زبدة التّفاسير - ج ٣

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٣

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-05-1
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٦

بالقتل والنار (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) فينجيهم من العذاب.

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨))

روي أنّ ثعلبة بن حاطب قال : «يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال : قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه. فراجعه ، فقال : والّذي بعثك بالحقّ لئن رزقني الله مالا لأعطينّ كلّ ذي حقّ حقّه. فدعا له ، فاتّخذ غنما فنمت كما ينمي الدود حتّى ضاقت بها المدينة ، فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة. فسأل عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل : كثر ماله حتى لا يسعه واد ، فقال : يا ويح ثعلبة. فبعث رسول الله مصدّقين لأخذ الصدقات ، فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ، ومرّا بثعلبة فسألاه واقرءاه كتاب رسول الله الّذي فيه الفرائض ، فقال : ما هذه إلّا جزية ، ما هذه إلّا أخت الجزية ، وقال : ارجعا حتّى أرى رأيي. فلمّا رجعا قال لهما رسول الله قبل أن يكلّماه : يا ويح ثعلبة مرّتين. فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) على الفقراء حقوقهم (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) بإنفاقه في طاعة الله.

(فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) منعوا حقّ الله تعالى منه (وَتَوَلَّوْا) عن

١٤١

طاعة الله (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) وهم قوم عادتهم الإعراض عنها. وبعد نزول هذه الآية جاء ثعلبة بالصدقة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله منعني أن أقبل منك».

فجعل يحثوا التراب على رأسه. فقال : هذا عملك ، قد أمرتك فلم تطعني. فقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء بها إلى أبي بكر فلم يقبلها ، ثمّ جاء بها إلى عمر في خلافته فلم يقبلها ، وهلك في زمان عثمان.

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) أي : فجعل الله تعالى عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ، وتخلية وخذلانا ، يعني : خذلهم حتّى نافقوا فتمكّن النفاق في قلوبهم ، لا ينفكّ عنها إلى أن يموتوا. وعن الحسن وقتادة : أن الضمير للبخل.

والمعنى : فأورثهم البخل نفاقا متمكّنا في قلوبهم (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) يلقون عملهم ، أي : جزاءه ، وهو يوم القيامة (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدّق والصلاح (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) وبكونهم كاذبين فيه ، فإنّ خلف الوعد متضمّن للكذب مستقبح ، ومنه جعل خلف (١) الوعد ثلث النفاق. أو في المقال مطلقا.

(أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي : المنافقون ، أو من عاهد الله تعالى (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) ما أسرّوه في أنفسهم من النفاق ، أو العزم على الإخلاف (وَنَجْواهُمْ) وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين ، أو تسمية الزكاة جزية (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) فلا يخفى عليه ذلك.

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩))

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «لأن المنافق هو الذي إذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب».

١٤٢

روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حثّ على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب ، وقيل : بأربعة آلاف درهم ، وقال : كان لي ثمانية آلاف ، فأقرضت ربّي أربعة ، وأمسكت لعيالي أربعة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت. فبارك الله له حتّى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم.

وتصدّق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر. وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر فقال : بتّ ليلتي أجرّ بالجرير (١) على صاعين ، فتركت صاعا لعيالي ، وجئت بصاع. فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينثره على الصدقات.

فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلّا رياء ، ولقد كان الله ورسوله لغنيّين عن صاع أبي عقيل ، ولكنّه أحبّ أن يذكّر بنفسه ليعطى من الصدقات. فنزلت : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) ذمّ مرفوع أو منصوب ، أو بدل من الضمير في «سرّهم» ، أي : الّذين يعيبون ويطعنون (الْمُطَّوِّعِينَ) المتطوّعين المتبرّعين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) إلّا طاقتهم ، فيتصدّقون بالقليل (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) يستهزؤن بهم (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) جازاهم على سخريّتهم ، كقوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٢) (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) على كفرهم.

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠))

روي أنّ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ـ وكان من المخلصين ـ سأل رسول

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «الجرير : الحبل الذي يجرّ به البعير. ومعناه : استقى للناس على أجر صاعين. منه».

(٢) البقرة : ١٥.

