زبدة التّفاسير - ج ٣

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٣

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-05-1
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٦

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤))(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥))

ثمّ حكى الله سبحانه عن اليهود والنصارى أقوالهم الشنيعة ، فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) أي : بعضهم لا كلّهم (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) مبتدأ وخبر. وهو اسم أعجميّ ، كعازر وعيزار وعزرائيل. ولعجمته وتعريفه امتنع من الصرف. وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب منوّنا على أنّه عربيّ. وإنّما قالوا ذلك لأنّه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصّر من يحفظ التوراة ، وهو لمّا أحياه الله تعالى بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظا ، فتعجّبوا من ذلك وقالوا : ما هذا إلّا لأنّه ابن الله. والدليل على أنّ هذا القول كان فيهم أنّ الآية قرئت عليهم فلم يكذّبوا ، مع تهالكهم على التكذيب.

١٠١

وعن ابن عبّاس : جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا ذلك.

وقيل : قائله فنحاص. وسبب هذا القول أنّ اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه‌السلام ، فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض ، فأتاه جبرئيل فقال له : إلى أين تذهب؟ قال : أطلب العلم ، فحفّظه التوراة ، فأملاها عليهم عن ظهر لسانه لا يخرم حرفا ، فقالوا : ما جمع الله التوراة في صدره وهو غلام إلّا لأنّه ابنه.

(وَقالَتِ النَّصارى) أي : بعضهم (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) وإنّما قالوه استحالة لأن يكون ولد بلا أب ، أو لأنّه لا يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها.

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) إمّا تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ، ونفي للتجوّز عنها ، أو إشعار بأنّه قول مجرّد عن برهان وتحقيق ، مماثل للمهمل الّذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : يضاهي قولهم قول الّذين كفروا ، بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والمضاهاة المشابهة ، والهمزة لغة فيه ، وقد قرأ به عاصم ، ومنه قولهم : امرأة ضهياء على فعيل ، للّتي شابهت الرجال في أنّها لا تحيض (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبلهم. والمعنى : أنّ الّذين كانوا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم ، على معنى أنّ الكفر قديم فيهم ، أو قول المشركين الّذين قالوا : الملائكة بنات الله ، أو قول اليهود على أنّ الضمير للنصارى.

(قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم بالإهلاك ، فإنّ من قاتله الله تعالى هلك ، أو تعجّب من شناعة قولهم. وقال ابن الأنباري : المقاتلة من القتل ، فإذا أخبر عن الله بها كانت بمعنى اللعنة ، لأنّ من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك. (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف

١٠٢

يصرفون عن الحقّ إلى الباطل.

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) بأن أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله وتحليل ما حرّم الله ، أو بالسجود لهم ، كما تطاع الأرباب في أوامرهم.

ولهذا يسمّى أتباع الشيطان فيما يوسوس به عباده ، كما قال الله تعالى : (يَعْبُدُونَ الْجِنَ) (١). (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) (٢).

روى الثعلبي بإسناده عن عديّ بن حاتم قال : «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : يا عديّ اطرح هذا الوثن من عنقك. قال : فطرحته ، ثمّ انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الآية : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ). فقلت : إنّا لسنا نعبدهم. فقال : أليسوا يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّمه فتحلّونه؟ قلت : بلى. قال : فتلك عبادتهم.

وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما قالا : «أما والله ما صاموا لهم ولا صلّوا ، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا ، فاتّبعوهم فعبدوهم من حيث لا يشعرون».

وعن فضيل : ما ابالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق ، أو صلّيت لغير القبلة.

(وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أهّلوه للعبادة حين جعلوه ابنا لله تعالى. الا ترى إلى قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٣). (وَما أُمِرُوا) وما أمر المتّخذون أو المتّخذون أربابا ، فيكون كالدليل على بطلان الاتّخاذ (إِلَّا لِيَعْبُدُوا) ليطيعوا (إِلهاً واحِداً) وهو الله تعالى. وأمّا طاعة الرسول وسائر من أمر الله تعالى

__________________

(١) سبأ : ٤١.

