المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

ويسقط الحد عمن جهل المشروب ، أو التحريم.

ويثبت بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرتين من مكلف حر مختار.

(الثاني) في الحدّ :

وهو ثمانون جلدة ، ويستوي فيه الحر والعبد ، والكافر مع التظاهر.

ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه ، ويتّقى وجهه وفرجه.

ولا يحدّ حتى يفيق.

وإذا حدّ مرتين قتل في الثالثة ، وهو المروي ، وقال الشيخ في الخلاف : يقتل في الرابعة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وإذا حد مرتين قتل في الثالثة وهو المروي ، وقال الشيخ في الخلاف : يقتل في الرابعة.

أقول : الأول وهو ظاهر المصنف (١) ، واختاره العلامة في المختلف (٢) وهو مذهب الشيخ (٣) وبه قال المفيد (٤) والحسن (٥) والتقي (٦) والقاضي (٧) وابن حمزة (٨) وابن

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) المختلف : ج ٢ في شرب الخمر ص ٢١٥ س ٢٠ قال : والمعتمد الأول ، أي يقتل في الثالثة.

(٣) النهاية : باب الحد في شرب الخمر ص ٧١٢ س ١٨ قال : وشارب الخمر الى قوله : ثمَّ عاد ثالثة وجب عليه القتل.

(٤) المقنعة : باب الحد في شرب المسكر ص ١٢٨ س ١١ قال : وشارب الخمر إذا حد عليها مرتين وعاد الى شربها قتل في الثالثة.

(٥) المختلف : ج ٢ في شرب الخمر ص ٢١٥ س ١٨ قال : وبه (اي القتل في الثالثة) قال : شيخنا المفيد وابن أبي عقيل.

(٦) الكافي : الحدود فصل في حد الخمر والفقاع ص ٤١٣ س ٧ قال : فان عاد قتل في الثالثة.

(٧) المهذب : ج ٢ باب الحد في القيادة وشرب الخمر ص ٥٣٦ س ٢ قال :. وعاد الى شربه بالثالثة كان عليه القتل.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان الحد على شرب الخمر ص ٤١٦ س ١٣ قال : ويلزم على شاربها في الثالثة القتل إذا حد مرتين ، لاحظ.

٨١

ولو شرب مرارا ولم يحد كفى حد واحد.

______________________________________________________

إدريس (١).

والثاني : مذهب الشيخ في الكتابين (٢) (٣) وبه قال الصدوق (٤) واختاره فخر المحققين (٥) قال : لان الزنا أكبر منه ذنبا ويقتل في الرابعة ، فهنا اولى.

وفي هذا الدليل نظر.

اما الصغرى ، فلا نسلم ان الزنا أكبر ذنبا منه ، بل الأمر بالعكس.

قال عليه السلام : ان الله جعل الذنوب في بيت وجعل مفتاحه الخمر (٦).

وقال عليه السلام : مدمن الخمر كعابد الوثن (٧).

ولان الخمر يذهب بالعقل ، وبالعقل يعرف الصانع ، فلعله بسكره يخرج عن الايمان.

وقد ورد في الحديث ما يدل على ذلك ، مثل قوله عليه السلام : يأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه عز وجل (٨).

وليس قصور حده عن حد الزنا دليلا على كون الزنا أعظم ، لجواز وضع الحد

__________________

(١) السرائر : باب الحد في شرب الخمر. ص ٤٥٢ س ١٨ قال : فان شرب فحد الى قوله : قتل في الثالثة على أظهر الأقوال.

(٢) المبسوط : ج ٨ كتاب الأشربة ص ٥٩ س ٨ قال : ثمَّ شرب رابعا قتل في الرابعة عندنا.

(٣) الخلاف : كتاب الأشربة ، مسألة ١ قال : ثمَّ شرب رابعا قتل عندنا.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١١) باب حد شرب الخمر ص ٤٠ س ٨ قال : فان عاد قتل ، وقد روي انه يقتل في الرابعة.

(٥) الإيضاح : ج ٤ في حد الشرب ص ٥١٥ س ١٢ قال : والأقوى عندي الثاني أي يقتل في الرابعة.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٧٦) باب النوادر ، وهو آخر أبواب الكتاب ، ص ٢٥٥ س ١٢ قطعة من حديث ١.

(٧) الوسائل : ج ١٧ كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب ١٣ من أبواب الأشربة المحرمة الحديث ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٩ وغير ذلك لمن تتبع.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٧٦) باب النوادر ، وهو آخر أبواب الكتاب ص ٢٥٥ س ١٣ قطعة من حديث ١.

٨٢

(الثالث) في الاحكام ، وفيه مسائل :

(الاولى) لو شهد واحد بشربها وأخر بقيئها ، حدّ.

(الثانية) من شربها مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ،

______________________________________________________

على قدر اللذة ، ولا شك ان اللذة في الزنا أعظم من الخمر.

ومن هنا سقط الرجم عن الزاني بالصبية والمجنونة وعللوا بنقصان اللذة فيهما.

واما الكبرى : فلبطلان القياس.

احتج الأولون : بصحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فان عاد فاجلدوه فان عاد فاقتلوه (١).

