المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو مذهب الشيخين (١) (٢) والتقي (٣) والقاضي (٤) وسلار (٥) وابن حمزة (٦) والطبرسي (٧) وابن زهرة (٨) والكيدري (٩) ويحيى (١٠).

والأخر عدم الضمان ، وهو قول ابن إدريس ، للأصل (١١) ولأنه فعل سائغ فلا

__________________

(١) المقنعة : باب القضاء في الديات والقصاص ، ص ١١٤ س ١٦ قال : والخطأ شبيه العمد الى قوله : وكعلاج الطبيب للإنسان بما جرت العادة بالنفع به فيموت لذلك.

(٢) النهاية : باب ضمان النفوس ، ص ٧٦٢ س ١٦ قال : ومن تطبب ، أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه والا فهو ضامن.

(٣) الكافي ، الديات ، ص ٤٠٢ س ٤ قال : ومنها ان يفصد غيره ، أو يحجمه ، أو يسقيه دواء الى قوله : فإنه يضمن جميع ما يحدث.

(٤) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٩ س ١٢ قال : وإذا تطبب إنسان إلى قوله : والا كان ضامنا لما يحدثه من جناية.

(٥) المراسم ، ذكر احكام الجنايات في القضاء ص ٢٣٥ س ١٣ قال : واما الخطأ شبيه العمد الى قوله : وعلاج الأطباء بما جرت العادة ينتفع به فيموت.

(٦) الوسيلة : كتاب احكام القتل والشجاج ص ٤٣٠ س ٤ قال : وعمد الخطأ الى قوله : أو يعالج الطبيب بما قد جرت العادة بحصول النفع عنده.

(٧) غاية المراد ونكت الإرشاد كتاب الجنايات ، قال في شرح قول المصنف : (ولو كان حاذقا) : ففي الضمان قولان : أحدهما نعم ، وهو قول الطبرسي.

(٨) الغنية (في الجوامع الفقهية) : فصل في الجنايات ص ٦١٩ س ١٣ قال : والخطأ الشبيه بالعمد الى قوله : أو معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده إلخ.

(٩) الإصباح للكيدري : كتاب الجنايات ص ٢٩٧ س ٦ قال : والخطأ شبيه العمد الى قوله : أو معالجة غيره مما جرت العادة بحصول النفع عنده.

(١٠) الجامع للشرائع ، احكام موجبات الضمان ص ٥٨٣ س ٣ قال : والطبيب إذا عالج الى قوله : ضمن الا ان يكون أخذ البراءة إلخ.

(١١) السرائر : باب ضمان النفوس ، ص ٤٢٩ س ١٥ قال : واما إذا كان عاقلا مكلفا ، فأمر الطبيب بفعل شي‌ء ، ففعله على ما امره به ، فلا يضمن الطبيب ، سواء أخذ البراءة أو لا ، والدليل على ما قلناه : ان الأصل البراءة إلى أخره.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

يستعقب الضمان ، ولأن إذن المريض له في العلاج بحسب نظره وما يؤدي إليه فكره ، يوجب سقوط ضمانه ، كالإذن في قطع السلعة ، ولان القول بالضمان يلزم منه الحرج بامتناع الأطباء من العلاج مع إمساس الحاجة إليه ، فيكون منفيا بالآية (١) والرواية (٢).

(الثاني) على القول بالضمان ، لو أبرأه المريض أو وليه قبل العلاج هل يزول الضمان ، أم لا؟ قيل : نعم وهو اختيار الشيخ واتباعه (٣) والتقي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلّامة (٦) لشدة الحاجة إليه ، فلو لم يشرع الإبراء لزم الضرر بترك العلاج ، فوجب شرعا دفعا للعسر ، كما جاز ضمان المتاع الملقى في البحر عند الخوف من الغرق ، وللرواية المتقدمة (٧).

وانما خص الولي في الخبر؟ لأنه المطالب على تقدير وقوع التلف.

قال المصنف : ولا استبعد الإبراء من المريض ، لأن المجني عليه إذا اذن في

__________________

(١) قال تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحجّ / ٢٢).

(٢) لاحظ الأخبار الواردة في نفي الحرج وهي مبثوثة في الكتب مثل قوله عليه السّلام : امسح على المرارة ما جعل عليكم في الدين من حرج.

(٣) تقدم نقله آنفا من قوله : فليأخذ البراءة من وليه والا فهو ضامن.

(٤) الكافي ، الديات ص ٤٠٢ س ٦ قال : وان برء اليه لم يضمن.

(٥) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ولو برأه المريض أو الولي ، فالوجه الصحة.

(٦) لا يخفى ان العلّامة قدّس سرّه في القواعد والتحرير تردد في المسألة وما أفتى بشي‌ء ، لاحظ القواعد : ج ٢ ص ٣١٣ س ٥ قال : وفي براءته بالإبراء نظر إلخ وفي التحرير ج ٢ ص ٢٦٢ س ١٠ قال : ولو أبرأه المريض قبل العلاج قيل يصح إلخ وكذا في الإرشاد ج ٢ ص ٢٢٢ س ٧ قال : وهل يبرأ بالإبراء قبله؟ فيه قولان إلخ فيظهر منه التردد في المسألة حيث اقتصر على نقل القولين فقط.

(٧) وهو قوله عليه السّلام : من تطبب أو تبيطر إلى أخره وقد تقدم.

