مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

ـ كما لو قال مثلا : الحمد والشكر لله الواجب الوجود المنّان ربّ العالمين الرحمن الغفّار الرحيم ـ أو سكت بين كلمات مرتبطة بعضها ببعض ، أو بين حروف الكلمات بمقدار تنقطع العلاقة بينها لدى العرف في محاوراتهم مخلّ بصحّتها.

وأمّا سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة وردّ السلام وتسميت العاطس أو الحمد عند العطسة وأشباهها فغير قادحة بالموالاة المعتبرة في القراءة ، فإنّه كثيرا ما يوجد نظيرها في العرف عند اشتغالهم بقراءة شي‌ء ولا يرونه مخلّا بانضمام بعضها إلى بعض أو منافيا لحفظ صورتها ، فالالتزام بكون ما ورد في النصوص جوازه كسؤال الرحمة ونحوه من حيث هو منافيا للتوالي ولكن ثبت جوازه تعبّدا بدليله ليس بأولى من منع اعتبار التوالي على وجه ينافيه مثل هذه الأمور.

وربما يستدلّ أيضا لعدم اعتبار الموالاة بالمعنى الذي ذكروه :بإطلاقات أوامر القراءة.

وفيه : أنّ الإطلاقات غير ناظرة إلى كيفيّة القراءة ، فالعمدة ما عرفت.

(ولو قرأ) مثلا (خلالها من) سورة أخرى (غيرها) أو أتى بذكر أو دعاء على سبيل المزج والتأليف بحيث منع عن انضمام لا حقه بسابقه بأن عدّ المأتيّ به أيضا من أجزاء القراءة في العرف أو كان موجبا للفصل الطويل المنافي للانضمام (استأنف القراءة) لا الصلاة ، عمدا كان أو سهوا ما لم يكن مخلّا بالموالاة المعتبرة في الصلاة من حيث هي ؛ إذ لا ملازمة بين الأمرين ؛ لأنّه قد يحصل في خلال القراءة ما ينفصم به نظمها وتختلّ صورتها ، ولكن لا ينافي صورة الصلاة وبقاء هيئتها ، كما أنّه قد يكون الأمر بالعكس ، فإنّه قد يكون بعض الأشياء منافيا لصورة الصلاة ، كما لو جلس

٣٤١

في أثنائها واشتغل بشرب التّتن والتّنباك ونحوه مثلا ، فإنّ حصول مثل هذه الأشياء في أثناء القراءة عند طولها بقصد الاستراحة وتجديد النفس ليس قادحا في صدق وحدتها وانضمام بعضها إلى بعض في العرف ، ولكنّها منافية للهيئة الاتّصاليّة المعتبرة في الصلاة ، كما سيأتي تحقيقه في محلّه إن شاء الله.

ثمّ إنّه ينبغي تقييد إطلاق المتن وغيره ممّن أطلق الحكم باستئناف القراءة بما إذا كان ما أتى به في خلال القراءة موجبا لانفصام نظمها بحيث لم يكن العود إلى ما انتهى إليه أو مع شي‌ء ممّا تقدّمه ممّا له شدّة ارتباط به مجديا في تداركه ، وإلّا عاد على ما يحصل معه الارتباط من غير حاجة إلى استئنافها ، كما أنّه ينبغي تنزيل قول من أطلق الحكم بالقراءة من حيث انتهى إليه على هذه الصورة.

وحكي عن غير واحد (١) القول ببطلان الصلاة مع العمد ، وربما علّلوه بأنّ الإخلال به مخالفة لأمر الشارع بترك الموالاة الواجبة في الصلاة ، وهي منهيّ عنها ، وأنّه موجب لبطلان الجزء الذي اعتبر فيه الموالاة ، وفساده يوجب فساد الكلّ ، فلا تتحقّق به موافقة أمره.

وفيه : أنّه بعد تداركه تتحقّق الموافقة ، فلا مقتضي للبطلان.

وأمّا ما قيل من أنّ المخالفة منهيّ عنها (٢) ، فكأنّه أريد به أنّ الجزء المأتيّ به فاسدا حرام ، فتسري حرمته إلى الكلّ بواسطة جزئه ، فيمتنع

__________________

(١) مثل : العلّامة الحلّي في قواعد الأحكام ١ : ٢٧٤ ، والشهيد في البيان : ١٥٧ ، والذكرى ٣ :٣١٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٥ ، والحاكي عنهم هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٤.

(٢) قاله الشهيد في الذكرى ٣ : ٣١٠.

٣٤٢

وقوعه عبادة.

