مصباح الفقيه - ج ١٢

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: برگ طوبى
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٣

بتعيّن التسبيح فيما بينهم ـ حتى أنّه جعله في محكيّ الانتصار من متفرّدات الإماميّة (١) ، وعن الغنية وغيره نسبته إلى إجماعهم (٢) ـ مع صحّة مستند القول بالكفاية وصراحته وسلامته عن المعارض تورث الوسوسة في النفس بحيث تمنعها عن التعويل على الخبر خصوصا مع موافقته للعامّة.

ولا يجدي اشتهار العمل به بين المتأخّرين في دفع هذه الوسوسة ؛ لاختفاء القرائن المقتضية لطرح الخبر عليهم غالبا.

ولكن قد سمعت (٣) حكاية القول بالكفاية عن الشيخ وغيره بل عن الحلّي دعوى الإجماع عليه ، فيحتمل أن يكون مراد القائلين بتعيّن التسبيح في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة تعيّنه من حيث التوظيف في أصل الشرع في مقابل أبي حنيفة والشافعي وأحمد المنكرين لاستحباب هذا التسبيح المعروف بين الإماميّة على ما قيل (٤) ، كما ربما يؤيّد ذلك ما حكي عن الأمالي أنّه جعل من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الذكر في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات وأنّ من لم يسبّح فلا صلاة له إلّا أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدد التسبيح (٥) ؛ فإنّ ظاهره كون الاستثناء أيضا من دين الإماميّة ، فالإنصاف أنّه لم يتحقّق إعراض القدماء عن الخبرين بحيث يسقطهما عن الاعتبار ، فالالتزام بمفادهما ـ وهو كفاية كلّ ذكر ـ أشبه

__________________

(١) الانتصار : ٤٥ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٨.

(٢) الغنية : ٧٩ ، والخلاف ١ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، المسألة ٩٩ ، والوسيلة : ٩٣ ، وحكاها عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٨.

(٣) في ص ٤٣٣.

(٤) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ٢ : ٢٠.

(٥) الأمالي : ٥١٠ ـ ٥١٢ ، المجلس (٩٣) وكما في كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري ٢ :٢٠ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٨.

٤٤١

بالقواعد.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مفاد الخبرين ليس إلّا أنّ كلّ ذكر يجزئ مكان التسبيح ، وأمّا أنّه يجتزأ به مطلقا ولو بمسمّاه فلا يفهم منهما ؛ إذ ليس لهما إطلاق من هذه الجهة ؛ لورودهما مورد حكم آخر ، فما توهّمه غير واحد (١) من كفاية مسمّى الذكر ؛ أخذا بإطلاق التعليل ضعيف ، مع أنّه على تقدير تسليم ظهوره في الإطلاق وجب تقييده بكون الذكر بقدر ثلاث تسبيحات ؛ جمعا بينه وبين رواية مسمع (٢) أبي سيار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :«يجزئك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات مترسّلا أو قدرهنّ (٣) ، وليس له ولا كرامة أن يقول : سبّح سبّح سبّح» (٤) فإنّه ظاهر في كونه أقلّ المجزئ.

وأوضح منه دلالة عليه روايته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«لا يجزئ الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» (٥).

وربما يستدلّ بهذين الخبرين أيضا لكفاية مطلق الذكر.

وفيه تأمّل ؛ لإجمال لفظ «قدرهنّ» واحتمال أن يكون المراد به التسبيحة الكبرى.

ثمّ إنّ ظاهر هذين الخبرين ـ كجملة من الأخبار المتقدّمة بل كاد أن

__________________

(١) كابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢٤.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة : «ابن». والصحيح عدمها.

(٣) في المصدر : «تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا».

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ / ٢٨٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٩ / ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٨ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الركوع ، ح ٤.

٤٤٢

يكون صريح بعضها ـ أنّه لا يجزئ في الركوع أقلّ من ثلاث تسبيحات ، وهو ينافي ما في بعض الأخبار المتقدّمة ـ كصحيحتي (١) عليّ بن يقطين ـ من التصريح بكفاية تسبيحة واحدة.

ويرتفع التنافي بينها بأحد وجهين : إمّا بحمل هذه الأخبار على الاستحباب ، وإرادة عدم كون الأقلّ من الثلاث مجزئة في تأدية السنّة وتحصيل الصلاة الكاملة ، كما ربما يؤيّده ما في بعض الأخبار المتقدّمة (٢) من أنّ «من نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له» وقد حكي الالتزام به عن بعض (٣) ، أو بحمل الواحدة على التسبيحة الكبرى ، وهذا هو الأولى بل هو المتعيّن ؛ فإنّ ارتكاب التأويل في مثل الأخبار التي ورد فيها أنّه لا يجزئ أقلّ من الثلاث (٤) أو أنّه أدنى ما يجزئ (٥) أو أنّه أخفّ ما يكون (٦) بالحمل على الاستحباب بعيد ، بخلاف حمل التسبيح على إرادة التسبيحة الكبرى التي لعلّها كانت أشيع استعمالا وأوفق بما جرى به السنّة.

