المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في المبسوط : إذا تكررت منه السرقة ، فسرق مرارا من واحد ومن جماعة ولمّا قطع ، فالقطع مرة واحدة ، لأنه حد من حدود الله فاذا ترادفت تداخلت كحد الزنا وشرب الخمر ، فاذا ثبت ان القطع واحد نظرت ، فان اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم ، قطعناه وغرم لهم ، وان سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه ، وكان نصابا غرم وقطع ، ثمَّ كل من جاء بعده من القوم ، فطالب بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه ، لأنا قد قطعناه بالسرقة ، فلا يقطع مثل ان يسرق مرة أخرى (١) واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣) وهو ظاهر التقى (٤) وأبي علي (٥).

احتج الأولون : بما رواه بكير بن أعين عن الباقر عليه السّلام في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثمَّ سرق مرة أخرى ، وأخذ ، فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الاولى ، والسرقة الأخيرة ، فقال : تقطع يده بالسرقة الاولى ، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الاولى والأخيرة قبل ان يقطع بالسرقة الاولى ، ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثمَّ أمسكوا حتى تقطع يده ، ثمَّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة ، قطعت رجله اليسرى (٦).

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب السرقة ص ٣٨ س ١١ قال : إذا تكررت منه السرقة إلى قوله : مثل ان يسرق مرة أخرى.

(٢) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والأول التمسك بعصمة الدم.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٠ س ٣٢ قال بعد نقل قول المبسوط : وهو الأقوى.

(٤) الكافي : فصل في السرق وحده ص ٤١٢ س ٧ قال : وإذا أقر بسرقات كثيره الى أخره وقد تقدم آنفا.

(٥) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٠ س ٢٥ قال : وقال ابن الجنيد : لو سرق السارق مرارا الى قوله : قطعت يمينه فقط.

(٦) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة ص ١٠٧ الحديث ٣٥.

١٢١

الفصل السادس

في المحارب

وهو كل من جرّد سلاحا في بر أو بحر ، ليلا أو نهارا لإخافة السّابلة وان لم يكن من أهلها على الأشبه ويثبت ذلك بالإقرار ولو مرة ، أو

______________________________________________________

وأسقطها العلّامة ، لكون سهل بن زياد في طريقها (١) (٢).

واستند إلى أصالة البراءة.

الفصل السادس

(في المحارب)

قال طاب ثراه : وهو كل من جرّد سلاحا في بر أو بحر ، ليلا أو نهارا لإخافة السابلة ، وان لم يكن من أهلها على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية : المحارب هو الذي يجرّد السلاح ويكون من أهل الريبة (٣) وقال المفيد : وأهل الدعارة (٤) إذا جردوا السلاح ، ثمَّ ذكر احكام المحارب (٥)

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن بكير بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السّلام).

(٢) المختلف : ج ٢ في حد السرقة ص ٢٢٠ س ٣٦ بعد نقل الحديث : والجواب : في الطريق سهل بن زياد وفيه ضعف ، فيبقى المستند أصالة البراءة.

(٣) النهاية باب حد المحارب. ص ٧٢٠ س ٣ قال : المحارب هو الذي يجرّد السلاح ويكون من أهل الريبة.

(٤) الدّعر بالتحريك الفساد والشر ، ومثله الدعارة ، ورجل داعر أي خبيث مفسد (مجمع البحرين لغة دعر) وقال في لغة (زعر) ومنه الحديث : أخالط الرجل وأرى منه زعارة ، أي شواسة خلق وشكاسة

(٥) المقنعة ، باب الحد في السرق ص ١٢٩ س ٢ قال : وأهل الزعارة إذا جردوا السلاح في دار الإسلام كان الامام مخيرا.

١٢٢

بشهادة عدلين. ولو شهد بعض اللصوص على بعض لم تقبل ، وكذا لو شهد بعض المأخوذين لبعض ، وحدّه : القتل ، أو الصلب ، أو القطع مخالفا ، أو النفي. وللأصحاب اختلاف ، قال المفيد : بالتخيير وهو الوجه ، وقال الشيخ : بالترتيب. يقتل ان قتل ، ولو عفا وليّ الدم قتل حدا.

