المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من قرية السوء إلى القرية الصالحة فأعبد الله فيها ، فخرج تائبا فأدركه الموت في الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فبعث الله إليهم ملكا فقال : قيسوا ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب ، فاجعلوه من أهلها ، فوجدوه أقرب الى القرية الصالحة بشبر ، فجعلوه ، من أهلها (١).

ولأن التوبة تسقط عذاب الكفر ، فالقتل اولى.

والآية مخصوصة بمن لم يتب ، أو ان هذا جزاء القاتل ، فان شاء الله تعالى استوفاه ، وان شاء غفر له ، والنسخ وان لم يدخل الآية ، لكن دخلها التخصيص والتأويل.

روى الصدوق في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال : سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا ، إله توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه ، فلا توبة له ، وان كان قتله لغضب ، أو لسبب شي‌ء من أمر الدنيا ، فان توبته ان يقاد منه ، وان لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، واطعم ستين مسكينا توبة الى الله عزّ وجلّ (٢).

وقد دلّ هذا الحديث على مسائل.

(أ) ان قاتل المؤمن لإيمانه لا توبة له ، لأنه انما يكون ذلك منه على تقدير تكذيبه له فيما اعتقده ، وذلك ارتداد ، ولا تقبل توبة المرتد عن فطرة.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٧٨ الحديث ١١ ولاحظ ما علق عليه ، وفي صحيح مسلم : ج ٤ ص ٢١١٨ كتاب التوبة (٨) باب قبول توبة القاتل وان كثر قتله (٤٦) الحديث ٢٧٦٦ وهو قريب بما في المتن أيضا.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٩) باب تحريم الدماء والأموال بغير حقها. والتوبة من القتل ص ٦٩ الحديث ١٤.

١٤١

ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق ، فالأشهر : انه خطأ كالضرب بالحصاة ، والعود الخفيف. أما الرمي بالحجر الغامر (١) أو

______________________________________________________

(ب) انه لو قتله على غير هذا الوجه ، قبلت توبته ، خلافا لما نقل عن ابي عباس (٢).

(ج) ان حدّ التوبة تسليم القاتل نفسه إلى أولياء المقتول ، فان شاءوا قادوه ، وان شاءوا عفوا عنه.

(د) ان كفارة قتل العمد كفارة الجمع.

تحصيل

يتعلق بقتل العمد ثلاثة حقوق :

حق لله تعالى : وهو المخالفة بارتكاب هذا الذنب العظيم ، وهو يسقط بالتوبة والاستغفار.

وحق للوارث : وهو التشفي ، ويسقط بتسليم نفسه ليقيدوه ، أو يرضوا منه بالدية ، أو العفو عنه.

وحق للمقتول : وهو المقاصة بالآلام التي أدخلها عليه بقتله ، وتلك لا ينفع منها التوبة ، بل لا بد من القصاص في الآخرة. ولا يبعد ان يكون قول ابن عباس إشارة الى هذا.

واما الكفارة فمن باب الأسباب ، فيجب مع حصول القتل على كل تقدير.

قال طاب ثراه : ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق ، فالأشهر : انه خطأ كالضرب بالحصاة والعود الخفيف.

__________________

(١) الغمرة الشدة ، والجمع غمر (مجمع البحرين لغة غمر) وفي بعضي النسخ (الغامز) بالزاء المعجمة وفسره : بالكابس على البدن لثقله.

(٢) تقدم آنفا مبسوط فلاحظ.

١٤٢

بالسهم المحدود ، فإنه يوجب القود لو قتل. وكذا لو ألقاه في النار ، أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله ، فمات. وكذا لو ألقاه إلى الحوت فابتلعه ، أو الى الأسد فافترسه ، لأنه كالالة عادة. ولو أمسك واحد ، وقتل الآخر ، ونظر الثالث ، فالقود على القاتل ويحبس الممسك ابدا ، وتفقأ عين الناظر.

______________________________________________________

أقول : أقسام القتل ثلاثة.

(القسم الأول) العمد المحض ، ويجب به القصاص ابتداء ولا تثبت الدية إلّا صلحا.

وضابطه : ما كان عامدا في فعله وقصده.

ويحصل بأحد أمور ثلاثة.

(أ) الإتلاف بآلة تقتل غالبا كالسيف واللت (١) مع القصد إلى الإتلاف.

(ب) الإتلاف بآلة يقتل غالبا كالسيف والمثقل ، وهو اللت ، والسهم المحدد ، لا مع قصد الإتلاف ، وكذا لو لم تقتل الإله غالبا ، لكن الضرب في مقتل كالصدع ، والعين ، وأصل الاذن ، والخاصرة ، والخصية ، لأن ذلك لما كان قاتلا في الأغلب ، ـ والسلامة معه نادرة ـ كان القصد اليه قصدا الى القتل ، فيقتل به.

(ج) الإتلاف بآلة لا تقتل غالبا كالحصاة والعود الخفيف ، مع قصد القتل.

وهذا هو موضع الخلاف الذي أشار إليه المصنف في الشرائع (٢) واختار فيه القصاص ، وهو الأشهر بين الأصحاب ، لتحقق الإتلاف ، مع القصد اليه.

وهذا هو حدّ العمد.

__________________

(١) اللت : القدوم ، الفأس العظيمة (فارسية) (المنجد لغة للت).

