ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

البائع لاجتماع شرائط الصحّة وعدم صحّته في مال غيره لانتفاء بعض شرائط الصحّة فيه ليس ترجيحاً بلا مرجّح.

ويندفع الثالث : بأنّ الثمن المسمّى ثمن المجموع وهو معلوم ، ولا يعتبر معلوميّة حصّة كلّ واحد من الأجزاء من الثمن بعد إمكان استعلامها بالقسمة وملاحظة النسبة ، وهذا ليس من قبيل المثال المفروض ، إذ الألف لم يعتبر ثمناً باعتبار عدم كون عبد فلان داخلاً في المثمن فلا بدّ وأن يكون ثمن عبد البائع معلوماً ، وما يقابله من الألف مجهول حين العقد.

ثمّ إنّ جمعاً من الأصحاب قيّدوا صحّة البيع في مال البائع بأن لا يتولّد من عدم إجازة مالك بعض المبيع مانع شرعي من الصحّة ، من لزوم بيع الآبق بلا ضميمة ، أو لزوم ربى ، أو غير ذلك ، وإلّا فسد لعدم صحّة بيع الآبق من دون ضميمة كما لو باع عبده الآبق مع عبد غيره الّذي ليس بآبق فلم يجزه مالكه ، ولعدم صحّة البيع الربوي كما لو باع درهماً له مع فلس لغيره بدرهمين فلم يجزه مالك الفلس ، فلو أخرج قيمة الفلس من الدرهمين بالتوزيع بقي فيما يقابل درهم البائع من الدرهمين أزيد من درهم ، وهو بيع جنس بالجنس مع زيادة.

الجهة الثانية : في أنّ البائع بعد ما صحّ البيع في ماله يأخذ بحصّته من الثمن ، ولا بدّ لاستعلام الجهة ومعرفته من طريق ، ويختلف ذلك بحسب اختلاف صور المبيع في كونه بمجموعه قيميّاً أو مثليّاً أو ملفّقاً من القيمي والمثلي ، فهاهنا مسائل ثلاث :

المسألة الاولى : في بيان طريق معرفة حصّة البائع من الثمن فيما إذا كان المثمن بمجموع جزئيه من القيميّات ، فنقول : إنّ طريق معرفة الحصّة إنّما هو التقسيط ، وقد اختلفت عبارات الأصحاب في بيان كيفيّته اختلافاً فاحشاً واضطربت كلماتهم اضطراباً شديداً ، ولا فائدة مهمّة في التعرّض لنقل عباراتهم المختلفة وكلماتهم المضطربة ، بل المهمّ إنّما هو بيان الطريق الواقعي المنضبط لكيفيّة التقسيط بحيث لا يتخلّف ولا يستتبع ظلماً وإجحافاً ولا تنازعاً ولا محذوراً آخر ، فنقول : إنّ لها طريقين :

أحدهما : أن يقوّم المالان متفرّقين وبعبارة اخرى أن يقوّم كلّ منهما منفرداً ، ثمّ تنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة

٩٠١

فما خرج فهو الحصّة.

وثانيهما : أن يقوّم المالان مجتمعين وبعبارة اخرى يقوّم مجموعهما معاً ، ثمّ يقوّم أحدهما منفرداً ثمّ تنسب تلك القيمة إلى قيمة المجموع فيؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة فما خرج فهو الحصّة. وهذان الطريقان يتّحدان ولا يختلفان في غالب موارد المسألة.

نعم قد يحصل الاختلاف بينهما فيما لو كان للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة في زيادة القيمة بحيث يزيد من جهتها قيمة المجموع على مجموع قيمتيهما ، كمصراعي الباب وزوجي الخفّ وما أشبه ذلك ، كما لو كان الثمن المسمّى ثلاثة وكان قيمة المجموع أربعة ، وقيمة كلّ واحد منفرداً واحداً ، فمجموع القيمتين اثنان ، ويزيد عليه قيمة المجموع باثنين ، ونسبة الواحد [إلى] مجموع القيمتين بالنصف وإلى قيمة المجموع بالربع ، وبسبب اختلاف النسبة يتفاوت الحصّة أيضاً ، لأنّ حصّة البائع على نسبة النصف نصف الثلاثة واحد ونصف ، وعلى نسبة الربع ربع الثلاثة وهو ثلاثة أرباع واحد ، والأوّل يزيد عليه بمثله وهو حصّته من الزيادة الحاصلة من الهيئة الاجتماعيّة الّتي لم تسلّم للمشتري في صورة عدم الإجازة فلا يستحقّها البائع ، فلو أخذها والحال هذه لزم خروجها من المشتري بلا عوض وهو إجحاف وظلم عليه.

وطريق التخلّص عنه إنّما هو التقسيط على حسب نسبة قيمة ماله إلى قيمة مجموع المالين لا إلى مجموع القيمتين ، فنحن نتكلّم أوّلاً في كيفيّة التقسيط بالنسبة إلى غالب الموارد الّتي لم يكن للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة في زيادة القيمة ونقصانها ، وقد عرفت أنّ طريقها أن يقوّم كلّ من المالين منفرداً ثمّ تنسب قيمة مال البائع إلى مجموع القيمتين ، فيبقى للبائع من الثمن ما هو على حسب تلك النسبة ، ومثاله على ما ذكروه ما إذا كان الثمن المسمّى ثلاثة دنانير وقوّم المملوك وهو مال البائع بقيراط وغيره بقيراطين ، فيرجع المشتري بثلثي الثمن ويستردّهما من البائع على تقدير دفعه إليه ، أو يرجع البائع على المشتري بثلث الثمن ويطالبه منه على تقدير عدم دفعه ، وإنّما لم يقسّط الثمن على العينين ابتداءً ، لأنّهما قد لا يكونان متماثلين كعبد وفرس مثلاً فتعذّر التقسيط حينئذٍ ، وفيما كانا متماثلين فكثيراً ما لا يتساوى قيمتاهما فيتعذّر التقسيط أيضاً فلا بدّ في التقسيط من التقويم توصّلاً إلى التمكّن منه في جميع الفروض.

٩٠٢

وإنّما اعتبر في التقويم نسبة قيمة أحد المالين كمال البائع إلى مجموع القيمتين لا إلى نفس الثمن وأخذ القيمة منه بتلك النسبة ، لئلّا يفتقر إلى تقويمين تحرّزاً عن الإجحاف والظلم بالنسبة إلى البائع أو إلى المشتري ، فإنّ الثمن المسمّى قد ينقص عن مجموع القيمتين وقد يزيد عليه ، فلو اخذ قيمة المملوك على حسب نسبتها إلى الثمن لا إلى مجموع القيمتين لزم أن يخرج من المشتري إلى البائع شي‌ء بلا عوض على الأوّل ، وأن يبقى من حقّ البائع شي‌ء عند المشتري ، ومثاله ما لو كان الثمن أربعين وقوّم مال البائع بعشرين والمال الآخر بثلاثين ومجموعهما خمسون ، ونسبة عشرين إلى خمسين خمسان ، فلو أخذ البائع من الثمن على حسب تلك النسبة كان حصّته ستّة عشر خمسي أربعين ، ولو أخذ على حسب نسبة عشرين إلى أربعين كان حصّته تمام عشرين ، وهو يزيد على الأوّل بأربعة وهو من مال المشتري يخرج إليه بلا عوض ، أو كان الثمن ستّين مع كون قيمة كلّ من المالين كما ذكر ، فلو أخذ البائع من الثمن على حسب نسبة عشرين إلى خمسين كان حصّته أربعة وعشرين خمسي ستّين ، ولو أخذ على حسب نسبة عشرين إلى الثمن كان حصّته عشرين ثلث ستّين فيبقى من حقّه في ذمّة المشتري أربعة فيلزم الظلم بالنسبة إليه.