٢٦٢

والنائم إذا انقلب على إنسان ، أو فحص برجله ، فقتل ضمن في ماله على تردد.

أما الظئر ، فإن طلبت بالمظائرة الفخر ضمنت الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات ، وان كان للفقر فالدية على العاقلة.

______________________________________________________

الجناية سقط ضمانها كقطع السلعة بإذن المقطوع ، فإنه لا يضمن قطعا. (١)

ونقل ابن إدريس عدم صحة الإبراء (٢) ، لأنه إسقاط ما لم يجب ، والإبراء يختص بما في الذمم ، وقبل التلف لا شي‌ء عليه.

قال طاب ثراه : والنائم إذا انقلب على إنسان ، أو فحص برجله ضمن في ماله على تردد.

أقول : النائم إذا انقلب على غيره فقتله ، أو جني عليه بما دون النفس ، لا يخلوا اما ان يكون ظئرا أو غير ظئر ، فهنا قسمان.

(الأول) غير الظئر ، فذهب الشيخان الى ضمان الدية في ماله (٣) (٤) فهو عندهما من باب الأسباب ، لا الجنايات.

واضطرب ابن إدريس ، فأوجبها على العاقلة في أول المسألة (٥) وعلى ماله في أخرها.

__________________

(١) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) : ص ٤٦٥ س ٢٠ قال عند شرح قول المصنف : (ومن تطبب إلى أخره) : ولا استبعد الإبراء من المريض إلخ.

(٢) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٩ س ١٥ قال : واما إذا كان عاقلا مكلفا فأمر الطبيب بشي‌ء ، فلا يضمن الطبيب إلخ.

(٣) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٨ قال : وكذلك من انقلب في منامه على طفل فقتله الى قوله : لكنه يفديه بالدية المغلظة.

(٤) النهاية ، باب ضمان النفوس ص ٧٥٨ س ٣ قال : ومن نام فانقلب على غيره فقتله الى قوله : تلزمه الدية في ماله.

(٥) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٧ س ٢١ قال : ومن نام فانقلب على غيره فقتله يلزمه الدية في ماله الى قوله : والذي يقتضيه أصول مذهبنا ان الدية على العاقلة إلى قوله : والذي ينبغي تحصيله ان الدية على النائم نفسه.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومذهب المصنف (١) والعلّامة (٢) وفخر المحققين (٣) وجوبها على العاقلة ، لأنه أولى من خطأ معه قصد إذا النائم لا يتصوّر في حقّه قصد ، فأولى بكونه خطأ محضا تحمله العاقلة مع كونها تحمل عنه ما له قصد في نفس الفعل كالرمي الى الطائر مثلا.

(الثاني) الظئر ، وفيها ثلاثة أقوال.

(أ) وجوب الدية على العاقلة مطلقا ، وهو مذهب سلّار (٤).

(ب) وجوب الدية في مالها مطلقا ، وهو مذهب المفيد (٥).

(ج) التفصيل : وهو وجوب الدية في مالها ان طلبت بالمظائرة الفخر والعز ، وعلى العاقلة ان كان للحاجة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (٦) وتبعه ابن حمزة (٧) واختاره المصنف (٨).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ٢ ، في الديات ص ٣١٣ س ٧ قال : ولو أتلف النائم بانقلابه فالضمان على عاقلته.

(٣) الإيضاح : ج ٤ في الديات ص ٦٥٦ س ١٤ قال : والأقوى انه على عاقلته.

(٤) المراسم ، ذكر ضمان النفوس ، ص ٢٤١ س ١٢ قال : ومن ائتمن ظئر أولده فسلمته الى غيرها ، فلم يعرف له خبر فعليها الدية.

(٥) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٧ قال : وإذا نام الصبي إلى جنب الظئر فانقلبت اليه فقتلته الى قوله : كانت ضامنة لديته.

(٦) النهاية : باب ضمان النفوس ص ٧٥٧ س ١٨ قال : ومتى انقلبت الظئر على الصبي في منامها فقتلته ، فان كانت انما طلبت المظائرة للفخر والعز كان عليها الدية في مالها إلخ.

(٧) الوسيلة ، في بيان ضمان النفوس ص ٤٥٤ س ١٤ قال : وإذا سلم ولد من ظئر إلى قوله : وقد طلبت الظؤرة للفخر إلخ.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

٢٦٤

ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضمّا ، فماتت ضمن الدية ، وكذا الزوجة ، وفي النهاية : ان كانا مأمونين ، فلا ضمان ،

______________________________________________________

احتج الشيخ بما رواه عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم وهي نائمة ، فانقلبت عليه فقتلته ، فإنما عليها الدية من مالها خاصة ان كانت انما ظائرت طلب العز والفخر ، وان كانت انما ظائرت من الفقر فإن الدية على عاقلتها (١) (٢).

قال العلّامة في المختلف : وفي رجالها من لا يحضرني حاله ، فان صحت تعين العمل بها ، وان لم يصح طريقها كانت الدية على العاقلة ، لأن النائم لا قصد له ، وطلب الفخر وعدمه لا يخرج الفعل عن كونه خطأ (٣).

وهذا القول يؤذن بتوقفه في الفتوى ، وجزم في الإرشاد (٤) بالتفصيل ، وفي القواعد استقرب ضمان العاقلة (٥) وفي التحرير قال : لا وجه للتفصيل (٦) وكلامه فيه يعطي التوقف بين إيجابها على العاقلة مطلقا ، أو في مالها مطلقا كالمختلف.