١٤٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرض أبيه ـ لعنه الله ـ أن يستغفر له ، فنزلت : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)

الأمر والنهي في معنى الخبر. والمعنى : لن يغفر الله لهم استغفرت أم لم تستغفر لهم. وفيه معنى الشرط والجزاء. والمراد به المبالغة في اليأس من المغفرة بأنّه لو طلبها طلب المأمور بها وتركها ترك المنهيّ عنها لكان ذلك سواء في أنّ الله تعالى لا يفعلها ، فيريد التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم ، كما نصّ عليه بقوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وقد شاع في كلامهم استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير دون التحديد.

وما قيل : من أنّه قال : لأزيدنّ على السبعين ، فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لن يغفر الله لهم. وذلك لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهم من السبعين العدد المخصوص ، لأنّه الأصل ، فجوّز أن يكون ذلك حدّا يخالفه حكم ما وراءه ، فبيّن له أنّ المراد به التكثير دون التحديد.

ضعيف (١) ، لأنّه خبر واحد لا يعوّل عليه ، لأنّه يتضمّن أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر للكفّار ، وذلك غير جائز بالإجماع. وكذا أورد في الآحاد أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو علمت أنّه لو زدت على السبعين مرّة غفر لهم لفعلت.

ويحتمل أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرجو أن يكون لهم لطف يصلحون به ، فعزم على الاستغفار لهم قبل أن يعلم بكفرهم ونفاقهم. ويمكن أن يكون قد استغفر لهم قبل أن يخبر بأنّ الكافر لا يغفر له ، أو قبل أن يمنع منه. ويجوز أن يكون استغفاره لهم واقعا بشرط التوبة من الكفر ، فمنعه الله منه ، وأخبره بأنّهم لا يؤمنون أبدا ، فلا فائدة في الاستغفار لهم. والله أعلم.

(ذلِكَ) أي : اليأس من المغفرة وعدم جواز استغفارك ليس لبخل منّا ، ولا قصور فيك ، بل (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) بسبب الكفر الصارف عنها (وَاللهُ لا

__________________

(١) خبر لـ «ما قيل» قبل أسطر.

١٤٤

يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) المتمرّدين في كفرهم. وهو كالدليل على الحكم السابق ، فإنّ مغفرة الكافر بالإقلاع عن الكفر والإرشاد إلى الحقّ ، والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي. ويجوز أن يكون ذلك تنبيها على عذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في استغفاره ، وهو عدم يأسه عن إيمانهم ما لم يعلم أنّهم مطبوعون على الضلالة ، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم ، لقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١).

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣))

ثمّ أخبر سبحانه عن المنافقين المخلّفين عن تبوك وابتهاجهم بذلك ، فقال : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) أي : الّذين خلّفهم النبيّ ولم يخرجهم معه إلى تبوك ، لأنّهم استأذنوه في التأخّر فأذن لهم ، ففرحوا (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) بقعودهم عن

__________________

(١) التوبة : ١١٣.

١٤٥

الغزو خلفه. يقال : أقام خلاف الحيّ ، أي بعدهم. ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة ، لأنّهم خالفوه حيث قعدوا ، فيكون انتصابه على العلّة أو الحال ، أي : قعدوا عن تبوك لمخالفة رسول الله ، أو مخالفين.

(وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) إيثارا للدعة والراحة على طاعة الله. وفيه تعريض بالمؤمنين الّذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) أي : قال بعضهم لبعض ، أو قالوه للمؤمنين تثبيطا وإقعادا عن الجهاد. (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ) الّتي وجبت لهم بالتخلّف عن أمر الله (أَشَدُّ حَرًّا) من هذا الحرّ بمراتب غير متناهية ، وقد آثرتموها بهذه المخالفة (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أن مآبهم إليها ، أو أنّها كيف اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة.

ثمّ أخبر عمّا يئول إليه حالهم في الدنيا والآخرة : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنّه حتم واجب. ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغمّ. والمراد من القلّة العدم.

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) فإن ردّك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلّفين ، يعني : منافقيهم ، فإنّ كلّهم لم يكونوا منافقين ، أو من بقي منهم ، وكان المتخلّفون اثني عشر رجلا أو ثمانية عشر (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) إلى غزوة اخرى بعد تبوك (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) إخبار في معنى النهي للمبالغة (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تعليل له. وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلّفهم. وأوّل مرّة هي الخرجة إلى غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) أي : المتخلّفين ، لعدم لياقتكم للجهاد ، كالنساء والصبيان.