وفيه ـ بعد الغضّ عن أنّ وجوب الموالاة شرطيّ لا شرعيّ ، فلا يكون تركها حراما شرعيّا ـ أنّ حرمة ترك الموالاة لا تؤثّر في حرمة القراءة السابقة التي أتى بها بقصد الجزئيّة حتى يمكن أن يدّعى أنّ حرمتها تستدعي حرمة الصلاة المشتملة عليها ، أو يقال : إنّ الكلام المحرّم مبطل للصلاة ، ولذا بنى بعض (١) هذا الدليل على ادّعاء أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه ، فيكون المراد بكون المخالفة محرّمة حرمة السكوت الطويل أو القراءة الواقعة في الأثناء ، الموجبة لفوات الموالاة.

وفيه أيضا : أنّه لا مقتضي على هذا التقدير أيضا للالتزام بكون السكوت المحرّم مبطلا للصلاة.

وأمّا القراءة الواقعة في الأثناء فربما يقال فيها بذلك بعد تسليم حرمتها ، كما تقدّمت الإشارة إلى وجهه مع ما فيه من الضعف في مسألة ما لو أتى بشي‌ء من أفعال الصلاة رياء أو لغير الصلاة (٢).

وقد ظهر بما تقدّم في المبحث المشار إليه ضعف الاستدلال للمقام بأنّه لدى الإخلال بالموالاة إن اقتصر على المأتيّ به ومضى في صلاته ، بطلت من حيث النقيصة ، وإلّا فمن حيث الزيادة ، فلا نطيل بالإعادة.

فالأظهر : عدم بطلان الصلاة بالإخلال بالموالاة المعتبرة في القراءة ، بل عليه تداركها باستئناف القراءة على تقدير انقطاع الهيئة الاتّصاليّة المعتبرة في القراءة بين أبعاض القراءة الواحدة عرفا ، وخروج الأجزاء السابقة عن

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) راجع ج ١١ ص ٤١٢ وما بعدها.

٣٤٣

قابليّة وصل اللاحقة بها أو خصوص الكلمة التي انتهى إليها أو مع شي‌ء ممّا تقدّمها ممّا له شدّة ارتباط بها عند بقاء سابقتها في الجملة على صفة القابليّة للانضمام ، واختصاص الفوات بالموالاة المعتبرة بين بعض الكلمات مع بعض أو بعض الآيات مع بعض ، لا مطلقا.

(و) كيف كان فلا فرق فيما يفوت به التوالي بين أن يكون قراءة غيرها أو السكوت المنافي للتوالي ، فكما يستأنف القراءة خاصّة دون الصلاة في الأوّل فـ (كذا) في الثاني ما لم يكن موجبا لفوات الهيئة الاتّصاليّة المعتبرة في الصلاة من حيث هي ، كما في الأوّل على حسب ما تقدّمت الإشارة إليه آنفا.

ولكن قد يتخيّل الفرق بين أفراد السكوت ، بل وكذا بين أفراد قراءة الغير أيضا ، فإنّ لكلّ منهما عند اقترانه مع العزم على قطع القراءة والإعراض عنها تأثيرا في رفع الهيئة المعتبرة عرفا بين أبعاض الكلام ليس له هذا الأثر لدى استدامة عزمه على القراءة.

ألا ترى فرقا واضحا لدى العرف في صدق وحدة القراءة بين ما لو سكت القارئ للاستراحة وتجديد النفس أو تشاغل بشرب التّتن ونحوه مع بقاء عزمه على إتمام القراءة ، وبين ما لو صدر منه ذلك بنيّة القطع والإعراض ، وكذا لو تكلّم بمبتدإ ـ مثلا ـ ثمّ قطع كلامه ووضع يده على فيه للإشارة إلى ذلك ثمّ ذكر ما يصلح أن يكون خبرا له ، فإنّه يحتاج حينئذ في ربطه بذلك المبتدأ إلى رابطة من إشارة ونحوها ، بخلاف ما لو سكت بينهما بأكثر من ذلك لضيق نفس أو سعال أو نسيان ونحوه ، فلا يبعد أن يقال : إنّه (لو نوى قطع القراءة وسكت) ولو قليلا ـ كما يقتضيه إطلاق المتن ـ فضلا عمّا لو اشتغل ـ مع نيّة القطع ـ بما يضادّها من قراءة غيرها ونحوها ،

٣٤٤

أخلّ بالموالاة ، فعليه أن يستأنف القراءة خاصّة على المختار ، وعلى القول ببطلان الصلاة لدى الإخلال بالموالاة عمدا إعادة الصلاة ؛ إذ المفروض حصوله عن قصد.

(وفي قول) : لو نوى قطع القراءة وسكت (يعيد الصلاة).