(٢) مريم : ٤٤.

(٣) الزخرف : ٨١.

١٠٣

بطاعته فهو في الحقيقة طاعة الله تعالى. والأمر هو أدلّة العقل والنصوص في الإنجيل (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) صفة ثانية ، أو استئناف مقرّر للتوحيد (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزيه له عن أن يكون له شريك.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا) يخمدوا (نُورَ اللهِ) حجّته الدّالة على وحدانيّته وتقدّسه عن الولد ، أو القرآن ، أو نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِأَفْواهِهِمْ) بشركهم ، أو بتكذيبهم (وَيَأْبَى اللهُ) الإباء في الأصل المنع والامتناع ، وقد جرى مجرى عدم الإرادة والرضا هاهنا. فالمعنى : ولا يريد ولا يرضى (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بإعلاء التوحيد وإعزاز الإسلام. وإنّما صحّ الاستثناء المفرّغ والفعل موجب ، لأنّه في معنى النفي كما فسّر.

وقيل : إنّه سبحانه مثّل حالهم في طلبهم إبطال نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتكذيبه ، بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبثّ في الآفاق ، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى من الإضاءة والإنارة ، ليطفئه بنفخه ويطمسه.

(وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) محذوف الجواب ، وهو : لأتمّ ، لدلالة ما قبله عليه.

وقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) بالحجج والدلائل المبيّنة (وَدِينِ الْحَقِ) أي : الإسلام وما تضمّنه من أحكامه (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) كالبيان (١) لقوله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ولذلك كرّر (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) غير أنّه وضع «المشركون» موضع «الكافرون» ، للدلالة على أنّهم ضمّوا الكفر بالرسول إلى الشرك بالله. والضمير في «ليظهره» للدّين الحقّ أو للرسول. واللام في الدين للجنس ، أي : ليعلي دين الإسلام على سائر الأديان بالحجّة والغلبة فينسخها ، أو على أهلها فيخذلهم حتّى لا يبقى على وجه الأرض إلّا مغلوب ، فلا يغلب أحد أهل الإسلام بالحجّة ، وهم يغلبون أهل سائر الأديان بالحجّة. وأمّا الظهور بالغلبة ،

__________________

(١) خبر لقوله : وقوله ، في أوّل العبارة.

١٠٤

فهو أنّ كلّ طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ، ولحقهم قهر من جهتهم.

وقيل : أراد عند نزول عيسى عليه‌السلام لا يبقى أهل دين إلّا أسلم أو أدّى الجزية.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ ذلك يكون عند خروج المهديّ من آل محمد عليه‌السلام ، فلا يبقى أحد إلّا أقرّ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وقال الكلبي : لا يبقى دين إلّا ظهر الإسلام عليه ، وسيكون ذلك ولم يكن بعد ، ولا تقوم الساعة حتّى يكون ذلك.

قال المقداد بن الأسود : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله كلمة الإسلام إما بعزّ عزيز وإمّا بذلّ ذليل ، أمّا بعزّهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به ، وأمّا بذلّهم فيدينون له».

وعن ابن عبّاس : أنّ الهاء في «ليظهره» عائد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي : ليعلّمه الله الأديان كلّها حتّى لا يخفى عليه شيء منها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي : يأخذونها ويتناولونها من الجهة الّتي يحرم منها أخذه. وسمّى أخذ المال أكلا لأنّه الغرض الأعظم منه. والمعنى : أنّهم كانوا يأخذون الرشا في تبديل الأحكام وتخفيف الشرائع والمسامحة فيها من عوامهم (وَيَصُدُّونَ) ويمنعون غيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن اتّباع دينه الّذي هو الإسلام.

وقوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) يقتنون ويجمعون (الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) يحتمل أن يراد به الكثير من الأحبار والرهبان ، فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضنّ بها. وأن يراد المسلمون الّذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدّون حقّه. وحينئذ اقترانه بالمرتشين من أهل الكتاب للتغليظ. ويدلّ عليه أنّه لمّا نزل كبر على المسلمين ، فذكر عمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «إنّ الله لم

١٠٥

يفرض الزكاة إلّا ليطيب بها ما بقي من أموالكم».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أدّي زكاته فليس بكنز وإن كان باطنا ، وما بلغ أن يزكّى فلم يزكّ فهو كنز وإن كان ظاهرا» معناه : فليس بكنز أوعد الله عليه ، فإنّ الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله تعالى أن ينفق فيه.

وكذلك قوله عليه‌السلام : «من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها».

وقوله : «تبّا للذهب وتبّا للفضّة. قالها ثلاثا. فقالوا له : أيّ مال نتّخذ؟ قال : لسانا ذاكرا ، وقلبا خاشعا ، وزوجة تعين أحدكم على دينه».

وتوفّي رجل فوجد في مئزره دينار ، فقال عليه الصلاة والسلام : «كيّة» (١). وتوفّي آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال عليه الصلاة والسلام : «كيّتان».

معناه : ما لم يؤدّ حقّها ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها ، إلّا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار ، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره».

والضمير في «ولا ينفقونها» إلى المعنى ، لأنّ المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة ، كما قال عليّ عليه‌السلام : «أربعة آلاف وما دونها نفقة ، وما فوقها كنز».

وقيل : الضمير راجع إلى الأموال الّتي يتضمّنها الذهب والفضّة. أو معناه : ولا ينفقونها والذهب ، كما أنّ معنى قوله : فإنّي وقيّار بها لغريب ، أي : وقيّار كذلك.

وحينئذ تخصيص الضمير بالفضّة لقربها ، ودلالة حكمها على أنّ الذهب أولى بهذا الحكم.

وإنّما خصّ الذهب والفضّة من بين الأموال بالذكر ، لأنّهما قانون التموّل ، وأثمان الأشياء ، ولا يكنزهما إلّا من فضلا عن حاجته.

(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وهو الكيّ بهما.

قوله : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) أي : يوم توقد النار ذات حمى شديد

__________________

(١) الكيّة : اسم المرّة من : كوى.

١٠٦

عليها ، من قوله : نار حامية. ولو قيل : يوم تحمى ، لم يعط هذا المعنى. وأصله : تحمى بالنار ، فجعل الإحماء للنار مبالغة ، ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجارّ والمجرور ، تنبيها على المقصود ، فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، كما تقول : رفعت القصّة إلى الأمير ، فإن لم تذكر القصّة قلت : رفع إلى الأمير.

(فَتُكْوى بِها) بتلك الكنوز المحماة (جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) تخصيص هذه المواضع ، لأنّ جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى عند الناس ، والتنعّم بالمطاعم الشهيّة ، بحيث يتضلّعون منها وينفخون جنوبهم ، وبالملابس البهيّة الّتي يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك. أو لأنّهم كانوا يعبسون وجوههم للسائل ويولّونه جنوبهم وظهورهم في المجالس. أو لأنّها أشرف الأعضاء الظاهرة ، فإنّها المشتملة على الأعضاء الرئيسة الّتي هي الدماغ والقلب والكبد. أو لأنّها أصول الجهات الأربع الّتي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه.

(هذا ما كَنَزْتُمْ) على إرادة القول ، أي : يقال لهم : هذا ما كنزتم (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها ، وكان عين مضرّتها وسبب تعذيبها (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي : وبال كنزكم والمال الّذي تكنزونه وتجمعونه وتمنعون حقّ الله منه ، فحذف لدلالة الكلام عليه.

أورد مسلم بن الحجّاج في الصحيح (١) أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما من عبد له مال لا يؤدّي زكاته إلّا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنّم ، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره ، حتّى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون ، ثم يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار».

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٠ ح ٢٤.

١٠٧

وروى ثوبان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من ترك كنزا مثّل له يوم القيامة شجاعا (١) أقرع له ذنبان يتبعه ، ويقول : ويلك ما أنت؟ فيقول : أنا كنزك الّذي تركت بعدك ، فلا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقضمها ، ثمّ يتبعه سائر جسده».

