ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

وهذه الحيثيّة كما ترى لا مدخليّة لها في التحريم من الجهة الاولى ، ومرجع تحريمهما حينئذٍ إلى مبغوضيّة كلّ من المعوّض والعوض للشارع ، أمّا مبغوضيّة المعوّض فلمفسدة في ذاته ، وأمّا مبغوضيّة العوض فلمفسدة العوضيّة عن ذي المفسدة الذاتيّة ، ومن المعلوم أنّ مبغوضيّة العوضين تقضي بمبغوضيّة التعويض والمعاوضة ، فيكون أصل المعاملة الواقعة على الأعيان المحرّمة الّتي منها الأعيان النجسة محرّماً بمقتضى الملازمة المستفادة من الرواية.

ومن الروايات النبويّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث جابر بن عبد الله : «إنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، قيل يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة أنّها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال : لا ، هو حرام ، ثمّ قال : قاتل الله اليهود إنّ الله لمّا حرّم عليهم شحومها جملوها (١) ثمّ باعوها فأكلوا ثمنه» (٢). وفي المصابيح (٣) أوردها في الخلاف (٤) والمنتهى (٥).

وفي الإيضاح (٦) والغوالي (٧) أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قال : لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها».

وهذه إمّا رواية اخرى أو نسخة اخرى من الرواية الاولى مكان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قاتل اليهود» الخ. وقوله «أرأيت شحوم الميتة» أي بيع شحوم الميتة للمنافع الثلاث المذكورة بقرينة انسياق وتذكير الضمير في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هو حرام» أي بيع شحوم الميتة للمنافع المذكورة ، وظاهر الرواية أنّه ليس للميتة وشحومها جهة محلّلة بل جميع منافعهما محرّمة وإلّا لم يكونوا جملوها للبيع بل كانوا يمسكونها للانتفاع بها في الجهات المحلّلة.

وكيف كان ففي الرواية مواضع ثلاث من الدلالة كما يظهر بأدنى تأمّل. ثمّ لو انجبر ضعفها سنداً باعتماد الشيخ والعلّامة في الخلاف والمنتهى ، أو هو مع اعتماد الإيضاح

__________________

(١) جملت الشحم : إذا أذبته واستخرجت دهنه (النهاية ابن الأثير ١ : ٢٩٨ جمل).

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢٠ / ٧١ ، سنن الترمذي ٢ : ٥٩١ / ١٢٩٧ ، سنن النسائي ٧ : ٣٠٩.

(٣) مصابيح الأحكام : ٥.

(٤) الخلاف ٣ : ١٨٦.

(٥) المنتهى ٢ : ١٠١٠.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٢.

(٧) عوالي اللآلي ١ : ١٨١ / ٢٤٠.

٢١

والغوالي بحيث يحصل الظنّ والوثوق بصدورها ، كانت دليلاً على المطلب في الجملة لاختصاص موردها ببعض الأعيان النجسة وإلّا كانت مؤيّدة للدليل.

والعمدة في دليل المسألة الأخبار الإماميّة المأثورة من طرق أصحابنا الإماميّة ، والعمدة منها قوله عليه‌السلام : «وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته ، أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شي‌ء من وجوه النجس ، فهذا كلّه حرام ومحرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه فجميع تقلّبه في ذلك حرام» (١) الخ. وهذا بعض من الرواية الطويلة رواها حسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول بحذف سندها لاشتهارها بين الأصحاب ومعروفيّة سندها عن الصادق عليه‌السلام.