وهذا القول منسوب (١) إلى الشيخ في المبسوط (٢) ، مع تصريحه ـ على ما نسب (٣) إليه ـ باستئناف القراءة خاصّة فيما لو قرأ خلالها من غيرها عمدا (٤) ، فلعلّ نظره في الحكم بالإعادة في المقام أنّ نيّة قطع القراءة الواجبة في الصلاة ما لم يكن من عزمه العود إليها أو استئنافها قبل فوات محلّها ـ كما هو المتبادر من إطلاقه ـ يلزمها العزم على قطع الصلاة أو إيقاعها فاسدة ، وهذا العزم وإن لم يكن لديه من حيث هو موجبا للبطلان ـ كما حكي عنه التصريح به في مبحث النيّة (٥) ، ويشهد له حكمه هاهنا ـ على ما حكي عنه ـ بأنّه لو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته (٦) ـ ولكنّه قد يلتزم بمبطليّته لدى الجري على حسب ما يقتضيه من التشاغل بغير أفعال الصلاة التي منها السكوت عن القراءة ، فإنّ صدور مثل هذه الأفعال عن قصد قطع الصلاة وإبطالها لا يبعد أن يدّعى كونه مخلّا بالموالاة المعتبرة فيها ، كما نفينا البعد عنه في مسألة ما لو كبّر للإحرام ثمّ نوى وكبّر ثانيا وثالثا ، فراجع (٧).

__________________

(١) نسبه صاحب الجواهر فيها ١٠ : ١٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٣) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٠ : ١٦.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٦.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٢ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٥ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٥.

(٧) ج ١١ ، ص ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

٣٤٥

هذا ، ولكن يتوجّه عليه ـ بعد تسليم ما ذكر ـ عدم الملازمة بين نيّة قطع القراءة وبين العزم على قطع الصلاة أو إبطالها ؛ لإمكان أن يعتقد جواز التبعيض فنوى قطع القراءة وسكت ثمّ بدا له أن يعود.

(أمّا لو سكت في خلال القراءة لا بنيّة القطع) التي هي أعمّ من قصد قطعها بالمرّة أو مع العزم على العود إليها بعد مدّة يفوت بها التوالي المعتبر عرفا في صدق وحدة القراءة ، بل لعذر من سعال أو ضيق نفس أو لتذكّر المنسي ونحوه (أو نوى القطع و) لكن (لم يقطع) أي لم يتلبّس بسكوت ونحوه ممّا يتحقّق به عرفا قطع ذلك الكلام (مضى في صلاته).

وينبغي تقييد السكوت بما إذا لم يكن طويلا في العادة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ السكوت الطويل الناشئ عن معذوريّة المتكلّم في إتمام كلامه مع بقاء عزمه على الإتمام وكذا ما قام مقامه من الأعذار المانعة عن التكلّم من السعال ونحوه لا يكون طوله موجبا لرفع الهيئة الاتّصاليّة المعتبرة لدى العرف في وحدة الكلام ، بل قد لا يكون مخلّا في أثناء كلمة واحدة أيضا.

نعم ، إذا تفاحش قد يكون موجبا لمحو صورة الصلاة ، لا لرفع الهيئة الاتّصاليّة المعتبرة بين أبعاض القراءة ، والله العالم.

المسألة (الثالثة : روى أصحابنا أنّ (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) سورة واحدة ، وكذا «الفيل» و (لِإِيلافِ) فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كلّ ركعة) كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعن كثير (١) منهم نسبة القول بأنّ المجموع سورتان لا أربع إلى أصحابنا ، كما أنّه نسب

__________________

(١) منهم : الطوسي في التبيان ١٠ : ٣٧١ ، والطبرسي في مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٠٧ ، والمحقّق الحلّي في الشرائع كما في المتن ، والحاكي عنهم هو الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٣٩.

٣٤٦

كثير منهم (١) المنع عن إفراد كلّ منها عن صاحبتها أيضا إليهم.

وعن الانتصار أنّه جعلهما ممّا انفردت به الإماميّة (٢).

وعن الأمالي نسبة المنع عن إفراد إحداهما عن صاحبتها إلى دين الإماميّة معلّلا بأنّ كلّا منها مع صاحبتها سورة واحدة (٣).

والحاصل : أنّه يظهر من كثير منهم دعوى الإجماع على كلا الأمرين ، وكفى بذلك دليلا لإثباتهما بعد وضوح أنّ مستندهم في ذلك ليس إلّا ما رووه عن أهل البيت عليهم‌السلام.

فمن جملة النصوص المرويّة في هذا الباب ما عن أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان ، قال : روى أصحابنا أنّ (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) سورة واحدة ، وكذا سورة (أَلَمْ تَرَ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ).

وقال : وروى العيّاشي عن أبي العبّاس عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) سورة واحدة» قال : وروي أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه (٤). انتهى.

ومنها : ما عن كتاب القراءة لأحمد بن محمّد بن سيّار عن البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي العبّاس عن الصادق عليه‌السلام قال : «(الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) سورة واحدة» (٥).

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢٠.

(٢) الانتصار : ٤٤ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٦.

(٣) الأمالي ـ للصدوق ـ : ٥١٠ ـ ٥١٢ ، المجلس (٩٣) ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٦.

