زبدة التّفاسير - ج ٣

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٣

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-05-1
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٦

اتّباعه عليهم في كلّ أمر إلّا ما خصّه الدليل ، وللتنبيه على أنّ التحدّي ممّا يوجب رسوخ إيمانهم وقوّة يقينهم ، فلا يغفلون عنه. ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويؤيّد الأوّل قوله بعد ذلك : (فَاعْلَمُوا) أيّها المؤمنون (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) ملتبسا بما لا يعلمه إلّا الله ، ولا يقدر عليه سواه ، من نظم معجز لجميع الخلق ، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) واعلموا أن لا إله إلّا الله وحده ، لأنّه العالم القادر بما لا يعلم ، ولا يقدر عليه غيره ، ولظهور عجز آلهتهم ، ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقه بإعجازه عليه. وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ثابتون على الإسلام ، راسخون مخلصون فيه ، إذا تحقّق عندكم إعجازه مطلقا.

ويجوز أن يكون الخطاب للكفّار ، والضمير في «لم يستجيبوا» لـ «من استطعتم» ، فيكون المعنى : فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المظاهرة على المعارضة لعجزهم ، وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة ، فاعلموا أنّه نظم لا يعلمه إلّا الله ، وأنّه منزل من عنده ، وأنّ ما دعاكم إليه من التوحيد حقّ ، فهل أنتم مسلمون داخلون في الإسلام ، معتقدون للتوحيد ، بعد قيام الحجّة القاطعة؟! وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ ، لما فيه من معنى الطلب ، والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر.

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)

٢٦١

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) وحسن بهجتها ، بإحسانه تعالى وبرّه (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) نوفّر عليهم أجور أعمالهم في الدنيا وما يرزقون فيها ، من الصحّة وسعة الرزق والرئاسة وكثرة الأولاد (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) لا ينقصون شيئا من أجورهم. قيل : هذه الآية في أهل الرياء. وقيل : في المنافقين.

وقيل : في الكفرة وبرّهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) مطلقا في مقابلة ما عملوا ، لأنّهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة ، وبقيت لهم أوزار العزائم السيّئة (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا) ما صنعوه ، أي : لم يكن لصنيعهم ثواب (فِيها) في الآخرة ، لأنّهم لم يريدوا به وجه الله ، والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص. ويجوز تعليق الظرف بـ «صنعوا» على أنّ الضمير للدّنيا. (وَباطِلٌ) في نفسه (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لأنّه لم يعمل على الوجه الصحيح الّذي هو ابتغاء وجه الله ، والعمل الباطل لا ثواب له.

وكأنّ كلّ واحدة من الجملتين علّة لما قبلها.

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) على برهان وحجّة من الله يدلّه على أنّ دين الإسلام هو الحقّ والصواب فيما يأتيه ويذره. وهو دليل العقل. والهمزة لإنكار أن يتّبع من هذا شأنه هؤلاء المقصّرين هممهم وأفكارهم على الدنيا ، وأن يقارب بينهم في المنزلة. يريد أنّ بين الفريقين تفاوتا بعيدا وتباينا بيّنا ، وهو الّذي

٢٦٢

أغنى عن ذكر الخبر ، وتقديره : أفمن كان على بيّنة كمن كان يريد الحياة الدنيا؟! وهو حكم يعم كلّ مؤمن مخلص. وقيل : المراد به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقيل : مؤمنوا أهل الكتاب.

(وَيَتْلُوهُ) ويتبع ذلك البرهان الّذي هو دليل العقل (شاهِدٌ مِنْهُ) شاهد من الله يشهد بصحّته ، وهو القرآن (وَمِنْ قَبْلِهِ) ومن قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) يعني : التوراة ، فإنّها أيضا تتلوه في التصديق. أو البيّنة هو القرآن ، و «يتلوه» من التلاوة ، والشاهد جبرئيل ، أو لسان الرسول. وهذا منقول عن الحسين بن عليّ عليه‌السلام ومحمد بن الحنفيّة. أو من التلو ، والشاهد ملك يحفظه.

وقيل : الشاهد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، يشهد للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو منه.