١٤٦

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥))

روي أنّ ابن أبيّ المنافق دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، فلمّا دخل عليه سأله أن يستغفر له ، ويكفّنه في شعاره الّذي يلي جسده ويصلّي عليه ، فلمّا مات أرسل قميصه ليكفّن فيه ، وذهب ليصلّي عليه ، فأخذ جبرئيل بثوبه وتلا عليه : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) يعني : الموت على الكفر والنفاق.

واعلم أنّ «مات» وقع صفة للنكرة وهو «أحد». وأتى بصيغة الماضي ، وإن كان متعلّق النهي مستقبلا ، نظرا إلى وقت إيقاع الصلاة ، فإنّه بعد الموت ، فيكون الموت ماضيا بالنسبة إليه.

وإنّما قال : «أبدا» وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بأبديّ ، لأنّ المراد : لا تصلّ أنت ولا أمّتك أبدا ، أو يكون المراد أنّهم لا يستحقّون الصلاة أبدا لكفرهم. والأولى أنّه قيّده بالثانية قطعا لأطماعهم في ذلك ، أو قطعا لتجويز النسخ. وفي بعض الروايات أنّه صلّى عليه ، فقال له عمر : أتصلّي على عدوّ الله؟ فقال له : «وما يدريك ما قلت؟ فإنّي قلت : اللهمّ احش قبره نارا ، وسلّط عليه الحيّات والعقارب».

وإنّما لم ينه عن التكفين في قميصه ونهي عن الصلاة عليه ، لأنّ الضنّة بالقميص كان مخلّا بالكرم ، ولأنّه كان مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر.

روي أنّه قيل له : لم وجّهت إليه بقميصك وهو كافر؟ فقال : إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئا ، وإنّي أؤمّل من الله تعالى أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب. فيروى أنّه أسلم ألف من الخزرج.

١٤٧

(وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) ولا تقف عند قبره للدفن ، أو للزيارة والدعاء.

روي : أنّه عليه‌السلام كان إذا صلّى على ميّت وقف على قبره ساعة يدعو له ، فنهي عن الأمرين في المنافقين بسبب كفرهم بالله وموتهم على النفاق ، كما قال عزوجل (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) تعليل للنهي. والفسق هنا الكفر ، لأنّه أعمّ منه ، ويجوز إطلاق العامّ على الخاصّ.

(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) كرّر للتأكيد. والأمر حقيق به ، فإنّ الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد ، والنفوس مغتبطة عليها. ويجوز أن تكون هذه في فريق غير الأوّل.

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩))

ثمّ بيّن سبحانه تمام أخبار المنافقين ، فقال : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن. ويجوز أن يراد بها بعضها ، كما يقع القرآن والكتاب على كلّه وعلى بعضه.

(أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) بأن آمنوا. ويجوز أن تكون «أن» المفسّرة. (وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ

١٤٨

اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) ذووا الفضل والسعة ، من : طال عليه طولا (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) الّذين قعدوا عن الحرب.

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) مع النساء. جمع خالفة. وقد يقال : الخالفة للّذي لا خير فيه. (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) خذلانا وتخلية (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ما في الجهاد وموافقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السعادة ، وما في التخلّف عنه من الشقاوة.

(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي : إن تخلّف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) منافع الدارين : النصر والغنيمة في الدنيا ، والجنّة والكرامة في الآخرة. وقيل : الحور ، لقوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) (١). وهي جمع خيرة تخفيف خيّرة. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالمطالب.

ثمّ بيّن ما لهم من الخيرات الأخرويّة بقوله : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠))

روي أنّ أسدا وغطفان استأذنوا في التخلّف ، معتذرين بالجهد وكثرة العيال ، فنزلت فيهم : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) في التخلّف. وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل قالوا : إن غزونا معك أغارت طيّ على أهالينا ومواشينا.

والمعذّر إمّا من : عذّر في الأمر إذا قصّر فيه موهما أنّ له عذرا ولا عذر له ، أو من : اعتذر إذا مهّد العذر ، بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين. وقرأ

__________________

(١) الرحمن : ٧٠.

١٤٩

يعقوب : المعذرون.

(وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) نزل في غيرهم ، وهم منافقوا الأعراب كذبوا الله ورسوله في ادّعاء الايمان. وإن كانوا هم الأوّلين فكذبهم بالاعتذار.

(سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) من الأعراب أو من المعذّرين ، فإنّ منهم من اعتذر لكسله لا لكفره (عَذابٌ أَلِيمٌ) بالقتل والنار.

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣))

قيل : إنّ عبد الله بن أمّ مكتوم ـ وكان ضرير البصر ـ جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا نبيّ الله إنّي شيخ ضرير خفيف الحال خفيف الجسم وليس لي قائد ، فهل لي رخصة في التخلّف عن الجهاد؟ فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) هم الّذين قوّتهم ناقصة بالزمانة والعجز ، كالهرمى (١) (وَلا عَلَى الْمَرْضى) هم أصحاب العلل المانعة من الخروج (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما

__________________

(١) جمع الهرم ، وهو الضعيف البالغ أقصى الكبر.

١٥٠

يُنْفِقُونَ) لفقرهم ، كجهينة ومزينة وبني عذرة (حَرَجٌ) إثم في التأخّر (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) خلصوا لله ولرسوله بالإيمان والطاعة في السرّ والعلانية ، كما يفعل الموالي الناصح ، أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح.

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أي : ليس عليهم جناح ، ولا إلى معاتبتهم سبيل المؤاخذة. وإنّما وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على أنّهم منخرطون في سلك المحسنين ، غير معاتبين لذلك. (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهم أو للمسيء ، فكيف المحسن؟!

روي أنّ سبعة من الأنصار : معقل بن يسار ، وصخر بن خنساء ، وعبد الله بن كعب ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن غنمة ، وعبد الله بن مغفل ، وعلية بن زيد ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة نغز معك. فقال : لا أجد. فتولّوا وهم يبكون.

فنزلت فيهم : (وَلا عَلَى الَّذِينَ) عطف على الضعفاء ، أو على المحسنين (إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) أي : جاؤا يسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك إلى الجهاد ، إذ ليس معهم من الأموال والظهر ما يمكنهم للخروج في سبيل الله (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) حال من الكاف في أتوك بإضمار «قد» (تَوَلَّوْا) جواب «إذا» أي : رجعوا عنك (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) أي : من دمعها ، فإنّ «من» للبيان ، وهي مع المجرور في محلّ النصب على التمييز. وهذا ابلغ من : يفيض دمعها ، لأنّه يدلّ على أنّ العين جعلت كأنّ كلّها دمعا فيّاضا (حَزَناً) نصب على العلّة أو الحال أو المصدر لفعل دلّ عليه ما قبله (أَلَّا يَجِدُوا) متعلّق بـ «حزنا» أو بـ «تفيض» على تقدير اللام ، أي : لئلّا يجدوا (ما يُنْفِقُونَ) في مغزاهم.

عن الواقدي : أنّهم لمّا بكوا كثيرا حمل عثمان منهم رجلين ، والعبّاس بن

١٥١

عبد المطّلب رجلين ، ويامين بن كعب النضري ثلاثة.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ) بالمعاتبة (عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) واجدون الأهبة (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر ، كأنّه قيل : ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل : رضوا بالدناءة والانتظام في سلك الخوالف إيثارا للدعة (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) خذلانا وتخلية حتّى غفلوا عن وخامة العاقبة (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) عاقبته في التخلّف.

(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦))

قيل : إنّ ثمانين رجلا من المنافقين ، منهم جدّ بن قيس ومعتب بن قشير ، اعتذروا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تخلّفهم لمّا قدم راجعا من تبوك ، فقال : لا تجالسوهم ولا تكلّموهم ، فنزلت : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) في التخلّف بالأباطيل (إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) من هذا السفر (قُلْ لا تَعْتَذِرُوا) بالمعاذير الكاذبة ، لأنّه (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) لن نصدّقكم ، لأنّه (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ) أعلمنا بالوحي (مِنْ أَخْبارِكُمْ) بعض أخباركم ، وهو

١٥٢

ما في ضمائركم من الشرّ والفساد (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) أتتوبون عن الكفر أم تثبتون عليه؟ فكأنّه استتابة وإمهال للتوبة (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : إليه ، فوضع الوصف موضع الضمير ، للدلالة على أنّه مطّلع على سرّهم وعلنهم ، لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالتوبيخ والعقاب عليه.