ولو قتل وأخذ المال ، استعيد منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ، ثمَّ قتل وصلب.

وان أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي. ولو جرح ولم يأخذ المال ، اقتصّ منه ونفى ، ولو شهر السلاح ، نفي لا غير.

ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت العقوبة ، ولم تسقط حقوق

______________________________________________________

وهو المشهور في عبارات الأصحاب.

وعموم الآية (١) تدل على عدم الاشتراط ، وهو الذي اختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣) وفخر المحققين (٤).

قال طاب ثراه : وحده : القتل ، أو الصلب ، أو القطع مخالفا ، أو النفي ، وللأصحاب اختلاف ، قال المفيد : بالتخيير وهو الوجه ، وقال الشيخ : بالترتيب.

__________________

(١) قال تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) الى أخر الآية ، سورة المائدة : ٣٣.

(٢) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وهو كل من جرد سلاحا إلخ.

(٣) القواعد ج ٢ ، المقصد السابع في حد المحارب ص ٢٧١ س ٢٢ قال : الأول ، المحارب كل من أظهر السلاح وجرده لإخافة الناس الى قوله : ولا يشترط كونه من أهل الريبة على اشكال.

(٤) الإيضاح ج ٤ في حد المحارب ص ٥٤٣ س ١٧ قال : وعموم الآية يدل على عدم الاشتراط ، وهو الأقوى عندي.

١٢٣

الناس. ولو تاب بعد ذلك لم تسقط.

ويصلب المحارب حيا على القول بالتخيير ، ومقتولا على القول الآخر.

ولا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام ، وينزل ، ويغسل على القول بصلبه حيا ، ويكفن ، ويصلى عليه ، ويدفن.

وينفي المحارب عن بلده ، ويكتب بالمنع من مؤاكلته ، ومجالسته ، ومعاملته حتى يتوب ، واللّص محارب ، وللإنسان دفعه إذا غلب السلامة ، ولا ضمان على الدافع ، ويذهب دم المدفوع هدرا. وكذا لو كابر امرأة على نفسها ، أو غلاما فدفع ، فأدّى الى تلفه ، أو دخل دارا فزجره ولم يخرج ، فأدّى الزجر والدفع الى تلفه ، أو ذهاب بعض أعضاءه. ولو ظنّ العطب سلم المال. ولا يقطع المستلب ، ولا المختلس والمحتال ، ولا المبنّج ، ولا من سقى غيره مرقدا ، بل يستعاد منهم ما أخذوا ويعزرون بما يردع.

______________________________________________________

أقول : في كيفية حد المحارب مذهبان.

الأوّل : الترتيب.

والآخر التخيير ، ومعناه : ان للحاكم قتله بمجرد اشهار السلاح وان لم يقتل ، بل وان لم يأخذ المال ، وله صلبه حيّا حتى يموت ، وله قطعه ، وله نفيه ، والخيار في ذلك اليه.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو قول المفيد (١) وتلميذه (٢) وابن إدريس (٣) وبه قال المصنف (٤) والعلّامة (٥).

والترتيب المحكي في الكتاب مذهب الشيخ رحمه الله (٦) وهو مذهب القاضي (٧).

فالحاصل : ان الخلاف بين الشيخين في موضعين.

(أ) التخيير ، والترتيب : والمفيد على الأول ، والشيخ على الثاني.

(ب) الصلب بعد القتل عند الشيخ (٨) ، وقبله عند المفيد (٩) وهو لازم للأول.

__________________

(١) المقنعة باب الحد في السرقة والخيانة. والفساد في الأرضين ص ١٢٩ س ٣ قال : كان الامام مخيرا فيهم ان شاء قتلهم بالسيف ، وان شاء صلبهم حتى يموتوا ، وان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وان شاء نفاهم إلخ.

(٢) المراسم كتاب الحدود والآداب ص ٢٥١ س ٦ قال : والمجرد للسلاح في أرض الإسلام ، ان شاء الامام قتله ، وان شاء صلبه إلخ.

(٣) السرائر باب المحاربين وهم قطاع الطريق ص ٤٦٠ س ٣٥ قال بعد نقل قول المقنعة بتمامه : وهو الأظهر الأصح ، لأنه يعضده التنزيل إلخ.