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦))

ولمّا ذكر سبحانه وعيد الظالم لنفسه بكنز المال من غير إخراج الزكاة وغيرها من حقوق الله منه ، اقتضى ذلك أن يذكر النهي عن مثل حاله ، وهو الظلم في الأشهر الحرم الّذي يؤدّي إلى مثل حاله أو شرّ منه في المنقلب ، فقال : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) مبلغ عدد شهور السنة (عِنْدَ اللهِ) في حكم الله وتقديره. وهو معمول «عدّة» لأنّها مصدر (اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) أي : في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن ، أو في جميع الكتب المنزلة على أنبيائه ، أو فيما أثبته في حكمه ورآه حكمة وصوابا. وهو صفة لـ «اثنا عشر».

وقوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) متعلّق بما فيه من معنى الثبوت ، أو بالكتاب إن جعل مصدرا. والمعنى : أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر مذ خلق الله تعالى الأجرام والأزمنة. وإنّما تعبّد الله المسلمين أن يجعلوا سنتهم اثني عشر شهرا

__________________

(١) الشجاع : ضرب من الحيّات.

١٠٨

ليوافق ذلك عدد الأهلّة ومنازل القمر ، دون ما دان به أهل الكتاب. والشهر مأخوذ من شهرة الأمر ، لحاجة الناس إليه في معاملاتهم وغير ذلك من مصالحهم المعلّقة بالشهور.

(مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) واحد فرد وهو رجب ، وثلاثة سرد : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.

(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي : تحريم الأشهر الحرم هو الدين المستقيم ، دين إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام. والعرب قد تمسّكت به وراثة منهما ، فكانوا يعظّمون الأشهر الحرم ، ويحرّمون القتال فيها ، حتّى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهجه.

(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بهتك حرمتها وارتكاب حرامها. وأكثر الأمّة على أنّ حرمة المقاتلة فيها منسوخة. وأوّلوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهنّ ، فإنّه أعظم وزرا ، كارتكابها في الحرم وحال الإحرام. وعن عطاء أنّه لا يحلّ للناس أن يغزوا في الحرم وفي الأشهر الحرم ، إلّا أن يقاتلوا ، وما نسخت.

ويؤيّد الأوّل ما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوّال وذي القعدة.

(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) جميعا مؤتلفين غير مختلفين (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) جميعا. وهي مصدر : كفّ عن الشيء ، فإنّ الجميع مكفوف عن الزيادة ، وقع موقع الحال من الفاعل أو المفعول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) حثّهم على التقوى بضمان النصر لأهلها.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ الاعتبار في السنين بالشهور القمريّة لا الشمسيّة ، والأحكام الشرعيّة معلّقة بها ، وذلك لما علم الله تعالى فيه من المصلحة ، ولسهولة معرفة ذلك على الخاصّ والعامّ.

١٠٩

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧))

ولمّا قدّم سبحانه ذكر السنة والشهر ، عقّبه بذكر ما كانوا يفعلونه من النسيء ، فقال : (إِنَّمَا النَّسِيءُ) أي : تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر. وذلك أنّهم كانوا أصحاب حروب وغارات ، وكانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون شقّ عليهم ترك المحاربة ، فكانوا يحلّونه ويحرّمون مكانه شهرا آخر ، حتّى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرّد العدد ، وربما زادوا في عدد الشهور ، فيجعلونها ثلاثة عشر شهرا ليتّسع لهم الوقت ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) يعني : من غير زيادة زادوها. وعن نافع برواية ورش : إنّما النسيّ بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فيها. (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) لأنّه تحريم ما أحلّه الله تعالى وتحليل ما حرّمه الله ، وهو كفر آخر ضمّوه إلى كفرهم.

(يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ضلالا زائدا. وقرأ حمزة والكسائي وحفص : يضلّ على البناء للمفعول. وعن يعقوب : يضلّ على أنّ الفعل لله تعالى على سبيل التخلية. (يُحِلُّونَهُ عاماً) يحلّون النسيء من الأشهر الحرم سنة (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) ويحرّمون مكانه شهرا آخر في سنة اخرى ، فيتركونه على حرمته.

ويروى أنّه حدث ذلك في كنانة ، لأنّهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة ، وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهليّة ، وكان يقوم على جمل في الموسم فينادي : إنّ آلهتكم قد أحلّت لكم المحرّم فأحلّوه ، ثمّ ينادي في القابل : إنّ آلهتكم

١١٠

قد حرّمت عليكم المحرّم فحرّموه. والجملتان تفسير للضلال أو حال.

(لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ليوافقوا عدّة الأربعة المحرّمة ولا يخالفوها ، وقد خالفوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم. واللام متعلّقة بـ «يحرّمونه» ، أو بما دلّ عليه مجموع الفعلين (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) بمواطاة العدّة وحدها من غير مراعاة الوقت.

(زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) هداية موصلة إلى الاهتداء ، تخلية وخذلانا ، أي : لا يلطف بهم ، بل يخذلهم. أو هداية موصلة إلى الجنّة ، لفرط كفرهم وعنادهم.

قال ابن عبّاس : أوّل من سنّ النسيء عمرو بن يحيى بن قمعة بن جندب ، وقال مجاهد : كان المشركون يحجّون في كلّ شهرين ، فحجّوا في ذي الحجّة عامين ، ثمّ حجّوا في المحرّم عامين ، ثمّ حجّوا في صفر عامين ، وكذلك في الشهور ، حتّى وافقت الحجّة الّتي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة ، ثمّ حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العام القابل حجّة الوداع فوافقت ذا الحجّة ، فذلك حين قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، ورجب الّذي بين جمادى وشعبان».

أراد عليه‌السلام بذلك أنّ الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحجّ إلى ذي الحجّة ، وبطل النسيء.

١١١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))

روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم ، وذلك في زمان عسرة وقيظ وقحط ووقت إدراك الثمار ، فأحبّوا المقام في المسكن والمال ، وشقّ عليهم الخروج إلى القتال ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلّما خرج في غزوة إلّا كنّى عنها وورّى بغيرها إلّا غزوة تبوك ، لبعد شقّتها وكثرة العدوّ ، ليتأهّب الناس ، فأخبرهم بالّذي يريد واستنفرهم. فلمّا علم الله سبحانه تثاقل الناس عاتبهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) اخرجوا (فِي سَبِيلِ اللهِ) في الجهاد للقربة ، وهو هنا غزوة تبوك (اثَّاقَلْتُمْ) أصله : تثاقلتم ، فأدغمت التاء في الثاء ثمّ أدخلت همزة الوصل ، أي : تباطأتم (إِلَى الْأَرْضِ) متعلّق به ، كأنّه ضمّن معنى الإخلاد والميل فعدّي بـ «إلى» أي : ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) وغرورها (مِنَ الْآخِرَةِ) بدل الآخرة ونعيمها (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فما التمتّع بها (فِي الْآخِرَةِ) في جنب الآخرة (إِلَّا قَلِيلٌ) مستحقر.

(إِلَّا تَنْفِرُوا) إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) بالإهلاك بسبب فظيع ، كقحط وظهور عدوّ (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) ويستبدل بكم

١١٢

آخرين مطيعين ، كأهل اليمن وأبناء فارس (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أي : لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئا ، فإنّه الغنيّ عن كلّ شيء وفي كلّ أمر. وقيل : الضمير للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي : ولا تضرّوا الرسول ، فإنّ الله وعد له بالعصمة والنصرة ووعده حقّ. وفيه سخط عظيم على المتثاقلين ، حيث هدّدهم بعذاب عظيم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنّه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع ، وأنّه غنيّ عنهم في نصرة دينه.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد ، كما قال جلّت قدرته : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) أي : إن تركتم نصرته فسينصره الله ، كما نصره وجعله منصورا على أعدائه (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) حال كونه أحد اثنين ، أي : لم يكن معه إلّا رجل واحد ـ وهو أبو بكر ـ فلن يخذله من بعد ، فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه ـ أعني : قوله : (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ـ مقامه. وإن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتّى نصره في ذلك الوقت ، فلن يخذله في غيره. وإسناد الإخراج إلى الكفرة لأنّ همّهم بإخراجه أو قتله تسبيب ، لإذن الله له بالخروج.

