مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

العزائم الأربع ثمّ يقوم فيتمّ صلاته إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء» (١) فهذا القول هو الأقوى.

واستدلّ للقول بوجوب التأخير : بالأصل ، أي استصحاب وجوب المضيّ في الصلاة وحرمة قطعها ، أو أصالة براءة الذمّة عن التكليف بالسجدة في الأثناء بعد دعوى انصراف دليل فوريّتها عن صورة التشاغل بالفريضة ، أو معارضته بما دلّ على النهي عن إبطال الفريضة (٢).

وهو لا يخلو عن قوّة لو لا الأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم سقوط فوريّة السجود وقيام الإيماء مقامه ، وأمّا معها فلا وجه لهذا القول ، كما أنّه لا وقع لما استشكله العلّامة الطباطبائي بعد أن أفتى ببدليّة الإيماء عملا بالنصّ من مساواة البدل للمبدل في كونه زيادة في الفريضة ، فقال في منظومته :

ويسجد الداخل في نفل وفي

فريضة يومئ له ويكتفي

للنصّ والقول به قد يشكل

إذ كان في حكم السجود البدل

والأصل بالتأخير فيه يقضي

إذ منع البدار حقّ الفرض (٣)

إذ بعد تسليم النصّ لا يبقى موقع لهذا الإشكال ؛ فإنّه نصّ في أنّه ليس بحكم مبدله في الإخلال بالفريضة ، كيف! وقد أمر بالبدل فرارا عن حكم مبدله.

هذا ، مضافا إلى ما حقّقناه فيما سبق من اختصاص هذا الحكم

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١٧٢ / ٣٠٠ ، و ١٧٣ / ٣٠٣ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب قراءة القرآن ، ح ٣ و ٤.

(٢) سورة محمّد ٤٧ : ٣٣.

(٣) الدرّة النجفيّة : ١٣٥.

٢٢١

بالمبدل تعبّدا ، وعدم تسريته إلى بدله ولو لم يرد به نصّ ، بل جاء به من باب الاحتياط أو قياسا على سجدة الصلاة التي يومئ بدلا عنها عند تعذّرها ، فراجع (١).

حجّة القول بوجوب الجمع بين الإيماء والسجدة بعد الصلاة : قاعدة الاشتغال ؛ إذ التكليف مردّد بين الأمرين ، فلا يحصل القطع بتفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به يقينا إلّا بهما.

وفيه : أنّه إن اعتبرنا النصّ الدالّ على بدليّة الإيماء ـ كما هو الحقّ ـ فهو وارد على قاعدة الشغل ، وإلّا فمقتضى الأصل : عدم تنجّز التكليف بالسجود ما دام تشاغله بالصلاة ، وبراءة الذمّة عن التكليف بالإيماء بدلا عنه ، وعدم شرعيّته ، فهذا القول أضعف من سابقه ، فالأقوى وجوب خصوص الإيماء ، ولكنّ الأحوط السجود أيضا بعد الصلاة ؛ خروجا عن شبهة الخلاف.

وهذا حكمه إذا تجاوز آية السجدة ، سواء أكمل السورة أم لا.

وهل يكتفي بما أكمله أو بإكمال ما بقي ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان ، أوجههما : الأوّل.

ووجه العدم : عدم اعتناء الشارع بها في مقام الجزئيّة.

ويضعّف : بأنّ المستفاد من الأدلّة والفتاوى أنّ عدم الاعتناء من حيث حرمته الناشئة من سببيّته للسجدة ، وحيث لم تصلح هذه الجهة للتأثير في قبح فعله من حيث صدوره عنه ؛ لعدم كونه بهذا العنوان اختياريّا له ، لا مانع عن صحّته كصلاة جاهل الغصبيّة وناسيها على ما عرفته في محلّه.

__________________

(١) ص ٢١٣ ـ ٢١٤.

٢٢٢

ولو شرع في السورة ثمّ ذكر قبل بلوغ آية السجدة ، عدل إلى سورة أخرى وإن تجاوز النصف ؛ للنهي عن قراءة هذه السورة ، وبقائه في عهدة التكليف بقراءة سورة كاملة ولو بحكم الأصل.

وما دلّ على تحديد العدول بما إذا لم يتجاوز النصف (١) ـ على تقدير تسليمه والغضّ عن سنده ومعارضاته كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله ـ لا يشمل ما نحن فيه ؛ لظهوره في العدول اقتراحا.

ولا يقدح أيضا في المقام حرمة القران لو قلنا بها ؛ لاختصاصها بصورة التعمّد في الزائد والمزيد عليه ، فاحتمال بطلان الصلاة ـ لدورانها بين محذوري القران وتبعيض السورة ـ ضعيف.