(٤) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : وحده القتل إلخ.

(٥) المختلف ج ٢ في حد المحارب ص ٢٢٧ س ٥ قال بعد نقل مختار المفيد وابن إدريس : وهو الأقوى ، لنا : الاية ، فان (أو) يقتضي التخيير إلخ.

(٦) النهاية باب حد المحارب ص ٧٢٠ س ٥ قال : فمتى فعل ذلك كان محاربا ، ويجب عليه ان قتل ولم يأخذ المال ، ان يقتل إلخ.

(٧) المهذب ج ٢ باب حدود المحارب ص ٥٥٣ س ٤ قال : فان قتل ولم يأخذ مالا كان عليه القتل الى قوله : وان قتل وأخذ مالا إلخ.

(٨) النهاية باب حد المحارب ص ٧٢٠ س ١٠ قال : ثمَّ يقتل بعد ذلك ويصلب.

(٩) المقنعة باب الحد في السرق والخيانة. والفساد في الأرضين ص ١٢٩ س ٥ قال : وجب قتلهم على كل حال بالسيف والصلب حتى يموتوا إلخ.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

احتج الأولون : بالاية ، فان (أو) يقتضي التخيير.

وبحسنة جميل بن دراج عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) الى أخر الآية فقلت : أي شي‌ء عليهم من هذه الحدود التي سمى الله تعالى؟ قال : ذلك الى الامام ، ان شاء قطع ، وان شاء صلب ، وان شاء نفى ، وان شاء قتل ، قلت : النفي إلى أين؟ قال : ينفى من مصر الى مصر أخر ، وقال : ان عليا عليه السّلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (١).

احتج الشيخ بما رواه عبيد الله المدائني عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) قال : فعقد بيده ، ثمَّ قال : يا أبا عبد الله خذها أربعا بأربع ، ثمَّ قال : إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل ، قتل ، وان قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وان أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وان حارب الله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ من المال نفي من الأرض ، قال : قلت : وما حدّ نفيه؟ قال : سنة ينفى من الأرض التي فعل فيها الى غيرها ، ثمَّ يكتب الى ذلك المصر : بأنه منفي فلا تؤاكلوه ، ولا تشاربوه ، ولا تناكحوه ، حتى يخرج الى غيره ، فيكتب إليهم أيضا بمثل ذلك ، فلا يزال هذه حاله سنة ، فإذا فعل به ذلك تاب وهو صاغر (٢).

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة. والفساد في الأرضين ص ١٣٣ الحديث ١٤٥.

(٢) التهذيب ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة. والفساد في الأرضين ص ١٣١ الحديث ١٤٠.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(تحصيل)

على القول بالتفصيل : يتحتم القتل بالسيف على تقدير ان يقتل ، سواء كان المقتول مكافئا أو لا ، وسواء عفى الولي أولا ، لكن مع عدم عفوه له المطالبة ومباشرة القصاص مع اذن الامام ، ومع أخذ المال يجب القطع ، ولا يعتبر قدر النصاب ، ولا أخذه من حرز ، ولا يسقط بهبة المأخوذ قبل القدرة عليه ، لأنه حدّ ، فخرج عن قانون السرقة في أربعة أشياء.

(أ) عدم اشتراط المرافعة من المالك.

(ب) عدم سقوطه بعفوه.

(ج) عدم اشتراط النصاب.

(د) قطع يده ورجله بسرقة واحدة.

وفي القتل أيضا خرج عن باب القصاص في ثلاثة أشياء.

(أ) عدم اعتبار مطالبة الولي.

(ب) عدم اعتبار التكافؤ ، فيقتل بالعبد والذمي.

(ج) عدم سقوطه بعفوه.

فرع

هذا الحكم يثبت للنساء لعموم الآية (١).

ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام : من شهر السلاح في مصر من الأمصار ، فعقر اقتص منه (٢) ولفظة (من) من ألفاظ العموم تتناول الذكر

__________________

(١) قال تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) الآية سورة المائدة / ٣٣.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٨) باب الحد في السرقة. والفساد في الأرضين ص ١٣٢ قطعة من حديث ١٤١.