(٢) الشرائع : كتاب القصاص ، في الموجب قال : ولو قصد القتل بما يقتل نادرا فأنفق القتل ، فالأشبه القصاص.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الشيخ في المبسوط : إذا ضربه بسوط أو عصا خفيفة ، فان والى عليه العدد الذي يموت منه غالبا ، فعليه القود ، الى ان قال : وان كان مثله لا يموت من هذا العدد في هذا الزمان ، فلا قود ، لكنه عمد الخطأ ، ففيه ، الدية مغلّظة في ماله عندنا (١).

(القسم الثاني) الخطأ المحض : وهو يوجب الدية ابتداء على العاقلة ، ولا يرجع بها على القاتل ، خلافا للمفيد (٢).

وضابطه : ما كان مخطئا في فعله وقصده ، كأن يرمي طائرا فيخطأ السهم الى إنسان ، فلم يقصد إصابة الإنسان ولأقتله.

(القسم الثالث) الخطأ شبيه العمد ، ويقال : عمد الخطأ ، وفيه الدية على القاتل ، ولا يثبت به قصاص ، ولا تضمنه العاقلة إجماعا.

وضابطه : ما كان عامدا في فعله ، مخطئا في قصده ، كأن يضرب للتأديب فيتفق الموت منه ، فإنه قاصد الى فعل الضرب وغير قاصد الى القتل ، وانما قصد التأديب ، فوقع الخطأ في القصد.

بقي هنا شي‌ء ، وهو انه لو قصد القتل بما حصل به الموت ، ولم يكن قاتلا في الأغلب كما لو ضربه بحصاة ، أو عود خفيف فعلى ما قررناه : لا قود فيه ، لأنه لم يقصد القتل ، ولا الآلة قاتلة في الغالب ، ولا الضرب في القتل ، والأصل عصمة الدم ، فلا يتسلط عليه الّا مع تيقن السبب ، فيقتصر على الدية ، وهو اختيار المصنف (٣)

__________________

(١) المبسوط ج ٧ فصل في صفة قتل العمد ص ١٧ س ١٥ قال : وإذا ضربه بسوط أو عصا خفيفة الى ان قال بعد أسطر : وان كان مثله لا يموت إلخ.

(٢) المقنعة باب البينات على القتل ص ١١٥ س ١ قال : وترجع العاقلة على القاتل.

(٣) الشرائع كتاب القصاص ، في الموجب ، قال : وان لم يكن قاتلا في الغالب كما لو ضربه بحصاة إلى قوله : أشهر هما انه ليس بعمد يوجب القود.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلّامة (١) وهذه هي مسألة الكتاب التي نحن بصددها.

ويظهر من عبارة المبسوط (٢) وجوب القصاص حيث قال : وان جرحه بما يثقب البدن ولا يجرحه كالمسلة والمخيط ـ وهي شي‌ء عريض رأسه حاد ولا يحدد غير رأسه ـ فمات فعليه القود ، للاية ، واما ان كان صغيرا كالإبرة ونحوها فغرزه فيه فمات ، فان كان غرزه في مقتل كالعين وأصول الأذنين ، والخاصرة ، والخصيتين فعليه القود لأنه مقتل ، وان كان في غير مقتل كالرأس والفخذ والصلب والعضد ، فان كان لم يزل زمنا حتى مات فعليه القود للاية ، ولان الظاهر انه منه ، واما ان مات من ساعته قال قوم : عليه القود ، لان له سراية في البدن كالمسلة ، وقال اخرون : لا قود في هذا ، لان هذا لا يقتل غالبا كالعصا الصغيرة ، والأول أقوى ، للاية (٣).

(أ) وأشار المصنف في الشرائع (٤) : الى ان فيه روايتين : إحداهما أنه عمد يجرى فيه القود.

وهي ما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لو ان رجلا ضرب رجلا بخزفة ، أو آجرة ، أو بعود فمات كان عمدا (٥).

__________________

(١) القواعد ج ٢ كتاب الجنايات ، في الموجب ص ٢٧٧ س ١٦ قال : اما لو قصد الى الفعل الى قوله : كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيفة فالأقرب انه ليس بعمد.

(٢) في «گل» : وقوّى في المبسوط وجوب.

(٣) المبسوط ج ٧ ، فصل في صفة قتل العمد ، ص ١٦ س ٨ قال : واما ان جرحه بما يثقب البدن الى قوله : والأول أقوى للاية.

(٤) في بعض النسخ بعد قوله : والأول أقوى للاية ، ما لفظه : (وتكون هذه العبارة محتملة ، لأنه ان كان قصده القتل ، فالحق القود لما قلناه ، ويكون ما قواه الشيخ موافقا لذلك ، وان لم يقصد القتل كان ما ذهب اليه خلاف ما اختاره المصنف والعلامة).

(٥) التهذيب ج ١٠ (١١) باب القضايا في الديات والقصاص ، ص ١٥٦ الحديث ٥.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام قال : قتل العمد كل ما عمد به الضرب ، ففيه القود ، وانما الخطأ ان يريد الشي‌ء فيصيب غيره ، وقال : إذا أقر على نفسه بالقتل ، قتل ، وان لم يكن له بينة (١).

وفيهما ضعف.

أما الأولى : فمن ابن أبي حمزة.

واما الثانية : فمن إرسالها.

