مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

محلّها الذي أوجبها الشارع فيه عينا دون سائر المواضع التي لم يشرّعها فيها أصلا أو شرّعها ولكن لا على سبيل التعيين ، فكما لا يفهم من هذا الخبر أنّه لو نسيها في الأوليين يجب عليه الإتيان بها عند تذكّره في أثناء التشهّد ، كذلك لا يفهم منه أنّه يجب الإتيان بها عينا لو ذكرها في الأخيرتين ، بل مقتضاه بطلان صلاته عند تركها في ذلك المحلّ الذي وجب عليه الإتيان بها فيه ، ولكن دلّت الأدلّة المتقدّمة في محلّها على اختصاص اعتبارها في الصلاة بحال العمد.

وكيف كان فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه لهذا القول هي رواية الحسين ، المتقدّمة (١).

ونوقش فيها أيضا بضعفها من حيث السند ، وإعراض الأصحاب عن ظاهرها ؛ إذ لم ينقل القول به صريحا عن أحد عدا ما سمعت (٢) حكايته عن الشيخ في الخلاف ، وهو أيضا غير ثابت ، بل ربما نسب إليه أنّه جعله أحوط (٣) ، وعلى تقدير ثبوته لا يخرجها عن الشذوذ ، خصوصا مع عدم التفاته إليها في المبسوط ، وتصريحه بعدم بطلان تخييره ؛ حيث قال ـ على ما حكي (٤) عنه ـ : إنّه إن نسي القراءة في الأوليين ، لم يبطل تخييره ، وإنّما الأولى له القراءة لئلّا تخلو الصلاة عن القراءة (٥). انتهى.

__________________

٢٧٣ / ٨٣٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢١٧ / ٨٢٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٥ / ٢٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٣٧ و ١٣٨.

(١) في ص ١٥٨.

(٢) في ص ١٥٨.

(٣) نسبه إليه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، وراجع : الخلاف ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٣ ، المسألة ٩٣.

(٤) الحاكي عنه هو العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٧ ، ضمن المسألة ٩٠.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٦.

١٦١

هذا ، مع معارضتها بعموم الروايات الدالّة على التخيير.

وخصوص صحيحة معاوية بن عمّار ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ ، قال : «أتمّ الركوع والسجود؟» قلت : نعم ، قال : «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (١).

أقول : لو أغمض عن شذوذها ومخالفة ظاهرها لظاهر كلمات الأصحاب أو صريحها في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ، لأمكن الجواب عن معارضتها بعمومات التخيير : بعدم صلاحيّتها لمعارضة النصّ الخاصّ ؛ فإنّ تخصيصها بما عدا هذا الفرد النادر التحقّق من أهون التصرّفات.

وأمّا صحيحة معاوية بن عمّار : فقد أجيب عنها : بأنّ ظاهرها نسيان مجموع القراءة المعتبرة في الأوليين ، وهي الحمد والسورة ، فالمراد بقوله :«إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» كراهة أن يأتي بتلك القراءة ، أي مجموع الحمد والسورة ، ونسبة الكراهة إلى نفسه المشعرة بجواز مخالفته جارية مجرى التقيّة.

كما يقرّب هذا التوجيه والحمل ما رواه الشيخ بإسناده إلى أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال لي : «أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟» قال : يقولون : يقرأ في الركعتين بالحمد والسورة ، فقال : «هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها» فقلت :فكيف يصنع؟ قال : «يقرأ بفاتحة الكتاب في كلّ ركعة» (٢).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ / ١٣٣٧ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٦ / ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من ـ