قال طاب ثراه : ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضما فماتت ضمن الدية ، وكذا الزوجة ، وفي النهاية : ان كانا مأمونين فلا ضمان ، وفي الرواية ضعف.

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ، ص ٢٢٢ الحديث ٦ نقله بعد نقل حديث ٥ عن محمّد بن مسلم ، وقال : مثله.

(٢) رواه مبسوطا كما في المتن في من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١١٩ (٥٨) باب ضمان الظئر إذا انقلبت على الصبي الحديث ١.

(٣) المختلف : ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٧ س ١٨ قال : والوجه ان نقول : الى قوله : لكن في طريقها من لا يحضرني الان حاله إلخ.

(٤) الإرشاد ، المباشرة ص ٢٢٣ س ١ قال : وتضمن العاقلة ما يتلفه النائم بانقلابه ان كانت ظئرا للضرورة ، وان كانت للفخر إلخ.

(٥) القواعد : ج ٢ في الديات ص ٣١٣ س ٩ قال بعد نقل قول التفصيل : والأقرب العاقلة مطلقا.

(٦) التحرير : ج ٢ في الخطأ وشبيه العمد ص ٢٦٢ س ١٥ قال بعد نقل قول التفصيل : وعندي في هذا التفصيل نظر الى قوله فالتفصيل لا وجه له.

٢٦٥

______________________________________________________

أقول : هنا ثلاثة أقوال.

(الأول) وجوب الدية مع التهمة ، ومع عدمها لا شي‌ء ، قاله الشيخ في النهاية (١).

(الثاني) وجوب الدية مطلقا من غير تفصيل قاله المفيد (٢) وتلميذه (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥).

(الثالث) وجوب الدية مع عدم التهمة ، ومعها القصاص ان ادعى الولي العمد ، لأن التهمة لوث فيقسم معها الولي ويقتص ، قاله ابن إدريس (٦).

احتج الشيخ بما رواه في التهذيب عن يونس عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل أعنف على امرأته ، أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الأخر؟ قال : لا شي‌ء عليهما إذا كانا مأمونين ، فإن اتّهما لزمهما اليمين بالله انهما لم يريدا القتل (٧).

__________________

(١) النهاية : باب ضمان النفوس ص ٧٥٨ س ٨ قال : وإذا أعنف الرجل على امرأته إلى قوله : فان كانا متهمين ألزما الدية إلخ.

(٢) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٩ قال : والرجل إذا أعنف على امرأته فماتت كان عليه ديتها مغلظة ولم يقد بها.

(٣) المراسم ، ذكر ضمان النفوس ص ٢٤١ س ١٤ قال : وإذا اعتنق الرجل بالمرأة فماتت فعليه الدية ، وكذا لو ضمته هي فقتلته فعليها الدية.

(٤) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضما فماتت ضمن الدية إلخ.

(٥) المختلف : ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٧ س ٢٩ قال : لنا ان القتل مستند اليه فيكون مضمونا ، وعدم التهمة لا ينفي القتل وينفي العمد.

(٦) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٧ س ٢٦ قال : والاولى وجوب الدية على المعتنق منهما الى قوله : فله ان يقسم ويستحق القود.

(٧) التهذيب : ج ١٠ (١٥) باب القضاء في قتيل الزحام. ص ٢٠٩ الحديث ٣٢.

٢٦٦

ولو حمل على رأسه متاعا فكسره ، أو أصاب إنسانا ، ضمن ذلك في ماله.

______________________________________________________

واعلم ان مذهب الشيخ في التهذيب : الضمان ، لأنه قال بعد ما أورد حديث يونس : فاما ما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام والنضر وعلي بن النعمان ، عن ابن مسكان جميعا عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم انها ماتت من عنفه ، قال : الدية كاملة ، ولا يقتل الرجل (١).

لا تنافي بين الخبرين ، لان الخبر الأول انما نفي ان يكون عليهما شي‌ء من القود ، ولم ينف ان تكون عليهما الدية ، وانما تزول التهمة بأن يحلف كل واحد منهما : إنه ما أراد قتل صاحبه ، ثمَّ تلزمه الدية (٢).

وظاهر المفيد مع إسقاطه القود ، إيجاب دية العمد (٣).

قال طاب ثراه : ولو حمل على رأسه متاعا فكسره ، أو أصاب إنسانا فقتله ، ضمن ذلك في ماله.

أقول : هذا من باب تضمين الاجزاء ، ونذكر ذلك في كتاب الإجارة ، وهنا ، وفي كتاب الغصب عند ذكر أسباب الضمان.

والضابط في الصانع : إن يده على المتاع لها اعتباران.

اعتبار امانة ، وهو بالنسبة إلى تلفها ، فان تلفت عنده بتفريط ضمن ، وان كان لا بتفريط ، كما لو قهره عليها ظالم ، أو سقط عليها حائط ، ولم يكن ذلك بسببه ، لم يضمن.

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٥) باب القضاء في قتيل الزحام. ص ٢١٠ الحديث ٣٣.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٥) باب القتيل في الزحام ص ٢١٠ س ٩ قال بعد نقل رواية سليمان بن خالد : قال محمّد بن الحسن : لا تنافي بين الخبرين إلى أخره.

(٣) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٩ قال : والرجل إذا أعنف على امرأته فماتت من ذلك كان عليه ديتها مغلظة ولم يقد بها ، وإذا أعنفت هي إلى قوله : كان عليها ديته مغلظة ولم يكن عليها القود.