ولكن عن السيّد رحمه‌الله أنّه أوردها في رسالة المحكم والمتشابه (٢) نقلاً عن تفسير محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وينبغي التكلّم في شرح متن الرواية وبيان تركيبها وإعرابها ليتميّز ما تضمّنه من أنواع البيع الحرام ، فإنّها متضمّنة لأنواع ثلاث يضبطها : أنّ البيع الحرام إمّا أن يكون بحيث نهى عنه لما فيه من وجه فساد ليس معه وجه صلاح ، أو يكون بحيث نهى عنه لوجه فساد فيه معه وجه صلاح أيضاً على معنى اشتماله على وجه فساد ووجه صلاح باعتبار اشتمال متعلّقه وهو المبيع على منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة ، وعلى الأوّل فإمّا أن يكون بحيث نهى عنه أصالة من دون نهي في متعلّقه مع قطع النظر عنه ، أو يكون بحيث نهى عنه تبعاً للنهي عن متعلّقه.

وإذا عرفت ذلك فنقول : إنّ قوله : «وأمّا وجوه الحرام» أي عنوانات الحرام من البيع والشراء ، وكلمة «من» للتبيين متعلّقة بالحرام ، وحاصل معنى العبارة عنوانات البيع

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٨٣ / ١ ، ب ٢ ما يكتسب به ، تحف العقول : ٣٣١.

(٢) رسالة المحكم والمتشابه : ٤٦.

٢٢

والشراء المحرّم.

قوله : «فكلّ أمر» أي بيع كلّ أمر بتقدير المضاف.

وقوله : «يكون فيه الفساد» أي كلّ أمر مشتمل على وجه فساد.

وقوله : «ممّا هو منهيّ عنه» أي ممّا يكون وجه فساده باعتبار كونه منهيّاً عنه على معنى اشتماله على منفعة محرّمة.

وقوله : «من جهة أكله» أي كون منفعته المحرّمة المنهيّ عنها أكله لا سائر منافعه كالطين الّذي أكله حرام فبيعه وشراؤه أيضاً لجهة أكله حرام.

وقوله : «أو شربه» أي كون منفعته المحرّمة شربه لا سائر منافعه كالعصير العنبي بعد الغليان إن قلنا بطهارته ، فإنّ شربه حرام ، فبيعه وشراؤه أيضاً لجهة شربه حرام.

وقوله : «أو كسبه» أي كون الجهة المحرّمة فيه كسبه أي التكسّب به وتحصيل المال بواسطته كالجارية المغنّية إذا اتّخذها الإنسان للتكسّب بتغنّيها ، فبيعها وشراؤها لأجل هذه المنفعة حرام.

وقوله : «أو نكاحه» أي كون الجهة المحرّمة فيه نكاحه بمعنى وطئه كالجارية الّتي تكون من محارمه فبيعها واشتراؤها لجهة الوطء حرام ونحوها موطوءة الابن أو موطوءة الأب للأب أو الابن.

وقوله : «أو ملكه» أي كون الجهة المحرّمة فيه الملك بمعنى ترتيب آثار الملك كالحرّ أو المملوك إذا كان أحد العمودين ، فإنّ ترتيب آثار الملكيّة عليه حرام فبيعه واشتراؤه أيضاً لهذه الجهة حرام ، وإنّما فسّرنا الملك بذلك لأنّه بالمعنى المصدري إمّا صفة في المالك إن اعتبرناه بالبناء للفاعل أعني المالكيّة ، أو صفة في المملوك إن أخذناه بالبناء للمفعول أعني المملوكيّة ، وأيّاً ما كان فهو لا يصلح متعلّقاً للنهي ، لأنّه يتعلّق بما هو من مقولة الأفعال لا ما هو من مقولة الصفات ، فوجب تأويله إلى إرادة ترتيب آثار الملكيّة.

وقوله : «أو إمساكه» أي كون الجهة المحرّمة فيه الإمساك كالطعام في المجاعة مع احتياج الناس إليه ، فإنّ إمساكه حينئذٍ حرام ، فبيعه واشتراؤه لأجل الإمساك أيضاً حرام.

٢٣

قوله : «أو هبته أو عاريته» أي كون الجهة المحرّمة فيه أحد الأمرين كهبته القرآن أو عاريته من الكافر ، أو هبته السلاح أو عاريته من المشركين ، أو هبة كتب الضلال أو عاريتها لغير الأهل ، فالبيع والشراء في الجميع لجهة الهبة أو العارية حرام.