١٢٧

(الفصل السابع)

في إتيان البهائم ، ووطء الأموات وما يتبعه.

إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم كالشاة والبقرة ، حرم لحمها ولحم نسلها.

ولو اشتبهت في قطيع ، قسم نصفين ، وأقرع هكذا حتى تبقى واحدة ، فتذبح وتحرق ، ويغرم قيمتها ان لم يكن له.

ولو كان المهم ما يركب ظهرها ، لا لحمها كالبغل والحمار والدابة ، أغرم ثمنها ان لم تكن له ، وأخرجت الى غير بلده وبيعت.

وفي الصدقة بثمنها قولان : والأشبه : أنه يعاد عليه ، ويعزّر الواطى

______________________________________________________

والأنثى ، وصرح به الشيخ في كتابي الفروع (١) (٢).

خلافا لأبي علي حيث قال : الا النساء فإنهن لا يقتلن (٣) واختاره ابن إدريس لأن النساء لا تقتلن في المحاربة ، ثمَّ قال في أخر المسألة : قد بينا ان احكام المحاربين تتعلق بالرجال والنساء سواء على ما فصّلناه من العقوبات للاية ، ولم يفرق بين الرجال والنساء فوجب حملها على عمومها (٤).

قال طاب ثراه : وفي الصدقة بثمنها قولان : والأشبه : أنه يعاد عليه.

__________________

(١) الخلاف : كتاب قطاع الطريق مسألة ١٥ قال : احكام المحاربين تتعلق بالرجال والنساء سواء على ما فصلناه في العقوبات.

(٢) المبسوط : ج ٨ كتاب قطاع الطريق ص ٥٦ س ٤ قال : النساء والرجال في أحكام المحاربين سواء على ما فصلناه في العقوبة.

(٣) المختلف : ج ٢ في حد المحارب ص ٢٢٧ س ١٨ قال : وقال ابن الجنيد : وكذلك كل النساء إلّا أنهن لا يقتلن.

(٤) السرائر : في حد المحاربة ص ٤٦١ س ٦ قال : والذي يقتضيه أصول مذهبنا : ان لا يقتلن الّا بدليل قاطع ، ثمَّ قال في س ٢٧ من تلك الصفحة : وقد قلنا : ان احكام المحاربين يتعلق بالرجال والنساء سواء على ما فصلناه من العقوبات إلخ.

١٢٨

على التقديرين.

ويثبت هذا الحكم بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرتين ، ولو قيل يكفي المرة كان حسنا.

ولا يثبت بشهادة النساء ، منفردات ولا منضمات.

ولو تكرر الوطء مع التعزير ثلاثا ، قتل في الرابعة.

______________________________________________________

أقول : مختار المصنف (١) مذهب الشيخ في النهاية (٢) وابن إدريس (٣) لأصالة براءة الذمة من وجوب الصدقة ، وهو مذهب العلامة (٤).

وقال المفيد : يتصدق بها ، عقوبة على ما جناه ، ورجاء لتكفير ذنبه بالصدقة عنه (٥).

قال طاب ثراه : ويثبت بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرتين ، ولو قيل : يكفي المرة كان حسنا.

أقول : الاكتفاء بالمرة هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم نفوذ إقرار العاقل على نفسه (٦) الّا ما خصّه الدليل من الحدود أيضا ، فإن الإنسان إذا أقر مرة ثمَّ أنكر

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع حيث يقول : والأشبه أنه يعاد عليه.

(٢) النهاية باب من نحكم ميتة ، أو وطأ بهيمة ص ٧٠٩ س ١ قال : ويغرم ثمن البهيمة لصاحبها ان لم تكن له إلخ.

(٣) السرائر باب وطء الأموات والبهائم ص ٤٥١ س ٩ قال : ومن وطأ بهيمة إلى قوله : ويغرم ثمن البهيمة لصاحبها.

(٤) المختلف ج ٢ ، القول في وطأ البهيمة ص ٢١٥ س ٩ قال : بعد نقل قول الشيخ في النهاية : والوجه ما قاله الشيخ.

