المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

(الثانية) لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت من مائه فالولد له ، وعلى زوجته الحد والمهر ، وعلى الصبية الجلد.

وأما القيادة : فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا ، أو الرجال والصبيان للواط.

ويثبت بشاهدين ، أو الإقرار مرتين.

والحد فيه خمس وسبعون جلدة. وقيل : يحلق رأسه ويشهر.

______________________________________________________

فعلى هذا : لو تخلل التعزير في الثالثة مرتين حدّتا في السادسة ، ثمَّ يعزران في السابعة وهكذا واختاره الشهيد (١).

قال طاب ثراه : والحد فيه (اي في القيادة) خمس وسبعون جلدة ، وقيل : يحلق رأسه ويشهر الى آخره.

أقول : في حد القيادة ثلاث عقوبات.

(الاولى) الجلد خمس وسبعون سوطا ، وهو إجماع.

(الثانية) حلق الرأس والشهرة : بان يدار به في محافل الناس ومجتمعاتهم كالاسواق ، خزيا ونكالا ، وليحذر الناس مخالطته ، كيلا يفسد نسائهم وصبيانهم.

وانما قال المصنف : (قيل يحلق رأسه ويشهر)؟ لعدم الدليل على ذلك في نصوص أهل البيت عليهم السلام ، وانما هو شي‌ء ذكره الشيخان (٢) (٣) واتبعهما

__________________

(١) شرح اللمعة : ج ٩ حد السحق ص ١٦٠ س ٥ قال : وتعزر الأجنبيتان إذا تجردتا تحت إزار واحد الى قوله : فان عادتا عزرتا مرتين ، ثمَّ حدتا في الثالثة.

(٢) المقنعة : باب الحد في القيادة ص ١٢٦ س ٦ قال : ويحلق رأسه ويشهره في البلد الذي يفعل ذلك فيه.

(٣) النهاية : باب الحد في القيادة ص ٧١٠ س ٦ قال : ويحلق رأسه ، ويشهر في البلد ، ثمَّ ينفى عن البلد الذي فعل ذلك فيه.

٦١

ويستوي فيه الحر والعبد ، والمسلم والكافر ، وينفى بأول مرة. وقال المفيد : في الثانية ، والأول مروي ، ولا نفي على المرأة ولا جز.

______________________________________________________

المتأخرون (١).

(الثالثة) النفي : وفي موجبه قولان :

فالشيخ المرة الاولى (٢) ، وهو الأشهر والأنسب بعموم الخبر ، وتبعه القاضي (٣) وابن إدريس (٤) واختاره العلّامة (٥).

والمفيد : المرة الثانية (٦) وتبعه التقي (٧) وسلار (٨).

وأصل الفتوى ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطا ، وينفى عن المصر الذي هو فيه (٩).

__________________

(١) لاحظ الكافي : ص ٤١٠ س ١١ قال : ويحلق رأس الرجل ويشهر في المصر. والوسيلة : ص ٤١٤ س ١٩ قال : حلق الرأس والإشهار في البلد. والمهذب : ج ٢ ص ٥٣٣ س ١٠ قال : ويحلق رأسه ويشهر في البلد ، وينفى منه الى بلد آخر الى غير ذلك.

(٢) تقدما آنفا.

(٣) تقدما آنفا.

(٤) السرائر : باب الحد في الجامع بين النساء والرجال ص ٤٥١ س ٣٦ قال : ويحلق رأسه ويشهر في البلد وينفى عنه الى غيره من الأنصار.

(٥) المختلف : ج ٢ في اللواحق والسحق ص ٢١٥ س ١٤ قال : والمشهور الأول ، أي قول الشيخ في النهاية.

(٦) المقنعة : باب الحد في القيادة ص ١٢٦ س ٨ قال : فان عاد ، جلد كما جلد أول مرة ، ونفي عن المصر الذي هو فيه الى غيره.

(٧) الكافي : فصل في القيادة وحدها ص ٤١٠ س ١٤ قال : فان عاد ثانية جلد ونفي عن المصر.

(٨) المراسم : ذكر ما هو دون الثمانين ، وهو حد القيادة ص ٢٥٧ س ١٣ قال : فان عادوا نفوا عن المصر بعد فعل ما اسحقوه.

(٩) التهذيب : ج ١٠ (٥) باب الحد في القيادة ص ٦٤ قطعة من حديث ١.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تذنيبان

(أ) ان عادتا منه جلد ونفي عن المصر ، فان عاد ثالثة جلد ، فان عاد رابعة استتيب ، فان تاب قبلت توبته وجلد ، وان أبا التوبة قتل ، فان تاب ثمَّ أحدث بعد التوبة خامسة ، قتل على كل حال قاله التقي (١) وقال العلّامة في المختلف : ونحن في ذلك من المتوقفين (٢) ولم يذكره في القواعد والتحرير.

(ب) الشهرة ، يجب في ثلاث مواضع.

في القيادة وقد بيناها.