فقوله : «ممّا نهى عنه» مع ما ذكر معه من الأمثلة إشارة إلى أحد الأنواع الثلاثة المشار إليها ، وهو البيع الحرام الّذي نهى عنه لوجه فساد فيه معه وجه صلاح أيضاً باعتبار اشتمال مورده ـ وهو المبيع ـ على جهة محرّمة وجهة محلّلة.

وقوله : «أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» إشارة إلى النوعين الآخرين أعني البيع الحرام الّذي نهى عنه لوجه فساد فيه ليس معه وجه صلاح مع تعلّق النهي به أصالةً كالبيع بالربا ، فإنّ الربويّة وجه فساد فيه أي علّة باعثة على فساده وليس معه وجه صلاح ، ضرورة حرمة البيع الربوي بجميع أفراده.

وعدم حلّية شي‌ء منها إلّا ما خرج بالدليل ، مع عدم كون مورده وهو المبيع مع قطع النظر عن هذا البيع منهيّاً عنه ، أو تبعاً للنهي في مورده ومتعلّقه كبيع الميتة وبيع الدم وبيع لحم الخنزير وغيره من الأمثلة المذكورة فإنّ الجميع من وادٍ واحد وهو كون حرمة البيع لوجه فساد فيه ليس معه وجه صلاح باعتبار كون جميع جهات مورده وجميع منافع متعلّقه محرّمة على معنى عدم اشتماله على منفعة محلّلة أصلاً ، وهذا هو على مقتضى ظاهر الرواية ، ولو ثبت بالدليل في بعض الأمثلة جواز الانتفاع فيه ببعض الجهات فهو مخرج بالدليل من باب التخصيص.

فقوله : «أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» عطف على المضاف المقدّر في قوله : «فكلّ أمر» بقرينة التمثيل له بالبيع بالربا والبيع للميتة فيكون مرفوعاً ، ومعناه شي‌ء من البيع يكون فيه وجه من الفساد على حسبما بيّنّاه.

وقوله فيما بعد الأمثلة المذكورة : «أو شي‌ء من وجوه النجس» عطف على سابقه أي بيع شي‌ء من وجوه النجس أي العنوانات النجسة الّتي نجاستها تابعة لأصل العنوان ، كالبول والعذرة وأرواث ما لا يؤكل لحمه والمني والكلب وما أشبه ذلك. ومن هنا يعلم أنّ حكم الرواية لا يعمّ المتنجّسات الغير القابلة للتطهير من غير استحالة ، لكون

٢٤

نجاستها عرضيّة غير تابعة للعنوان.

وقوله : «فهذا كلّه حرام ومحرّم» بقرينة التعليل إشارة إلى ما بعد البيع بالربا ولا يعمّه وما قبله. وعطف المحرّم على الحرام لعلّه للمغايرة بينهما في كون المراد بالمعطوف عليه ما كان حرمته عقليّة ـ وهو كون الشي‌ء بحيث يستحقّ فاعله الذمّ ـ وبالمعطوف ما حرّم بالتحريم الشرعي ، والتعليل حينئذٍ راجع إليه. وجعل المنهيّ عنه في الأشياء المذكورة وفي وجوه النجس أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه تصريح بكونها بجميع منافعها محرّمة وأنّه ليس فيها منفعة محلّلة.

فيستفاد من الرواية بالنسبة إلى الأعيان النجسة ما عدا المتنجّسات اصول ثلاث على سبيل القاعدة الكلّيّة :

الأوّل : أنّ الأصل فيها حرمة البيع والتكسّب بها.

والثاني : أنّ الأصل فيها حرمة الانتفاع بها بجميع جهات النفع ، بل حرمة جميع التصرّفات فيها وتقلّباتها ، ويندرج في ذلك عدم جواز أخذها موارد في سائر عقود المعاوضة وغيرها ، لمكان قوله عليه‌السلام : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام».