(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) لتصفحوا عن جرمهم ، فلا تعاتبوهم ولا تعنّفوهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) إعراض ردّ وإنكار وتكذيب ، فلا توبّخوهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) نجس كالشيء الخبيث الّذي يجب الاجتناب عنه ، فاجتنبوهم كما تجتنب الأنجاس ، فإنّه لا ينفع فيهم التوبيخ والتعيير ، فإن المقصود منه التطهير بالحمل على الإنابة ، وهؤلاء أرجاس لا تقبل التطهير ، فهو علّة الإعراض وترك المعاتبة (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) من تمام التعليل ، وكأنّه قال : إنّهم أرجاس من أهل النار لا ينفع فيهم التوبيخ والعتاب في الدنيا والآخرة. أو تعليل ثان ، والمعنى : أنّ النار كفتهم عتابا ، فلا تتكلّفوا عتابهم (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يجوز أن يكون مصدرا ، وأن يكون علّة.

(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بحلفهم ، فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي : فإنّ رضاكم لا يستلزم رضا الله ، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله تعالى وعقابه. أو إن أمكنهم أن يلبسوا عليكم ، لا يمكنهم أن يلبسوا على الله تعالى ، فلا يهتك سترهم ، ولا ينزل الهوان بهم. والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم ، بعد الأمر بالإعراض وعدم الالتفات نحوهم.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ من طلب بفعله رضا الناس ولم يطلب رضا الله تعالى ، فإنّ الله يسخط الناس عليه ، كما جاء في الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

١٥٣

«من التمس رضا الله بسخط الناس رضي‌الله‌عنه وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».

(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩))

ولمّا تقدّم ذكر المنافقين بيّن سبحانه أنّ الأعراب منهم أشدّ في ذلك وأكثر جهلا ، فقال : (الْأَعْرابُ) أهل البدو (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) من أهل الحضر ، لتوحّشهم وقساوتهم ، وعدم مخالطتهم لأهل العلم ، وقلّة استماعهم للكتاب والسنّة (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) وأحقّ وأحرى بأن لا يعلموا (حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) من الشرائع ، فرائضها وسننها (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم حال كلّ أحد من أهل الوبر والمدر (حَكِيمٌ) فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا.

(وَمِنَ الْأَعْرابِ) ومن منافقي الأعراب (مَنْ يَتَّخِذُ) يعدّ (ما يُنْفِقُ) يصرفه في سبيل الله ويتصدّق به (مَغْرَماً) غرامة وخسرانا ، ولا يحتسبه عند الله تعالى ، ولا يرجو عليه ثوابا ، وإنّما ينفق رياء أو تقيّة من أهل الإسلام ، لا

١٥٤

لوجه الله (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) دوائر الزمان وحوادث الأيّام وعواقب الأمور من نوب الشدائد ، لينقلب الأمر عليكم ، وتذهب غلبتكم عليه ، فيتخلّص من الإنفاق.

(عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربّصون ، من قبيل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا) (١). أو بالإخبار عن وقوع ما يتربّصون عليهم. والدائرة في الأصل مصدر ، أو اسم فاعل من : دار يدور. وسمّي به عقبة الزمان. والسّوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة ، كقولك : رجل صدق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : السّوء ، هنا وفي الفتح (٢) بضمّ السين ، وهو العذاب.

(وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولون عند الإنفاق (عَلِيمٌ) بما يضمرون. قيل : هم أعراب أسد وغطفان وتميم.

ثمّ بيّن سبحانه من الأعراب المؤمنين المخلصين ، فقال : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ) سبب قربات. وهي ثاني مفعولي «يتّخذ» (عِنْدَ اللهِ) صفتها ، أو ظرف لـ «يتّخذ» (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) وسبب صلواته ، لأنّه كان يدعو للمتصدّقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى ، لمّا أتاه أبو أوفى بصدقته.

(أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) تقرّبهم إلى ثواب الله. وهذا شهادة من الله تعالى بصحّة معتقدهم ، وتصديق لرجائهم على الاستئناف ، مع حرف التنبيه ، و «إنّ» المحقّقة للنسبة ، والضمير لنفقتهم. وقرأ ورش : قربة بضمّ الراء. (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) وعد لهم بإحاطة الرحمة عليهم. والسين لتحقيقه. وقوله : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لتقريره. وهذه الآية في عبد الله ذي البجادين ورهطه.