وهذا مرويّ عن أبي جعفر وعليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام. ورواه الطبري (١) بإسناده عن جابر بن عبد الله عن عليّ عليه‌السلام.

والضمير في «يتلوه» إمّا لـ «من» أو للبيّنة باعتبار المعنى ، وهو البرهان.

ويجوز أن يكون (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) جملة مبتدأة.

(إِماماً) كتابا مؤتمّا به في الدين (وَرَحْمَةً) ونعمة عظيمة على المنزل عليهم ، لأنّه الوسيلة إلى الفوز بخير الدارين.

(أُولئِكَ) إشارة إلى من كان على بيّنة (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالقرآن (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) من أهل مكّة ومن ضامّهم من المتحزّبين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) يردها لا محالة (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) من الموعد ، أو القرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) والخطاب للنبيّ ، والمراد أمّته ، أو المراد كلّ سامع (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) صحّته وصدقه عنادا وجحودا ولجاجا.

__________________

(١) تفسير الطبري ١٢ : ١١.

٢٦٣

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) كأن أسند إليه ما لم ينزله أو نفى عنه ما أنزله ، أي : لا أحد أظلم منه. وإخراجه مخرج الاستفهام ليكون أبلغ.

(أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) في الموقف ، بأن يحبسوا ويعرضوا ويوقفوا موقفا يراهم الخلائق للمطالبة بما عملوا ، أو تعرض أعمالهم (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) من الملائكة والحفظة والنبيّين ، أو شهد كل إمام عصر من أئمّة المؤمنين ، أو من جوارحهم. وهو جمع شاهد كأصحاب ، أو شهيد كأشراف. (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ). وقوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ابتداء كلام ، أو تتمّة كلام الأشهاد. وفيه تهويل عظيم ممّا يحيق بهم حينئذ ، لظلمهم بالكذب على الله تعالى.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دينه الإسلام (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ويصفونها بالاعوجاج عن الحقّ والصواب وهي مستقيمة. أو يبغون أهلها أن يعوّجوا عن الحقّ بالردّة ، وهم الثابتة عليه. (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) والحال

٢٦٤

أنّهم كافرون بالآخرة. وتكرير «هم» لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.

(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : ما كانوا معجزين الله تعالى في الدنيا أن يعاقبهم ، بأن يفوتوا منه هربا إذا أراد إهلاكهم ، كما يهرب الهارب من عدوّ وقد جدّ في طلبه. وإنّما خصّ الأرض بالذكر وإن كانوا لا يفوتون الله ولا يخرجون عن قبضته على كلّ حال ، لأنّ معاقل الأرض هي الّتي يهرب إليها البشر ، فكأنّه سبحانه نفى أن يكون لهؤلاء الكفّار عاصم عنه ومانع من عذابه.

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) بأن يتولّوهم فينصروهم ويمنعوهم من العذاب ، ولكنّه سبحانه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ وأدوم.

(يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) استئناف. وقرأ ابن كثير ويعقوب وابن عامر : يضعّف بالتشديد. ومعناه : أنّه لا يقتصر بهم على عذاب الكفر ، بل يعاقبون عليه وعلى سائر المعاصي ، كما قال في موضع آخر : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (١). أو كلّما مضى ضرب من العذاب يعقبه ضرب آخر منه مثله أو فوقه ، كذلك دائما مؤبّدا ، وكلّ ذلك على قدر الاستحقاق.

(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) لفرط تصامّهم عن استماع الحقّ وبغضهم له ، كأنّهم لا يستطيعون السمع (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) لفرط تعاميهم عن آيات الله ، وكأنّه العلّة لمضاعفة العذاب. وقيل : هو بيان ما نفاه من ولاية الآلهة بقوله : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) فإنّ ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية. وقوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) اعتراض.

(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة وشفاعتها ، أو خسروا بما بدّلوا ، وضاع عنهم ما حصّلوا ، فلم يبق معهم سوى الندامة والحسرة.

__________________

(١) النحل : ٨٨.

