زبدة التّفاسير - ج ٣

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٣

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-05-1
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٦

شرّ إلّا وهو مندرج في هذه الأقسام ، صادر بتوسّط إحدى هذه القوى الثلاث.

ولذلك قال ابن مسعود : هي أجمع آية في القرآن للخير والشرّ ، ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنّه تبيان لكلّ شيء وهدى ورحمة للعالمين.

ولعلّ إيرادها عقيب قوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) للتنبيه عليه.

(يَعِظُكُمْ) بالأمر والنهي ، والتمييز بين الخير والشرّ ، وسائر ما تضمّنت هذه الآية من مكارم الأخلاق (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتّعظون.

قال في الكشّاف : «حين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه أقيمت هذه الآية مقامها ، ولعمري إنّها كانت فاحشة ومنكرا وبغيا ، ضاعف الله لمن سنّها غضبا ونكالا وخزيا ، إجابة لدعوة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وعاد من عاداه ، واخذل من خذله» (١).

وجاءت الرواية أنّ عثمان بن مظعون قال : كنت أسلمت استحياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكثرة ما كان يعرض عليّ الإسلام ولم يقرّ في قلبي. وكنت ذات يوم عنده فشخص بصره نحو السماء ، كأنّه يستفهم شيئا ، فلمّا سرى عنه سألته عن حاله. فقال : نعم ، بينا أنا أحدّثك إذ رأيت جبرئيل في الهواء فأتاني بهذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ، وقرأها عليّ إلى آخرها.

فقرّ الإسلام في قلبي ، وأتيت عمّه أبا طالب فأخبرته ، فقال : يا آل قريش اتّبعوا محمّدا ترشدوا ، فإنّه لا يأمركم إلّا بمكارم الأخلاق.

وأتيت الوليد بن المغيرة وقرأت عليه هذه الآية ، فقال : إن كان محمّد قاله فنعم ما قال ، وإن قاله ربّه فنعم ما قال. قال : فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٢). يعني : قوله : فنعم ما قال. ومعنى قوله : «وأكدى» أنّه لم يقم على ما قاله وقطعه.

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٦٢٩.

(٢) النجم : ٣٣ ـ ٣٤.

٦٠١

وعن عكرمة قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة. فقال : يا ابن أخي أعد. فأعاد ، فقال : إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وما هو قول البشر.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))

ولمّا تقدّم الأمر بالعدل والإحسان ، والنهي عن المنكر والعدوان ، عقّبه سبحانه بالأمر بالوفاء بالعهد ، والنهي عن نقض الأيمان ، فقال : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) يعني : البيعة لرسول الله على الإسلام ، لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) (١).

وقيل : العهد كلّ أمر يجب الوفاء به. وهو الّذي يحسن فعله ، وعاهد الله ليفعلنّه ، فإنّه يصير واجبا عليكم ، كالنذر وشبهه.

(وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) أيمان البيعة ، أو مطلق الأيمان (بَعْدَ تَوْكِيدِها)

__________________

(١) الفتح : ١٠.

٦٠٢

توثيقها بذكر الله. ومنه : أكّد ، بقلب الواو همزة. (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) شاهدا بتلك البيعة ، فإنّ الكفيل مراع لحال المكفول به ، رقيب عليه (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من نقض الأيمان والعهود والوفاء.

(وَلا تَكُونُوا) في نقض الأيمان (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) ما غزلته ، مصدر بمعنى المفعول (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) متعلّق بـ «نقضت» أي : نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام (أَنْكاثاً) طاقات نكث فتلها ، جمع نكث. وانتصابه على الحال من «غزلها» ، أو المفعول الثاني لـ «نقضت» ، فإنّه بمعنى : صيّرت. والمراد به تشبيه الناقض بمن هذا شأنه ، وهو من ينكث فتله.

قيل : هي ريطة بنت سعد بن تيم القرشيّة ، فإنّها كانت حمقاء خرقاء (١) ، اتّخذت مغزلا قدر ذراع ، وصنّارة (٢) مثل أصبع ، وفلكة عظيمة على قدرها ، فكانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثمّ تأمرهنّ فينقضن ما غزلن.

(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) حال من الضمير في «ولا تكونوا» ، أو من الجارّ الواقع موقع الخبر ، أي : ولا تكونوا متشبّهين بامرأة هذا شأنها ، متّخذي أيمانكم دخلا ، أي : مفسدة وخيانة وغدرا بينكم. وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه.

(أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) لأجل أن تكونوا ، أو بسبب أن تكونوا جماعة (هِيَ أَرْبى) أي : أزيد عددا وأوفر مالا (مِنْ أُمَّةٍ) من جماعة حلفتم له. والمعنى : لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلّتهم ، أو لكثرة منابذتهم وقوّتهم كقريش ، فإنّهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم ، وحالفوا أعداءهم.

(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) الضمير لـ (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) لأنّه بمعنى المصدر ، أي :

__________________

(١) مؤنّث الأخرق ، وهو الأحمق الذي لم يحسن عمله.

(٢) الصفّارة : الحديدة المعقّفة في رأس المغزل. ومنها الصنّارة التي تستعملها النساء لحياكة قمصان الصوف وغيرها.

٦٠٣

يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسّكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله ، أم تغترّون بكثرة قريش وشوكتهم ، وقلّة المؤمنين وضعفهم؟ وقيل : الضمير لـ «أربى».

وقيل : للأمر بالوفاء. وتحقيقه أنّه يعاملكم معاملة المختبر ليميّز المحقّ من المبطل ليقع الجزاء بحسب العمل.

ولمّا كان بناء الإثابة والتعذيب على التكليف الّذي مداره الاختيار لا الإجبار ، قال بعد ذلك : (وَلَيُبَيِّنَنَ) وليظهرنّ (لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) متّفقة على الإسلام قسرا وجبرا (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يخذله في الضلالة ويخلّيه فيها ، لعلمه بفرط كفره ، وانهماكه في عناده ، وتوغّله في إنكاره ، مع وضوح طريق الحقّ لديه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يوفّقه طريق الاهتداء ، لعلمه باسترشاده واستصوابه ، فإنّه بنى الأمر على الاختيار ، وعلى ما يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار ، وحقّق ذلك بقوله : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سؤال تبكيت ومجازاة.

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))

٦٠٤

ثمّ صرّح بالنهي عن نقض العهد بعد التضمين ، تأكيدا ومبالغة في قبح المنهيّ ، فقال : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي : خيانة وخديعة كما مرّ. (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) عن محجّة الإسلام (بَعْدَ ثُبُوتِها) عليها. والمراد أقدامهم. وإنّما وحّد ونكّر للدلالة على أنّ زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة؟! (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بسبب صدودكم عن الوفاء ، فإنّ من نقض البيعة وارتدّ جعل ذلك سنّة لغيره (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.

روي عن سلمان الفارسي أنّه قال : تهلك هذه الأمّة بنقض مواثيقها.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «نزلت هذه الآيات في ولاية عليّ عليه‌السلام ، وما كان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين».

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسوله (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا يسيرا من الدنيا ، وهو ما كانت قريش يعدون لضعفاء المسلمين ويمنّونهم ويشترطون لهم على الارتداد (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من النصر والتغنيم في الدنيا ، والثواب في الآخرة (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ممّا يعدونكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : كنتم من أهل العلم والتمييز.

(ما عِنْدَكُمْ) من أعراض الدنيا (يَنْفَدُ) ينقضي ويفنى (وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته (باقٍ) لا ينفد. وهو تعليل للحكم السابق ، ودليل على أنّ نعيم أهل الجنّة باق.

(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ) على الفاقة وأذى المشركين ، أو على مشاقّ التكاليف. وقرأ ابن كثير وعاصم بالنون. (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) بما يرجّح فعله من أعمالهم ، كالواجبات والمندوبات. أو بجزاء أحسن من أعمالهم.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))

روي عن ابن عبّاس : أنّ رجلا من حضر موت يقال له عبدان الأشرع قال : يا

٦٠٥

رسول الله إنّ امرء القيس الكندي جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي ، فذهب بها منّي ، والقوم يعلمون أنّي لصادق ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.

فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرء القيس عنه. فقال : لا أدري ما يقول. فأمره أن يحلف.

فقال عبدان : إنّه فاجر لا يبالي أن يحلف.

فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه.

فلمّا قام ليحلف أنظره ، فانصرفا ، فنزل قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) الآيتان.

فلمّا قرأهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال امرؤ القيس : أمّا ما عندي فينفد ، وهو صادق فيما يقول ، لقد اقتطعت أرضه ، ولم أدركم هي ، فليأخذ من أرضي ما شاء ، ومثلها معها بما أكلت من ثمرها.

