المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

ولو قتلت المرأة فمات ولدها معها ، فللأولياء دية المرأة ونصف الديتين على الجنين ان جهل حاله ، وان علم ذكرا كان أو أنثى كانت الدية بحسابه ، وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة ، لأنه مشكل ، وهو غلط لأنه لا اشكال مع النقل.

______________________________________________________

(د) تفسير ذلك بمبدء خلق العلقة والمضغة والعظم ، وتربي اجزائها وابتداء نشوها ، واجتماع اجزائها وإتلافها في كل مرة حتى يصير الى ما بعدها ، فيعتبر في مبدء العلقة بالقطرات من الدم ، وفي المضغة بالعروق ، وفيما يصير الى العظم بالعقد ، ففي القطرة من الدم ديناران ، وفي الثلاث ستة ، وفي الخمس عشرة دنانير ، فيكمل ثلاثين دينارا وهي النصف. ثمَّ في العرق من اللحم ، في العلقة ديناران زيادة عن الأربعين وهكذا حتى يكمل مضغة ثمَّ في العقد أربعة دنانير ، وفي العقدتين ثمانية وهكذا حتى يكمل الثمانين ، ذهب اليه الصدوق في المقنع (١).

والمصنف الزم ابن إدريس بإلزامات ثلاثة.

(أ) عدم استناده الى شاهد يرفع عذره ، ولا يجوز القول في الدين بالتشهي.

(ب) ان المروي في المكث بين المراتب أربعين يوما ، وقد رأيته في رواية أبي جرير ومحمّد بن مسلم.

(ج) على تقدير كون المكث أياما معلومة ، اما أربعون كما أوردناه ، أو عشرون كما قاله ، من اين له ان الدية مقسومة على الأيام؟! ولم لا يجوز ان يكون مقسومة على حالات النشؤ واجزاء العلقة والمضغة كما تضمنه رواية يونس الشيباني (٢).

قال طاب ثراه : وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة ، لأنه مشكل ، وهو غلط ، لأنه لا اشكال مع النقل.

__________________

(١) تقدم نقله عن المقنع.

(٢) الشرائع ج ٤ في الجنين قال بعد نقل قول ابن إدريس تحت عنوان (قال بعض الأصحاب) : ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول إلى قوله : مع انه يحتمل ان يكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : القائل بذلك ابن إدريس ، قال : الاولى استعمال القرعة في ذلك هل هو ذكر أو أنثى ، لأنّ القرعة مجمع عليها في كل مشكل ، وهذا من ذلك (١).

ونصف الديتين مذهب الشيخين (٢) (٣) وسلّار (٤) وابن حمزة (٥) والقاضي (٦) وابي علي (٧).

وقال التقي : وان مات الجنين المعلوم كماله وحياته من الضرب في بطنها فنصف ديته (٨).

واختار المصنف (٩) والعلّامة (١٠) مذهب الشيخين.

احتجوا بتطابق الرواية وتظافرها بذلك.

فمنها صحيحة عبد الله بن سنان (١١).

ومنها صحيحة يونس المتضمنة لكون ذلك في قضاء علي عليه السّلام (١٢).

__________________

(١) السرائر باب دية الجنين ص ٤٣٩ س ٣٠.

(٢) المقنعة باب الحوامل والحمول ص ١٢٠ س ٧٦ قال : ودية ولدها بحساب دية الرجال والنساء نصفين.

(٣) النهاية باب دية الجنين ، ص ٧٧٨ س ١٧ قال : وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية المرأة.

(٤) المراسم ذكر ضمان النفوس ص ٢٤٢ س ٥ قال : فإن مات في جوفها ولم يعلم ما هو فديته عليها نصفين.

(٥) الوسيلة في بيان دية الجنين والميت ص ٤٦٥ س ١٧ قال : ونصف دية حر ونصف دية حرة من جهة الولد.

(٦) المهذب ج ٢ باب دية الجنين ص ٥١٠ س ٥ قال : وفي ولدها نصف دية ونصف دية امرأة.

(٧) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٢ س ٢٣ قال بعد نقل قول المشهور : وهو أيضا قول ابن الجنيد.

(٨) الكافي ، الديات ص ٣٩٣ س ٦ قال : فان مات الجنين الى قوله : فنصف ديته.

(٩) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ونصف الديتين على الجنين ان جهل حاله.

(١٠) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٢ س ٢٦ قال بعد نقل قول المشهور : لنا انه (أي التنصيف) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام.

(١١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٥ ونقله في المختلف ج ٢ ص ٢٦٢ س ٢٩.

(١٢) التهذيب ج ١٠ (٢٥) باب الحوامل والحمول ص ٢٥٨ قطعة من حديث ٩.

٣٨٢

ولو ألقته مباشرة أو تسبيبا ، فعليها دية ما ألقته ، ولا نصيب لها من الدية ، ولو كان بافزاع مفزع فالدية عليه. ويستحق دية الجنين وراثه ودية جراحاته بنسبة ديته.

