المهذّب البارع - ج ٥

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في الصحاح : يقال : بنى على أهله بناء ، أي زفّها. والعامة تقول : بنى بأهله ، وهو خطأ ، وكان الأصل فيه : ان الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها فقيل لكل داخل بأهله : بان (١).

وقال : الحجلة بفتح الجيم واحدة حجال العروس ، وهي بيت تزين بالثياب ، والأسرة والستور (٢).

إذا عرفت هذا فنقول :

روى الشيخ عن محمّد بن حفص عن عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قلت : رجل تزوج امرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى صديق لها فأدخلته الحجلة ، فلما دخل الرجل يباضع أهله ، ثار الصديق واقتتلا في البيت ، فقتل الزوج الصديق ، وقامت المرأة فضربت الرجل ضربة فقتلته بالصديق؟ قال : تضمن المرأة دية الصديق ، وتقتل بالزوج (٣).

أورده الشيخ في النهاية هكذا (٤) كما أوردها المصنف حاكيا روايتها (٥).

واعترض المصنف (٦) والعلّامة (٧) فأهدرا دم الصديق لان الزوج قتله دفاعا ،

__________________

(١) الصحاح للجوهري ج ٦ ص ٢٢٨٦ س ٣ في لغة (بنا) قال : وبنى على اهله بناء ، أي زفها إلى أخره.

(٢) الصحاح للجوهري ج ٤ ص ١٦٦٧ س ٧ في لغة (حجل) قال : والحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس إلى أخره.

(٣) التهذيب ج ١٠ (١٥) باب القضاء في قتيل الزحام ومن لا دية له. ص ٢٢٠٩ الحديث ٢٩.

(٤) النهاية باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل ص ٧٥٦ س ٥ قال : وعنه قال : قلت : رجل تزوج إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع في قوله : وعنه في امرأة إلى قوله : والوجه ان دم الصديق هدر.

(٦) لاحظ عبارة النافع في قوله : وعنه في امرأة إلى قوله : والوجه ان دم الصديق هدر.

(٧) القواعد ج ٢ (الفصل الثاني التسبيب ص ٣١٤ س ١٣ قال : والأقرب سقوط دم الصديق.

٢٨١

(الرابعة) لو شرب أربعة فسكروا ، فوجد جريحان وقتيلان ، ففي رواية محمّد بن قيس : أنّ عليا عليه السّلام قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد ان أسقط جراحة المجروحين من الدية. وفي رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه السّلام انه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ، وأخذ دية المجروحين من دية المقتولين. والوجه : أنها قضية في واقعة ، وهو اعلم بما أوجب ذلك الحكم.

______________________________________________________

أو لأن الزوج قتل من يجده في داره للزنا سواء اهتم بقتله أو لم يهتم به لما تقدم من الوجوه ، فسقط القود عن الزوج لاهدار دم الداخل في منزله ، وأوجبا دية الصديق على المرأة لغرورها إياه كمن القي سابحا في البحر فالتقمه الحوت ، وقالا : هذا الحكم في واقعة لا عموم له ، فيحتمل انه عليه السّلام حكم بذلك لعلمه ما يوجب ذلك الحكم وان كان الراوي نقله من غير علم السبب المقتضي له ، فلا يعدّى.

قال طاب ثراه : لو شرب أربعة فسكروا إلى أخره.

أقول : هنا مسألتان.

(الاولى) لو شرب أربعة مسكرا ، فسكروا وتباعجوا بالسكاكين ، أو غيرها ، فمات منهم اثنان ، وجرح اثنان ، فما الحكم؟

فيه روايتان.

(إحداهما) رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم ، فرفعوا الى أمير المؤمنين عليه السّلام فسجنهم ، فمات منهم رجلان ، وبقي رجلان ، فقال أهل المقتولين : يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا ، فقال علي عليه السّلام للقوم : ما ترون؟ قالوا : نرى ان تقييدهما ، قال علي عليه السّلام : فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه؟ قالوا : لا ندري ، فقال علي عليه السّلام : بل أجعل دية المقتولين على قبائل

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الأربعة ، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين.

وذكر إسماعيل بن الحجاج بن ارطاة ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الله بن أبي الجعد قال : كنت انا رابعهم فقضى علي عليه السّلام هذه القضية فينا (١).

والأخرى : رفعها إلى عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة شربوا فسكروا ، فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان ، فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة ، وقضى دية المقتولين على المجروحين ، وأمر ان تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية ، وان مات احد المجروحين فليس على احد من أولياء المقتولين شي‌ء (٢).

وهذا الاختلاف في حكاية الواقعة توجب توقفا في الحكم.

والأصل انه حكم خاص في واقعة خاصة ، فلعله عليه السّلام اطلع في القضية على ما أوجب الحكم المذكور.

وبمضمون الثانية ـ أعني رواية محمّد بن قيس ـ افتى القاضي (٣).

