المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

______________________________________________________

أقول : إذا سرق المواضع المسامة (١) كالحمام والرحاء والمسجد ، هل يقطع مع مراعاة المالك أم لا؟ فيه مذهبان.

(الأوّل) القطع لعموم قوله تعالى (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢) خرج ما ليس بمراعى بالإجماع على عدم القطع من غير الحرز ، ولأنّ النّبي صلّى الله عليه وآله قطع سارق رداء صفوان وكان في المسجد (٣) وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، قال : وكذا الميزان بين يدي الخبازين ، والثياب بين يدي البزازين فحرز ذلك نظره إليه ، فإن سرق من بين يديه وهو ينظر إليه ففيه القطع ، وان سها ، أو نام عنه زال الحرز وسقط القطع (٤).

(الثاني) عدمه ، لوجوه.

(أ) عدم الشروط الثلاثة المعتبرة.

(ب) رواية السكوني عن الصادق عن الباقر عن علي عليهم السّلام قال : لا يقطع الّا من نقب بيتا ، أو كسر قفلا (٥).

(ج) رواية النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام قال : كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع عليه يعني الحمامات والخانات والأرحية والمساجد (٦) وهو مذهب ابن إدريس (٧) واختاره والمصنف (٨)

__________________

(١) في «گل» : المبناية ، هكذا وهي غير ظاهرة.

(٢) المائدة : ٣٨.

(٣) الكافي : ج ٧ باب العفو عن الحدود ص ٥٢١ الحديث ٢.

(٤) المبسوط : ج ٨ في معنى الحرز ومصاديقه ص ٢٤ س ١١ قال : كالميزان بين يدي الخبازين إلخ.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٩ الحديث ٤٠.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٨ الحديث ٣٩ بتفاوت يسير بين ألفاظه.

(٧) السرائر : باب الحد في السرقة ، ص ٤٥٤ س ٣٢ قال : فاما المواضع التي يطرقها الناس الى قوله : فليس حرزا مثل الخانات والحمامات إلخ.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

١٠١

ويقطع من سرق مملوكا ، ولو كان حرا فباعه قطع لفساده ، لا حدا.

ويقطع سارق الكفن ، لان القبر حرز له.

ويشترط بلوغه النصاب ، وقيل : لا يشترط لأنه ليس حدا للسرقة ، بل لحسم الجرأة.

ولو نبش ولم يأخذ عزّر ، ولو تكرر وفات السلطان جاز قتله ردعا.

______________________________________________________

والعلّامة (١).

قال طاب ثراه : ويقطع سارق الكفن ، لان القبر حرز له. ويشترط بلوغ النصاب ، وقيل : لا يشترط لأنه ليس حدا للسرقة ، بل لحسم الجرأة.

أقول : هنا مسائل.

(الأولى) القبر ليس حرز الغير الكفن إجماعا ، فلو أخذ منه ما ترك مع الميت نسيانا أو عمدا ، من ثيابه أو غيرها مما قيمته نصاب لم يقطع لأخذه ، لعدم القفل والغلق وظهور الدفن.

(الثانية) ظاهر الصدوق : ان القبر ليس بحرز للكفن أيضا ، حيث قال : والنباش إذا كان معروفا بذلك قطع (٢) والمشهور انه حرز للكفن وادعى فخر المحققين عليه الإجماع (٣).

(الثالثة) إذا ثبت انه حرز للكفن فهل يعتبر في قطع آخذه النصاب ، أم لا؟

__________________

(١) القواعد : ج ٢ في الحدود ص ٢٦٨ س ١ قال : فلا قطع على من سرق من غير حرز كالأرحية والحمامات والمواضع المنتابة إلخ.

(٢) المقنع : باب حد السرقة ص ١٥١ س ٥ قال : وان وجد رجل ينبش قبرا فليس عليه قتل. وهكذا أيضا نقله في الجوامع الفقهية لاحظ ص ٣٧ س ٤ ولكن في المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٢ س ٢١ قال : وقال الصدوق في المقنع : الى قوله : فليس عليه القطع.

(٣) الإيضاح : ج ٤ في الإخراج من الحرز ص ٥٣٣ س ١٦ قال : والإجماع واقع على ان القبر حرز للكفن إلخ.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قيل فيه : ثلاثة أقوال.

(أ) لا يعتبر ، بل يقطع وان لم يبلغ النصاب ، حكاه فخر المحققين عن بعض الأصحاب (١) ومستنده عموم النص ، وهو اختيار ابن إدريس في أخر المسألة (٢) وللشيخ عبارة محتملة ، وحكايتها : من نبش قبر أو سلب الميت كفنه وجب عليه القطع كما يجب على السارق (٣) فمن حيث إطلاق الوجوب قد يفهم عدم الاشتراط ، ومن قوله : (كما يجب على السارق) يفهم الاشتراط ، لأنه ساواه بالسارق ، فيساويه في الشرط والحكم.

(ب) اعتباره ، فلا يقطع لو لم يبلغ النصاب ، وهو اختيار أكثر الأصحاب ، وعليه المفيد (٤) وتلميذه (٥) وابن زهرة (٦) والتقى (٧) وابن حمزة (٨) والكيدري (٩)

__________________

(١) الإيضاح : ج ٤ في الإخراج من الحرز ص ٥٣٤ س ٩ قال : والثاني عدم الاشتراط ، وهو اختيار بعض الأصحاب لعموم النص.