وأضعف منه ما عن الذكرى من احتمال وجوب الإتمام ثمّ الإيماء للسجود وقضائه.

قال ـ على ما حكي عنه ـ : لو قرأ العزيمة (٢) سهوا في الفريضة ، ففي الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف وجهان مبنيّان على أنّ الدوام كالابتداء أولا؟ والأقرب : الأوّل.

وإن تجاوز ، ففي جواز الرجوع أيضا وجهان من تعارض عمومين أحدهما : المنع من الرجوع هنا مطلقا. والثاني : المنع من زيادة سجدة (٣) ، وهو أقرب. وإن منعناه ، أومأ بالسجود ثمّ يقضيها.

ويحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة ، وهو قريب أيضا ،

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٨٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «العزائم». والمثبت كما في المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «السجدة». والمثبت كما في المصدر.

٢٢٣

مع قوّة العدول مطلقا ما دام قائما (١). انتهى.

وفي كلماته مواقع للنظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

وممّا يضعّف أيضا الاحتمال المزبور ـ مضافا إلى ما عرفت من أنّه لا مقتضي لإتمامها بعد تعلّق النهي بقراءتها ـ ما في موثّقة عمّار ، المتقدّمة (٢) من التصريح بأنّه «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها».

ثمّ إنّ المعروف بين الفقهاء ـ على ما حكي عنهم (٣) ـ اختصاص المنع بالفريضة ، فتجوز قراءتها في النوافل.

وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف فيه (٤). وعن الخلاف الإجماع عليه (٥).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل ، واستشعار اختصاص النهي عنها بالفريضة من أدلّته ـ خصوص مضمرة سماعة ورواية عليّ بن جعفر ، المتقدّمتين (٦) وغيرهما من الأخبار الدالّة على الجواز ، المصروفة إلى النافلة بشهادة غيرها ممّا عرفت.

وعليه أن يسجد في الأثناء متى قرأ أو استمع آية السجدة ، وكذا لو سمعها إن أوجبناها بالسماع ، كما يدلّ عليه جملة من أخبار الباب ، مضافا إلى عموم أدلّته ، بل له أن يسجد في الأثناء لو سمعها وإن لم نقل بوجوبها

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٥٨.

(٢) في ص ٢٠٤.

(٣) الحاكي عنهم هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٤٠٥.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ١٦٠.

(٥) الخلاف ١ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ ، المسألة ١٧٨ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٨.

(٦) في ص ٢٠٣ و ٢٠٤.

٢٢٤

بالسماع بل بالاستحباب ، كما يشهد له بعض الأخبار المتقدّمة (١).

ويستحبّ له إذا كانت السجدة في آخر السورة أن يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع ، كما صرّح به في رواية عليّ بن جعفر وحسنة الحلبي أو صحيحته ومضمرة سماعة المتقدّمات (٢) في صدر المبحث ، ولا يجب عليه ذلك ، بل له أن يركع بها ، كما يشهد له خبر وهب بن وهب عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» (٣).

(و) كذا (لا) يجوز أن يقرأ (ما يفوت الوقت بقراءته) على المشهور ، بل عن بعض دعوى عدم الخلاف فيه (٤). وعن آخر نسبته إلى الأصحاب (٥).

ويدلّ عليه رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم» (٦) إذ الظاهر كون النهي لفوت الوقت ، كما أفصح عن ذلك ما رواه أيضا سيف بن عميرة عن عامر بن عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «من قرأ شيئا من ال حم (٧) في صلاة الفجر فاته الوقت» (٨).

__________________

(١) في ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وهو خبر عليّ بن جعفر.

(٢) في ص ٢٠٣ و ٢٠٤ و ٢٠٨.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (١).

(٤) السيّد الطباطبائي في رياض المسائل ٣ : ١٥٨ بزيادة : «إلّا عن بعض متأخّري المتأخّرين ، وحكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ٤٠٧.

(٥) البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٢٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٣ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.

(٧) في التهذيب : «من الحواميم».

(٨) التهذيب ٢ : ٢٩٥ / ١١٨٩ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٢٢٥

وقد يناقش في الاستدلال : بأنّ المراد بالوقت في هذا الخبر ـ بحسب الظاهر ـ هو وقت الفضيلة ؛ ضرورة أنّ وقت الإجزاء أوسع من ذلك ، فلا بدّ من حمل النهي على الكراهة.