ومن أفزع مجامعا فعزل فعليه عشرة دنانير.

ولو عزل عن زوجته اختيارا ، قيل : يلزمه دية النطفة عشرة دنانير ، والأشبه الاستحباب.

______________________________________________________

ومنها رواية عبد الله بن مسكان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : دية الجنين إذا تمَّ مائة دينار ، فإذا أنشئ فيه الروح فديته ألف دينار ، أو عشرة الاف درهم ان كان ذكرا ، وان كان أنثى فخمسمائة دينار ، وان قتلت امرأة وهي حبلى ولم يدر أذكر هو أم أنثى ، فدية الولد نصفين نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى ، وديتها كاملة (١).

والظاهر ان مراد التقي مذهب الأصحاب (٢).

قال طاب ثراه : ولو عزل عن زوجته اختيارا ، قيل : يلزمه دية النطفة عشرة دنانير ، والأشبه الاستحباب.

أقول : القائل بذلك الشيخان (٣) (٤) والقاضي (٥) والتقي (٦) وتبعه ابن

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٥) باب الحوامل والحمول ص ٢٨١ الحديث ١.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) المقنعة : باب الحوامل والحمول. ص ١٢٠ س ٢٥ قال : وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الى قوله : عشرة دنانير.

(٤) النهاية ، باب دية الجنين والميت. ص ٧٧٩ س ١٥ قال : وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الى قوله : كان عليه عشر دية الجنين يسلمه إليها.

(٥) المهذب ج ٢ باب دية الجنين والميت ، ص ٥١٠ س ١٥ قال : فان عزل الرجل عن زوجته الحرة إلى قوله : عشره دنانير.

(٦) الكافي ، الديات ص ٣٩٢ س ١٩ قال : وإذا عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها إلى قوله : عشرة دنانير.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إدريس (١) والمصنف هنا القولان (٢) وقد تقدم البحث في هذه المسألة في كتاب النكاح.

تتمة

قد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن دية قطع رأس الميت والجناية عليه عقيب البحث عن دية الجنين للمشاكلة بينهما ، فان كل واحد منهما صورة ادمي خلا من الروح ، وسوّى الشارع بينهما في الدية.

روى الحسن بن خالد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال : دية الجنين إذا ضربت امه فسقط من بطنها قبل ان تنشأ فيه الروح مائة دينار ، وهي لورثته ، وانّ دية هذا (أي الميت) إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته ، انما هي له دون الورثة ، فقلت : وما الفرق بينهما؟ فقال : انّ الجنين مستقبل مرجو نفعه ، وانّ هذا قد مضى فذهبت منفعته ، فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره ، يحج بها عنه ، يفعل بها أبواب الخير والبر من صدقة أو غيرها الحديث (٣) ولم يذكرها المصنف هنا.

ولما كان كتابنا هذا قد اشتمل على مطالب مهمة ، وعلى غرائب لم يوجد في غيره من المطولات وتحقيقات تميز بها عن غيره من المصنفات ، وكانت المسألة خلافية ، وكاد كتابنا هذا ان يحيط بأكثر خلافيات الفقه ، أحببت ان لا يخلو

__________________

(١) السرائر باب دية الجنين والميت ص ٤٤٠ س ٣ قال : وقد روى الى قوله : وهذه الرواية شاذة لا يعول عليها ثمَّ قال : ان العزل عن الحرة مكروه ليس بمحظور.

(٢) النافع ، كتاب النكاح ص ١٧٢ قال : (الثالثة) العزل عن الحرة بغير اذنها قيل : يحرم ، وقيل : انه مكروه وهو أشبه ، ولاحظ ما هنا من قوله : والأشبه الاستحباب.

(٣) التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور. وقطع رأس الميت ص ٢٧٤ قطعة من حديث ١٨.

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الكتاب من إيرادها.

فنقول : لا تجوز الجناية على الميت لقوله صلّى الله عليه وآله : ان الله حرم من المسلم ميتا ما حرمه منه حيا (١).

وقال الصادق عليه السّلام : أبي الله ان يظن بالمؤمن إلّا خيرا وكسرك عظامه حيّا وميتا سواء (٢).

إذا عرفت هذا فالبحث هنا في مقامين.

(الأول) كمية الدية : والمشهور أنها مائة دينار.

وروى عبد الله بن مسكان عن الصادق عليه السّلام في قطع رأس الميت قال عليه السّلام : الدية ، لأن حرمته ميتا كحرمته حيا (٣).

قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه : يحمل هذا على ما إذا أراد قتله في حياته ، فإنه يلزمه الدية وان لم يرد قتله في الحياة كان عليه مائة دينار (٤).

وقال في المقنع : وروي في حديث أخر : انه إذا كان أراد قتله في حياته فعليه الدية كاملة (٥).