(٢) السرائر : باب حال المحاربين وهم قطاع الطريق والنباش ص ٤٦٢ س ٣٦ قال : والذي اعتمد عليه الى قوله : قطع النباش سواء كان قيمة الكفن ربع دينار أو أقل من ذلك.

(٣) النهاية : باب حد المحارب والنباش ص ٧٢٢ س ٩ قال : ومن نبش قبرا إلخ.

(٤) المقنعة : باب الحد في السرق ونبش القبور ص ١٢٨ س ٣٧ قال : ويقطع النباش إذا سرق من الأكفان ما قيمته ربع دينار.

(٥) المراسم : ذكر حد السرق ص ٢٥٨ س ١٨ قال : والقبر عندنا حرز ، ولهذا يقطع النباش إذا سرق النصاب.

(٦) الغنية (في الجوامع الفقهية) كتاب الحدود في حد السرقة ص ٦٢٣ س ٣٥ قال : ويقطع النباش إذا أخذ ما قيمته ربع دينار.

(٧) الكافي : الحدود فصل في السرق وحده ص ٤١٢ س ٤ قال : ويقطع النباش إذا أخذ من الأكفان ما يجب في مثله القطع.

(٨) الوسيلة : في بيان أحكام المختلس والنباش ص ٤٢٣ س ١١ قال : فإن اخرج من القبر ما قيمته نصاب قطع.

(٩) إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : كتاب الحدود ص ١٢٦ س ١٨ قال : ويقطع النباش الى قوله ما قيمته ربع دينار.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والمصنف (١) والعلّامة (٢) وفخر المحققين (٣) لأنه سارق ، فيعتبر فيه ما يعتبر في السارق.

ولما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام : ان عليا عليه السّلام قطع نباش القبر ، فقيل له : أتقطع في الموتى؟ فقال : انا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا (٤) والتشبيه يستدعي الاشتراط كما يشترط في الاحياء.

(ج) الاشتراط في المرة الأولى دون الثانية ، وهو اختيار ابن إدريس في أول المسألة (٥) لأنه في الأولى سارق ، فيعتبر فيه ما يعتبر في السارق ، لعموم الأخبار بالمساواة (٦) وفي الثانية مفسد ، فيقطع دفعا لفساده لا حدا ، وهو إطلاق الصدوق (٧).

(د) إذا نبش ولم يأخذ فالأكثر على التعزير ، وهو اختيار القاضي (٨) وابن

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٣ س ١٣ قال : والمعتمد ان نقول الى قوله : الكفن الذي قدره ربع دينار وجب عليه القطع.

(٣) الإيضاح : ج ٤ في الإخراج من الحرز ص ٥٣٣ س ١٩ قال : بعد نقل قول المختلف : وهو الأقوى عندي.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٦ الحديث ٨١.

(٥) السرائر : باب حد المحارب والنباش ص ٤٦٢ س ٩ قال : ومن نبش قبرا الى قوله : وكان قيمته ربع دينار فإنه يجب عليه القطع الى قوله بعد سطرين : فان نبش ثانية فإنه يجب القطع سواء كان قيمته ربع دينار أو أقل إلخ.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٥ الحديث ٧٤ و ٧٥ و ٧٦) الى غير ذلك.

(٧) تقدم قبل ذلك قريبا.

(٨) التهذيب : ج ٢ باب حدود المحارب والنباش ص ٥٥٤ س ٦ قال : فان نبش القبر ولم يأخذ شيئا أدّب وغلظت عقوبته ، ولم يكن عليه قطع.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

حمزة (١) والمصنف (٢) والعلّامة (٣).

وروي ان أمير المؤمنين عليه السّلام اتى بنباش فأخذ بشعره وجلد به الأرض ، ثمَّ قال : طئوا عباد الله عليه فوطئوه حتى مات (٤) والمراد المتكرر.

وروي عن منصور قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : يقطع النباش والطرار ، ولا يقطع المختلس (٥).

ومثلها روى عيسى بن صبيح (٦).

وحملها الشيخ على المعتاد ، أو انه أخذ الكفن (٧) وان كان مجرد النبش وأول مرة عزر.

لما رواه علي بن سعيد قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن النباش؟ قال : إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر (٨).

(ه) إذا تكرر النبش ولم يأخذ ، أو أخذ أقل من نصاب وظفرنا به ، جاز قتله أو قطعه ، دفعا لفساده ، لا حدا للسرقة.

__________________

(١) الوسيلة : في بيان احكام المختلس والنباش ص ٤٢٣ س ١٠ قال : فان نبش قبرا ولم يأخذ شيئا عزّر.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) القواعد : ج ٢ كتاب الحدود ص ٢٦٩ س ١٠ قال : ولو نبش ولم يأخذ عزّر.

(٤) الكافي : ج ٧ كتاب الحدود باب حد النباش ص ٢٢٩ الحديث ٣.

(٥) الكافي : ج ٧ كتاب الحدود ، باب حدّ النباش ص ٢٢٩ الحديث ٦.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٦ الحديث ٧٩.

(٧) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٨ س ٤ قال : واما ما رواه عيسى بن صبيح الى قوله : لكنا نحمله على ما حملنا عليه الخبرين الأخيرين ، وقال في ص ١١٧ بعد نقل حديث ٨٥ : قال محمّد بن الحسن الى قوله : وانما يجب عليه إذا أخذ المال.