ويمكن دفعه ـ بعد تسليم أنّ المراد بالوقت في الرواية هو الوقت الأوّل كما هو الظاهر ـ بأنّ هذا لا ينفي دلالة النهي على الحرمة فيما هو محلّ الكلام.

توضيح ذلك : أنّه يفهم من مجموع الخبرين أنّ قراءة ما يفوت الوقت بقراءته منهيّ عنه ، وأنّ علّته كونه موجبا لفوات الوقت ، وهذه العلّة تقتضي صرف النهي عن ظاهره بالحمل على ما يناسبه علّته في كلّ مورد بحسبه ، فلو بنينا ـ مثلا ـ على أنّ تفويت الوقت الأوّل اختيارا حرام للحاضر ومكروه للمسافر ، لكنّا نلتزم بأنّ قراءة ما يوجبه أيضا بحكمه ، أخذا بظاهر ما يفهم من الخبرين من تعدية المنع المتعلّق بالتفويت إلى القراءة الموجبة له ، وحيث إنّ تفويت وقت الإجزاء حرام يكون النهي المسبّب عنه المتعلّق بسببه أيضا كذلك ، وكون مورد النصّ خصوص الوقت الأوّل الذي يجوز تفويته غير قادح ؛ إذ العبرة بعموم ما يفهم من الخبر ، لا بخصوص المورد ، وكأنّ هذا هو السرّ في أنّه لم يناقش أحد ـ ممّن عثرنا على كلماتهم ـ في الاستدلال بالخبر المزبور من هذه الجهة.

ولا يلزم ممّا ذكرناه ـ من اختلاف ما يقتضيه النهي حرمة وكراهة بحسب الموارد على حسب ما تقتضيه علّته ـ كونه مستعملا في معنيين ، كما يظهر وجهه ممّا حقّقناه في مبحث لباس المصلّي في توجيه موثّقة ابن

٢٢٦

بكير (١) ، فليتأمّل.

ويمكن الاستدلال له أيضا : بأنّ الواجب عليه مع ضيق الوقت الصلاة مع سورة يسعها الوقت ؛ لامتناع كونه مكلّفا بما يقصر عن أدائه الوقت ، فإتيان غيرها بقصد الجزئيّة تشريع محرّم ، وأمّا لو لم يقصد بها الجزئيّة فلا تحرم القراءة من حيث هي وإن استلزمت محرّما ؛ لأنّ مستلزم المحرّم ليس بمحرّم.

نعم ، لو قلنا بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، اتّجه القول بحرمتها مطلقا ، ولكن الحقّ خلافه ، كما تحقّق في محلّه.

اللهمّ إلّا أن يستدلّ عليه بإطلاق الخبر المزبور ؛ فإنّه وإن كان منصرفا إلى ما لو قرأها بقصد الجزئيّة كإطلاق فتاوى الأصحاب ولكن قضيّة ما يفهم من مجموع الخبرين من كون النهي لفوت الوقت : التعميم ، فهو لا يخلو عن قوّة.

وهل تبطل الصلاة أيضا بقراءتها؟ قولان ، ربما يستشعر من كلماتهم أنّ أوّلهما أشهر بل المشهور ، بل عن الحدائق نسبة التحريم والبطلان إلى الأصحاب (٢) ، بل عن بعض القول بالبطلان بمجرّد الشروع (٣).

وعمدة المستند للبطلان ما سبق في نظائر المسألة من استلزامه الزيادة التشريعيّة ، وأنّ النهي المتعلّق بجزء العبادة يستلزم فساد كلّها ؛ لصيرورة الكلّ بواسطة جزئه منهيّا عنه ، وأنّ القراءة المحرّمة كلام أجنبيّ مبطل

__________________

(١) راجع : ج ١٠ ، ص ٢١٩.

(٢) راجع : الهامش (٥) من ص ٢٢٥.

(٣) قاله الشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ٢٠٦ ، والمقاصد العليّة : ٢٥٣ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٩.

٢٢٧

للصلاة.

وقد تبيّن فيما سبق ضعف الجميع ، ولذا تردّد فيه بل قوّى عدم البطلان غير واحد من المتأخّرين (١) ؛ إذ لا يترتّب عليه إلّا ترك السورة القصيرة التي كان مكلّفا بقراءتها في صلاته ، وهي ممّا يسقط اعتباره لدى الضيق ولو بسبب الاشتغال بالقراءة المحرّمة ؛ إذ الظاهر عدم الفرق في الضيق المسقط للسورة بين كونه لعذر أو بسوء اختيار المكلّف.