ومثلها صحيحة جميل عنه عليه السّلام ، أنّه قال : في شارب الخمر إذا شرب الخمر ضرب ، فان عاد ضرب ، فان عاد قتل (٢).

وفي الصحيح عن يونس عن الكاظم عليه السلام قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة (٣).

وفي معناها صحيحتا أبي الصباح وسليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام مرفوعا إلى النّبي صلّى الله عليه وآله (٤) (٥) وغيرها من الأحاديث ، وهو الوجه.

احتج الآخرون بقول الصدوق في كتابه : وقد روي انه يقتل في الرابعة (٦) وهو ثقة يعمل بمرسلة كما يعمل بمسنده.

وأجيب : بأن المستند اولى منه ، وكيف إذا كثر وعاضد بعضه بعضا ، فالمصير إليه أوثق.

قال طاب ثراه : من شربها مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ، والا

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٧) باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ٩٥ الحديث ٢٤.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٧) باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ٩٥ الحديث ٢٥.

(٣) التهذيب : ج ١٠ (٧) باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ٩٥ الحديث ٢٦.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٧) باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ٩٦ الحديث ٢٧.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (٧) باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ٩٥ الحديث ٢١.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١١) باب حد شرب الخمر ص ٤٠ الحديث ٣ وقد تقدم نقله.

٨٣

والا قتل. وقيل : حكمه حكم المرتد ، وهو قوي ولا يقتل مستحل غير الخمر ، بل يحدّ مستحلا ومحرّما.

(الثالثة) من باع الخمر مستحلا استتيب ، فان تاب والا قتل ، وفيما سواها يعزر.

______________________________________________________

قتل ، وقيل : حكمه حكم المرتد وهو قوي. ولا يقتل مستحل غير الخمر ، بل يحد مستحلا ومحرما.

أقول : هنا مسألتان :

(الأولى) مستحل الخمر ، قال الشيخ في النهاية : يحل دمه ويستتيبه الإمام ، فإن تاب اقام عليه الحد ان كان شربها ، وان لم يتب قتله (١) وتبعه القاضي (٢) وقال المفيد : يحل دمه الا ان يتوب قبل قيام البينة عليه (٣) وقال التقي : ان كان مستحلا فهو كافر يجب قتله (٤) ، وقال : الاولى والأظهر : انه مرتد يحكم فيه بحكم المرتدين ، لأنه قد استحل ما حرمه الله تعالى ونص عليه في محكم كتابه (٥) واختاره

__________________

(١) النهاية : باب الحد في شرب الخمر ص ٧١١ س ١٩ قال : ومن شرب الخمر مستحلا لها حل دمه ووجب على الامام أن يستتيبه الى قوله : وان لم يتب قتله.

(٢) المهذب : ج ٢ باب الحد في شرب الخمر ص ٥٣٥ س ١٣ قال : وإذا استحل إنسان شرب شي‌ء من الخمر حل دمه الى قوله : وان لم يتب قتله.

(٣) المقنعة : باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع ص ١٢٧ س ٣٢ قال : وحل دمه بذلك الا ان يتوب قبل قيام الحد عليه.

(٤) الكافي : الحدود ، فصل في حد الخمر والفقاع ص ٤١٣ س ٧ قال : فان عاد قتل في الثالثة.

(٥) هكذا في جميع النسخ المخطوطة عندي ، ويوهم من قوله : (وقال :) انه من تتمة كلام ابي الصلاح ، وبعد الفحص لم نظفر في الكافي بتلك الجملة ، بل هي من تمام كلام ابن إدريس ، لاحظ السرائر : باب الحد في شرب الخمر ص ٤٥٣ س ٢ قال : والاولى والأظهر انه يكون مرتدا إلخ وفي المختلف أيضا نبّه على ذلك راجع ص ٢١٥ س ٣٣ في حد شارب الخمر ثمَّ قال : ولا بأس به.

٨٤

(الرابعة) لو تاب قبل قيام البينة سقط الحد. ولا يسقط لو تاب بعد البينة. وبعد الإقرار يتخير الإمام في الإقامة ، ومنهم من حتّم الحدّ.

______________________________________________________

المصنف (١) والعلّامة (٢).

وحينئذ ينبغي التفصيل فيه ، فيقال : ان كان عن فطرة لم يقبل توبته ، والا قبلت.

(الثاني) مستحل غير الخمر كالنبيذ والفقاع ، قال التقي : هو كافر يجب قتله (٣) والباقون على خلافه ، لأنه ليس مجمعا على تحريمه عند المسلمين ، وان أجمعنا عليه فلا يجب بفعله القتل ، لدخول الشبهة بسبب الاختلاف الواقع فيه.

قال طاب ثراه : وبعد الإقرار يتخير الإمام في الإقامة ، ومنهم من حتّم الحد.

أقول : القول بتخير الامام بعد الإقرار والتوبة مذهب الشيخ في النهاية (٤) وبه قال القاضي (٥) وابن حمزة (٦) والمصنف (٧) والعلّامة (٨).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) تقدم قوله : (ولا بأس به) آنفا.

(٣) الكافي : الحدود ، فصل في حد الخمر والفقاع ص ٤١٣ س ٨ قال : وحكم شارب الفقاع الى قوله : وان كان مستحلا فهو كافر يجب قتله.