وفي شهادة التزوير : وكان عليا عليه السلام إذا أخذ شاهد الزور ، فان كان غريبا بعث به الى حيه ، وان كان سوقيا بعث به الى سوقهم ، ثمَّ يطيف به ، ثمَّ يحبسه أياما ، ثمَّ يخلى سبيله (٣).

وعن الصادق عليه السلام : شهود الزور يجلدون حدا ليس له وقت ، ذلك الى الامام ، ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا تعودوا ، وإذا طيف به ينادى عليه : ان فلانا ، أو هذا فلان قد شهد زورا فاجتنبوه ، ولا تثقوا بقوله (٤).

وفي القذف بعد استيفاء الحد : بان ينادى عليه : ان فلانا قذف محصنا فلا تثقوا بقوله ، لتجتنب شهادته.

__________________

(١) الكافي : فصل في القيادة وحدها ص ٤١٠ س ١٤ قال : فان عاد ثالثة جلد الى قوله : قتل على كل حال.

(٢) المختلف : ج ٢ في اللواط والسحق ص ٢١٥ س ١٧ قال بعد نقل قول الكافي : ونحن في ذلك من المتوقفين.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦٠ الحديث ٥٥ ولم نقف عليه في غيره.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦١ الحديث ٥٦ ولم نقف عليه في غيره.

٦٣

الفصل الثالث : في حدّ القذف

ومقاصده أربعة :

______________________________________________________

والنفي يجب في ثلاث مواضع قدمناها.

زنا البكر ، وحده عام.

وفي القيادة ولا حد لمدته الا ان يتوب ، ولو افتقر في التغريب إلى مئونة كانت عليه في ماله ، وان لم يكن له فمن بيت المال.

وفي المحارب ، ويؤخذ عليه أقطار الأرض تضيقا عليه حتى يتوب.

(مقدمة)

الأصل في تحريم القذف : الكتاب والسنّة والإجماع.

اما الكتاب : فقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢).

فغلّظ سبحانه تحريم القذف بخمسة أشياء :

(أ) وجوب الحد بقوله (فَاجْلِدُوهُمْ).

(ب) رد الشهادة بقوله (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً).

(ج) التفسيق بقوله «وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ».

(د) اللعنة بقوله «لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ».

__________________

(١) النور : ٢٣.

(٢) النور : ٤.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ه) استحقاق العذاب بقوله «وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ».

وأمّا السنّة : فروى حذيفة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله انه قال : قذف محصنة يحبط عبادة سنة (١).

وعنه عليه السلام : من اقام الصلوات الخمس ، واجتنب الكبائر السبع نودي يوم القيامة يدخل الجنة من اي باب شاء ، فقال رجل للراوي : الكبائر السبع سمعتهن من رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال : نعم : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والقتل ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والزنا (٢).

واما الإجماع : فمن سائر الأمة لا يختلفون فيه.

تنبيه

حق القذف مشترك بين الله وبين الآدمي ، والأغلب فيه حق الآدمي.

وهنا وجوه شابه حقوق الله تعالى ، وهي أمور.

(أ) عدم تسويغه بإباحة القذف ، ولا يسقط بذلك الحد ، بمعنى : انه لو قال إنسان لغيره : اقذفني ، أو أبحتك قذفي ، أي في المستقبل ، لم يبح للمخاطب القذف ، وللمقذوف بعد ذلك مرافعته ومطالبته بالحد.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦١ الحديث ٥٧ ورواه في المبسوط : ج ٨ في حد القذف ص ١٥ س ٤ وفيه (يحبط عمل مائة سنة) ونقله في السرائر : ص ٤٦٣ س ٤ فلاحظ.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦١ الحديث ٥٨ ورواه ابن حجر العسقلاني في تلخيص الجبير ج ٢ (٦٤) كتاب حد القذف ورواه في المبسوط : ج ٨ في حد القذف ص ١٥ س ٥ فلاحظ ص ٦٢ الحديث ١٧٦٩ وفيه : (ليدخل الجنة) إلى قوله : فقال رجل من أصحابه : وكم الكبائر يا رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال : هي سبع الى آخره.

٦٥

(الأول) في الموجب :

وهو الرمي بالزنا أو اللواط. وكذا لو قال : يا منكوحا في دبره ، بأي لغة اتفق إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل ، ولا يحدّ مع جهالته فائدتها. وكذا لو قال لمن أقر بنوّته : لست ولدي. ولو قال : زنى بك أبوك ، فالقذف لأبيه ، أو زنت بك أمك ، فالقذف لأمه. ولو قال : يا ابن الزانيين فالقذف لهما.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا سقوط الحد من حيث تظاهر المقذوف وعدم مبالاته بما يقال فيه ، فلم يكن محصنا.

(ب) لو استوفى المقذوف حده بنفسه ، لم يقع موقعه ، وله المطالبة ثانيا ، لأنه منوط بنظر الحاكم ، وموكول الى اجتهاده ، فحينئذ يعزر الفاعل ، ويضمن جناية ما يحصل من فعله ، ويستوفي ثانيا.

