المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التقي (١) وأبي علي (٢).

احتج الصدوق بما رواه ابن مسكان عن الصادق عليه السّلام قال : إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ، فأرادوا أن يقيدوه ، أدّوا فاضل دية المسلم وأقادوه (٣).

وحملت على المعتاد.

واحتج ابن إدريس بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٤).

وبما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال : لا يقاد مسلم بذمي ، لا في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم (٥).

وحملت على غير المعتاد.

واحتج الشيخ : بما رواه إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام في حديث : وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال : لا ، الا ان يكون معتادا لذلك ، لا يدع قتلهم ، فيقتل وهو صاغر (٦).

__________________

(١) الكافي : القصاص ، ص ٣٨٤ س ١٧ قال : فان كان معتادا لقتل أهل الذمة ضربت عنقه لفساده في الأرض.

(٢) المختلف ج ٢ كتاب القصاص والديات ص ٢٤٢ س ١٦ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله لا من طريق القود ولكن لإفساده في الأرض.

(٣) الكافي ج ٧ باب المسلم يقتل الذمي ص ٣٠٩ الحديث ٢.

(٤) النساء / ١٤١.

(٥) الكافي : ج ٧ باب المسلم يقتل الذمي ص ٣١٠ الحديث ٩.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (١٤) باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ، ص ١٨٩ قطعة من حديث ٤١.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهنا مسائل.

(الأول) الاعتياد ، قيل : يصدق بالمرة الثانية ، لاشتقاقه من العود ، وقيل : بقتله ثالثا ، لان ثبوت العادة شرط في القصاص ، والشرط مقدم على المشروط ، فبقتله مرتين حصلت العادة ، وبالثالثة يجب القتل ، فالقتل في الثالثة ، مسببه العادة فالعادة سبب القصاص ، وقيل يرجع فيه الى العرف.

(الثاني) إذا قلنا بقتله قصاصا ، سقط بعفو الولي ، ولا يسقط لو قلنا أنه حدُّ.

(الثالث) على القول بكونه قصاصا يتوقف على طلب الولي ، ولا يتوقف على القول بأنه حدّ ، بل يقتله الامام ، لفساده في الأرض.

(الرابع) على القول بكونه قصاصا ، هل يتوقف على طلب جميع الأولياء ، أو على طلب الأخير لا غير؟ يبنى على مسألة ، هي أن قتل ما قبل الأخير ، هل هو شرط في سببية قتله ، بالأخير ، أو جزء سبب ، فان كان الأول لا يتوقف على طلب الجميع ، بل على طلب الولي الأخير ، لأن قتله سبب تام في وجوب القصاص ، وما تقدمه شروط ، وان كان الثاني توقف.

(الخامس) على القول بتوقف القصاص على طلب جميع الأولياء ، إذا عفا بعض الأولياء ، هل يسقط القصاص ، أم لا؟ يحتمل سقوطه لأنّه إذا عفا البعض عن الجناية ، فكأنه لم يوجد الجناية التي عفى عنها الولي ، فينتفي جزء السبب ، وبانتفاء الجزء ينتفي الكل ، فلم يؤثر السببية ، ويحتمل عدم سقوطه ، لأنه ثبت القصاص ووجب ، وعفو بعض أولياء المقتول لا يسقط حق الباقي الذي ثبت قبل عفوه ، كما لو عفا بعض أولياء المقتول الواحد المسلم ، فإنّ عفو بعضهم لا يسقط حق الباقين عن القصاص.

(السادس) هل يرد فاضل دية المسلم عن ديات جميع المقتولين ، أو عن دية الأخير؟ يبنى على ما تقدم ، فان قلنا ان قتل الأخير هو السبب التام من وجوب

١٨٢

ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، ولهم الخيرة بين قتله واسترقاقه ، وهل يسترق ولده الصغار؟ الأشبه ، لا ، ولو أسلم بعد القتل كان كالمسلم ولو قتل خطأ لزمت الدية في ماله ولو لم يكن له مال كان الامام عاقلته دون قومه.

______________________________________________________

القصاص ، يؤخذ الفاضل عن ديته خاصة من وليّه خاصة ، وان قلنا انه جزء السبب ، يؤخذ الفاضل عن دية الجميع من أولياء الكل.

(السابع) على القول بقتله قصاصا ، من يباشر قتله؟

يحتمل ان يوكل ولي الأخير ، أو ولي الجميع ـ على الاحتمالين ـ مسلما يباشر قتله.

ويشكل ان يكون المسلم وكيلا لذمي ، وقد مرّ منعه.

ويحتمل تولي الاستيفاء حدا والامام بإذنه ، أي يأذن له الإمام ، لأنه ولي الكل ، وهو أقوى.

(الثامن) على القول بأنه حدّ يقتل من غير ردّ.

(التاسع) لا فرق في قتل الأخير بين حصوله بعد تغريمه دية كل واحد واحد من المتقدم وتعزيره له ، أو قبل ذلك.