وأيضاً فلو قسّط الثمن على حسب ما قوّم المملوك بأن يأخذ البائع من الثمن عين قيمة ماله من دون مراعاة النسبة لزم ـ مضافاً إلى الإجحاف ـ التنازع ، وذلك لأنّ قيمة مال البائع بعد عدم إجازة المالك قد تساوى الثمن ، وقد تزيد عليه ، وقد تنقص منه.

فعلى الأوّل لو كانت العبرة بعين القيمة يلزم الإجحاف على المشتري لو قلنا بأنّه لا يرجع بما يقابل قيمة ما لم يجز البيع فيه من المبيع ، لخروج جزء من ثمنه بلا عوض وهو الّذي دفعه في مقابل الجزء الغير المجاز من المبيع ، ولو قلنا بأنّه يرجع لزم التنازع فيما لو كان قيمة كلّ من المالين عشرة والثمن المسمّى أيضاً عشرة ، ولو خصّص العشرة لزم الترجيح بلا مرجّح ، مضافاً إلى أنّه لو خصّصناه بالمشتري لزم مع الإجحاف على البائع الجمع بين العوض والمعوّض ، لأنّه يأخذ مال البائع ويمنعه من عوضه وهو جمع بين العوض والمعوّض ، بل يلزم التنازع على تقدير إجازة المالك مضافاً إلى لزوم الترجيح بلا مرجّح لو خصّص بأحدهما.

٩٠٣

ومثله الكلام في لزوم المحذورين على الثاني وهو زيادة القيمة على الثمن ، مضافاً إلى لزوم محذور آخر وهو استحقاق البائع على المشتري القدر الزائد على الثمن من غير الجهة العقديّة ، فيكون من قبيل تملّك مال بلا سبب شرعي ، إذ المفروض تحقّق السبب بالنسبة إلى المسمّى ، والقدر الزائد خارج منه فلا بدّ في التقسيط من ملاحظة النسبة ، ثمّ يقسّط الثمن على حسب تلك النسبة لئلّا يلزم شي‌ء من المحاذير.

وضابطه الكلّي أن يلاحظ مجموع القيمتين بعد تقويم كلّ من المالين منفرداً ، وينسب إليه قيمة كلّ منهما فيؤخذ من الثمن بإزاء كلّ مال بتلك النسبة سواء كان المأخوذ بتلك النسبة لكلّ مال مساوياً لقيمته منفرداً أو أزيد منها أو أنقص منها ، فلو قوّم المالان كلّ بخمسة والثمن عشرة يقسّط العشرة نصفين ، ولو قوّم أحدهما بأربعة والآخر بستّة يقسّط العشرة أخماساً ، ولو قوّم أحدهما بثلاثة والآخر بأربعة يقسّط العشرة أسباعاً ، ولو قوّم أحدهما باثنين والآخر بثلاثة قسّط العشرة أخماساً ، ولو قوّم أحدهما باثنين والآخر بأربعة قسّط العشرة أثلاثاً ، ولو قوّم أحدهما بواحد والآخر بثلاثة قسّط الثمن أرباعاً وهكذا. وإن شئت مثالاً لمزيد التوضيح فافرض الثمن اثني عشر وقيمة أحد المالين ثلاثة والآخر ستّة فاجمع القيمتين فيحصل تسعة ، وانسب الثلاثة إلى التسعة فيكون ثلاثة ، فيكون ما يقابله من الثمن أربعة لأنّه ثلث اثني عشر ، ومن هنا يعلم أنّه يكفي في التقسيط نسبة إحدى القيمتين إلى المجموع ، لأنّه إذا عرفت هذه النسبة واخذ من الثمن على حسبها يبقى الباقي منه في مقابلة قيمة المال الآخر ، وإن لم يعلم أنّ نسبتها إلى المجموع ما ذا.

فظهر بما قرّرناه أنّ الطريق المذكور موافق للعدل ويقتضيه الاعتبار وطريقة الشارع ، وهو كما يجري على تقدير عدم الإجازة يجري على تقدير الإجازة أيضاً بلا فرق بينهما ، غاية الأمر أنّ الثمن على الأوّل بين البائع والمشتري ، وعلى الثاني بين البائع والمجيز.

ولكن قد يشكل الحال فيما لم يكن كلّ من جزئي المبيع متموّلاً بانفراده لعدم قيمة له في العرف والعادة إذا اخذ منفرداً ، بل المجموع المركّب متموّل والقيمة متقوّمة بالمجموع فحينئذٍ لا يمكن تقويم كلّ واحد منفرداً حتّى يلاحظ النسبة بين إحدى

٩٠٤

القيمتين ومجموع القيمتين ، فيتعذّر التقسيط بناءً على هذا الطريق ، وذلك نظير حمل حطب بين جماعة لكلّ واحد عودة خشب لا قيمة لها ، أو رطل حنطة بينهم لكلّ واحد حبّة لا قيمة لها ، أو قطعة أرض بينهم لكلّ واحد منها شبر لا قيمة له.

فقد يقال : بأنّ الثمن في مثل ذلك يقسّط على حسب الملكيّة وعدد رءوس الشركاء ، فلو كان المبيع بين اثنين يقسّط الثمن نصفين أو بين ثلاثة فأثلاثاً أو بين أربعة فأرباعاً ، وهكذا من غير فرق بين تساوي الحقوق في المقدار وزناً أو مساحة ، وبين اختلافها كاختلاف أعواد الحطب في الطول والقصر ، واختلاف حبّات الحنطة في الكبر والصغر ، واختلاف أبعاض الأرض في تماميّة الشبر ونقصانه والزيادة بما لا يبلغ حدّ الماليّة ، فإنّ نحو هذا الاختلاف غير ضائر ، إذ ليس في الشرع ميزان منضبط لرفعه فيكون مغتفراً ، وله في الشرعيّات نظائر كثيرة ، كما لو جنى اثنان على واحد ، واجتمع اثنان على إتلاف مال واحد مع اختلافهما في زيادة التأثير وقلّته ، فإنّ الدية في الأوّل والضمان في الثاني عليهما بالسويّة.

وفيه : نظر ، أمّا أوّلاً : فلأنّ ذلك على تقدير تماميّته إنّما يصحّ في صورة إجازة المالك ، وأمّا في صورة عدم الإجازة فلا للزوم بيع ما ليس بمال ، وبذل المال في مقابلة ما ليس بمال وهذا خلف من جهة المعاملة السفهيّة ، فالوجه فيه بطلان البيع رأساً. وهذا في الحقيقة يندفع بمفهوم التقييد المتقدّم في كلام جماعة من الأصحاب ، وهو تقييد صحّة البيع في مال البائع على تقدير عدم إجازة مالك بأن لا يتولّد من عدم الإجازة مانع من الصحّة ، إذ المفروض عدم انحصار المانع الشرعي فيما تقدّم من الربويّة والإباق ، بل من الموانع الشرعيّة عن صحّة البيع خروج الشي‌ء عن الماليّة.