والأخرى : أنه شبيه العمد.

وهي ما رواه داود بن الحصين ، عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة ، هو ان يتعمد ضرب رجل ولا يتعمد قتله؟ قال : نعم ، قلت : رمى شاة فأصاب إنسانا ، قال : ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ، عليه الدية والكفارة (٢).

ومثلها رواية أبان بن عثمان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : أرمي الرجل بالشي‌ء الذي لا يقتل مثله ، قال : هذا خطأ ، ثمَّ أخذ حصاة صغيرة فرمى بها ، قلت : فأرمي الشاة فأصيب رجلا؟ قال : هذا الخطأ الذي لا شك فيه ، والعمد ، الذي يضرب بالشي‌ء الذي يقتل مثله (٣).

وروى يونس عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان ضرب رجل رجلا بالعصا ، أو بالحجر ، فمات من ضربة واحدة قبل ان يتكلم ، فهو شبيه العمد والدية على القاتل ، وان علاه وألح عليه بالعصا ، أو بالحجارة حتى يقتله ، فهو

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١١) باب القضايا في الديات والقصاص ، ص ١٥٥ الحديث ٢.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١١) باب القضايا في الديات والقصاص ، ص ١٥٦ الحديث ٣.

(٣) التهذيب : ج ١٠ (١١) باب القضايا في الديات والقصاص ، ص ١٥٧ الحديث ١٠.

١٤٦

وإذا أكره على القتل فالقصاص على القاتل ، لا المكره.

وكذا لو امره بالقتل ، فالقصاص على المباشر ، ويحبس الآمر ابدا.

ولو كان المأمور عبده ، فقولان : أشبههما : أنه كغيره ، والمروي يقتل به السيد ، قال في الخلاف : ان كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية على المولى.

______________________________________________________

عمد يقتل به ، وان ضربه ضربة واحدة فتكلم ثمَّ مكث يوما أو أكثر من يوم ، ثمَّ مات فهو شبيه العمد (١).

قال طاب ثراه : ولو كان المأمور عبده ، فقولان : أشبههما : أنه كغيره ، والمروي يقتل به السيد وفي الخلاف : ان كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ، ووجبت الدية على المولى.

أقول : البحث هنا يستدعي توطئة مقدمه.

وهي أنّ الإكراه لا يتحقق في القتل ، لاشتماله على دفع الضرر بمثله ، ويتحقق فيما دونه ، ومن هذا الباب قيل : لا تقية في الدماء (٢) لأنها انما أبيحت ليحقن بها الدم ، فلا يكون سببا لإراقته ، ويجوز فيما دون النفس ، إذا خاف على النفس.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا أكره رجل رجلا على القتل ، فالمأمور إما حر أو عبد ، فان كان حرا ، وهو بالغ عاقل ، تعلق به القود ، وخلد الآمر السجن ، وان كان صبيا غير مميز ، أو مجنونا ، فان كان مع الإكراه فالقود على الآمر المكره ، لأنهما كالآلة ، وان

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (١١) باب القضايا في الديات والقصاص ، ص ١٥٧ الحديث ٧.

(٢) لم أعثر على هذا الحديث بتلك العبارة في كتب الحديث ، وفي المحاسن ص ٢٥٩ (٣١) باب التقية الحديث ٣١٠ ولفظه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : انما جعلت التقية ليحقن بها الدماء ، فاذا بلغ الدم فلا تقية ، وفي الكافي ج ٢ باب التقية ص ٢٢٠ الحديث ١٦ مثله ، وفيه (فليس تقية) نعم أوردها الحديث بتلك العبارة في التنقيح الرائع.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كان لا مع الإكراه كانت الدية على عاقلتها على المشهور ، ويحتمل قويا وجوب القصاص على الآمر ، لأنهما كالآلة وقال ابن حمزة : ان أمر بالغا عاقلا ، أو مراهقا ، فالقود على المباشر ، وان أمر صبيا أو مجنونا ولم يكرهه لزمت الدية عاقلته ، وان أكرهه كان نصف الدية على الآمر ، ونصفها على عاقلة القاتل وعلى الآمر الحبس (١).

وان كان المأمور عبد الآمر ، قيل فيه أقوال :

(أ) على العبد القود ، وعلى السيد السجن ابدا ، وهو قول الشيخ في النهاية (٢).

(ب) ان كان كبيرا عاقلا ، فعليه القود ، وان كان صغيرا ، أو مجنونا فالقود على السيد ، وان كان صغيرا مميزا فلا قود ، وتجب الدية متعلقا برقبته ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٣) وهو اختيار العلّامة (٤).

(ج) العبد ان كان كبيرا عاقلا ، فالقود عليه دون السيد ، وان كان صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية على السيد وهو قول الشيخ في الخلاف (٥) واختاره ابن إدريس (٦).

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان قتل الخطأ المحض ص ٤٣٧ س ٢١ قال : وإذا أمر إنسان أحدا بقتل غيره الى قوله : ونصفها على عاقلة القاتل ، ثمَّ قال : خلد الآمر الحبس.

(٢) النهاية : باب الواحد يقتل اثنين ص ٧٤٧ س ١٣ قال : فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله ، كان الحكم أيضا بمثل ذلك ، أي القود على القاتل والحبس على الآمر.