٢٦٧

وفي رواية السكوني : ان عليا عليه السّلام ضمن ختّانا قطع حشفة غلام ، وهي مناسبة للمذهب.

ولو وقع على إنسان من علو فقتل ، فان قصد وكان يقتل غالبا به ، قيد به ، وان لم يقصد فهو شبيه عمد يضمن الدية. وان دفعه الهواء ، أو

______________________________________________________

واعتبار تضمين : وهو ما إذا كان الخلل في العين مستندا إلى صناعة كالقصار ، والملاح ، والختان ، وحمّال المتاع إذا سقط عن رأسه ، أو زلق ، فإنه يضمنه ، كما يضمن القصار خرق الثوب ، بخلاف ما لو أخذه منه ظالم ، أو سرق من حانوتة.

ومستند الفتوى : ما رواه الشيخ في التهذيب مرفوعا الى داود بن سرحان عن أبي عبد الله في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا ، فمات ، أو انكسر منه؟ قال : هو ضامن (١).

قال طاب ثراه : وفي رواية السكوني : ان عليا عليه السّلام.

أقول : هذه رواها الشيخ في التهذيب عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني عن أبي جعفر عن أبيه ، أن عليا عليهم السّلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام (٢).

قال المصنف : (وهي مناسبة للمذهب) (٣) لموافقتها لما قررناه من القاعدة ، ولقوله عليه السّلام : من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه والّا فهو ضامن (٤) وأصلها السكوني أيضا بالطريق المذكور وقد تقدمت.

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ص ٣٣٠ الحديث ٤٢.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ص ٢٣٤ الحديث ٦١.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ص ٢٣٤ الحديث ٥٨.

٢٦٨

زلق فلا ضمان ، ولو دفعه دافع فالضمان على الدافع ، وفي النهاية : دية المقتول على المدفوع ويرجع بها على الدافع.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو دفعه دافع فالضمان على الدافع ، وفي النهاية : دية المقتول على المدفوع ويرجع بها على الدافع.

أقول : الأصل : ان الدافع هنا ملجئ للواقع ، والواقع هنا كالآلة ، فالضمان على الدافع من رأس.

وهو الذي يقتضيه أصول المذهب : ذهب اليه المفيد (١) والتقي (٢) وابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥).

وذهب الشيخ في النهاية : إلى وجوب الدية على الواقع ويرجع بها على الدافع (٦).

واستند في ذلك الى ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام : في رجل دفع رجلا على رجل فقتله : قال : الدية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول ، قال : ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه ، قال : وان أصاب المدفوع شي‌ء فهو على الدافع أيضا (٧).

__________________

(١) المقنعة باب القضاء في قتيل الزحام ص ١١٦ س ٧ قال : فان كان الأعلى سقط بإفراغ غيره كانت دية المقتول على المفرغ له.

(٢) الكافي ، الديات ص ٣٩٥ س ١٧ قال : وان كان بدفع غيره فالدية على الدافع.

(٣) السرائر باب ضمان النفوس ، ص ٤٢٧ س ٢٨ قال : وان كان يدفع غيره فالدية على الدافع.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ في الديات ص ٣١٣ س ١ قال : ولو أوقعه غيره فماتا فدية المدفوع على الدافع ، وكذا دية الأسفل.

(٦) النهاية باب ضمان النفوس ص ٧٥٨ س ١٢ قال : فان كان الذي وقع دفعه دافع كانت دية الأسفل على الذي وقع عليه.

(٧) الاستبصار ج ٤ (١٦٦) باب من زلق من فوق على غيره فقتله ص ٢٨٠ الحديث ٤.

٢٦٩

ولو ركبت جارية أخرى ، فنخستها ثالثة ، فقمصت ، فصرعت الراكبة ، فماتت ، قال في النهاية : الدية من الناخسة والقامصة نصفان ، وفي المقنعة : عليهما ثلثا الدية ويسقط الثلث لركوبها عبثا ، والأول رواية أبي جميلة ، وفيه ضعف ، وما ذكره المفيد حسن. وخرّج متأخر وجها ثالثا ، فأوجب الدية على الناخسة ان كانت ملجئة ، وعلى القامصة ان لم تكن ملجئة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو ركبت جارية أخرى ، فنخستها (١) ثالثة ، فقمصت (٢) ، فصرعت الراكبة إلى أخره.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(الأول) وجوب دية التالفة على القامصة والناخسة نصفان ، وهو قول الشيخ في النهاية (٣) وتبعه القاضي (٤).

لما رواه مرفوعا الى أبي جميلة عن سعد الإسكاف عن الأصبغ بن نباته قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في جارية ركبت جارية فنخستها جارية أخرى ، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت ، فقضى بديتها نصفين بين الناخسة والمنخوسة (٥).

__________________

(١) أصل النخيس الدفع والحركة ، وقد تكرر ذكر النخس في الحديث (النهاية لابن الأثير ج ٥ لغة نخس).

(٢) يقال : قمص الفرس وغيره ، وتقمّص قمصا ، وهو ان يرفع يديه ويطرحهما معا ، ويعجن برجليه ، يقال : هذا دابة فيها قماص بكسر القاف ، ولا تقل قماص بضم القاف (السرائر ص ٤٢٩ س ٢١).

(٣) النهاية باب الاشتراك في الجنايات ص ٧٦٣ س ٢ قال : روى الأصبغ بن نباته الى أخر الحديث ، وسيأتي عن قريب نقله في المتن.