وأمّا ثانياً : فلإمكان الاعتبار الرافع لتفاوت الاختلاف على طبق الطريق المتقدّم بالتضعيف ، وهو تكرير الواحد مراراً عديدة فيكرّر كلّ جزء من المبيع مراراً عديدة حتّى يبلغ الحاصل مبلغ الماليّة فيقوّم مبلغ كلّ جزء ثمّ يجمع القيم ثمّ تنسب قيمة مبلغ حقّ البائع إلى مجموع القيم ، وأيّ نسبة حصلت تكون هذه النسبة ميزاناً فيقسط الثمن بين الأجزاء على حسب تلك النسبة ، ويخرج الحصّة الواقعيّة من دون إجحاف. وبمراعاة هذا الاعتبار يندفع الإشكال أيضاً فيما لو باع ماله منضمّاً إلى ملك غيره ممّا

٩٠٥

لا يتموّل بانفراده وأجازه المالك ، فلا يلزم إجحاف على البائع لو كرّر ماله مع ملك الغير مراراً حتّى يبلغ ملك الغير مبلغ الماليّة ، فينسب قيمة مبلغ مال البائع إلى مجموع القيمتين فيأخذ البائع من الثمن على حسب تلك النسبة ، فما بقي منه فهو حصّة المالك. هذا كلّه على تقدير عدم مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في زيادة القيمة.

فأمّا إذا كان لها مدخليّة في زيادة القيمة ، فلا كلام ظاهراً لأحد في أنّ طريق التقسيط فيه على تقدير إجازة المالك كما تقدّم من تقويم كلّ واحد منفرداً ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين والأخذ من الثمن على حسب تلك النسبة ، وإنّما الكلام في صورة عدم إجازة المالك فاختلف الأصحاب في أنّ طريق التقسيط هل هو أن يقوّم كلّ منهما منفرداً تنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ـ كما عن جامع المقاصد (١) والميسيّة (٢) والمسالك (٣) والروضة (٤) والرياض (٥) والحدائق (٦) ـ أو أن يقوّما مجتمعين وتنسب قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة كما عن آخرين؟

ويظهر الثمرة في زيادة حصّة البائع من الثمن ونقصانها ، إذ على الطريق الأوّل يزيد حصّته منه عليها على الطريق الثاني ، فلو كان قيمة المجموع اثني عشر مثلاً وقوّم كلّ منهما بأربعة ونصف ، والثمن ستّة ومجموع القيمتين تسعة ، فلو أخذ البائع من الثمن على حسب نسبة أربعة ونصف إلى التسعة كان حصّته ثلاثة نصف الستّة ، ولو أخذ منه على حسب نسبة أربعة ونصف إلى اثني عشر كان حصّته اثنين وربعاً ربع الستّة ونصف ربعه ، لأنّه نسبة قيمة ماله إلى اثني عشر قيمة المجموع.

ولو قوّما منفردين على التفاوت ، بأن كان قيمة مال البائع منفرداً ثلاثة ، وقيمة المال الآخر ستّة ، كان مجموع القيمتين أيضاً تسعة ، فالبائع إذا أخذ من الثمن بمقتضى نسبة الثلاثة إلى التسعة وهو الثلاث كان حصّته منه اثنين ثلث الستّة ، وإذا أخذ منه بمقتضى نسبته إلى اثني عشر وهو الربع كان حصّته منه واحداً ونصفاً ربع الستّة ، فمرجع قول الأوّلين إلى أنّ البائع يستحقّ من الثمن على تقدير عدم إجازة المالك قدر ما يستحقّه

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٨.

(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٤٧.

(٣) المسالك ٣ : ١٦٢.

(٤) الروضة ٣ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٥) الرياض ٨ : ٢٣٢. (٦) الحدائق ١٨ : ٤٠٢.

٩٠٦

مع الإجازة ، ولازمه أن يقولوا إنّ البيع مع عدم إجازة المالك يبطل في قدر ما يستحقّه من الثمن مع الإجازة ، فلا يتفاوت الحال في طريق التقسيط بين صورتي إجازة المالك وعدم إجازة مع مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في زيادة القيمة ، كما هو كذلك مع عدم المدخليّة.

واحتجّوا عليه كما في مفتاح الكرامة «بأنّه لا يستحقّ مالك كلّ واحد حصّته إلّا منفردة فلا يستحقّ ما يزيد باجتماعهما» (١).

وقد يقرّر بأنّ كلاًّ منهما يستحقّ حصّة ماله منفرداً ، والهيئة الاجتماعيّة ليست مملوكة لأحد ، ومقتضى استحقاق البائع لحصّة ماله منفرداً أن ينسب قيمة ماله منفرداً إلى المجموع منها وقيمة المال الآخر.

وقرّره في الرياض «بأنّه لا يستحقّ مالك كلّ واحد ماله إلّا منفرداً ، وحينئذٍ فيقوّم كلّ منهما منفرداً وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، دون أن ينسب إلى قيمتهما مجتمعين» (٢).

فمبنى كلامهم على ما يقتضيه بياناتهم في الاحتجاج كسائر كلماتهم على عدم كون الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة من انضمام المالين مملوكة فليس لها قسط من الثمن ، فإذا لم تسلّم للمشتري بعدم إجازة غير البائع لم يسقط من الثمن شي‌ء ، فيستحقّ البائع مع عدم الإجازة قدر ما يستحقّه مع الإجازة ، وقضيّة ذلك أن يكون مبنى كلام الآخرين على توهّم كون الهيئة الاجتماعيّة مملوكة لهما لتقوّمها بماليهما فيكون لها قسط من الثمن ، فإذا لم تسلّم للمشتري من جهة عدم إجازة غير البائع يسقط من الثمن قسطها ، فتقويمهما مجتمعين ثمّ نسبته قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع ، والأخذ من الثمن بتلك النسبة إنّما هو لاستعلام ما يسقط من الثمن في مقابل الهيئة الاجتماعيّة ، وما يبقى للبائع بعد سقوط ما يقابل الهيئة ، فرجع النزاع في المقام إلى النزاع في أنّ الهيئة الاجتماعيّة هل هي مملوكة ولها قسط من الثمن فيبقى قسطها مع سلامتها للمشتري ويسقط مع عدم سلامتها أولا؟

والأصحّ هو الثاني لا لما قيل : من أنّ البيع يبطل في مال الغير مع عدم إجازته

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٤٧.

(٢) الرياض ٨ : ٢٣١.

٩٠٧

بحصّته من الثمن الّتي كان يستحقّها مع الإجازة ، فيستحقّ البائع مع عدم الإجازة بحصّته الّتي كان يستحقّها مع الإجازة لعدم الملازمة.

ولا لما قيل : من أنّ المشتري على تقدير عدم الإجازة يقوم مقام المالك على تقدير إجازته ، فكما أنّ المالك يستحقّ من الثمن ما يقتضيه نسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين ، فالمشتري أيضاً يستردّ منه على تقدير عدم إجازة المالك ما يقتضيه تلك النسبة ، فتبقى للبائع أيضاً من الثمن ما يقتضيه ، لأنّه دعوى بلا دليل ، فالاستناد إليه من غير دليل نوع مصادرة.