(٨) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٧ الحديث ٨٢.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وما حدّ القدر الذي يصدق به التكرر ، ويجوز فيه قطعه أو قتله؟

قال المفيد وتلميذه : إذا فات الحاكم ثلاث مرات كان فيه بالخيار ان شاء قتله ، وان شاء قطعه ، والأمر في ذلك اليه (١) (٢) وأطلق الشيخ في النهاية التكرار (٣) وكذا القاضي (٤) وظاهر ابن إدريس بالمرتين فيقطع في الثالثة عنده وان لم يبلغ ما أخذه نصابا ، ولم يذكر القتل وقد تقدم (٥) والأكثرون على التخيير بين القتل والقطع وان لم يأخذ.

تنبيه

والمرافعة في المرة الاولى الى الوارث ، لان الكفن على حكم ملكه ، ولهذا يرجع اليه لو اكله السبع ، أو أخذه السيل خصوصا على القول باشتراط النصاب ، لأنه سرقة ، وقطع السارق موقوف على مرافعة المسروق منه ، وفي المرة الثانية المرافعة إلى الحاكم ، لأنه يقطع لفساده ، لا حدا ، كما هو مذهب ابن إدريس (٦) وهو ظاهر

__________________

(١) المقنعة : باب الحد في السرق ص ١٢٩ س ١ قال : وإذا عرف الإنسان بنبش القبور وكان قد فات السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه بالخيار إلخ.

(٢) المراسم : ذكر حد السرق ص ٢٥٨ س ١٨ قال : فإن أدمن ذلك الى قوله : فان اختار قتله قتله ، وان اختار قطعه قطعه إلخ.

(٣) النهاية : باب حد المحارب والنباش ص ٧٢٢ س ١١ قال : فان تكرر منه الفعل الى قوله : كان له قتله.

(٤) المهذب : ج ٢ باب حد المحارب والنباش ص ٥٥٤ س ٧ قال : فان تكرر الفعل منه الى قوله : كان له قتله.

(٥) السرائر : باب حد المحاربين والنباش ص ٤٦٢ س ١٢ قال : فان نبش ثانية فإنه يجب عليه القطع سواء كان قيمته ربع دينار أو أقل إلى قوله : لما تكرر عنه الفعل صار مفسدا ساعيا في الأرض فسادا ، فقطعناه لأجل ذلك لا لأجل كونه سارقا.

(٦) السرائر : باب حد المحاربين والنباش ص ٤٦٢ س ١٢ قال : فان نبش ثانية فإنه يجب عليه القطع سواء كان قيمته ربع دينار أو أقل إلى قوله : لما تكرر عنه الفعل صار مفسدا ساعيا في الأرض فسادا ، فقطعناه لأجل ذلك لا لأجل كونه سارقا.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ (١) والتقى (٢) وظاهر أكثر الأصحاب حيث أطلقوا القول بالتكرار ، وهو يصدق بالثانية.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام : في النباش إذا أخذ أول مرة عزّر ، فان عاد قطع (٣).

وفي الثالثة عند المفيد (٤) وسلار (٥) ، لأنه يقطع أو يقتل للفساد ، وهو حكم حسبي منوط بنظر الحاكم موكول الى اجتهاده.

واعلم : ان جواز قطعه أو قتله مع التكرار وفوات السلطان ، ليؤدب به ويرتدع غيره ، فمن الظفر به يجوز قطعه ، أو قتله بعد الثالثة عند المفيد (٦) وبعد الثالثة يقطع عند غيره.

واما مع قطعه أو تعزيره في كل مرة ، فيقتل مع تخلل التأديب ثلاثا في الرابعة.

قال ابن حمزة : فإن نبش قبرا ، ولم يأخذ شيئا عزّر ، أخرج الكفن الى ظاهر القبر أو لم يخرجه ، فإن اخرج من القبر ما قيمته نصابا قطع ، فان فعل ثلاث مرات وفات ، فاذا ظفر به بعد الثلاث كان الامام فيه بالخيار بين العقوبة والقطع ، وان عزر

__________________

(١) النهاية : باب حد المحارب والنباش ص ٧٢٢ س ١٢ قال : كان له قتله كي يرتدع غيره عن إيقاع مثله في مستقبل الأوقات.

(٢) الكافي : الحدود ، فصل في السرق وحده ص ٤١٢ س ٤ قال : ويقطع النباش إذا أخذ من الأكفان إلخ.

(٣) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١١٧ الحديث ٨٥.

(٤) المقنعة : باب الحد في السرق والخيانة ص ١٢٩ س ١ قال : وإذا عرف الإنسان بنبش القبور وكان قد فات السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه بالخيار.

(٥) المراسم : ذكر حد السرق ص ٢٥٨ س ١٨ قال : فإن أدمن ذلك وفات السلطان تأديبه ثلاث مرات ، فان اختار قتله إلخ.

(٦) تقدم آنفا.

١٠٧

(الثالث) يثبت الموجب بالإقرار مرتين ، أو بشهادة عدلين. ولو أقر مرة عزّر ولم يقطع.

ويشترط في المقر : التكليف ، والحرية ، والاختيار ، ولو أقر بالضرب لم يقطع ، نعم لو ردّ السرقة بعينها قطع ، وقيل : لا يقطع لتطرق الاحتمال ، وهو أشبه ، ولو أقر مرتين تحتم القطع ، ولو أنكر.