(إِذْ هُما فِي الْغارِ) بدل من «إذ أخرجه» بدل البعض ، إذ المراد به زمان متّسع. والغار النقب العظيم في الجبل. وهو هاهنا نقب في أعلى ثور. وثور جبل في يمنى مكّة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثا.

(إِذْ يَقُولُ) بدل ثان أو ظرف لـ «ثاني» (لِصاحِبِهِ) وهو أبو بكر (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) مطّلع علينا وعالم بحالنا ، يحفظنا وينصرنا. ولمّا دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت فنسجت عليه. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ أعم أبصارهم.

فلمّا طلع سراقة بن مالك ونظراؤه فوق الغار جعلوا يتردّدون حوله ، ولم يروه ولا يفطنون ، وقد أخذ الله بأبصارهم عنه. وسراقة لمّا رأى بيض الحمام

١١٣

وبيت العنكبوت قال : لو دخله أحد لانكسر البيض وتفسّخ بيت العنكبوت ، فانصرفوا.

وروى عليّ بن إبراهيم بن هاشم قال : «كان رجل من خزاعة فيهم يقال له أبو كرز ، فما زال يقفو أثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى وقف بهم على باب الحجر ، فقال : هذه قدم محمّد ، هي والله أخت القدم الّتي في المقام ، وهذه قدم أبي قحافة أو ابنه.

وقال : ما جازوا هذا المكان ، إمّا أن يكونوا قد صعدوا في السماء ، أو دخلوا في الأرض. وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار ، وهو يقول لهم : اطلبوه في الشعاب فليس هاهنا ، وكانت العنكبوت نسجت على باب الغار. ونزل رجل من قريش فبال على باب الغار ، فقال أبو بكر : قد أبصرونا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم».

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أمنته الّتي تسكن عندها القلوب (عَلَيْهِ) على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأيقن أنّهم لا يصلون إليه.

وقال بعضهم (١) : يجوز أن تكون الهاء الّتي في «عليه» راجعا إلى أبي بكر.

وهذا بعيد ، لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا خلاف ، وذلك في قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) وفي قوله : «إذ أخرجه» وفي قوله : «لصاحبه» وقوله فيما بعد : «وأيّده» فكيف يتخلّلها ضمير عائد إلى غيره؟! هذا ، وقد قال الله تعالى في هذه السورة : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وقال في سورة الفتح : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣).

(وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) يعني : الملائكة أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو

__________________

(١) أنوار التنزيل ٣ : ٦٨ ـ ٦٩.

(٢) التوبة : ٢٦.

(٣) الفتح : ٢٦.

١١٤

ليعينوه على العدوّ يوم بدر والأحزاب وحنين. وعلى هذا الوجه ، الجملة معطوفة على قوله : «نصره الله». (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) يعني : الشرك ، أو دعوة الكفر (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) يعني : التوحيد ، أو دعوة الإسلام. والمعنى : وجعل ذلك بتخليص الرسول عن أيدي المشركين إلى المدينة ، فإنّه المبدأ له ، أو بتأييده إيّاه بالملائكة في هذه المواطن ، أو بحفظه ونصره له حيث حضر.

وقرأ يعقوب : كلمة الله بالنصب ، عطفا على «كلمة الّذين». والرفع أبلغ ، لما فيه من الاشعار بأنّ كلمة الله عالية في نفسها وإن فاق غيرها ، فلا ثبات لتفوّقه ولا اعتبار. وفي توسيط ضمير الفصل تأكيد زيادة فضل كلمة الله في العلوّ ، وأنّها المختصّة به دون سائر الكلم.