ولا لما قد يستند إليه من أصالة عدم سقوط شي‌ء عن حصّة البائع من الثمن ، وهو القدر الزائد على ما يقتضيه نسبة قيمة ماله إلى قيمة المجموع ، أعني الثلاثة أرباع في المثال المتقدّم ، على تقدير كون قيمة ماله منفرداً أربعة ونصفاً والنصف على تقدير كونها ثلاثة ، لأنّها معارضة بأصالة عدم ثبوت ذلك القدر الزائد من أصله ، فإنّ القدر المقطوع بثبوته للبائع من الثمن اثنان وربع على التقدير ، وواحد ونصف على التقدير الثاني ، والزائد وهو الثلاثة أرباع أو النصف مشكوك في ثبوته له والأصل عدمه ، بل إطلاق المعارضة مسامحة ، فإنّ أصالة عدم سقوط هذا القدر الزائد غير صحيحة لسريان شكّه ، فإنّ الشكّ إنّما هو في الحدوث لا في البقاء بعد إحراز تيقّن الحدوث.

بل لأنّ الهيئة الاجتماعيّة أمر اعتباري حصل من انضمام أحد المالين إلى الآخر ، والملك لا بدّ له من سبب وهو قبل الانضمام لم يكن حاصلاً ، ولا دليل من عقل ولا نقل على أنّ انضمام أحد المالين إلى الآخر من الأسباب المملّكة للهيئة الاجتماعيّة المتقوّمة ، وغاية ما هنالك الشكّ في طروء الملك لها والأصل عدمه. ولا يمكن معارضته بأصالة عدم استحقاق البائع للقدر الزائد من الثمن على ما يقتضيه نسبة قيمة ماله إلى قيمة المجموع ، لورود أصالة عدم الملك عليها باعتبار سببيّة شكّه كما يظهر بأدنى تأمّل.

لا يقال : إنّ السبب المقتضي لطروء الملك للهيئة الاجتماعيّة إنّما هو العقد الواقع على المجموع ، ولا يقدح كونه ملكيّة حاصلة بعد العقد لفرض انتفائها قبل العقد ولو بحكم الأصل ، بل الملكيّة المفيدة في المقام إنّما هو ما حصل بعد العقد ، لأنّه إذا سلمت

٩٠٨

الهيئة للمشتري بإجازة مالك أحد المالين حصل له ملكها فيستحقّ عليه البائع والمجيز ما يقابلها من الثمن ، وإذا لم تسلم له الهيئة بعدم إجازة مالك أحد المالين سقط ملكها فيسقط ما يقابلها من الثمن.

لأنّا نقول : إنّ ملك شي‌ء بعد العقد تابع لملكه قبل العقد ، فإنّ الشي‌ء ما لم يكن ملكاً للبائع قبل العقد كيف يصير ملكاً للمشتري بعده ، وبالجملة ملك الشي‌ء للمشتري بعد العقد تابع لكونه ملكاً للبائع قبل العقد ، فإنّ المشتري يتلقّى الملك من البائع كما يقتضيه أيضاً تعريف البيع بنقل العين أو انتقالها ، فإنّ البائع ينقل إلى المشتري ملك عينه لا ذات عينه ، وقد فرضنا أنّ الهيئة الاجتماعيّة قبل العقد لم تكن مملوكة لأحد ولو بحكم الأصل.

لا يقال : نفي مملوكيّة الهيئة الاجتماعيّة قبل العقد ممّا يبطله دليل الخلف ، لأنّ مفروض المسألة مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في زيادة القيمة ، فإنّ قضيّة هذه المدخليّة أن تقع زيادة القيمة في مقابلتها ، ولا يستقيم ذلك إلّا إذا كانت الهيئة مملوكة ، وإلّا بطل ما فرض من مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في زيادة القيمة.

لأنّا نقول : ليس المراد من مدخليّة الهيئة في زيادة القيمة أنّها معتبرة على وجه الموضوعيّة حتّى يقابلها جزء من الثمن ، بل الزيادة حاصلة في قيمة العينين بسببها فهي معتبرة على وجه الداعي ، والسرّ فيه أنّ اختلاف قيمة الشي‌ء كثرة وقلّة إنّما هو باعتبار اختلاف رغبات الناس فيه كثرة وقلّة ، وهو باعتبار الاختلاف في حصول الفائدة المقصودة وعدم حصولها ، وكلّ ما يحصل به الفائدة المقصودة منه تكثر الرغبة في اشترائه فيكثر قيمته ، وكلّما لا يحصل به الفائدة المقصودة منه يقلّ الرغبة في اشترائه فيقلّ قيمته.

ومن هذا القبيل مصراعا الباب وزوجا الخفّ وغيرهما ممّا للهيئة الاجتماعيّة فيه مدخليّة في زيادة القيمة ، فإنّ الفائدة المقصودة من الباب شي‌ء لا يحصل إلّا بمجموع مصراعيه وهو سدّ المدخل والمخرج ، ومن الخفّ شي‌ء لا يحصل إلّا بمجموع زوجيه وهو ستر الرجلين وحفظ الأذى عن باطن القدمين ، فيكثر الرغبة في اشتراء الباب بمجموع مصراعيه فيكثر قيمتهما ، وفي اشتراء الخفّ بمجموع جزئيه فيكثر قيمتهما ،

٩٠٩

بخلاف أخذ جزء كلّ منهما فإنّه لعدم حصول الفائدة المقصودة يقلّ الرغبة في اشترائه فيقلّ قيمته ، وكم من هذا القبيل في الأشياء ، ومنها العقارات كالدار والحانوت والبستان وما أشبه ذلك ، فإنّ الدار إذا بيعت بجميع أجزائها يكثر الرغبة في اشترائها فيكثر قيمتها ، بخلاف ما إذا بيع نصفها أو ثلثها أو ربعها مثلاً ، فإنّه لقلّة الرغبة في اشترائه يكون قيمته أقلّ ممّا يقابله من القيمة المبذلة في مقابل الكلّ.

وممّا يرشد إلى ما بيّنّاه من أنّ اعتبار الهيئة الاجتماعيّة إنّما هو على وجه الداعي لا على وجه الموضوعيّة فلا يقابلها جزء من الثمن أنّها كما قد تكون لها مدخليّة في زيادة قيمة العينين ، فكذلك قد تكون لها مدخليّة في نقصان قيمة العينين كالجارية وامّها أو اختها إذا تساوت قيمتاهما منفردتين مع لزوم هلاكة كلّ منهما بالتفريق على الفرض ، فالبائع لا يبيعهما إلّا مجتمعتين والمشتري لا يرغب إلّا في اشتراء إحداهما فلا محالة ينقص قيمة منهما ببيعهما معاً ، كأن يكون كلّ منهما منفردة عشرة وقيمة مجموعهما خمسة عشر مثلاً ، وكما أنّ النقص بسبب الهيئة الاجتماعيّة حصل في قيمة كلّ من العينين ، فكذلك الزيادة الحاصلة بسببها حصلت في قيمة كلّ من العينين.

وقد تكون لها مدخليّة في زيادة قيمة أحدهما دون الآخر كالجارية وولدها الرضيع مع كونه لغير البائع مثلاً فإنّ الامّ قيمتها مع الانفراد ومع الانضمام إلى الولد واحدة ، ولكن قيمة الولد تزيد إذا بيع منضمّاً إلى الامّ بخلاف ما لو بيع منفرداً ، وليس لأحد أن يقول : إنّ الزيادة هنا تقع في مقابلة الهيئة الاجتماعيّة ، لضرورة أنّها زيادة في قيمة الولد لكونه مع الامّ ، كما لو كان قيمة كلّ منهما منفرداً أربعة ونصفاً ، وقيمتهما مجتمعين اثنى عشر مع كون الزائد على التسعة الّذي هو مجموع القيمتين زيادة في قيمة الولد والثمن ستّة.