الثالث : عدم تعلّق صفة الملك بها وعدم دخولها في ملك المسلم ، لمكان قوله عليه‌السلام : «وملكه» أي منهيّ عن ملكه ، فإنّ النهي عن ترتيب آثار الملك عليها يكشف عن انتفاء الملكيّة فيها ، فلو ثبت في بعضها مطلقاً أو في بعض موارد بعضها أنّه يقبل البيع أو مطلق التكسّب أو الانتفاع ببعض الجهات أو الملكيّة فهو مخرج عن القاعدة بالدليل ، هذا كلّه في متن الرواية وكيفيّة دلالتها ومقدار دلالتها.

وأمّا سند الرواية : فهو على ما حكي عن رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعماني ، أنّ محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني روى في تفسيره عن أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقدة عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه عن إسماعيل بن جابر قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

أمّا النعماني فحاله في كونه شيخاً من أصحابنا عظيم القدر شريف المنزلة صحيح

٢٥

العقيدة كثير الحديث واضح ذكره في الخلاصة (١).

وأمّا ابن عقدة فهو وإن كان زيديّاً جاروديّاً إلّا أنّ الشيخ وثّقه بقوله : «إنّ أمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر. قال : وإنّما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة روايته عنهم وخلطته بهم وتصنيفه لهم» (٢).

وأمّا الجعفي فعن التعليقة «أنّه روى عن محمّد بن إسماعيل الزعفراني وفيه إشعار بوثاقته» (٣) ووجه الإشعار ما عدّوه من أمارات التوثيق رواية محمّد بن إسماعيل بن ميمون أو جعفر بن بشير عنه أو روايته عن أحدهما وأحمد بن يوسف يروي عن محمّد ابن إسماعيل بن ميمون الزعفراني.

وأمّا ابن مِهْران بكسر الميم وسكون الهاء فقد شهد الشيخ (٤) والنجاشي (٥) له بالثقة وتبعهما العلّامة في الخلاصة (٦) ورميه بالغلوّ غير جيّد ، بل عن محمّد بن مسعود «أنّه يكذّبون عليه كان تقيّاً ثقة خيراً فاضلاً» (٧) فالسند إليه لا ضير فيه غايته اندراجه في الموثّق.

وإنّما الكلام في الحسن (٨) بن عليّ بن أبي حمزة وأبيه ، فقد ذكر في الرجال في كلّ منهما قدح عظيم وطعن كثير مع كونهما واقفيّين ، فالسند من جهتهما يدخل في الضعيف فلا بدّ في التعويل على الرواية من جابر لضعف السند.

وقد يقال : إنّه منجبر بامور :

منها : قول الشيخ في العدّة في عليّ بن أبي حمزة «أنّه عملت الطائفة بأخباره» (٩) فإنّه في معنى دعوى الإجماع على العمل.

ومنها : عمل المعظم بمضمون الرواية.

ومنها : إيراد عليّ بن حسن بن شعبة إيّاها في تحف العقول بحذف السند ، فإنّه

__________________

(١) الخلاصة : ٢٦٧.

(٢) الفهرست : ٤٢ / ٧٦.

(٣) منتهى المقال ١ : ٣٦٨ ، التعليقة : ٥٠.

(٤) الفهرست : ١١ / ٣٢.

(٥) رجال النجاشي : ٢٦ / ٤٩.

(٦) الخلاصة : ٥٤ / ٣٤. (٧) رجال الكشّي : ٥٨٩ / ١١٠٢.

(٨) الخلاصة : ٢١٢ / ٧ ، منتهى المقال ٢ : ٤٠٩ / ٧٥٥.

(٩) العدّة ١ : ٣٨١.

٢٦

يومئ إلى أنّه لأجل اشتهارها بين الطائفة والاعتماد عليها عندهم.

ومنها : فتوى الشيخ في النهاية (١) بمضمونها بألفاظ قريبة من عباراتها.