٢٦٥

(لا جَرَمَ) قال الزجّاج : «لا» نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم ، فكأنّ المعنى : لا ينفعهم ذلك. و «جرم» بمعنى : حقّ وثبت. (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) بحيث لا أحد أبين وأكثر خسرانا منهم. وقال غير الزجّاج : معناه : لا بدّ ولا محالة أنّهم.

وقيل : معناه : حقّا. ويستعمل في أمر يقطع عليه ولا يرتاب فيه ، أي : لا شكّ أنّ هؤلاء الكفّار هم أخسر الناس في الآخرة.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))

ولمّا تقدّم ذكر الكفّار وما أعدّ لهم من العذاب ، عقّبه سبحانه بذكر المؤمنين ، إجراء على عادته تعالى أنّه يذكر الوعد مع الوعيد وبالعكس ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) اطمأنّوا إليه ، وخشعوا له وانقطعوا إلى عبادته ، من الخبت ، وهي الأرض المطمئنّة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون.

ثمّ ضرب مثلا للكافر والمؤمن بقوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) الكافر والمؤمن (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) فشبّه فريق الكفّار بالأعمى والأصمّ ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع. وهو من اللفّ والطباق. وفيه وجهان :

أحدهما : تشبيه الكافر بالأعمى ، لتعاميه عن آيات الله تعالى ، وبالأصمّ لتصامّه عن استماع كلام الله تعالى ، وتأبيّه عن تدبّر معانيه ، وتشبيه المؤمن بالبصير والسميع ، لأنّ أمره بالضدّ. فيكون كلّ منهما مشبّهين باثنين باعتبار وصفين. وثانيهما : أن يشبّه الكافر بالجامع بين العمى والصمم ، والمؤمن بين ضدّيهما.

٢٦٦

(هَلْ يَسْتَوِيانِ) هل يستوي الفريقان عند العقلاء (مَثَلاً) تمثيلا ، أو صفة أو حالا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) بضرب الأمثال والتأمّل فيها ، فتعلموا صحّة ما ذكرنا.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨))

ولمّا تقدّم ذكر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، عقّب ذلك سبحانه بذكر أخبار الأنبياء ، تأكيدا لذلك ، وتخويفا للخلق ، وتسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبدأ بقصّة نوح عليه‌السلام ، لأنّه شيخ الأنبياء وأبوهم بعد الطوفان وأسبقهم ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ) بأنّي لكم ، أي : ملتبسا بهذا الكلام. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالكسر على إرادة القول (نَذِيرٌ مُبِينٌ) أبيّن لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص.

(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) بدل من «إنّي لكم» ، أو مفعول «مبين». ويجوز أن تكون «أن» مفسّرة متعلّقة بـ «أرسلنا» أو بـ «نذير». (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) مؤلم. وهو في الحقيقة صفة المعذّب ، لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة : جدّ جدّه ، ونهارك صائم وليلك قائم ، للمبالغة.

٢٦٧

(فَقالَ الْمَلَأُ) أي : الأشراف ، لأنّهم يملؤن القلوب هيبة وهيئة (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) لا مزيّة لك علينا تخصّك بالنبوّة ووجوب الإطاعة ، وذلك لظنّهم أنّ الرسول ينبغي أن يكون من غير جنس المرسل إليه (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) أخسّاؤنا. جمع أرذل ، فإنّه بالغلبة صار مثل الاسم ، كالأكبر. أو أرذل جمع رذل. (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهر الفكر من غير تعمّق ، من البدوّ بمعنى الظهور ، أو أوّل الرأي من البدء. والباء مبدلة من الهمزة ، لانكسار ما قبلها.

وقرأ أبو عمرو بالهمزة. وانتصابه بالظرف ، على حذف المضاف ، أي : وقت حدوث بادي الرأي. والعامل فيه «اتّبعك».

وإنّما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم ، فإنّهم لمّا لم يعلموا إلّا ظاهرا من الحياة الدنيا ، كان الأحظّ بها أشرف عندهم ، والمحروم منها أرذل ، كما ترى أكثر المتّسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ، ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم. ولقد زلّ عنهم أنّ التقدّم في الدنيا لا يقرّب أحدا من الله ، وإنّما يبعّده ، ولا يرفعه بل يضعه ، فضلا عن أن يجعله سببا في الاختيار للنبوّة والتأهيل لها ، على أنّ الأنبياء بعثوا مرغّبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا ، مزهّدين فيها ، مصغّرين لشأنها وشأن من أخلد إليها.