هذا ، مع وجود الشاهد له في الأخبار ؛ فإنّ الأخبار الواردة في التسبيح على أنحاء :

منها : ما ورد في التسبيحة الكبرى ، وهي عدّة أخبار بعضها صريح

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) في ص ٤٣٦.

(٣) الصدوق في الأمالي : ٥١٢ ، المجلس (٩٣) وحكاه عنه السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ٩٦.

(٤) كما في الخبر الثاني لمسمع ، المتقدّم في ص ٤٤٢.

(٥) كما في خبر أبي بصير ، المتقدّم في ص ٤٣٩.

(٦) كما في صحيحة معاوية بن عمّار ، المتقدّمة في ص ٤٣٨.

٤٤٣

وبعضها ظاهر في أنّ الفريضة منها واحدة والسنّة في الثلاث (١) ، وفي بعضها الأمر بالثلاث (٢) ، ولكنّه يحمل على الاستحباب بشهادة النصّ.

ومنها : ما ورد في التسبيحة الصغرى ، كصحيحة معاوية وموثّقة سماعة (٣) ، وظاهرهما بل كاد أن يكون صريح أولاهما أنّه لا يجزئ «سبحان الله» أقلّ من ثلاث مرّات.

ومنها : ما ورد في التسبيح على إجماله ، وهي أيضا عدّة أخبار يظهر من أغلبها أنّه لا يجزئ أقلّ من ثلاث تسبيحات ، ومن بعضها أنّ تسبيحة واحدة مجزئة والثلاث سنّة.

فمقتضى قاعدة الجمع أن يجعل الطائفتان الأوليان الواردتان في الصغرى والكبرى مبيّنتين لما في هذه الروايات من الإجمال ، مضافا إلى ظهور قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ثلاث تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامّة تجزئ» (٤) في ذلك ؛ إذ الظاهر من «التامّة» خصوصا بعد الالتفات إلى تعارف كلتا الصيغتين وورودهما في الروايات هي الكبرى ، كما يؤيّده أيضا جعل الثلاث والواحدة في قالب الإجزاء ، فإنّه يقتضي عدم إدراج الواحدة في الثلاث.

ثمّ إنّ الظاهر جزئيّة كلمة «وبحمده» للتسبيحة الكبرى ، فلا يجتزئ بالإتيان بها بدونها إلّا أن يأتي ببدلها حتى يعادل ثلاث تسبيحات ، فيجتزئ بها حينئذ من باب مطلق الذكر ، لا التسبيح الموظّف ، فإنّ هذه

__________________

(١) كما في خبر هشام بن سالم ، وصحيحة زرارة وصحيحتي عليّ بن يقطين ، المتقدّمة في ص ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كما في رواية أبي بكر الحضرمي ، المتقدّمة في ص ٤٣٦.

(٣) تقدّمت الصحيحة والموثّقة في ص ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٧ ، الهامش (٤).

٤٤٤

الكلمة وقعت جزءا منها في أكثر الأخبار المتضمّنة لهذا الذكر الخاصّ ممّا وقع فيه حكاية الفعل أو القول.

فعن حاشية المدارك للمحقّق البهبهاني أنّها مذكورة في تسعة أخبار ، وهي : صحيحة زرارة (١) ، وصحيحة (٢) حمّاد ، وصحيحة عمر بن أذينة ، المرويّة في الكافي (٣) في علل الأذان ، وهي طويلة ، ورواها الصدوق في العلل (٤) بطرق متعدّدة ، ورواية إسحاق بن عمّار ، المرويّة في العلل عن الكاظم عليه‌السلام في باب علّة كون الصلاة ركعتين (٥) ، ورواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام (٦) في ذلك الباب ، ورواية هشام عن الكاظم عليه‌السلام في باب علّة كون تكبيرات الافتتاحيّة سبعا (٧) ، ورواية أبي بكر الحضرمي ، المرويّة في التهذيب وغيره (٨) ، وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه‌السلام (٩) ، ورواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد (١٠) (١١).

__________________

(١) لم نعثر على صحيحة لزرارة في خصوص المقام عدا ما يأتي من قوله :«وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه‌السلام».