(٤) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٠٧ و ٥٤٤ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، الأحاديث ٤ ، ٦ ، ٧ ، والحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٤.

(٥) عنه في مستدرك الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٣٤٧

وعن البرقي عن القاسم بن عروة عن شجرة أخي بشر (١) النبّال عن الصادق عليه‌السلام : «(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) و (لِإِيلافِ) سورة واحدة» (٢).

وعن محمّد بن عليّ بن محبوب عن أبي جميلة مثله (٣).

وعن الصدوق في الهداية مرسلا عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال فيه : «وموسّع عليك أيّ سورة في فرائضك إلّا أربع ، وهي : (وَالضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) في ركعة ، لأنّهما جميعا سورة واحدة ، و (لِإِيلافِ) و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) في ركعة ، لأنّهما جميعا سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة» (٤).

ويؤيّده فتواه به أيضا في المحكيّ من فقيهه (٥) الذي يفتي فيه غالبا بمضامين الأخبار المعتبرة.

وعن الفقه الرضوي قال : «لا تقرأ في الفريضة (وَالضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) و (لِإِيلافِ) إلى أن قال : لأنّه روي أنّ (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) سورة واحدة ، وكذلك (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) و (لِإِيلافِ) سورة واحدة ، إلى أن قال : فإذا أردت قراءة بعض هذه فاقرأ (وَالضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) ولا تفصل بينهما ، وكذلك (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) و (لِإِيلافِ)» (٦). انتهى.

__________________

(١) في المصدر : «بشير».

(٢) عنه في مستدرك الوسائل ، الباب ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٣) نفس المصدر ، ذيل ح ٢.

(٤) الهداية : ١٣٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٠ ، ذيل ح ٩٢٢ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٤.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٢ ـ ١١٣ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٤.

٣٤٨

وعن الشيخ في الاستبصار أنّ هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمّد عليهم‌السلام (١).

فهذه الأخبار بمنزلة الشرح لما رواه المصنّف وغيره على سبيل الإجمال ، واشتهار مضمونها بين الأصحاب كاشف عن صحّتها وصدورها عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فلا ينبغي الالتفات إلى ما فيها من ضعف السند ؛ فإنّه مجبور بما عرفت.

ويعضدها أيضا صحيحة زيد الشحّام قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) في ركعة (٢) ، وفي خبر المفضّل ـ المرويّ عن جامع البزنطي ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا تجمع بين السورتين في ركعة واحدة إلّا (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) وسورة الفيل و (لِإِيلافِ)» (٣) فإنّ اختصاصهما بهذا الحكم مع ما ورد في جملة من الأخبار [من] النهي عن القران بين سورتين في الفريضة (٤) على الإطلاق مع ما في أغلبها من التعليل بأنّ لكلّ سورة حقّا من الركوع والسجود من أقوى الشواهد على صحّة ما اشتهر بين الأصحاب ونطقت به تلك الأخبار من أنّهما سورة واحدة.

وما يقال من دلالة خبر المفضّل على عكس المدّعى ، أي تعدّدها وعدم اتّحاد كلّ منها مع صاحبتها ؛ لأنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال ،

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣١٧ ، ذيل ح ١١٨٢ ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٤٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٢ ، الهامش (٥).

(٤) راجع الهوامش (١ ـ ٣ و ٦) من ص ٢٣٢ ، والهامش (١ و ٣) من ص ٢٣٣.

٣٤٩

مدفوع : بأنّه يكفي في حسن الاستثناء بل واتّصاله تعدّدها صورة ، ولو سلّم ظهوره في التعدّد في الواقع ونفس الأمر ، فرفع اليد عن هذا الظاهر بتنزيله على الجري على ما هو المعهود في أنظار أهل العرف بمقتضى ما دوّن في مصاحفهم أولى من ارتكاب التخصيص في الأخبار الكثيرة الناهية عن القران ، المعتضد عمومها بعموم العلّة المنصوصة المقتضية للتعميم ، كما لا يخفى.

وكيف كان فلا يعارض الأخبار المزبورة الصحيح الآخر عن الشحّام أيضا ، قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ في الأولى (الضُّحى) وفي الثانية (أَلَمْ نَشْرَحْ) (١) وله أيضا صحيحة ثالثة صالحة لأن تنطبق على ما في هذه الصحيحة وكذا على سابقتها ، قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ بنا (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) (٢) فإنّه يمكن إرادتهما في ركعة ، فتنطبق على صحيحته الأولى أو كلّا منهما في ركعة ، فتنطبق على الثانية.

وخبر داود الرقّي ـ المنقول عن الخرائج والجرائح ـ قال : فلمّا طلع الفجر قام ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ فأذّن وأقام وأقامني عن يمينه وقرأ في أوّل ركعة الحمد و (الضُّحى) والثانية بالحمد و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثمّ قنت ثمّ سلّم ثمّ جلس (٣).