ويشكل الحال في نحو هذه الصورة لو بنى كيفيّة التقسيط على ما تقدّم ، من ملاحظة نسبته قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين بعد تقويم كلّ منهما منفرداً ، للزوم الظلم على الغير على تقدير إجازته وعلى المشتري على تقدير عدم الإجازة ، من جهة شركة البائع في الزيادة المفروض كونها زيادة في قيمة مال الغير فهي إمّا للبائع وحده أو للمشتري كذلك ، ولم نجد لأصحاب القول بنسبة أحد المالين إلى مجموع القيمتين

٩١٠

نصّاً في ذلك ، ويمكن القول بكون هذه الصورة عندهم مستثنى من تلك القاعدة ، فتنسب قيمة مال البائع إلى قيمة المجموع لتقع الزيادة بتمامها في الطرف الآخر للغير أو للمشتري دفعاً للظلم.

ويمكن إعمال طريق آخر في التقويم ، وهو أن يقوّم المالان تارةً منفردين واخرى مجتمعين ، ثمّ تنسب مجموع القيمتين إلى قيمة المجموع ، فيؤخذ من الثمن قدراً بتلك النسبة في مقابل المالين ويكون الباقي بإزاء الهيئة ، ثمّ يقسّط القدر المأخوذ بإزاء المالين بين البائع والغير أو المشتري بنسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، فيكون ما بإزاء مال الغير مع ما بإزاء الهيئة للغير أو للمشتري ، ويكون للبائع ما بإزاء ماله وحده ، ففي المثال المذكور تنسب التسعة إلى اثني عشر ، ويؤخذ من الستّة باعتبار تلك النسبة ثلاثة أرباعه وهو أربعة ونصف بإزاء المالين ، ويبقى من اثني عشر ربعه بإزاء الهيئة ، فيكون الربع الباقي من الستّة وهو واحد وربع في مقابل الهيئة ثمّ يقسّط الأربعة والنصف بين البائع والغير أو المشتري بالنصف ، لأنّه نسبة أربعة ونصف قيمة كلّ من المالين منفردين إلى التسعة بمجموع القيمتين ، فيكون حصّة البائع اثنين وربعاً ، ويبقى للغير أو المشتري ما بإزاء المال الآخر مع ما بإزاء الهيئة ثلاثة وثلاثة أرباع ، وهذا الطريق جارٍ في صور مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في زيادة قيمة المالين أيضاً على القول بملاحظة نسبة قيمة أحد المالين إلى قيمة مجموعها المبنيّ على مملوكيّة الهيئة وكون قسط من الثمن لها ، كما أشار إليه صاحب الكفاية (١) فليتدبّر.

وليس لهذا القول ما يستند إليه إلّا ما قد يستشمّ من بعض العبائر ، من أنّ هيئة الاجتماع ملحوظة في العقد ، ضرورة أنّ المشتري بذل الثمن بإزاء المجموع ، والعقد أيضاً وقع على المجموع من حيث المجموع ، فلا بدّ وأن يلاحظ أيضاً في التقويم وتنسب قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

ويزيّفه : أنّ ملاحظة الهيئة في العقد مع بذل الثمن بإزاء المجموع وإن كان مسلّماً إلّا أنّه على وجه الداعي ، على معنى أنّ الهيئة تدعو المشتري إلى بذل الثمن لحصول

__________________

(١) الكفاية : ١٨٢.

٩١١

الفائدة المقصودة في المجموع ، لا على وجه الموضوعيّة تكون جزءاً من المبيع وبعضاً من مورد العقد حتّى يقابلها جزء من الثمن.

وقد يستند أيضاً إلى لزوم الظلم على المشتري فيما إذا كان جاهلاً بكون البائع فضوليّاً أو غاصباً ، لأنّه إنّما بذل الثمن بإزاء المجموع ولم يحصل له المجموع ، فخروج بعض ما بإزاء الهيئة منه إلى البائع ظلم.

ويندفع أوّلاً : بالنقض بصورة علمه بالحال فلا ظلم عليه ، لأنّه بنفسه أقدم على إدخال الظلم على نفسه حيث بذل الثمن بإزاء المجموع مع عدم اطمئنانه بأنّه يسلّم له.

وثانياً : بمعارضته بلزوم الظلم على البائع لو منع ممّا بإزاء الهيئة لعدم تقصيره ولا إتلافه شيئاً على المشتري ، وإنّما أراد له شيئاً لم يسلم له من جهة الغير لا من جهته ولا خفاء ما فيه.

وثالثاً : بأنّ ضرر الظلم عليه ينجبر بخياره ، فإن اختار الفسخ فلا ضرر ، وإن اختار الرضا بالعقد فهو السبب لضرره.

ثمّ لو كان المالان لمالك واحد باعهما غيره فأجاز المالك في أحدهما دون الآخر فاحتمل فيه في الروضة وجهين ، قائلاً : «أمكن فيه ما أطلقوه مع احتمال ما قيّدنا» أراد بما أطلقوه تقويمهما مجتمعين ثمّ نسبة قيمة أحدهما ، وبما قيّده ما ذكره فيما كان للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة من تقويمهما منفردين ثمّ النسبة إلى مجموع القيمتين. ويقرب منه ما في المسالك من قوله : «لو فرض كونهما لمالك واحد كما لو باع الفضولي المصراعين معاً فأجاز مالكهما في أحدهما دون الآخر ، ففي تقديرهما مجتمعين كالغاصب أو منفردين كما لو كانا لمالكين نظر» ومبنى الاحتمالين كما أشار إليه على ما قد يحكى من أنّه قد يفرّق بين تعدّد الغاصب واتّحاده في صورة الغصب ضرورة عدم ضمان الغاصب هيئة الاجتماع مع تعدّد المالك لعدم كونها مستحقّة لأحدهما ، بخلاف ما لو اتّحد المالك فإنّها حينئذٍ من توابع ملكه.

وفيه : أنّ مبنى الفرق المذكور أيضاً على ما بيّنّاه في توجيه مدخليّة هيئة الاجتماع في مدخليّة القيمة فلا جهة للتردّد ، بل الوجه هو تعيين تقويمهما منفردين ليدخل الزيادة الحاصلة بسبب الاجتماع في ما يقابل العينين من الثمن ، فإنّ ضمان الغصب

٩١٢

بالقيمة مع اتّحاد المالك يتعلّق بقيمة المجموع لكون الاجتماع موجباً لزيادة قيمتي العينين ، وهذا هو معنى كون هيئة الاجتماع حينئذٍ من توابع ملكه ، بخلاف صورة تعدّد المالك فإنّ الغصب بالنسبة إلى كلّ مالك يتعلّق بملكه منفرداً ولا تأثير للهيئة حينئذٍ فيقوم كلّ منهما منفرداً.