______________________________________________________

ثلاث مرات قتل في الرابعة (١) وقال القاضي : وان تكرر منه الفعل ولم يؤدّبه الامام كان له قتله ليرتدع غيره في المستقبل (٢) وعند الشيخ يعزر في الأولى إذا لم يأخذ ويقطع في الثانية ، قال : وإذا تكرر منه الفعل ثلاث مرات وأقيم عليه الحد ، فحينئذ يجب عليه القتل كما يجب على السارق (٣).

قال طاب ثراه : ولو أقر بالضرب لم يقطع ، نعم لو ردّ السرقة بعينها قطع ، وقيل : لا يقطع لتطرق الاحتمال ، وهو أشبه.

أقول : يعتبر في القطع بالإقرار ، كون المقر مختارا ، ومن أقر تحت الضرب لا يعتد بإقراره ، فلا يقطع ، وان ردّ السرقة بعينها ، قال الشيخ في النهاية : قطع (٤) واختاره العلّامة في المختلف (٥) وقال ابن إدريس : لا يقطع (٦) واختاره

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان احكام المختلف والنباش ص ٤٢٤ س ١٠ قال : فان نبش قبرا إلى أخره.

(٢) المهذب : ج ٢ باب حدود المحارب والنباش ص ٥٥٤ س ٧ قال : فان تكرر الفعل منه الى أخره.

(٣) النهاية : باب حد المحارب والنباش ص ٧٢٢ س ١٠ قال : فان نبش ولم يأخذ شيئا أدب بغليظ العقوبة إلى قوله : فان تكرر منه الفعل وفات الامام تأديبه كان له قتله إلخ والظاهر ان العبارة قاصرة عن إفادة المدعى.

(٤) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٨ س ٤ قال : فإن أقر تحت الضرب بالسرقة وردّها بعينها وجب عليه أيضا القطع.

(٥) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ١٧ قال بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس : والمعتمد ما قاله الشيخ.

(٦) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٦ س ١٩ قال : والذي يقوى عندي : انه لا يجب عليه القطع ، لأنا بينا : ان من أقر تحت ضرب لا يعتد بإقراره في وجوب القطع إلخ.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنف (١) والعلّامة في القواعد (٢) وفخر المحققين (٣).

احتج العلّامة على الأول : بأن رد العين قرينة دالّة على السرقة كدلالة قي‌ء الخمر على شربها.

وبحسنة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام : عن رجل سرق سرقة ، فكابر عليها ، فضرب فجاء بها بعينها ، هل يجب عليه القطع؟ قال : نعم ، ولكن إذا اعترف ولم يجي‌ء بالسرقة ، لم تقطع يده ، لأنه اعترف بالعذاب (٤).

وأجاب فخر المحققين : بأنها لا تدل على الإقرار مرتين ، بل ولا مرة (٥).

احتج الآخرون : بأصالة عدم القطع الا مع تيقن السبب ، والاحتياط في عصمة الدم يقتضي التوقف.

واعتبار الاختيار في الإقرار ، خصوصا في الحدود المبنية على التخفيف ، وإمكان الاحتمال في رد السرقة ، لجواز كونها عنده من غير سرقة ، بإيداع ، أو ابتياع ، أو غير ذلك.

فتحقق الشبهة بوجود الاحتمال ، وهي مسقطة للحد ، لقوله عليه السّلام : ادرؤا الحدود بالشبهات (٦).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ٢ في الحدود ، ص ٢٧٠ س ١٨ قال : ولو ضرب فرد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب إلى قوله : والأقرب المنع.

(٣) الإيضاح : ج ٤ ، فيما يثبت به السرقة ص ٥٣٨ س ٢١ قال بعد نقل ابن إدريس : وهو الأقرب عندي ثمَّ قال بعد أسطر في الجواب عن الحديث : ان هذه الرواية لا تدل على الإقرار مرتين ، بل ولأمره.

(٤) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٦ الحديث ٢٨.

(٥) الإيضاح : ج ٤ ، فيما يثبت به السرقة ص ٥٣٨ س ٢١ قال بعد نقل ابن إدريس : وهو الأقرب عندي ثمَّ قال بعد أسطر في الجواب عن الحديث : ان هذه الرواية لا تدل على الإقرار مرتين ، بل ولأمره.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٧) باب نوادر الحدود ص ٥٣ الحديث ١٢.

١٠٩

(الرابع) في الحد.

وهو قطع الأصابع الأربع من يد اليمنى ، وتترك الإبهام والراحة ، ولو سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ، ويترك العقب. ولو سرق ثلاثة حبس دائما. ولو سرق في السجن قتل ولو تكررت السرقة من غير حد كفى حد واحد. ولا يقطع اليسار مع وجود اليمنى ، بل تقطع اليمنى ولو كانت شلاء ، وكذا لو كانت اليسار شلاء. ولو لم يكن يسار قطع اليمنى. وفي الرواية : لا يقطع. وقال الشيخ في النهاية : ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى. ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس. وفي الكل تردد.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو لم يكن يسار قطع اليمنى ، وفي الرواية : لا تقطع ، وقال في النهاية : ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى ، ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، وفي الكلّ تردد.

أقول : الأصل ان السارق تقطع يده اليمنى أولا ، فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى ، فان سرق ثالثا خلد السجن ، ولو سرق في السجن قتل.

روى الصدوق عن الصادق عليه السّلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام : إذا سرق الرجل أولا قطع يمينه ، فان عاد قطع رجله اليسرى ، فان عاد ثالثة خلده السجن وأنفق عليه من بيت المال (١).

وروي انه ان سرق في السجن قتل (٢).

وعلى هذا عمل الطائفة.