فنزل فيه : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بيّنه بالنوعين دفعا للتخصيص (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيّبا ، فإنّه إن كان موسرا فظاهر ، وإن كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة ، وتوقّع الأجر العظيم في الآخرة ، بخلاف الكافر ، فإنّه إن كان معسرا فظاهر ، وإن كان موسرا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنّأ بعيشه.

وعن ابن عبّاس : الحياة الطيّبة الرزق الحلال. وعن قتادة : يعني بها في الآخرة. وقيل : هي حلاوة الطاعة والتوفيق في قلبه.

(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطاعة ، كقوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) (١).

__________________

(١) آل عمران : ١٤٨.

٦٠٦

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))

ولمّا كان الشيطان يوسوس العباد في ترك الطاعة والإقدام على المعصية ، وكلّما كانت العبادة أعظم كان الشيطان في وسوسته أجهد ، ومعظم العبادة تلاوة القرآن ، كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل عبادة أمّتي تلاوة القرآن» ، عقّب ذكر العمل الصالح بالاستعاذة من الشيطان عند تلاوته ، ليأمن من وسوسته في طاعته ، فقال :

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أي : إذا أردت قراءته. والتعبير عن إرادة الفعل بلفظ الفعل من قبيل تسمية السبب باسم المسبّب ، فإنّ الفعل يوجد عند القصد والإرادة بغير فاصل وعلى حسبه ، فكان منه بسبب قويّ وملابسة ظاهرة ، كقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١).

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه ، لئلّا يوسوسك في القراءة. والاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع.

وهي عند التلاوة مستحبّة غير واجبة بلا خلاف ، في الصلاة وخارج الصلاة.

وعن ابن مسعود : «قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. فقال : قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأنيه جبرئيل عليه‌السلام عن القلم عن اللوح المحفوظ».

(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) تسلّط وولاية (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

__________________

(١) المائدة : ٦.

٦٠٧

أي : على أولياء الله المؤمنين به والمتوكّلين عليه ، فإنّهم لا يطيعون أوامره ، ولا يقبلون وساوسه ، إلّا فيما يحتقرون على ندور وغفلة ، ولذلك أمروا بالاستعاذة. فذكر نفي السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة ، لئلّا يتوهّم أنّ له سلطانا.

(إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) يحبّونه ويطيعونه في إغوائه (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ) بالله ، أو بسبب الشيطان (مُشْرِكُونَ).

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣))

ثمّ قال مخبرا عن إسناد الكفّار الافتراء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى القرآن ، فقال : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) بالنسخ ، فجعلنا الآية الناسخة مكان المنسوخة لفظا أو حكما (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) من المصالح ، فلعلّ ما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة بعده فينسخه الله ، وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة الآن فيثبته مكانه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : ينزل بالتخفيف.

وهذا اعتراض لتوبيخ الكفّار على قولهم ، والتنبيه على فساد سندهم ، واقع بين الشرط وبين جوابه ، وهو قوله : (قالُوا) أي : الكفرة (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) متقوّل على الله ، تأمر بشيء ثمّ يبدو لك فتنهى عنه.

وروي عن ابن عبّاس : أنّهم كانوا يقولون إنّ محمّدا يسخر من أصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا فيأتيهم بما هو أهون. ولقد افتروا ، فقد كان

٦٠٨

ينسخ الأشقّ بالأهون ، والأهون بالأشقّ ، والأهون بالأهون ، والأشقّ بالأشقّ ، لأنّ الغرض المصلحة لا الهوان والمشقّة.

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حكمة الأحكام ، ولا يميّزون الخطأ من الصواب.

(قُلْ) ردّا لقولهم : (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) يعني : جبرئيل. وإضافة الروح إلى القدس ـ وهو الطهر ـ كقولهم : حاتم الجود وزيد الخير. والمراد الروح المقدّس ، أي : المطهّر من المآثم. وقرأ ابن كثير : روح القدس بالتخفيف. وفي «ينزّل» و «نزّله» تنبيه على أنّ إنزاله مدرّجا على حسب المصالح إنّما يقتضي التبديل. (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) ملتبسا بالحكمة.

(لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) على الإيمان بأنّه كلامه ، فإنّهم إذا سمعوا الناسخ وتدبّروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة ، رسخت عقائدهم ، واطمأنّت قلوبهم.

