لا تكون مطلوبيّة مجموع (٢) الفاتحة إلّا لخصوصيّتها الداعية إلى تخصيصها بالأمر ، لا لكون كلّ جزء منها ممّا تقتضيه تلك الحكمة كي يجب الإتيان بعوضه عند تعذّره ، فلا يفهم من الرواية أزيد من مطلوبيّة مسمّى قراءة القرآن عند تعذّر مجموع الفاتحة ، وهو يحصل بقراءة بعضها ممّا يتحقّق به مسمّى قراءة القرآن.

وأمّا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للأعرابي بالتحميد والتهليل والتكبير حيث قال ـ فيما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «وإذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلّا فاحمد الله وهلّله وكبّره» (٣) ففيه ـ مع أنّه بحسب الظاهر عامّيّ لا ينبغي الركون إليه ـ أنّ ظاهره كون التحميد والتهليل والتكبير عوضا عن جميع القراءة الواجبة في الصلاة ، لا عن بعضها ، وحمله على إرادة الجمع بين

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٣٨ ، الهامش (١).

(٢) في «ض ١٣» : «جميع».

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٢٨ / ٨٦١ ، سنن الترمذي ٢ : ١٠٠ ـ ١٠٢ / ٣٠٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٨٠.

١٣٩

الأذكار والآيات الثلاث المفروض تمكّنه من قراءتها بمقتضى الاستبعاد المزبور (١) ـ الذي عليه يبتنى الاستدلال ـ تأويل لا يكاد يحتمل إرادته من هذه الرواية.

فالأولى في توجيه هذه الرواية ـ بعد تسليم الاستبعاد المزبور ـ الالتزام بعدم صدق قراءة القرآن عرفا على قراءة هذه الآيات ؛ لشيوع الإتيان بالتسمية والتحميد ولو مترتّبا بإضافة (رَبِّ الْعالَمِينَ) لا بقصد قراءة القرآن وإن كان الإنصاف أنّ ذكر (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بعدهما يمحّضها عرفا في القرآنيّة ، إلّا أنّ دعوى انصراف الأمر بقراءة شي‌ء من القرآن عنها غير بعيدة ، ومقتضاها الالتزام بوجوب الأذكار حينئذ بدلا عن مجموع القراءة الواجبة في الصلاة ، وعدم العبرة بمعرفة مثل هذه الآيات التي ينصرف عن قراءتها إطلاق الأمر بقراءة القرآن ، وستعرف أنّ الالتزام به ليس بالبعيد.

وكيف كان فقد اتّضح بما ذكرنا أنّ الأدلّة المزبورة قاصرة عن إثبات وجوب التعويض عن المجهول ، فالقول بعدمه هو الأقوى وإن كان الالتزام به فيما إذا كان ما يحسنه منها بمقدار آية أو آيتين ممّا يمكن ادّعاء انصراف الأمر بقراءة القرآن عن قراءته وحدها في غاية الإشكال ؛ فإنّ ظاهر جملة من النصوص ـ كالنبويّ ورواية العلل المتقدّمتين (٢) والصحيحة الآتية (٣) وغيرها كصريح الفتاوى ـ أنّه تجب قراءة شي‌ء من القرآن في الصلاة ، والمتبادر منها إرادة مقدار معتدّ به منه ، لا مثل قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ

__________________

(١) في ص ١٣٨.

(٢) في ص ١٣٧ و ١٣٩.

(٣) في ص ١٤١.

١٤٠