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٤٠٥ ، الهامش (٣).

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٦ / ١ ، وليس فيه «وبحمده».

(٤) علل الشرائع : ٣١٢ ـ ٣١٦ (الباب ١) ح ١.

(٥) علل الشرائع : ٣٣٤ (الباب ٣٢) ح ١.

(٦) علل الشرائع : ٣٣٥ (الباب ٣٢) ح ٢.

(٧) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٦ ، الهامش (١) ، وعنوان الباب في العلل هكذا : «باب العلّة التي من أجلها يقال في الركوع : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي السجود :سبحان ربّي الأعلى وبحمده».

(٨) تقدّم تخريجها في الهامش (٣) من ص ٤٣٦.

(٩) تقدّم تخريجها في الهامش (١) من ص ٤٠٦.

(١٠) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ / ١٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ / ١٢١٤ ، وعنها في الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الركوع ، ح ٢.

(١١) الحاشية على مدارك الأحكام ٣ : ٨٠ ـ ٨١ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح ـ

٤٤٥

وفي الجواهر أنهاها إلى اثني عشر خبرا بزيادة رواية إبراهيم بن محمّد الثقفي ـ المرويّة عن كتاب الغارات ـ التي حكى فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، ورواية محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، المرويّة عن العلل (٢) أيضا ، قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى قوله : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» (٣) وفي الفقه الرضوي (٤) عند من يقول بحجّيّته.

ثمّ قال : بل روته العامّة أيضا في أخبارهم فضلا عن الخاصّة ، فعن ابن مسعود أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرّات : سبحان ربّي العظيم وبحمده» (٥) ومثله عن حذيفة (٦) (٧). انتهى.

فالظاهر أنّ ترك هذه الكلمة في بعض الروايات (٨) مبنيّ على المسامحة والتخفيف في مقام التعبير اتّكالا على معروفيّتها ، كما ربما يؤيّد ذلك ما في الحدائق (٩) عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده قوم يصلّي بهم العصر وقد كنّا صلّينا فعددنا له في ركوعه «سبحان ربّي العظيم» أربعا أو ثلاثا وثلاثين ، وقال أحدهما في

__________________

ـ الكرامة ٢ : ٤١٩.

(١) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٦ ، الهامش (٤).

(٢) هو كتاب العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم.

(٣) عنه في بحار الأنوار ٨٥ : ١١٦ / ٢٥.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٦.

(٥) راجع سنن الدار قطني ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ٢.

(٦) سنن الدار قطني ١ : ٣٤١ / ١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١ : ٢٤٨.

(٧) جواهر الكلام ١٠ : ٩٤ و ٩٥.

(٨) راجع ص ٤٤٧.

(٩) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٥٠.

٤٤٦

حديثه : «وبحمده» في الركوع والسجود (١) ، فإنّ ترك الآخر له لم يكن إلّا من باب المسامحة والتعويل على المعروفيّة ، كما لا يخفى.

وربما يؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في رواية مسمع : «لا يجزئ أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» (٢) فإنّه لو لم ينضم كلمة «وبحمده» إليها لا تكون بقدر ثلاث تسبيحات ، وأمّا بعد الضمّ فهي وإن لم تكن أيضا بقدرها في عدد الحروف ولكن يعادلها في المعنى ؛ لانحلالها حينئذ إلى ثلاثة أذكار ، كما لا يخفى.

وقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما في المدارك حيث قال : واعلم أنّ كثيرا من الأخبار ليس فيها لفظ «وبحمده» في تسبيحي الركوع والسجود ، كحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إذا سجدت فكبّر ، وقل : اللهمّ لك سجدت ـ إلى قوله ـ ثمّ قل : سبحان ربّي الأعلى ، ثلاث مرّات» (٣) ورواية هشام بن سالم عنه عليه‌السلام ، قال : «تقول في الركوع : سبحان ربّي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى» (٤) وقد تضمّنته صحيحة زرارة وحمّاد عن الباقر والصادق (٥) عليهما‌السلام ، فالقول باستحبابه أولى ، وذهب الشهيد رحمه‌الله

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٤٥ ، الهامش (١٠).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٤٤٢ ، الهامش (٥).

(٣) الكافي ٣ : ٣٢١ / ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ / ٢٩٥ ، الوسائل الباب ٢ من أبواب السجود ، ح ١ ، وفيها لفظ «وبحمده» موجود.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٤٣٧ ، الهامش (١).

(٥) الكافي ٣ : ٣١٩ (باب الركوع وما يقال فيه ...) ح ١ ، و ٣١١ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٧٨ / ٢٨٩ ، و ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الركوع ، ح ١ ، والباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، ح ١.