(٤) النهاية : باب الحد في شرب الخمر ص ٧١٤ س ١ قال : ومن تاب من شرب الخمر الى قوله : جاز للإمام العفو عنه أو إقامة الحد عليه.

(٥) المهذب : ج ٢ باب الحد في شرب الخمر ص ٥٣٦ س ١٠ قال : فإن أقر على نفسه الى قوله : وكان مخيرا بين ذلك وبين اقامة الحد عليه.

(٦) الوسيلة : فصل في بيان الحد على شرب الخمر ص ٤١٦ س ١٤ قال : وإذا تاب من شربها كان حكمها حكم التوبة من الزنا في سقوط الحد.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) المختلف : ج ٢ في حد الشرب ص ٢١٦ س ٦ قال : والمعتمد الأول ، لأن التوبة يسقط تحتم أقوى الذنبين إلخ

٨٥

الفصل الخامس : في حدّ السرقة

وهو يعتمد فصولا :

______________________________________________________

وقال التقي : يقام عليه الحد (١) وبه قال ابن إدريس (٢).

الفصل الخامس : في حد السرقة

(مقدمة)

الأصل في قطع السارق : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

اما الكتاب فقوله تعالى «السّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (٣).

وعن ابن مسعود انه كان يقرأ : فاقطعوا إيمانهما (٤).

واما السنّة : فمتواتر (٥).

وأول من قطع في الإسلام من الرجال الجبار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف.

ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم (٦).

وروي ان أية السرقة نزلت في أبي طعمة بن أبيرق الظفري سارق الدرع (٧).

__________________

(١) الكافي : فصل في حد الخمر والفقاع ص ٤١٣ س ١١ قال : وان تاب بعد ذلك فالإمام مخير إلخ وكذا نقل عنه في المختلف : والمنقول مخالف لما في المتن كما لا يخفى.

(٢) السرائر : باب الحد في شرب الخمر ص ٤٥٣ س ٢٣ قال : فإن أقر عند الحاكم ثمَّ تاب بعد إقراره ، فإنه يقام الحد عليه ولا يجوز إسقاطه.

(٣) المائدة : ٣٨.

(٤) الدر المنثور : ج ٣ ص ٧٣ س ٥ في تفسيره لآية ٣٨ من سورة المائدة.

(٥) لاحظ الوسائل : ج ١٨ ، الباب ١ و ١٠ من أبواب حد السرقة.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦٤ الحديث ٧٢.

(٧) تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ج ٣ ص ٤٧٥ قال في تفسير آية السرقة : قال السائب : نزلت في طعمة بن أبيرق ، وأورده في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٥٦٤ الحديث ٧٣ وفيه (أبي طعيمة).

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية انه قيل له : من لم يهاجر يهلك ، فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد ، وتوسد رداءه ، فجاء سارق فأخذ ردائه من تحت رأسه ، فأخذ صفوان السارق فجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فأمر به ان تقطع يده ، فقال صفوان : لم أرد هذا ، هو عليه صدقة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : فإنها قبل ان تأتيني به (١).

فعلم من هذا الخبر مسائل.

(أ) كون المسجد حرزا مع مراعاة المالك.

(ب) تحتم القطع بعد الثبوت عند الحاكم ، ولا تنفعه الهبة والعفو من المالك.

(ج) سقوط الحد لو كان العفو قبل الثبوت ، لقوله عليه السّلام : (الا كان هذا قبل ان تأتيني به).

وروي ان امرأة سرقت حليا ، وأتى بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله هل لي من توبة؟ فأنزل الله تعالى «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) (٢) (٣).

واختلفوا في تفسير (أصلح) فقيل : سريرته ، وقيل : عمله بترك المعاودة.

واما الإجماع : فمن عامة المسلمين لا خلاف فيه بينهم على الجملة.

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ج ٨ كتاب السرقة ، باب ما يكون حرزا ص ٢٦٥ وفيه (عن صفوان بن عبد الله أو في باب السارق توهب له السرقة ص ٢٦٦ وفيه (عن مجاهد ، وعن طاوس) وفي التهذيب ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢٣ الحديث ١١١ وفيه : عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وفي المبسوط ج ٨ كتاب السرقة ص ١٩ وفيه : روى الزهري عن صفوان بن عبد الله إلخ ، نعم رواه ابن ماجه في سننه ج ٢ ص ٨٦٥ الحديث ٢٥٩٥ عن الزهري عن عبد الله بن صفوان.

(٢) المائدة : ٣٩.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٧٣ في تفسيره لاية ٣٩ من سورة المائدة ، ورواه ابن كثير القرشي في تفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٦ في تفسيره لاية السرقة قال : سرقت امرأة حليا إلخ.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(تذنيبان)

(أ) يستحب تعليق يد المقطوع في عنقه ساعة ، لما روي ان النبيّ صلّى الله عليه وآله اتي بسارق فقطع يده ، ثمَّ أمر بها فعلقت في عنقه ساعة (١).

(ب) يستحب حسمه بالزيت. وصورته : أن يغلي الزيت حتى إذا قطعت اليد جعل موضع القطع في الزيت المغلي ، حتى يسدّ أفواه العروق ، وينحسم خروج الدم.

لما روى ان النبيّ صلّى الله عليه وآله اتي برجل قد سرق ، فقال : اذهبوا فاقطعوه ، ثمَّ احسموه (٢).