١٦٢

أقول : في شهادة هذه الرواية للتوجيه المزبور تأمّل ؛ إذ ليس المقصود بفاتحة الكتاب ، التي أمر بقراءتها في كلّ ركعة خصوصها المقابل للأعمّ منها ومن السورة ، وأنّه عند الاقتصار عليها في الأخيرتين لا يتحقّق قلب الصلاة ، بل المقصود بالرواية المنع عن قلب صلاته بالذكر في الأوّلتين وترك القراءة فيهما والإتيان بها في الأخيرتين كما كان معروفا عن العامّة في مثل الفرض على ما نقل عنهم ، وشهد به جملة من الروايات ، فالمقصود بقوله : «يقرأ بفاتحة الكتاب في كلّ ركعة» النهي عن تركها في الأوليين ، أي الأمر بإعطاء كلّ من الركعات ما هو وظيفتها ، لا الأمر بقراءتها مجرّدة عن السورة في خصوص الأخيرتين ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وأمّا أصل التوجيه فيتوجّه عليه ـ بعد تسليمه ، وأنّ المراد بقوله عليه‌السلام :«إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (١) كراهة أن يأتي بمجموع ما هو وظيفة الأوليين من الحمد والسورة ، لا مطلق القراءة كي يفهم منه أفضليّة التسبيح في الفرض ـ أنّ هذا لا ينفي دلالتها على أنّ نسيان القراءة في الأوليين لا يؤثّر في انقلاب تكليفه بالنسبة إلى الأخيرتين عمّا كان عليه لو لا النسيان ؛ إذ لو كان ذلك موجبا لتعيّن القراءة عليه ، لكان على الإمام عليه‌السلام حين سأله عن حكمه بيانه ، فيفهم من جواب الإمام عليه‌السلام ولو من باب السكوت في مقام البيان أنّ نسيان القراءة في الأوليين ليس موجبا لتعيّن شي‌ء عليه في الأخيرتين ، وليس رفع اليد عن هذه الدلالة المعتضدة بالشهرة وإطلاقات أوامر التخيير بأهون من حمل خبر الحسين بن حمّاد (٢)

__________________

ـ أبواب صلاة الجماعة ، ح ٧.

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٢ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم خبره في ص ١٥٨.

١٦٣

على الاستحباب ، بل هذا هو الأولى ، فالقول بأفضليّة القراءة لمن نسيها في الأوليين أخذا بظاهر هذا الخبر ـ كما حكي عن صريح المبسوط ومحتمل الخلاف (١) ـ لا يخلو عن وجه.

وكيف كان فقد اختلفوا ـ بعد اتّفاقهم على جواز الاجتزاء بأيّ منهما كان ـ في أنّ الأفضل هل هو التسبيح أو القراءة على أقوال ، حكي عن ظاهر الصدوقين والحسن وابن إدريس أفضليّة التسبيح مطلقا (٢) ، وتبعهم غير واحد من المتأخّرين (٣).

وحكي عن أبي الصلاح والشهيد في اللمعة أفضليّة القراءة (٤).

(و) قيل : (الأفضل للإمام القراءة) كما في المتن وغيره (٥) ، بل ربما نسب (٦) هذا القول إلى المشهور.

وأمّا من عداه من المأموم والمنفرد فبالخيار إن شاء قرأ وإن شاء سبّح من غير ترجيح ، كما ربما يستظهر من المتن وغيره ممّن عبّر كعبارته.

وحكي عن بعضهم التصريح بأفضليّة التسبيح للمنفرد من غير تعرّض لحكم المأموم ، كالشهيد في الدروس (٧).

__________________

(١) راجع الهامش (٣ و ٥) من ص ١٦١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٩ ، ذيل ح ٩٤٤ ، المقنع : ١١٢ ـ ١١٣ و ١٢٠ ، السرائر ١ : ٢٣٠ ، وحكاه عنهم العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٦ ، ضمن المسألة ٩٠.

(٣) كما في بحار الأنوار ٨٥ : ٩١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٤ ، اللمعة الدمشقيّة : ٣٣ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٣٨٨.

(٥) قواعد الأحكام ١ : ٢٧٣.

(٦) الناسب هو الشهيد الثاني في الفوائد المليّة : ١٩٢.

(٧) الدروس ١ : ١٧٥ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٣٥.

١٦٤

وحكي عن العلّامة في عدّة من كتبه عكسه (١) ، مع تصريحه في منتهاه بالتساوي للمنفرد (٢).

وربما نسب إلى ظاهر كثير من الأصحاب المعبّرين بأنّ المصلّي بالخيار في الأخيرتين بين القراءة والتسبيح القول بالتساوي (٣). وفيه تأمّل.