(٣) المبسوط : ج ٧ كتاب الجراح ص ٤٣ س ٢١ قال : فان كان عبدا كبيرا فعليه القود وان كان صغيرا فلا قود ، ولكن يجب الدية متعلقه برقبة.

(٤) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجنايات ص ٢٤١ س ١٤ قال : والوجه ما فصله الشيخ في المبسوط : من انه ان كان العبد كبيرا إلخ.

(٥) كتاب الخلاف : كتاب الجنايات مسألة ٣٠ قال : والأقوى في نفسي ان نقول : الى قوله : وان كان صغيرا أو مجنونا فإنه يسقط القود ويجب فيه الدية إلخ.

(٦) السرائر : باب الواحد يقتل اثنين ص ٤٢٣ س ٣٠ قال : والذي يقوى عندي في ذلك الى قوله :

وان كان صغيرا إلخ.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) إذا كان الآمر سيد العبد معتادا لذلك قتل السيد ، وخلد العبد الحبس ، وان كان بادئا قتل العبد وخلد السيد السجن ، وهو قول التقي (١).

(ه) إذا كان المأمور عبدا أو جاهلا مكرها ، لا يأمن بمخالفته إتلاف نفسه ، قتل الآمر ، وخلد القاتل الحبس بعد تعزيره ، وهو قول أبي علي (٢).

احتج العلّامة ومن قال بمقالته : بانّ الكبير عامد فوجب عليه القود ، فأمر السيد وإكراهه لا يخرجه عن كونه مباشرا في قتل العمد كالحر ، واما الصغير فإنه كالآلة (٣).

وبما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أمر عبده ان يقتل رجلا ، فقتله فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : وهل عبد الرجل الّا كسيفه؟! يقتل السيد ويستودع العبد في السجن (٤).

ومثلها رواية إسحاق بن عمار (٥).

وحملتا على صغر العبد ، لأنه المناسب للأدلة العقلية.

ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام في رجل أمر رجلا بقتل رجل ، فقتله؟ قال : يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت (٦).

__________________

(١) الكافي : القصاص ، ص ٣٨٧ س ١١ قال : وإذا كان الآمر سيد العبد معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد السجن.

(٢) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجنايات ص ٢٤٠ س ٣٨ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : فان كان المأمور لا يأمن بمخالفته إلخ.

(٣) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجنايات ص ٢٤١ س ١٥ قال : لنا ان الكبير عامد في قتله إلخ.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (١٧) باب الاثنين إذا قتلا واحدا ص ٢٢٠ الحديث ١٣.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (١٧) باب الاثنين إذا قتلا واحدا ص ٢٢٠ الحديث ١٢.

(٦) الاستبصار : ج ٤ (١٦٨) باب من أمر غيره بقتل إنسان فقتله ص ٢٨٣ الحديث ١.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا يشعر بأنَّ المأمور رجل ، وهو شامل للحر والعبد.

والشيخ في الاستبصار حمل الروايتين على من يعتاد قتل الناس ويلجئ عبيده ويكرههم على ذلك ، فمن هذه صورته وجب عليه القتل ، لأنّه مفسد في الأرض قال : وخبر زرارة (١) مطابق لظاهر القرآن ، قال الله تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقد علمنا انه أراد النفس القاتلة دون غيرها بلا خلاف ، فينبغي ان يكون ما خالف ذلك لا يعمل عليه (٢) بلا خلاف.

وهذا التفصيل الذي ذكره هو بعينه مذهب التقي (٣) وقد حكيناه عنه ، واختار فخر المحققين (٤) مذهب ابن إدريس (٥) وهو وجوب الدية على السيد مع صغر المملوك ، ولم يفصّل بين كونه مميزا أو غير مميز ، وكذا في المجنون ، لأنّ المأمور كالآلة ، والآمر لم يباشر القتل فوجب الدية لقوله عليه السّلام : لا يطل دم امرء مسلم (٦) ، ولا يلزم الدية غير الآمر إجماعا ، فلو لم يلزم بها بطل الدم.

واختيار المبسوط أوضح في الحكم (٧) وأقرب الى الأدلة العقلية ، لأن المجنون

__________________

(١) أي الذي تقدم نقله.

(٢) الاستبصار : ج ٤ (١٦٨) باب من أمر غيره بقتل إنسان فقتله ص ٢٨٣ ذيل حديث ٣.

(٣) الكافي ، القصاص ، ص ٣٨٧ س ١١ قال : وإذا كان الآمر سيد العبد معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس.

(٤) الإيضاح ج ٤ في بيان الزهق ص ٥٦٧ س ١١ قال : والأصح عندي : انه ان كان المملوك كبيرا عاقلا تعلق القصاص به إلخ.

(٥) السرائر باب الواحد يقتل اثنين ص ٤٢٢ س ٣٠ قال : والذي يقوى عندي في ذلك : انه ان كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل فعليه القود دون السيد إلخ.

(٦) الفقيه ج ٤ (٢٠) باب القسامة ص ٧٣ س ١٩ قطعة من حديث ٥ وفي التهذيب ج ١٠ (١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٧ قطعة من حديث ٣.

(٧) المبسوط ج ٧ كتاب الجراح ص (٤٣) س ١٤ قال : فان ، كان المأمور حرّا صغيرا أو كبيرا جاهلا فالقود على الآمر لأنه كالآلة. الى أن قال : فأما إن كان المأمور عاقلا فالحكم يتعلق بالمأمور.