ويحتمل سقوطه ، لاعتقاد المستوفي برأيه القاذف ، ورضاه بما استوفاه ، فلا تقصر عن العفو.

(ج) تنصيف الحد في حق العبد يدل على كونه لله تعالى لان حقوق الآدميين لا تخف عن العبد.

(د) لو عفا بعض الورثة كان لمن لم يعف ان يستوفي الجميع ، ولو كان حق آدمي لسقط بعفوه.

ووجوه شابه فيها حقوق الآدمي : وهي أمور :

(أ) سقوطه بعفوه.

(ب) انتقاله بالإرث.

(ج) توقفه على مطالبته ، فلا يرفعه الحاكم قبلها وان علمه.

٦٦

ويثبت الحد إذا كانا مسلمين ، ولو كان المواجه كافرا.

ولو قال للمسلم : يا ابن الزانية وامه كافرة ، فالأشبه التعزير ، وفي النهاية : يحدّ.

ولو قال : يا زوج الزانية فالحد لها. ولو قال : يا أبا الزانية ، أو يا أخا الزانية ، فالحد للمنسوبة الى الزنا دون المواجه.

______________________________________________________

(د) جواز إسقاطه بعد إثباته عند الحاكم ، ولا اعتراض له معه.

قال طاب ثراه : ولو قال للمسلم يا ابن الزانية وامه كافرة ، فالأشبه التعزير ، وفي النهاية : يحدّ.

أقول : الأول هو الأصل لأن المقذوف انما هو الام وهي الكافرة ، فلا يجب بقذفها الحدّ ، لأصالة البراءة ، واختاره المصنف (١) وابن إدريس (٢) والعلّامة في التحرير (٣).

والثاني مذهب الشيخ في النهاية (٤) وتبعه القاضي (٥) وهو قول أبي علي (٦).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) السرائر : باب الحد في الفرية. ص ٤٦٤ س ١٢ قال : وروي ان من قال لمسلم أمك زانية إلى قوله : والأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو المقذوف كما قدمناه أولا في صدر الباب.

(٣) التحرير : ج ٢ في حد القذف ص ٢٣٧ س ٢٩ قال : ولو قال للمسلم يا ابن الزانية وكانت الأم كافرة إلى قوله : والأشبه التعزير.

(٤) النهاية : باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير ص ٧٢٥ س ١٤ قال : وكذلك ان قال لمسلم الى قوله : وكانت امه كافرة ، كان عليه الحد تاما.

(٥) المهذب : ج ٢ باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير ص ٥٤٨ س ١٨ قال : وإذا قال لمسلم الى قوله : وكانت الأم كافرة كان عليه الحد إلخ.

(٦) المختلف : ج ٢ في حد الفرية ص ٢٢٨ س ٢٢ قال بعد نقل قول الشيخ والقاضي : وهو قول ابن الجنيد الى قوله بعد نقل حديث عبد الرحمن : ولا بأس بالعمل بهذه الرواية فإنها واضحة الطريق.

٦٧

ولو قال : زنيت بفلانة ، فللمواجه حدّ ، وفي ثبوته للمرأة تردد.

______________________________________________________

احتج الشيخ : بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام قال : اليهودية والنصرانية تكون تحت المسلم فيقذف ابنها؟ قال : يضرب حدا لان المسلم حصّنها (١).

قال العلّامة في المختلف : ولا بأس بالعمل بهذه الرواية ، فإنها واضحة الطريق (٢) (٣).

قال طاب ثراه : ولو قال : زنيت بفلانة فللمواجه حدّ ، وفي ثبوته للمرأة تردد.

أقول : بثبوت الحدين قال الشيخان (٤) (٥) والتقي (٦) والقاضي (٧) وابن زهرة (٨) والكيدري (٩).

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٦) باب الحد في الفرية والسب. ص ٦٧ الحديث ١٣.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب : محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن ابان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد الفرية ص ٢٢٨ س ٢٢ قال بعد نقل قول الشيخ والقاضي : وهو قول بن الجنيد ، الى قوله بعد نقل حديث عبد الرحمن : ولا بأس بالعمل بهذه الرواية فإنها واضحة الطريق.

(٤) النهاية : باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير ص ٧٢٥ س ١٩ قال : وإذا قال لغيره : الى قوله : وجب عليه حدان حد للرجل وحد للمرأة.

(٥) المقنعة : باب الحد في الفرية والسب ص ١٢٦ س ١٨ قال : وإذا قال الإنسان للحر المسلم الى قوله : وجب عليه حدان.

(٦) الكافي : فصل في القذف وحده ص ٤١٤ س ١٣ قال : فان قال : زنيت بفلانة إلى قوله : فهو قاذف للاثنين يحد لكل منهما حدا.

(٧) المهذب : ج ٢ باب الحد في الفرية ص ٥٤٨ س ٨ قال : وإذا قال لغيره قد زنيت بفلانة إلى قوله : كان عليه حدان حد للرجل وحد للمرأة.