(وَما نَرى لَكُمْ) لك ولمن اتّبعك (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يؤهّلكم للنبوّة واستحقاق المتابعة (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) إيّاك في دعوى النبوّة ، وإيّاهم في دعوى العلم بصدقك ، فغلّب المخاطب على الغائبين.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) حجّة شاهدة بصحّة دعواي (مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) بإيتاء المعجزة البيّنة ، أو النبوّة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) فخفيت عليكم ، فلم تهدكم. وتوحيد الضمير لأنّ البيّنة في نفسها هي الرحمة. أو لأنّ خفاءها يوجب خفاء النبوّة. أو على تقدير : فعميت بعد البيّنة ، وحذفها للاختصار ، أو لأنّه لكلّ واحدة منهما. وقرأ حمزة والكسائي وحفص : فعميت ، أي : أخفيت.

(أَنُلْزِمُكُمُوها) أنلزمكم قبولها ، ونجبركم على الاهتداء بها (وَأَنْتُمْ لَها

٢٦٨

كارِهُونَ) تكرهونها ولا تختارونها ، ولا تتأمّلون فيها. وحيث اجتمع ضميران ، وليس أحدهما مرفوعا ، وقدّم الأعرف منهما ، جاز في الثاني الفصل والوصل.

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١))

ثمّ أنكر نوح على قومه استثقالهم التكليف ، والعاقل إنّما يستثقل الأمر إذا لزمته مؤونة ثقله ، فقطع عليه‌السلام هذا العذر بقوله : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ. وهو وإن لم يذكر إلّا أنّه معلوم ممّا ذكر. (مالاً) جعلا (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فإنّه المأمول منه.

قيل : إنّهم كانوا يسألونه طرد المؤمنين ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء. فقال نوح في جوابهم : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) فيخاصمون طاردهم عنده تعالى. أو إنّهم يلاقونه ويفوزون بقربه ، فكيف أطردهم؟! (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) بلقاء ربّكم ، أو بأقدارهم وأنّهم خير منكم ، أو في التماس طردهم ، أو تتسفّهون عليهم ، بأن تدعوهم أراذل.

(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) من يمنعني من انتقام الله وعذابه (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) وهم بتلك الصفة والمثابة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتعرفوا أنّ التماس الطرد وتوقيف الايمان عليه ليس بصواب ، بل محض خطأ.

٢٦٩

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) خزائن رزقه وأمواله ، فأدّعي فضلا عليكم كما تقولون في الدنيا ، حتّى تجحدوا فضلي بقولكم : «وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ» (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) عطف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي : ولا أقول أنا أعلم الغيب حتّى تكذّبوني استبعادا. أو حتّى أطّلع على ما في نفوس أتباعي وضمائر قلوبهم ، وأعلم أنّ هؤلاء اتّبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب. وعلى الثاني يجوز عطفه على «أقول».

(وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) حتّى تقولوا : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي : لا أحكم في شأن من استرذلتموهم وتعيب أعينكم لفقرهم (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) فإنّ ما أعدّه الله لهم في الآخرة خير ممّا آتاكم في الدنيا.

والازدراء افتعال ، من : زرى عليه إذا عابه ، قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر.

والإسناد إلى الأعين للمبالغة ، وللتنبيه على أنّهم استرذلوهم من غير رؤية ، بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلّة منالهم ، دون تأمّل في كمالاتهم ومعانيهم. (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) بما في قلوبهم من الإخلاص وغيره (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) إن قلت شيئا من ذلك المذكور.

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))

٢٧٠

ثمّ حكى سبحانه جواب قوم نوح عمّا قاله لهم ، فقال : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) فأطلته ، أو أتيت بأنواعه (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب ، فإنّا لا نؤمن بك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في الدعوى والوعيد ، فإنّ مناظرتك لا تؤثّر فينا.

(قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ) أي : ليس الإتيان بالعذاب إليّ ، بل إنّما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه (إِنْ شاءَ) إن اقتضت حكمته عاجلا وآجلا (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) بدفع العذاب ، أو الهرب منه.