وتأوّلها الشيخ : بانّ المراد بالدية في قوله عليه السّلام : (الدية) دية الجنين ، لأنه

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٧ ولاحظ ما علق عليه وفي التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور. ص ٢٧٤ قطعة من حديث ١٨.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٨ وفي التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور وقطع رأس الميت ص ٢٧٢ الحديث ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ٤ (٥٣) باب ما يجب على من قطع رأس ميت ص ١١٧ الحديث ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ج ٤ (٥٣) قال بعد نقل حديث ٣ : وكان ممن أراد قتله في حياته فعليه الدية إلخ.

(٥) المقنع باب الديات ص ١٨٤ س ٨ وفيه : وسأله إسحاق بن عمار عن رجل قطع رأس ميت؟ قال : عليه الدية.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس في ظاهر الخبر الإلزام بدية النفس (١).

واحتج على هذا التأويل بما رواه مرفوعا إلى الحسين بن خالد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت : انّا روينا عن أبي عبد الله عليه السّلام حديثا ، أحب أن أسمعه منك ، فقال : وما هو؟ قلت : بلغني انه قال في رجل قطع رأس رجل ميت : قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ الله حرم من المسلم ميتا ما حرمه منه حيّا ، فمن فعل بميت ما يكون في ذلك احتياج نفس الحي فعليه الدية ، فقال : صدق أبو عبد الله هكذا قال رسول الله ، قلت : من قطع رأس رجل ميت ، أو شق بطنه ، أو فعل به ما يكون في ذلك الفعل احتياج نفس الحي فعليه دية النفس كاملة؟ فقال : لا ، ثمَّ أشار الى بإصبعه الخنصر فقال لي : أليس لهذه الدية؟ فقلت : بلى ، قال : فتراه دية النفس؟ فقلت : لا ، قال : صدقت ، فقلت : وما دية هذه إذا قطع رأسه وهو ميت؟ فقال : ديته دية الجنين في بطن امه قبل ان ينشأ فيه الروح وذلك مائة دينار ، قال : وسكت وسرني ما أجابني فيه ، قال : لم لا تستوفي مسألتك؟ فقلت : ما عندي فيها أكثر مما أجبتني فيه الّا ان يكون شي‌ء لا أعرفه ، قال : دية الجنين إذا ضربت امه فسقط من بطنها قبل ان تنشأ فيه الروح مائة دينار ، وهي لورثته ، وانّ دية هذا إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته ، انما هي له دون الورثة ، فقلت : وما الفرق بينهما؟ فقال : انّ الجنين مستقبل مرجو نفعه ، وانّ هذا قد مضى فذهبت منفعته ، فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له ، لا لغيره ، يحج بها عنه أو يفعل بها أبواب الخير والبر من صدقة أو غيرها ، قلت : فإن أراد رجل ان يحفر له ليغسله في الحفرة فسدر الرجل مما يحفر ، فدير به فمالت مسحاته في يده فأصاب بطنه فشقه فما

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٣ قال بعد نقل حديث ابن مسكان : ليس في ظاهر شي‌ء منها كمية تلك الدية ، وهل هي دية النفس أو دية الجنين الى قوله : حملناها على ان في ذلك دية الجنين.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه؟ قال : إذا كان هكذا فهو خطأ ، وكفارته عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو صدقة على ستين مسكينا ، مدّ لكل مسكين بمد النبي صلّى الله عليه وآله (١).

واعلم ان هذا البحث على تقدير كون الميت حرا مسلما ، ولو كان ذميا أو عبدا فعشر دية الذمي وعشر قيمة العبد كالجنين.

ولفخر المحققين في الإيضاح عبارة موهمة ، وحكايتها : دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا (٢) تبعا لعبارة والده في المختلف (٣) ، ومراد هما بهذا الإطلاق الإضراب عن تفصيل الصدوق ، وقد مرّ.

نعم لا فرق بين الذكر والأنثى ، والكبير والصغير ، والعاقل والمجنون.

(الثاني) ما يصنع بهذه الدية؟

قال المرتضى : هي لبيت المال (٤) واختاره ابن إدريس (٥).

وقال الشيخان في النهاية والمقنعة : يتصدق بها عنه (٦) (٧) وبه قال التقي (٨)

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور. وقطع رأس الميت ص ٢٧٣ الحديث ١٨.

(٢) الإيضاح ج ٤ (المطلب الثاني في الاختلاف ودية الميت ص ٧٢٨) س ١٠ قال : دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا.

(٣) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ١٧ قال : المشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا.

(٤) الانتصار ، في الحدود ص ٢٧٢ س ٢ قال : (مسألة) ومما انفردت به الإمامية إلى قوله : فعليه مائة دينار لبيت المال.

(٥) السرائر باب دية الجنين ص ٤٤٠ س ١١ قال : وقال السيد المرتضى : لبيت المال ، وهو الذي يقوى في نفسي.