(٨) الغنية (في الجوامع الفقهية) فصل في حد القذف ص ٦٢٣ س ١ قال : ومن قال لغيره زنيت بفلانة فهو قاذف باثنين.

(٩) إصباح الشيعة للكيدري : كتاب الحدود ص ١٢٣ س ١٨ قال : ومن قال لغيره : زنيت بفلانة ، فهو قاذف لاثنين ، وعليه لهما حدان.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال ابن إدريس : الذي تقتضيه الأدلة : انه لا يجب على قائل ذلك سوى حدّ واحد وان كان المقول لهما بالغين حرين ، لأنه إذا قال له : زنيت بفلانة ، أو بفلان فقد قذفه بلا خلاف. اما المرأة والرجل فليس بقاذف لهما ، لأنه قد لا تكون المرأة زانية ، بأن تكون مكرهة ، وكذلك الرجل ، فالشبهة حينئذ حاصلة ، وهي مسقطة للحد (١).

وهو ظاهر المصنف (٢) واختار العلّامة في المختلف (٣) وفخر المحققين الأول (٤).

احتجوا بوجوه :

(أ) اشتماله على هتك المرأة وفضيحتها ، فلا يسامح به الشارع.

(ب) ان ما ذكره من الشبهة لم يعتد به الشارع ولم يلتفت إليه ، لإيجابه الحد بقوله : يا منكوحا في دبره ، مع تطرق الاحتمال التي ذكر فيه.

(ج) ان الأصل المطاوعة.

(د) ان الزنا واللواط إذا تحققا مع حصول الكراهة من أحدهما ، تحققا مع الحصول منهما ، فان المكره لغيره على فعل اللواط ومكره الصبي على الانفعال ، يتحقق اللواط مع حصول الكراهة ، وكما يتطرق الاحتمال الى المنسوب اليه كذا يتطرق الى المقذوف ، فلا وجه للفرق بينهما ، بل يحتمل ان يكون المنسوب اليه مختارا والمقذوف مكرها.

__________________

(١) السرائر : باب الحد في الفرية ص ٤٦٤ س ١٤ قال : وإذا قال لغيره : الى قوله : والذي يقتضيه الأدلة : انه لا يجب على قابل هذا سوى حدوا حد إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد القذف ص ٢٢٨ س ٣٢ قال بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس : والوجه ما قاله الشيخ.

(٤) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ص ٥٠٤ س ٢٣ قال : والأقوى ما اختاره المصنف في المختلف.

٦٩

والتعريض يوجب التعزير. وكذا لو قال لامرأته : لم أجدك عذراء.

ولو قال لغيره ما يوجب أذى ، كالخسيس والوضيع. وكذا لو قال : يا فاسق ، ويا شارب الخمر ما لم يكن متظاهرا.

ويثبت القذف بالإقرار مرتين من المكلف الحر المختار ، أو بشهادة عدلين.

ويشترط في القاذف البلوغ والعقل ، فالصبي لا يحد بالقذف ويعزر ، وكذا المجنون.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : والتعريض يوجب التعزير.

أقول : المراد بالتعريض ، التعريض بالقذف كقوله : لست بزان ولا لائط ولا أمي زانية ، وكقوله : يا حلال بن الحلال ، أو لست بشارب الخمر ولا ولد الزنا ، أو لا يعرفك الناس بالزنا ونحو هذا ، وكله لا يوجب الحد بل التعزير. وكذا كل تعريض يكرهه المواجه ، كقوله : يا أعور.

فروع

(الأول) لو قال : يا قحبة ، أو يا مخنث ، فإن أراد كونها مستعدة لذلك ، أو فيه طباع التأنيث والتشبه بالنساء عزر ، وان أراد الرمي بالزنا حد. وكذا التفصيل لو قال : يا علق ، فإن أراد الموضوع اللغوي فلا حد ولا تعزير وان أراد العرفي وقصده احتمل قويا الحد ، وأطلق أكثر الأصحاب : التعزير في الكنايات.

وقال التقي : والكناية المقيدة يا قحبة ، أو يا فاجرة ، أو يا عاهرة ، أو يا فاجر ، أو يا فاسق ، أو يا فاسقة ، أو يا مؤاجرة (١) أو يا علق ، أو يا مأبون ، أو يا قرنان (٢) أو يا

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر ان المراد منه الديوث.

(٢) القرنان : الذي يشارك في امرأته كأنه يقرن به غيره ، عربي صحيح حكاه كراع. التهذيب : القرنان نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له ، قال الأزهري : هذا من كلام الحاضرة ولم أر البوادي لفظوا به ولا عرفوه (لسان العرب : ج ١٣ ص ٣٣٨ لغة قرن).

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

كشخان (١) أو يا ديوث إلى غير ذلك من الألفاظ الموضوعة لكون الموصوف بها زانيا ، أو لائطا ، متلوطا به (٢) يجب به الحد.

(الثاني) لو قال : يا كشحان ، أو يا قرنان ، أو يا قرطبان فان كان عارفا بموضوعها ، وهو مفيد للقذف في عرف مستعملها ، حد. وان لم يعرف عزّر ان قصد بها الإهانة.