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) شرط ، وجزاؤه محذوف دلّ عليه ما قبله. والجملة جواب قوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) وتقدير الكلام : إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي. ومعنى الإغواء : أنّه إذا عرف الله من الكافر الإصرار والعناد فخلّاه وشأنه ولم يلجئه سمّي ذلك إغواء وإضلالا ، كما أنّه إذا عرف منه أنّه يتوب ويرعوي فلطف به سمّي إرشادا وهداية. وقيل : «أن يغويكم» أن يهلككم ، من : غوى الفصيل غوى إذا بشم (١) من كثرة شرب اللبن فهلك. ومعناه : أنّكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة الّتي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه ، كيف ينفعكم نصحي؟! وهذا جواب لما أوهموا من أنّ جداله كلام باطل.

(هُوَ رَبُّكُمْ) خالقكم والمتصرّف فيكم وفق حكمته (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم على أعمالكم.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) إن صحّ وثبت أنّي افتريته (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) عقوبة إجرامي وافترائي (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ ، فلا وجه لإعراضكم عنّي.

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «البشم ـ محرّكة ـ مرض يقال له التخمة. منه».

٢٧١

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣))

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) إلّا من قد وجد منه ما كان يتوقّع من إيمانه. و «قد» للتوقّع. (فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن حزن بائس مستكين (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك ، فقد حان وقت

٢٧٢

الانتقام لك منهم. فأقنطه الله من إيمانهم ، وأعلمه أنّ إيمانهم كالمحال الّذي لا يتعلّق به التوقّع ، ونهاه أن يغتمّ بما فعلوه من التكذيب والإيذاء.

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) ملتبسا بمرأى منّا ، أي : بحفظنا إيّاك من أن تزيغ في صنعتك عن الصواب ، وأن يحول بينك وبين عملك أحد من أعدائك ، حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه. وذكر الأعين لتأكيد الحفظ. فعبّر بكثرة آلة الحسّ ـ الّذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ ـ عن المبالغة في الحفظ والرعاية ، على طريق التمثيل. (وَوَحْيِنا) إليك ، وإلهامنا لك كيف تصنعها ، فأوحى إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.

(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) ولا تراجعني فيهم ، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) محكوم عليهم بالإغراق ، فلا سبيل إلى كفّه.

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) استهزؤا به لعمله السفينة ، فإنّه كان يعملها في برّية بعيدة من الماء جدّا أوان عزّته ، فكانوا يضحكون منه ويقولون له : صرت نجّارا بعد ما كنت نبيّا (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) الآن (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) في المستقبل إذا أخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة (كَما تَسْخَرُونَ) منّا الساعة. وقيل : المراد بالسخريّة الاستجهال.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ) في محلّ النصب بـ «تعلمون» أي : تعلمون الّذي يأتيه (عَذابٌ يُخْزِيهِ) يعني به إيّاهم ، وبالعذاب الغرق (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) وينزل أو يحلّ عليه حلول الدين الّذي لا انفكاك عنه (عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم ، وهو عذاب النار.

ويجوز أن تكون «من» استفهاميّة ، وتكون تعليقا.

قال الحسن : كان طول السفينة ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستّمائة ذراع.

٢٧٣

وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ذراعا ، وارتفاعها ثلاثين ذراعا ، وبابها في عرضها.

وقال ابن عبّاس : كانت ثلاث طبقات : طبقة للناس ، وطبقة للأنعام ، وطبقة للهوامّ والوحش. وجعل أسفلها للوحوش والسباع والهوامّ ، وأوسطها للدوابّ والأنعام ، وركب هو ومن معه في الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد. وكانت من خشب الساج.