١٥٠

ولو جرح جان فسرت الجناية دخل قصاص الطرف في النفس ، اما لو جرحه وقتله ، فقولان : أحدهما لا يدخل قصاص الطرف في النفس ، والأخر يدخل. وفي النهاية : ان فرقه لم يدخل ، ومستندها رواية محمّد بن قيس. وتدخل دية الطرف في دية النفس إجماعا.

______________________________________________________

وغير المميز آلة محضة فيتوجه القود على الآمر ، بخلاف العاقل أو المميز.

قال طاب ثراه : ولو جرح جان فسرت الجناية ، دخل قصاص الطرف في النفس ، أما لو جرحه وقتله ، فقولان : أحدهما لا يدخل قصاص الطرف في النفس ، والأخر يدخل ، وفي النهاية : ان فرقه لم يدخل ومستندها رواية محمّد بن قيس. وتدخل دية الطرف في دية النفس إجماعا.

أقول : في المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) التداخل مطلقا ، قاله في المبسوط في فصل قتل العمد ، وحكايته : الذي يقتضيه مذهبنا : انه يدخل كل واحد من القصاص والأرش في بدل النفس ، اما الأرش فلا إشكال فيه ، واما القصاص فلأنّ أصحابنا رووا : أنه إذا مثّل إنسان بغيره فقتله فلم يكن له غير القتل ، وليس له التمثيل بصاحبه (١).

(ب) عدمه مطلقا قاله ابن إدريس (٢).

(ج) التفصيل ، وهو التداخل مع اتحاد الغربة ، وعدمه مع التفريق ، قاله في النهاية (٣).

__________________

(١) المبسوط ج ٧ كتاب الجراح ص ٢٢ س ٥ قال : والذي يقتضيه مذهبنا الى قوله : وليس له التمثيل بصاحبه.

(٢) السرائر باب ديات الأعضاء والجوارح ص ٤٣٤ س ٢٦ قال : لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، ويدخل دية الطرف في دية النفس.

(٣) النهاية باب ديات الأعضاء والجوارح ص ٧٧١ س ٦ قال : ومن قطع أنف إنسان ثمَّ قتله اقتص منه أولا إذا كان قد فرق ذلك.

١٥١

مسائل من الاشتراك.

(الاولى) لو اشترك جماعة في قتل حر مسلم ، فللولي قتل الجميع ، ويرد على كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته. وله قتل البعض ويرد الآخرون قدر جنايتهم ، فان فضل للمقتولين فضل ، قام به الولي ، وان فضل منهم كان له.

(الثانية) يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس ،

______________________________________________________

احتج ابن إدريس بعموم قوله تعالى (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١) وقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) ولا فرق بين ان يكون ذلك بضربة واحدة ، أو بضربات (٣).

احتج الشيخ على تفصيل النهاية بما رواه محمّد بن قيس عن أحدهما عليهما السّلام في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثمَّ قتله ، فقال : ان كان فرق ذلك اقتص منه ، ثمَّ يقتل ، وان كان ضربة واحدة ضرب عنقه ولم يقتص منه (٤).

ومثلها رواية حفص بن البختري عن الصادق عليه السّلام (٥).

وقال العلّامة في المختلف : قول ابن إدريس لا بأس به ، ثمَّ توقف (٦).

__________________

(١) المائدة / ٤٥.

(٢) البقرة / ١٩٤.

(٣) السرائر : باب ديات الأعضاء والجوارح ص ٤٣٤ س ٢٥ قال : ويعضده ظاهر التنزيل ، وهو قوله تعالى.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٢٢) باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها ص ٢٥٢ الحديث ٣٣.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (٢٢) باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها ص ٢٥٣ الحديث ٣٥.

(٦) المختلف : ج ٢ في ديات الأعضاء ص ٢٥٧ س ٢٧ قال : وقول ابن إدريس لا بأس به ، فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.

١٥٢

فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع الجميع ويرد فاضل الدية ، وله قطع البعض ويرد عليهم الآخرون.

(الثالثة) لو اشتركت في قتله امرأتان ، قتلتا ، ولا ردّ ، إذ لأفاضل لهما. ولو كنّ أكثر ردّ الفاضل ان قتلهن ، وان قتل بعضا رد البعض الأخر ، ولو اشترك رجل وامرأة ، فللولي قتلهما ، ويختص الرجل بالردّ. والمفيد جعل الرد أثلاثا ، ولو قتل الرجل ردت عليه نصف ديته. ولو قتل المرأة فلا ردّ له وله مطالبة الرجل بنصف الدية.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو اشترك رجل وامرأة فللولي قتلهما ، ويختص الرجل بالرد ، والمفيد جعل الرد أثلاثا.

أقول : إذا اشترك في قتله رجل وامرأة كان على كل منهما نصف الجناية ، فإن صالحهما في الدية كان على كل واحد منهما نصف الدية ، وان قتلهما وجب عليه خمسة الاف درهم ، وان قتلها كان له على الرجل نصف الدية ، والخلاف في مقامين.