(٦) النهاية باب دية الجنين ص ٧٨٠ س ٤ قال : بل تكون له خاصة يتصدق بها عنه.

(٧) المقنعة باب دية عين الأعور. وقطع رأس الميت ص ١١٩ س ٣٤ قال : ومن قطع رأس ميت فعليه مائة دينار الى قوله : يتصدق عن الميت بها.

(٨) الكافي ، الديات ص ٣٩٣ س ١٠ قال : ودية قطع رأس الميت عشر دية إلى قوله : يتصدق بها عنه.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واختاره المصنف (١) والعلّامة (٢).

احتج الأولون بما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال : من نأخذ ديته؟ قال : الامام هذا الله (٣).

وأجيب : بعدم المنافاة بين الصدقة وبين كونها لله.

احتج الأولون بما قدمناه من الحديث ، وبما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن موسى ، عن محمّد بن الصباح ، عن بعض أصحابنا قال : اتى الربيع أبا جعفر المنصور ـ وهو خليفة ـ في الطواف فقال : يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة ، فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته ، قال : فاستشاط وغضب ، قال : فقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى وعدة من القضاة والفقهاء ما تقولون في هذا؟ فكل قال : ما عندنا في هذا شي‌ء ، قال : فجعل يردد المسألة ويقول : أقتله أم لا؟ فقالوا : ما عندنا في هذا شي‌ء ، قال : فقال له بعضهم : قد قدم رجل الساعة ، فإن كان عند أحد شي‌ء ، فعنده الجواب في هذا ، وهو جعفر بن محمّد عليه السّلام ، وقد دخل المسعى فقال للربيع : اذهب اليه فقل له لو لا معرفتنا بشغل ما أنت فيه لسألناك أن تأتينا ، ولكن أجبنا في كذا وكذا قال : فأتاه الربيع وهو على المروة فأبلغه الرسالة ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : قد ترى شغل ما انا فيه ، وقبلك الفقهاء والعلماء فسلهم ، قال : فقال له : قد سألهم فلم يكن عندهم فيه شي‌ء قال : فرده اليه فقال : أسألك الّا أجبتنا فيه فليس عند القوم في هذا شي‌ء ، فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : حتى افرغ مما انا فيه ، قال : فلما فرغ جاء فجلس في جانب المسجد

__________________

(١) الشرائع ج ٤ في اللواحق : (الثانية) في قطع رأس الميت الى قوله : ولا يرث وارثة منها شيئا ، بل تصرف في وجوه القرب.

(٢) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ١٣ قال : والوجه ما قاله الشيخ ، أي يتصدق بها عنه.

(٣) التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور. وقطع رأس الميت ص ٢٧٢ الحديث ١٤.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الحرام ، فقال للربيع : اذهب فقل له : عليه مائة دينار ، قال : فأبلغه ذلك ، فقالوا له : فسله كيف صار عليه مائة دينار؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : في النطفة عشرون دينارا ، وفي العلقة عشرون ، وفي المضغة عشرون ، وفي العظم عشرون ، وفي اللحم عشرون ، (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ، وهذا هو ميت بمنزلته قبل ان ينفخ فيه الروح في بطن امه جنين ، قال : فرجع إليه فأخبره بالجواب ، فأعجبهم ذلك ، وقالوا : ارجع اليه فسله : الدنانير لمن هي؟ لورثته أو لا؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ليس لورثته فيها شي‌ء ، إنما هذا شي‌ء صار إليه في بدنه بعد موته ، يحج بها عنه ، أو يتصدق بها عنه ، أو يصيّر في سبيل من سبل الخير ، قال : فزعم الرجل انهم ردوا الرسول اليه ، فأجاب فيها أبو عبد الله عليه السّلام بستة وثلاثين مسألة ولم يحفظ الرجل الّا قدر هذا الجواب (١).

فرع

لو كان على هذا الميت دين هل يقضى من هذه الدية؟ استشكله العلّامة (٢) وفخر المحققين (٣) من حيث انها ليست تركه ، لورود النص بالصدقة بها (٤) والّا لورثته. ومن حيث ورود النص بالصدقة بها عنه ، فيكون في حكم ماله ، وكلما كان كذلك فهو تركة فيقضى منه الدين.

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٣) باب دية عين الأعور. وقطع رأس الميت ص ٢٧٠ الحديث ١٠.

(٢) القواعد ج ٢ في الاختلاف ودية الميت ص ٣٣٩ س ١٥ قال : وهل يقضى منه ديته ، واجبا إشكال.

(٣) الإيضاح ج ٤ ص ٧٢٨ س ١٨ قال : قال المصنف : فيه إشكال إلى أخره ثمَّ أورد وجوه الاشكال فالظاهر موافقته لما قاله المصنف.

(٤) تقدم في حديث ١٠.

٣٨٩

(الثاني) في الجناية على الحيوان.