وقيل : الديوث الذي يدخل الرجال على امرأته ، وقال تغلب : القرطبان الذي يرضى ان تدخل الرجال على نسائه ، وقال : القرنان والكشخان لم أرهما في كلام العرب ومعناها عند العامة مثل الديوث ، أو قريب منه وقيل : القرنان من له بنات والكشخان من له أخوات (٣).

(الثالث) لو قال : يا قواد ، أو يا قلس (٤) وجب التعزير.

(الرابع) لو قذفه بوطء البهيمة كقوله : أتيت بهيمة ، أو لطت بحمار وجب التعزير ، قاله التقي : وهو المختار (٥) وقال أبو علي : يجب الحد (٦).

__________________

(١) سيجي‌ء بيان معناه.

(٢) الكافي : الحدود ، فصل في القذف وحدّه ص ٤١٤ س ٨ قال : والكناية المفيدة ، إلى قوله : أو متلوطا به.

(٣) المسالك : ج ٢ كتاب الحدود ص ٤٣٦ س ١٣ قال : وقال تغلب : الى قوله : وقيل : القرنان يدخلهم على بناته ، والكشخان على أخواته.

(٤) القلس الشرب الكثير من النبيذ ، والقلس الغناء الجيد ، والقلس الرقص في غناء ، والقلس والتقليس : الضرب بالدف والغناء ، والمقلس : الذي يلعب بين يدي الأمير إذا قدم المصر (لسان العرب : ج ٦ ص ١٨٠ لغة قلس).

(٥) الكافي : الحدود فصل فيما يوجب التعزير ص ٤١٨ س ٢ قال : ويعزر من استمنى بكفه أو اتى بهيمة إلى قوله : ويعزر من عرض بغيره الى قوله : أو أتيت بهيمة إلخ.

(٦) المختلف : ج ٢ في حد القذف ، ص ٢٣١ س ١٩ قال : أوجب ابن الجنيد الحد الى قوله : أو قال لرجل آخر : زنيت بشي‌ء من الحيوان ، أو يا لوطي بحمار.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

(الخامس) لو قذفه بالمباشرة دون الفرجين ، لم يحدّ ، بخلاف ما لو قذفه بوطء الصبية ، أو المجنونة ، أو الميتة.

(السادس) لو قذفها بالسحق كقوله : يا سحاقة ، أو يا مساحقة فالحد عند أبي علي (١) والتعزير عند التقي (٢) وبه قال العلّامة في المختلف (٣) والتحرير (٤) واختاره فخر المحققين (٥) لأصالة البراءة.

(السابع) لو قذفه بالتفخيذ للصبيان عزّر ، ويحتمل الحد لوجوب الحد به.

(الثامن) لو قذفه قاذف ، فأجاب الآخر بقوله : صدقت لم يحد المصدق وعزّر.

وكذا لو قذف فحدّ ، ثمَّ قال : الذي قلت كان صحيحا ، لأنه ليس صريحا.

(التاسع) لو تشاجر اثنان ، فقال أحدهما : الكاذب ابن زانية ، أو هو ابن الزانية ، فلا حد لأنه لم يعين أحدا. وكذا لو قال : من رماني فهو ابن الزانية ، فرماه رجل.

(العاشر) لو قال : أخبرني فلان انك زنيت لم يكن قاذفا ، وعزّر ، صدقه المخبر عنه أو كذبه ، ويصح المصدق لاعترافه بالقذف.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في حد القذف ص ٢٣١ س ١٩ قال : أوجب ابن الجنيد الحد في قول الرجل للمرأة يا سحاقة إلخ وقد تقدم نقله.

(٢) الكافي : الحدود فصل فيما يوجب التعزير ص ٤١٨ س ٤ قال : ويعزر من عرض بغيره الى قوله : وللمرأة يا ساحقة.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد القذف ص ٢٣١ س ٢٠ قال بعد نقل قول الكافي : وهو الأقرب لأصالة البراءة.

(٤) التحرير : ج ٢ ، احكام القذف ص ٢٣٩ س ١٣ قال : أو قذف امرأة بالمساحقة ، إلى قوله : فلا حدّ.

(٥) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ص ٥١٠ س ١٠ قال : والأقوى عندي اختيار المصنف في المختلف وهو التعزير.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(الحادي عشر) لو قال : احتملت بك البارحة ، أو بأمك لم يحدّ وعزر.

(الثاني عشر) لو قال : أنت ولد حرام وجب الحد عند ابن إدريس (١) وكان كقوله : أنت ولد زنا لأنه مثله في العرف ، ولم يوجبه الباقون ، ومنعوا المماثلة ، وأوجبوا التعزير خاصة.

(الثالث عشر) التعزير موكول الى نظر الامام ، ولا يبلغ الحد ، وليس لأقله قدر معين ، لأن أكثره مقدر ، فلو قدّر اقله كان حدا ، وهو يكون بالضرب ، وبالحبس ، وبالتوبيخ من غير حرج ، ولا قطع ، ولا تخسير. وقال ابن حمزة : التعزير ما بين العشرة إلى العشرين (٢) وقال التقي : التعزير لما يناسب القذف من التعريض والنبز والتلقب من ثلاثة أسواط إلى تسعة وسبعين سوطا (٣) (٤).