(العاشر) لو قتل الجميع دفعة ، بان جعل في حلق كل واحد واحد حبلا واستقى الجميع دفعة لم يقتل.

قال طاب ثراه : ولو قتل الذمي مسلما عمدا ، دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، ولهم الخيرة بين قتله واسترقاقه ، وهل يسترق ولده الصغار؟ الأشبه ، لا ، ولو أسلم بعد القتل كان كالمسلم.

أقول : البحث هنا يقع في ثلاث مقامات.

(الأول) في قتل العمد.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : إذا قتل الذمي مسلما عمدا ، فالبحث في رقبته ، وماله ، وأولاده الأصاغر.

الأول : الرقبة ، ويجوز قتله إجماعا ، لكن هل يقتل قصاصا ، أو لخروجه عن الذمة بقتل المسلم؟ الأكثرون على الأول وأبو الصلاح وابن زهرة على الثاني (١) (٢).

ويتفرع على القولين فروع.

(أ) يجوز استرقاقه على الأول ، ويتحتم قتله على الثاني.

(ب) قال التقي : يرجع بالدية على تركته ، أو أهله (٣).

ولو كان القاتل عبدا أو امة ، قتلا ورجعا بدية المقتول على مولاهما.

وفيه منع ، لأن المولى لا يعقل عبدا عند الرجوع.

(ج) يجوز العفو من ولي الدم على الأول دون الثاني ، بل يقتل ، لخروجه عن الذمة ودخوله في قسم أهل الحرب.

(د) مع عدم العفو ، يتولى قتله الولي على الأول والحاكم على الثاني ، وأطلق الثلاثة تولي السلطان القصاص (٤) (٥) (٦) وتبعهم ابن إدريس (٧).

__________________

(١) الكافي : القصاص ، ص ٣٨٥ س ٣ قال : وإذا قتل الذمي حرا مسلما ، الى قوله : وجب قتل الذمي لخروجه بقتل المسلم عن الذمة والرجوع على تركته أو أهله بدية الحر.

(٢) الغنية (في الجوامع الفقهية) : ص ٦١٩ س ٣٤ قال : وجب تسليمه الى ولي الدم وما معه من مال وولد إلخ.

(٣) تقدم آنفا.

(٤) النهاية : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ٧٤٨ س ١٧ قال : وإذا قتل الذمي المسلم الى قوله : كان السلطان يتولى ذلك.

(٥) المقنعة : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ١١٥ ص ٢٣ قال : وإذا قتل الذمي المسلم الى قوله : كان السلطان يتولى ذلك.

(٦) الانتصار : في الحدود ، ص ٢٧٥ قال : مسألة ، وممّا انفردت به الإمامية القول : بأن الذمي إذا قتل مسلما الى قوله : فان اختاروا قتله تولى ذلك السلطان منه.

(٧) السرائر : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ٤٢٤ س ٦ قال : وإذا قتل الذمي مسلما الى قوله : ويتولى ذلك عنهم السلطان.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأطلق ابن حمزة : بأنه يدفع مع جميع ما يملكه إلى ولي الدم ، فان شاء قتل واسترق الأولاد ، وتملك الأموال ، وان شاء استرق (١).

وما فصلته مقتضى المذهب.

(ه) لا يقع القتل قصاصا ، ولولي المسلم الرجوع على التركة بالدية على الثاني دون الأول (٢).

(الثاني) ماله ، وهو لأولياء المسلم سواء قتلوه أو استرقوه ، صرح به الشيخ في النهاية (٣) وابن حمزة (٤) واختاره العلّامة (٥).

وقال ابن إدريس : إنما يملك ماله مع استرقاقه كما يكون مال العبد لسيده ، وان

__________________

(١) الوسيلة : في بيان احكام قتل العمد ص ٤٣٤ س ١ قال : دفعوا برمتهم مع أولادهم وجميع ما يملكونه إلى ولي الدم إلخ.

(٢) في بعض النسخ الخطية في هذا المقام ما لفظه : (فان قلت : على قول الشيخ ومتابعيه ، يكون المال لولي المسلم مع الرقبة ، فلا تغاير بين المذهبين في ذلك ، قلنا : الفائدة في ثلاث مواضع :

(أ) على تقدير ان يكون هناك دين يحيط بالتركة فلا شي‌ء لولي الدم على قول الشيخ ، وتحاصص الديان على القول الأخر.

(ب) على قول ابن إدريس ، لا شي‌ء لولي المسلم مع القتل وماله لوارثه ، وعلى القول الثاني يكون له الدية في ماله محل القصاص بقتله ، لان القتل لم يقع قصاصا.

(ج) لو كانت الجناية جرحا قتل ، وتؤخذ دية الجرح من التركة على المذهب الثاني دون الأوّل.

(٣) النهاية باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ، ص ٧٤٨ س ١٧ قال : دفع برمته هو وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول.