والاشكال فيما إذا سرق مرة وليس عضوها المقدر لها موجودا ، وفيه أقوال.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٢) باب حدّ السرقة ص ٤٥ الحديث ١٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ (١٢) باب حدّ السرقة ص ٤٥ الحديث ١٥.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) إذا فقدت اليمين من يديه في قصاص أو غير ذلك ، لا بقطعها في سرقة ، وكانت له اليد اليسرى ، قطعت ، فان لم يكن له اليسرى أيضا قطعت رجله ، فان لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، قاله الشيخ في النهاية (١) وبه قال القاضي في الكامل (٢).

(ب) قال ابن الجنيد : وكذلك ان كانت يده اليسرى مقطوعة في قصاص ، فسرق لم يقطع يمينه ، وحبس في هذه الأحوال (٣).

لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السّلام : لئلا يبقى بلا يدين (٤).

(ج) قال الشيخ في المبسوط : إذا لم يكن له يمين قطعت رجله اليسرى (٥) وهو أحد قولي القاضي (٦).

(د) قال ابن حمزة : ان قطعت يمينه قصاصا ، قطعت يساره ، وان قطعت في

__________________

(١) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٧ س ١٣ قال : ومن سرق وليس له اليمنى الى قوله : قطعت يسراه الى قوله : لم يكن عليه أكثر من الحبس.

(٢) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ١٠ قال : وقال في الكامل : ومن كانت يده اليمنى قطعت وله اليسرى الى قوله : لم يكن عليه أكثر من الحبس.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ٨ قال : وقال ابن الجنيد : وكذلك لو كانت يده اليسرى مقطوعة إلخ.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٧٢ الحديث ١٠١ وفي التهذيب ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٨ الحديث ٣٨ ما يدل عليه.

(٥) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٣٩ س ٤ قال : وان سرق وليس له يمين الى قوله : وعندنا ينقل القطع الرجل.

(٦) المهذب : ج ٢ كتاب الحدود ص ٥٤٤ س ٩ قال : وإذا سرق وليس له يمين ، قطعت رجله اليسرى.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

السرقة قطعت رجله اليسرى (١).

(ه) قال الشيخ في المسائل الحلبية : المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع ، وجب ان يقول : الامام مخير في تأديبه وتعزيره أيّ نوع أراد فعل ، لأنه لا دليل على شي‌ء بعينه ، وان قلنا : يجب ان يحبس أبدا لانتفاء إمكان القطع ، وغيره ليس بممكن ، ولا يمكن إسقاط الحد ـ كان قويا (٢).

(و) قال ابن إدريس لما نقل كلام الشيخ في النهاية والمسائل الحلبية : الأقوى عندي ان من ذكر حاله ، لا يجوز حبسه أبدا إذا سرق أول دفعة ، بل يجب تعزيره ، لأن الحبس هو حدّ من سرق في الثالثة بعد تقدم دفعتين قد أقيم الحد فيهما مرتين ، فكيف يفعل به ما يفعل في حد الدفعة الثالثة ، في حد الدفعة الاولى (٣).

وتردد المصنف في كتابيه (٤) (٥).

وقال في النكت بعد ان اعترض على الشيخ : بان الحبس حدّ من سرق في الثالثة ، فكيف يحبس في الأولى.

الجواب : ان الشيخ رحمه الله ربما لمح ، أن السرقة جناية توجب العقوبة ، والحبس

__________________

(١) الوسيلة : في بيان السرقة وأحكامها ص ٤٢٠ س ١١ قال : ورابعها ان تكون يمينه مقطوعة ، فإن قطعت قصاصا قطعت يساره ، وان قطعت في السرقة قطعت رجله اليسرى.

(٢) لم نظفر عليه وكان عند ابن إدريس فنقل عنه ونحن ننقل عن السرائر قال في باب حد السرقة ص ٤٥٦ س ١١ قال : وقال رحمه الله في المسائل الحلبية في المسألة الخامسة : المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع ، وجب ان نقول : الامام تخير في تأديبه وتعزيره إلخ ثمَّ قال : الأقوى عندي ان من ذكر حاله لا يجوز حبسه أبدا إذا سرق أول دفعة ، لان الحبس هو حد من سرق في الثالثة إلخ.

(٣) لم نظفر عليه وكان عند ابن إدريس فنقل عنه ونحن ننقل عن السرائر قال في باب حد السرقة ص ٤٥٦ س ١١ قال : وقال رحمه الله في المسائل الحلبية في المسألة الخامسة : المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع ، وجب ان نقول : الامام تخير في تأديبه وتعزيره إلخ ثمَّ قال : الأقوى عندي ان من ذكر حاله لا يجوز حبسه أبدا إذا سرق أول دفعة ، لان الحبس هو حد من سرق في الثالثة إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع حيث قال بعد نقل قول النهاية : وفي الكل تردد.

(٥) الشرائع : كتاب الحدود ، الرابع في الحد قال بعد نقل قول النهاية : وفي الكل اشكال من حيث انه تخطّ عن موضع القطع إلخ.

١١٢

ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة ، لا بعدها. ويتخير الامام معها بعد الإقرار في الإقامة على رواية فيها ضعف ، والأشبه تحتم الحد ، ولا يضمن سراية الحد.