المسألة الثانية : فيما لو كان المبيع من ذوات الأمثال كالحنطة والتمر ونحوهما ، والمراد أن يكون مال كلّ من البائع والغير مثليّاً ، فإمّا أن يتّحدا قدراً ووصفاً من حيث الجودة والرداءة كرطلين من الحنطة الجيّدة لكلّ منهما رطل ، أو يختلفا قدراً ويتّحدا وصفاً كثلاثة أرطال من الحنطة الجيّدة لأحدهما رطل وللآخر رطلان ، أو يتّحدا قدراً ويختلفا وصفاً كرطلين من الحنطة أحدهما جيّدة لأحدهما والآخر رديئة للآخر ، أو يختلفا قدراً ووصفاً كثلاثة أرطال من الحنطة رطل لأحدهما جيّدة ورطلان للآخر من الرديئة فالصور أربع.

ففي الاولى والثانية : وضابطهما اتّحاد الوصف اتّحد القدر أيضاً أو اختلف يقسّط الثمن على أجزاء المثمن من غير تقويم ، فإن كان لكلّ منهما رطل قسّط نصفين ، وإن كان لأحدهما رطل وللآخر رطلان قسّط أثلاثاً أو ثلاثة أرطال قسّط أرباعاً أو أربعة أرطال قسّط أخماساً ، وهكذا ، لأنّ التقويم إنّما يحتاج إليه لاختلاف الأجزاء في القيمة وقضيّة اتّحاد الوصف تساويها قيمة.

وفي الثالثة والرابعة : وضابطهما اختلاف الوصف اتّحد المقدار أو اختلف لا بدّ من تقويمهما ثمّ التقسيط على حسب النسبة ، كما تقدّم في ذوات القيم لأنّ الاستغناء عن التقويم إنّما هو لتساوي الأجزاء في القيمة ، وقضيّة اختلاف الوصف اختلاف القيمة فلا مناص من التقويم لتعذّر التقسيط ، ومثل اختلافهما في الوصف اختلافهما في الجنس كالحنطة والتمر اتّحد المقدار كرطل حنطة لأحدهما ورطل تمر للآخر ، أو اختلف كرطل حنطة ورطلي تمر فلا مناص من التقويم لتغاير القيمة.

المسألة الثالثة : فيما لو كان المبيع بأحد جزئيه مثليّاً وبجزئه الآخر قيميّاً ، كما لو كان لأحدهما حنطة وللآخر سيف أو فرس أو نحو ذلك ، وهذا أيضاً من جهة لزومهما الاختلاف في القيمة لا مناص فيه من التقويم ثمّ التقسيط على حسب النسبة ،

٩١٣

هذا كلّه مع إشاعة الثمن الموجبة للشركة. وأمّا مع إفرازه كما لو باع المالين أحدهما بدنانير والآخر بدراهم ، أو أحدهما بهذا الفرس والآخر بذاك الفرس ، أو أحدهما بدنانير والآخر بفرس ، وهكذا فلا حاجة إلى تقويم ولا تقسيط ، بل يختصّ بكلّ منهما ما يقابل ماله فيأخذ كلّ ما يختصّ به ، وفي صورة عدم إجازة المالك يرجع إلى المشتري ما يقابل مال المالك الغير المجيز. وبالجملة : البائع يأخذ ما يقابل ماله ، والمقابل الآخر يأخذه المالك المجيز أو يستردّه المشتري.

ومثله ما لو كان الثمن مثليّاً لا على سبيل الإشاعة كما لو باعهما برطلين من الحنطة أحدهما بهذا الرطل والآخر بذلك الرطل ، فكلّ يأخذ ما يخصّه ممّا يقابل ماله اتّحدا في الوصف أو اختلفا.

وأمّا لو كان مثليّاً على سبيل الإشاعة كرطلين أو ثلاثة أرطال من حنطة إذا بيع بهما المالان ، فإن اتّفقا في الوصف يتقاسمانه على حسب النسبة بين ماليها ، وإن اختلفا فيه كما لو بيعا برطلين أحدهما أجود والآخر أردأ يقسّط كلّ منهما منفرداً على حسب النسبة بين ماليهما فيأخذ كلّ نصفاً من الأجود ونصفاً من الأردأ على تقدير تساوي ماليهما في القيمة أو في المقدار ، والأوّل في القيمي والثاني في المثلي ، ومع عدم إجازة المالك يستردّ المشتري نصفاً من هذا ونصفاً من ذاك.

فائدة مهمّة : لو كان دار مثلاً مشتركة بين اثنين فباع أحدهما نصفها بقوله للمشتري : بعتك نصف الدار ، فإن ظهر بقرينة حال أو مقال إرادته النصف المملوك له أو نصف غيره فلا كلام ، وإن لم يظهر قرينة على إحدى الخصوصيّتين فهل يصرف لفظ النصف على النصف المملوك له خاصّة أو يحمل على النصف المشاع بين نصفيهما؟ أعني نصف الدار المشتركة بينهما على سبيل الإشاعة ليكون المبيع نصفاً من نصفه المملوك له ونصفاً من نصف شريكه حتّى يقف نفوذه فيه على الإجازة ، فالّذي رجّحه جماعة كالعلّامة في القواعد (١) وعنه في نهاية الإحكام (٢) وولده في الإيضاح (٣) وجامع المقاصد (٤) في البيع والصلح والوصايا والمسالك (٥) في الصلح هو الأوّل ، وعن الأخير

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٠.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٩.

(٣) الإيضاح ١ : ٤٢١.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٨٠ ، و ١٠ : ١٠١ ، و ٥ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

(٥) المسالك ٤ : ٢٧١ ـ ٢٧١.

٩١٤

نسبته إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، وربّما يومئ إليه ما عن فخر الدين من الإجماع على أنّه لو قال : «بعت غانماً» واللفظ مشترك بين عبده وعبد غيره انصرف إلى عبده ، وكذا ما نحن فيه وإن كان اللفظ هنا متواطئاً لا مشتركاً ، بناءً على أنّ مراده من ذكر الإجماع في المشترك ثمّ إلحاق المتواطئ به بيان الكاشف عن مدرك الحكم في المقامين.

وكيف كان فلم نقف على من رجّح الاحتمال الآخر صريحاً ولا على نقل قول به صريحاً ، نعم إنّما ذكره جماعة احتمالاً. فما رجّحه الجماعة هو الصحيح ، لظهور اللفظ من باب الانصراف العرفي في النصف المملوك للبائع ، ويقرّر ذلك الظهور من وجهين :

أحدهما : أنّ لفظ النصف عند إطلاقه وإن كان متساوي النسبة إلى النصف المملوك للافظه والنصف الغير المملوك له ، إلّا أنّه في مقام تصرّف اللافظ بما يحتمل كونه تصرّفاً في غير المملوك ينصرف في متفاهم العرف إلى التصرّف في المملوك له ، ومرجعه إلى انصراف المطلق بمفهومه إلى النصف المقيّد بكونه للبائع ، وبعبارة اخرى إطلاق لفظ النصف في مقام التصرّف فيه بالبيع ينصرف إلى النصف المقيّد وهو نصف البائع. وإن شئت قلت : إنّ مبنى هذا الظهور على كون التصرّف دليلاً على الملك كما هو الأصل الكلّي ، والبيع تصرّف.

وثانيهما : انصراف البيع فيما يحتمل كونه مال البائع أو مال غيره إلى كونه بيعاً لماله ، ولا يصرف إلى بيع مال غيره إلّا لقرينة موجبة للعلم بأنّه باع مال غيره وكالة أو ولاية أو فضولة ، ولذا يرجع المشتري في بيع الفضولي وبيع الغاصب إلى البائع بما اغترمه للمالك إذا كان جاهلاً بالفضوليّة والغصب لكونه مغروراً ، لاعتقاده بأنّ البائع باعه مال نفسه ، فإنّ هذا الاعتقاد الّذي هو مناط الجهل ممّا لا موجب [له] إلّا الظهور المذكور.