(أ) إذا قتلهما فيجب على الولي رد خمسمأة دينار ، وفي مستحقها قولان :

فالجمهور من الأصحاب : انه أولياء الرجل خاصة ، إذ لا فاضل للمرأة على قدر جنايتها ، وقال المفيد : بين أولياء الرجل وأولياء المرأة يقتسمونها على ثلاثة أسهم ، لورثة الرجل ثلثان ، ولورثة المرأة الثلث (١).

(ب) إذا قتل الرجل خاصة ردت المرأة نصف ديته خمسمائة دينار ، لأنّ عليها نصف الجناية وهو المشهور وقال في النهاية : نصف ديتها : مائتين وخمسين دينارا (٢)

__________________

(١) المقنعة باب الاشتراك في الجنايات ص ١١٨ س ١١ قال : وإذا اجتمع رجل وامرأة على قتل رجل حر الى قوله : يقتسمونها على ثلاثة أسهم ، لورثة الرجل الثلثان ، ولورثة المرأة الثلث.

(٢) النهاية باب الواحد يقتل اثنين ص ٧٤٥ س ٦ قال : فان قتل رجل وامرأة رجلا الى قوله : وتؤدي المرأة إلى أولياء الرجل نصف ديتها ألفين وخمسمائة درهم

١٥٣

(الرابعة) لو اشترك حر وعبد في قتل حرّ عمدا ، قال في النهاية : له قتلهما ، ويرد على سيد العبد نصف قيمته ، وله قتل الحر ويرد عليه سيد العبد خمسة الاف درهم ، أو يسلّم العبد إليهم ، أو يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل.

والحق : ان نصف الجناية على الحر ، ونصفها على العبد ، فلو قتلهما الولي ردّ على الحر نصف ديته ، وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية. ولو قتل الحر ردّ مولى العبد عليه نصف الدية ، أو دفع العبد ما لم تزد قيمته عن النصف فتكون الزيادة للمولى. ولو قتل العبد ردّ على المولى ما فضل عن نصف الدية ان كان في العبد فضل.

ولو قتلت امرأة وعبد ، فعلى كل واحد منهما نصف الدية ، فلو قتل العبد وكانت قيمته بقدر جنايته ، فلا ردّ ، فان زادت ردت على مولاه الزيادة.

______________________________________________________

وتبعه القاضي (١).

قال طاب تراه : لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : له قتلهما ، ويرد على سيد العبد نصف قيمته إلى أخره.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال.

(أ) للولي قتلهما ويرد على سيد العبد ثمنه ، وله أخذ الدية منهما ، فعلى الحر نصف الدية ، وعلى سيد العبد النصف الأخر ، أو يسلّم العبد إليهم فيكون رقا لهم.

__________________

(١) المهذب : ج ٢ باب قتل الاثنين أو أكثر منهما بواحد ص ٤٦٨ س ١٣ قال : وان اختاروا قتل الرجل الى قوله : وترد المرأة نصف ديتها.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقتل العبد خاصة وليس لسيد العبد على الحر سبيل. وقتل الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثته نصف الدية ، وهو قول الشيخ في النهاية (١) وبه قال المفيد (٢) والقاضي (٣).

(ب) للولي قتلهما ، ويردّ قيمة العبد ، لأنها الفاضل عن حقه ، على سيد العبد وورثة الحر ، فيكون بينهما نصفان. وله قتل الحر ، وعلى سيد العبد نصف دية الحر لورثته. وله قتل العبد ويؤدي الحر الى سيده نصف قيمته. وان اختار الدية كان على كل من الحر وسيد العبد نصفها ، وهو قول التقى (٤).

(ج) كون الجناية عليهما نصفين ، وذلك يقتضي ضمان كل واحد منهما لنصفها ، وهو مذهب المصنف (٥) والعلّامة (٦).

وحينئذ نقول : قيمة العبد اما ان يزيد على جنايته أولا ، وعلى التقديرين ، فالولي اما ان يختار قتلهما ، أو الدية منهما ، أو قتل الحر ، أو العبد ، فهذه أربعة أقسام ، إذا ضربت في القسمين الأولين كانت ثمانية ، أربعة منها في طرف الزيادة ، وأربعة في

__________________

(١) النهاية : باب الواحد يقتل اثنين ، أو الاثنين ، والجماعة يقتلون واحدا ص ٧٤٥ س ١٤ قال : فان قتل رجل حر ومملوك رجلا إلخ.

(٢) المقنعة : باب الاشتراك في الجنايات ص ١١٨ س ١ قال : إذا اشترك الحر والعبد في قتل حر على العمد كان أولياء المقتول مخيرين إلخ.

(٣) المهذب : ج ٢ باب قتل الاثنين أو أكثر منهما بواحد ، ص ٤٦٨ س ١٦ قال : وإذا قتل رجل حر ومملوك رجلا حرا كان أولياء المقتول مخيرين إلخ.

(٤) الكافي : القصاص ، ص ٣٨٦ س ١١ قال : وإذا قتل الحر والعبد حرا الى قوله : وان اختار قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والحق أن نصف الجناية على الحر ونصفها على العبد إلخ.

(٦) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجناية ص ٢٣٩ س ٣٠ قال : والوجه ان نقول : ثمَّ قسمه ثمانية أقسام كما في المتن.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

طرف عدمها.

الطرف الأول : الزيادة ، أعني زيادة قيمة العبد عن جنايته ، ومسائله أربع.