٤٤٧

والمحقّق الشيخ علي إلى الوجوب مع اجتزائهما بمطلق الذكر (١) ، وهو عجيب (٢). انتهى.

أقول : ولعلّ مرادهما بمطلق الذكر الذي يجتزئان به أيّ ذكر يكون في مقابل القول بتعيّن التسبيح ، لا كفايته مطلقا ولو مسمّاه حتى يتحقّق التنافي بينه وبين إيجاب هذه اللفظة عند اختيار التسبيحة الكبرى ، وعلى تقدير التزامهما بكفاية مسمّى الذكر فمرادهما بالوجوب جزئيّة هذا اللفظ من هذه الصيغة المعروفة ، ووجوب الإتيان به لدى قصد التوظيف ، دون ما لو أتى بها بعنوان كونها من مصاديق مطلق الذكر ، كما لا يخفى.

فائدة : في المدارك : معنى «سبحان ربّي» : تنزيها له عن النقائص وصفات المخلوقين ، وقال في القاموس : «سبحان الله» تنزيها له عن الصاحبة والولد ، معرفة ، ونصب على المصدر ، أي أبرّئ الله من السوء براءة (٣). وقال سيبويه : التسبيح هو المصدر ، و «سبحان» واقع موقعه ، يقال :سبّحت الله تسبيحا وسبحانا ، فهو علم المصدر ، ولا يستعمل غالبا إلّا مضافا ، كقولنا : سبحان الله ، وهو مضاف إلى المفعول به ، أي : سبّحت الله ؛ لأنّه المسبّح المنزّه. وجوّز أبو البقاء أن يكون مضافا إلى الفاعل ؛ لأنّ المعنى : سبحان الله (٤) تنزّه الله ، وعامله محذوف ، كما في نظائره. والواو في «وبحمده» قيل : زائدة ، والباء للمصاحبة ، والحمد مضاف إلى المفعول ،

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٦٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٨٦ و ٢٨٧.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٢٦.

(٤) كذا قوله : «لأنّ المعنى سبحان الله» في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر «معنى سبحان الله». وجملة «سبحان الله» لم ترد في المصدر.

٤٤٨

ومتعلّق الجار عامل المصدر ، أي : سبّحت الله حامدا ، والمعنى : نزّهته عمّا لا يليق به وأثبتّ له ما يليق به. ويحتمل كونها للاستعانة ، والحمد مضاف إلى الفاعل ، أي سبّحته بما حمد به نفسه ؛ إذ ليس كلّ تنزيه محمودا.

وقيل : إنّ الواو عاطفة ومتعلّق الجار محذوف ، أي : وبحمده سبّحته لا بحولي وقوّتي ، فيكون ممّا أقيم فيه المسبّب (١) مقام السبب. ويحتمل تعلّق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ، ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به «العظيم» وحاصله : أنزّه تنزيها ربّي العظيم بصفات عظمته وبحمده ، والعظيم في صفته تعالى : من يقصر عنه كلّ شي‌ء سواه ، ومن اجتمعت له جميع صفات الكمال : أو من انتفت عنه صفات النقص (٢).

انتهى كلامه رفع مقامه.

(و) قد تلخّص ممّا ذكر أنّ (أقلّ ما يجزئ للمختار تسبيحة تامّة ، وهي : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، أو يقول : سبحان الله ، ثلاثا) أو بقدر ذلك من سائر الأذكار على الأشبه.

(و) أمّا (في الضرورة) فقد حكي عن غير واحد (٣) التصريح بأنّه تجزئ (واحدة صغرى) بل عن المعتبر والمنتهى ما يظهر منه نسبته إلى الأصحاب (٤).

__________________

(١) الظاهر : «السبب مقام المسبّب».

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣) كالشهيد في الدروس ١ : ١٧٧ ، والحاكي عنه هو النراقي في مستند الشيعة ٥ :٢٠٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٩٦ ، منتهى المطلب ٥ : ١٢١ ، والحاكي عنهما هو السيّد الشفتي في مطالع الأنوار ٢ : ١٠٦.

٤٤٩

ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أدنى ما يجزئ المريض من التسبيح ، قال : «تسبيحة واحدة» (١) فإنّ ظاهرها إرادة الصغرى ، كما يناسبها المرض ، ولا أقلّ من صدق التسبيحة الواحدة عليها ، ولا مقتضي لصرفها عنها ، فإنّ ما دلّ على أنّه لا يجزئ أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ (٢) وأنّ أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة أن تقول : سبحان الله ، ثلاث مرّات (٣) لو لم يكن بنفسه منصرفا إلى إرادته في حال الاختيار فهو لا يصلح صارفا لهذه الصحيحة الواردة في خصوص المريض عن ظاهرها من الإطلاق.