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

(٢) الفتح : ٦.

١٥٥

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠))

ولمّا تقدّم ذكر الأعراب بقسميهم ، عقّبه بذكر السابقين إلى الايمان ، فقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي : السابقون إلى الايمان وإلى الطاعات. وإنّما مدحهم بالسبق لأنّ السابق إلى شيء يتبعه غيره ، فيكون متبوعا وغير تابع له ، فهو إمام فيه وداع إلى الخير بسبقه إليه ، وكذلك من سبق إلى الشرّ يكون أسوأ حالا لهذه العلّة.

(مِنَ الْمُهاجِرِينَ) من الّذين هاجروا من مكّة إلى المدينة وإلى الحبشة.

وهؤلاء السابقون هم الّذين صلّوا إلى القبلتين. وقيل : الّذين شهدوا بدرا ، أو الّذين أسلموا قبل الهجرة.

(وَالْأَنْصارِ) الّذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام. وهم أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة أو اثني عشر رجلا ، وأهل العقبة الثانية ، وكانوا سبعين. والّذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير ، فعلّمهم القرآن.

(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) لحقوا بالسابقين من القبيلتين ، أو من اتّبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة.

(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بما نالوا من نعمه الدينيّة والدنيويّة (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ). وقرأ ابن كثير : من تحتها ، كما هو في سائر المواضع. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الّذي يصغر في جنبه كلّ نعيم.

قال في المجمع : «وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ومزيّتهم على

١٥٦

غيرهم ، لما لحقهم من أنواع المشقّة في نصرة الدين ، فمنها مفارقة العشائر والأقربين ، ومنها مباينة المألوف من الدين ، ومنها نصرة الإسلام مع قلّة العدد وكثرة العدوّ ، ومنها السبق إلى الايمان والدعاء إليه.

واختلف في أوّل من أسلم من المهاجرين. قيل : أوّل من آمن خديجة بنت خويلد ، ثمّ عليّ بن أبي طالب. وهو قول ابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن إسحاق ، وغيرهم.

وقال أنس : بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الاثنين ، وأسلم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وصلّى خلف رسول الله يوم الثلاثاء.

وقال مجاهد وابن إسحاق : إنّه أسلم وهو ابن عشر سنين ، وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذه من أبي طالب وضمّه إلى نفسه يربّيه في حجره ، وكان معه حتّى بعث نبيّا.

وقال الكلبي : إنّه أسلم وله تسع سنين. وقيل : اثنتا عشرة سنة ، عن أبي الأسود. قال السيّد أبو طالب الهروي : وهو الصحيح.

وفي تفسير الثعلبي روى إسماعيل بن أياس بن عفيف ، عن أبيه ، عن جدّه عفيف ، قال : كنت امرءا تاجرا فقدمت مكّة أيّام الحجّ ، فنزلت على العبّاس بن عبد المطّلب ، وكان العبّاس لي صديقا ، وكان يختلف إلى اليمن يشتري العطر فيبيعه أيّام الموسم. فبينما أنا والعبّاس بمنى إذ جاء رجل شابّ حين حلّقت (١) الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ، ثمّ استقبل الكعبة فقام مستقبلها ، فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه ، فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشابّ فركع الغلام والمرأة ، فخرّ الشابّ ساجدا فسجدا معه ، فرفع الشابّ فرفع الغلام والمرأة.

__________________

(١) أي : ارتفعت.

١٥٧

فقلت : يا عبّاس أمر عظيم.

فقال : أمر عظيم.

فقلت : ويحك ما هذا؟

فقال : هذا ابن أخي محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب يزعم أنّ الله بعثه رسولا ، وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذا الغلام عليّ بن أبي طالب ، وهذه المرأة خديجة بنت خويلد زوجة محمّد ، تابعاه على دينه ، وأيم الله ما على ظهر الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء.

فقال عفيف الكندي بعد ما أسلم ورسخ الإسلام في قلبه : يا ليتني كنت رابعا.