من أتلف حيوانا مأكولا كالنعم بالذكاة ، لزمه الأرش ، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان : نعم ، والأشبه : لا ، لأنه إتلاف لبعض منافعه فيضمن التالف. ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه. ولو قطع بعض جوارحه ، أو كسر شيئا من عظامه ، فللمالك الأرش. وان كان ممّا لا يؤكل ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر ضمن أرشه. وكذا في قطع أعضائه من استقرار حياته. ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا.

______________________________________________________

والمعتمد القضاء لوجوه.

(أ) تصريح الرواية بإضافتها إليه بقوله : (فدية تلك المثلة له) (١).

(ب) تصريح الرواية الثانية بقوله : (يتصدق بها عنه) فالقصد العود بها على مصالحه وما ينتفع به ، وتفريغ ذمته من الدين أصلح له وامنع.

(ج) انّ وجوه الصدقة غير محصورة ، ومن جملة صنوفها قضاء ديون الغارمين ، ولهذا جعل للغارم سهما في الصدقة الواجبة ، وتفريغ ذمة هذا المديون مندرج تحت مطلق الصدقة ، فليس بمناف لما دلت عليه الأحاديث ، ويلزم السيد على قوله قضاء الدين ، لأنّ الإمام يأخذها بالولاية ، والدين مقدّم على الولاء إجماعا ، قال المصنف على قول المرتضى في بعض كتبه انها للإمام ، فلزمه قضاء الدين ، لأنّ الإمام يأخذها على رأيه بالولاء ، والدين مقدّم على الولاء (٢).

قال طاب ثراه : من أتلف حيوانا مأكولا كالنعم ، بالذكاة لزمه الأرش ، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان : نعم ، والأشبه : لا ، لأنه ، إتلاف لبعض منافعه

__________________

(١) تقدم في حديث ١٨.

(٢) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) ص ٤٧٠ س ٧ قال : ويلزمه على هذا ان يقضي بها الدين إلخ.

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : قال الشيخان في النهاية والمقنعة : كان صاحبه مخيرا بين ان يلزمه قيمته يوم التلف ويسلّم اليه ذلك الشي‌ء ، أو يطالبه بقيمته ما بين كونه متلفا وبين كونه حيا (١) (٢) واختاره القاضي (٣) وسلار (٤) ولعلهم نظروا الى كونه أتلف عليه معظم منافعه وصيّره كالتالف.

وقال في المبسوط : له المطالبة بالأرش خاصة ، وليس له دفعه لبقاء المالية بعد الذبح ، فيضمن التالف ، وهو تفاوت ما بين قيمته حيا ومذبوحا (٥) ولأصالة بقاء الملك على مالكه وعدم انتقاله عنه الى غيره الّا بالتراضي منهما ، ولأصالة براءة ذمة الجاني مما زاد عن الأرش ، لأنه المتيقن وما زاد عليه مشكوك فيه ، وبه قال ابن إدريس (٦) واختاره المصنف (٧) والعلّامة (٨).

__________________

(١) النهاية باب الجناية على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٠ قال : ومتى أتلف عليه شيئا مما تقع عليه الذكاة إلى قوله : كان صاحبه مخيرا إلخ.

(٢) المقنعة باب الجناية على الحيوان ، ص ١٢١ س ٢٩ قال : وان أتلف ما يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع الى قوله : كان صاحبه مخيرا.

(٣) المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٢ قال : فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به كان لصاحبه الخيار إلخ.

(٤) المراسم ، ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٥ قال : فإن أتلف إنسان حيوانا لغيره مما يقع عليه الذكاة ، فلمالكه أن يعطيه إياه الى آخره.

(٥) المبسوط ج ٨ كتاب السرقة ص ٣٠ س ٦ قال : إذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة ، فعليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة ، وفي ج ٣ كتاب الغضب ص ٨٥ س ٢ قال : فان غصب شاة ، إلى قوله : كان للمالك ان يأخذها وله ما بين قيمتها حية ومذبوحة.

(٦) السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ١٧ قال : فإن أتلف شيئا على مسلم مما يقع عليه الذكاة إلى قوله : ما بين قيمتها صحيحا ومعيبا.

(٧) لاحظ قوله في النافع : فعليه الأرش.

(٨) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٥ قال : وقوله في المبسوط : من الرجوع بالتفاوت هو المعتمد.

٣٩١

ولو كان ممّا لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير. ففي كلب الصيد أربعون درهما ، وفي رواية السكوني : يقوّم. وكذا كلب الغنم وكلب الحائط ، والأول أشهر. وفي كلب الغنم كبش ، وقيل : عشرون درهما. وكذا قيل : في كلب الحائط ، ولا اعرف الوجه. وفي كلب الزرع قفيز من بر ، ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك ، اما ما يملكه الذمي كالخنزير ، فالمتلف يضمن قيمته عند مستحليه. وفي الجناية على أطرافه الأرش. ويشترط في ضمانه استتار الذمي به.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير ، ففي كلب الصيد أربعون درهما ، وفي رواية السكوني : يقوّم إلى أخره.