أمّا هذه الرواية فليس لها ظهور يعتدّ به في أنّه عليه‌السلام اقتصر في الركعة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٣) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٢٩ ـ ٦٣٠ / ٢٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٠.

٣٥٠

الأولى على خصوص (وَالضُّحى) ولم يقرأ معها (أَلَمْ نَشْرَحْ) التي هي معها سورة واحدة ، فلعلّه لكونهما كذلك لم يسمّهما الراوي إلّا باسم أولاهما ، وعلى تقدير ظهورها في ذلك بل صراحتها فيه فحالها حال الصحيح الأوّل ، وهو لا ينفي كونهما سورة واحدة كي تتحقّق المعارضة بينها وبين تلك الأخبار ؛ لإمكان أن يكون اكتفاء الإمام عليه‌السلام بقراءة أولاهما في الركعة الأولى ، والثانية في الثانية من باب التبعيض الذي كان يصدر منه أحيانا لبعض الدواعي المقتضية له ، كما عرفته في محلّه ، فحال هذه الرواية أيضا حال الروايات الدالّة على جواز التبعيض ، ، وقد تقدّم الكلام في توجيهها : أنّ الأقرب حملها على كون التبعيض صادرا منه لأجل التقيّة.

فما عن المصنّف في المعتبر من التشكيك في كونهما سورة واحدة وإن لزم قراءتهما في ركعة (١) ، كأنّه في غير محلّه فضلا عمّا في المدارك من الجزم بتعدّدهما تمسّكا بوجودهما كذلك في المصاحف (٢).

وفيه : أنّ الفصل بالبسملة في المصاحف وتخصيص كلّ منهما باسم بعد تسليم اعتبار هذا الجمع الواقع من غير المعصوم لا ينافي اتّحادهما في الواقع وارتباط بعضهما ببعض ، كما أومأ إليه العلّامة الطباطبائي في منظومته حيث قال :

ووالضحى والانشراح واحدة

بالاتّفاق والمعاني شاهدة

كذلك الفيل مع الإيلاف

وفصل بسم الله لا ينافي (٣)

مع أنّه روي أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بين (الضُّحى)

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٨ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٧٨.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٧٨.

(٣) الدرّة النجفيّة : ١٣٧.

٣٥١

و (أَلَمْ نَشْرَحْ) في مصحفه (١).

ومن هنا قد يقوى في النظر ما رجّحه في المتن حيث قال : (ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر) وفاقا لغير واحد من الأصحاب (٢) ، بل عن البحار نسبته إلى الأكثر (٣) ، بل عن التهذيب : عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة (٤) ، وعن التبيان ومجمع البيان : أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (٥) ، كما ربما يؤيّده عبارة الفقه الرضوي ، المتقدّمة (٦) ، وما روى عن أبيّ بن كعب أنّه لم يفصل بينهما في مصحفه (٧) ، مع أنّ قراءة أبيّ على ما يظهر من قوله عليه‌السلام في خبر داود بن فرقد والمعلّى بن خنيس ـ المتقدّم (٨) في صدر المبحث عند التكلّم في جواز القراءة بكلّ من القراءات : «أمّا نحن فنقرأه على قراءة أبيّ» ـ أنّها أصحّ القراءات وأوفقها بقراءة أهل البيت عليهم‌السلام.

ولكن مع ذلك كلّه الأحوط بل الأقوى الافتقار إليها ، كما حكي عن

__________________

(١) كما في مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٤٤.

(٢) كالطوسي في الاستبصار ١ : ٣١٧ ، ذيل ح ١١٨٢ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع :٨١.

(٣) بحار الأنوار ٨٥ : ٤٦ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٨.

(٤) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٧ ، وفي الاستبصار ١ : ٣١٧ ، ذيل ح ١١٨٢ ، : «ولا يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم» بدون كلمة «عندنا». وفي التهذيب ٢ : ٧٢ ، ذيل ح ٢٦٤ : «وعندنا أنّه لا تجوز قراءة هاتين السورتين إلّا في ركعة». ولم يتعرّض لعدم الفصل بينهما بالبسملة.

(٥) التبيان ١٠ : ٣٧١ ، مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٠٧ ، وحكاه عنهما الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٤ : ٤١.

(٦) في ص ٣٤٨.

(٧) راجع الهامش (١).

(٨) في ص ١١٩.

٣٥٢

جماعة (١) ، بل عن المقتصر نسبته إلى الأكثر (٢) ؛ لثبوتها في المصاحف المعروفة بين المسلمين من صدر الإسلام ، وعدم التنافي بينه وبين كون المجموع سورة واحدة ، بل قد يغلب على الظنّ أنّ وقوع البسملة في أثنائها عند نزولها هو الذي أوقع الناس في شبهة التعدّد ، فكأنّ أبيّ بن كعب عرف أنّهما سورة واحدة وزعم التنافي بينه وبين الفصل ببسم الله ، فلم يفصل بزعم عدم جزئيّتها منها.