هذا ، ولكنّك عرفت مرارا أنّ الالتزام بصحّة العبادات الاضطراريّة التي نشأ الاضطرار إلى فعلها من سوء اختيار المكلّف لا يخلو عن إشكال ، فالأحوط إن لم يكن أقوى في مثل هذه الموارد هو الجمع بين فعلها في الوقت وقضائها في خارجه ؛ عملا بما تقتضيه قاعدة الشغل.

ثمّ إنّ ما ذكر من سقوط اعتبار السورة لدى الضيق فإنّما يتّجه فيما إذا تلبّس في الضيق بسائر الأجزاء قبل خروج وقتها ، وأمّا لو خرج الوقت حال تلبّسه بقراءة هذه السورة الطويلة أو بعد الفراغ منها قبل أن يتلبّس بالركوع فلا ؛ لأنّ ضيق الوقت لا يؤثّر في سقوط السورة عمّا يأتي به بعد الوقت ، ففي مثل هذا الفرض يمكن أن يقال : إنّه لو اكتفى بالسورة التي قرأها ، بطلت صلاته من حيث النقيصة ؛ إذ لا اعتداد بما قرأها ؛ لوقوعها على وجه غير مشروع ، وإن أعادها أو قرأ غيرها فمن حيث الزيادة أو القران.

ولكنّك عرفت مرارا أنّا لم نسلّم مبطليّة مثل هذه الزيادة ، كما أنّا لا نسلّم حرمة القران ولا مبطليّته ، وعلى فرض التسليم فهو في غير مثل

__________________

(١) كالعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٤ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ :١٣٢ ، مفتاح ١٥٤ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٢٦.

٢٢٨

المقام ، كما سيأتي تحقيقه ، فعليه في مثل الفرض قراءة السورة بعد خروج الوقت ، ولا محذور فيه.

ويمكن الالتزام بكفاية ما قرأ بدعوى كونه حال قراءته مأمورا به على سبيل الترتّب.

ولكن هذا ينافي الالتزام بحرمته ، كما هو ظاهر النصّ وفتاوى الأصحاب ، بل صريح كثير منهم (١) ، بل عن بعضهم دعوى عدم الخلاف فيه (٢) ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وربما يفصّل في المسألة بين ما لو كانت السورة الطويلة موجبة لفوات الوقت قبل إدراك ركعة من الصلاة أو بعده ، فتبطل على الأوّل ، لأنّه حال الشروع كان مأمورا بصلاة أدائيّة ، وقد فرّط فيها ، ولم يأت بها في وقتها كي تقع أداء ، ولم يكن الأمر بقضائها حال الشروع منجّزا عليه كي تصحّ قضاء ، وهذا بخلاف ما لو وقع ركعة منها في الوقت ، فإنّها تصحّ حينئذ أداء ، كما عرفته في المواقيت.

وفيه : ما تقدّمت الإشارة إليه مرارا من أنّ القضاء وإن كان بأمر جديد إلّا أنّ الأمر الجديد كاشف عن أنّ مطلوبيّة الصلوات الموقّتة مستمرّة ، وأنّ تقيّدها بأوقاتها من قبيل تعدّد المطلوب ، فلا يسقط طلبها بفوات وقتها ، فيستفاد من هذا صحّة التلفيق وجواز التلبّس بالصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها في خارجه ، مع خروجه عن موضوع كلّ من الأمرين ، أي الأمر بفعلها في الوقت وفي خارجه وإن لم نقل بقاعدة «من أدرك» أو منعنا

__________________

(١) منهم : العلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٢٤٦ / ٨٤٧ ، ونهاية الإحكام ١ :٤٦٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٧٣ ، والذكرى ٣ : ٣٢٥.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٢٥.

٢٢٩

عمومها بالنسبة إلى ما عدا صلاة الفجر التي ورد فيها بعض النصوص المعتبرة ، أو فرضنا الكلام فيما لو أدرك في الوقت أقلّ من ركعة ، فالأظهر عدم الفرق بين الصورتين ، كما أنّ الأقوى عدم الفرق بين الاشتغال بقراءة سورة موجبة لفوات الوقت أو السكوت الموجب له ، الغير المخلّ بالتوالي ، فلا تبطل الصلاة بشي‌ء منهما على تردّد ، فالأحوط إعادتها في خارج الوقت ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، والله العالم.

وقد يستدلّ للبطلان أيضا بالخبر المزبور (١).