(٤) الوسيلة : في بيان احكام القتل العمد المحض ، ص ٤٣٥ س ١ قال : دفعوا برمتهم مع أولادهم وجميع ما يملكونه إلى ولي الدم.

(٥) القواعد : ج ٢ في التساوي في الدين ص ٢٩٠ س ٢٠ قال : ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أرادوا قتله كان. ماله لوارثه (١).

وعلى قول التقي يتسلط على ماله بأخذ الدية خاصة ، ولو لم يكن له مال فمن أهله.

(الثالث) أولاده الأصاغر : وذهب المفيد (٢) وتلميذه (٣) وابن حمزة (٤) إلى استرقاقهم.

ومنع ابن إدريس (٥) لأنهم أحرار ، ولا يجوز استرقاق الحر بغير دليل ، واختاره المصنف (٦).

ولم يتعرض السيد والصدوق للأولاد بنفي ولا إثبات (٧) (٨).

وروى الصدوق في كتابه عن ضريس الكناسي عن الباقر عليه السّلام في نصراني قتل مسلما ، فلما أخذ ، أسلم ، أقتله به؟ قال : نعم ، قيل : فان لم يسلم؟

__________________

(١) السرائر : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ٤٢٤ س ٩ قال : والذي يقتضيه الأدلة : ان الأولاد الصغار لا يدفع إليهم ، لأن ماله إذا اختاروا استرقاقه فهو مال عبدهم ، الى قوله : فكيف تسترق الحر بغير دليل.

(٢) المقنعة : باب اشتراك الأحرار والعبيد في القتل ص ١١٨ س ٢٤ قال : سلم بماله وولده ان كانوا صغارا الى ورثته.

(٣) المراسم (في الجوامع الفقهية) : ص ٦٥٧ س ٢٨ قال : فالذمي سواء قتل رجلا أو امرأة ، يدفع برمته وماله وولده الصغار إلى أولياء الدم فان اختاروا قتلوه وان اختاروا استرقوه ، ولا يخفى ان ما أثبتناه غير موجود في كتاب المراسم المطبوع مستقلا.

(٤) تقدم آنفا في قوله : (دفعوا برمتهم مع أولادهم).

(٥) تقدم نقل قوله آنفا : من ان الأولاد الصغار لا يدفع إليهم إلخ.

(٦) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وهل يسترق أولاده الصغار؟ الأشبه : لا.

(٧) لاحظ الانتصار : ص ٣٧٥ س ١٦ قال : وممّا انفردت به الإمامية القول بأن الذمي إلخ ولم يتعرض لحكم الأولاد.

(٨) المقنع : باب الديات ص ١٩١ س ١٨ قال : وان قتل قتلوه به ان شاء أولياءه.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : يدفع الى أولياء المقتول ، فان شاءوا قتلوه ، وان شاءوا عفوا ، وان شاءوا استرقوه ، وان كان معه مال عين له ، دفع الى أولياء المقتول هو وماله (١).

وقد دلت هذه الرواية على أمور.

(أ) كون القتل هنا من باب القصاص.

(ب) جواز مباشرة الولي للقتل هنا ، خلافا لظاهر الثلاثة (٢) (٣) (٤).

(ج) جواز العفو ، خلافا للتقي (٥).

(د) عدم التعرض للأولاد بنفي ولا إثبات كما فعل الصدوق والسيد (٦) (٧) ، وهو نصرة لابن إدريس (٨) حيث قال : كانوا أحرارا والأصل بقائهم على الحرية حتى يثبت المزيل.

(ه) مساعدة ظاهرها لما ذهب اليه ابن إدريس من كون ملكية المال تابعا للاسترقاق (٩).

المقام الثاني

إذا كان القتل خطأ ، وجبت الدية خاصة ، وفي محلها ثلاثة أقوال :

(الأول) ماله خاصة ان كان له مال ، فان لم يكن كانت ديته على امام المسلمين ، لأنهم مماليك له يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده ،

__________________

(١) الفقيه : ج ٤ (٢٩) باب المسلم يقتل الذمي. أو يقتلون المسلم ص ٩١ الحديث ٤.

(٢) تقدم عن النهاية حيث قال : يتولى عنهم السلطان.

(٣) تقدم عن المقنعة حيث قال : فان اختاروا قتله كان السلطان يتولى ذلك منه.

(٤) تقدم عن الانتصار حيث قال : فان اختاروا قتله تولى ذلك السلطان منه.

(٥) تقدم قوله في ذلك : لخروجه بقتل المسلم عن الذمة.

(٦) و (٧) و (٨) و (٩) تقدّم الكل فلا وجه لإعادته.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس لهم عاقلة غير الامام ، قاله الشيخ في النهاية (١).

(الثاني) عاقلته كالمسلم قاله المفيد (٢).

(الثالث) الامام من رأس سواء كان له مال أو لم يكن ، قاله ابن إدريس (٣).