وهذا مدخول من وجهين :

(أ) انه قدر طرفيه بالقلة والكثرة ، فيكون حدا.

(ب) انه جوز ان يبلغ به الى تسعة وتسعين ، وحد القذف لا يبلغ به ذلك فضلا عن التعريض.

وقال الشيخ : التعزير من كل صنف من موجبات الحد أقل من حد ذلك الصنف (٥)

__________________

(١) السرائر : باب الحد في الفرية. ص ٤٦٦ س ٣٥ قال : وإذا قال له : أنت ولد حرام فهو كقوله أنت ولد زنا إلخ.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان الحد في الفرية وما يوجب التعزير ص ٤٢٣ س ٤ قال : التعزير ما بين العشرة إلى العشرين.

(٣) في «گل» : إلى تسعة وتسعين سوطا.

(٤) الكافي : الحدود ، فصل فيما يوجب التعزير ص ٤٢٠ س ١٠ قال : والتعزير لما يناسب القذف إلخ.

(٥) لم أعثر عليه بتلك العبارة ، وفي الخلاف ، كتاب الأشربة ، مسألة ١٤ قال : لا يبلغ بالتعزير حدا كاملا ، بل يكون دونه ، وادنى الحدود في جنب الأحرار ثمانون ، فالتعزير فيهم تسعة وسبعون جلدة الى آخره ، ونحوه في المبسوط : ج ٨ ص ٦٩ س ٢٤ فلاحظ.

٧٣

(الثاني) في المقذوف :

ويشترط فيه : البلوغ ، وكمال العقل ، والحرية ، والإسلام ، والستر.

فمن قذف صبيا ، أو مجنونا ، أو مملوكا ، أو كافرا ، أو متظاهرا بالزنا لم يحدّ بل يعزّر ، وكذا الأب لو قذف ولده. ويحد الولد لو قذفه. وكذا الأقارب.

(الثالث) في الأحكام :

فلو قذف جماعة بلفظ واحد ، فعليه حدان جاؤا وطالبوا مجتمعين ، فان افترقوا فلكل واحد حدّ.

وحد القذف يورث كما يورث المال ، ولا يرثه الزوج ولا الزوجة. ولو قال : ابنك زان ، أو بنتك زانية ، فالحد لهما ، وقال في النهاية : له المطالبة أو العفو.

ولو ورث الحد جماعة فعفا أحدهم ، كان لمن بقي الاستيفاء على التمام.

______________________________________________________

واختاره العلّامة (١).

وهو حسن ، لورود النص : انه لا يبلغ بالتعزير الحد.

وروى إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التعزير كم هو؟ قال : بضعة عشر سوطا من العشرة إلى العشرين (٢).

قال طاب ثراه : ولو قال : ابنك زان ، أو بنتك زانية ، فالحد لهما ، وقال في النهاية : له المطالبة أو العفو.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في حد القذف ص ٢٣١ س ٢٢ قال : والوجه ما قاله الشيخ رحمه الله من ان التعزير كل صنف من موجبات الحد ، أقل إلخ.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٠) باب من الزيادات ص ١٤٤ الحديث ١.

٧٤

ويقتل القاذف في الرابعة إذا حد ثلاثا ، وقيل : في الثالثة.

والحد ثمانون جلدة حرا كان القاذف أو عبدا. ويجلد بثيابه ، ولا يجرد ، ويضرب متوسطا ، ولا يعزر الكفار مع التنابز.

(الرابع) في اللواحق ، وهي مسائل :

(الأولى) يقتل من سب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ، وكذا من سب أحد الأئمة عليهم السلام ، ويحل دمه لكل سامع إذا أمن.

(الثانية) يقتل مدعي النبوة ، وكذا من قال : لا ادرى محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ صادق أولا ، إذا كان على ظاهر الإسلام.

______________________________________________________

أقول : الأول مذهب ابن إدريس (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣) وفخر المحققين (٤) لانتفاء الولاية عنهما.

والثاني مذهب الشيخ في النهاية (٥) وتبعه القاضي (٦) لأن العار حق للأب فله المطالبة بالحد ، والثانية ممنوعة.

قال طاب ثراه : ويقتل القاذف في الرابعة إذا حد ثلاثا ، وقيل : في الثالثة.

__________________

(١) السرائر : باب الحد في الفرية. ص ٤٦٣ س ٣٦ قال : فان قال له ابنك زان الى قوله : والذي يقتضيه المذهب : انهما ان كانا حين فالحق لهما.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد الفرية ص ٢٢٨ س ١٨ قال : والوجه ما قاله ابن إدريس.

(٤) الإيضاح : ج ٤ كتاب الحدود ، في المقذوف ص ٥٠٦ س ١٨ قال : الأصح عندي اختيار المصنف هنا وهو اختيار ابن إدريس.