وأمّا الاحتمال الآخر فلا مستند له إلّا أنّ اللفظ صالح لملكه ولملك غيره ولذا يقبل التقييد بكلّ منهما بأن يقال : «بعت نصفي» أو «بعت نصف غيره» فوجب أن يحمل على الإشاعة على معنى النصف المشاع بين النصفين عملاً بالإطلاق النافي لكلّ من التقييدين ، ولأنّ الشارع لم يجعل صحّة التصرّف قرينة في المجازات والمشتركات ، كما لو قال «أعطوه حماراً» ولا حمار له وإنّما له عبد بليد فإنّه لا يصرف إليه محافظة على

٩١٥

الوصيّة عن البطلان ، على معنى أنّ صحّة الوصيّة لا تنهض قرينة على التجوّز في لفظ الحمار بإرادة البليد.

وفي الأوّل : أنّه لا معنى له إلّا دعوى الظهور الإطلاقي ، وما ذكرناه ظهور تقييدي وهو وارد على الظهور الإطلاقي.

وفي الثاني : أنّ الموجب للحمل على النصف المملوك فيما نحن فيه ليس صحّة التصرّف ، كيف وهي بناءً على صحّة الفضولي أعمّ منه ومن الحمل على نصف الغير ، بل الموجب له الظهور الانصرافي في متفاهم العرف حسبما قرّرناه.

هذا في مقام البيع ، وأمّا لو قال في مقام الإقرار : «نصف الدار لك والنصف الآخر لي ولشريكي» فقالوا : إنّه يصرف إلى النصف المشاع بين ما في يده وما في يد شريكه من النصفين ، فيبقى منهما ربع له ممّا في يده وربع لشريكه ممّا في يد الشريك ، وحينئذٍ فإن كذّبه الشريك فله ثلث ما في يده وللمقرّ له ثلثاه ، لأنّ الشريك لتكذيبه المقرّ في إقراره بكون النصف ممّا [في] يده وهو الربع والنصف ممّا في يد الشريك وهو الربع أيضاً للمقرّ له نفذ تكذيبه في حقّه وهو إتلاف على المقرّ والمقرّ له كلّ ثلث ماله فبالنسبة إلى المقرّ له ثلث النصف وبالنسبة إلى المقرّ ثلث ربعه ومجموعهما الربع المقرّ به في ما في يد الشريك فيعود إليه ، فيكون للشريك نصف وللمقرّ له ثلثا النصف الآخر وللمقرّ ثلثه ، والمسألة من اثني عشر لأنّه أقلّ عدد يخرج منه ثلث الربع صحيحاً ، أو لأنّ المقرّ أتى في كلامه بثلاث كسور وهي النصف والثلث والربع ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الأخيران فلأنّ قوله «لك النصف والنصف الآخر لي ولشريكي» يتضمّن الإقرار بأنّ الشركة بيني وبينك بالثلث والثلثين وبيني وبين شريكي بالمثل فلي نصف النصف وهو الربع ولشريكي ، ومن مخارج هذه الكسور اثنان وهو داخل في الأربعة فيكتفي بالأربعة للتداخل ويصرف الأربعة في الثلاثة للتباين فيحصل اثني عشر ستّة للشريك من جهة تكذيبه المقرّ الّذي هو إتلاف عليهما ثلث مالهما وهو ثلاثة من التسعة فتلف على المقرّ واحد من ثلاثة وعلى المقرّ له اثنان من ستّة ، فبقى له أربعة وللمقرّ اثنان وهو شركة بينهما في النصف بالثلث والثلثين لزمت على المقرّ بموجب إقراره.

والسرّ في حمله في مقام الإقرار على الإشاعة ظهور المطلق عند تجرّده عن

٩١٦

القرائن في إرادة المطلق ، وهو النصف المعرّى عن القيدين فيتساوى نسبته إلى النصفين فيحمل على النصف المشاع بينهما ، ولا مقتضي لصرفه عن المطلق إلى المقيّد بخلاف ما تقدّم من مسألة البيع فإنّ صرفه إلى المقيّد لوجود المقتضي المقرّر بأحد الوجهين المتقدّمين وهذا المقتضي بكلّ من وجهيه غير موجود في مقام الإقرار.

وتوهّم : أنّ الإقرار بكون نصف الدار للمقرّ له تصرّف فيه فيكون ظاهراً في الملك.

يدفعه : منع صدق التصرّف عرفاً على الإقرار ، فإنّه إخبار بملك الغير في الواقع ، وغايته أنّه متعلّق بالمال ، ولا يقال على الإخبار عن الشي‌ء بشي‌ء بكونه تصرّفاً في المخبر به ، ولذا لو فرض مسألة بيع النصف في العين المشتركة بحيث لم يجر فيه المقتضي المتقدّم لحمله على المطلق ، كما لو كان البائع لنصف الدار المشتركة وكيلاً أو وليّاً عن مالك النصف فالنصف المبيع حينئذٍ يحمل على الإشاعة المقتضية للشركة في الثمن على تقدير الإجازة.

وتوهّم : أنّ كون البائع وكيلاً أو وليّاً قرينة على إرادة المقيّد ، يندفع بأنّ قرينة التقييد كقرينة المجاز لا بدّ وأن تكون معاندة للإطلاق ، ولا يعاند الوكالة ولا الولاية لإرادة المطلق من النصف ولا المقيّد الآخر.

تذنيب : لو باع ما يقبل التملّك وما لا يقبل التملّك صفقة واحدة بثمن مبذول بإزاء المجموع ، كعبد وحرّ وشاة وخنزير وخلّ وخمر ، فالمعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف صحّته فيما يقبل والبطلان في غيره ، وعن الخلاف (١) والغنية (٢) إجماع الفرقة عليه.

وعن جماعة منهم كشف الرموز (٣) والتنقيح (٤) والحواشي (٥) المنسوبة إلى الشهيد تقييده بجهل المشتري بالموضوع أو بالحكم ، وأمّا مع علمه بهما فالمتّجه البطلان كما حكي ذلك عن الشافعي (٦) ويلوح الميل إليه من العلّامة في التذكرة حيث نقل البطلان مع علم المشتري عن الشافعي قال : «إنّه ليس عندي بعيداً من الصواب» (٧).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٤٥ المسألة ٢٣٢.

(٢) الغنية : ٢٣٠.

(٣) كشف الرموز ١ : ٤٤٦.

(٤) التنقيح ٢ : ٢٧.

(٥) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٦١.

(٦) المجموع ٩ : ٤٦٩ و ٤٧٣. (٧) التذكرة ١ : ٥٦٥.

٩١٧

فالمسألة ذات قولين الصحّة مطلقاً ، والتفصيل بين صورتي الجهل فالصحّة والعلم فالبطلان.

وقد يعمّم العنوان أو حكمه بالقياس إلى كلّ جزء للمبيع بطل فيه البيع لفقد شرط من شروط الصحّة وإن كان ممّا يملكه المسلم ـ كما لو باع مملوكه المقدور على تسليمه مع ما ليس مقدوراً على تسليمه ، أو مملوكه المعلوم مع ما جهل جنسه أو وصفه وما أشبه ذلك ـ تعليلاً بأنّ مناط المسألة إنّما هو تبعّض الصفقة اللازم من بطلان البيع في بعض المبيع وبطلان البيع فيه ، كما أنّه قد يكون لعدم قبوله الملك فكذلك قد يكون من جهة كونه فاقداً لبعض شروط العوضين وإن كان قابلاً للملك. وليس ببعيد.