(٤) المهذب ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٩ س ٨ قال : وإذا ركبت جارية إلى قوله : كانت الدية على الناخسة والقامصة نصفين.

(٥) التهذيب ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٤١ الحديث ١٠.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الرواية ضعيفة السند ، لضعف أبي جميلة.

(الثاني) سقوط ثلث الدية ، لركوبها عبثا ، ويجب الثلثان على الناخسة والقامصة ، وهو قول المفيد في المقنعة (١).

قال : وقضى علي عليه السّلام في جارية ركبت عنق اخرى ، فجاءت الثالثة فقرصت المركوبة ، فقمصت لذلك فوقعت الراكبة فاندق عنقها ، فالزم القارصة ثلث الدية ، والقامصة ثلثها الأخر ، وأسقط الثلث الباقي ، لركوب القامصة عبثا (٢).

واختاره المصنف (٣) والعلّامة (٤) ورواه التقي أيضا (٥) ولو كان بأجر كانت الدية نصفان على القامصة والناخسة.

(الثالث) وجوب الدية بأجمعها على الناخسة ان كانت ملجئة للمركوب الى القموص ، وان لم تكن ملجئة كانت الدية على القامصة ، ذهب اليه ابن إدريس (٦) واختاره العلّامة في الإرشاد (٧) وفخر المحققين في الإيضاح (٨) لأن فعل

__________________

(١) المقنعة : باب الاشتراك في الجنايات. ص ١١٧ س ٣٣ قال : وقضى عليه السّلام في جارية ركبت عنق أخرى إلى أخره ، وقال قبل ذلك : الحكم فيهم ما قضى به أمير المؤمنين.

(٢) المقنعة : باب الاشتراك في الجنايات. ص ١١٧ س ٣٣ قال : وقضى عليه السّلام في جارية ركبت عنق أخرى إلى أخره ، وقال قبل ذلك : الحكم فيهم ما قضى به أمير المؤمنين.

(٣) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وما ذكره المفيد حسن.

(٤) تحرير الاحكام : ج ٢ في اجتماع الموجبات ص ٢٦٧ س ٥ قال بعد نقل قول المفيد : وهو جيد.

(٥) الكافي ، الديات ص ٣٩٤ س ١٠ قال : وقضى عليه السّلام الى قوله : ولو كانت راكبة بأجر لكانت الدية على القارصة والقامصة.

(٦) السرائر : باب الاشتراك في الجنايات ص ٤٢٩ س ٢٤ قال : والذي يقتضيه الأدلة : ان ديتها جميعا على الناخسة إلخ.

(٧) الإرشاد : ج ٢ كتاب الديات ، المباشرة ، ص ٢٢٤ س ٧ قال : فالدية على الناخسة إن ألجأت ، والّا القامصة.

(٨) الإيضاح : ج ٤ فيما يوجب التشريك ص ٦٧٧ س ١٤ قال : والتفصيل ، هو اختيار ابن إدريس وهو الأقوى عندي.

٢٧١

وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة ، فوقع على أحدهم فمات ، ضمن الاخران ديته. وفي الرواية ضعف ، والأشبه : أن يضمن كل واحد ثلث الدية

______________________________________________________

المكره مستند إلى مكرهه ، فيكون توسط المكره كالآلة ، فتعلق الحكم بالمكره.

وأورد الشهيد على هذه الحجة إشكالين.

أحدهما : ان الإكراه على القتل لا يسقط الضمان.

والثاني : في إيجاب الدية ، لأن الفرض ربما كان يقتل غالبا ، فيجب القصاص (١).

والجواب عن الأول : ان الإكراه لا يتحقق في القتل حيث يكون للمكره قصد الى الفعل ، ومع الإلجاء يكون حركته كحركة النائم ، فلا فرق بينه وبين الإله ، والا لزم التكليف بما لا يطاق ، ومن هنا وجب الضمان على الدافع دون الواقع.

وعن الثاني : ان الضمان هنا من باب الأسباب لا من باب الجنايات.

ومعنى قمصت بفتح القاف وكسر الميم رفعت يديها وطرحتها لألم أصابها من القرص والنخس ، ويقال : قمص الفرس وغيره بفتح القاف والميم يقمص ، فقمص ويقمص بضم الميم وكسرها قمصا وقماصا بكسر القاف ، وهو ان يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجّر برجليه.

قال طاب ثراه : وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة ، فوقع على أحدهم فمات ، ضمن الاخران ديته ، وفي الرواية ضعف ، والأشبه أن يضمن كل واحد ثلث الدية ، ويسقط الثلث لمساعدة التالف.

__________________

(١) غاية المراد ، في شرح قول المصنف (ولو قمصت المركوبة ننخس ثالثة ، فصرعت الراكبة إلخ) قال في ص. س ١٤ : ويشكل بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان ، ثمَّ الحكم بوجوب الدية أيضا إشكال إلى أخره.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى وجوب الدية على الباقين (١).

لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر ، فوقع على واحد منهم فمات ، فضمن الباقين ديته ، لان كل واحد ضامن لصاحبه (٢).

وهو ظاهر الصدوق ، لأنه رواها في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣) وقد قرر انه لا يورد فيه الا ما يعتقد العمل به من الاخبار (٤).