ومعنى تثبيته : استدعاؤه لهم بألطافه ومعونته إلى الثبات على الإيمان.

(وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) المنقادين لحكمه. وهما معطوفان على محلّ «ليثبّت» أي : تثبيتا وهداية وبشارة. وفيه تعريض بحصول أضداد ذلك لغيرهم.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) يعنون جبر الرومي غلام عامر بن الحضرمي. وقيل : عبدان : جبر ويسار ، كانا يصنعان السيوف بمكّة ، ويقران التوراة والإنجيل ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمرّ عليهما ويسمع ما يقرءانه. وقيل : عائشا أو يعيش غلام حويطب بن عبد العزّى ، وقد أسلم وحسن إسلامه ، وكان صاحب كتب. وقيل : سلمان الفارسي ، قالوا : يتعلّم القصص منه. وعن ابن عبّاس : قالت قريش : إنّما يعلّمه بلعام ، وكان قينا (١) بمكّة روميّا نصرانيّا.

ثمّ ألزمهم الله تعالى الحجّة وأكذبهم بأن قال : (لِسانُ الَّذِي) أي : لغة الرجل الّذي (يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) يميلون قولهم عن الاستقامة إليه (أَعْجَمِيٌ) أعجميّة عبريّة (وَهذا) القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ذو بيان وفصاحة.

__________________

(١) القين : العبد والحدّاد.

٦٠٩

وقرأ حمزة والكسائي : يلحدون بفتح الياء والحاء. يقال : ألحد القبر ولحّده وهو ملحد وملحود ، إذا أمال حفره عن الاستقامة ، فحفر في شقّ منه. ثمّ استعير لكلّ إمالة عن استقامة ، فقالوا : ألحد فلان في قوله ، وألحد في دينه. ومنه الملحد ، لأنّه أمال مذهبه عن الأديان كلّها ، لم يمله عن دين إلى دين.

والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم. وتقريره من وجهين :

أحدهما : أنّ ما سمعه منه كلام أعجميّ لا يفهمه هو ولا أنتم ، والقرآن عربيّ تفهمونه بأدنى تأمّل ، فكيف يكون ما تلقّفه منه؟! وثانيهما : هب أنّه تعلّم منه المعنى باستماع كلامه ، لكن لم يتلقّف منه اللفظ ، لأنّ ذلك أعجميّ ، وهذا عربيّ ، والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى ، فهو معجز من حيث اللفظ. مع أنّ العلوم الكثيرة الّتي في القرآن لا يمكن تعلّمها إلّا بملازمة معلّم فائق في تلك العلوم مدّة متطاولة ، فكيف تعلّم جميع ذلك من غلام سوقيّ ، سمع منه بعض أوقات مروره عليه كليمات أعجميّة ، لعلّهما لم يعرفا معناها؟! وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة الواهية دليل على غاية عجزهم. كذا قال صاحب الأنوار (١).

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥) مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))

__________________

(١) أنوار التنزيل ٣ : ١٩٢.

٦١٠

ثمّ أتبع سبحانه هذه الآية بذكر الوعيد للكفّار على ما قالوه ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدّقون (بِآياتِ اللهِ) بأنّها من عند الله (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) إلى الحقّ ، أي : لا يلطف بهم ، بل يخذلهم ، لأنّهم أهل التخلية والخذلان ، لفرط عنادهم ومكابرتهم ، مع أنّ حقّية القرآن واضح لديهم. وقيل : إلى الجنّة. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

ولمّا أماط شبهتهم ، وردّ طعنهم ، قلب الأمر عليهم ، فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) لأنّهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه (وَأُولئِكَ) إشارة إلى الّذين كفروا ، أو إلى قريش (هُمُ الْكاذِبُونَ) أي : الكاذبون على لحقيقة. أو الكاملون في الكذب ، لأنّ تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب. أو الّذين عادتهم الكذب ، ولا يبالون به في كلّ شيء ، ولا يصرفهم عنه دين ولا مروءة. أو الكاذبون في قولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) «إنّما يعلّمه بشر».

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) بدل من (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وما بينهما اعتراض. والمعنى : إنّما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه. واستثنى منهم المكره. أو من «أولئك» أو من «هم الكاذبون». أو مبتدأ خبره محذوف ، دلّ عليه قوله : «فعليهم غضب». كأنّه قيل : من كفر بالله فعليهم غضب إلّا من أكره ... إلخ.