والذي يقتضيه أصول المذهب : ان هذه صورة لوث ، فلولي المقتول القسامة ، ويأخذ القود ان ادعى قتل العمد ، وقلنا بثبوته على السكران ، والا الدية في تركة القاتل ، ومع عدمها على عاقلته ، وكذلك المجروحان لهما القسامة والرجوع على تركة المقتولين بأرش الجراحة ، لأن كل واحد واحد من المقتولين والمجروحين يجوز ان تكون الجناية عليه مضمونة ، ويجوز ان تكون مباحة بتقدير ان يكون غريمه قصد دفعه ، فيكون هدرا

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٤٠ الحديث ٥.

(٢) التهذيب : ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٤٠ الحديث ٦.

(٣) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ، ص ٤٩٩ س ٤ قال : وإذا شرب أربعة نفر خمرا الى قوله : لم يكن على أولياء المقتولين شي‌ء.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال ابن إدريس : يقتل القاتلان بالمقتولين ، وان اصطلح الجميع على الدية أخذت كملا من غير نقصان ، لأن في إبطال القود ابطال القرآن. واما نقصان الدية فذلك على مذهب من تخير بين القصاص وأخذ الدية ، وذلك مخالفة لمذهب أهل البيت عليهم السّلام ، لان عندهم ليس يستحق غير القصاص فحسب (١).

وهذا الكلام يعطي الحكم بكون الجارحين هما القاتلان ، فيتوجه عليهما القود ، وتسقط دية جراحاتهما ، لان موجبها القصاص ، وقد تعذر بموت الجارحين.

وفيه نظر :

أما أولا ، فلانا نمنع توجه القود على السكران.

سلمنا : لكن نمنع ضمان هذه الجناية ، لجواز ان يكون القتل وقع دفاعا ، لأنّ في الرواية (فتباعجوا بالسكاكين) فان المقتول جاز أن يكون هو البادي ، والأخر قتله دفاعا ، فيكون هدرا.

قوله : (تؤخذ الدية من غير نقصان) إلى أخره ، قلنا : ممنوع ، وقد ثبت من طريق أهل البيت عليهم السّلام ضمان الجناية بفوات محل القصاص نفسا وطرفا ، بل ربما كان في الطرف إجماعا.

وقال أبو علي : لو تجارح اثنان وقتل أحدهما قضي بالدية على الباقي ، ووضع منها أرش الجناية عليه (٢).

وفيه اشكال من وجهين.

(أ) إيجاب الدية في العمد ، وفيه ما فيه.

(ب) جواز استغراق أرش الجراحة الدية وفضله عنها ، فيقتل نفسا ، وتأخذ من

__________________

(١) السرائر باب الاشتراك في الجنايات ، ص ٤٢٩ س ٢٨ قال : والذي يقتضيه أصول مذهبنا : ان القاتلين يقتلان بالمقتولين الى قوله : ليس يستحق غير القصاص فحسب.

(٢) المختلف ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٩ س ١٤ قال : وقال ابن الجنيد : ولو تجارح اثنان إلخ.

٢٨٤

ولو كان في الفرات ستة غلمان ، فغرق واحد ، فشهد اثنان منهم على الثلاثة : أنهم غرّقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين ، ففي رواية السكوني ومحمّد بن قيس جميعا عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وعن أبي جعفر عليه السّلام : انّ عليا عليه السّلام قضى بالدية أخماسا بنسبة الشهادة ، وهي متروكة ، فإن صح النقل فهي واقعة في عين ، فلا يتعدى ، لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

______________________________________________________

تركة المقتول شيئا.

فالحاصل : ان هذا الكلام على إطلاقه يحتمل مخالفته للأصل من وجوه.

(الأول) قوله : (قضى بالدية على الباقي) والواجب القصاص ، ويحمل على طلب وليه ، فيجب اجابته على مذهبه.

(الثاني) وضع أرش جناية الجرح منها ، والجرح عمدا موجبه القصاص لكن فات محله فينتقل إلى الدية.

(الثالث) قوله : (بعد وضع أرش جراحه المقتول من الدية) على إطلاقه مشكل لجواز ان يستغرق الدية ، أو يزيد ، فيفضل ماله عما عليه ، وقد أوجب المصير إلى الدية فيقتل نفسا ويأخذ شيئا ولا امتناع فيه.

(المسألة الثانية) ضمان الغريق من الستة.

ومستند الحكم ما رواه الشيخ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : رفع الى أمير المؤمنين عليه السّلام ستة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد منهم ، فشهد ثلاثة منهم على اثنين : انهما غرّقاه ، وشهد اثنان على الثلاثة : أنهم غرّقوه ، فقضى علي عليه السّلام بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين ، وخمسين على الثلاثة (١).

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٣٩ الحديث ٣.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبمضمونها أفتى القاضي (١) وأكثر الأصحاب (٢).

وهي مع ضعف سندها ، واقعة ، فلا يجب تعديها.

والذي يقتضيه أصول المذهب : انّ الشهادة الثلاثة ان كانت سابقة على شهادة الاثنين ، مع استدعاء الولي إياها ليشهدوا عند الحاكم ، وكانوا عدولا ، قبلت شهادتهم ، ثمَّ لا تقبل شهادة الآخرين لتحقق التهمة في شهادتهما.

وان كانت الدعوى على الجميع ، أو حصلت التهمة على الجميع ، لم يقبل شهادة أحد من الخمسة ، لتحقق التهمة فيها ، ويكون ذلك لوثا ، وللولي إثبات حقه بالقسامة.