(٥) المقنعة باب الحد في نكاح البهائم ص ١٢٥ س ٣٢ قال : وتصدق بثمنها ولم يعط صاحبها شيئا منه عقوبة له على ما جناه إلخ.

(٦) لاحظ عوالي اللئالي.

١٢٩

ووطء الميتة كوطء الحية في الحد ، واعتبار الإحصان ، ويغلظ هنا.

ولو كانت زوجة ، فلا حدّ ويعزّر.

ولا يثبت إلّا بأربعة شهود ، وفي رواية يكفي اثنان ، لأنها شهادة على واحد.

ومن لاط بميت كمن لاط بحيّ ، ويعزر زيادة على الحدّ.

ومن استمنى بيده عزّر بما يراه الامام.

ويثبت بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرتين ، ولو قيل : يكفي المرة كان حسنا.

______________________________________________________

وجب التعزير ، وهذه الجناية توجب التعزير في الأصل ، فلا معنى لاشتراط المرتين فيها.

وقال ابن إدريس : ويثبت بالإقرار مرتين (١) وظاهره عدم الثبوت بالمرة ، هكذا فهم المصنف والعلّامة (٢) وجعلا المسألة خلافية.

فروع

(أ) يتعلق الحكم بالبهيمة الموطوءة ، ولو كان الواطئ صبيا أو مجنونا ، ولا فرق في الموطوء بين الذكر والأنثى ، ولا بين القبل والدبر ، نعم لو كان الآدمي مفعولا كالمرأة والمخنث لم يتعلق الحكم.

(ب) هل يشمل الحكم كل بهيمة؟ يحتمله قويا ، لان المراد بالبهيمة ما أبهم عن الفهم ، فتعم الطيور ، ويحتمل اختصاص الحكم بذوات الأربع ، لأنه الظاهر في الاستعمال ، وبأصالة بقاء الحل ، وبالأول قال فخر المحققين (٣) وبالثاني قال

__________________

(١) السرائر باب وطء الأموات والبهائم ص ٤٥١ س ٣٤ قال : ويثبت الفعل بذلك بإقرار الفاعل مرتين إلخ.

(٢) التحرير ج ٢ ، المقصد الثالث في وطء الأموات والبهائم ص ٢٢٦ س ٥ قال : وقال بعض علمائنا : يثبت بالإقرار مرتين.

(٣) الإيضاح : ج ٤ كتاب الأطعمة والأشربة ص ١٥١ س ١١ قال : ويحتمل العموم (أي من ذوات الأربع وغيرها) لان المحرم موجود ، وخصوصية المحل لا تمنع ، والأقوى عندي الثاني.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والده (١).

(ج) لو تلفت في إخراجها عن البلد في الطريق ، أو احتاجت إلى مئونة ، أو نفقة ، فهي من الواطئ.

(د) لو حصل لها نماء كان للغارم.

(ه) لو كان الواطئ معسرا رد الثمن اليه ، ان قلنا بانتقالها إليه بالوطء ، فلو كان مفلسا تحاص فيه الغرماء ، ويحتمل اختصاص المالك ، لأنه عوض ماله ، ولم يخرج عن ملكه باختياره. وان قلنا بعدم الانتقال ، اختص به المالك ، وان نقص كان الباقي ثابتا في ذمته. وكذا يثبت الكل لو أوجبنا التصدق بالثمن.

(و) لا يجوز قضاء هذا الدين من الزكاة ، لكونه سببا عن المعصية.

(ز) لو ردّت هذه الدابة إلى البلد بعد بيعها في غيره لم يجب إخراجها ثانيا ، وان عرفت مشهورة ، لتحقق الامتثال.

(ح) يتعدى التحريم الى النسل ، وكذا اللبن والبيض ، فلو احضنته حرم الفرخ.

ولو كان الموطوء ذكرا تعدى التحريم الى نسله ، للعموم. وكذا تحرم الصلاة في الجلد والصوف والشعر ، وهل يجوز استعماله في غير الصلاة؟ الأقوى المنع ، لوجوب الإحراق ، وهو ينافي جواز الاستعمال.

(ط) يحكم بنجاسة رجيعها.