أقول : الكلاب على خمسة أضرب : كلب الصيد ، وكلب الغنم ، وكلب الحائط (الماشية خ ل) وكلب الزرع وكلب الدار ، وما عدا هذه الخمسة يسمى العطل (١) وكلب الهراش.

ولا شك في جواز تملك الخمسة والانتفاع بها ، وجواز إجارتها ، وتحريم الجناية عليها من الغير ، وانما الخلاف في مقامين.

(أ) جواز البيع وقد ذكرناه مستوفى في كتاب البيع.

(ب) في تقدير دياتها لو قتلت ، والكلام في الخمسة ، ولنذكر البحث في كل صنف منهما على انفراده.

(الأول) كلب الصيد ، ويسمى السلوقي ، منسوب الى سلوق قرية باليمن (٢)

__________________

(١) في «گل» : يسمّى العكلي ، كذا في النسخة.

(٢) السلوق قرية باليمن ، والكلاب السلوقية منسوبة إليها ، وفي كتاب ابن الفقيه : سلوق هي مدينة الان ينسب إليها الكلاب السلوقية ، وقال ابن الحائك وهو يذكر اليمن : سلوق كانت مدينة عظيمة بأرض الجديد الى قوله : وإليها كانت العرب تنسب الدروع السلوقية والكلاب السلوقية (تلخيص من معجم البلدان ج ٣ ص ٢٤٢).

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أكثر كلابها معلمة ، فنسب ما علم الصيد من الكلاب إليها ، وان لم يكن منها للمشابهة ، وفيه قولان.

(أحدهما) أربعون درهما ، وهو الأكثر في الأقوال والروايات ، وبه قال الشيخان (١) (٢) في النهاية والمقنعة ، والصدوق (٣) وأبو يعلى (٤) والقاضي (٥) وابن إدريس (٦).

(الثاني) قيمته ، ولا يتجاوز به أربعين درهما قاله أبو علي (٧) واستحسنه العلّامة (٨).

احتج الأولون : بما رواه الوليد بن الصبيح عن الصادق عليه السّلام قال : دية الكلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك لبني جذيمة (٩) (١٠).

__________________

(١) النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٦ قال : ودية الكلب السلوقي أربعون درهما.

(٢) المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال : قد وظف في قيمة السلوقي المعلم أربعون درهما.

(٣) المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ١ قال : واعلم ان دية كلب الصيد أربعون درهما.

(٤) المراسم ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٩ قال : وقد وظف في دية الكلب المعلم أربعون درهما.

(٥) المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٤ قال : ودية الكلب السلوقي أربعون درهما.

(٦) السرائر باب الجنايات علي الحيوان ص ٤٤٠ س ٢١ قال : ودية كلب الصيد سواء كان سلوقيا أو غير ذلك الى قوله : أربعون درهما.

(٧) و (٨) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٩ قال : وقال ابن الجنيد : دية الكلب الذي للصيد قيمته ولا يتجاوز به أربعين درهما ثمَّ قال بعد أسطر : وقول ابن الجنيد عندي حسن.

(٩) التهذيب ج ١٠ (٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣٠٩ الحديث ٦.

(١٠) في «گل» : لبني خزيمة.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله روى أبو بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال : دية الكلب السلوقي أربعون درهما جعل له ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله ودية كلب الغنم كبش ، ودية كلب الزرع جريب من بر ، ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله (١).

احتج الآخرون : برواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : فيمن قتل كلب الصيد قال : يقوّمه ، وكذلك البازي ، وكذلك كلب الغنم ، وكذلك كلب الحائط (٢).

(الثاني) كلب الغنم ، وفيه ثلاثة أقوال.

(أ) عشرون درهما قاله الشيخان (٣) (٤) والصدوق (٥) وابن إدريس (٦).

لرواية ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السّلام (٧).

(ب) كبش : وهو ظاهر المصنف (٨) لرواية أبي بصير المتقدمة (٩).

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧.

(٢) التهذيب ج ١٠ (٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٨.

(٣) المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال : وقيمة كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٤) النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٦ قال : ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٥) المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ١ قال : ودية كلب الماشية عشرون درهما.

(٦) السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٣ قال : ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٧) من لا يحضره الفقيه ج ٤ (٧١) باب نوادر الديات ص ١٢٦ الحديث ٤ وفيه : ودية كلب الماشية عشرون درهما.

(٨) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وفي كلب الغنم كبش.

(٩) تقدم آنفا.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) القيمة : وهو ظاهر العلّامة في المختلف (١) لرواية السكوني (٢) كديات الأربعة وقد تقدمت.