وتردد العلّامة (٤) وفخر المحققين (٥).

المقام الثالث

إذا أسلم بعد القتل قبل اختيار الولي الاسترقاق ، حكمه حكم المسلم ، بمعنى انه ليس لهم الّا قتله ، أو أخذ الدية ، وأولاده أحرار ، وماله له أو لورثته ، وهو إجماع.

اما لو أسلم بعد الاسترقاق لم يزل الرق عن رقبة ، والتملك عن ماله ، وكذا لا يزول الرق عن أولاده ، ان قلنا باسترقاقهم.

__________________

(١) النهاية : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ٧٤٨ س ٢١ قال : فان كان قتله له خطأ إلى قوله : فان لم يكن له مال كانت ديته على امام المسلمين ، لأنهم مماليك له ويؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده.

(٢) المقنعة : باب اشتراك الأحرار والعبيد في القتل ص ١١٨ س ٢٤ قال : وإذا قتل المسلم خطأ فديته على عاقلته.

(٣) السرائر : باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار ص ٤٢٤ س ١٢ قال : فان كان قتله خطأ إلى قوله : والصحيح : ان الامام عاقلة على كل حال سواء كان له مال أو لم يكن.

(٤) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجنايات ص ٢٤٢ س ٩ قال : تذنيب ، لو كان القتل خطأ إلى قوله : وعندي في ذلك تردد.

(٥) الإيضاح : ج ٤ كتاب الجنايات ص ٥٩٦ س ٢٠ قال : لو كان القتل خطأ إلى قوله : وتردد المصنف في هذه المسألة في المختلف : وعندي أيضا فيها تردد.

١٨٨

(الشرط الثالث) : ان لا يكون القاتل أبا ، فلو قتل ولده لم يقتل به ، وعليه الدية والكفارة والتعزير ويقتل الولد بأبيه ، وكذا الام تقتل بالولد ، وكذا الأقارب ، وفي قتل الجد بولد الولد تردد.

______________________________________________________

تنبيهان

الأول : لا فرق في قتل المسلم بين كونه حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، وقد صرح به التقي (١) وقال ابن حمزة : وان قتل كافر حرا مسلما ثمَّ أسلم قبل الاقتصاص كان حكمه حكم المسلمين ، ثمَّ ذكر سياقة المسألة (٢).

الثاني : لو كانت الجناية شبيهة العمد كانت الدية في ماله ، ولا سبيل الى قتله ولا استرقاقه ، ولا يتحمل الامام منها شيئا ، وان كان معسرا انظر.

قال طاب ثراه : وفي قتل الجد بولد الولد تردد.

أقول : قال أبو علي : ولا يقاد والد ولا والدة ، ولا جد ولا جدة لأب ولا لام بولد إذا قتله عمدا (٣) ، وقال المصنف والعلّامة : تقتل به الام وأجدادها ، لعموم (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (٤) (٥) (٦).

واما جد الأب : فاختار العلامة عدم القود ، لأنه أب (٧) وتردد المصنف (٨).

__________________

(١) الكافي : القصاص ، ص ٣٨٥ س ٣ قال : وإذا قتل الذمي حرا مسلما ، أو عبدا ، أو حرة ، أو أمة مسلمة إلخ.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان احكام قتل العمد المحض ص ٤٣٤ س ٢٢ قال : وان قتل كافر حرا مسلما إلخ.

(٣) المختلف : ج ٢ كتاب القصاص والديات ص ٢٦٧ س ٢٣ قال : وقال ابن الجنيد : ولا يقاد والد إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ ص ٢٩١ س ١٦ قال : الفصل الثالث في انتفاء الأبوة إلى قوله : وكذا الام يقتل به.

(٦) الاسراء / ٣٣.

(٧) القواعد : ج ٢ ص ٢٩١ س ١٦ قال : لا يقتل الأب وان علا بالولد وان نزل.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

١٨٩

(الشرط الرابع) : كمال العقل ، فلا يقاد المجنون ولا الصبي ، وجنايتهما عمدا وخطأ على العاقلة ، وفي رواية : يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي أخرى : إذا بلغ خمسة أشبار ، تقام عليه الحدود ، والأشهر : أنّ عمده خطأ حتى يبلغ التكليف ، أما لو قتل العاقل ثمَّ جنّ لم يسقط القود.

______________________________________________________

ووجه تردّده : عموم الآية (١).

وكونه ليس بأب حقيقة ، وانما يحمل الألفاظ عند الإطلاق على حقائقها دون مجازها.

ومن حيث مشاركته للأب في الولاية ، بل ولايته راجحة على ولايته ، ولهذا قدمنا عقده على عقد الأب مع الاقتران في النكاح.

ولأنه أحوط ، لابتناء اراقة الدماء على أتّم الاحتياط ، وأصالة براءة الذمة وعصمة دم الجد ، احتج أبو علي : بأنّ الأم يصدق عليها انها احد الوالدين ، فساوت الأخر (٢).