وفي دلالته عليه نظر بل منع ، كما نبّه عليه شيخنا المرتضى رحمه‌الله ، فأجاب عن الاستدلال بهذا الخبر : بأنّه لا يدلّ على أزيد من التحريم المقدّمي الناشئ من إفضائه إلى ترك الفعل الواجب في وقته المضروب له ، ومجرّد هذا التحريم بل التحريم التشريعي الحاصل من استلزام الأمر بالشي‌ء ـ أعني السورة القصيرة ـ عدم الأمر بضدّه بل التحريم الاستقلالي بناء على استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه لا يثبت إلّا فساد الجزء ، وهو لا يستلزم فساد الكلّ ما لم يوجب نقص جزء أو شرط ، والسورة القصيرة وإن انتفت هنا لكنّها ساقطة لضيق الذي ثبت كونه عذرا ولو بسوء اختيار المكلّف (٢). انتهى.

ولو شرع في السورة الطويلة بظنّ السعة أو غفلة عن طولها ثمّ تنبّه ، رجع ـ ولو بعد تجاوز النصف ـ إلى سورة أخرى إن وسع الوقت لها ، وإلّا فيركع عن بعض تلك السورة.

__________________

(١) في ص ٢٢٥.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٤٠٩.

٢٣٠

والعدول بعد تجاوز النصف في الفرض الأوّل وكذا القران بناء على تحقّقه في مثل الفرض كتبعيض السورة في الفرض الثاني كلّها غير قادح ، كما لا يخفى على من تدبّر فيما مضى وسيأتي.

ولو لم يلتفت حتى خرج الوقت ، مضى في صلاته ، ولا شي‌ء عليه ، وليس عليه مع بقاء المحلّ إعادة السورة أو استئنافها لو كان في الأثناء ؛ إذ لا مانع عن صحّة ما قرأه في مثل الفرض ؛ فإنّ شرطيّة كون ما يقرأه في الصلاة غير هذه السورة كانت ناشئة من وجوب مراعاة الوقت والإتيان بما يسعها ، فتختصّ بصورة تنجّز التكليف بذلك الواجب ، كما هو الشأن في كلّ شرط يكون كذلك ، والله العالم.

(و) كذا (لا) يجوز (أن يقرن بين سورتين) في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء (١) ، بل المشهور فيما بينهم ، كما ادّعاه غير واحد (٢) ، بل عن السيّد في الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإماميّة ، ثمّ استدلّ عليه بالإجماع ، وأنّه طريقة اليقين ببراءة الذمّة (٣) ، وقوّاه غير واحد من المتأخّرين ومتأخّريهم (٤).

واستدلّوا عليه بجملة من النصوص :

منها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (٥).

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٩ : ٣٥٤.

(٢) كالسيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٤٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٩ : ٣٥٤.

(٣) الانتصار : ٤٤ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٤٩.

(٤) راجع جواهر الكلام ٩ : ٣٥٤.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ١٧٨ ، الهامش (٣).

٢٣١

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، قال : «لا ، لكلّ سورة ركعة» (١).

وموثّقة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة ، فقال : «إنّ لكلّ سورة حقّا فأعطها حقّها من الركوع والسجود» قلت : فيقطع السورة ، فقال : «لا بأس» (٢).

وخبر عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : «نعم» قلت : [أليس] يقال : «أعط كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود»؟ فقال : «ذلك في الفريضة ، وأمّا في النافلة فلا بأس» (٣).

وعن الخصال مرسلا عن عليّ عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال :«أعطوا كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة» (٤).

وعن المعتبر والمنتهى نقلا عن جامع البزنطي عن المفضّل قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام [يقول] : «لا تجمع بين السورتين في ركعة إلّا (الضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) والفيل و (لِإِيلافِ)» (٥).

وعن الصدوق في الهداية مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «لا تقرن بين السورتين في الفريضة ، وأمّا في النافلة فلا بأس» (٦).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ١٨٠ ، الهامش (٥).

(٢) التهذيب ٢ : ٧٣ / ٢٦٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ / ١١٧٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) الخصال : ٦٢٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٠.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٨ ، منتهى المطلب ٥ : ٨٣ ، وعنهما في الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٦) الهداية : ١٤٣ ، وعنها في الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٧.

٢٣٢

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا قران بين سورتين في ركعة ، ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ، ولا قران بين صومين ، ولا قران بين صلاتين ، ولا قران بين فريضة ونافلة» (١).

ولكن في نسخة السرائر الموجودة عندي لفظ «ركعتين» بدل «ركعة» فهي على هذا أجنبيّة عن المقام ، ولكن الظاهر أنّه من سهو قلم الناسخ ؛ إذ الرواية منقولة عن السرائر في الوسائل وغيره (٢) بلفظ «ركعة» وعلى هذا أيضا قد يوهن ظهورها في الحرمة سائر فقراتها ، كما لا يخفى.