وكان علي عليه السّلام : إذا قطع سارقا حسمه بالزيت (٣).

(ج) إذا قدم إنسان للقطع اجلس ، لأنه أمكن وأضبط ، لئلا يتحرك فيجني على نفسه وتشديده بحبل ، وتمد حتى تبين أصول الأصابع ، ويجتمع ، وتوضع على لوح أو نحوه فإنه أسهل واعجل لقطعه ، ثمَّ يوضع على المفصل سكين حادة ، ويدق من فوقه دقة واحدة حتى تنقطع اليد بأعجل ما يمكن ، أو يوضع على أصول الأصابع شي‌ء حاد ويمد عليه مدة واحدة ، ولا يكرر القطع فيعذبه ، والغرض : اقامة الحد من غير تعذيب.

(د) روى الصدوق في كتابه عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام انه قال :

__________________

(١) سنن ابن ماجه ج ٣ كتاب الحدود (٢٣) باب تعليق اليد في العنق ص ٨٦٣ الحديث ٢٥٨٧.

(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٦ س ٢٥ في تفسيره لاية السرقة ، وسنن الدار قطني كتاب الحدود والديات وغيره ص ١٠٢ الحديث ٧١ و ٧٢.

(٣) رواه في المبسوط ج ٨ كتاب السرقة ، فصل في قطع اليد والرجل في السرقة ص ٣٦ س ١ قال : وكان علي عليه السّلام إذا قطع سارقا حسمه بالزيت.

٨٨

           

______________________________________________________

لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى دية يده أظهره الله عزّ وجلّ عليه (١).

روى الشيخ مرفوعاً الى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بقوم لصوص قد سرقوا ، فقطع أيديهم من نصف الكف ، وترك الإبهام لم يقطعها ، وأمرهم أن يدخلوا دار الضيافة وأمر بأيديهم أن تعالج ، وأطعمهم السمن والعسل واللحم حتى برءوا ، ودعا بهم وقال : يا هؤلاء : ان أيديكم قد سبقت الى النار ، فان تبتم وعلم الله عزّ وجلّ منكم صدق النية تاب عليكم ، وتأخذكم أيديكم إلى الجنة ، وان أنتم لم تتوبوا ولم تقلعوا عما أنتم عليه جرتكم أيديكم إلى النار (٢).

تحصل في السرقة أربعة عقوبات.

(أ) قطع اليد اليمنى ، وهو حد السرقة الاولى.

(ب) قطع الرجل اليسرى ، وهو حد السرقة الثانية.

(ج) الحبس ، وهو حد السرقة الثالثة.

(د) القتل ، وهو حد السرقة الرابعة.

إذا عرفت هذا : فاذا سرق كان موضع العقوبة محلها المعين ان كان موجودا ، وان فقد فهل ينتقل الى غيره؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، حتى لو سرق فاقد اليدين والرجلين ، خلد السجن (٣).

والمعتمد : اختصاص كل عقوبة بما عينت له شرعاً ، ومع فقده يرجع الى تأديب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٢) باب حد السرقة ص ٤٣ الحديث ١.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة والخيانة. ص ١٢٧ الحديث ١٢٦ وفيه مع ما في المتن تفاوت فاحش في الألفاظ ولم نعثر على غيره.

(٣) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٧ س ٧ قال : فان سرق بعد قطع يده الى قوله : فان سرق بعد ذلك خلد في السجن الى قوله : لم يكن عليه أكثر من الحبس.

٨٩

(الأول) في السارق

ويشترط فيه التكليف ، وارتفاع الشبهة ، وان لا يكون الوالد من ولده ، وان يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه ، ويأخذ سراً.

فالقيود إذا ستة : فلا يحدّ الطفل ، ولا المجنون ، لكن يعزّران ، وفي النهاية : يعفى عن الطفل أولاً ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.

______________________________________________________

الامام له بما يراه من تعزير أو حبس أو غيره ، وهو مذهب المصنف (١) وسيجي‌ء تحرير البحث في هذا الباب مستوفى.

قال طاب ثراه : ولا يحدّ الطفل ولا المجنون لكن يعزران ، وفي النهاية : يعفى عن الطفل أولاً ، فإن عاد أدب ، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.

أقول : اختلفت عبارة الأصحاب في عقوبة الطفل إذا سرق على أربعة أقوال.

(الأوّل) التأديب وان تكررت سرقته ، وهو اختيار المفيد (٢) وابن إدريس (٣) والمصنف (٤) والعلّامة في القواعد (٥).

ووجهه : أصالة براءة الذمة وخروج الصبي عن التكليف ، فلا يتوجه عليه

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع ، فإنه بعد نقل قول النهاية ، قال : وفي الكل تردد.

(٢) المقنعة : باب الحد في السرق والخيانة ص ١٢٨ س ٢٨ قال : وإذا سرق الصبي أدب ولم يقطع وعزره الامام بحسب ما يراه.

(٣) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٥ س ١٢ قال : ومتى سرق من ليس بكامل العقل بان يكون صبياً الى قوله : لم يكن عليه القطع.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ ، في حد السرقة ، ص ٢٦٤ س ٢٠ قال : ولو سرق الصبي لم يقطع ، بل يؤدب ولو تكررت سرقته إلخ.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

العقوبة بالقطع.