(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) في أمره وتدبيره.

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢))

ثمّ بيّن تأكّد وجوب الجهاد على العباد فقال : (انْفِرُوا خِفافاً) لنشاطكم له (وَثِقالاً) عنه لمشقّته عليكم ، أو لقلّة عيالكم ولكثرتها ، أو ركبانا ومشاة ، أو خفافا وثقالا من السلاح ، أو صحاحا ومراضا ، أو شبّانا وشيوخا ، ولذلك لمّا قال ابن أمّ مكتوم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعليّ أن أنفر؟ قال : نعم ، حتّى نزل قوله : (لَيْسَ عَلَى

١١٥

الْأَعْمى حَرَجٌ) (١).

الآية. وعن ابن عبّاس نسخت بقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) (٢).

(وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما على حسب الحال. وهذا يدلّ على أنّ الجهاد بالنفس والمال واجب على من استطاع بهما أو بأحدهما (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من تركه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير ، أو علمتم أنّه خير ، إذ إخبار الله به صدق فبادروا إليه.

(لَوْ كانَ) ما دعوا إليه (عَرَضاً) نفعا دنيويّا (قَرِيباً) سهل المأخذ (وَسَفَراً قاصِداً) وسطا (لَاتَّبَعُوكَ) لوافقوك طمعا في المال (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) المسافة الّتي تقطع بمشقّة.

(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) أي : المتخلّفون يحلفون بالله إذا رجعت من تبوك معتذرين (لَوِ اسْتَطَعْنا) يقولون : لو كان لنا استطاعة العدّة أو البدن ، فإنّهم تمارضوا (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) هو سادّ مسدّ جوابي القسم والشرط. وهذا من المعجزات ، لأنّه إخبار عمّا وقع قبل وقوعه. (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بإيقاعها في العذاب للأيمان الكاذبة ، فإنّ الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك ، أو لما أسرّوا به من الشرك. وهو بدل من «سيحلفون» أو حال من فاعله. (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في ذلك ، لأنّهم كانوا مستطيعين الخروج.

(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣))

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) التوبة : ٩١.

١١٦

ثمّ خاطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما فيه شوب العتاب في إذنه لمّا استأذنوه في التأخّر عن الخروج معه إلى تبوك ، فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) هو من لطيف المعاتبة فيما غيره منه أولى ، لا سيّما للأنبياء. وقد أخطأ جار الله (١) في أن (عَفَا اللهُ عَنْكَ) كناية عن الجناية والخطأ ، ومعناه : أخطأت وبئس ما فعلت جانيا. وحاشا سيّد الأنبياء وخير المرسلين أن ينسب إليه جناية وخطأ وسوء فعل ، لثبوت عصمته بالأدلّة العقليّة المانعة عن الجناية والخطأ. وقيل : معناه : أدام الله لك العفو.

(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بيان لما كنّي عنه بالعفو من ترك الأولى. والمعنى : لأيّ شيء أذنت لهم في القعود والتخلّف عنك حين استأذنوك واعتلّوا بأكاذيب؟! وهلّا توقّفت! (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في الاعتذار (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) فيه ، فإنّه أولى من إذنك في التخلّف.

قيل : إنّما فعل رسول الله شيئين والحال أنّ تركهما أولى وأحسن : أخذه الفداء ، وإذنه للمنافقين ، فعاتبه تعالى عليهما ليلتزم بما هو أولى في الأمور.

(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥))

ثمّ بيّن سبحانه حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان ، فقال : (لا يَسْتَأْذِنُكَ) لا يطلب منك الإذن في العقود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي : ليس من

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٢٧٤.

١١٧

عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، فإنّ الخلّص منهم يبادرون إليه ولا يوقفونه على الإذن فيه ، فضلا أن يستأذنوك في التخلّف عنه ، أو أن يستأذنوك في التخلّف كراهة أن يجاهدوا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) شهادة لهم بالانتظام في زمرة أهل التقوى ، وعدة لهم بأجزل الثواب.