وحكي عن ابن الجنيد استحباب التسبيح للإمام إذا تيقّن أنّه ليس معه مسبوق ، وأمّا إن علم دخول المسبوق أو احتمله ، قرأ ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة ، والمنفرد يجزئه أيّهما فعل (٤).

ومنشؤ هذا الخلاف اختلاف الأخبار.

واستدلّ للقول بأفضليّة التسبيح مطلقا بأخبار كثيرة :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قال : قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إن كنت إماما أو وحدك فقل :سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ، ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات ثمّ تكبّر وتركع» (٥).

ومنها : صحيحته الأخرى عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا أدرك الرجل بعض

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٤٥ ، الفرع «ج» من المسألة ٢٢٩ ، منتهى المطلب ٥ : ٧٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٢.

(٢) منتهى المطلب ٥ : ٧٥.

(٣) راجع : الحدائق الناضرة ٨ : ٣٨٨.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٦ ، ضمن المسألة ٩٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٨ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

١٦٥

الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أوّل صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاتته ركعتان ، قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتهليل ودعاء ، ليس فيهما قراءة ، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام فقرأ أمّ الكتاب ثمّ قعد فتشهّد ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» هكذا عن الفقيه (١).

وعن التهذيب نحوه ، إلّا أنّه قال : «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوليين في كلّ ركعة بأمّ الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح [وتكبير] وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة» (٢).

وصحيحة زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «عشر ركعات :ركعتان من الظهر وركعتان من العصر ـ إلى أن قال ـ فزاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبع ركعات هي سنّة ليس فيهنّ قراءة ، إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» (٣) الحديث.

وصحيحة زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم ـ يعني سهوا ـ فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة» (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ / ١١٦٢ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة ، ذيل ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ح ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

١٦٦

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» (١).

ومنها : المرسل المرويّ ـ عن الفقيه والعلل (٢) ـ عن الرضا عليه‌السلام : «إنّما جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله» (٣).

وخبر محمّد بن عمران أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : لأيّ علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : «إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزوجل فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» (٤).

وعن المحقّق في المعتبر عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «اقرأ في الأوّلتين وسبّح في الأخيرتين» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ / ١٢٠٣ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٧.

(٢) الحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، وعنه أيضا في الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤ ، علل الشرائع : ٢٦٢ (الباب ١٨٢) ضمن ح ٩ ، وعنه أيضا في بحار الأنوار ٨٥ : ٨٨ ، ذيل ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٩٢٥ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٥) المعتبر ٢ : ١٦٥ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

١٦٧

هذه هي جملة من الأخبار التي استدلّ بها لأفضليّة التسبيح.

ولكن قد يشكل ذلك بأنّ ظاهر جلّ هذه الأخبار بل كاد أن يكون صريح جملة منها : عدم مشروعيّة القراءة في الأخيرتين ، وأنّه يتعيّن فيهما التحميد والتسبيح ، كما أنّه يتعيّن في الأوليين القراءة ، فحملها على إرادة الأفضليّة في غاية الإشكال ؛ فإنّ أغلبها آبية عن هذا الحمل ، كما لا يخفى على من له أنس بالمحاورات العرفيّة ؛ إذ العرف لا يساعد على إرادة ذلك المعنى من مثل هذه العبائر.

وأشكل من ذلك الجمع بينها وبين خبر عليّ بن حنظلة ـ المتقدّم (١) في صدر المبحث ـ الذي (٢) صرّح فيه الإمام عليه‌السلام بالتسوية بين قراءة الحمد والتسبيح وأكّده بالحلف بعد أن سئل عن أنّ أيّهما أفضل؟ فإنّ هذا يناقض التفضيل فضلا عن نفي شرعيّة القراءة رأسا ، كما هو ظاهر جلّ هذه الأخبار إن لم يكن صريحها.