(٥) النهاية : باب الحد في القرية وما يوجب التعزير ص ٧٢٤ س ١٣ قال : فان قال : ابنك زان الى قوله : وللمقذوف المطالبة بإقامة الحد إلخ.

(٦) المهذب : ج ٢ ، باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير : ص ٥٤٧ س ١٩ قال : وإذا قال : ابنتك زانية إلى قوله : وللمقذوف المطالبة أو العفو.

٧٥

(الثالثة) يقتل الساحر إذا كان مسلما ، ويعزر ان كان كافرا.

(الرابعة) يكره ان يزاد في تأديب الصبي عن عشرة أسواط. وكذا العبد ، ولو فعل استحب عتقه.

(الخامسة) يعزر من قذف عبده ، أو أمته. وكذا كل من فعل محرما ، أو ترك واجبا بما دون الحد.

الفصل الرابع : في حدّ المسكر

والنظر في أمور ثلاثة :

______________________________________________________

أقول : الأول اختيار الشيخ في النهاية (١) ومذهب المصنف (٢) والعلّامة (٣).

والثاني مذهب ابن إدريس (٤).

(مقدمة)

الخمر لغة : التغطية ، ومنه الخمار لسترة الرأس ، وانا مخمور اي مغطا. وسمي الخمر بذلك ، لتغطيتها العقل.

وتحريمها ثابت بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

اما الكتاب فنزل في تحريمها اربع آيات :

(الأول) (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما

__________________

(١) النهاية : باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير ص ٧٢٥ س ٤ قال : ومن أقيم عليه الحد في القذف ثلاث دفعات قتل في الرابعة.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد القذف ص ٢٢٨ س ٢٠ قال : والوجه الأول ، أي قول النهاية.

(٤) السرائر : باب الحد في الفرية. ص ٤٦٤ س ٥ قال : ومن أقيم عليه الحد في القذف ثلاث مرات الى قوله : ان أصحاب الكبائر يقتلون في الثوالث ، وهو الصحيح.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (١) فأخبر أنّ فيهما اثما كبيرا.

(الثاني) قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى» (٢) فبين منافات السكر للصلاة ، وهي واجبة ، ووجوب احد المتنافيين يستلزم تحريم الآخر ، إذ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده.

(الثالث) قوله تعالى «إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» (٣) والإثم الخمر.

قال الشاعر :

شربت الإثم حتى ضل عقلي

كذاك الإثم يذهب بالعقول (٤)

(الرابع) قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» (٥).

وفي هاتين الآيتين دلالة من ثمانية أوجه :

(أ) انه تعالى افتتح المحرمات بذكر الخمر والميسر ، وهو القمار والأنصاب ، وهي الأصنام ، والأزلام وهي القداح التي كانوا يجعلونها بين يدي الأصنام ، فلما ذكرها مع المحرمات ، وافتتح بها دل ذلك على انها أكد المحرمات.

(ب) قوله «رِجْسٌ» والرجس يقال بالاشتراك على الحرام والخبيث ، وأيا ما أريد منهما دل على حرمتها ، لقوله تعالى «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» (٦).

__________________

(١) البقرة : ٢١٩.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) الأعراف : ٣٣.

(٤) وانشد ابن الأنباري في ان الإثم هو الخمر : شربت الإثم إلخ ، التبيان : ج ٤ ص ٣٩٠ وفي لسان العرب : ج ١٢ ص ٦ قال : والإثم عند بعضهم الخمر ، قال الشاعر : شربت الإثم إلخ.

(٥) المائدة : ٩٠ ـ ٩١.

(٦) الأعراف : ١٥٧.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) قوله «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ» وعمل الشيطان حرام.

(د) قوله «فَاجْتَنِبُوهُ» أمر باجتنابه ، والأمر للوجوب ، فيكون حراما.

(ه) قوله «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» يعني باجتنابها ، وضد الفلاح الفساد.

(و) قوله «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ» وما يوقع العداوة حرام لوجوب اللطف.

(ز) قوله تعالى «وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ» وما يصد عنهما أو عن أحدهما حرام.

(ح) قوله تعالى «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» وهذا نهى ومنع منها ، ويقال : أبلغ كلمة في النهي أن يقول : أهل أنت منته؟ لأنه يتضمن معنى التهديد.

واما السنة فكثير.

مثل ما روى عنه عليه السلام : كل شراب أسكر فهو حرام (١)

وعنه عليه السلام : الخمر من الخبائث من شربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما ، وان مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية (٢).

وعنه عليه السلام : لعن الله الخمر وعاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، ومشتريها ، وحاملها ، والمحمولة اليه ، وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها (٣).

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي : ج ٨ كتاب الأشربة والحد فيها ص ٢٩١ س ٨ و ١٢ ورواه في المبسوط : ج ٨ كتاب الأشربة ص ٥٨ س ٥.