(أ) ان يختار الولي قتلهما ، فله ذلك ، ويرد على الحر نصف ديته ، لأنه الفاضل عن قدر جنايته ، وعلى سيد العبد الزائد من قيمته عن نصف الدية ما لم يتجاوز القيمة دية الحر ، فترد إليها.

(ب) مقابله ، وهو اختيار الدية منهما ، فعلى الحر نصف الدية ، وعلى سيد العبد رد النصف الأخر ، أو تسليم ما قابل النصف من العبد الى المولى ليسترقه.

(ج) اختيار قتل الحر ، فيؤدي سيد العبد الى الحر نصف ديته ، أو يسلم من العبد ما قابل نصف الدية ليسترقوه ، وليس لهم قتله.

(د) اختيار قتل العبد ، فيؤدي الحر الى سيده ما زاد عن نصف الدية ، فإن كان نصف الدية زائدا عن القيمة كان فاضله للولي.

(الطرف الثاني) عدم الزيادة ، ومسائله أربع.

(أ) اختياره قتلهما فلا شي‌ء له على سيد العبد. ولا له على الولي ، ولا على ورثة الحر ، ولورثة الحر على الولي نصف الدية.

(ب) مقابله ، أخذ الدية منهما ، فعلى الحر نصفها وعلى سيد العبد النصف الأخر ، أو يسلم العبد إلى ولي المقتول ان شاء استرقه ، وان شاء باعه ، أو قتله ، وليس على سيد العبد ولا على الحر الشريك تكميل ما نقص عن نصف الدية لو كان هناك نقص.

(ج) اختياره قتل الحر ، ويؤدي سيد العبد إلى ورثة الحر نصف ديته ، أو يسلم العبد إليهم ولهم استرقاقه وبيعه ، لا قتله ، فان كانت قيمته بقدر نصف الدية ، فهو حقهم ، وان كانت انقص كان على الولي إتمام النصف.

(د) اختياره قتل العبد ، ولا سبيل لسيده على الحر ، وعلى الحر نصف الدية

١٥٦

القول في الشرائط المعتبرة في القصاص : وهي خمسة.

(الأول) الحرية فيقتل الحر بالحر ولا ردّ ، وبالحرة مع الردّ ، والحرة بالحرة وبالحر ، وهل يؤخذ منهما الفضل؟ الأصح : لا ، وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا ودية حتى يبلغ ثلث دية الحر ، فتنصف ديتها ، ويقتص لها مع ردّ التفاوت ، وله منها ولا رد. ويقتل العبد بالعبد ، والأمة بالأمة ، وبالعبد.

ولا يقتل الحر بالعبد بل يلزمه قيمته لمولاه يوم القتل ، ولا يتجاوز

______________________________________________________

للولي ولا شي‌ء له على سيد العبد لو نقصت قيمته عن النصف ، لأنه لا يعقل عبدا ، ولا على الحر التمام أيضا ، لأنّ عليه النصف خاصة.

قال طاب ثراه : يقتل الحر بالحر ولا ردّ ، وبالحرة مع الرد. والحرة بالحرة وبالحر ، وهل يؤخذ منها الفضل؟ الأصح : لا.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونطق به صريح الروايات المتظافرة عن أهل البيت عليهم السّلام كرواية حماد عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان قتلت المرأة الرجل قتلت به ، وليس لهم الّا نفسها (١).

وروى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عنه عليه السّلام في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال : لا يجني الجاني على أكثر من نفسه (٢).

وفي رواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال : في امرأة قتلت رجلا؟ قال : تقتل ، ويؤدي وليها بقية المال (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٧ باب الرجل يقتل المرأة والمرأة تقتل الرجل ص ٢٩٨ قطعة من حديث ٢ وفيه (عن حماد عن الحلبي).

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٤) باب القود بين الرجال والنساء ص ١٨٢ الحديث ٩.

(٣) التهذيب : ج ١٠ (١٤) باب القود بين الرجال والنساء ص ١٨٣ الحديث ١٤.

١٥٧

دية الحر. ولو اختلفا في القيمة فالقول قول الجاني مع يمينه ، ويعزر القاتل ، ويلزمه الكفارة ، ولو كان العبد ملكه عزر وكفّر ، وفي الصدقة بقيمته رواية فيها ضعف ، وفي رواية : ان اعتاد ذلك قتل به.

ودية المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز به الحرة ، وكذا لا يتجاوز بدية عبد الذمي دية الحر منهم ، ولابدية الأمة دية الذمية.

ولو قتل العبد حرا لم يضمن مولاه ، وولي الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه ، وليس للمولى فكه مع كراهية الولي. ولو جرح حرا ، فللمجروح القصاص ، وان شاء استرقه ان استوعبت الجناية ، وان قصرت استرق منه بنسبة الجناية ، أو يباع فيأخذ من ثمنه حقه ، ولو افتداه المولى فداه بأرش الجناية. ويقاد العبد لمولاه ان شاء الولي. ولو قتل عبدا مثله

______________________________________________________

قال الشيخ في الاستبصار : وهذه رواية شاذة لم يروها إلّا أبو مريم ، وان تكررت في الكتب في مواضع متفرقة ، ومع ذلك فهي مخالفة لظاهر الكتاب ، قال الله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) ولم يذكر معها شيئا آخر (٢).

ولا يبعد دعوى الإجماع على الأول.