وأظهر منها في إرادة الإطلاق قوله عليه‌السلام في ذيل المرسل المحكي عن الهداية ، المتقدّم في صدر المبحث (٤) ـ بعد أن قال : «فإن قلت : سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك» ـ : «وتسبيحة واحدة تجزئ للمعتلّ والمريض والمستعجل».

ولعلّ المراد بالمستعجل ما بلغ حدّ الضرورة العرفيّة ، وإلّا فيشكل الالتزام به ، مع ما في الخبر من الضعف ، وعدم نقل القول به بالخصوص عن أحد ، والله العالم.

ثمّ إنّه ربما تشعر عبارة المتن كبعض النصوص حيث جعل فيها التسبيحة أقلّ المجزئ أنّه لو أتى بأكثر يقع المجموع مصداقا للمأمور به ، فيكون الأكثر أفضل فردي الواجب ، فربما يستشكل في ذلك باستلزامه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٩ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الركوع ، ح ٨.

(٢) راجع الهامش (٥) من ص ٤٤٢.

(٣) راجع الهامش (٥) من ص ٤٣٨.

(٤) في ص ٤٣٥.

٤٥٠

التخيير بين الأقلّ والأكثر في الأفعال التدريجيّة الحصول ، وهو ممتنع ، وقد تقدّم في مبحث التكبيرات الافتتاحيّة (١) وكذا في القراءة (٢) توجيهه على وجه يندفع به الإشكال ، وأشرنا في المبحث المشار إليه إلى أنّ نظير ذلك في الشرعيّات والعرفيّات فوق حدّ الإحصاء ، فلا مانع عن الالتزام به ، إلّا أنّه ربما يظهر من بعض أخبار الباب أنّه ليس كذلك ، بل الفريضة منها واحدة ، وما زاد عليها سنّة وفضل (٣) ، وقد عرفت في ذلك المبحث أنّ قضيّة ذلك وقوع ما يوجده أوّلا بصفة الوجوب ، وما بعده بصفة الاستحباب ، فلو نوى عكسه فقد أتى به لا على وجهه ، فيفسد لو اعتبرنا نيّة الوجه ، أو قلنا بقادحيّة نيّة الخلاف.

ولكنّك عرفت في مبحث نيّة الوضوء أنّ الحقّ عدم اعتبار نيّة الوجه وعدم قادحيّة نيّة الخلاف ما لم يكن مرجعها إلى عدم إرادة الخروج عن عهدة تكليفه الواقعي ، بل امتثال خصوص الأمر المقيّد بكونه استحبابيّا الذي لا يعقل تنجّزه في حقّه ما دامت الطبيعة واجبة عليه ، وقد تقدّم في المبحثين المشار إليهما توضيح ما يتعلّق بنظائر المقام ، فلا نطيل بالإعادة.

(وهل يجب التكبير للركوع) كما عن العماني والديلمي وظاهر المرتضى (٤) رضوان الله عليهم ، أم لا يجب كما هو المشهور شهرة عظيمة

__________________

(١) راجع ج ١١ ، ص ٤٥١.

(٢) راجع ص ٢٣٨ و ٣٧١.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ٤٣٧.

(٤) المراسم : ٦٩ ، الانتصار : ٤٤ ، وحكاه عنهم العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ ١٨٧ و ١٨٨ ، المسألتان ١٠٥ و ١٠٦.

٤٥١

كادت تكون إجماعا كما ادّعاه في الجواهر (١) ، بل عن الذكرى وظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه (٢)؟ (فيه تردّد) ينشأ من تعلّق الأمر به في عدّة أخبار ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمّ اركع وقل : «اللهمّ لك ركعت» (٣) الحديث ، وفي صحيحته الأخرى ، المرويّة عن الكافي : «إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبّر ثمّ اركع واسجد» (٤) وعن الشيخ نحوه (٥) ، إلّا أنّه ترك قوله :«وكبّر» وفي صحيحته الأخرى الواردة فيما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين : «وتكبّر وتركع» (٦) ومن اشتمال ما ورد فيه الأمر ـ كالصحيحة الأولى ـ على كثير من المستحبّات ، كما ستعرفه ، بل شهادة سوقه بكونه مسوقا لبيان الفرد الكامل من الصلاة المشتمل على الآداب والوظائف المستحبّة ، نظير صحيحة حمّاد (٧) ونحوها ، فيشكل التعويل على ما يتراءى من الأمر الوارد في مثل هذه الرواية من الوجوب ، خصوصا مع مخالفته للمشهور أو المجمع عليه.