وقال ابن إدريس : عليهما الثلثان ، ويسقط الثلث لمساعدته (٥) وهو مذهب أبي على حيث قال : والقوم إذا عملوا عملا واحدا ، فأصيب به بعضهم ضمن الاحياء دية الميت بعد وضع قسطه منها ، ثمَّ قال بعد ذلك : والفارسان إذا تصادما ضمن الحي دية الميت (٦).

والأقوى فيه النصف عملا بالقاعدة المقررة.

__________________

(١) النهاية : باب الاشتراك في الجنايات ص ٧٦٤ س ٦ قال : وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام إلخ. وسينقل الحديث عن قريب.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٤١ الحديث ٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (٥٦) باب ما جاء في ثلاثة اشتركوا في هدم حائط ص ١١٨ الحديث ١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ج ١ (مقدمة الكتاب) ص ٣ س ١١ قال : ولم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتى به واحكم بصحته ، واعتقد فيه : انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته إلى أخره.

(٥) السرائر : باب الاشتراك في الجنايات ص ٤٣٠ س ١٣ قال : والذي تقتضيه الأدلّة إلى قوله : ويستحق على الاثنين ثلثا الدية.

(٦) المختلف : ج ٢ في الاشتراك في الجنايات ص ٢٤٦ س ٩ قال : ابن الجنيد بما اخترناه فقال : والقوم إذا عملوا عملا واحدا إلخ.

٢٧٣

ومن اللواحق مسائل.

(الاولى) من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع اليه. ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره ، وعدم البينة ، ففي القود تردد ، أشبهه : انه لا قود وعليه الدية. ولو وجد ميتا ، ففي لزوم الدية قولان ، أشبههما : اللزوم.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع اليه ، ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وعدم البينة ، ففي القود تردد ، أشبهه : أنه لا قود وعليه الدية.

أقول : من دعا غيره من منزله وأخرجه ليلا كان ضامنا له حتى يعود اليه ، للنصوص والإجماع.

روى عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتى يرجع الى بيته (١).

وروى الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام ورجل ينادي بأبي جعفر ، وهو يطوف ، وهو يقول : يا أمير المؤمنين : ان هذين الرجلين طرقا أخي ليلا وأخرجاه من منزله فلم يرجع اليّ ، والله ما ادري ما صنعا به ، فقال لهما أبو جعفر : وما صنعتما به؟ فقالا : يا أمير المؤمنين كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان ، فوافياه من الغد صلاة العصر وحضرا به ، فقال لجعفر بن محمّد عليه السّلام ، وهو قابض على يده : يا جعفر اقض بينهم ، فقال : يا أمير المؤمنين اقض بينهم أنت ، فقال له : بحقي عليك الّا قضيت بينهم ، قال : فخرج جعفر عليه السّلام ، فطرح له

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ص ٢٢٢ الحديث ٢.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مصلى قصب فجلس عليه ثمَّ جاء الخصماء ، فجلسوا قدامه ، فقال : ما تقول : فقال : يا ابن رسول الله ان هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله ، فو الله ما رجع اليّ ، والله ما أدرى ما صنعا به ، فقال : ما تقولان؟ فقالا : يا ابن رسول الله كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال جعفر عليه السّلام : يا غلام اكتب.

بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كل من طرق رحلا بالليل فأخرجه من منزله ، فهو له ضامن الّا ان يقيم البينة انه قد رده الى منزله.

يا غلام : نحّ هذا واضرب عنقه ، فقال : يا ابن رسول الله ، والله ما قتله أنا ، ولكن أمسكته فجاء هذا فوجأه ، فقتله ، فقال : انا ابن رسول الله يا غلام نح هذا ، واضرب عنق الأخر ، فقال : يا ابن رسول الله والله ما عذبته ، ولكني قتلته بضربة واحدة ، فأمر أخاه فضرب عنقه ، ثمَّ أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ، ووقع على رأسه : يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين جلدة (١).

إذا عرفت هذا ، فنقول :

إذا ادعى غيره ، فان كان عن مواعدة من المدعو فلا ضمان ، قاله الشهيد (٢).

وان كان لا عن مواعدة ، فإن كان نهارا ، فلا ضمان أيضا ، وان كان ليلا وعاد بنفسه ، أو بمن أخرجه ، ثمَّ خرج ثانية لا بدعاء ثان ، فلا ضمان أيضا.

وان لم يعد ، فان عرف خبره حيا في بعض الأقطار ، فكذلك.

وان لم يرجع ، وفقد في غيبته ، فان لم يعرف له خبر أصلا ضمن الدية ان لم يكن بينهما عداوة ومخاصمة ، ومعها للولي القسامة ، وله قتله في دعوى العمد ، والدية في الخطأ.

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ باب ضمان النفوس ص ٢٢١ الحديث ١.

(٢) غاية المراد ، في شرح قول المصنف (ولو وجد ميتا ففي الضمان اشكال) قال في ص. س ٣ (فرع) الى قوله : نعم لا ينسحب الحكم لو دعا غيره فخرج هو ، قطعا ، لعدم تناول النص إياه.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وان عرف خبره ، فاما مقتولا ، أو ميتا ، فهنا قسمان.

(أ) المقتول : فان اعترف بقتله له ، قتل ، وان ادعى قتله على غيره واقام البينة بذلك ، فلا ضمان ، وان عدم البينة ، ما الحكم؟

قال المفيد : عليه القود ، وروى : ان عليه الدية ، وهذا أحوط (١).