______________________________________________________

احد عقوبات السرقة ، فإذا فات القطع لفوات محله ، تعين الحبس ، كما لو لم يكن له يد وكان له رجل ، قطعت رجله ، ولو كان له يد لم تقطع رجله إلا في الثانية ، قال : وهذا تخريج لا يليق بمذهبنا ، فالأولى ان يقال : للإمام تأديبه بما شاء ، من تعزير أو حبس ، أو غيره ، والى هذا ذهب في المسائل الحلبية هذا آخر كلامه (١).

فرع

لو كان له يمين حين السرقة ، فتلفت قبل القطع ، سقط القطع ، واقتصر على تأديبه ، سواء تلفت بجناية ، فيكون له ديتها ، أو في قصاص ليبرء من عهدته ، أو بآفة من قبله تعالى.

قال طاب ثراه : ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة ، لا بعدها ، ويتخير الامام معها بعد الإقرار ، في الإقامة على رواية فيها ضعف ، والأشبه تحتم الحد.

أقول : إذا تاب السارق بعد الإقرار الموجب للحد ، هل يتخير الامام هنا في إقامة الحد عليه ، وإسقاطه عنه؟ قال الشيخ في النهاية : نعم (٢) واختاره العلّامة في المختلف (٣) ومنعه ابن إدريس وأوجب إقامة الحد لاشتمال إسقاطه على تعطيل

__________________

(١) كتاب الحدود من نكت النهاية (في ضمن الجوامع الفقهية) : باب السرقة ص ٤٥٥ س ٣٥ قال : قوله : ومن سرق وليس له اليمنى الى قوله : الجواب : ان الشيخ رحمه الله ربما لمح إلخ.

(٢) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٨ س ١١ قال : فان كان قد أقر على نفسه ثمَّ تاب ، جاز للإمام العفو عنه إلخ.

(٣) المختلف ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٠ س ٢ قال : والمعتمد الأول ، أي قول الشيخ في النهاية.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حدود الله (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة في القواعد (٣) وقال التقى : يتخير الإمام خاصة ، ولا خيار لغيره (٤).

احتج الأولون : بما رواه البرقي عن بعض أصحابه ، عن بعض الصادقين عليهم السّلام قال : جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ بالسرقة ، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : أتقرأ شيئا من كتاب الله تعالى؟ قال : نعم سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، فقال الأشعث : أتعطل حدا من حدود الله تعالى؟ قال : وما يدريك ما هذا؟! إذا قامت البينة ، فليس للإمام ان يعفو ، وإذا أقر الرجل على نفسه فذلك الى الامام ان شاء عفا وان شاء قطع (٥).

تذنيب

لو رجع بعد إقراره مرتين ، قال في النهاية والخلاف سقط القطع (٦) (٧) وبه قال

__________________

(١) السرائر : باب الحد في السرقة ص ٤٥٦ س ٢٥ قال : فان كان قد أقر على نفسه مرتين عند الحاكم ثمَّ تاب بعد الإقرار وجب عليه القطع إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والأشبه تحتم القطع.

(٣) القواعد : ج ٢ ، فيما يثبت به السرقة ص ٢٧٠ س ٢١ قال : ولو تاب بعد الإقرار إلى قوله : لم يسقط الحد.

(٤) الكافي : فصل في السرق وحده ص ٤١٢ س ١١ قال : وان تاب بعد ما رفع إليه ، فالإمام خاصة مخير إلخ.

(٥) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢٩ للحديث ١٣٣.

(٦) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٨ س ٦ قال : ومن أقر بالسرقة ثمَّ رجع عن ذلك الزم السرقة وسقط عنه القطع.

(٧) كتاب الخلاف : كتاب السرقة ، مسألة ٤١ قال : إذا ثبت القطع باعترافه ثمَّ رجع عنه ، سقط برجوعه.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التقى (١) والقاضي (٢) واختاره العلّامة في المختلف (٣) وفخر المحققين في الإيضاح (٤).

وقال في المبسوط : لا يسقط (٥) واختاره ابن إدريس (٦) وجزم به المصنف والعلّامة في الشرائع (٧) والقواعد (٨).

احتج الأولون بوجوه :

(أ) أصالة براءة الذمة.

(ب) ان رجوعه توبة منه وندامة ، فيسقط الحد.

(ج) رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين ، فان رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم

__________________

(١) الكافي : فصل في السرق وحدّه ص ٤١٢ س ٣ قال : وإذا رجع المقر بالسرق عن إقراره ، اغرم ما أقر به ولم يقطع.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الحدود ص ٥٤٤ س ٢٠ قال : وإذا أقر بالسرقة مختاراً ورجع عن ذلك سقط عنه القطع.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ٣٠ قال بعد نقل كلام النهاية : والوجه ما قاله الشيخ.

(٤) الإيضاح : ج ٤ فيما يثبت به السرقة ص ٥٣٩ س ٢٠ قال : واختار في المختلف مذهب الشيخ في النهاية ، وهو الأقوى عندي.

(٥) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٤٠ س ٥ قال : ومتى رجع من اعترافه الى قوله : الا ابن أبي ليلى فإنه قال : لا يسقط برجوعه وهو الذي يقتضيه مذهبنا وحمله على الزنا قياس لا نقول به.

(٦) السرائر : باب الحد في السرقة ، ص ٤٥٦ س ٢١ قال : ومن أقر بالسرقة مختاراً ثمَّ رجع عن ذلك قطع والزم السرقة إلخ.

(٧) الشرائع : ج ٤ في حد السرقة الثالث : ما به يثبت قال : ولو أقر مرتين ورجع لم يسقط الحد وتحتمت الإقامة ولزمه الغرم.