وعن الفقه الرضوي : «وقال العالم عليه‌السلام : لا تجمع بين السورتين في الفريضة» (٣).

(وقيل : يكره) ). وقد نسب (٥) هذا القول إلى جمهور المتأخّرين (وهو الأشبه) إذ المتّجه صرف الأخبار المتقدّمة ـ لو لم نقل بانصراف بعضها في حدّ ذاته ـ إلى أفضليّة رعاية حقّ السور القرآنيّة واستعظامها ، وعدّ كلّ منها بحيالها جزءا مستقلّا من كلّ ركعة ، لا بعضا من القراءة المعتبرة فيها ؛ جمعا بينها وبين صحيحة عليّ بن يقطين قال : سألت

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٨٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٢ ، والباب ٣ من أبواب النيّة ، ح ٢.

(٢) مثل : الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٧.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مكروه». والمثبت كما في شرائع الإسلام.

(٥) الناسب هو المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ١٣.

٢٣٣

أبا الحسن عليه‌السلام عن القران بين السورتين في النافلة والمكتوبة (١) ، قال : «لا بأس» (٢) كما يشهد له ـ مضافا إلى أنّه من الجمع المقبول ـ ما رواه ابن إدريس رحمه‌الله في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام [قال] : «لا تقرنن بين السورتين في الفريضة [في ركعة] فإنّ ذلك أفضل» (٣).

ويؤيّده أيضا ما رواه الشيخ ـ في الموثّق ـ عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، وأمّا في النافلة فلا بأس» (٤) وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة ، قال : «إن كان في نافلة (٥) فلا بأس ، وأمّا الفريضة فلا يصلح» (٦) إذ التعبير بالكراهة ونفي الصلاح إن لم يكن ظاهرا في الكراهة فلا أقلّ من إشعاره بذلك.

ويؤيّده أيضا ما في الأخبار المتقدّمة (٧) من تعليل المنع بأنّ «لكلّ سورة حقّا من الركوع والسجود» فإنّ هذا النحو من التعليل يناسب الأولويّة

__________________

(١) في المصدر : «في المكتوبة والنافلة».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٩.

(٣) السرائر ٣ : ٥٨٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١١ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٠ ـ ٧١ / ٢٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٦.

(٥) في المصدر : «إذا كانت نافلة».

(٦) قرب الإسناد : ٢٠٢ / ٧٧٨ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١٣.

(٧) في ص ٢٣٢.

٢٣٤

والفضل ، بل الإنصاف أنّ هذا التعليل بنفسه كاف في صرف النهي عن ظاهره من الحرمة فضلا عن غيره ممّا تقدّمت الإشارة إليه من الشواهد والمؤيّدات.

فما في الحدائق (١) وغيره (٢) من ارتكاب التأويل في خبر زرارة وغيره ممّا كان ظاهرا أو مشعرا بأفضليّة الترك لا الحرمة ، وحمل صحيحة عليّ بن يقطين ـ التي هي نصّ في الجواز ـ على التقيّة ضعيف.

وكيف كان فهل يتحقّق القران المنهيّ عنه بقراءة الأكثر من سورة ولو آية أو آيتين مثلا ، أم لا يتحقّق إلّا بقراءة سورتين كاملتين؟ قولان.

ويشهد للأوّل : قوله عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (٣) فإنّ مقابلة الأكثر بالأقلّ تجعله كالنصّ في التعميم.

وربما يؤيّده ما في بعض الأخبار المتقدّمة (٤) من تعليل المنع بأنّ «لكلّ سورة حقّا» فإنّ تشريك الغير معها ولو بعضا من سورة أخرى ينافي ما تستحقّه من الاستقلال ، فليتأمّل.

وقد أجاب في الحدائق عن خبر منصور : بأنّ الواجب حمل إطلاقه على ما صرّحت به الأخبار العديدة من أنّ القران هو الجمع بين السورتين (٥).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٨ : ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٢) بحار الأنوار ٨٥ : ١٣.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٧٨ ، الهامش (٣).

(٤) في ص ٢٣٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٨ : ١٥١.

٢٣٥

وفيه : أنّه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار إشعار بانحصار القران المنهيّ عنه في ذلك ، فلا منافاة بينها وبين ما في الصحيحة كي يقيّد إطلاقها.

وأضعف من ذلك ما توهّمه بعض (١) من معارضته بالأخبار الآتية في محلّها ، الدالّة على جواز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز النصف وكذا الأخبار الدالّة على جواز تكرير الآية من القرآن ؛ لما سنشير إليه من أنّ مسألة العدول وأشباهه خارجة عن منصرف هذه الرواية ونظائرها ، مع أنّها أخصّ مطلقا منها.