مضافا إلى ما في بعض الأخبار من الإشعار أو الدلالة على استحبابه ،

__________________

(١) جواهر الكلام ١٠ : ١٠١.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٧٥ ، وفي تذكرة الفقهاء ٣ : ١٧٤ ، الفرع «أ» من المسألة ٢٥١ : «هذا التكبير ليس بواجب عند أكثر علمائنا». وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ :٤٢٣.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ٤٠٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٠ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الركوع ، ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٧ / ١١٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الركوع ، ذيل ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٩ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٨ / ٣٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٨ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥.

(٧) راجع الهامش (٣) من ص ٤٠٥.

٤٥٢

كصحيحة زرارة ـ المرويّة عن الفقيه ـ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثمّ نسيت التكبير كلّه أو لم تكبّر (١) أجزأك التكبير الأوّل عن تكبير الصلاة كلّها» (٢) فإنّ الرخصة في تقديمها وتركها في مواضعها عمدا ـ كما هو قضيّة ظاهر العطف بكلمة «أو» ـ تشعر بعدم كونها من حيث هي ممّا يخلّ تركها بالصلاة ، كما يؤيّد ذلك عدم لزوم بعض تلك التكبيرات جزما ، كتكبيرة القنوت ، التي هي أحدها.

هذا ، مع أنّ القائل بالوجوب لا يلتزم على الظاهر بجواز تقديمها ، فتخرج الصحيحة على هذا شاهدة عليه ، إلّا أنّها مرويّة عن التهذيب (٣) بالعطف بالواو ، فيشكل الاعتماد عليها وإن كان (٤) على هذا التقدير أيضا لا تخلو عن إشعار بالاستحباب.

وأوضح منها دلالة عليه : خبر الفضل بن شاذان ـ المرويّ عن العلل وعيون الأخبار ـ عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «إنّما ترفع اليدان بالتكبير لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتّل والتضرّع فأحبّ الله عزوجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلا متضرّعا مبتهلا ، ولأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قال وقصد ، ولأنّ الفرض من الذكر الاستفتاح ، وكلّ سنّة تؤدّى على جهة الفرض ، فلمّا أن كان في الاستفتاح الذي هو

__________________

(١) في الفقيه : «لم تكبّره».

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٢ ، وعنه في جواهر الكلام ١٠ : ١٠٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب تكبيرة الإحرام ... ، ح ١.

(٤) الظاهر : «كانت».

٤٥٣

الفرض رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا السنّة على جهة ما يؤدّى الفرض» (١) وقصوره مجبور بما عرفت.

واستدلّ له أيضا بموثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة ، قال : «تكبيرة واحدة» (٢).

وفيه تأمّل ؛ إذ لا يقع التعبير عند إرادة الاستفهام عن حال التكبيرات المستقلّة المشروعة في الصلاة في مواضع مختلفة من أنّها هل هي بأسرها واجبة أو أنّه يجوز ترك بعضها؟ بمثل هذا السؤال ، مع أنّه لا يجديه حينئذ الجواب بأنّها واحدة أو اثنتان أو ثلاثة في تمييز واجبها عن غيره حتى يترتّب عليه ثمرة عمليّة ، فالظاهر أنّ المسؤول عنه هو أدنى ما يجزئ من التكبير في افتتاح الصلاة ، لا في مجموعها كي يعمّ مثل تكبير الركوع والسجود.

وكيف كان فالعمدة ما عرفت من وهن دلالة الأخبار المشتملة على الأمر به في حدّ ذاتها على الوجوب مع مخالفته للمشهور أو المجمع عليه وشهادة خبر العلل باستحبابه ، فالقول بوجوبه ـ كما مال إليه في الحدائق (٣) ، وتردّد فيه في المدارك (٤) ـ وإن لا يخلو عن وجه (و) لكنّ (الأظهر الندب) وأنّه هو المراد من الأمر المتعلّق به في صحيحة زرارة (٥) وغيرها (٦) كغيره من

__________________

(١) عل الشرائع : ٢٦٤ (الباب ١٨٢) ضمن ح ٩ ، عيون الأخبار ٢ : ١١١ (الباب ٣٤) ضمن ح ١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام ... ، ح ١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٦ / ٢٣٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب تكبيرة الإحرام ... ، ح ٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٥٨.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٣٩٤.

(٥) راجع الهامش (١) من ص ٤٠٦.

(٦) راجع الهامش (٤) من ص ٤٥٢.