وقال في النهاية ، عوض (أحوط) : (وهذا هو المعتمد) بعد ان صدّره بالقود (٢) وقال سلار وابن حمزة : وان ادعى : انه برئ من قتله لزمه الدية ، وان لم يدع البراءة من قتله كان عليه القصاص (٣) (٤).

وقال ابن إدريس : عليه الدية دون القود على الصحيح الأظهر في الأقوال والروايات (٥) واختاره المصنف (٦) والعلّامة (٧).

(ب) وجد ميتا ، فان كان هناك لوث بعداوة ومخاصمة ، كان للولي القسامة ، وثبتت الدية عند العلّامة في المختلف (٨) والقود عند ابن إدريس ان ادعوا عليه

__________________

(١) المقنعة باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٣ قال : وقد قيل : انه إذا أنكر القتل ولم تقم به بينة عليه لم يقتل به لكنه يضمن الدية ، وهذا أحوط في الحكم إنشاء الله ، وليس فيه كلمة (وروى) فلاحظ.

(٢) النهاية : باب ضمان النفوس ص ٧٥٧ س ٧ قال : وهذا (أي عليه الدية دون القود) هو المعتمد ، وقال قبيل ذلك : فان تعذر عليه ذلك (أي البينة أو الإحضار) كان عليه القود أو الدية إلخ.

(٣) المراسم ، ذكر الضمان النفوس ص ٢٤١ س ٢ قال : من اخرج غيره من بيته إلخ.

(٤) الوسيلة ، فصل في بيان ضمان النفوس ص ٤٥٤ س ١٠ قال : من دعا غيره ليلا الى قوله : لزمه القصاص في القتل إذا لم يدع البراءة.

(٥) السرائر باب ضمان النفوس ص ٤٢٧ س ١١ قال : كان عليه الدية دون القود على الأظهر من الأقوال والروايات.

(٦) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : أشبهه أنه لا قود وعليه الدية.

(٧) المختلف ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٦ س ٣٠ قال : والوجه ان نقول : الى قوله : وان انتفى الأمران كان ضامنا لديته في ماله.

(٨) المختلف ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٦ س ٣٢ قال : وان وجد ميتا الى قوله : وان كان هناك لوث أو تحفة ضمن الدية.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العمد ومع عدم اللوث ودعواه انه مات حتف انفه لا شي‌ء عليه عند ابن إدريس ، وعليه اليمين (١) واختاره العلّامة في المختلف (٢) وقال ابن حمزة : عليه الدية (٣) واختاره المصنف (٤) وأطلق التقي وجوب الدية في ماله دون عاقلته حتى يرده اليه ، أو يقيم البينة بسلامته ، أو موته حتف أنفه ، أو قتل غيره (٥).

فروع

(الأول) لا فرق بين الرجل والمرأة ، والكبير والصغير ، والحر والعبد ، لورود الرواية الأولى باللام ، وهي للعموم ، إذ هي جنسية ، والثانية بلفظ الكل (٦).

(الثاني) لا فرق بين ان يعلم سبب الدعاء ، أولا ، كالخروج الى السفر للعموم.

(الثالث) لو دعا غيره فخرج هو ، لم يضمنه ، وان ذهب معه بعد خروجه من منزله ، لعدم دخوله تحت اليد.

(الرابع) لو علم انه أمره بدعائه سقط الضمان.

[وزاد هنا في النسختين من النسخ التي عندي من المهذب ما يلي].

فإن قلت : الحر لا يضمن بالغصب ، ولا يدخل تحت اليد ، فهل هذا من باب

__________________

(١) السرائر باب ضمان النفوس ص ٤٢٧ س ١٣ قال : فادعى انه مات حتف أنفه إلى قوله : فلا دية عليه بحال إلخ وأشار الى اليمين في بحث القسامة.

(٢) المختلف ج ٢ في ضمان النفوس ص ٤٢٧ س ٣٢ قال : وان وجد ميتا من غير قتل الى قوله : فالقول قوله :

(٣) الوسيلة فصل في بيان ضمان النفوس ص ٤٥٤ س ١٢ قال : ضمن ديته في الموت.

(٤) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : ولو وجد ميتا ففي لزوم الدية قولان أشبهها اللزوم.

(٥) الكافي ، الديات ص ٣٩٢ س ١٥ قال : ومن اخرج غيره من منزله ليلا ضمن ديته من ماله الى قوله : أو يقيم البينة بسلامته أو موته حتف أنفه.

(٦) في «گل» : بلفظ كل ، وهي للعموم إجماعا.

٢٧٧

(الثانية) إذا عادت الظئر بالطفل ، فأنكره أهله ، صدقت ما لم يثبت كذبها ، فيلزمها الدية ، أو إحضاره ، أو من يحتمل انه هو.

(الثالثة) لو دخل لص فجمع متاعا ووطئ صاحبة المنزل قهرا ، فثار ولدها ، فقتله اللص ثمَّ قتلته المرأة ، ذهب دمه هدرا ، ويضمن مواليه دية الغلام ، وكان لها أربعة الاف درهم لمكابرته على فرجها ، وهي رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السّلام.

______________________________________________________

الأسباب ، أو من باب الجنايات؟

قلنا : يحتمل الأمرين ، ولكن الأول أشبه كما ذهب اليه ابن إدريس والمصنف والعلّامة حيث أوجبوا الدية دون القود (١).

والثاني : مذهب المفيد ، لأنه أوجب القود (٢).

وتظهر الفائدة في مسائل.