ويجوز أن ينتصب بالذمّ ، وأن تكون «من» شرطيّة محذوفة الجواب.

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على الافتراء أو كلمة الكفر. استثناء متّصل ، لأنّ الكفر لغة يعمّ القول والعقد ، كالإيمان (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) لم تتغيّر عقيدته.

(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) اعتقده وطاب به نفسا (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) إذ لا شيء أعظم من جرمه.

روي : أنّ ناسا من أهل مكّة فتنوا فارتدّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان ، منهم عمّار ،

٦١١

وأبواه ـ ياسر وسميّة ـ وصهيب ، وبلال ، وخباب ، وسالم ، عذّبوا. فأمّا سميّة فقد ربطوها بين بعيرين ووجئ (١) بحربة في قبلها ، وقالوا : إنّك أسلمت من أجل الرجال ، فقتلت. وقتلوا ياسرا. وهما أوّل قتيلين في الإسلام. وأمّا عمّار فقد أعطاهم بلسانه ما أرادوا مكرها. فقيل : يا رسول الله إنّ عمّارا كفر. فقال : كلّا ، إنّ عمّارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الايمان بلحمه ودمه. فأتى عمّار رسول الله وهو يبكي ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه. وقال : مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت.

وهو دليل على جواز التكلّم بالكفر للإكراه ، وإن كان الأفضل أن يتجنّب عنه إعزازا للدين ، كما فعله أبواه ، لما روي : أنّ مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمّد؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ؟ فقال : أنت أيضا. فخلّاه.

وقال للآخر : ما تقول في محمّد؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ؟ قال : أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثا ، فأعاد جوابه ، فقتله. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أمّا الأوّل فقد أخذ برخصة الله. وأمّا الثاني فقد صدع بالحقّ ، فهنيئا له.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))

__________________

(١) وجأ فلانا بالسكّين أو بيده : ضربه في أيّ موضع كان.

٦١٢

(ذلِكَ) إشارة إلى الكفر بعد الايمان ، أو الوعيد (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) وبسبب استحقاقهم نخلّيهم وخذلانهم ، لأجل انهماكهم في الكفر والعناد.

(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) برفع التوفيق واللطف عنهم ، فيخلّيهم لفرط عنادهم ولجاجهم ، فأبت قلوبهم وحواسّهم عن الاعتراف بالحقّ (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) الكاملون في الغفلة ، فلا أغفل منهم ، لأنّهم غفلوا عن تدبّر عاقبة حالهم في الآخرة ، وذلك غاية الغفلة ومنتهاها.

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) إذ ضيّعوا أعمارهم ، وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلّد.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) أي : عذّبوا ، كعمّار وأصحابه.

و «ثمّ» لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك. يعني : إنّ ربّك لهم لا عليهم ، بمعنى : أنّه وليّهم وناصرهم ، لا عدوّهم وخاذلهم. وقرأ ابن عامر : فتنوا بالفتح ، أي : بعد ما عذّبوا المؤمنين ، كالحضرمي أكره مولاه جبرا حتّى ارتدّ ثمّ أسلما وهاجرا ، كما قال : (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الجهاد وما أصابهم من المشاقّ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد الهجرة والجهاد والصبر (لَغَفُورٌ) لما فعلوا قبل (رَحِيمٌ) ينعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد.

(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) منصوب بـ «رحيم» أو بـ : أذكر. والمراد يوم القيامة.

(تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) عن ذاتها ، وتسعى في خلاصها ، لا يهمّها شأن غيرها ، فتقول : نفسي نفسي. ومعنى المجادلة : الاحتجاج عنها والاعتذار لها ، كقولهم : (هؤُلاءِ

٦١٣

أَضَلُّونا) (١) ونحو ذلك. (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) جزاء ما عملت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقصون أجورهم.

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣))

ثمّ أنذر المشركين بقوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) أي : جعلها مثلا لكلّ قوم أنعم الله عليهم ، فأبطرتهم النعمة فكفروا ، فأنزل الله بهم نقمته. أو لأهل مكّة.

(كانَتْ آمِنَةً) ذات أمن ، أي : يأمن أهلها من أن يغار عليهم (مُطْمَئِنَّةً) قارّة ساكنة بأهلها ، لا ينزعجون خوف العدوّ ، فإنّ الطمأنينة مع الأمن ، والانزعاج والقلق مع الخوف.

(يَأْتِيها رِزْقُها) أقواتها (رَغَداً) واسعا (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من نواحيها وجوانبها ، كما قال : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٢).