وروي أنّ أبا طالب قال لعليّ عليه‌السلام : أي : بنيّ ما هذا الدين الّذي أنت عليه؟

قال : يا أبة آمنت بالله ورسوله ، وصدّقته فيما جاء به ، وصلّيت معه لله. فقال له : ألا إنّ محمّدا لا يدعو إلّا إلى خير فالزمه.

وروى عبيد الله بن موسى ، عن العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر ، صلّيت قبل الناس سبع سنين».

وفي مسند السيّد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيّوب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ فيها أحد غيري وغيره».

وقيل : إنّ أوّل من أسلم بعد خديجة أبو بكر. عن إبراهيم النخعي. وقيل : أوّل من أسلم بعدها زيد بن حارثة. عن الزهري وسليمان بن يسار وعروة بن أبي الزبير.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني (١) بإسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ٣٣٣ ح ٣٤٢.

١٥٨

عوف في قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) قال : «هم عشرة من قريش ، أوّلهم إسلاما عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))

ثمّ عاد الكلام إلى ذكر المنافقين ، فقال : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) من جملة من حول بلدتكم ، يعني : المدينة (مِنَ الْأَعْرابِ) الّذين يسكنون البدو (مُنافِقُونَ) وهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار ، كانوا نازلين حولها (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) عطف على خبر المبتدأ الّذي هو «ممّن حولكم». ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدأ والخبر إذا قدّرت : ومن أهل المدينة قوم. (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) أي تمرّنوا على النفاق ، من قولهم : مرن فلان على عمله ومرد عليه ، إذا درب به حتّى لان عليه ومهر فيه. فعلى الوجه الأخير «مردوا» صفة موصوف محذوف. ونظيره في حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، قوله : أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا ، أي : أنا ابن رجل جلا ووضح أمره. وعلى الأوّل صفة للمنافقين فصّل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر ، أو كلام مبتدأ لبيان تمرّنهم وتمهّرهم في النفاق.

ودلّ على مهارتهم في النفاق قوله : (لا تَعْلَمُهُمْ) لا تعرفهم بأعيانهم ، أي : مهارتهم فيه وتنوّقهم في تحامي مواقع التهم إلى حدّ أخفى عليك حالهم ، مع كمال فطنتك وصدق فراستك.

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٦٤ ـ ٦٥.

١٥٩

ثمّ قال : (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) لا يعلمهم إلّا الله المطّلع على البواطن ، لأنّهم يبطنون الكفر في ضمائرهم ، ويظهرون لك الايمان وظاهر الإخلاص الّذي لا تشكّ في أمرهم ، فهم وإن لبسوا عليك لكن لم يقدروا أن يلبسوا علينا.

(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) بالفضيحة والقتل على أيدي الملائكة ، أو بأحدهما وعذاب القبر ، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان.

عن ابن عبّاس أنّهم اختلفوا في هاتين المرّتين فقال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا يوم الجمعة ، فقال : اخرج يا فلان فإنّك منافق ، اخرج يا فلان فإنّك منافق ، وأخرج ناسا وفضحهم ، فهذا العذاب الأوّل ، والثاني عذاب القبر.

(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) هو عذاب النار.

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢))

روي أنّ ثلاثة من المتخلّفين وهم : أبو لبابة مروان بن عبد المنذر وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام ، أو عشرة ، وقيل : سبعة منهم هؤلاء الثلاثة ، لمّا سمعوا ما نزل في المتخلّفين عن تبوك أيقنوا بالهلاك ، وأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد توبة وندما على فعلهم ، وكان سبب تأخّرهم اشتغالهم بإصلاح أموالهم. فقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل المسجد فصلّى ركعتين ، وكانت عادته كلّما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم ، فذكر له أنّهم أقسموا أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي يحلّهم. فقال : وأنا أقسم أن لا أحلّهم حتّى اومر فيهم ، فنزلت :

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) ولم يعتذروا من تخلّفهم بالمعاذير الكاذبة (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) أي : خلطوا العمل الصالح الّذي هو إظهار الندم والاعتراف بالذنب ، بآخر سيّء هو التخلّف وموافقة أهل النفاق. والواو إما بمعنى الباء ، كما في قولهم : بعت الشاء شاة ودرهما ، أي : بدرهم ، أو واقعة بمعناه الأصلي

١٦٠