(٨) القواعد : ج ٢ ، فيما يثبت به السرقة ص ٢٧٠ س ٢١ قال : ولو تاب بعد الإقرار مرتين ، أو رجع بعد المرتين لم يسقط الحد.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يكن شهود (١).

(د) حصول الشبهة برجوعه ، وهي مسقطة للحد ، لعموم : (ادرؤا الحدود بالشبهات) (٢).

احتج الآخرون بوجوه :

(أ) عموم قوله تعالى «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (٣) وقد ثبت كونه سارقاً لعموم قبول إقرار العاقل (٤).

(ب) وجوب المحافظة على حدود الله ، لقوله تعالى «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» (٥).

(ج) صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : إذا أقرّ الرجل على نفسه أنه سرق ، ثمَّ جحد ، فاقطعه وان رغم انفه (٦).

وحملها العلّامة على رجوعه بعد قيام البينة (٧) لأن العلة الكافية في وجوب القطع موجودة بعد جحوده ، وهو قيام البينة ، فلا عبرة برجوعه ، كما لا عبرة بإقراره ، لأنا نستوفي الحد منه بالبينة ، لا بإقراره.

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢٩ الحديث ١٣٢.

(٢) تقدم مرارا.

(٣) المائدة : ٣٨.

(٤) إشارة إلى حديث (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) لاحظ عوالي اللئالى ج ١ ص ٢٣٣ الحديث ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٥) الطلاق : ١.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٢٦ قطعة من حديث ١٢٠ والحديث عن الحلبي ومحمّد بن مسلم.

(٧) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢١٩ س ٣٣ قال بعد نقل الحديث : والجواب الحمل على ما إذا رجع عن إقراره بعد قيام البينة عليه.

١١٦

(الخامس) في اللواحق ، وفيه مسائل.

(الأولى) إذا سرق اثنان نصابا ، قال في النهاية : يقطعان ، وفي الخلاف : اشترط نصيب كل واحد نصابا.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : إذا سرق اثنان نصابا ، قال في النهاية : يقطعان ، وفي الخلاف : اشترط بلوغ (١) كل واحد نصابا.

أقول : قال الثلاثة : إذا سرق اثنان فصاعدا ما قيمته نصاب وجب القطع على الجميع ، فان انفرد كل واحد ببعضه لم يجب القطع (٢) (٣) (٤) لأنه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع ، وبه قال التقي (٥) والقاضي (٦) وابن حمزة (٧) وسلار (٨)

__________________

(١) في النسخة المطبوعة من النافع (اشترط نصيب) وفي النسخ المخطوطة التي عندي من المهذب (اشترط بلوغ) والأمر سهل.

(٢) المقنعة : باب الحد في السرق ص ١٢٨ س ٣٥ قال : وإذا اشترك نفسان في سرقة شي‌ء ، وكان قيمة الشي‌ء ربع دينار فصاعدا قطعا.

(٣) الانتصار : في الحدود ص ٢٦٤ مسألة قال : وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنه إذا اشترك نفسان في سرقة ما يبلغ النصاب قطع جميعهم إلخ.

(٤) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٨ س ٢٠ قال : وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار وجب عليهما القطع.

(٥) الكافي : فصل في السرق وحده ص ٤١١ س ١٢ قال : فان كان السراق جماعة مشتركين في السروق قطعوا جميعا بربع دينار.

(٦) المهذب : ج ٢ باب الحد في السرقة ص ٥٤٠ س ١٢ قال : وإذا اشترك ثلاثة نفر في إخراج نصاب من الحرز قطع جميعهم.

(٧) الوسيلة : فصل في بيان السرقة وأحكامها ص ٤١٩ س ١٦ قال : وان سرق اثنان معا نصابا ، قطعا.

(٨) لم نظفر عليه في المراسم ولم يتعرض له العلامة لا حظ المختلف ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٠ س ١٩.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن زهرة (١).

وقال الشيخ في الكتابين : لا يجب القطع الّا أن يبلغ نصيب كل واحد نصابا (٢) (٣). وبه قال ابن الجنيد (٤) وابن إدريس (٥) واختاره العلّامة في المختلف (٦) وتوقف المصنف (٧).

احتج الأولون : بعموم الآية (٨).

ولأن موجب الحد وهو سرقة النصاب ثابت ، وقد صدرت عن الجميع ، فيثبت عليهم الحد.

أو نقول : قد تحقق إخراج النصاب ، فخروجه اما بالجميع ، أو بواحد معين ، أو غير معين ، والثاني محال ، لاستحالة ترجيح نسبته إلى أحدهما دون الأخر ، والثالث

__________________

(١) الغنية (في الجوامع الفقهية) في حد السرقة ص ٦٢٣ س ٣٠ قال : وان كانوا مشتركين في ذلك وفي إخراجه من الحرز ، قطعوا جميعاً بربع دينار.

(٢) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٢٨ س ١٨ قال : فان بلغت حصته كل واحد نصابا قطعناهم ، وان كانت أقل فلا قطع.

(٣) كتاب الخلاف : كتاب السرقة ، مسألة ٨ قال : فبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا قطعناهم ، وان كان أقل فلا قطع.

(٤) و (٦) المختلف : ج ٢ ، في حد السرقة ص ٢٢٠ س ٢١ قال : وبه (أي بقول المبسوط) قال ابن الجنيد ، وهو المعتمد.

(٥) السرائر : في حد السارق ص ٤٥٦ س ٣٦ قال : وإذا سرق نفسان فصاعدا ربع دينار ، لا يجب عليهم القطع الى قوله بعد أسطر : والأظهر ما اخترناه ، لان هذا حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي إلخ.