(أ) لو كان الداعي عبدا ، فعلى الأول يتعلق الضمان برقبته وللسيد فداه ، وعلى الثاني للولي قتله في موضع وجوب القود عن الحر.

(ب) لو كان المدعو عبدا والداعي حرا ، فعلى الأول يحتمل قويا تضمينه قيمته وان تجاوز دية الحر ، وعلى الثاني لا يتجاوز الدية قطعا.

(ج) لو كانا عبدين ، فعلى الأول يحتمل تعلق الضمان بذمته يتبع به بعد العتق ، كإتلاف المال ، ويحتمل تعلقه برقبته ، لان المضمون ادمي ، وهو أقوى ، وعلى الثاني يتعلق برقبته قطعا ، ويجب القود حيث يتوجه.

[إلى هنا ما في النسختين من النسخ التي عندي].

قال طاب ثراه : لو دخل لص فجمع متاعا ، ووطئ صاحبة المنزل إلى أخره.

__________________

(١) تقدمت ارائهم قدّس الله أسرارهم.

(٢) تقدمت ارائهم قدّس الله أسرارهم.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : روى الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن حفص ، عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها ، فلما جمع الثياب تابعته نفسه ، فكابرها على نفسها فواقعها ، فتحرك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه ، فلما فرغ حمل الثياب وذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته ، فجاء اهله يطلبون بدمه من الغد ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : اقض على هذا كما وصفت لك فقال : يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه ، دية الغلام ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة الاف درهم لمكابرتها على فرجها ، انه زان وهو في ماله غرامة ، وليس عليها في قتلها إياه شي‌ء ، لأنه سارق (١).

وقد دل هذا الحديث على أحكام.

(الأول) وجوب مهر المثل للمكرهة ، خلافا للخلاف (٢).

(الثاني) الانتقال إلى الدية في العمد عند فوات محل القصاص.

(الثالث) إيجابها على العاقلة ، وهو محمول على فقره وانه لم يترك الا ما يقوم بغرامة المهر خاصة.

(الرابع) ان قتله لم يقع قصاصا عن ابنها ، لأنه قتله دفعا عن المال ، فكان هدرا.

(الخامس) إيجاب أربعة آلاف درهم عن هذا الوطي. وهو محمول على كونها مهر مثلها.

(السادس) كون مهر المثل في هذه الصورة ، أي صورة غصب الفرج ، لا تتقدر

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (١٥) باب القضاء في قتيل الزحام ، ومن لا دية له ، ومن ليس لقاتله عاقلة ، ولا مال يؤدي عنه الدية ص ٢٠٨ الحديث ٢٨.

(٢) كتاب الخلاف ، كتاب الصداق ، مسألة ٤١ قال : فاما إذا كان مكرها لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال ولا مهر لها.

٢٧٩

وعنه في امرأة أدخلت الحجة صديقا لها ليلة نبائها ، فاقتتل هو وزوجها ، فقتله الزوج ، فقتلت المرأة الزوج ، ضمنت دية الصديق ، وقتلت بالزوج ، والوجه ان دم الصديق هدر.

______________________________________________________

بالسنّة ، فهو كالعبد المغصوب إذا قتله الغاصب ، فإنه يضمن قيمته ، وان تجاوزت.

(السابع) جواز القتل دفاعا عن المال.

ورد ابن إدريس منها وجوب الدية (١) لسقوطها عنده بفوات محل القصاص ، وفي الخلاف أسقط مهر المكرهة (٢) وأثبته في المبسوط (٣) وفي النهاية أورد الفتوى كما أوردها المصنف بلفظ الرواية (٤) (٥).

قال طاب ثراه : وعنه في امرأته أدخلت الحجلة صديقا لها ليلة بنائها إلى أخره.

أقول : الحجلة واحدة الحجال ، وهي البيوت ، ومنه قوله عليه السّلام : أعروهن يلزمن الحجال (٦).

قال المصنف : والحجلة هي الستر والخيمة التي تضرب للنساء في السفر (٧).

__________________

(١) السرائر : باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له ص ٤٢٦ س ٣٢ قال : والسارق المذكور قتل الابن عمدا فكيف يضمن مواليه دية الابن ، واما قتلها له فلا قود عليها ولا دية ، لأنه قد استحق القتل من وجهين إلخ.

(٢) تقدّم آنفا.

(٣) المبسوط : ج ٤ كتاب الصداق ص ٣١٨ س ٥ قال : وكذا ان أكره امرأة إلى قوله : وجب المهر والدية إلخ وقال في ج ٧ كتاب الديات ص ١٥٠ س ١٣ : وان كانت مكرهة فعليه الحد لأنه زان ولا حدّ عليها لأنها مكرهة ، ولها المهر إلخ.

(٤) النهاية : باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل ص ٧٥٥ س ١٦ قال : وروى عبد الله بن طلحة الى أخر الرواية.

(٥) لاحظ النافع حيث نقل الفتوى ثمَّ قال : وهي رواية عبد الله بن طلحة إلخ.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٦٢٢ الحديث ٣٤ ولاحظ ما علق عليه ، وفي السرائر ص ٤٢٦ س ٣٧ قال : ويعضد قول الجوهري الحديث المروي المشهور وهو أعروهن يلزمن الحجال.

(٧) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) : ص ٤٦٣ س ١٧ قال : والحجلة هي الستر والخيمة التي تضرب للنساء في السفر.

٢٨٠