(فَكَفَرَتْ) فكفر أهل تلك القرية (بِأَنْعُمِ اللهِ) بنعمه. جمع نعمة ، على ترك الاعتداد بالتاء ، كدرع وأدرع ، أو جمع نعم ، كبؤس وأبؤس. وفي الحديث : «نادى مناد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالموسم بمنى : إنّها أيّام طعم ونعم فلا تصوموا».

(فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) استعار الذوق لإدراك أثر الضرر ،

__________________

(١) الأعراف : ٣٨.

(٢) القصص : ٥٧.

٦١٤

واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف ، وأوقع الإذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له ، وهو ما غشيهم.

قال صاحب الكشّاف : «أمّا الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة ، لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها ، فيقولون : ذاق فلان البؤس والضرّ وأذاقه العذاب ، شبّه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المرّ والبشع. وأمّا اللباس ، فقد شبّه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث. وأمّا إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف ، فلأنّه لمّا وقع عبارة عمّا يغشى منهما ويلابس فكأنّه قيل : فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف» (١).

(بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) بصنيعهم.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) يعني : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والضمير لأهل مكّة ، عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم. (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) أي : حال التباسهم بالظلم والعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد سبع سنين ، حتى أكلوا القدّ (٢) والعلهز ، وهو الوبر يخلط بالدم ويؤكل ، ومع ذلك كانوا خائفين من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وذلك حين دعا عليهم فقال : اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليهم سنين كسنيّ يوسف. أو وقعة بدر.

(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٦٣٩.

(٢) القدّ : جلد السخلة.

٦١٥

ولمّا زجرهم عن الكفر ، وأوعدهم بما ذكر من التمثيل ، صدّا لهم عن صنيع الجاهليّة ومذاهبها الفاسدة ، أمرهم بأكل ما أحلّ الله لهم ، وشكر ما أنعم عليهم ، فقال : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) إنعامه بذلك (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) تطيعون ، أو إن صحّ زعمكم أنّكم تعبدون الله بعبادة الآلهة ، لأنّها شفعاؤكم عنده.

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))

ولمّا أمرهم بتناول ما أحلّ لهم ، عدّد عليهم ما حرّم عليهم ، فقال : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مقتضى سياق الكلام وتصدير الجملة بـ «إنّما» حصر المحرّمات في الأجناس الأربعة ، إلّا ما ضمّ إليه دليل كالسباع. وهذه الآية والّتي قبلها مفسّرتان في سورة البقرة ، فليطالع ثمّة (١).

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٢٨٥ ذيل الآية ١٧٢ ـ ١٧٣ من سورة البقرة.

٦١٦

ثمّ أكّد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم ، فقال : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) كما قالوا : (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) (١) الآية. وانتصاب الكذب بـ «لا تقولوا». و «هذا حلال وهذا حرام» بدل منه. أو متعلّق بـ «تصف» على إرادة القول ، أي : ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم فتقولوا : هذا حلال وهذا حرام. أو مفعول «لا تقولوا» ، والكذب منصوب بـ «تصف» ، و «ما» مصدريّة ، أي : ولا تقولوا : هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب. والمعنى : لا تحلّلوا ولا تحرّموا بمجرّد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل.

ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، كأنّ حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرّفها بكلامهم هذا ، ولذلك عدّ من فصيح الكلام ، كقولهم : وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر.

(لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) اللام للعاقبة ، لأنّ الافتراء ما كان غرضا ، كقوله : (عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢) (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) لا ينجون من عذاب الله ، ولا ينالون خيرا.

ولمّا كان المفتري يفتري لتحصيل مطالبه الدنيويّة نفى عنهم الفلاح ، وبيّنه بقوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي : ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) أي : في سورة الأنعام في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) (٣) (مِنْ قَبْلُ) متعلّق بـ «قصصنا» أو

__________________

(١) الأنعام : ١٣٩.

(٢) القصص : ٨.

(٣) الأنعام : ١٤٦.