والذي يقوى في النظر أنّ المقصود بالقراءة التي دلّت هذه الأخبار على اختصاص مشروعيّتها بالأوّلتين دون الأخيرتين هي قراءة القرآن من حيث هي التي أوجبها الله تعالى في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا ، وأمّا الأخيرتان فلم يشرع فيهما إلّا التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء ، فوظيفة الأوليين ليست إلّا القراءة من حيث هي ، ووظيفة الأخيرتين ليست إلّا الذكر ، ولكن فاتحة الكتاب لها اعتباران : فمن حيث إنّها قرآن وإنّ فيها من جوامع الخير ما ليس في غيرها وجبت قراءتها عينا

__________________

(١) في ص ١٥٧.

(٢) في «ض ١٧» زيادة : «قد».

١٦٨

في كلّ من الأوليين اللّتين وجب فيهما القراءة ، كما أوضح ذلك خبر علل الفضل ، المتقدّم (١) عند البحث عن تعيّن الفاتحة في الأوليين ، ومن حيث إنّها ذكر ودعاء رخّص الشارع في الإتيان بها في الأخيرتين اللّتين ليست وظيفتهما إلّا الذكر والدعاء ، كما يشهد لذلك صحيحة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (٢) فإنّ هذه الصحيحة حاكمة على جميع الأخبار المتقدّمة ؛ إذ المنساق من تلك الأخبار ـ سواء كانت بصيغة الإخبار كما في جملة منها ، أو بلفظ الأمر بالتسبيح أو النهي عن القراءة ـ ليس إلّا إرادة الحكم الوضعي ، أعني اعتبار التسبيح والتحميد بالخصوص في الركعتين الأخيرتين ، دون القراءة ، وهذه الصحيحة مقرّرة لتلك الأخبار على هذا الظاهر ، ورافعة للتنافي بينه وبين الرخصة في قراءة الفاتحة بالتنبيه على أنّ وظيفة الأخيرتين ـ التي هي الذكر والدعاء ـ تتأدّى بقراءة الفاتحة ، فإذن لا منافاة بين رواية (٣) عليّ بن حنظلة ، التي وقع فيها الحلف على أنّهما والله سواء ، بعد أن سأله عن أيّهما أفضل؟ وبين الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ وظيفة الأخيرتين ليست إلّا الذكر دون القراءة.

نعم ، صحيحة عبيد لا تنهض بنفسها رافعة للتنافي بين رواية ابن

__________________

(١) في ص ١٠١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ / ٣٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٩ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) تقدّمت الرواية في ص ١٥٧.

١٦٩

حنظلة ، التي هي نصّ في التسوية ، وبين خبر محمّد بن عمران (١) الذي وقع فيه التصريح بأفضليّة التسبيح ؛ لإشعار هذا الخبر بالمفروغيّة عن مشروعيّة القراءة في الجملة ، وكون الجواب مسوقا لبيان وجه أفضليّة التسبيح من القراءة المعلوم لديهم مشروعيّتها ، أي قراءة الفاتحة ، وهذا ينافي التسوية المصرّح بها في رواية ابن حنظلة ، والصحيحة المزبورة لا تصلح رافعة لهذا التنافي ، ولكن خبر محمّد بن عمران ليس نصّا فيما ذكر ، فيمكن الجمع بينه وبين رواية ابن حنظلة بحمله على إرادة الأفضليّة الموجبة لاختياره في مقام التشريع لا في مقام الإطاعة ، كما يؤيّده مناسبة العلّة ، ويقرّب احتماله المستفيضة المتقدّمة (٢) النافية لشرعيّة القراءة من حيث هي في الأخيرتين.

والحاصل : أنّ ارتكاب التأويل في هذا الخبر أهون من ارتكابه في رواية ابن حنظلة ، فهو المتعيّن في مقام الجمع.

وربما يستدلّ أيضا لأفضليّة التسبيح مطلقا : بصحيحة أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» (٣) إذ المراد بقوله عليه‌السلام : «فإذا كان» إلى آخره ، على الظاهر أنّه إذا حصلت الإمامة في الأخيرتين يجب على المأمومين القراءة ؛

__________________

(١) تقدّم خبره في ص ١٦٧.

(٢) في ص ١٦٥ ـ ١٦٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٣.