فالقول بالتعميم أخذا بظاهر الخبر المزبور هو الأظهر خصوصا على ما قوّيناه من الكراهة القابلة للمسامحة.

نعم ، هذه الرواية كغيرها من أخبار الباب منصرفة بل قاصرة عن أن تعمّ تكرار السورة الواحدة أو بعضها ، وكذا تكرار الحمد.

فما في المسالك من تحقّق القران بتكرار السورة الواحدة أو بعضها وكذا بتكرار الحمد (٢) ضعيف.

تنبيهات :

الأوّل : اختلف القائلون بحرمة القران في بطلان الصلاة بذلك.

نسب (٣) إلى أكثرهم ـ منهم : الشيخ في النهاية والعلّامة في القواعد والمختلف وظاهر الإرشاد (٤) ـ القول بالبطلان.

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٩ : ٣٥٧.

(٢) مسالك الافهام ١ : ٢٠٦.

(٣) الناسب هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٠.

(٤) النهاية : ٧٥ ـ ٧٦ ، قواعد الأحكام ١ : ٢٧٢ ، مختلف الشيعة ٢ : ١٦٨ ـ ١٧٠ ، ـ

٢٣٦

وحكي عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة في الفرائض واجبة ، وأنّ بعض السورة أو أكثرها لا تجوز مع الاختيار ، غير أنّه إن قرأ بعض السورة أو قرن بين السورتين لا يحكم ببطلان الصلاة ، ويجوز كلّ ذلك في حال الضرورة (١).

واستدلّ العلّامة في محكيّ المختلف على البطلان : بأنّ القارن بين السورتين غير آت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف (٢).

وضعّفه في المدارك : بأنّ الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة ، والنهي عن الزيادة لو سلّمنا أنّه للتحريم فهو أمر خارج عن العبادة ، فلا يترتّب عليه الفساد (٣). انتهى.

واعترض على ما في المدارك غير واحد ممّن تأخّر عنه ، منهم :الشيخ محمّد سبط الشهيد الثاني في حاشية الكتاب ـ على ما نقله عنه في الحدائق (٤) ـ بما صورته : لا يخلو كلام شيخنا ـ يعني صاحب المدارك ـ من نظر ؛ لأنّ الظاهر من القران قصد الجمع بين السورتين ، وهذا يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به ؛ إذ المأمور به السورة وحدها ، وقول شيخنا : «إنّ النهي عن الزيادة نهي عن أمر خارج» إنّما يتمّ لو تجدّد فعل الزيادة بعد فعل الأولى قصدا للسورة الأولى منفردة ، وأين هذا من القران؟ انتهى.

__________________

ـ المسألة ٩١ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٣.

(١) المبسوط ١ : ١٠٧ ، وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٠.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ١٧٠ ، ذيل المسألة ٩١ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٥.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٤) الحدائق الناضرة ٨ : ١٥٠.

٢٣٧

وفيه : أنّه إن كانت الوحدة قيدا في صحّة السورة وجزئيّتها للصلاة بأن اعتبرها الشارع بشرط أن لا ينضمّ إليها غيرها ، فضمّ الغير إليها مانع عن صحّتها مطلقا ، سواء تجدّد قصده بعد فعل الأولى أم حصل قبله.

وإن لم تكن الوحدة مأخوذة قيدا ولكنّ الشارع لم يعتبر في الصلاة ولم يأمر إلّا بسورة واحدة ، فضمّ الغير إليها قاصدا به حصول الامتثال بالمجموع غير قادح في حصول المأمور به في ضمن المجموع بداعي طلبه ، وقد عرفت في مبحث النيّة من الوضوء أنّه لا يعتبر في صحّة العبادة أزيد من ذلك ، واعتقاده جهلا أو تشريعا بأنّ المأمور به أعمّ من خصوص سورة لا يوجب خروج السورة المأتيّ بها في ضمن المجموع عن كونها مصداقا للمأمور به ، ولا يمنعها عن كونها مأتيّا بها بقصد إسقاط أمرها ، غاية الأمر أنّه زعم جهلا أو تشريعا أنّ أمرها لا يسقط إلّا بفعل المجموع ، وهذا خطأ منه في تمييز ماهيّة المأمور به عمّا عداه ، وهو غير مضرّ بعد فرض حصول المأمور به بعينه وانبعاثه عن قصد إطاعة أمره في ضمن المجموع.