٤٥٤

الأوامر المتعلّقة بالتفاصيل الواردة في تلك الأخبار.

(والمسنون في هذا القسم أن يكبّر للركوع قائما) منتصبا ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمّ اركع» بل يدلّ عليه أيضا قوله عليه‌السلام في صحيحته الأخرى : «فارفع يديك وكبّر ثمّ اركع» (٢) فإنّ ظاهره بمقتضى وقوع العطف بلفظة «ثمّ» إرادة الأخذ في الركوع بعد الفراغ من التكبير.

وفي صحيحة حمّاد ، الواردة في صفة صلاة الصادق عليه‌السلام أنّه وضع يديه حيال وجهه وقال : «الله أكبر» وهو قائم ثمّ ركع (٣).

وربما يستشعر من المتن ـ حيث جعله من المسنون بعد أن صرّح بمشروعيّة أصل التكبير وأنّ الأظهر فيه الندب ـ أنّه يجوز الإتيان به في حال الهويّ ، كما حكي عن الشيخ (٤) التصريح به ، بل في المدارك ومحكيّ الذكرى أنّه بعد حكاية ذلك عن الشيخ قال : لا ريب في الجواز إلّا أنّ ذلك أفضل (٥).

وهو لا يخلو عن قوّة بناء على ما حقّقناه مرارا من عدم حمل المطلق على المقيّد في المستحبّات ، إلّا أنّه قد يتأمّل في وجود إطلاق صالح للاستناد إليه لإثبات المدّعى ؛ فإنّ جلّ الأخبار التي يستفاد منها مشروع

__________________

(١) في ص ٤٠٥ و ٤٥٢.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٤٥٢.

(٣) راجع الهامش (٣) من ص ٤٠٥.

(٤) الخلاف ١ : ٣٤٧ ، المسألة ٩٦ ، والحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٣٩٥.

(٥) مدارك الأحكام ٣ : ٣٩٥ ، الذكرى ٣ : ٣٧٥ ، والحاكي عنه هو السيّد الشفتى مطالع الأنوار ٢ : ١٠٧.

٤٥٥

هذا التكبير ليست مسوقة لبيان الإطلاق من هذه الجهة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فيشكل الالتزام بجوازه بعنوان المشروعيّة إلّا من باب مطلق الذكر الذي يجوز الإتيان به في جميع أحوال الصلاة ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

فما عن تعليق الإرشاد وجامع المقاصد من أنّه لو كبّر هاويا وقصد استحبابه باعتبار الكيفيّة أثم وبطلت صلاته (١) ، لا يخلو بالنسبة الى ما ذكره من الإثم عن وجه.

وأمّا بطلان الصلاة بالتشريع بمثله فقد أشرنا إلى ضعفه في مطاوي مباحث القراءة وغيرها مرارا ، فالأحوط إن لم يكن أقوى عدم قصد التوظيف لو أتى به في حال الهويّ.

ويستحبّ أيضا أن يكون وقت ما يكبّر (رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما ثمّ يركع) كما عرفته عند البحث في تكبيرة الإحرام ، وعلمت في ذلك المبحث عدم اختصاص رفع اليدين حال التكبير بتكبيرة الإحرام ، بل هو زينة للصلاة عند كلّ تكبير ، كما في بعض الأخبار (٢).

ويدلّ عليه أيضا الخبر المتقدّم (٣) آنفا ، المرويّ عن العلل ، وفي خصوص المقام صحيحتا زرارة وحمّاد ، المتقدّمتان (٤).

__________________

(١) حاشية إرشاد الأذهان (ضمن موسوعة المحقّق الكركي وآثاره ٩) : ٩٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٠٥ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٢٣.

(٢) مجمع البيان ٩ ـ ١٠ : ٥٥٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام ... ، ح ١٤.

(٣) في ص ٤٥٣.

(٤) في ص ٤٠٥.

٤٥٦

(وأن يضع يديه على ركبتيه) كما عرفته في صدر المبحث ، بل قد أشرنا فيما سبق (١) إلى أنّ الأحوط عدم تركه وإن كان الأظهر جوازه (مفرّجات الأصابع) كما يشهد له أيضا الصحيحتان المتقدّمتان (٢) ، وسيأتي (٣) أيضا نقلهما.

وما في خبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنّة هو؟ قال :«من شاء فعل ومن شاء ترك» (٤) محمول على إرادة عدم كونه من السنّة التي يجب اتّباعها ؛ جمعا بينه وبين غيره ممّا ستعرف ، بل لعلّ سوق الجواب يشعر بإرادته ذلك.