١٧٠

لأنّه أوّل صلاتهم ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّحون في الركعتين الأخيرتين اللّتين ينفردون عن الإمام ، فيظهر من الخبر كون وظيفة القوم التسبيح في الأخيرتين مسلّمة لديهم ، فأريد بالرواية بيان أنّ على الإمام أيضا أن يسبّح مثل ما أنّ عليهم التسبيح.

وفيه : أنّ المقصود بالرواية ـ بحسب الظاهر ـ بيان عدم تحمّل الإمام القراءة عن المأموم المسبوق ، وأنّه يجب على المأموم المسبوق القراءة ، وعلى الإمام الإتيان بما هو وظيفة الأخيرتين من التسبيح دون القراءة ، كما على المأموم أيضا الإتيان في الأخيرتين بما هو وظيفتهما ، فالمراد بالتسبيح ليس خصوصه ، بل ما هو وظيفة الأخيرتين في مقابل القراءة التي هي وظيفة الأوّلتين ، التي يتحمّلها الإمام عن المأموم.

ولو سلّم ظهورها فيما ذكر ، لتعيّن صرفها إلى ذلك ؛ جمعا بينها وبين الأخبار الآتية التي هي كالنصّ في أفضليّة قراءة الفاتحة للإمام ، والله العالم.

وقد يستدلّ أيضا بالخبرين الآتيين (١) الدالّين على أنّ أمير المؤمنين ومولانا الرضا عليهما‌السلام كانا يسبّحان في الأخيرتين.

وسيأتي الكلام فيهما إن شاء الله.

واستدلّ للقول بأفضليّة الحمد مطلقا : برواية محمّد بن حكيم قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام أيّما أفضل : القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال : «القراءة أفضل» (٢).

__________________

(١) في ص ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٩٩ / ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ / ١٢٠١ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٠.

١٧١

والتوقيع المتقدّم (١) ـ المرويّ عن الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ ـ أنّه كتب [الحميري] إلى القائم ـ عجّل الله فرجه ـ يسأله عن الركعتين الأخيرتين وقد كثرت فيهما الروايات ، فبعض يرى (٢) أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يرى (٣) أنّ التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟

فأجاب عليه‌السلام : «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم : كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج» الحديث.

وتقريب الاستدلال : أنّ السؤال وقع عن الأفضليّة بعد المفروغيّة عن أصل الجواز ، والجواب أيضا بحسب الظاهر ليس إلّا مسوقا لبيان ذلك.

والمراد بالنسخ على الظاهر هو النسخ المجازيّ لا الحقيقيّ المعلوم عدم وقوعه بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو بمنزلة قولنا : كتاب «الجواهر» ـ مثلا ـ نسخ سائر الكتب الفقهيّة ، والاستدلال عليه بقول العالم لدلالته على شدّة المناسبة وكثرة الاهتمام بها بحيث لا تصحّ الصلاة بدونها ، فرعايتها مهما أمكن أولى.

وهذه الرواية من حيث ورودها فيما اختلفت الروايات فيه حاكمة بظاهرها على سائر الأخبار المختلفة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه الرواية وتقريب الاستدلال بها للمدّعى ، وهو لا يخلو عن وجه ، إلّا أنّ ما ادّعيناه من حكومة هذه الرواية على سائر الأخبار المختلفة في غير محلّه ؛ إذ الحكومة إنّما تتحقّق لو أريد

__________________

(١) في ص ١٥٧.

(٢) بدلهما فيما تقدّم في ص ١٥٧ : «يروي».

(٣) بدلهما فيما تقدّم في ص ١٥٧ : «يروي».

١٧٢

بالجواب بيان حكم هذا الموضوع من حيث كونه كذلك ، كما لو أمره بالاحتياط ، أو الأخذ بإحدى الروايتين عينا أو تخييرا ، أو نحو ذلك ، وأمّا إذا قصد به بيان حكمه الواقعي من حيث هو كما في المقام خصوصا بعد الاستشهاد له بقول العالم ، فليس إلّا كغيره من الروايات المسوقة بظاهرها لبيان حكمه الواقعي في وجوب الجمع بينها مع الإمكان ، والرجوع إلى المرجّحات مع عدمه.