(ى) لو جنى عليها قبل البيع ، فالأرش كالنماء ، ولو أتلفت أخذت القيمة من المتلف ، وهل يتصدق بها ، أو تعاد على الغارم؟ فيها القولان.

(يا) حد الموضع الذي يخرج اليه ، ضابطه موضع لا يعرف فيه.

__________________

(١) القواعد ج ٢ كتاب الصيد والذبائح ص ١٥٧ س ٤ قال : الثاني وطء الإنسان إلى قوله :والأقرب اختصاص الحكم بذوات الأربع دون الطيور.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

(يب) لو تلفت قبل التقويم ، وقبل حكم الحاكم عليه بتغريم الثمن عليه ، هل يجب تقويمها على الواطئ ، أو يكون تلفها من المالك؟ إشكال : ينشأ من أنّها تنتقل اليه بمجرد الوطء ، أو بدفع القيمة ، أو لا ينتقل مطلقا ، فيغرم على الأول ، دون الأخيرين. وكذا الحكم في النماء الحاصل في الوقت المفروض.

(يج) لو كانت البهيمة جاملا قبل الوطء فالأحوط سريان التحريم الى الحمل.

(يد) لو بيعت في غير البلد بأزيد ممّا اغترمه؟ فإن أوجبنا الصدقة بالثمن تصدق بالجميع ، وان قلنا بعوده على الغارم رد عليه الثمن.

وما ذا يصنع بالزيادة؟ فيه ثلاث احتمالات.

(الأول) ردّ الفاضل على المالك ، لأنها لم تخرج عن ملكه بالوطء ، وانما غرم له القيمة للحيلولة.

(الثاني) الصدقة به ، لانتقاله عن ملك المالك بأخذ العوض ، والا اجتمع له العوض والمعوض ، وهو محال ، لأنّ ملكه العوض يستدعي خروج المعوض عن ملكه ، لكونه في مقابله ، ولهذا لا يستأذن في بيعها ، ولا يباع بالوكالة عنه ، فدل ذلك على خروجها عن ملكه ، والغارم لا يملك الدابة ، لعدم وجود سبب الانتقال اليه ، وردّ ما غرم عليه لا يقتضي ملك الزيادة ، فيتعين للصدقة.

(الثالث) ردّها على الغارم ، وهو مبني على ملك الغارم بدفع القيمة ، وإذا لم يجب عليه الصدقة بثمنها فكذا الزيادة.

تذنيب

تقدير التعزير هنا منوط بنظر الحاكم ، وفي رواية خمسة وعشرون ، وفي أخرى القتل.

١٣٢

كتاب القصاص

١٣٣
١٣٤

كتاب القصاص

وهو : اما في النفس واما في الطرف. والقود : موجبه إزهاق البالغ العاقل النفس المعصومة ، المكافئة عمدا.

ويتحقق العمد بالقصد الى القتل بما يقتل ولو نادرا ، أو القتل بما يقتل غالبا وان لم يقصد القتل.

______________________________________________________

كتاب القصاص

مقدمات

الاولى : القصاص عبارة عن مقابلة الجناية بمثلها ، وقد يكون في النفس ، وقد يكون في الطرف.

والقصاص في النفس موجبه إزهاق البالغ العاقل ، النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا.

فالازهاق الإتلاف ، واحترز ب (البالغ العاقل) عن الصبي والمجنون ، فان جنايتهما توجب الدية على العاقلة ، و (النفس) احتراز عن الطرف ، و (المعصومة) احتراز عن المهدور كالمرتد والحربي ، واختر زنا ب (المكافئة) عن غيرها كالعبد بالنسبة إلى الحر ، وكذا الذمي بالنسبة إلى المسلم ، وب (العدوان) عما كان بحق

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كالحداد والقود والقصاص بمعنى ، لكن القصاص يستعمل في النفس والطرف ، ولا يستعمل القود إلّا في النفس.

والأصل فيها الكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

اما الكتاب ، فقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١) ومعناه : ان القاتل إذا علم انه يقتل إذا قتل ، كفّ عن القتل ، فلم يقتل فلا يقتل ، فصار حياة للجميع.