(٢) سنن الدارقطني : ج ٤ كتاب الأشربة وغيرها ص ٢٤٧ الحديث ١ وفيه : الخمر أم الخبائث إلخ ورواه في المبسوط : ج ٨ كتاب الأشربة ص ٥٨ س ٦ كما في المتن.

(٣) مسند احمد بن حنبل : ج ٢ ص ٩٧ س ٣ ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ كتاب البيوع ص ٣١ س ١٤ وص ٣٢ وس ٢ ورواه البيهقي في السنن الكبرى : ج ٨ كتاب الأشربة والحد فيها ص ٢٨٧ س ١٨ ورواه في المبسوط : ج ٨ كتاب الأشربة ص ٥٨ س ٨ ورواه في الفقيه : ج ٤ ص ٤٠ في ذيل حديث ٣ س ١٨.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعنه عليه السلام : ان الله عز وجل جعل الذنوب في بيت وجعل مفتاحها الخمر (١).

واما الإجماع : فمن سائر المسلمين لا يخالف احد منهم فيه.

إذا عرفت هذا فاعلم : ان اسم الخمر حقيقة في عصير العنب بالإجماع.

واما غيره من الأنبذة المسكرة ، فهل يطلق عليها اسم الخمر بالحقيقة؟ قيل : نعم ، لان الاشتراك في الصفة يوجب الاشتراك في الاسم ، وقيل : بالمجاز ، فقيل : المراد في هذه الآيات مجموع الحقيقة والمجاز مجازا.

ونبه على ذلك قوله عليه السلام : كل مسكر حرام (٢).

وقيل : البواقي إنما حرم بهذا النص ، ونفس الخمر بالآيات.

وقال فخر المحققين : والأقوى ان تحريمها معلوم من الآية الثانية في سورة النساء (٣) ومن نصّه صلّى الله عليه وآله.

وتحريم الفقاع بالنصوص المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام (٤) وإجماع علماء الإمامية عليه ، وليس مسكرا.

وكذا الحشيشة لقوله عليه السلام : كل مسكر حرام ، وهي مسكرة.

__________________

(١) الفقيه : ج ٤ (١٧٦) باب النوادر وهو أخر أبواب الكتاب ص ٢٥٥ س ١٢.

(٢) سنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الأشربة ص ١١٢٣ (٩) باب كل مسكر حرام ، الحديث ٣٣٨٧ و ٣٣٨٨ و ٣٣٨٩ و ٣٣٩١ وباب ١٠ الحديث ٣٣٩٢ وعوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٦٢ الحديث ٦٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) الإيضاح : ج ٤ في حد الشرب ص ٥١٢ س ١٢ قال : والأقوى ان تحريمها معلوم من الآية الثانية من سورة النساء ، ومراده قوله تعالى «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى» سورة النساء : ٤٣ وهي الآية الثانية من استدلاله.

(٤) الوسائل : ج ١٧ ص ٢٨٧ الباب ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة ، وباب ٢٨ باب تحريم بيع الفقاع وكل مسكر ، فلاحظ.

٧٩

(الأول) في الموجب :

وهو تناول المسكر والفقاع اختيارا ، مع العلم بالتحريم. ويشترط البلوغ والعقل.

فالتناول يعم الشارب والمستعمل في الأدوية ، والأغذية ، ويتعلق الحكم ولو بالقطرة.

وكذا العصير إذا غلا ما لم يذهب ثلثاه ، وكل ما حصلت فيه الشدة المسكرة.

______________________________________________________

ونعني بالاسكار : ما غطى العقل وغيب الذهن.

وقيل : السكران الذي لا يفرق بين الطول والعرض ، والسماء والأرض ، فما كان هذا شأنه من الأشربة والأدوية في غالب الأمزجة ، كان حراما ، ولا عبرة بالنادر ، فما لا يغير الا بعض الأذهان ، أو في بعض الازمان ، لا يحرم.

وكذا ما كان الغالب فيه الإسكار لا عبرة لمن لا يسكره ذلك لإدمانه ، أو لقلة ما يتناول منه ، أو لخروج مزاجه عن حد الاعتدال ، بل يتناوله التحريم ، ويثبت في حقّه الحد تاما ، ويتعلق الحكم ولو بالقطرة ، وان استعمل فيما يوجب استهلاكه بان جعل في طعام ، أو عجن به دقيق.

وكذا يتعلق الحكم بعصير العنب ، وثبت له حكم الخمر إذا غلا.

ومعنى الغليان ان يصير أسفله أعلاه من نفسه ، أو بالنار ، وان لم يقذف بالزبد ، ويحل إذا ذهب ثلثاه سواء كان ذلك بالنار أو بالشمس أو بغيرهما وبقي دبسا.

اما عصير التمر والرطب فلا يحرم وان أزبد ما لم يسكر.

وكذا لو القى الزبيب في طبيخ وغلا ، لم يحرم حتى يعلم حصول الإسكار فيه.

وقد سمّوا ما اتخذ من التمر نبيذا ، ومن البسر فضيخا ، ومن الدخن أو الذرة مرزا ، ومن الزبيب نقيعا ، ومن العسل تبعا.

٨٠