وكيف كان فاستدلّ على الصحّة في المملوك خصوصاً بصحيح محمّد بن الحسن الصفّار الواردة في بيع القرية بحدودها الّتي للبائع منها قطاع أرضين وقد قال الإمام عليه‌السلام في جوابه : «لا يجوز بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء فيما يملك» (١).

وعموماً بقاعدة الصحّة المستنبطة من العمومات.

ونوقش في الأوّل : بانصرافه إلى ما يقبل التملّك نظراً إلى القرية الّتي هي ملك لأربابها كقطاع أرضي البائع. ودفعت بأنّ خصوص المورد لا يخصّص العامّ الّذي هو الموصول ، وعلى هذا فالإمام عليه‌السلام في مقام إعطاء قاعدة عامّة فيما يملك ، فتعمّ المورد وغيره ومنه ما نحن فيه.

وفيه : أنّه حسن لو قرأ الفعلان بصيغة المجهول لا بصيغة المعلوم وكلّ محتمل ، ولعلّ الثاني أظهر الاحتمالين بملاحظة قوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء» بصيغة المضي الظاهرة في واقعة شخصيّة وقعت ، وغاية ما يسلّم من عموم الموصول هنا كونه في المورد ، وهو مال الغير المقابل للتملّك ، فتأمّل.

ونوقش في الثاني أيضاً : بأنّ التراضي والتعاقد إنّما وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشارع قطعاً ، فالحكم بالإمضاء في البعض مع عدم [كونه] مقصوداً إلّا في ضمن المركّب يحتاج إلى دليل آخر سوى العمومات. وتندفع بأنّ الشارع إنّما لم يمض

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٩ / ١ ، ب ٢ عقد البيع وشروطه ، التهذيب ٧ : ١٥٠ / ٦٦٧.

٩١٨

التراضي في المجموع باعتبار أحد جزأيه لا باعتبار كلّ من جزأيه ، وهو لا ينافي إمضاءه التراضي في الجزء الآخر ، ويكفي في إثباته العمومات.

ودعوى : أنّ التراضي وقع على المجموع بإزاء المجموع لا على البعض ، قد زيّفناها في المسألة السابقة ، فعليك بمراجعة ما سبق ولا حاجة إلى الإعادة ، فالعمدة في دليل الصحّة هي العمومات المعتضدة بالإجماعين المتقدّمين عن الخلاف والغنية ، ويؤيّدها خبر الصفّار.

وبقى الكلام فيما تقدّم عن الجماعة من تقييد الحكم بجهل المشتري بالموضوع أو الحكم احترازاً عن العالم بهما لكون المتّجه فيه البطلان رأساً ، فإنّهم علّلوه بإفضاء العلم بهما إلى الجهل بثمن المملوك حين العقد. وقد يجاب عنه تبعاً للشهيد بمنع الملازمة ، لأنّ المشتري القادم على بذل الثمن بإزاء المجموع مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم على بذل تمام الثمن بإزاء المملوك فقط ، فالبائع يستحقّ الثمن بتمامه وهو معلوم كما صرّح به الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه حيث قال : «إنّ هذا الحكم مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع أو حكمه وإلّا لكانت البذل بإزاء المملوك ضرورة أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد» انتهى.

ولا خفاء في ضعفه ، لأنّ القصد إلى الممتنع بحسب الشرع غايته أنّه ممّا لم يمضه الشارع ، وهذا لا يقضي بعدم قصده في الشراء إلى المجموع ، لأنّه قد يكون له غرض في اشتراء الحرّ أو الخنزير أو الخمر ولو فاسداً وعصياناً فلم يكن قادماً على بذل الثمن بإزاء المملوك فقط ، فجهالة قسطه من الثمن في محلّه.

فالأولى في الجواب منع بطلان اللازم ، إذ الجهل في باب العقود إنّما يمنع من الصحّة حيث أفضى إلى الغرر بمعنى الخطر وهو الهلاك الّذي هو في طرفي المعاوضة عبارة عن تلف المال. وحاصله كون باذله حال العقد على خطر وخوف تلف في ماله المبذول ، لكون عوضه في معرض تعذّر الوصول إليه كالطير في الهواء والسمك في الماء ، أو في معرض عدم دخوله في الوجود كالجنين في بطن امّه ، أو في معرض عدم مطابقته لمطلوبه من بذل الثمن بإزائه ، كالمجهول جنسه أو وصفه ، ولا ريب أنّ جهالة

٩١٩

قسط المملوك ليست بتلك المكانة لعلمه بسلامة المملوك من المبيع له مع إمكان استعلام قسطه من معلوميّة مجموع الثمن ، وإن افتقر إلى توسيط تقويم ثمّ تقسيط ، ومرجعه إلى كفاية معلوميّة الكلّ في إحراز معلوميّة البعض بحيث معه الغرر كما يرشد إليه خبر الصفّار باعتبار كون كفاية معلوميّة الكلّ في إحراز معلوميّة البعض بالنسبة إلى المبيع معتقداً للبائع ، وقد قرّر الإمام عليه‌السلام على معتقده بقوله : «وقد وجب الشراء فيما يملك» فالمشتري ليس على خطر حال العقد في بذله الثمن فلا غرر.

ولو اريد من الجهل بالثمن في قضيّة التعليل ما يلزمه الغرر ، رجع ما ذكرناه في الجواب إلى منع الملازمة.

ثمّ إنّ طريق استعلام قسط المملوك من الثمن هو ما تقدّم في المسألة السابقة من تقويم كلّ من الجزءين بانفراده ، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين والأخذ من الثمن بتلك النسبة.

وأمّا معرفة قيمة غير المملوك ، فطريقها على ما صرّحوا به في الحرّ أن يقدّر عبداً بصفاته من الكبر والصغر والبياض والسواد وغيرها ممّا له دخل في القيمة والرغبة فيقوّم العبد الموصوف بتلك الصفات مع رعاية زمان العقد ومكانه لأنّ لهما دخلاً فاحشاً في اختلاف القيمة.

وأمّا في الخمر والخنزير فذكروا أنّهما يقوّمان بقيمتهما عند مستحلّيهما. واستشكل بأنّه إن تمّ فإنّما يتمّ مع علم المشتري بالعين لا مع جهله ، لأنّه مع الجهل قد بيع منه الخنزير والخمر بعنوان الشاة والخلّ فبان الخلاف ، وقضيّة ذلك أن يقدّرا شاة وخلًّا فيقوّم الشاة والخلّ لا الخنزير والخمر. ولذا جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الشاة والخلّ ، وهذا جيّد.

واستشكل أيضاً حيث يقوّمان قيمة الخنزير والخلّ بأنّ المقوّم لا بدّ وأن يكون عدلاً حيث إنّ التقويم من قبيل الشهادة الّتي يعتبر في قبولها العدالة بل التعدّد معها فلا بدّ في التقويم من عدلين ، ولا يمكن إحرازهما في المستحلّين لأنّهم كفّار والكافر ليس بعادل. ودفع على ما في كلام جماعة بإمكان إحرازهما في مسلمين سبقهما الكفر أو

٩٢٠