وفاقت هذه الكلمة الشريفة فصاحة العرب ، لأن العرب افتخروا بالفصاحة ، وأبلغ ما كان في الإيجاز مع حصول المعنى وعذوبة اللفظ ، وأفصح ما قالت العرب في هذا المعنى : (القتل أنفى للقتل) (٢) وحروف هذه الكلمة أربعة عشر حرفا ، وكلمة القران الكريمة ، أعني قوله تعالى (الْقِصاصِ حَياةٌ) عشرة أحرف ، فكانت أخصر ، وعذوبة اللفظ بينهما ما بين السماء والأرض. وأيضا : فلفظ القتل مكرر في كلمة العرب ، والتكرار ضد الفصاحة ، فامتازت الكلمة القرآنية عن الكلمة العربية بثلاثة أوجه من الفصاحة.

(أ) الاختصار.

(ب) عدم التكرار في ألفاظها.

(ج) عذوبة اللفظ.

وقوله تعالى (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ـ الى قوله تعالى ـ (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٣).

قيل : هذا اخبار عن شرع تقدم.

وأجيب : بان ذلك وان كان شرعا لمن تقدم ، فقد صار شرعا لنا بدليلين.

__________________

(١) البقرة / ١٧٩.

(٢) نقله في مجمع البيان ج ١ ص ٢٦٦ في تفسيره لآية ١٧٩ من سورة البقرة.

(٣) المائدة / ٤٥.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

١ ـ الإجماع.

٢ ـ أنه قرئ (النفس بالنفس) نصبا ، (والعين بالعين) رفعا ، فالنصب اخبار عن شرع من قبلنا ، والرفع استئناف حكم لنا. وقرئ أبو عمرو (والجروح قصاص) بالرفع (١) والمعنى ما قلناه.

وروى انس بن مالك قال : كسرت الربيع بنت مسعود ، وهي عمة انس ، ثنية جارية من الأنصار ، فطلب القوم القصاص ، فأتوا النبيّ صلّى الله عليه وآله فأمر بالقصاص ، فقال انس بن النضر عم انس بن مالك : لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا أنس في كتاب الله القصاص ، فرضي القوم وقبلوا الأرش ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ان من عباد الله من لو اقسم على الله لأبرّ قسمه (٢).

فموضع الدلالة : انه عليه السّلام قال : كتاب الله القصاص ، وليس في كتاب الله (السن بالسن) الّا هذا ، فثبت انه شرع لنا.

واما السنّة. فقوله صلّى الله عليه وآله : لو اجتمعت ربيعة ومضرا على قتل رجل مسلم ، لقدتهم به (٣).

وقال الصادق عليه السّلام : من قتل مؤمنا متعمدا ، قيد به الّا ان يرضى أولياء المقتول ان يقبلوا الدية (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ في تفسيره لاية ٤٥ من سورة المائدة قال : قرأ الكسائي (العين) وما بعده كله بالرفع الى قوله : وأبو عمرو كلها بالنصب الّا قوله (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) فإنهم قرؤا بالرفع.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٧٦ الحديث ١ والحظ ما علق عليه ، وأيضا لاحظ تلخيص الحبير ج ٤ كتاب الجراح (٢) باب ما يجب به القصاص الحديث ١٦٨٠.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٧٦ الحديث ٢.

(٤) الكافي : ج ٧ باب الدية في قتل العمد والخطأ ص ٢٨٢ قطعه من حديث ٩.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واما الإجماع : فلا تختلف الأمة فيه.

(الثانية) القتل من أعظم الكبائر ، وذلك معلوم من الكتاب والسنّة والإجماع.

اما الكتاب فقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ) (١) يعني القصاص أو شبهه.

وقال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٢).

فغلّظ فيه العقوبة بأمور.

(أ) التوعد عليه بالنار.

(ب) الخلود فيه.

(ج) الغضب من الله.

(د) اللعنة.

(ه) اعداد العذاب ، وهو دليل على غاية الاهتمام بتعذيبه ، ووصف العذاب المعدّ له بالعظيم ، وذلك يدل على تفخيم امره وتعظيم شأنه ، وكل ذلك مبالغة في عصمة الدم ، والاحتراز منه.

واما السنّة فكثير.

منها قوله صلّى الله عليه وآله : أول ما ينظر الله بين النّاس يوم القيامة الدماء (٣).