ولقوله عليه السّلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (١).

وبرواية ابن مسعود : ان النّبي صلّى الله عليه وآله اتى بجارية قد سرقت ، فوجدها لم تحض ، فلم يقطعها (٢).

والجواب عن الأول : معارضته بقيام الأدلة على الشغل بالقطع.

وعن الثاني : ان هذا ليس من باب التكليف ، بل من باب التأديب واللطف.

وعن الثالث : كونه مخصوصاً ، فان كثيراً ما يلزم الصبي بأشياء تترتب على أسباب صدرت عنه ، كالقضاء في الحج الفاسد ، وتحريم النساء بترك طوافهن في الحج ، وضمان الوديعة في ماله لو أتلفها.

وعن الرابع بعد تسليم السند ، جواز كونها أول مرة ، ونحن نقول به.

(الثاني) العفو أولاً ، فإن عاد ثانياً أدّب ، فإن عاد ثالثاً حكت أنامله حتى تدمى ، فإن سرق رابعاً قطعت أنامله ، فإن سرق خامسة قطع كالبالغ قال الشيخ في النهاية (٣) وتبعه القاضي (٤) وابن حمزة (٥) والعلامة في المختلف (٦).

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الزكاة ج ٢ ص ٤١ مسألة ٤٢ وفيه كما في المتن حتى يبلغ ، ونقله في الوسائل ج ١ ص ٣٢ الباب ٤ من أبواب مقدمات العبادات ، الحديث ١٠ نقلاً عن الخصال وفيه (حتى يحتلم).

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢١ الحديث ١٠٢ وفيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

(٣) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٦ س ١ قال : فان كان صبيا عفى عنه مرة إلى قوله : كما يقطع الرجل سواء.

(٤) لم أظفر عليه في المهذب ، وما حكاه في المختلف ايضاً ، نعم نقله في الإيضاح (ج ٤ ص ٥١٩ س ١٣) قال : وهو اختيار الشيخ في النهاية وابن البراج ولعله نقل عن الكامل وهو غير موجود عندي.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان السرقة وأحكامها ص ٤١٨ س ٧ قال : وإذا سرق أول مرة عفى عنه الى قوله : فان عاد خامسا قطع.

(٦) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٨ س ١٢ قال : والمعتمد ما قاله الشيخ.

٩١

ولو سرق الشريك ما يظنه نصيبا ، لم يقطع.

وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان ، أحدهما : لا يقطع ، والأخرى : يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب.

______________________________________________________

(الثالث) العفو أولاً ، فإن عاد ثانياً قطعت أنامله ، أو حكّت حتى تدمى ، فإن عاد ثالثاً قطعت أصابعه ، فإن عاد رابعاً قطعت أسفل من ذلك قاله الصدوق في المقنع (١).

(الرابع) يهدّد أولاً فإن عاد ثانياً حكّت أنامله بالأرض حتى تدمى ، فإن عاد ثالثاً قطعت أنامله الأربع من المفصل الأول ، وفي الرابعة من المفصل الثاني ، وفي الخامسة من أصول الأصابع ، قاله التقي (٢).

احتجّ الشيخ بالروايات المتظافرة والأحاديث المتواترة الدالة على ذلك (٣) ولأنه المشهور بين الأصحاب وفتوى أكثرهم عليه ، وهو المعتمد.

احتج الصدوق بما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال : سألته عن الصبي يسرق؟ قال : إذا كان له سبع سنين أو أقل رفع عنه ، فان عاد بعد السبع قطع بنانه ، أو حكت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه ، فان عاد بعد ذلك وقد بلغ سبعة سنين ، قطعت يده ، ولا يضيع حد من حدود الله عزّ وجلّ (٤).

قال طاب ثراه : وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان أحدهما لا يقطع ، والأخرى : يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب.

__________________

(١) المقنع : باب حد السرقة ص ١٥٠ س ١٣ قال : والصبي إذا سرق مرة يعفى عنه الى قوله : فان عاد قطع أسفل من ذلك.

(٢) الكافي فصل في السرق وحده ص ٤١١ س ١٥ قال : وإذا ثبت سرق الصبي هدد في الأولة إلى قوله : ومن أصول الأصابع في الخامسة.

(٣) لاحظ التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٨ الحديث ٨٩ و ٩٠ و ٩١ و ٩٣ وغير ذلك من الروايات لمن تتبع.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢٠ الحديث ٩٧.

٩٢

ولو هتك الحرز غيره واخرج هو لم يقطع.

والحر والعبد ، والمسلم والكافر ، والذكر والأنثى سواء.

______________________________________________________

أقول : الأولى رواية الشيخ عن محمّد بن قيس عن الباقر عن على عليهم السّلام في رحل أخذ بيضة من المغنم وقالوا : قد سرق اقطعه ، فقال : أنّي لم اقطع أحداً له فيما أخذ شركة (١).

وبمضمونها عمل المفيد (٢) وتلميذه (٣) واختاره فخر المحققين (٤) وهو الوجه لتحقق الشبهة بالشركة وعدم العلم بقدر النصيب على التحقيق.