فإن قلت : قد جرت عادة الفقهاء بإيراد بعض المسائل بلفظ رواياتها ، فهل لذلك سبب؟

قلنا : لا بد من سبب ، ولعله وجوه.

(أ) انّ مضمون الرواية قد لا يكون مختار المصنف ، فيكون متوقفا في الفتوى به ، فيوردها بسندها ضبطا للفتوى.

(ب) انّ مضمون الرواية قد يكون مخالفا للأصول ، فيورد الرواية بيانا لعلة الحكم.

(ج) انّ الفتوى قد تكون معلومة من فحوى الرواية لا من منطوقها ، فلو اقتصر على إيراد الفتوى لم يدر السامع من اين نقلها ، ولم يعلم ان هذه الرواية أصلها ، فيورد الرواية ليدل على منتزع الحكم.

(د) ان ينبه على المستند ، ليعرف هل هو حجة أو غير حجة.

__________________

(١) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٩ س ١ قال : وإذا دخل ستة غلمان الماء إلخ.

(٢) لاحظ المقنعة : ص ١١٧ س ٣٥ والنهاية ص ٢٦٣ س ١٣ والكافي ص ٣٩٤ س ٥.

٢٨٦

(البحث الثاني) في التسبيب.

وضابطه : ما لولاه لما حصل التلف ، لكن علته غير السبب كحفر البئر ، ونصب السكين ، وطرح المعاثر والمزالق في الطريق ، وإلقاء الحجر ، فان كان ذلك في ملكه لم يضمن ، ولو كان في غير ملكه ، أو كان في طريق مسلوك ضمن. ومنه نصب الميازيب وهو جائز إجماعا ، وفي ضمان ما يتلف به قولان : أحدهما : لا يضمن ، وهو الأشبه ، وقال الشيخ : يضمن وهو رواية السكوني.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ومنه نصب الميازيب ، وهو جائر إجماعا ، وفي ضمان ما يتلف به قولان : أحدهما : لا يضمن ، وهو أشبه ، وقال الشيخ : يضمن وهو رواية السكوني.

أقول : نصب الميازيب في الطرق النافذة جائز إجماعا وعليه عمل الناس.

روي ان عمر مرّ بباب العباس ، فقطر من ميزاب له قطرات عليه ، فأمر عمر بقلعه ، فقال العباس : أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلّى الله عليه وآله بيده ، فقال عمر : والله لا يحمل من ينصب هذا الميزاب إلى السطح إلّا ظهري ، فركب العباس ظهر عمر ، فصعد وأصلحه (١).

وهذا إجماع ، لأن أحدا لا ينكره ، والنبيّ صلّى الله عليه وآله أيضا أجاز فعليه.

ولان هذه الأجنحة والساباط والسقائف كسقيفة بني النجار وسقيفة بني ساعدة ، لم ينقل ان أحدا اعترض فيها ، ولا أزيلت باعتراض معترض.

والتحقيق : ان احداث هذه المذكورات ان كان في مرفوع لم يجز إلّا بإذن أربابه ، ولو أحدث من دون إذنهم كان لكل واحد واحد ممن لم يأذن إزالته.

وان أحدث في نافذ ، فان أضر بالمارة كما لو أظلم به الدرب فيعثر به المار ، أو

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٢٥ الحديث ٤٠ ولاحظ ما علق عليه ، وأورده في الخلاف كتاب الديات مسألة ١١٨.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كانت السقيفة قريبة العلو بحيث لا يجوز الراكب ، جاز ازالته لآحاد الناس ، نعم لا يجب رفعه قدرا ينصب فيه الفارس رمحه ، لأن ذلك مما لا تمس الحاجة اليه ، وحينئذ لو اعترض معترض من المسلمين هل يجب إزالته؟ ، الأقرب : لا لعدم اختصاص المعارض ، وهو اختيار المصنف (١) والعلّامة (٢) وقوى في المبسوط وجوب الإزالة (٣) وقال ابن حمزة : وان نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع وأطلق (٤).

إذا عرفت هذا : فاذا سقط الميزاب في الموضع السائغ فأتلف بوقوعه نفسا أو مالا ، هل يضمن أم لا؟ (وعلى القول بالضمان هل يضمن الجمع أو النصف) (٥) قيل فيه قولان.

(أ) الضمان وهو اختيار الشيخ في الكتابين (٦) (٧) وتبعه القاضي (٨) وابن

__________________

(١) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) : ص ٤٦٥ س ٦ قال : وفي الضمان بالميازيب تردد ، وبعد نقل الإجماع من الخلاف على الضمان قال : وفيما ذكره إشكال ، فإن المفيد لا يضمن به ، وان استدل بالرواية على الضمان أمكن الجواب بان المقول رواية السكوني ولا عمل فيما يتفرد به إلخ.

(٢) الإرشاد : ج ٢ (الثاني : التسبيب) ص ٢٢٧ س ٧ قال : ولا يضمن ناصب الميزاب الى الطريق بوقوعه.

(٣) المبسوط : ج ٧ كتاب الديات ص ١٨٨ س ١٣ قال : فاما ان اعترض عليه معترض كان عليه قلعه ، وهو الأقوى عندي.