__________________

(١) الانعام / ١٥١.

(٢) النساء / ٩٣.

(٣) سنن ابن ماجه ج ٢ كتاب الديات (١) باب التغليظ في قتل مسلم ظلما ، الحديث ٢٦١٥ ولفظة أول ما يقتضي بين الناس إلخ. وسنن الترمذي ج ٤ باب الحكم في الدماء ص ١٧ الحديث ١٣٩٦ و ١٣٩٧ ولفظهما (ان أول ما يحكم) و (ان أول ما يقضي) ورواه في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٥٧٧ الحديث ٤ كما في المتن.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومرّ صلّى الله عليه وآله بقتيل ، فقال : من لهذا؟ فلم يذكر له ، فغضب ، ثمَّ قال : والذي نفسي بيده لو أشرك فيه أهل السماء والأرض لأكبّهم الله في النار (١).

وروى محمّد بن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقيل له : يا رسول الله قتيل في جهينة ، فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله يمشي حتى انتهى الى مسجدهم ، قال : وتسامع الناس فأتوه ، فقال : من قتل ذا؟ قالوا : يا رسول الله ما ندري ، فقال : قتيل من المسلمين بين ظهراني المسلمين لا يدرى من قتله ، والذي بعثني بالحق لو ان أهل السماء والأرض شركوا في دم امرء مسلم ، ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار ، أو قال : على وجوههم (٢).

وروى الصدوق في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال : من أعان على مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب : آيس من رحمة الله (٣).

وعن الباقر عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء ، فيوقف ابنا أدم فيفصل بينهما ، ثمَّ الذين يلونهما من أصحاب الدماء ، حتى لا يبقى منهم احد ، ثمَّ الناس بعد ذلك ، حتى أتى المقتول بقاتله فيتشخب دمه في وجهه ، فيقول : هذا قتلني ، فيقول : أنت قتلته ، فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا (٤).

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٧٧ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) الكافي : ج ٧ باب القتل ص ٢٧٢ الحديث ٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٦٨ الحديث ٧.

(٤) الكافي : ج ٧ باب القتل ص ٢٧١ الحديث ٢.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : يجي‌ء يوم القيامة رجل الى رجل حتى يلطخه بالدم والناس في الحساب فيقول : يا عبد الله مالي ولك!؟ ، فيقول : أعنت علي يوم كذا وكذا بكلمة فقتلت (١).

وعن الصادق عليه السّلام في رجل يقتل رجلا مؤمنا ، قال : يقال له : مت أي ميتة شئت ، أن شئت يهوديا ، وان شئت نصرانيا ، وان شئت مجوسيا (٢).

(الثالثة) قاتل العمد تقبل توبته فيما بينه وبين الله تعالى.

وقال ابن عباس : لا تقبل توبته ، لأنّ قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) (٣) نزلت بعد قوله (إِلّا مَنْ تابَ) (٤) بستة أشهر ، فلم يدخلها النسخ ، فتكون ناسخة (٥).

والمشهور قبولها ، لقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (٦) وقال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٧).

وفي الحديث من طريق العامة : ان رجلا قتل مائة رجلا ظلما ، ثمَّ سأل : هل من توبة؟ فدل على عالم ، فسأله؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكن اخرج

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٦٧ الحديث ٤.

(٢) الكافي : ج ٧ باب القتل ص ٢٧٣ الحديث ٩.

(٣) النساء / ٩٣.

(٤) الفرقان / ٧٠.

(٥) الدر المنثور : ج ٢ ص ٦٢٥ س ١ قال في تفسيره لاية ٩٣ من سورة النساء : عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول : نزلت هذه الآية ـ ومن يقتل ـ بعد قوله : ـ الّا من تاب ـ بسنة. وفي تفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٣٢ قال : (السابعة) واختلف العلماء في قاتل العمد هل له من توبة؟ ثمَّ نقل الحديث عن ابن عباس كما نقلناه ، فقال : وروي عن زيد بن ثابت نحوه ، وان أية النساء نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر ، وفي رواية بثمانية أشهر.

(٦) الشورى / ٢٥.

(٧) النساء / ٤٨.

١٤٠