والحاصل : أنّه ليس لهذا التوقيع حكومة على سائر الأدلّة ، فغاية ما يمكن ادّعاؤه كونه كرواية (١) محمّد بن حكيم دليلا على أفضليّة القراءة مطلقا.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين» وقال : «يجزئك التسبيح في الأخيرتين» قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب» (٢).

ويعارض هذه الأخبار خبر (٣) عليّ بن حنظلة ، المصرّح بالمساواة وسائر الأخبار المتقدّمة التي استدلّ بها على أفضليّة التسبيح مطلقا لو سلّمنا دلالتها عليه ، ولكنّ الأخبار المفصّلة الآتية تنهض شاهدة للجمع بينهما وبين جلّ الأخبار المتقدّمة ، كما سنوضّحه إن شاء الله.

واستدلّ للقول بأفضليّة القراءة للإمام ـ مضافا إلى عموم الخبرين المتقدّمين (٤) ـ بخصوص صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) تقدّمت الرواية في ص ١٧١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٢.

(٣) تقدّم الخبر في ص ١٥٧.

(٤) في ص ١٧١ و ١٧٢.

١٧٣

قال : «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبّح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما ، وإن شئت فسبّح» (٢).

ورواية جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة ، فقال : «بفاتحة الكتاب ، ولا يقرأ الذين خلفه ، ويقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب» (٣).

ولا يظهر من قوله عليه‌السلام : «ويقرأ الرجل» إلى آخره : استحباب القراءة للمنفرد أيضا ؛ فإنّ وقوعه عقيب النهي مانع عن ظهوره في الطلب ، وعلى تقدير ظهوره في ذلك يجب صرفه عنه ، وحمله على إرادة الرخصة ؛ جمعا بينه وبين غيره من الروايات.

ولا يعارضها موثّق محمّد بن قيس أو صحيحه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا صلّى يقرأ في الأوّلتين من صلاته الظهر سرّا ، ويسبّح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء ، وكان يقرأ في [الأوّلتين من] صلاته العصر سرّا ، ويسبّح في الأخيرتين على

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ / ١٢٠٢ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٩ (باب القراءة في الركعتين الأخيرتين ...) ح ١ ، التهذيب ٢ :٢٩٤ ـ ٢٩٥ / ١١٨٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ / ١١٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٤.

١٧٤

نحو من صلاته العشاء» (١) وخبر رجاء بن أبي ضحّاك أنّه صحب الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى مرو ، فكان يسبّح في الأخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ثلاث مرّات ، ثمّ يركع (٢) (٣) ؛ لإجمال وجه الفعل ، فلا يصلح أن يكون معارضا للقول ، مع إمكان أن يكون المقصود بخبر محمّد بن قيس حكاية فعل عليّ عليه‌السلام وقت ما كان يصلّي وحده أو مقتديا بمن كان يقرأ خلفه ، لا حال إمامته بالناس كي ينافي الأخبار المتقدّمة.

وأمّا خبر رجاء : فلا اعتماد عليه ؛ لقصور سنده ، بل قيل : إنّ رجاء ابن أبي ضحّاك ممّن سعى في قتل الإمام عليه‌السلام (٤) ، فلا يعوّل على روايته.

وعلى تقدير صحّة الخبر فهو من الأمارات المورثة للظنّ بأنّ اختيار التسبيح كان أوفق بالتقيّة ، فإنّه يستشعر من هذا الخبر أنّه عليه‌السلام كان يتمّ في السفر ويأتي بالذكر في الأخيرتين جهرا بحيث كان يسمعه رجاء في جميع صلاته ، فلو كان ذلك كذلك ، لم يكن إلّا لأجل التقيّة.