والرواية الأخرى : رواها عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السّلام قال : قلت : رجل سرق من الغنم ، أي شي‌ء الذي يجب عليه؟ أيقطع قال : ينظر ، كم الذي يصيبه؟ فان كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزّر ، ودفع إليه تمام ماله ، وان كان أخذ مثل الذي له ، فلا شي‌ء عليه ، وان كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن ، وهو ربع دينار قطع (٥).

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية (٦) وبه قال القاضي (٧) وأبو علي (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٥ قطعة من حديث ٢٣.

(٢) المقنعة : باب الحد في السرق والخيانة ص ١٢٨ س ٣٠ قال : ولا يقطع المسلم إذا سرق من مال الغنيمة ، لأن له فيه قسطا.

(٣) المراسم : ذكر حدّ السرق ص ٢٥٨ س ٨ قال : وفي المسلم إذا سرق من مال الغنيمة ، أي لا يقطع.

(٤) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ص ٥٢٥ س ١٥ قال بعد نقل قول المفيد : وهو الأقوى عندي.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٦ الحديث ٢٧.

(٦) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٥ س ١١ قال : ومن سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم الى قوله : فان سرق ما يزيد إلخ.

(٧) المهذب : ج ٢ باب الحد في السرقة ص ٥٤٢ س ١٠ قال : وإذا سرق إنسان من الغنيمة وكان ممن له فيها نصيب إلخ.

(٨) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٧ س ٣٦ قال بعد نقل قول النهاية : وبه قال ابن الجنيد.

٩٣

ولا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله ، ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها.

ويقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه على الأظهر ، والزوج

______________________________________________________

واعلم ان رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السّلام؟ فقال : كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه (١).

لا تصلح للتمسك بالقطع هنا ، لوجوه.

(أ) انه ليس فيها ما يدل على ان السارق من الغانمين.

(ب) انها حكاية حال ، فجاز القطع في ذلك الوقت لمصلحة اقتضاها الحال.

(ج) جاز ان يكون هناك ما أوجب القطع شرعا ، فقطعه ، ولم يعلم الناس بالعلة.

قال طاب ثراه : ويقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه على الأشهر (على الأشبه) خ ل (٢).

أقول : قال الشيخ في النهاية والصدوق في من لا يحضره الفقيه : لا قطع على الأجير (٣) (٤).

وقال ابن إدريس : تقطع إذا أحرز من دونه ثمَّ كسره أو نقبه (٥) وقال أبو علي :

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٥ الحديث ٢٥.

(٢) في النسخ المطبوعة من المختصر النافع (على الأظهر) كما أثبتناه ، وفي النسخ المخطوطة اختلاف ففي بعضها (على الأشهر) وفي البعض الأخر (على الأشبه).

(٣) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٧ س ١ قال : والأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع ، وكذلك الضيف إلخ.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٤٦ ذيل حديث ٢٠ س ١٨ قال : وليس على الأجير ولا على الضيف قطع ، لأنهما مؤتمنان.

(٥) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٥ س ٢٢ قال : وروي ان الأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع الى قوله : فاما ما قد أحرزه دونهما (أي الأجير والضيف) الى قوله : فعليهما القطع إلخ.

٩٤

والزوجة ، وكذا الضيف ، وفي رواية لا يقطع.

وعلى السارق اعادة المال ولو قطع.

______________________________________________________

سرقة الأجير والضيف والزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانة لا قطع عليه فيه ، وان سرقوا فيما لم يؤتمنوا عليه قطعوا (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣).

احتج الشيخ بما رواه سليمان عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل استأجر أجيرا فسرق من بيته هل تقطع يده؟ قال : هذا مؤتمن ليس بسارق (٤).

احتج الآخرون بدخوله تحت عموم (وَالسّارِقُ) (٥) فمن أسقط الحد عنه فقد أسقط حدا من حدود الله تعالى بغير دليل ، وحملوا ما ورد بعدم القطع على الاستيمان ، دون من أحرز عنه.

قال طاب ثراه : وكذا الضيف ، وفي رواية : لا يقطع.

أقول : قال الشيخ في النهاية : لا يقطع (٦) وبه قال الصدوق (٧).

واضطرب ابن إدريس فقطعه مع الإحراز دونه في أول البحث ، وفي أخره منع من قطعه لعموم الاخبار (٨) ، وقال أبو علي : لا قطع على الأجير والضيف والزوج فيما

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٨ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما أو تمنوا عليه خيانة لا قطع عليهم.

(٢) لاحظ عبارة النافع ، ومثله عبارة الشرائع فلاحظ.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ٤ قال : والتحقيق القطع عليهم مع الإحراز دونهم بقفل أو غلق ، لا بدونه.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٩ الحديث ٤١.

(٥) المائدة : ٣٨.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) تقدم آنفا.

(٨) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٥ س ٢٢ قال : وروي ان الأجير إذا سرق لم يكن عليه قطع وكذلك الضيف الى قوله : إذا لم يحرز صاحبه من دونهما الى قوله : فاما ما قد أحرزه دونهما فعليهما القطع ، ثمَّ قال بعد أسطر : الضيف لا قطع عليه سواء سرق من حرز أو غير حرز إلخ.

٩٥

(الثاني) في المسروق.