ومنها : عمل السيّد (٢) بمضمونها مع أنّه لا يرى العمل بأخبار الآحاد الغير المقطوع بصدورها. وهذه الأمارات قرائن تفيد ولو بتراكم بعضها ببعض القطع أو الظنّ بالصدور.

ومن الأخبار ما عن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري عن الصادق عليه‌السلام «إنّ الحلال من البيوع كلّما كان حلالاً من المأكول والمشروب وغير ذلك ممّا هو قوام للناس ويباح لهم الانتفاع ، وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه» (٣).

وما عنه أيضاً عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الأجراب وعن بيع الميتة والدم ولحم الخنزير والأصنام ، وعن عسيب الفحل ، وعن ثمن الخمر ، وعن بيع العذرة. وقال : هي ميتة» (٤).

وما عن الفقه الرضوي «اعلم رحمك الله أنّ كلّ مأمور به على العباد وقوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الّذي لا يقيمهم غيره ممّا يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته ، وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهى عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه بوجه الفساد مثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربى وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك فحرام ضارّ للجسم» (٥) وهذا إن لم ينهض حجّة فلا أقلّ من صلوحه مؤيّداً أو جابراً لضعف سند ما تقدّم ، ونحوه الكلام في سابقيه لعدم وضوح سنديهما.

ولقد أكثر السيّد في المصابيح (٦) في ذكر الأخبار المصرّحة بسحتيّة الثمن في جملة كثيرة من الأعيان النجسة بل في أكثرها بما يشرف الفقيه على دعوى القطع بأنّ مبنى الشريعة فيها على حرمة التكسّب بها ، ولعلّنا نورد نبذة منها في تضاعيف الباب.

وليس للقول بجواز التكسّب بها إن فرض لها منفعة غالبة مقصودة للعقلاء

__________________

(١) النهاية ٢ : ٩٧.

(٢) رسالة المحكم والمتشابه : ٤٦.

(٣) دعائم الإسلام ٢ : ١٨ / ٢٣.

(٤) دعائم الإسلام ٢ : ١٨ / ٢٢.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٠.

(٦) المصابيح : ٦.

٢٧

ـ كما تقدّم (١) عن الفاضل الكاشاني والمقدّس الأردبيلي والفاضل الخراساني في الكفاية ـ إلّا أنّ الأصل والعمومات أجناساً وأنواعاً وأصنافاً كقوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) وقوله : «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (٣) وقوله : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٤) وقوله عليه‌السلام : «كلّ صلح جائز بين المسلمين إلّا ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً» (٥) وقوله عليه‌السلام : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٦) إلى غير ذلك ، فإنّها شاملة لمحلّ البحث كما أنّ الأصل جارٍ فيه.

وليس هاهنا ما يتوهّم كونه مخرجاً عنهما إلّا النجاسة وهي غير صالحة عقلاً ولا شرعاً لعدم نهوض ما يقضي من الشرع بإناطة الحكم تكليفاً ووضعاً بالنجاسة ، وأنّه لو لا الجواز لما وقع في الشرع والتالي باطل لورود الإذن في بعض الأعيان وليس إلّا للانتفاع المحلّل ، كما في كلب الصيد بل الكلاب الأربع وفي بيع الكافر ، وفي بيع العذرة وبيع الميتة في بعض أحوالهما ، وبيع شعر الخنزير ليتّخذ حبلاً يستقى به.

والجواب عن الأصل : أنّه إن اريد به ما يفيد الجواز التكليفي قبالاً للحرمة وهو أصل الإباحة ، فيدفعه : أنّ ما تقدّم من الإجماعات والروايات ناقلة عنها ، بتقريب أنّ موضوع الأصل المذكور الأشياء المشتملة على المنفعة الخالية عن أمارة المفسدة أو مطلق ما لم يعلم حكمه بالخصوص لشبهة حكميّة تحريميّة ، وما ذكر من الإجماعات والروايات أمارة مفسدة تفيد خروج محلّ البحث عن موضوع الأصل بكلا تقريريه.