(٤) الوسيلة ، فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه إنسان أو حيوان ص ٤٢٦ س ١٤ قال : وان نصب ميزابا إلخ.

(٥) بين القوسين في بعض النسخ موجود وليس في سائر النسخ التي عندي.

(٦) المبسوط : ج ٧ كتاب الديات ص ١٨٩ س ١ قال : لو وقع على إنسان فقتله ، فالحكم فيه كخشب الجناح الى قوله : والأول هو الصحيح أي الضمان.

(٧) كتاب الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ١١٩ قال : من اخرج ميزابا الى شارع فوقع على إنسان فقتله كان ضامنا.

(٨) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٧ س ١ قال : أو إخراج ميزاب الى قوله : كان عليه ضمان ما يصيبه.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حمزة (١) والتقي (٢) واختيار العلامة في المختلف (٣).

(ب) عدم الضمان وهو اختيار الشيخ في النهاية ، وعبارته : ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له ، أو في ملك غيره من حفر بئر أو إخراج ميزاب الى ان قال : فهو له ضامن ، فإن أحدث في الطريق ماله احداثه لم يكن عليه شي‌ء (٤) وكذا المفيد حيث قال : ومن أحدث في الطريق المسلمين شيئا لحق احد منهم به ضرر كان ضامنا لجناية ذلك عليه ، فان أحدث فيه ما اباحه الله وجعله وغيره من الناس فيه سواء ، فلا ضمان عليه ، لأنه لم يتعد واجبا بذلك ، وأطلق ولم يذكر حكم الميازيب (٥) وصرّح ابن إدريس بعدم الضمان ونقله عن المفيد (٦).

(ج) ضمان النصف وهو قول الشيخ في المبسوط حيث قال : وأما الميازيب فلكل احد نصبها للخبر والإجماع ، ولأنّ فيه حاجة داعية الى ذلك الا انه لو وقع على إنسان فقتله ، فالحكم فيه كخشب الجناح سواء ، وقال في الجناح : إذا سقط يضمن النصف ، لأنه هلك عن فعل مباح ومحظور (٧).

__________________

(١) الوسيلة ، فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه إنسان ص ٤٢٦ س ١٤ قال : فان نصب ووقع على شي‌ء إلى قوله : ضمن.

(٢) الكافي ، الديات ص ٤٠١ س ٧ قال : منها ان يحدث في طريق المسلمين الى قوله : فضمن ما اثر ذلك من فساد أو تلف.

(٣) المختلف ج ٢ في ضمان النفوس ، ص ٢٤٨ س ٢٢ قال لنا انه سبب في الإتلاف فكان ضامنا.

(٤) النهاية باب ضمان النفوس ، ص ٧٦١ س ٦ قال : ومن أحدث في طريق المسلمين إلى أخر ما نقله المصنف.

(٥) المقنعة باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ٢٣ قال : ومن أحدث في طريق المسلمين إلى أخره.

(٦) السرائر باب ضمان النفوس ، ص ٤٢٨ س ٢٥ قال : فإن أحدث في الطريق مثل الميازيب الى قوله : لم يكن عليه شي‌ء ثمَّ قال : وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد قال في مقنعته ثمَّ أورد ما نقلناه عنه.

(٧) المبسوط ج ٧ فصل في وضع الحجر وميل الحائط ص ١٨٨ س ٢٤ قال : واما الموازيب إلخ.

٢٨٩

ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها ، ولم يضمن صاحب المدخول عليها. والوجه اعتبار التفريط في الأول.

______________________________________________________

ومراده بالمباح ما كان من الخشب في ملكه ، وبالمحظور ما كان في الطريق ، فعلى هذا لو انتصف الميزاب أو الجناح فسقط منه ما خرج عن الحائط ، ضمن الجميع ، وانما يضمن النصف بوقوع الداخل في الحائط من الجناح والميزاب. وقوى العلامة في القواعد هذا التفصيل (١) واختاره فخر المحققين (٢).

احتج الأولون بوجوه :

(أ) انه سبب الإتلاف ، فكان ضامنا ، واباحة السبب لا ينافيه كالطبيب والمؤدب بالسائغ شرعا.

(ب) ما رواه السكوني في الموثق عن الصادق عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من اخرج كنيفا أو ميزابا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابة ، أو حفر بئرا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن (٣) وهو نص في الباب.

احتج ابن إدريس : بأنه فعل سائغ ، فلا يتعقبه ضمان لأصالة البراءة (٤).

قال طاب ثراه : ولو هجمت دابة على الأخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها ، ولم يضمن صاحب المدخول عليها. والوجه اعتبار التفريط في الأول.

__________________

(١) القواعد : ج ٢ في اجتماع العلة والشرط ، ص ٣١٥ س ٢٠ قال : والأقرب ان الساقط ان كان بأجمعه في الهواء الى قوله : وان وقع الجميع ضمن النصف.

(٢) الإيضاح : ج ٤ في اجتماع العلة والشرط ص ٦٦٦ س ١٧ قال بعد نقل قول المصنف : وهو الأقوى عندي.

(٣) التهذيب : ج ١٠ (١٨) باب ضمان النفوس ص ٢٣٠ الحديث ٤١.