ونصاب القطع ربع دينار ، ذهبا خالصا مضروبا بسكة المعاملة ، أو ما قيمة ذلك ، ولا بد من كونه محرزا بقفل ، أو غلق ، أو دفن ، وقيل : كل موضع ليس لغير المالك دخوله إلّا بإذنه فهو حرز.

______________________________________________________

أو تمنوا عليه ، وعليهم القطع فيما لم يأتمنوا عليه (١).

وبه قال الشيخ في كتابي الفروع (٢) (٣) واختاره المصنّف (٤) والعلّامة (٥) وفخر المحققين (٦).

احتج الأولون : بحسنة محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال : الضيف إذا سرق لم يقطع ، وان أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف (٧).

احتج الآخرون بعموم الآية (٨) وحملوا الرواية على الاستيمان.

قال طاب ثراه : ولا بد من كونه محرزا بقفل ، أو غلق ، أو دفن ، وقيل : كل موضع ليس لغير المالك دخوله إلّا بإذنه فهو حرز.

أقول : شرط قطع السارق هتك حرز المالك وأخذه منه ، ولهذا لا يقطع

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٨ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما أو تمنوا عليه خيانة لا قطع عليه فيه إلخ.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب السرقة ، مسألة ٥ قال : لا قطع الا على من سرق من حرز ، فيحتاج الى الشرطين : السرقة ، والحرز.

(٣) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٣٣ س ١٥ قال : فان نزل برجل ضيف فسرق الضيف شيئا الى قوله : وان كان من بيت غيره فعليه القطع.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ٤ قال : والتحقيق : القطع عليهم مع الإحراز دونهم بقفل أو غلق ، لا بدونه.

(٦) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ص ٥٢٧ س ١٨ قال بعد نقل قول المختلف : وهو الأقوى عندي.

(٧) الكافي : ج ٧ كتاب الحدود ، باب الأجير والضيف ص ٢٢٨ الحديث ٤.

(٨) المائدة : ٣٨.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المستأمن ، ولا المختلس لقول علي عليه السّلام : لا قطع في الدغارة المعلنة (١) وهي الخلسة ، ولكن أعزره (٢).

ولكن من يأخذ ويخفي ، بحيث لا يكون الأخذ من حرز ، لا قطع فيه.

لقوله عليه السّلام : لا قطع الّا من حرز (٣).

وقوله عليه السّلام : لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فاذا آواه المراح أو الحرس ، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن (٤).

إذا عرفت هذا : فالبحث هنا يقع في فصلين.

(الأول) في تفسير الحرز : ولا تقدير للشرع فيه ، فالأصل إحالته على العرف ، كالقبض في البيع ، والاحياء في الموات ، فلما لم يقدّره الشارع رجع فيه الى العرف.

وفسره بعضهم : بما يكون سارقه على خطر خوفا من الاطلاع عليه ، فعلى هذا يقطع سارق باب الحرز وحلقته المسمرة فيه.

وبعض : بالباب المفتوحة في العمران ، فان اللص فيها على حذر من قبض المالك أو غيره عليه ، وليس حرزا إجماعا.

وقال الشيخ في النهاية : كل موضع ليس لغير المالك دخوله (٥).

__________________

(١) الدغر ، الدفع وفي الحديث : لا قطع في الدغارة المعلنة ، أي في الاختلاس الظاهر ، ومثله : لا قطع في الدغرة ، اى الخلسة الظاهرة ، والدغرة أخذ الشي‌ء اختلاسا ، والخلس الدفع ، لان المختلس يدفع نفسه على الشي‌ء الذي يختلسه (مجمع البحرين لغة دغر).

(٢) الكافي : ج ٧ كتاب الحدود باب ما يجب على الطرار والمختلس من الحد ص ٢٢٥ الحديث ١ و ٢.

(٣) رواه في الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ص ٥٢٩ س ٨ قال : لقوله عليه السّلام : لا قطع الّا من حرز ، وفي عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٥٦٨ الحديث ٨٨.

(٤) كنز العمال للمتقي : ج ٥ في حد السرقة ، الحديث ١٣٣٢٨.

(٥) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٤ س ١٥ قال : والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول اليه الّا بإذنه.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلى هذا : لا يقطع سارق الباب والحلقة لعدم تحقق معنى الدخول فيه.

ويرد عليه : كون الباب المفتوحة حرزا ، اللهم الّا ان يريد سلب القدرة ، أي لا يقدر غير المالك على دخوله كقدرته وقيل : مراعاة المالك (١).

وقال فخر المحققين : عمدة الحرز ، اللحاظ ، فان دام كفى كما لو كان في الصحراء وهو يلاحظ برقيب دائم الملاحظة واما غير دائم ، بل هو منقطع ويتوقع دائما بكونه في بلد يلاحظ أحواله بحيث تنبه حيلة السارق بالفتح والنقب الملاحظين فيعتبر حينئذ حصانة الموضع المحرز فيه ووثاقته بقفل ، أو غلق محكم ، أو دفن في داخله ، بما يعد عرفا حرزا لذلك المال ، وان ينضم الى الحصانة المذكورة ، الملاحظة المعتادة وان لم يدم بل يحصل بأدنى تنبه ، وهو متوقع دائما ، قال : وهذا اختيار الشيخ في المبسوط (٢) (٣).