وكيف كان فهو ليس بشرط في مشروعيّة وضع اليدين ، بل هو بحسب الظاهر مستحبّ في مستحبّ ، فيجوز وضع اليدين بقصد المشروعيّة بلا تفريج الأصابع ؛ إذ لا مقتضي لتقييد ما ورد في الأخبار من الأمر بوضع الكفّين أو تمكين الراحتين من الركبتين (٥) بما ورد فيها من الأمر بتفريج الأصابع (٦) خصوصا مع خلوّ بعضها عن ذلك ، كالنبويّ المرسل المتقدّم (٧) في صدر المبحث.

(ولو كان بإحداهما عذر) يمنع من الوضع (وضع الأخرى) لقاعدة

__________________

(١) في ص ٤١٢.

(٢) في ص ٤٠٥.

(٣) في ص ٤٥٨ و ٤٥٩.

(٤) قرب الإسناد : ٢٠٤ / ٧٩١ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الركوع ، ح ٢.

(٥) راجع الهامش (١) من ص ٤٠٥ ، والهامش (١ و ٣) من ص ٤٠٦.

(٦) راجع الهامش (١ و ٣) من ص ٤٠٦.

(٧) في ص ٤٠٥.

٤٥٧

الميسور.

(و) يستحبّ أيضا أن (يردّ ركبتيه إلى خلفه ويسوّي ظهره ويمدّ عنقه موازيا لظهره) كما يدلّ على جميع ما ذكر بل وعلى غيره أيضا من بعض الوظائف التي لم تذكر جملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمّ اركع ، وقل : اللهمّ لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت وأنت ربّي ، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّته قدماي غير مستنكف ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثلاث مرّات في ترتيل (١) ، وتصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّغ (٢) بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك بين قدميك ، ثمّ قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله ربّ العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله ربّ العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثمّ ترفع يديك بالتكبير وتخرّ ساجدا» (٣).

وفي بعض النسخ بعد قوله : «والعظمة» : «الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (٤).

وفي صحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «فإذا ركعت

__________________

(١) في التهذيب : «ترسّل».

(٢) راجع التعليقة (٤) من ص ٤٠٥.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ٤٠٦.

(٤) وهي في التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٧٨ / ٢٨٩.

٤٥٨

فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّغ أطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك ، فتجعل أصابعك في عين الركبة ، وتفرج بينهما ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك إلى ما بين قدميك» (١) الحديث.

وفي صحيحة حمّاد ، الواردة في صفة صلاة الصادق عليه‌السلام لتعليم حمّاد : «ثمّ قال : الله أكبر وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ، ونصب عنقه ، وغمّض عينيه ثمّ سبّح ثلاثا بترتيل وقال : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثمّ استوى قائما فلمّا استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه وسجد» (٢) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الآداب.

ولعلّ ما في الصحيحة الأخيرة من أنّه عليه‌السلام غمّض بصره أريد منه تغميضا لا ينافي النظر إلى ما بين القدمين.

ويحتمل أن يكون كلاهما ـ أي النظر إلى ما بين القدمين ، والتغميض الحقيقي المنافي للرؤية ـ مستحبّا على سبيل التخيير.

ولا ينافيه ما في خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى

__________________

(١) راجع الهامش (٣) من ص ٤٠٦.

(٢) راجع الهامش (٣) من ص ٤٠٥.

٤٥٩

أن يغمّض الرجل عينيه في الصلاة (١) ؛ لأنّ الصحيحة أخصّ مطلقا من هذا الخبر.

وقد حكي عن نهاية الشيخ أنّه قال : وغمّض عينيك ، وإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك (٢). وظاهره كون التغميض أفضل.

وهو ممّا لا يساعد عليه الصحيحة المزبورة ، فإنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه دلالة الصحيحة الحاكية للفعل على أنّ التغميض مستحبّ ، وأنّ النظر بين القدمين ليس أفضل منه ، وإلّا لاختاره الإمام عليه‌السلام في مثل المقام الذي قصد بفعله الإرشاد إلى الصلاة الكاملة ، وأمّا أنّه أفضل فلا ؛ لإمكان التساوي ، وكون اختياره لكونه أحد الأمرين المخيّر فيهما ، والله العالم.

ثمّ : إنّه ربما يظهر من بعض الأخبار استحباب رفع اليدين لرفع الرأس من الركوع.

كصحيحة معاوية بن عمّار قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد أن يسجد الثانية (٣).

وصحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود ، قال :«هي العبوديّة» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ١.

(٢) النهاية : ٧١ ، وحكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٢٤٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الركوع ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الركوع ، ح ٣.

٤٦٠