وأجابوا بالمنع من المساواة ، وهو ظاهر ، لافتراقهما في الولاية.

قال طاب ثراه : وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي أخرى : إذا بلغ خمسة أشبار.

أقول : الرواية الأولى ، رواها الشيخ عن أبي بصير عن الباقر عليه السّلام انه سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ؟ فقال : ان خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحب أولياء المقتول ان يقتلوهما قتلوهما ويردون على أولياء الغلام خمسة

__________________

(١) الاسراء / ٣٣.

(٢) المختلف ج ٢ كتاب القصاص والديات ص ٢٦٧ س ٢٥ قال : احتج (أي ابن الجنيد) بان الامام يصدق عليها بين انها واحد الوالدين ، فساوت الأخر ، قال : والجواب : المنع من المساواة.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الاف درهم ، فإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية ، قال : وان أحب أولياء المقتول ان يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية (١).

وقد دلت هذه الرواية على أمور.

(أ) كون خطأ الغلام عمدا ، وعمل الطائفة على عكسه.

(ب) كون القصاص جاريا على من لم يدرك.

(ج) ردّ المرأة نصف ديتها مع قتل شريكها كمذهب النهاية (٢) وقد تقدّم.

والكل ممنوع ، والشيخ رحمه الله حمل قوله : (لم يدرك) يعنى حدّ الكمال ، بل بلغ العشر ، أو خمسة أشبار ، وقوله : (خطأهما عمد) على ان هذا الخطأ على ما يعتقده بعض المخالفين من ضروب العمد خطأ وهو القتل بغير حديد ، فإنّ عند بعضهم : هذا النوع من القتل خطأ وان كان عمدا (٣).

وبمضمونها قال في النهاية (٤).

وفي رواية الحسن بن راشد عن العسكري عليه السّلام قال : إذا بلغ الغلام

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٢١) باب اشتراك الأحرار والعبيد والنساء والصبيان في القتل ص ٢٤٢ الحديث ٣.

(٢) النهاية : باب الواحد يقتل اثنين ، أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا ص ٧٤٥ س ١٠ قال : وتؤدي المرأة إلى أولياء الرجل نصف ديتها ألفين وخمسمائة درهم إلخ.

(٣) لاحظ التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٣ س ١٤ ذيل حديث ٣ باب اشتراك الأحرار والعبيد والصبيان والمجانين في القتل ، حيث يقول : على انه يشبه ان يكون الوجه فيه : ان خطائهما عمد على ما يعتقده بعض مخالفينا إلخ.

(٤) النهاية : باب الواحد يقتل اثنين ، أو الاثنين يقتلون واحدا ص ٧٤٥ س ٦ قال : فان قتل رجل وامرأة رجلا إلخ.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمان سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود (١).

والرواية الثانية : رواها السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل : فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وان لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية (٢).

وبمضمونها قال الصدوق (٣) والمفيد (٤).

وقال ابن إدريس : لا يتوجه اليه القصاص حتى يبلغ خمسة عشر سنة (٥). واختاره المصنف (٦) والعلّامة (٧) وولده (٨).

لعموم قوله عليه السّلام : رفع القلم عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ (٨) باب وصية الصبي والمحجور عليه ، ص ١٨٣ الحديث ١١ وتمام الحديث (وإذا تمَّ للجارية سبع سنين فكذلك).

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٢١) باب اشتراك الأحرار والعبيد والرجال والصبيان في القتل ص ٢٤٣ الحديث ٤.

(٣) المقنع : باب الديات ص ١٨٦ س ١٩ قال : وإذا اجتمع رجل وغلام على قتل رجل فقتلاه الى قوله : بلغ خمسة أشبار.

(٤) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٢٠ قال : فاذا بلغ الصبي خمسة أشبار اقتص منه.

(٥) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٨ س ١٥ فإنه بعد نقل قول الشيخ قال : وهذا القول غير مستقيم ولا واضح لأنه مخالف الأدلة إلخ. وقال في ص ٤١٨ س ١٠ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، ومن بلغ عشر سنين من الصبيان الذكران ما احتلم.

(٦) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والأشهر ان عمده خطأ حتى يبلغ التكليف.

(٧) المختلف : ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٣ س ٢٣ قال : وقول ابن إدريس جيد لان مناط القصاص انما هو البلوغ.

(٨) الإيضاح : ج ٤ كتاب الجنايات ص ٦٠٠ س ١٧ قال : والأقوى عندي ما هو الأقرب عند المصنف.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى ينتبه ، وعن المجنون حتى يفيق (١) وعموم صيانة الدم إلّا في موضع اليقين.

ولما رواه العبدي عن حمزة بن حمران (٢) وهو اختيار المصنف (٣) والعلامة (٤) هنا.

قال فخر المحققين : اما خصوصية العشر ، فلم نقف عليها بنص (٥).