(الثالث) كلب الحائط ، وهو البستان ، وفي الحديث : انّ فاطمة عليها السّلام وقفت حوائطها بالمدينة (٣) والمراد بذلك بساتينها ، وفيه قولان :

(أ) عشرون درهما قاله الشيخان (٤) (٥) والقاضي (٦) وأبو يعلي (٧) وابن إدريس (٨) قال المصنف : ولا اعرف مستنده (٩).

(ب) القيمة : وهو ظاهر العلامة في المختلف (١٠) ومستنده رواية السكوني المتقدمة.

(الرابع) كلب الزرع ، وهو الذي يتخذه أهل الزرع في مزارعهم ، للأنس به ، وليحرسهم وما عندهم من العوامل من الذئاب والخنازير وصفير السباع ، وفيه ثلاثة أقوال.

(أ) قفيز من طعام قاله ابن إدريس (١١) قال : وإطلاق الطعام في العرف يرجع

__________________

(١) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٣٧ وذلك لاستدلاله برواية السكوني.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) الكافي ج ٧ كتاب الوصايا باب صدقات النبي (ص) وفاطمة. ص ٤٨ الحديث ٥.

(٤) و (٥) و (٦) تقدم ارائهم قدس الله أسرارهم آنفا.

(٧) المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٤ قال : ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٨) المراسم ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ١٠ قال : وفي كلب الماشية والحائط عشرون درهما.

(٩) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ولا اعرف الوجه.

(١٠) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٣٦ وذلك لاستحسانه قول ابن الجنيد واعتماده برواية السكوني وقد تقدما.

(١١) السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٤ قال : وفي كلب الزرع قفيز من طعام ، وإطلاق الطعام في العرف إلخ.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الحنطة ، وهو قول الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي (٢) واختاره المصنف (٣) وهو في رواية أبي بصير المتقدمة (٤).

(ب) لا شي‌ء ، وهو ظاهر المفيد حيث قال : وقد وظف في قيمة السلوقي المعلم للصيد أربعون درهما وفي قيمة كلب الحائط والماشية عشرون ، وليس في شي‌ء من الكلاب سوى ما سميناه غرم ، ولا لها قيمة (٥) وكذا قال تلميذه أبو يعلى (٦).

(ج) زنبيل من تراب ، وهو ظاهر إطلاق الصدوق حيث قال : ودية كلب الماشية عشرون درهما ودية الكلب الذي ليس لصيد ولا ماشية زنبيل من تراب على القاتل ان يعطي وعلى صاحب الكلب ان يقبله (٧).

(الخامس) الكلب الأهلي ، وهو كلب الدار ، وهو الذي يتخذه أهل البوادي لحراستهم ، وكذا أهل الحضر يقتنونه أيضا للحراسة ، وللأنس ، وفيه قولان :

(أ) زنبيل من تراب قاله أبو علي (٨).

وفي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام : ودية كلب الأهل قفيز من

__________________

(١) النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٧ قال : وفي كلب الزرع قفيز من طعام.

(٢) المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ١٥ قال : وفي كلب الزرع قفيز من طعام.

(٣) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وفي كلب الزرع قفيز من بر.

(٤) التهذيب ج ١٠ (٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧ وقد تقدم.

(٥) المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال : وقد وظف في قيمة السلوقي المعلم الى قوله : ولا لها قيمة.

(٦) المراسم ، ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٩ قال : وقد وظف في دية الكلب المعلم إلخ.

(٧) المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ٢ قال : ودية الكلب الذي ليس للصيد الى قوله : وعلى صاحب الكلب ان يقبله.

(٨) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٩ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : ودية الكلب الأهلي قفيز من تراب.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تراب (١) وهو ظاهر الصدوق (٢).

(ب) لا دية له وهو ظاهر المفيد (٣) وتلميذه (٤) وابن إدريس حيث قال : وليس في شي‌ء من الكلاب غير هذه الأربعة دية على حال (٥).

تنبيه

هذه الديات مقدرة على القاتل ، زادت على القيمة السوقية أو نقصت إذا لم يكن غاصبا ، أمّا الغاصب فيجب عليه أكثر الأمرين من القيمة السوقية والمقدر الشرعي ، ان قلنا بجواز بيعها ، وإلا وجب المقدر الشرعي قطعا.

خاتمة

يكره اقتناء الكلاب.

روى زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ما من احد يتخذ كلبا الّا نقص كل يوم من عمله قيراط (٦).

وروى جراح المدائني عنه عليه السّلام قال : لا تمسك كلب الصيد في الدار الّا ان يكون بينك وبينه باب (٧).

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧ وقد تقدم.

(٢) نقدم نقله قبيل ذلك.

(٣) تقدما آنفا.

(٤) تقدما آنفا.

(٥) السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٥ قال : وليس في شي‌ء من الكلاب غير هذه الأربعة دية على كل حال.

(٦) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٢.

(٧) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٥.