هذا ، مع أنّ الشكّ في جزئيّتها يكفي في لزوم الإتيان بها تحصيلا للجزم بقراءة السورة الواجبة في الصلاة ، والله العالم.

المسألة (الرابعة : إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا) أو ساهيا (لم يعد) بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر ، بل عن التذكرة والرياض دعوى الإجماع عليه (٣).

ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : «أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٤).

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢١ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥٠ ، ذيل المسألة ٢٣٣ ، ومنتهى المطلب ٥ : ٨٣ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٢٠٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٧١٥ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٦.

(٢) المقتصر : ٧٦ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ٣٠٣ ، المسألة ٣٣٥ ، رياض المسائل ٣ : ١٦٤ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٤ ، وصاحب الجواهر فيها ١٠ : ٢٥.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٤٥ ، الهامش (١).

٣٥٣

ويدلّ عليه أيضا في الناسي والساهي صحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ، فقال : «أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي‌ء عليه» (١).

ومقتضى إطلاق النصّ وفتاوى الأصحاب عدم الفرق فيما ذكر بين الركعتين الأوليين والأخيرتين ، ولا بين الجاهل بأصلهما أو محلّهما ، كمن زعم أنّ الإخفات في العشاءين والجهر في الظهرين مثلا ، بل ولا بين الجاهل بحكمهما أو موضوعهما ، كما لو زعم أنّ بعض أقسام الإخفات جهر فاكتفى به في صلاة المغرب مثلا ، فإنّه لم يتعمّد الإخفات في صلاة المغرب وإن تعمّد في فعل ما هو إخفات في الواقع.

وانصراف قوله عليه‌السلام : «أو لا يدري» عن جاهل الموضوع غير ضائر ؛ إذ المدار ـ على ما يظهر من صدر الخبر ـ على عدم الجهر في موضع الإخفات أو عكسه عمدا. وقوله عليه‌السلام : «فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا» الحديث ـ بحسب الظاهر ـ تعبير عن مفهوم القيد الواقع في الصدر ، فهو بمنزلة أن يقال : فإن لم يفعل ذلك متعمّدا فلا شي‌ء عليه.

وكذا لا فرق على الظاهر بين ناسي الموضوع أو الحكم.

وانصراف قوله عليه‌السلام : «ناسيا أو ساهيا» عن ناسي الحكم غير ضائر ؛ لما عرفت.

هذا ، مع إمكان إدراجه في عموم «لا يدري» كما لا يخفى.

__________________

(١) تقدّم تخريجها في الهامش (٦) من ص ٢٤٥.

٣٥٤

وكذا لا فرق على الظاهر بين الإخلال بما وجب فيه الإخفات بالأصالة أو لعارض المأموميّة ، كما في المأموم المسبوق ؛ لإطلاق النصّ.

ودعوى انصرافه إلى الأوّل مع كون القسم الثاني أيضا من الأفراد الشائعة الواضحة الفرديّة لما وقع عنه السؤال في الصحيحتين ، غير مسموعة خصوصا بعد الالتفات إلى أنّ الجهة العارضة الموجبة للإخفات ليست بخارجة عن ماهيّة الصلاة ، بل هي من كيفيّاتها المقسّمة لها ، وقد اعتبر الشارع الإخفات في هذا القسم ، وجعل الجهر في بعض القسم الآخر ، وهي الصلاة المأتيّ بها لا بهذه الكيفيّة ، فما صدر من غير واحد من التردّد فيه في غير محلّه.

نعم ، لو أخلّ بالإخفات الواجب عليه لعارض خارجيّ حاصل من باب الاتّفاق ـ كالخوف من العدوّ ونحوه ـ لكان هذا خارجا عن منصرف النصّ ، فلا يكون جاهل الحكم معذورا فيه ، كسائر مواقع اجتماع الأمر والنهي ، مثل الصلاة في الدار المغصوبة ونحوها ، بخلاف جاهل الموضوع أو ناسيه على حسب ما حقّقناه في المبحث المشار إليه.

وهكذا الكلام فيما لو جهرت المرأة بالقراءة فسمعها الأجنبي وقلنا بأنّ صوتها عورة ؛ لخروجها عن مورد النصّ فضلا عن منصرفه.

وأمّا في سائر الموارد التي يكون الرجل معذورا فيها فالمرأة أيضا بحكمه ؛ لقاعدة المشاركة ، المعتضدة بإطلاق فتاوى الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة.

ثمّ إنّ المراد بالجاهل ـ الذي حكمنا بمعذوريّته في المقام ـ هو الجاهل الغافل أو المعتقد للخلاف ولو من باب التقليد أو الاجتهاد ، دون

٣٥٥

الملتفت المتردّد فيه المقصّر في الفحص والسؤال ، فإنّه خارج عن منصرف النصّ ، كما صرّح به غير واحد.