فالحاصل : ان في المسألة ثلاثة أقوال ، واربع روايات.

(أ) بلوغ العشر ، قاله الشيخ في النهاية (٦) وهو تأويل رواية أبي بصير. (٧).

(ب) خمسة أشبار ، وهو قول الصدوق (٨) وهو رواية السكوني (٩).

(ج) خمسة عشر سنة ، وهو المشهور ، وهو رواية حمزة بن حمران (١٠).

__________________

(١) رواها العامة والخاصة بألفاظ متفاوتة والمعاني متقاربة لاحظ سنن أبي داود ج ٤ كتاب الحدود ، باب في المجنون يسرق الأحاديث ٤٣٩٨ الى ٤٤٠٣ وفي الوسائل نقلا عن الخصال ج ١ ص ٣٢ ، الحديث ١٠.

(٢) الكافي : ج ٧ باب حد الغلام والجارية اللذين يجب عليهما الحد تاما ص ١٩٧ الحديث ١ وسيجي‌ء نقله عن التهذيب.

(٣) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والأشهر ان عمده خطأ حتى يبلغ التكليف ، وقد تقدم أيضا.

(٤) المختلف : ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٣ س ٢٣ قال : وقول ابن إدريس جيد ، لان مناط القصاص انما هو البلوغ.

(٥) الإيضاح : ج ٤ كتاب الجنايات ، في باقي الشرائط ص ٦٠٠ س ٧ قال : وخصوصية العشر لم نقف عليها بنص.

(٦) النهاية : كتاب الشهادات ، باب شهادة الولد لوالده ص ٣٣١ س ١٨ قال : ويجوز شهادة الصبيان إذا بلغوا عشر سنين الى قوله : في الشجاج والقصاص إلخ.

(٧) التهذيب : ج ١٠ (٢١) باب اشتراك الأحرار والعبيد والنساء والرجال والصبيان في القتل ص ٢٤٢ الحديث ٣ ولاحظ تأويله.

(٨) المقنع : باب الديات ص ١٨٦ س ٢٠ قال : وان لم يكن الغلام بلغ خمسة أشبار فعليه الدية.

(٩) التهذيب : ج ١٠ (٢١) باب اشتراك. في القتل ص ٢٤٣ الحديث ٤.

(١٠) تقدم ويأتي أيضا.

١٩٣

ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه.

______________________________________________________

(د) ثمان سنين ، وهو رواية الحسن بن راشد (١) وهي متروكة.

واعلم : ان الشيخ روى في التهذيب عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن حمزة بن حمران قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامة ، وتقام ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت : فلذلك حد يعرف؟ فقال : إذا احتلم وبلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر ، أو أنبت قبل ذلك ، أقيمت عليه الحدود التامة ، وأخذ بها ، وأخذت له ، قلت : فالجارية متى يجب عليها الحدود التامّة ، وأخذت بها ، وأخذت لها ، قال : ان الجارية ليست مثل الغلام : انّ الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأقيمت عليها الحدود التامة ، وأخذ لها وبها ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك (٢).

وروى أبي أيوب عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم ، وزوجت ، وأقيم عليها الحدود التامة ، عليها ولها ، قال : قلت : الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك ، أيقام عليه الحدود وهو في تلك الحال؟ قال : فقال : اما الحدود الكاملة التي تؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم (٣).

قال طاب ثراه : ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه.

__________________

(١) التهذيب ج ٩ (٨) باب وصية الصبي والمحجور عليه ص ١٨٣ الحديث ١١.

(٢) التهذيب ج ١٠ (١) باب حدود الزنى ص ٣٧ الحديث ١٣٢.

(٣) التهذيب ج ١٠ (١) باب حدود الزنى ص ٣٨ الحديث ١٣٣.

١٩٤

ولا يقتل العاقل بالمجنون ، وتثبت الدية على القاتل ان كان عمدا ، أو شبيها ، وعلى العاقلة ان كان خطأ. ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا وفي رواية ديته من بيت المال ، ولا قود على النائم وعليه الدية.

______________________________________________________

أقول : هذا هو المشهور بين علمائنا.

لعموم قوله تعالى (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٢) (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٣).

وقال التقي : لا يجب به القصاص بل الدية (٤) لأن عقله ناقص ، فأشبه المجنون.

وأجيب : بالمنع من المساواة ، فإن الفرق بينهما ظاهر (٥) ألا ترى كيف اعتبر الشارع أذان الصبي واعتدّ به ، ولم يعتد بأذان المجنون. وأجاز وصيته في المعروف وعتقه ، ولم ينفذ ذلك من فعل المجنون ، واقام عليه الحدود والقصاص على قول ، دون المجنون ، وأيضا فغاية عذره معلومة الزوال ، بخلاف المجنون.