وروت عائشة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «مكث نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ، حتّى إذا كان آخر زمانهم غرس شجرة فعظمت وذهبت كلّ مذهب فقطعها ، وجعل يعمل على سفينته ، وقومه يمرّون عليه فيسألونه فيقول : أعمل سفينة. فيسخرون منه ويقولون : تعمل سفينة على البرّ فكيف تجري؟ فيقول : سوف تعلمون. فلمّا فرغ منها وفار التنّور وكثر الماء في السكك خشيت أمّ صبيّ عليه ، فكانت تحبّه حبّا شديدا ، فخرجت إلى الجبل حتّى بلغت ثلثه ، فلمّا بلغها الماء خرجت به حتّى استوت على الجبل ، فلمّا بلغ الماء رقبتها رفعت بيديها حتّى ذهب بها الماء ، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أمّ الصبيّ».

وروى عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لمّا أراد الله هلاك قوم نوح عقّم أرحام النساء أربعين سنة ، فلم يلد لهم مولود. فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السفينة أمره الله تعالى أن ينادي بالسريانيّة أن يجمع إليه جميع الحيوان ، فلم يبق حيوان إلّا وقد حضر ، وأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين ما خلا الفار والسنّور. ولمّا شكا أهل السفينة إليه سرقين الدوابّ والقذر ، دعا بالخنزير فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فارة فتناسل ، فلمّا كثروا وشكوا إليه منهم دعا بالأسد فمسح جبينه فعطس فسقط من

٢٧٤

أنفه زوج سنّور ، وكان الّذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا (١).

وفي حديث آخر : أنّهم شكوا إليه العذرة ، فأمر الله الفيل فعطس فسقط الخنزير.

وروى الشيخ أبو جعفر في كتاب النبوّة ، بإسناده عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «آمن مع نوح ثمانية نفر».

قيل : إن الحواريّين قالوا لعيسى عليه‌السلام : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدّثنا عنها. فانطلق بهم حتّى انتهى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفّا من ذلك التراب فقال :

أتدرون من هذا؟

قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : هذا كعب بن حام.

قال : فضرب الكثيب بعصاه فقال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب.

فقال له عيسى : أهكذا هلكت؟

قال : لا ، متّ وأنا شابّ ، ولكنّي ظننت أنّها الساعة فمن ثمّ شبت.

قال : حدّثنا عن سفينة نوح.

قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستّمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات : طبقة للدوابّ والوحوش ، وطبقة للإنس ، وطبقة للطير.

ثمّ قال عليه‌السلام : عد بإذن الله كما كنت ، فعاد ترابا.

وقوله عزّ اسمه : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) غاية لقوله : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) وما بينهما حال من الضمير فيه. أو «حتّى» هي الّتي يبتدأ بعدها الكلام ، دخلت على الجملة من الشرط والجزاء. (وَفارَ التَّنُّورُ) نبع الماء منه وارتفع بشدّة اندفاع ،

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٢٧٥

كالقدر تفور. والتنّور تنّور الخبز ، وهو تنّور كان لآدم ابتدأ منه النبوع على خرق العادة ، وكان في الكوفة في موضع مسجدها. وهو مرويّ عن ائمّتنا عليهم‌السلام.

أو في الهند ، أو بعين وردة من أرض الجزيرة في دار نوح. وقيل : التنّور وجه الأرض ، أو أشرف موضع فيها.

وروى المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال : «كان التنّور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة مسجد الكوفة.

قال : قلت : وكيف كان بدء خروج الماء من ذلك التنّور؟

قال : نعم إنّ الله أحبّ أن يري قوم نوح آية ، ثم إنّ الله سبحانه أرسل عليهم المطر يفيض فيضا ، وفاض الفرات فيضا ، وفاضت العيون كلّها فيضا فغرقهم ، وأنجى نوحا ومن معه في السفينة.

فقلت : فكم لبث نوح في السفينة حتّى نضب الماء فخرجوا منها؟

فقال : لبث فيها سبعة أيّام بلياليها.

فقلت له : إنّ مسجد الكوفة لقديم؟

قال : نعم ، وهو مصلّى الأنبياء ، ولقد صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أسري به إلى السماء. قال له جبرئيل : يا محمّد هذا مسجد أبيك آدم ، ومصلّى الأنبياء ، فانزل فصلّ فيه. ثمّ إنّ جبرئيل عرج به إلى السماء».

وفي رواية : أنّ السفينة استقلّت بما فيها ، فجرت على ظهر الماء مائة وخمسين يوما بلياليها.