وهكذا الكلام فيما لو كان جهله بالحكم ناشئا من الجهل بحكم آخر ، كما لو صلّى نيابة عن الغير فزعم أنّ عليه رعاية حال المنوب عنه في الجهر والإخفات فأخفت في الجهريّة التي تحمّلها عن المرأة ، فإنّه أيضا خارج عن منصرف النصّ ، والله العالم.

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّا قد أشرنا إلى معذوريّة الجاهل بالحكم في هذه المسألة نصّا وإجماعا ، فهذا إجمالا ممّا لا شبهة فيه ، ولكن قد يشكل تعقّله من حيث اقتضائه اشتراط وجوب الجهر والإخفات بالعلم به ، وهو محال ؛ لأنّه دور صريح.

ويدفعه : أنّ وجوبهما ليس مشروطا بالعلم ، ولذا صرّح بعض (١) بل نسبه إلى ظاهر الأصحاب بعدم معذوريّته من حيث استحقاق المؤاخذة التي هي أثر الوجوب ، وإنّما هو معذور بمعنى أنّ صلاته مجزئة ، ولا تجب عليه إعادتها ، ولا استحالة في ذلك.

بيانه : أنّ من الجائز أن يكون لطبيعة الصلاة من حيث هي مصلحة ملزمة مقتضية لإيجابها ، وكونها في ضمن الفرد المشتمل على خصوصيّة الجهر أو الإخفات فيه مصلحة أخرى ملزمة أيضا ، فاجتماع كلتا المصلحتين في هذا الفرد أوجب تأكّد طلبه واختصاصه بالوجوب ، فإذا أتى المكلّف بالطبيعة في ضمن فرد آخر فقد أحرز المصلحة المقتضية لتعلّق الطلب بصرف الطبيعة ، فلا يعقل بقاؤها بعد بصفة الوجوب ، وعند ارتفاع

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول : ٥٢٣.

٣٥٦

الوجوب المتعلّق بالطبيعة يتعذّر عليه إحراز مصلحة الخصوصيّة ، سواء خرج وقت الفعل أم بقي زمانه ؛ إذ المفروض أنّ المصلحة المقتضية لخصوص الفرد تعلّقت بإيجاده امتثالا للأمر بالطبيعة ، وقد فرضنا سقوط الأمر المتعلّق بالطبيعة بحصولها في الخارج.

مثلا : لو اقتضى الإفطار في شهر رمضان وجوب عتق رقبة من حيث هي ولكن كان في عتق المؤمنة مزيّة مقتضية لأرجحيّة عتقها كفّارة عن الإفطار ، فهذه المزيّة قد لا تنتهي إلى مرتبة الإلزام ، وقد تنتهي إلى هذه المرتبة ، فإذا أعتق المكلّف رقبة غير مؤمنة ، فقد أتى بما اقتضته كفّارة الإفطار ، ولكن فوّت على نفسه المزيّة التي وجب عليها رعايتها مهما أمكن ، فيستحقّ المؤاخذة عليه ، ولا يمكنه تداركها بعد ارتفاع الطلب المتعلّق بنفس الطبيعة ولو مع بقاء وقتها.

إن قلت : إذا وجب عليه الإجهار في صلاته ، فقد حصل بفعله مخالفة ذلك التكليف فيكون منهيّا عنه ، فكيف يصحّ وقوعه عبادة!؟

قلت : مخالفة ذلك التكليف تحصل بترك اختيار الجهر في القراءة ، الذي هو نقيض المأمور به ، فهو الحرام ، لا باختيار فعل القراءة إخفاتا.

نعم ، لو قلنا بأنّ الأمر بشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ ، وجب الالتزام بحرمته من حيث المضادّة ، ولكنّا لم نقل بذلك.

لا يقال : مقتضى ما ذكر عدم وجوب إعادة الصلاة بالإخلال بهما مع العمد أيضا ، وهو خلاف الفرض.

لأنّا نقول : لا ندّعي أنّ ماهيّة الصلاة من حيث هي معرّاة عن هذه الخصوصيّة مطلوبة مطلقا كيفما اتّفقت ، وإنّما المقصود بيان إمكان ذلك

٣٥٧

دفعا لتوهّم الاستحالة وغيرها من المحاذير المتوهّمة في المقام ، وإلّا فمن الجائز تقييد مطلوبيّة صرف الطبيعة بخلوصها عن شائبة التجرّي كي ينافيها التعمّد أو التردّد ، كما لا يخفى.