قال طاب ثراه : ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا ، وفي رواية ، ديته من بيت المال.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا؟ فقال : ان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه ، فقتله ، فلا شي‌ء عليه من قود ولا دية ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين ، قال : وان كان قتله من غير ان يكون المجنون اراده ، فلا قود لمن لا يقاد

__________________

(١) المائدة / ٤٥.

(٢) البقرة / ١٧٩.

(٣) الاسراء / ٣٣.

(٤) الكافي ، القصاص ص ٣٨٤ س ١٤ قال : وان كان المقتول صغيرا ، فعلى القاتل الدية دون القود.

(٥) المختلف ج ٢ كتاب القصاص والديات ص ٢٤٨ س ٦ قال : والجواب : المنع من المساواة.

١٩٥

وفي الأعمى تردد ، أشبهه : أنه كالمبصر في توجه القصاص. وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان جنايته خطأ يلزم العاقلة ، فان لم يكن له عاقلة فالدية في ماله تؤخذ في ثلاث سنين. وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم الآية.

______________________________________________________

منه ، وأرى انّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ويتوب اليه (١).

ومثلها روى الحسن بين محبوب عن أبي الورد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أو أبي جعفر عليه السّلام : أصلحك الله رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف ، فضربه المجنون ضربة ، فتناول الرجل السيف من المجنون ، فضربه فقتله ، فقال : أرى أن لا يقتل به ، ولا يغرم ديته ، وتكون ديته على الامام ولا يطل دمه (٢).

قال طاب ثراه : وفي الأعمى تردد ، أشبهه ، أنه كالمبصر في توجه القصاص ، وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان جنايته خطأ تلزم العاقلة ، ولو لم تكن عاقلة فالدية في ماله ، تؤخذ في ثلاث سنين. وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم الآية.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية الى أنّ عمد الأعمى بمنزلة الخطأ ، يجب فيه الدية على عاقلته (٣) وتبعه القاضي (٤) وهو مذهب أبي علي (٥) ورواه ابن بابويه في

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ص ٢٣١ الحديث ٤٦.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ص ٢٣١ الحديث ٤٧.

(٣) النهاية : باب ضمان النفوس وغيرها ص ٧٦٠ س ٤ قال : وإذا قتل مجنون غيره كان عمده وخطاؤه واحدا الى قوله : على عاقلته.

(٤) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٥ س ١٧ قال : فان قتل المجنون إنسانا كان عمده وخطاؤه واحدا الى قوله : على عاقلته.

(٥) المختلف : ج ٢ في ضمان النفوس وغيرها ص ٢٤٧ س ٣١ قال : بعد نقل قول الشيخ : وهو قول ابن الجنيد.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كتابه (١).

وقال ابن إدريس : عمد الأعمى يجب عليه فيه القود (٢) واختاره المصنف (٣) والعلّامة (٤) وفخر المحققين (٥).

احتج الأولون : بما رواه محمّد الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه ، فوثب المضروب على ضاربه فقتله ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : هذان متعديان جميعا ، ولا ارى على الذي قتل الرجل قودا ، لأنه قتله حين قتله وهو أعمى ، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته ، يؤخذون بها في ثلاث سنين ، في كل سنة نجما ، فان لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله ، يؤخذ بها في ثلاث سنين ، ويرجع الاعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه (٦).

وفي معناها رواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السّلام قال : سألته عن أعمى فقأ عين صحيح متعمدا قال : فقال : يا أبا عبيدة إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ ، هذا فيه الدية من ماله ، فان لم يكن له مال فانّ ديته على الامام ، ولا يبطل حق مسلم (٧).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (٣٣) باب العاقلة ص ١٠٧ الحديث ٦ وسيأتي عن قريب.

(٢) السرائر باب ضمان النفوس وغيرها ص ٤٢٨ س ١٠ قال : والذي يقتضيه أصول المذهب : ان عمد الاعمى عمدا يجب عليه فيه القود.

(٣) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : انه كالمبصر.

(٤) المختلف : ج ٢ في ضمان النفوس وغيرها ص ٢٤٧ س ٣٣ قال بعد نقل قول ابن إدريس : والوجه ذلك.

(٥) الإيضاح : ج ٤ كتاب الجنايات ، في باقي الشرائط ص ٦٠١ س ٢١ قال بعد نقل المصنف : وهو الأصح عندي.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ص ٢٣٢ الحديث ٥١.

(٧) الكافي : ج ٧ باب من خطاؤه عمد ومن عمده خطأ ص ٣٠٢ الحديث ٣.

١٩٧

(الشرط الخامس)ان يكون المقتول محقون الدم.

(القول فيما يثبت به) ، وهو الإقرار ، أو البينة ، أو القسامة.

أما الإقرار. فيكفي المرة ، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين.