(٤) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٨ س ٢٥ قال : فإن أحدث في الطريق الى قوله : وأيضا الأصل براءة الذمة إلخ.

٢٩٠

ولو دخل دارا فعقره كلبها ضمن أهلها ان دخل بإذنهم ، والا فلا ضمان.

ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها ، وكذا القائد ، ولو وقف بها ضمن جنايتها ولو برجليها ، وكذا لو ضربها فجنت ، ولو ضربها غيره ضمن

______________________________________________________

أقول : إذا دخلت دابة على الأخرى فجنت الداخلة على المدخولة ، ضمن صاحب الداخلة ، وان جنت المدخولة على الداخلة كانت هدرا ، ذهب اليه الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي (٢).

وقال المصنف : ان كان صاحب الداخلة فرّط في احتفاظها ضمن جنايتها ، وان لم يكن فيه تفريط لم يضمن لأصالة البراءة (٣) واختاره العلّامة (٤).

احتج الشيخ بقضية علي عليه السّلام في زمن النبي صلّى الله عليه وآله ، فإنه روى انّ ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلّى الله عليه وآله ، فرفع اليه ذلك ، وهو في أناس من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر ، فقال : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة وما عليها شي‌ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم ، فقال مثل قول أبي بكر ، فقال : يا علي اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول الله ان كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وان كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم ، قال : فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده الى السماء وقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين. (٥)

__________________

(١) النهاية : باب ضمان النفوس ص ٧٦٢ س ٤ قال : وإذا هجمت دابة على دابة غيره في مأمنها إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الديات ص ٤٩٧ س ٩ قال : وإذا هجمت دابة على أخرى في موضعها إلخ.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) الإرشاد : ج ٢ ، الثاني التسبيب ص ٢٢٧ س ٢ قال : ولو جنت الداخلة ضمن صاحبها مع التفريط.

(٥) الكافي : ج ٧ باب ضمان ما يصيب الدواب ص ٣٥٢ الحديث ٦.

٢٩١

الضارب ، وكذا السائق يضمن جنايتها ، ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان ، ولو كان معها صاحبها ضمن دون الراكب ، ولو القت الراكب لم يضمن المالك الّا ان يكون بتنفيره ، ولو اركب المملوك دابته ضمن المولى ، ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو اركب المملوك دابته ضمن المولى ، ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك.

أقول : قال الشيخ في النهاية : من اركب غلاما له مملوكا فجنت الدابة جناية كان ضمانها على مولاه ، لأنه ملكه (١) وتبعه القاضي (٢) وهو قول أبي علي ، وزاد : وان ركب العبد بغير اذنه فجنى كانت جنايته في عنقه (٣).

وقال ابن إدريس : ان كان الغلام غير بالغ كان الضمان على مولاه ، لأنه فرّط بركوبه له الدابة ، وان كان بالغا عاقلا وكانت الجناية على بني آدم ، فيؤخذ المملوك ان كانت بقدر جنايته ، وان كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك ، ولا يستسعى ، ولا يلزم مولاه ذلك (٤) واستحسنه العلّامة وأوجب في إتلاف المال تبعيته به بعد العتق (٥).

__________________

(١) النهاية : باب ضمان النفوس ص ٧٦٢ س ٩ قال : ومن اركب غلاما له مملوكا دابة إلى قوله : لأنه ملكه.

(٢) المهذب : ج ٢ ، كتاب الديات ص ٤٩٧ س ٢٠ قال : وإذا أركب إنسان عبدا له دابة إلى قوله : كان ضمان ذلك على سيد العبد.

(٣) المختلف : ج ٢ في اللواحق ، ص ٢٦٦ س ١٠ قال : مسألة ، قال ابن الجنيد : إذا اركب السيد عبده الى قوله : وان ركب العبد بغير إذنه إلخ.

(٤) السرائر : باب ضمان النفوس ص ٤٢٩ س ٨ قال : ومن اركب مملوكا له الى قوله : ولا يلزم مولاة ذلك.

(٥) المختلف : ج ٢ في ضمان النفوس ص ٢٤٩ س ٩ قال بعد نقل قول ابن إدريس : وهو تفصيل حسن ، لكن في الأخير تتعلق الجناية برقبة العبد يتبع به بعد العتق.

٢٩٢

البحث الثالث في تزاحم الموجبات.

إذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر ، كالدافع مع الحافر ، والممسك مع الذابح ، ولو جهل المباشر السبب ، ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه ، فدفع غيره ثالثا ، فالضمان على الحافر على تردد.

ومن الباب واقعة الزبية : وصورتها ، وقع واحد تعلق بآخر ، والثاني بالثالث ، وجذب الثالث رابعا فاكلهم الأسد ، فيه روايتان.

______________________________________________________

احتج الشيخ بما رواه الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل حمل عبده على دابة ، فوطئت طفلا ، فقال : الغرم على مولاه (١).

ويحمل على كونه صغيرا أو مجنونا جمعا بين الأدلة.

قال طاب ثراه : ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب ، كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه ، فدفع غيره ثالثا ، فالضمان على الحافر على تردد.