ولو تذكّر أو علم في الأثناء ، لم يعد ما سبق من القراءة ولو كان بعض كلمة ، بل ولا ما سبق لسانه إليه بعد الذكر ، كما صرّح به شيخنا المرتضى (١) رحمه‌الله ؛ لما أشرنا إليه آنفا من أنّ المدار في البطلان على أن يكون متعمّدا في ذلك ، وهو ليس كذلك في الفرض ، فإنّ المخالفة فيه مستندة إلى السهو أو الجهل السابق ، فلاحظ ، والله العالم.

المسألة (الخامسة : يجزئه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاثا) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وإنّما الكلام في تعيّن هذا المقدار ، فإنّهم اختلفوا فيما يجب من الذكر في الأخيرتين عند اختياره على أقوال :فعن صريح النهاية والاقتصاد ومختصر المصباح والتلخيص والبيان وظاهر ابن أبي عقيل : القول بوجوب التسبيحات الاثنتي عشرة المزبورة (٢).

واستدلّ له بالصحيح المروي في كتاب الصلاة من السرائر ناقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قلت :فما أقول فيهما؟ قال : «إن كنت إماما فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٣٨٣.

(٢) النهاية : ٧٦ ، الاقتصاد : ٢٦١ ، مختصر المصباح مخطوط ، تلخيص المرام : ٢٦ ، البيان :١٥٩ ، وحكاه عنها وعن ظاهر ابن أبي عقيل العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٩٠ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٧٥.

٣٥٨

الله والله أكبر ، ثلاث مرّات ثم تكبّر وتركع» (١) الحديث.

وفي خبر رجاء بن أبي الضحّاك الحاكي لفعل الرضا عليه‌السلام في طريق خراسان : فكان [يسبّح] في الأخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ثلاث مرّات ثمّ يركع (٢).

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : «وفي الركعتين الأخراوين : الحمد مرّة ، وإلّا فسبّح فيهما ثلاثا تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، تقولها في كلّ ركعة ثلاث مرّات» (٣).

ويتوجّه على الاستدلال بالصحيحة : أنّه نقل الحلّي هذه الصحيحة عن أصل حريز في مستطرفات السرائر (٤) بإسقاط لفظ «والله أكبر» وكذا رواها في الوسائل عن الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام بأدنى اختلاف في اللفظ ، قال : «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قال : قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إذا كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ، ثلاث مرّات ، تكمله تسع تسبيحات ثمّ تكبّر وتركع» (٥) فالظاهر أنّ زيادة التكبير في باب الصلاة من سهو قلم الناسخ لأنس ذهنه به ، كما يشهد لذلك ما عن الفقيه وغيره من التصريح في ذيل الرواية بقوله : «تكمله تسعا» (٦).

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٩.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٥ ، الهامش (٣) وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٤١٤.

(٤) السرائر ٣ : ٥٨٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٨ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

(٦) حكاه المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٨٧.

٣٥٩

وما احتمله في الوسائل (١) وغيره (٢) من أنّ زرارة سمع هذا الحديث من الإمام عليه‌السلام مرّتين وأثبته حريز في مقامين من كتابه كما نقله في السرائر ، بعيد في الغاية ، بل ممّا ينبغي القطع بعدمه ، وقد تصدّى غير واحد من الأعلام (٣) لذكر شواهد ومؤيّدات لإثبات الاتّحاد لا حاجة إلى إيرادها ، وكفاك شاهدا لذلك استفهام زرارة عمّا يقول بعد أن نهاه عن القراءة ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مسبوقا بمثله ، وإلّا لم يكن يجهله حتى يحتاج إلى الاستفهام عنه ثانيا ؛ إذ العادة قاضية بعدم طروء النسيان على مثل هذا التكليف المبتلى به دائما ، مع أنّه على تقدير التعدّد وجب حمل الرواية المشتملة على اثنتي عشرة على الاستحباب ؛ جمعا بينها وبين الرواية الأخرى التي هي صريحة في كفاية التسع.

وبهذا يظهر لك الجواب عن خبر رجاء والفقه الرضويّ ، مع عدم ثبوت اعتبار الرضويّ لدينا ، وضعف خبر رجاء سندا وقصوره من حيث الدلالة ؛ فإنّ فعله عليه‌السلام لا يدلّ على الوجوب ، مضافا إلى ما حكي عن البحار من أنّه قال : إنّ الموجود في النسخ القديمة المصحّحة من العيون بدون التكبير ، والظاهر أنّ الزيادة من النسّاخ (٤). انتهى.

وربما يستدلّ أيضا لهذا القول باستصحاب التكليف وقاعدة الشغل.

وفيهما ما لا يخفى ، خصوصا مع وجود الأدلّة الوافية بإفادة حكم المورد.

__________________

(١) الوسائل ، ذيل ح ٢ من الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) بحار الأنوار ٨٥ : ٨٧.

(٣) منهم : السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٧٩.

(٤) بحار الأنوار ٨٥ : ٨٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٤١٤.

٣٦٠