(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التخلّف (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر في الموضعين ، للإشعار بأنّ الباعث على الجهاد والمانع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما (وَارْتابَتْ) واضطربت وشكّت (قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ) في شكّهم (يَتَرَدَّدُونَ) يتحيّرون ، فإنّ التردّد صفة المتحيّر ، كما أنّ الثبات صفة المستبصر. والمراد منهم المنافقون.

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))

ثمّ أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين ، فقال : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) إلى الجهاد (لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج (عُدَّةً) أهبة (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) نهوضهم للخروج إلى الغزو ، لعلمه تعالى بأنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين (فَثَبَّطَهُمْ) فحبسهم بالجبن والكسل وخذلهم ، لما علم منهم من الفساد.

وإنّما وقع الاستدراك بـ «لكن» لأنّ قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) يعطي معنى النفي ، وكأنّه قيل : ما خرجوا ولكن تثبّطوا عن الخروج ، لأنّ الله كره انبعاثهم ، فضعفت رغبتهم في الانبعاث.

(وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) النساء والصبيان والزمنى. هذا ذمّ لهم وتعجيز ، وهو إذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في القعود ، أو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم.

١١٨

وفي هذه الآية دلالة على أنّ إذنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم غير قبيح ، وإن كان الأولى أن لا يأذن ، ليظهر للناس نفاقهم.

(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢))

ثمّ بيّن سبحانه وجه الحكمة في تثبيطهم عن الخروج ، فقال : (لَوْ خَرَجُوا) لو خرج هؤلاء المنافقون إلى الجهاد (فِيكُمْ ما زادُوكُمْ) بخروجهم شيئا (إِلَّا خَبالاً) فسادا وشرّا. ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال حتّى لو خرجوا زادوه ، لأنّ الزيادة باعتبار أعمّ العامّ الّذي وقع منه الاستثناء. ولأجل هذا التوهّم جعل

١١٩

الاستثناء منقطعا. وليس كذلك ، لأنّ الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه ، كقولك : ما زادوكم خيرا إلّا خبالا ، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور ، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعمّ العامّ الّذي هو الشيء ، فكان استثناء متّصلا ، لأنّ الخبال بعض أعمّ العامّ.

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتضريب والتفريق ، أو الهزيمة والتخذيل ، من : وضع البعير وضعا إذا أسرع ، وأوضعته أنا.

والمراد السرعة بالفساد ، لأنّ الراكب أسرع من الماشي. (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم ، ويفسدوا نيّاتكم في غزواتكم ، أو الرعب في قلوبكم. والجملة حال من الضمير في «أوضعوا». (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) ضعفة من المسلمين يسمعون قولهم ويطيعونهم ، أو نمّامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) بالمصرّين على الفساد ، فيعلم ضمائرهم وما يتأتّى منهم.

(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) هي اسم يقع على كلّ شرّ وفساد ، أي : نصبوا لك الغوائل ، وسعوا في تشتيت شملك وتفريق أصحابك. (مِنْ قَبْلُ) يعني : يوم أحد ، فإنّ ابن أبيّ وأصحابه كما تخلّفوا عن تبوك بعد ما خرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ذي جدة أسفل من ثنيّة الوداع ، انصرفوا يوم أحد. وعن سعيد بن جبير : وقفوا في غزوة تبوك على الثنيّة ليلة العقبة ليفتكّوا به ، وهم اثنا عشر رجلا.

(وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) ودبّروا لك المكائد والحيل ، واحتالوا في إبطال أمرك (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) أي : النصر والتأييد الإلهي (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) علا وغلب دينه وأهله (وَهُمْ كارِهُونَ) أي : على رغم منهم. وهو في موضع الحال. والآيتان لتسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تخلّفهم ، وبيان ما ثبّطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له ، وهتك استارهم وكشف اسرارهم ، وإزاحة اعتذارهم ، تداركا لإذن رسوله تخلّفهم ، فعوتب عليه لترك الأولى.

١٢٠