نعم ، لو جعل المجموع وجها لتشخيص أمره بأن قصد امتثال الأمر المتعلّق بالمجموع على سبيل التوصيف ، اتّجه البطلان ؛ إذ لا أمر كذلك ، ولكن ليس كلامنا في هذا الفرض ، والكلام في مسألة القران إنّما هو فيما لو نوى الخروج عن عهدة التكليف الواقعي المتعلّق بالقراءة في الصلاة بقراءة المجموع ، لا الأمر المقيّد بكونه متعلّقا بالمجموع كي يشكل صدق الإطاعة بكونه قاصدا لامتثال أمر لا تحقّق له.

وبما ذكرنا ينقضي تعجّب بعض متأخّري المتأخّرين من صاحب المدارك ، حيث قال معترضا عليه : ومن العجب أنّ السيّد الشارح ـ قدّس

٢٣٨

الله روحه ـ صرّح بأنّ [موضع] (١) الخلاف قراءة الزائد على أنّه من القراءة المعتبرة في الصلاة ، وليت شعري كيف يحصل الامتثال مع إتيان الركعة بسورتين على أنّهما من أجزاء الصلاة مع أنّ المفروض أنّ الجزء في نفس الأمر ليس إلّا واحدة ، فكيف يكون المأتيّ به الغير المأمور به مسقطا للمأمور به!؟ (٢) انتهى.

فلنا أن نقول تعريضا عليه : وليت شعري من لم يجب عليه إلّا قراءة سورة إذا قرأ سورتين أو أكثر بقصد إسقاط ما وجب عليه من قراءة سورة كيف يعقل أن يبقى بعد في عهدة التكليف مع كون كلّ منهما مصداقا للماهيّة المأمور بها والأمر يقتضي الإجزاء!؟

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّه يستفاد من الأخبار الناهية عن القران ـ بناء على استفادة الحرمة منها ـ إمّا شرطيّة الاتّحاد في السورة أو مانعيّة القران من حيث هو عن الصلاة ، كالتكلّم ونحوه.

ولكنّه لا يخلو عن تأمّل ؛ إذ الأخبار واردة في مقام توهّم المشروعيّة بعنوان الجزئيات ، كما سيأتي توضيحه ، فلا يفهم منها إلّا حرمة الإتيان بالزائد الذي يتحقّق به القران من حيث عدم مشروعيّته ، لا مشروعيّة عدمه ، أي اعتباره شرطا ، كما أنّه لا يفهم من النهي عن قراءة شي‌ء من القرآن في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات ـ كما في بعض الأخبار (٣) ـ أو غير ذلك ممّا تعلّق فيه النهي بما فيه مظنّة المشروعيّة إلّا

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «موضوع». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٥٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٥٨ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ١.

٢٣٩

ذلك ، فليتأمّل.

وقد يستدلّ للبطلان أيضا في نظائر المقام : بالإجماع المحكيّ على أنّ الكلام المحرّم مبطل للصلاة (١) ، وبحصول الزيادة التشريعيّة مع قصد الجزئيّة ، كما هو محلّ الكلام ، وهي مبطلة إجماعا.

وقد تقدّم الكلام فيهما مرارا.

فالقول بعدم البطلان على تقدير الالتزام بالحرمة أيضا لا يخلو عن قوّة ، إلّا أن يدّعى استفادة شرطيّة الاتّحاد وعدم الزيادة من الأخبار ، كما ليس بالبعيد ، والله العالم.

الثاني : صرّح غير واحد (٢) بأنّ موضوع القران الذي وقع الخلاف في حكمه هو ما لو قرأ الأكثر من سورة بقصد جزئيّته من القراءة المعتبرة في الصلاة بأن يكون غرضه من قراءة المجموع الخروج عن عهدة التكليف بقراءة القرآن في الصلاة ، وأمّا لو لم يقصد به قراءة الصلاة بل قراءة القرآن من حيث هو أو بقصد الدعاء أو في القنوت فهو خارج عن محلّ الخلاف.

أقول : تخصيص موضع الخلاف بما ذكر لا يخلو عن تأمّل ، بل ربما نسب إلى بعض أنّه خصّ موضع النزاع بما إذا لم يقصد به الجزئيّة (٣) ، فكأنّه زعم أنّه مع هذا القصد تشريع ؛ إذ لم يدلّ دليل على اعتباره ، فلا ينبغي الارتياب في حرمته.

__________________

(١) رياض المسائل ٣ : ٢٨١.

(٢) مثل : العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٦ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ :١٣ ، ذيل ح ٤ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٥١.

(٣) نسبه صاحب الجواهر فيها ٩ : ٣٥٨ إلى ظاهر المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٨ ، وغيره.

٢٤٠