أقول : وجه اختصاص الحافر بالضمان : انه فعل أول السببين ، فيحال بالضمان عليه ، ولأن المباشرة ضعفت بالغرور وقوي السبب فيحال عليه.

ويحتمل تضمين الثاني لأنه المباشر والحوالة في الضمان عليه إذا جامع السبب.

قال طاب ثراه : ومن الباب واقعة الزبية إلى أخره.

أقول : الزبية بضم الزاء ، حفيرة يحفرها الأسد في المواضع العالية غالبا ، والجمع : الزبا ، ومنه قيل : قد بلغ السيل الزبى (٢).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٤ (٥١) باب ما يجب في الدابة تصيب إنسانا ص ١١٦ الحديث ٢.

(٢) وفي حديث عثمان (رض) (اما بعد فقد بلغ السيل الزبى) الى قوله : وقيل : انما أراد الحفرة التي تحفر للسبع ، ولا تحفر إلّا في مكان عال من الأرض لئلا يبلغها السيل فتنطم. وهو مثل يضرب للأمر يتفاقم ويتجاوز الحد (النهاية لابن الأثير ج ٢ ص ٢٩٥ لغة زبا).

٢٩٣

إحداهما رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين علي عليه السّلام في الأول فريسة الأسد وأغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية.

والأخر في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السّلام : انّ عليا عليه السّلام قضى للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية تماما ، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا ، وفي سند الأخيرة إلى مسمع ضعف ، فهي ساقطة ، والأولى مشهورة ، وعليها فتوى الأصحاب.

______________________________________________________

وفي الواقعة روايتان :

(الأول) ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عاصم ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد فخرّ أحدهم فاستمسك بالثاني ، فاستمسك الثاني بالثالث ، واستمسك الثالث بالرابع ، فقضى بالأول فريسة الأسد وغرم اهله ثلث الدية لأهل الثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة (١).

وهي الرواية الأولى التي أشار إليها المصنف بكونها مشهورة وعليها فتوى الأصحاب (٢).

ولم يتأولها المتأخرون لشهرتها بين الأصحاب وعملهم عليها ، وتوجيهها ظاهر.

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٣٩ الحديث ١.

(٢) لاحظ الوسيلة : ص ٤٥٥ س ٢ والنهاية ص ٧٦٤ س ١ والمقنعة ص ١١٧ س ٣١ وغير ذلك.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الحسن : فإنّ الثلاثة قتلوا الرابع بجرّهم إياه ، فعلى كل واحد ثلث الدية ، ولم يكن على الرابع شي‌ء (١).

وأقول : فيكون معناه : انّ أولياء الأوّل يدفعون إلى أولياء الثاني ثلث الدية ، ويضيف أولياء الثاني إليه ثلثا أخر ويدفعون ذلك الى أولياء الثالث ، ويضيف أولياء الثالث اليه ثلثا أخر فتكمل به الدية فيدفعها أهل الثالث إلى أولياء الرابع.

وذكر الراوندي : أنّ لأولياء الرابع مطالبة كل من وليّ الأوّل والثاني والثالث بثلث من غير توسط احد (٢) ، واستحسنه الشهيد (٣).

(الثاني) ما رواه الشيخ عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السّلام : انّ قوما احتفروا زبية الأسد باليمين ، فوقع فيها الأسد ، فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد ، فوقع رجل فتعلق بآخر ، وتعلق الآخر بالآخر ، والآخر بالآخر ، فجرحهم الأسد ، فمنهم من مات من جراحة الأسد ، ومنهم من اخرج فمات ، فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السيوف ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : هلموا اقضي بينكم ، فقضى : ان للأول ربع الدية ، والثاني ثلث الدية ، والثالث نصف الدية ، والرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على قبائل الذين ازدحموا ، فرضي بعض القوم وسخط بعض ، فرفع ذلك الى النبي صلّى الله عليه وآله وأخبر بقضاء

__________________

(١) كشف الرموز : ج ٢ في تزاحم الموجبات ص ٦٥٠ س ١٤ قال : وقال ابن عقيل في كتابه المتمسك : الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه فعلى كل واحد ثلث الدية.

(٢) لم أظفر عليه في كتابه فقه القرآن ولا في غيره من المصادر.

(٣) غاية المراد : للشهيد قدّس سرّه في شرح قول المصنف (ولو وقع في زبية الأسد) ص. س ٢٠ قال : وعلى ما ذكراه : ينبغي ان أولياء الرابع يطالبون كلا بثلث دية بلا توسط احد كذا ذكره الراوندي ، وهو حسن.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

علي أمير المؤمنين عليه السّلام فأجازه (١).

وهذه هي الرواية الأخيرة التي ذكر انّ في طريقها ضعف ، وقد عرفته ، فسهل عامي ، وابن شمون غال ، وابن الأصم ضعيف غال وكان من كذابة أهل البصرة.

قال العلامة في التحرير : والوجه عندي : انّ على الأول للثاني دية كاملة لاستقلاله بإتلافه ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع (٢).