٦١٧

«حرّمنا» (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه. وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم ، وأنّه كما يكون للمضرّة يكون للعقوبة. واتّصل قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) الآية بما تقدّم ذكره من التحريم والتحليل ، ليبيّن أنّ ما كانوا يحرّمونه ويحلّلونه بزعمهم ليس في التوراة ، كما أنّه ليس ذلك في القرآن.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))

ثمّ ذكر سبحانه التائبين بعد تقدّم الوعد والوعيد ، فقال : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) بسببها ، أو ملتبسين بها ، ليعمّ الجهل بالله وبعقابه ، وعدم التدبّر في العواقب لغلبة الشهوة. والسوء يعمّ الافتراء على الله وغيره. (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد سوء الفعل (وَأَصْلَحُوا) نيّاتهم وأفعالهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد التوبة (لَغَفُورٌ) لذلك السوء (رَحِيمٌ) يثيب على الإنابة.

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))

وبعد ذمّ المشركين وأهل الكتاب ، وتهديدهم بعقائدهم الزائغة وصفاتهم

٦١٨

السيّئة ، بيّن خلال إبراهيم الخليل ونعته الجليل ليقتدوا به ، فقال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي : كان وحده أمّة من الأمم ، لكماله في جميع صفات الخير ، واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلّا مفرّقة في أشخاص كثيرة ، كقوله :

ليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

وهو رئيس الموحّدين ، وقدوة المحقّقين ، الّذي جادل فرق المشركين ، وأبطل مذاهبهم الزائغة بالحجج الدامغة. ولذلك عقّب أحوال المشركين بذكره تزييفا لمذاهبهم الزائغة ، من الشرك ، والطعن في النبوّة ، وتحريم ما أحلّه. أو لأنّه كان وحده مؤمنا ، وكان سائر الناس كفّارا.

وقيل : هي فعلة بمعنى مفعول ، كالرحلة بمعنى ما يرتحل إليه ، والنخبة بمعنى ما ينتخب به ، من : أمّه إذا قصده أو اقتدى به ، فإنّ الناس كانوا يؤمّونه للاستفادة ، ويقتدون بسيرته ، كقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١). قال ابن الأعرابي : يقال للرجل العالم أمّة ، لأنّه قدوة معلّم الخير.

(قانِتاً لِلَّهِ) مطيعا له ، قائما بأوامره دائما (حَنِيفاً) مائلا عن الباطل إلى الإسلام ، مستقيما على الطاعة وطريق الحقّ (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما زعموا ، فإنّ قريشا كانوا يزعمون أنّهم على ملّة إبراهيم.

(شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) معترفا بها. ذكر بلفظ القلّة للتنبيه على أنّه كان لا يخلّ بشكر النعم القليلة ، فكيف بالكثيرة؟! روي أنّه كان لا يتغدّى إلّا مع ضيف ، فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخّر غداءه ، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر ، فدعاهم إلى الطعام ، فخيّلوا له أنّ بهم جذاما ، فقال : الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أنّه عافاني وابتلاكم.

(اجْتَباهُ) واصطفاه للنبوّة (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في الدعوة إلى الله.

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

٦١٩

(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) بأن حبّبه إلى الناس ، حتّى إنّ أرباب الملل جميعا يتولّونه ويثنون عليه ، ورزقه أولادا طيّبة ، وعمرا طويلا في السعة والطاعة.

وقيل : هي قول المصلّي منّا : كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم.

(وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) لمن أهل الجنّة ، كما سأله بقوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١). وناهيك بهذا ترغيبا في الصلاح. ولم يقل : لفي أعلى منازل الصالحين ، مع اقتضاء حاله ذلك ، ترغيبا في الصلاح ، فإنّه عزّ اسمه بيّن أنّه عليه‌السلام من جملة الصالحين ، مع علوّ رتبته وشرف منزلته ، تشريفا لهم وتنويها بذكر من هو منهم.

(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمّد. وذكر «ثمّ» إمّا لتعظيم منزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإجلال محلّه ، والإيذان بأنّ أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة ، وأجلّ ما أولي من النعمة ، اتّباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملّته ، فإنّها دلّت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت الّتي أثنى الله عليه بها ، أو لتراخي أيّامه.

(أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) في التوحيد والدعوة إليه بالرفق ، وإيراد الدلائل مرّة بعد اخرى ، والمجادلة مع كلّ أحد على حسب فهمه (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بل كان قدوة الموحّدين.

(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤))

ولمّا أمر سبحانه باتّباع الحقّ ، حذّر من الاختلاف فيه ، بما ذكر من أحوال المختلفين في السبت ، كيف شدّد عليهم فرضه ، وضيّق عليهم أمره ، فقال :

__________________

(١) الشعراء : ٨٣.

٦٢٠