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن سماعة قال : سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار؟ قال : إذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس (١).

وروى زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال : الكلاب السود البهيم من الجن (٢).

وروى مالك بن عطية عن أبي حمزة قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام فيما بين مكة والمدينة إذا التفت عن يساره فاذا كلب اسود بهيم فقال : مالك؟ قبّحك الله ما أشد مسارعتك!؟ فاذا هو شبيه بالطائر ، فقلت : ما هذا جعلت فداك؟ فقال : هذا غثيم بريد الجن ، مات هشام الساعة ، فهو كطير ينعاه في كل بلدة (٣).

وروى عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الكلاب من ضعفة الجن ، فإذا أكل أحدكم الطعام فليطعمه ، أو ليطرده ، فان لها أنفس سوء (٤).

وعن الباقر عليه السّلام قال جبرئيل عليه السّلام : يا رسول الله انا لا ندخل بيتا فيه كلب (٥).

وعن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ، فقال : لا تدع صورة الا محوتها ، ولا قبرا الا سويته ، ولا كلبا الا قتلته ، قال : فانتهيت إلى أقصى المدينة الى امرأة ولها كلب فناشدتني الله فيه فرحمتها وتركته ، وخبّرت النّبي صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٦.

(٢) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٧.

(٣) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ٨.

(٤) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ٩.

(٥) الكافي ج ٦ باب تزويق البيوت ص ٥٢٨ الحديث ١٢ وتمام الحديث (إنا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ، ولا بيتا يبال فيه ، ولا بيتا فيه كلب).

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : انطلق واقتله ، ففعلت ، وأتيته وخبّرته ، ثمَّ بسط وجهه فقال : الحمد لله ، الان استرحت وادارت بي الملائكة (١).

وعن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يعرف إتيان جبرئيل عليه السّلام الى رسول الله صلّى الله عليه وآله باسترسال عينيه ورشح جبينيه ورده السلام ، ولا نرى شيئا ، وقال علي عليه السّلام : بينا معه إذ سمعت : السلام عليك يا رسول الله ، فرد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمَّ أعاد بمثلها مرتين اخرتين ، فخرج رسول الله وتركني في البيت فما لبث ان دخل علي فقال : يا علي اما سمعت التسليمات الثلاث والردّ مني؟ قلت : نعم يا رسول الله ، فقال : كان ذلك جبرئيل ، وأنكرت ما صنع ، فخرجت اليه فقلت : ما ردّك يا جبرئيل عنا؟ فقال جبرئيل عليه السّلام يا رسول الله انا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة إنسان (٢).

وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام : انّ النّبي صلّى الله عليه وآله رخص لأهل الماشية في كلب يتخذونه (٣).

وعن الصادق عليه السّلام : لا خير في الكلاب الّا كلب صيد أو ماشية (٤).

__________________

(١) الكافي ج ٦ باب تزويق البيوت ص ٥٢٨ الحديث ١٤ الى قوله : (ولا كلبا الّا قتلته) وأورد تمامه في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٦٠ الحديث ١٤٥.

(٢) مع الفحص الشديد لم اضفر عليه الّا في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٦٠ الحديث ١٤٦.

(٣) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ١١ وفيه (لأهل القاصية) بدل (لأهل الماشية) ، وفي العوالي ج ٣ ص ٦٦١ الحديث ١٤٧ كما في المتن.

(٤) الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٤ وفيه (عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام).

٣٩٩

(مسائل)

(الأولى) : قيل : قضى علي عليه السّلام في البعير بين أربعة ، عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر : انّ على الشركاء حصته ، لأنه حفظه وضيع الباقون ، وهو حكم في واقعة فلا يعدّي.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : قيل : قضى علي عليه السّلام في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر : انّ على الشركاء حصته ، لأنه حفظه ، وضيع الباقون ، وهو حكم في واقعة فلا يعدّى.

أقول : هذه أحد المسائل التي يوردها الأصحاب بلفظ الرواية لا الفتوى ، والقاضي أوردها بصيغة الفتوى (١).

وهي رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى علي عليه السّلام في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر : انّ على الشركاء حصته ، لأنه حفظ وضيع الباقون ، فأوثق حظه فذهب حظهم بحظه (٢).

قال المصنف في النكت : ان صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة ولا عموم للوقائع ، فلعله عقله وسلّمه عليهم ففرطوا ، أو غير ذلك ، اما اطراد الحكم على ظاهر الواقعة فلا (٣).

__________________

(١) المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ، ص ٥١٢ س ١١ قال : وإذا كان البعير بين أربعة نفر الى قوله : وضيع عليه الباقون بترك عقالهم إياه.

(٢) التهذيب ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ص ٢٣١ الحديث ٤٣.

(٣) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) ص ٤٧٠ س ٢٥ قال : فان صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة إلى قوله : اما ان يطرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا.

٤٠٠