وإن اريد به ما يفيد الجواز الوضعي أعني الصحّة بمعنى ترتّب الأثر وهو أصالة الصحّة في العقود أو مطلق المعاملات ، فإن اريد به ما يعبّر عنه بالأصل الأوّلي ، فهو خلاف ما حقّق في محلّه ، من أنّ الأصل الأوّلي في المعاملات هو الفساد ، لأنّ الأصل عدم ترتّب الأثر وهو أمر حادث يشكّ في حدوثه. وإن اريد به ما يعبّر عنه بالأصل الثانوي وهو القاعدة المستفادة من عمومات الصحّة فمرجعه إلى عموم تلك العمومات ،

__________________

(١) تقدّم في ص ١١.

(٢) المائدة : ١.

(٣) البقرة : ١٨٨.

(٤) البقرة : ٢٧٩.

(٥) الوسائل ٢٧ : ٢٣٤ / ٥ ، ب ٣ أبواب كيفيّة الحكم ، الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢.

(٦) الوسائل ١٨ : ٦ / ٣ ، ب ١ أبواب الخيار ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٥.

٢٨

وجوابه التخصيص بما ذكر من الإجماعات والروايات فإنّها كما تنهض ناقلة عن الأصل كذلك تنهض مخصّصة للعمومات. وهذا كافٍ في التزام إناطة الحكم تكليفاً ووضعاً بالنجاسة وكونها مانعة من الجواز مطلقاً إلّا ما خرج بالدليل.

ومن هنا يظهر الجواب عن العلاوة ، فإنّ الجواز في الموارد المذكورة ليس إجماعيّاً وحيث قلنا به فيها أو في بعضها كان مخرجاً عن القاعدة بالدليل ، فلا ينافيها ثبوته فيها لأنّها على ما بيّناه سابقاً قابلة للتخصيص.

ثمّ ينبغي التكلّم في كلّ واحد من الأعيان النجسة على وجه التفصيل طلباً لمعرفة أحكام كلّ مفصّلة ، وتمييزاً لمحل الاستثناء منها عن غيره ، ويتمّ ذلك في مباحث :

٢٩

المبحث الأوّل

فيما يتعلّق بالخمر موضوعاً وحكماً

أمّا الموضوع ، فالمعروف المشهور بين الفقهاء أنّها المسكر المتّخذ من العنب ، وهو المعهود في العرف الكاشف عن اللغة بل المشهور بين أئمّة اللغة ، وهو المستفاد من تضاعيف الأخبار المتكاثرة المأثورة عن أهل بيت العصمة ، وما يوجد في بعض الأخبار من إطلاقها على سائر الأنبذة والمسكرات أو الفقّاع فهو مبنيّ على الاستعارة ، والتشبيه لمشاركتها الخمر في الأحكام.

ومن هذا الباب ما ورد في عدّة أخبار من قوله عليه‌السلام : «قال رسول الله : الخمر من خمسة ، العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبِتع (١) من العسل ، والمزر (٢) من الشعير ، والنبيذ من التمر» (٣) وكذا ما في قول أبي الحسن الماضي عليه‌السلام بسند صحيح : «من أنّ الله لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (٤) بل هذا على ما ذكرناه من اختصاص اسم الخمر بالمتّخذ من العنب أدلّ لمكان قوله : «لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها» فإنّ هذا البيان يقال لتعميم الحكم إلى ما لم يتناوله الاسم حقيقة وإن فرض دخوله في المراد مجازاً حين إنشاء الحكم.

__________________

(١) البِتع : نبيذ يتّخذ من عسل كأنّه الخمر صلابة (لسان العرب ٨ : ٤).

(٢) المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب (لسان العرب ٥ : ١٧٢).

(٣) الوسائل ٢٥ : ٢٧٩ / ١ ، ب ١ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١٠١ / ٤٤٢.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٤٢ / ١ ، ب ١٩ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٢ / ٤٨٦.