ونزّلها في القواعد على حفر الزبية تعديا واستناد الافتراس الى الازدحام المانع من التخلص ، فحينئذ الأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الباقي فوقه ، وهم ثلاثة ، وذلك مستند الى فعله ، فتسقط حصته من الضمان ، وهي ثلاثة أرباع السبب ، ويبقى الربع على الحافر ، والثاني مات بسبب جذب الأول ، وهو ثلث السبب ووقوع الاثنين فوقه وهو ثلثاه ، فوقوعهما فوقه من فعله ، فيسقط نصيب ذلك من الدية ويبقى له الثلث ، والثالث مات بسبب جذب الثاني ، وهو نصف السبب ، ووقوع الرابع عليه ، وهو من فعله فيسقط نصيبه ، ويجب له نصف الدية ، والرابع مات بجذب الثالث ، فله كمال الدية ، وحمل قوله عليه السّلام (وجعل ذلك) على جعل الثلث الذي وجب للثاني على عاقلة الأول ، والنصف الذي وجب للثالث على عاقلة الثاني ، والجميع الذي وجب للرابع على عاقلة الثالث ، واما الربع فعلى الحافر (٣).

وأورد الشهيد عليه إشكالين.

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ (٢٠) باب الاشتراك في الجنايات ص ٢٣٩ الحديث ٢.

(٢) التحرير ج ٢ في اجتماع الموجبات ص ٢٦٧ س ٢١ قال : والوجه عندي : ان على الأول الدية كاملة إلى قوله : وعلى الثالث دية الرابع.

(٣) القواعد ج ٢ في اجتماع المباشر والسبب ص ٣١٩ س ١٠ س ٩ قال : ووجهه ان يفرض حفر الزبية تعديا الى قوله : واما الرابع فعلى الحافر.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(الأول) انّ الجناية اما عمد أو شبيه عمد ، وكلاهما لا تضمنه العاقلة.

(الثاني) انّ قوله : (وذلك) إشارة الى جميع ما تقدم ، فلا يختص بالتعيين (١).

ويمكن الجواب عن الأول : بمنع الحصر ، اما نفي العمد فلأن كل واحد منهم لم يقصد قتل صاحبه ، ولا فعل ما قضت العادة بالتلف معه ، ولظنّه الخلاص بإمساكه وخلاصه وسلامته فرع على سلامة الممسوك ، وأمّا شبيه العمد ، فلأنه حالة الوقوع ذاهل عن كل شي‌ء سوى ما يتوهمه منجيا له مع قطع النظر عما وراء ذلك ، فلا شعور له بغيره ، ولا قصد له الى سواه ، فهو كرامي الطير.

وعن الثاني بالمنع من وجوب الإشارة إلى الجميع ، بل تجوز الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ، إذ لا يجب مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في كل حكم.

ويحتمل وجها آخر : وهو التشريك في الضمان بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب (٢) ذكره المصنف في الشرائع (٣) والعلّامة في التحرير (٤) والقواعد (٥) فيكون على الأول دية للثاني ، وعليه وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثلاثة دية الرابع ، فيكون على الأول : دية ونصف وثلث ، وعلى الثاني نصف وثلث ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير.

__________________

(١) غاية المراد في شرح قول المصنف : ولو وقع في زبية الأسد ، ص. س ٨ قال بعد نقل قول العلامة : وهذا يشكل بأن الجناية اما عمد أو شبيه إلخ.

(٢) في «گل» : الحدث.

(٣) الشرائع : ج ٤ مسائل الزبية قال : وان قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب كان على الأول دية ونصف وثلث إلخ.

(٤) التحرير : ج ٢ في اجتماع الموجبات ص ٢٦٧ س ٢٢ قال : وان شركنا بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، وعلى الأول دية للثاني وعليه إلخ.

(٥) القواعد : ج ٢ في اجتماع المباشر والسبب ص ٣١٩ س ١٨ قال : وان شركنا بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب فعلى الأول دية ونصف وثلث إلخ.

٢٩٧

(النظر الثالث) في الجناية على الأطراف ، ومقاصده ثلاثة.

(الأول) في دية الأعضاء.

وفي شعر الرأس الدية ، وكذا اللحية ، فإن نبتا فالأرش ، قال المفيد : ان لم ينبتا فمائة دينار ، وقال الشيخ في اللحية : إن نبتت ثلث الدية ، وفي الرواية ضعف ، وفي شعر رأس المرأة ديتها ، فان نبت فمهر مثلها.

______________________________________________________

فالحاصل : ان في المسألة ثلاث احتمالات.

(أ) العمل بموجب الرواية ، اما الأولى أو الثانية.

(ب) وجوب دية كل تالف على من باشر إمساكه.

(ج) التشريك في الضمان بين المباشر للإمساك والمشارك في الجذب.

هذا تحرير هذه المسألة.

النظر الثالث في الجناية على الأطراف.

قال طاب ثراه : وفي شعر الرأس الدية ، وكذا في اللحية الى آخره.

أقول : التحقيق ان أقسام الشعر خمسة.

(الأول) شعر الرأس ، ولا يخلو اما ان يذهب بالكلية ولا يعود ، أو ينبت بعد ذلك فهاهنا قسمان.

(القسم الأول) ان لا ينبت ، وفيه قولان.

(أ) الدية ، وهو مذهب الأكثر (١) ويؤيده قوله عليه السّلام : كلما في البدن منه واحد ففيه الدية (٢).