وروى أبو عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «مسجد كوفان وسطه روضة من رياض الجنّة ، الصلاة فيه بسبعين صلاة ، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّا ، وفيه فار التنّور وجرت السفينة ، وهو سرّة بابل ومجمع الأنبياء عليهم‌السلام».

وقيل : معنى (فارَ التَّنُّورُ) طلع الفجر وظهرت أمارات دخول النهار وتقضّي

٢٧٦

الليل ، من قولهم : نوّر الصبح تنويرا. روي ذلك عن عليّ عليه‌السلام.

وقيل : معناه : اشتدّ غضب الله عليهم ، ووقعت نقمته بهم.

(قُلْنَا احْمِلْ فِيها) في السفينة (مِنْ كُلٍ) من كلّ نوع من الحيوانات المنتفع بها (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى. هذا على قراءة حفص ، والباقون أضافوا (١) ، على معنى : احمل اثنين من كلّ زوجين ، أي : من كلّ صنف ذكر وصنف أنثى. وعلى القراءة الأولى «اثنين» مفعول «احمل». وعلى الثانية صفة «زوجين».

(وَأَهْلَكَ) عطف على «زوجين» على القراءة الاولى ، و «اثنين» على الثانية.

والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم. (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بأنه من المغرقين. يريد ابنه كنعان وأمّه واعلة ، فإنّهما كانا كافرين. (وَمَنْ آمَنَ) والمؤمنين من غيرهم (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ). قيل : كانوا تسعة وسبعين ، زوجته المسلمة ، وبنوه الثلاثة :

سام وحام ويافث ، ونساؤهم ، واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم.

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) أي : صيروا فيها. جعل ذلك ركوبا ، لأنّها في الماء كالمركوب في الأرض. (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) متّصل بـ «اركبوا» حال من الواو ، أي : اركبوا فيها مسمّين الله ، أو قائلين بسم الله ، وقت إجرائها وإرسائها أو مكانهما ، على أنّ المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر ، والمضاف محذوف ، كقولهم : آتيك خفوق النجم. وانتصابهما بما قدّرناه حالا. ويجوز رفعهما بـ «بسم الله» ، على أنّ المراد بهما المصدر. أو جملة من مبتدأ وخبر ، أي : إجراؤها بسم الله ، على أنّ بسم الله خبر ، أو صلة والخبر محذوف. وهي إمّا جملة مرتجلة لا تعلّق لها بما قبلها ، أو حال مقدّرة من الواو أو الهاء.

روي أنّه كان إذا أراد أن تجري قال : بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال : بسم الله فرست. ويجوز أن يكون

__________________

(١) أي : قرءوا «كلّ زوجين» مضافا.

٢٧٧

الاسم مقحما ، كقوله (١) : ثمّ اسم السلام عليكما.

وقرأ حمزة والكسائي وعاصم : مجراها بالفتح ، من : جرى. واتّفقوا على ضمّ الميم في «مرساها» (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : لولا مغفرته لذنوبكم ورحمته إيّاكم لما نجّاكم.

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) متّصل بمحذوف دلّ عليه «اركبوا» ، أي : فركبوا مسمّين وهي تجري وهم فيها (فِي مَوْجٍ) من الطوفان. وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه. (كَالْجِبالِ) أي : موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها وعظمها. روي عن الحسن : أنّ الماء ارتفع فوق كلّ شيء وفوق كلّ جبل ثلاثين ذراعا. وقيل : خمسة عشر ذراعا.

وقيل : إنّ سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب ، فسارت ستّة أشهر حتّى طافت الأرض كلّها لا يستقرّ في موضع ، حتّى أتت الحرم فطافت بموضع الكعبة أسبوعا ، وكان الله تعالى رفع البيت إلى السماء ، ثمّ سارت بهم حتّى انتهت إلى الجوديّ ، وهو جبل بأرض الموصل ، واستقرّت عليه اليوم العاشر من المحرّم.

وروى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أن نوحا عليه‌السلام ركب السفينة في أوّل يوم من رجب ، فصام وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم. وقال : من صام ذلك اليوم تباعد عنه النار مسيرة سنة. فصارت سنّة».