(٧) لاحظ عبارة النافع حيث انه لم يحكم عليه بشي‌ء ، وفي الشرائع الخامس في اللواحق ، قال : الثانية ، إذا سرق اثنان نصابا الى قوله : فالتوقف أحوط.

(٨) المائدة : ٣٨.

١١٨

(الثانية) لو قامت الحجة بالسرقة ، ثمَّ أمسك ليقطع ، ثمَّ شهدت عليه بأخرى ، قال في النهاية : قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى ، وبه رواية ، والاولى التمسك بعصمة الدم إلّا في موضع اليقين.

(الثالثة) قطع السارق موقوف على مرافعة المسروق منه ، فلو لم يرافعه ، لم يرفعه الامام ، ولو رافعه لم يسقط الحد ، ولو وهبه قطع.

______________________________________________________

محال أيضا لاستحالة استناد المعين الى المطلق ، لان المطلق لا وجود له في الخارج ، فتعين الأول ، وهو استناده الى الجميع ، فتعين القطع عليهم كما في القود.

احتج الآخرون : بأصالة براءة الذمة من وجوب القطع الّا مع تيقن السبب ، وقد حصل الخلاف فيه ، فتتحقق الشبهة ، وهي دارئة للحد.

وبان كل واحد منهم لم يفعل الموجب ، والّا لزم استناد الفعل الواحد الى العلل الكثيرة ، وهو محال ، فالصادر عن كل واحد بعضه ، وبعض الشي‌ء ليس نفس ذلك الشي‌ء ، وإذا انتفى السبب انتفى الحكم.

قال طاب ثراه : لو قامت البينة (الحجة خ ل) بالسرقة الى آخره.

أقول: (١) إذا تكررت السرقة قبل القطع ، فيه ثلاث مسائل.

(الاولى) ان سرق ولم يقدر عليه ، وثبت ذلك عند الحاكم ، ثمَّ سرق ثانية ، فهل يقطع بالأولى أو الثانية؟ فيه ثلاثة أقوال :

(أ) قطعه بالأخيرة ، قاله الشيخ في النهاية (٢) واختاره المصنف في الشرائع (٣).

__________________

(١) في هامش بعض النسخ المخطوطة بعد قوله : أقول : ما لفظه (إذا سرق فلم يقدر عليه ثمَّ سرق ثانية ، فأخذ وأقامت عليه البينة بالسرقتين معا ، أو أمسك حتى يقطع ثمَّ يشهد عليه بالأخرى ، فهنا فصلان ، الأول ان يشهد بالسرقتين (كذا في نسخة المقابل بها).

(٢) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٩ س ١٢ قال : وإذا سرق السارق فلم يقدر عليه ، ثمَّ سرق ثانية إلى قوله : بالسرقة الأخيرة.

(٣) الشرائع : ج ٤ في حد السرقة ، في اللواحق ، الثالثة قال : لو سرق ولم يقدر عليه ، ثمَّ سرق ثانية ، قطع بالأخيرة.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) قطعه بالأولى ، قاله الصدوق (١) والتقى (٢) واختاره العلامة في القواعد (٣) والتحرير (٤).

(ج) قطعه بأيّ واحدة كانت ، بحيث لو عفى الأول قطع بالثاني وبالعكس ، قاله العلّامة في المختلف (٥) وعلم من هذا التفصيل فائدة الخلاف.

(الثانية) ان يشهد البينة عليه بالسرقتين معا ، فليس عليه الّا قطع واحد إجماعا.

(الثالثة) ان يشهد عليه بعد قطعه ، وفيه قولان :

(أ) قطعه ثانيا عملا بالموجب ، قاله الشيخ في النهاية (٦) والصدوق (٧) وابن حمزة (٨).

__________________

(١) المقنع : باب حد السرقة ص ١٥٠ س ١٦ قال : فان سرق رجل فلم يقدر عليه ، ثمَّ سرق مرة أخرى إلى قوله : تقطع يده بالسرقة الأولى.

(٢) الكافي : فصل في السرق وحده ص ٤١٢ س ٧ قال : وإذا أقر بسرقات كثيرة ، أو قامت بذلك بينة ، قطع لأولها.

(٣) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثالث في الحد ص ٢٧١ س ١٢ قال : فاذا سرق ولم يقدر عليه ثمَّ سرق ثانيا ، قطع بالأولى.

(٤) التحرير : ج ٢ ، الفصل الرابع في الحد ص ٢٣٢ س ٣٤ قال : (ح) لو سرق ولم يقدر عليه ثمَّ سرق ثانية ، قطع بالأولى.

(٥) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢١ س ٤ قال : والتحقيق الى قوله : قطع بأي واحد كان بحيث لو عفى الأول قطع بالثاني وبالعكس.

(٦) النهاية : باب الحد في السرقة ص ٧١٩ س ١٥ قال : فان شهدوا عليه بالسرقة الاولى الى قوله : ثمَّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطع رجله.

(٧) المقنع : باب حد السرقة ص ١٥٠ س ١٩ قال : ولو ان الشهود شهدوا بالسرقة الاولى الى قوله : قطعت رجله اليسرى.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان السرقة ص ٤١٩ س ١٠ قال : فان شهدت عليه بسرقة واحدة إلى قوله : ثمَّ شهدت عليه بأخرى قطع ثانيا.

١٢٠