__________________

(١) لاحظ الشرائع : ج ٤ في ديات الأعضاء ، والقواعد ج ٢ ص ٣٢٣ س ٢٣ والنهاية باب ديات الأعضاء ص ٧٦٤ س ١٢ الى غير ذلك.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٦٢٨ الحديث ٤٦ ولاحظ ما علق عليه.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبه قال الشيخ في النهاية (١) والتقي (٢) والقاضي (٣) وابن حمزة (٤) وأبو علي (٥) وابن إدريس (٦) ورواه ابن بابويه في كتابه (٧) واختاره المصنف (٨) والعلّامة في الإرشاد (٩) والقواعد (١٠) والتحرير (١١).

وظاهره في المختلف التوقف ، حيث قال عقيب حكايته رواية سليمان بن خالد (١٢) : وهذه الرواية عندي حسنة يتعين العمل بها ، ولأنه واحد في الإنسان

__________________

(١) النهاية : باب ديات الأعضاء والجوارح ص ٧٦٤ س ١١ قال : من قلب على رأس إنسان ماء حارا الى قوله : كان عليه الدية كاملة.

(٢) الكافي ، الديات ص ٣٩٦ س ٩ قال : وفي ذهاب شعر الرأس أو اللحية إذا لم ينبت الدية كاملة.

(٣) المهذب : ج ٢ ، فاما الأطراف ص ٤٧٦ س ٩ قال : وإذا ذهب شعر الرأس فلم يعد كان فيه الدية كاملة وكذلك شعر اللحية.

(٤) الوسيلة : في بيان احكام الشجاج والجراح ص ٤٤٢ س ٦ قال : وتلزم دية النفس كاملة إلى قوله : وشعر رأس الرجل والمرأة.

(٥) المختلف ج ٢ في ديات الأعضاء ص ٢٤٩ س ٢٣ قال : وقال ابن الجنيد : واللحية إذا حلقت ولم تنبت ، ففيها الدية إلخ وسوق الكلام ان لا فرق بين الرأس واللحية.

(٦) السرائر باب ديات الأعضاء ص ٤٣٠ س ١٦ قال : في ذهاب شعر الرأس الدية.

(٧) من لا يحضره الفقيه ج ٤ (٤١) باب ما يجب فيمن صب على رأسه ماء حار فذهب شعره ص ١١١ الحديث ١ و ٢.

(٨) لاحظ عبارة النافع حيث قال : وفي شعر الرأس الدية.

(٩) الإرشاد ج ٢ في دية الأطراف ص ٢٣٦ س ١٠ قال : وفي شعر الرأس أو اللحية ، الدية.

(١٠) القواعد ج ٢ في دية الأطراف ، ص ٣٢٣ س ٢٣ قال : وفي شعر الرأس الدية ، إلى قوله : وفي شعر اللحية الدية.

(١١) التحرير ج ٢ ، احكام ديات الأعضاء ص ٢٧١ س ٣ في الهامش قال : (د) في شعر الرأس إذا لم ينبت الدية كاملة.

(١٢) سيجي‌ء عن قريب.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيدخل تحت حكم ما في الإنسان منه واحد ، ويمكن منع الوحدة (١).

وقال المفيد : عشر الدية مائة دينار (٢) وهو أحد قولي الصدوق (٣).

احتج الأولون بما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : رجل دخل الحمام فصب عليه (٤) ماء حار فامتعط (٥) شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبدا؟ قال : عليه الدية (٦).

ومثلها رواية علي بن حديد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قلت : الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا فيتمعط شعر رأسه ، فلا ينبت؟ فقال : عليه الدية كاملة (٧).

(ب) ان ينبت بعد ذلك ، وفيه قولان : مائة دينار قاله الصدوق (٨) والتقي (٩) ،

__________________

(١) المختلف ج ٢ في ديات الأعضاء ص ٢٤٩ س ٣٤ قال : وهذه الرواية عندي حسنة إلى قوله : ويمكن منع الوحدة.

(٢) المقنعة باب دية الأعضاء والجوارح ص ١١٩ س ٣ قال : وفي شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة دينار وفي شعر اللحية كذلك.

(٣) المقنع باب الديات ص ١٦٠ س ١ قال : ومن حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار.

(٤) في «گل» : فصبّ عليه صاحب الحمّام.

(٥) رجل امعط بيّن المعط وهو الذي لا شعر على جسده ، وقد معط الرجل معطا من باب تعب وتمعط أي تساقط من داء ونحوه (مجمع البحرين لغة معط).

(٦) التهذيب ج ١٠ (٢٢) باب ديات الأعضاء ص ٢٥٠ الحديث ٢٥.

(٧) التهذيب ج ١٠ (٢٢) باب ديات الأعضاء ص ٢٥٠ الحديث ٢٤.

(٨) المقنع باب الديات ص ١٨٨ س ٢ قال : وان نبتت فعليه ثلث الدية ، ولم أظفر على قوله : (مائة دينار).

(٩) الكافي ، الديات ، ص ٣٩٦ س ٩ قال : فان نبت ففي شعر رأس الرجل أو لحيته عشر ديته.

٣٠٠