٣٠

فالقول بأنّها كلّ شراب مسكر سواء كان متّخذاً من العنب أو الزبيب أو التمر أو الشعير أو الذرّة أو العسل أو غيره ، ضعيف وإن رجّحه صاحب القاموس قائلاً : «الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عامّ. ثمّ قال : والعموم أصحّ لأنّها حرّمت ، وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم إلّا البُسر والتمر» (١).

وهذا التعليل أضعف من القول المذكور لأنّ التحريم حكم مشترك بين أهل المدينة وأهالي سائر البلاد ، وعدم وجود شراب العنب في المدينة يوم حرّمت الخمر لا يقضي بأنّ المراد بالخمر ما عداه من المسكرات أو ما يعمّه وغيره ، ولو سلّم فلا يثبت به الاستعمال غير دالّ على الحقيقة.

وأمّا الحكم ، فنقول : إنّه يتعلّق بالخمر كثيرة تذكر في مسائل :

المسألة الاولى : يحرم بيع الخمر وشراؤها بل مطلق التكسّب بها إجماعاً محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً كما تقدّم الإشارة إلى جملة منها ، مضافاً إلى عموم النبويّ المتقدّم ، وخصوص رواية تحف العقول ، والروايات المصرّحة بسحتيّة ثمن الخمر ، وما رواه في الخصال عن الباقر عليه‌السلام «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الخمر عشرة ، غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها» (٢) وفي معناه المرويّ في كتب المشايخ الثلاث بطرق عديدة.

وفي مقابلها عدّة من الأخبار ربّما توهم الجواز مثل خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمراً أو خنازير وهو ينظر فقضاه ، فقال : لا بأس به أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام» (٣).

وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمراً أو خنزيراً ثمّ يقضي منها ، قال : لا بأس ، أو قال : خذها» (٤).

وخبر محمّد بن يحيى الخثعمي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون لنا

__________________

(١) القاموس ٢ : ٢٣ (خمر).

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٢٤ / ٤ ، ب ٥٥ ما يكتسب به ، الخصال : ٤٤٤ / ٤١.

(٣) الوسائل ١٧ : ٢٣٢ / ٢ ، ب ٦٠ ما يكتسب به ، التهذيب ٧ : ١٣٧ / ٦٠٦.

(٤) الوسائل ١٧ : ٢٣٣ / ٣ ، ب ٦٠ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١١.

٣١

عليه الدين فيبيع الخمر والخنازير فيقضينا ، فقال : لا بأس به ليس عليك من ذلك شي‌ء» (١).

ورواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الرجل مال فيبيع بين يديه خمراً وخنازير يأخذ ثمنه؟ قال : لا بأس» (٢).

فإنّها تدلّ على إباحة ثمن الخمر للمقتضي وهو فرع على جوازه وصحّته ، غير أنّها ـ مع عدم عامل بإطلاقها من الأصحاب فلا تقاوم لمعارضة أدلّة المنع ـ حملت على ما لو كان البائع ذمّياً فإنّه يملكها ويجوز له بيعها.

وربّما يشهد له رواية منصور قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لي على رجل ذمّي دراهم ، فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر فيحلّ لي أخذها؟ فقال : إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك» (٣).

وفي رواية جميل قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً؟ قال : خذها ثمّ أفسدها. قال عليّ ـ وفي نسخة قال ابن أبي عمير ـ : يعني اجعلها خلّاً» (٤) وهذه تدلّ على جواز إعطاء الخمر وأخذها وفاءً عن الدين وهو نوع من التكسّب ، ولكنّها أيضاً ـ مع عدم عامل بها أيضاً وعدم مقاومتها واحتمالها كون القاضي ذمّياً ـ حملت على كون المراد أخذها مجّاناً ثمّ تخليلها لنفسه أو أخذها وتخليلها لصاحبها ثمّ أخذ الخلّ وفاءً عن الدين.