وكيف كان فقد تلخّص ممّا ذكر أنّ شيئا من الروايات المزبورة لا تصلح لمعارضة الأخبار المفصّلة بين الإمام وغيره ، بل هذه الأخبار شاهدة للجمع بين ما دلّ على أفضليّة القراءة مطلقا وما دلّ على أنّهما سواء ، فيخصّص الأوّل بالأوّل ، والثاني بمن عداه بل بالمنفرد ؛ لما في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٢ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٩ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) «ثمّ يركع» لم ترد في «العيون».

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ (الباب ٤٤) ضمن ح ٥ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٨.

(٤) كما في كتاب الصلاة ـ للشيخ الأنصاري ـ ١ : ٣٣٢.

١٧٥

بعض هذه الأخبار من الدلالة على أنّ التسبيح للمأموم أفضل ، فيخصّص به عمومات الأدلّة المنافية له.

فالذي يظهر من مجموع أخبار الباب بعد تقييد بعضها ببعض وردّ متشابهها إلى محكمها هو : أنّ الأفضل للإمام القراءة ، وللمأموم التسبيح ، وهما للمنفرد سواء ، فهذا هو الأقوى.

ويظهر بما ذكرنا ضعف سائر الأقوال المنقولة في المسألة ؛ حيث إنّ مستندها إمّا الأخذ بظاهر بعض الأخبار وطرح ما ينافيه ، وإمّا بعض الاعتبارات التي لا ينبغي الالتفات إليها ، والله العالم.

(وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في) الثنائيّة و (الأوّلتين) من غيرها (واجب ) في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعلّم للمختار) على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، كما ادّعاه في الجواهر (٢) ، بل عن ظاهر غير واحد من الأصحاب وصريح آخرين دعوى الإجماع عليه (٣).

وعن الشيخ في المبسوط أنّه قال : الظاهر من روايات أصحابنا ومذهبهم أنّ قراءة سورة أخرى مع الحمد واجب في الفرائض ، ولا يجزئ الاقتصار على الأقلّ (٤).

__________________

(١) الظاهر : «واجبة». وكذا فيما يأتي.

(٢) جواهر الكلام ٩ : ٣٣١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٣٥ ، المسألة ٨٦ ، منتهى المطلب ٥ : ٥٤ ، الانتصار : ٤٤ ، الغنية : ٧٧ ، الوسيلة : ٩٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٨٦ ، وحكاه عنهم السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٤١.

(٤) هذه العبارة وردت في الخلاف ١ : ٣٣٥ ، المسألة ٨٦ ، وحكاها عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٤١. وعبارة المبسوط [١ : ١٠٧] هكذا : «الظاهر من ـ

١٧٦

(وقيل : لا تجب).

وقد حكي هذا القول عن الديلمي وظاهر جملة من القدماء (١) ، وقوّاه في المدارك (٢) ، وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه (٣) ، وربما نسب (٤) أيضا إلى ابن الجنيد.

وناقشه بعض (٥) : بأنّ ابن الجنيد ـ على ما يظهر من كلامه (٦) ـ إنّما يرى جواز الاكتفاء ببعض السورة لا تركها رأسا.

(و) كيف كان فلا ريب أنّ (الأوّل أحوط) بل أقوى ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة ، ومواظبة الشيعة عليه تبعا لأئمّتهم من صدر الشريعة ، كما يظهر ذلك بتصفّح آثارهم ـ خبر يحيى ابن عمران (٧) الهمداني قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في صلاته وحده في أمّ الكتاب ، فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها ، فقال العبّاسي :

__________________

ـ المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة وأنّ بعض السورة أو أكثرها لا يجوز مع الاختيار ...».

(١) المراسم : ٦٩ ـ ٧٠ ، النهاية : ٧٥ ، المعتبر ٢ : ١٧٣ ، وحكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٧.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٧.

(٣) كالسبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٦٨ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ :١٣١ ، مفتاح ١٥٢.

(٤) من الناسبين العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦١ ، المسألة ٨٩.

(٥) راجع رياض المسائل ٣ : ١٥١.

(٦) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٧٤ ، وكذا العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ٥ : ٥٨.

(٧) فيما عدا «التهذيب» : «يحيى بن أبي عمران».

١٧٧

ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه : «يعيدها ـ مرّتين ـ على رغم أنفه» يعني العبّاسي (١).