(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) كنعان (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) عزل فيه نفسه عن أبيه أو عن دينه. ومفعل للمكان ، من : عزله عنه إذا أبعده. (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) اركب معنا في السفينة بشرط الإيمان لتسلم من الغرق. قيل : هو منافق وأبوه لم يعلم نفاقه.

والجمهور كسروا الياء ليدلّ على ياء الإضافة المحذوفة في جميع القرآن ،

__________________

(١) للبيد بن ربيعة العامري ، وتمامه :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

٢٧٨

غير ابن كثير ، فإنّه وقف عليها في لقمان ، في الموضع (١) الأوّل باتّفاق الرواة ، وفي الثالث (٢) في رواية قنبل ، وغير عاصم ، فإنّه فتح ها هنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة ، واختلفت الرواية عنه في سائر المواضع.

وقد أدغم (٣) الباء في الميم أبو عمرو والكسائي وحفص ، لتقاربهما.

(وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) في الدين والانعزال.

(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) أن يغرقني (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : من الطوفان الّذي هو بأمره (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) إلّا الراحم ، وهو الله تعالى.

أو إلّا مكان من رحمهم‌الله ، وهم المؤمنون ، أي : لا يعصمك اليوم معتصم قطّ من جبل ونحوه سوى معتصم واحد ، وهو مكان من رحمهم ونجّاهم ، يعني : السفينة.

فردّ بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم العائذ به إلّا معتصم المؤمنين ، وهو السفينة. وقيل : «لا عاصم» بمعنى : لا ذا عصمة ، كقوله : في عيشة راضية. وقيل : الاستثناء منقطع ، أي : لكن من رحمه فهو معصوم.

(وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) بين نوح وابنه ، أو ابنه والجبل (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) فصار من المهلكين بالماء.

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤))

ثمّ بيّن سبحانه الحال بعد انتهاء الطوفان ، فقال : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) انشفي ماءك الّذي نبعت به العيون ، واشربيه حتّى لا يبقى على وجهك شيء منه ،

__________________

(١ ، ٢) لقمان : ١٣ و ١٧.

(٣) أي : باء «اركب» في ميم «معنا».

٢٧٩

من البلع بمعنى النشف (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أمسكي عن المطر ، من الإقلاع بمعنى الإمساك. نوديا بما ينادى به أولوا العلم ، وأمرا بما يؤمرون ، تمثيلا لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما ، بالآمر المطاع الّذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر امتثال أمره ، مهابة من عظمته ، وخشية من أليم عقابه.

وفي الكشّاف : «أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل من الدلالة على الاقتدار العظيم ، وأنّ الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء ، غير ممتنعة عليه ، كأنّها عقلاء مميّزون ، قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كلّ مقدور ، وتبيّنوا تحتّم طاعته عليهم وانقيادهم له. وهم يهابونه ويفزعون من التوقّف دون الامتثال له ، والنزول على مشيئته على الفور من غير ريث» (١).

(وَغِيضَ الْماءُ) نقص ، من : غاضه إذا نقصه (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين (وَاسْتَوَتْ) استوت السفينة (عَلَى الْجُودِيِ) جبل بالموصل. وقيل : بالشام. وقيل : بآمد. (وَقِيلَ بُعْداً) هلاكا (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقال : بعد بعدا إذا بعّده بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ، ثمّ استعير للهلاك ، وخصّ بدعاء السوء.

وفي الأنوار : «هذه الآية في غاية الفصاحة ، لفخامة لفظها ، وحسن نظمها ، والدلالة على كنه الحال ، مع الإيجاز الخالي عن الإخلال. وفي إيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل ، وأنّه متعيّن في نفسه ، مستغن عن ذكره ، إذ لا يذهب الوهم إلى غيره ، للعلم بأنّ مثل هذه الأفعال لا يقدر عليها سوى الواحد القهّار» (٢).

وقال في المجمع : «وفي الآية من بدائع الفصاحة وعجائب البلاغة ما لا

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٣٩٧.

(٢) أنوار التنزيل ٣ : ١١٠.

٢٨٠