واسم ابي مريم عبد الغفار بن القاسم ، وهو ثقة ، وطريقها اليه صحيح ، لكن الأصول وعمل الأصحاب على خلافها.

قال طاب ثراه : ولو كان العبد ملكه عزّر وكفر ، وفي الصدقة بقيمة (بثمنه خ ل) رواية فيها ضعف ، وفي رواية ان اعتاد ان ذلك قتل به.

__________________

(١) المائدة / ٤٥.

(٢) الاستبصار ج ٤ باب حكم المرأة إذا قتلت رجلا ص ٢٦٨ قال بعد نقل حديث أبي مريم : هذه الرواية شاذة لم يروها إلّا أبو مريم الأنصاري إلى أخره.

١٥٨

عمدا ، فان كانا لواحد ، فالمولى بالخيار بين الاقتصاص والعفو ، وان كانا لاثنين فللمولى قتله الّا ان يتراضى الوليان بدية أو أرش.

ولو كانت الجناية خطأ كان لمولى القاتل فكه بقيمته ، وله دفعه ، وله منه ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول ، ولا يضمن ما يعوز.

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل :

(الاولى) لا يقتل الحر بالعبد مع عدم الاعتياد إجماعا ، لقوله تعالى (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) (١).

وان اعتاد قتل العبد زيد في تأديبه ولا يقتل لعموم الآية (٢) وهو ظاهر النهاية حيث قال : للسلطان ان يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجر عن مثله في المستقبل (٣).

وبه رواية عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال : قلت : قول الله عزّ وجلّ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) (٤) قال : لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرمه ثمن دية العبد (٥) وهو على عمومه ، لأصالة عدم التخصيص.

وقال الشيخ في كتابي الأخبار : يقتل به (٦) (٧) وهو اختيار

__________________

(١) البقرة / ١٧٨.

(٢) البقرة / ١٧٨.

(٣) النهاية باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار ص ٧٥١ س ٣ قال : وللسلطان إلخ.

(٤) البقرة / ١٧٨.

(٥) الكافي ج ٧ باب الرجل الحر يقتل مملوك غيره أو يجرحه والمملوك يقتل الحر أو يجرحه ص ٣٠٤ الحديث ١.

(٦) التهذيب ج ١٠ (١٤) باب القود بين الرجال والنساء. ص ١٩٢ ذيل حديث ٥٤ قال : الوجه في هذه الرواية ان نحملها على من يكون عادته قتل العبيد إلخ.

(٧) الاستبصار ج ٤ (١٥٨) ص ٢٧٣ ذيل حديث ٧ قال : فالوجه في هذه الرواية ان نحملها على من يكون متعودا لقتل العبيد.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التقى (١) وابن زهرة (٢) والكيدري (٣).

ولرواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل قتل مملوكه أو مملوكته ، قال : ان كان المملوك له أدّب وحبس ، الّا ان يكون معروفا بقتل المماليك ، فيقتل به (٤).

ويرجع في معرفة الاعتياد الى العرف.

وفصّل أبو علي فقال : يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عرف بقتل العبيد في عبد غيره ، وأطلق قتله بالعادة في عبد نفسه (٥).

واختار المصنف (٦) والعلّامة (٧) اختيار النهاية (٨).

وهو مذهب الأكثر كالمفيد (٩) والحسن (١٠) والصدوق (١١) والقاضي في

__________________

(١) الكافي : الحدود ص ٣٨٤ س ٩ قال : فان قتل الحر المسلم عبدا أو امة فعليه قيمته الى قوله : فان كان معتادا ، قتل لفساده في الأرض.

(٢) الغنية (في الجوامع الفقهية) : في الجنايات ص ٦٢٠ س ٥ قال : وإذا قتل السيد عبده بالغ السلطان في تأديبه ، فإن كان معتاد القتل إلخ.

(٣) الإصباح : كتاب الجنايات ص ٢٩٩ س ٧ قال : وإذا قتل السيد عبده الى قوله : فان كان معتادا لقتل الرقيق مصرا عليه قتل لفساده في الأرض لا على وجه القصاص.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (١٤) باب القود بين الرجال والنساء. ص ١٩٢ الحديث ٥٥.

(٥) كشف اللثام : كتاب الجنايات ص ٢٧٠ س ٢٥ قال : وأطلق أبو علي قتله إذا اعتاد قتل عبيده ، وقال في عبيد الغير إذا عرف بقتلهم ، قتل في الثالثة أو الرابعة.

(٦) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ويعزر القاتل ولو كان العبد ملكه عزر وكفر.

(٧) القواعد : ج ٢ ، المطلب الثالث في الجناية الواقعة بين المماليك الأحرار ص ٢٨٦ س ٢٠ قال : ولا يقتل حر بعبد الى قوله : ولو اعتاد الحر قتل العبيد قيل : قتل إلخ.

(٨) تقدّم نقل قوله : وللسلطان ان يعاقب من يقتل العبيد إلخ.

(٩) المقنعة : باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار ص ١١٥ س ٢٥ قال : وإذا قتل الحر العبد لم يكن لمولاه القود الى ان قال : وعلى السلطان ان يعاقب قاتل العبد عقوبة إلخ.

(١٠) لم نظفر عليه.

(١١) الهداية : (١٢٩) باب الديات ص ٧٨ س ١٨ قال : ولا يقتل الحر بالعبد

١٦٠