وقال ابن إدريس : الحرز ما كان مقفلا ، أو مغلقا ، أو مدفونا (٤) واختاره المصنف (٥).

(الثاني) الحرز هل يختلف باختلاف الأحوال؟ قال في المبسوط : نعم ، فحرز البقل والخضراوات في دكاكين من وراء شريجة (٦) تغلق أو يقفل عليها ، وحرز

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٢٤ س ٤ قال : حتى يكون الذي معها مراعيا لها غير نائم.

(٢) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٢٢ س ١٨ قال : فالمتاع ضربان خفيف وثقيل ، فالخفيف كالأثمان والثياب الى قوله : فحرز هذا في الحرائز الوثيقة في الدور والدكاكين والخانات إلخ.

(٣) الإيضاح : ج ٤ في الإخراج من الحرز ص ٥٢٩ س ١١ قال : وعمدة الحرز اللحاظ الى قوله : وهذا اختيار الشيخ في المبسوط.

(٤) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٤ س ٢٧ قال : والحرز هو ما يكون مقفلا إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) الشرج عرى المصحف ، والعيبة ، والخباء ونحو ذلك ، والشريجة جديلة من قصب تتخذ للحمام (لسان العرب ج ٢ لغة شرج) وفي هامش بعض النسخ : (چيزى از ريشه خرما بافته باشند تا خربزه در آن نهند ـ كنز).

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذهب والفضة ، والجوهر والثياب في الأماكن الحريزة في الدور الحريزة وتحت الأغلاق الوثيقة ، وكذلك الدكاكين والخانات ، ثمَّ قال : وقال قوم : إذا كان الموضع حرزا لشي‌ء فهو حرز لسائر الأشياء ، ولا يكون المكان حرزا لشي‌ء دون شي‌ء ، وهو الذي يقوى في نفسي (١).

وقال : الإبل على ثلاثة أضرب : راعية ، وباركة ، ومقطرة. فإن كانت راعية فحرزها ان ينظر الراعي إليها مراعيا لها ، فان كان ينظر الى جميعها مثل ان كان على نشز أو مستوى من الأرض فهي في حرز ، لان الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي ، وان كان لا ينظر إليها مثل ان كان خلف جبل أو نشز من الأرض ، أو كان في وهدة من الأرض لا ينظر إليها ، أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز ، وان كان ينظر الى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز والتي لا ينظر إليها في غير حرز.

واما ان كانت باركة : فإن كان ينظر إليها فهي في حرز ، وان كان لا ينظر إليها فإنما تكون في حرز بشرطين : أحدهما : ان تكون معقولة ، والثاني : ان يكون معها نائما أو غير نائم لان الإبل الباركة هكذا حرزها ، فان اختل الشرطان أو أحدهما مثل ان لم تكن معقولة ، أو كانت معقولة ولم يكن معها ، أو نام عندها ولم تكن معقولة ، فكل هذا ليس بحرز.

واما ان كانت مقطرة ، فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز ، وان كان قائدا فإنما يكون في حرز بشرطين ، أحدهما : ان يكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٢٢ س ١١ قال : فحرز البقل والخضراوات الى قوله : وهو الذي يقوى في نفسي.

٩٩

ولا يقطع من سرق من المواضع المأذون في غشيانها ، كالحمامات والمساجد. وقيل : إذا كان المالك مراعيا للمال كان محرزا ، ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين ، ويقطع لو كانا باطنين ، ولا يقطع في الثمر على الشجر ، ويقطع سارقه بعد إحرازه. وكذا لا يقطع في سرقة مأكول في عاد؟ مجاعة.

______________________________________________________

كلها ، والثاني : ان يكثر الالتفات إليها مراعيا لها ، فكلها في حرز وفيه خلاف هذا أخر كلامه (١).

وقال العلّامة : يشترط ان يكون مع القائد أيضا سائقا لتحصيل كمال المراعاة منها ، اما القائد وحده فإنما هو مراع لما زمامه بيده ، فلا يحرز غيره (٢) واختاره فخر المحققين (٣).

والإصطبل للدواب مع الغلق ، أو المراعاة حرز عند الفخر (٤) كالشيخ (٥).

قال طاب ثراه : ولا يقطع من سرق من المواضع المأذون في غشيانها كالحمامات والمساجد. وقيل : إذا كان المالك مراعيا للمال كان محرزا.

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٢٣ س ٥ قال : والإبل على ثلاثة أضرب إلى قوله : فكلها في حرز.

(٢) القواعد : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٦٨ س ٢١ قال : وفي كون القطار محرزا بالقائد نظر أقربه اشتراط سائق معه.

(٣) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ، في الإخراج من الحرز ص ٥٣٢ س ٢٢ قال بعد نقل قول المصنف : وهو الأقوى عندي.

(٤) الإيضاح : ج ٤ في الإخراج من الحرز ص ٥٣١ س ٧ قال : والإصطبل حرز للدواب مع الغلق أو المراعاة.

(٥) المبسوط : ج ٨ في معنى الحرز ومصاديقه ص ٢٤ س ٢ قال : والإصطبل إلى قوله : وان كان صاحبها معها فيه فهو حرز إلخ.

١٠٠