______________________________________________________

والروايتان ضعيفتا السند (١) (٢) ومتوافقتان في كونه خطأ ، ومتخالفتان في كيفية الضمان ، فعلى الأول جعله على العاقلة ، ومع عدمها في ماله ، وفي الثانية جعل الضمان في ماله ابتداء ، ومع فقره على الامام ، ولم يذكر العاقلة ، مع انه قال فيها : (عمد الأعمى مثل الخطأ) وقضية الخطأ ضمان العاقلة من رأس ، فاضطربت.

ومثل هاتين الروايتين مع ضعف سندهما لا يصلحان لمعارضة القرآن.

احتج الآخرون بوجوه.

(أ) قوله تعالى (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٣) (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٤).

(ب) انه مكلف قصد القتل ، وثبوت الحكمة المعلل بها وجوب القصاص في قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٥) ، موجود في حقه ، فيثبت عليه القود قضية للعلية.

(ج) ان السبب الموجب للقصاص وهو قتل العمد موجود ، والمانع لا يصلح للمانعية ، فتحقق القصاص لوجود ما يقتضيه وانتفاء مانعيته.

قال طاب ثراه : أما الإقرار فيكفي المرة ، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين.

__________________

(١) سند الحديث الأول كما في التهذيب (محمّد بن احمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله ، عن العلاء ، عن محمّد الحلبي).

(٢) سند الحديث الثاني كما في الكافي (ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبيدة).

(٣) المائدة / ٤٥.

(٤) الاسراء / ٣٣.

(٥) البقرة / ١٧٩.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هذا مذهب المصنف (١) وهو ظاهر كثير من الأصحاب وان لم يصرحوا به ، لعموم قبول إقرار العاقل (٢) وحمله على الزنا والسرقة قياس ، ولأنه حق آدمي فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق.

ونص الشيخ في النهاية على المرتين (٣) وتبعه القاضي (٤) وابن إدريس (٥) والطبرسي (٦) ويحيى بن سعيد (٧).

ووجهه : الاحتياط في الدماء ، ولأنّه لا تنقص عن السرقة ، وقد شرط فيها التعدد.

والجواب عن الأول : بأنّ الاحتياط ربما كان في تقليل شروط القبول ، ولهذا قبلنا : شهادة الصبيان وقسامة المدعي ، تحقيقا لقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٨).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) لاحظ عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٣ الحديث ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ الحديث ٥ وما علق عليها.

(٣) النهاية : باب البينات على القتل ص ٧٤٢ س ١٤ قال : واما الإقرار إلى قوله : على نفسه دفعتين.

(٤) المهذب : ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠٢ س ٤ قال : واما الإقرار إلى قوله : على نفسه بالقتل مرتين.

(٥) السرائر : باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٣٢ قال : واما الإقرار فيكفي أن يقر القاتل على نفسه دفعتين.

(٦) غاية المراد للشهيد قدّس سرّه ، ص. س ٢٢ في شرح قول المصنف (وتكفي المرة على رأى) قال : والطبرسي وابن إدريس ونجيب الدين بن سعيد على المرتين عملا بالاحتياط للدماء.

(٧) الجامع للشرائع : في الجنايات ، ثبوت الجناية ص ٥٧٧ س ٦ قال : أو إقرار من حر بالغ عاقل مختار مرتين.

(٨) البقرة / ١٧٩.

١٩٩

ويعتبر في المقر : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والحرية.

ولو أقر واحد بالقتل عمدا ، والأخر خطأ ، تخير الولي تصديق أحدهما.

ولو أقر واحد بقتله عمدا ، فأقر آخر انه هو الذي قتله ، ورجع الأول ، درئ عنهما القصاص والدية ، وودي من بيت المال ، وهو قضاء الحسن ابن علي عليهما السّلام.

______________________________________________________

وعن الثاني : ان السرقة حق لله تعالى ، ولهذا يسقط بالتوبة ، ولا يقبل فيها الشهادة على الشهادة.

واما الروايات فخالية عن ذكر التكرار.

وكذا الوقائع عند الأئمة عليهم السّلام ، مثل قضية الحسن عليه السّلام (١) ورواية زرارة عن الباقر عليه السّلام في قضية الشهود عليه بالقتل ، ثمَّ إقرار آخر وبرء الأوّل فقال عليه السّلام : ان أراد أولياء المقتول ان يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه (٢) ولم يشترط التكرار ، فلو كان شرط لزم تأخير البيان عن وقت السؤال أو الحاجة ، وهو محذور.

قال طاب ثراه : ولو أقر واحد بقتله عمدا ، فأقر آخر انه هو الذي قتله ورجع الأول ، درئ عنهما القصاص والدية ، وودّى من بيت المال ، وهو قضاء الحسن بن علي عليهما السلام.

أقول : روى الشيخ عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال : أخبرني بعض أصحابنا رفعه الى أبي عبد الله عليه السّلام قال : اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل وجد في

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٣ الحديث ١٩ وسيجي‌ء نقله عن قريب.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٢ الحديث ١٨.

٢٠٠