واستدلّ له أيضا : بصحيحة منصور بن حازم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر منها (٢)» (٣).

ونوقش فيه : بأنّ النهي عن الأكثر على سبيل الكراهة ـ كما ستعرف ـ فكذلك الأقلّ ، وإلّا للزم استعمال النهي في المعنيين.

وفيه : ما عرفته عند توجيه موثّقة ابن بكير ـ المتقدّمة (٤) في مبحث لباس المصلّي ـ من أنّ رفع اليد عن ظاهر الأمر أو النهي بالحمل على الاستحباب أو الكراهة بالنسبة إلى بعض مصاديقه بقرينة منفصلة لا يوجب صرفهما عن ظاهرهما فيما عداه ، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في معنيين.

نعم ، قد يتأمّل في دلالتها على المدّعى ؛ نظرا إلى أنّ محطّ النظر في الرواية هو المنع عن التبعيض والقران ، وهو لا ينافي الرخصة في تركها رأسا. ولكن سوق التعبير يشعر بالمفروغيّة عن أصل القراءة ، فليتأمّل.

وحسنة عبد الله بن سنان ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «[يجوز] للمريض أن يقرأ [في الفريضة] فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ / ٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ٣١١ / ١١٥٦ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦ ، وتقدّم تخريجه أيضا عن «الكافي» و «الوسائل» في ص ١٢٣ ، الهامش (٥).

(٢) «منها» لم ترد في المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٤) في ج ١٠ ، ص ٢٠٠.

١٧٨

في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار» (١).

ومفهوم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بأن يقرأ الرجل [في الفريضة] بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (٢).

وربما يستدلّ بهذه الصحيحة ونظائرها للاستحباب ؛ إذ المراد بها ـ بحسب الظاهر ـ الحاجة العرفيّة ، فالرخصة بالترك لدى الاستعجال تنافي الوجوب ولا أقلّ من كونها من أمارات الاستحباب.

وفيه : منع التنافي ، كما سنوضّحه.

نعم ، هي موهنة بظهورها في إرادة الحرمة ، ولكن لا على وجه يسقطه عن الاعتبار ، خصوصا مع اعتضاده بغيره من الشواهد والمؤيّدات.

وصحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة الكتاب؟ قال : «نعم» قلت : فإذا قرأت الفاتحة أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع السورة؟ قال : «نعم» (٣) فإنّ السؤال في المقامين إنّما هو عن وجوب قراءة البسملة ، وإلّا فجوازها بل استحبابها غير قابل للسؤال ، هكذا قيل (٤) في توجيه الاستدلال.

وفيه : أنّ من الجائز وقوع السؤال بلحاظ وجوبها الشرطي ، أي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٤ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ / ١١٧١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ / ٢٦١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ١٢٣ ، الهامش (٢ و ٣).

(٤) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٣١٣.

١٧٩

جزئيّتها من السورة ، لا الشرعي.

نعم ، في الخبر إشعار بمغروسيّة اعتبار السورة في الصلاة كالفاتحة ، فهو لا يخلو عن تأييد.

ونحوه قوله عليه‌السلام في رواية الفضل بن شاذان ـ المتقدّمة (١) في صدر المبحث ـ عن الرضا عليه‌السلام : «وإنّما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا ، وليكون محفوظا مدروسا ، ولا يضمحلّ ولا يجهل ، وإنّما بدأ بالحمد في كلّ قراءة» إلى آخره ، فإنّه يدلّ على وجوب قراءة الأزيد من الحمد في الجملة.

واستدلّ أيضا بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ الواردة في المأموم المسبوق ـ : «قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك سورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب» (٢) الحديث.

وفي صحيحة معاوية بن عمّار : «من غلط في سورة فليقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثمّ ليركع» (٣).

وصحيح العلاء عن محمّد عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : «لا ، لكلّ ركعة سورة (٤)» (٥).

__________________

(١) في ص ١٠١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ / ١١٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٤) في التهذيب : «لكلّ سورة ركعة».

(٥) التهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٨ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

١٨٠