وهل يجوز بيع الخمر وشراؤها للتخليل؟ الوجه لا بلا خلاف أجده ، لإطلاق أدلّة المنع ، مع سلامتها عن المعارض ، سوى ما يتوهّم معارضته لها من رواية عبيد بن زرارة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّاً؟ قال : لا بأس» (٥) ويدفعه عدم قضائها بأنّ المراد أخذها بعنوان البيع والشراء ، ولو فرض فقد الدلالة على

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٣٣ / ٤ ، ب ٦٠ ما يكتسب به ، التهذيب ٧ : ١٣٧ / ٦٠٧.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٣٣ / ٤ ، ب ٦٠ ما يكتسب به ، التهذيب ٧ : ١٣٧ / ٦٠٨.

(٣) الوسائل ١٧ : ٢٣٢ / ١ ، ب ٦٠ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١٠.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٧١ / ٤ ، ب ٣١ أبواب الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٦.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ / ٣ ، ب ٣١ أبواب الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٥.

٣٢

التحريم هنا استرابة لإطلاق أدلّة المنع ، فلا أقلّ من التزام فساد البيع لكون المبيع ممّا لا يملكه المسلم ولا يدخل في ملكه على ما ستعرفه.

الثانية : يحرم شرب الخمر اختياراً بالإجماع الضروري بل بضرورة من دين الإسلام ، ولأجل ذا يكون مستحلّه من أهل الإسلام كافراً ، والآيات الكتابيّة المتقدّم ذكرها أيضاً ناطقة بذلك ، والأخبار القاضية به صراحةً وظهوراً متواترة لفظاً ومعنى بل بالغة فوق حدّ التواتر بمراتب شتّى. ويمكن الاستدلال عليه أيضاً من طريق العقل ، فإنّ تناول ما يزيل العقل بل الإيمان أيضاً على ما نطق به بعض الأخبار قبيح عقلاً وفاعله مستحقّ لذمّ العقلاء المعتدلين.

وإذا اضطرّ إلى شربها لإزالة العطش المفرط المؤدّي إلى التلف أو المرض أو المشقّة الّتي لا تتحمّل عادةً ، فعن الشيخ في المبسوط (١) «أنّه لا يجوز شربها ودفع الضرورة بها» للاحتياط وعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الخمر وخصوص قول الصادق في خبر أبي بصير المضطرّ : «لا يشرب الخمر فإنّها لا تزيده إلّا شرّاً ، ولأنّه إن شربها قتلته فلا يشرب منها قطرة» (٢) وعن الصدوق «وروي لا تزيده عطشاً» (٣).

خلافاً لجماعة منهم ابنا سعيد (٤) وإدريس (٥) من المتقدّمين ، والفاضلان في الشرائع (٦) والقواعد (٧) من المتأخّرين ، ثمّ بعدهما كاشف اللثام (٨) وثاني الشهيدين في المسالك (٩) وغيرهما (١٠) وهو مختار الشيخ في النهاية (١١) وفي المسالك ١٢ «مذهب الأكثر» لأنّ حفظ النفس في نظر الشارع أهمّ من ترك المحرّمات ، ومفسدة هلاك النفس أقوى من مفاسد ارتكاب المحرّمات ، وقاعدة وجوب دفع الضرر الّذي هو حكم عقلي ، وقاعدة كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، وقاعدة نفي الضرر والضرار الّتي مفادها

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٨٨.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٧٨ / ٣ ، ب ٣٦ الأشربة المحرّمة ، علل الشرائع : ٤٧٨ / ١.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٧٩ / ٤ ، ب ٣٦ الأشربة المحرّمة ، علل الشرائع : ٤٧٨ / ذيل الحديث ١.

(٤) الجامع للشرائع : ٣٩٤.

(٥) السرائر ٣ : ١٢٦. (٦) الشرائع ٣ : ٢٣٠.

(٧) القواعد ٣ : ٣٣٣.

(٨) كشف اللثام ٩ : ٣٢١.

(٩ و ١٢) المسالك ٢ : ٢٥١.

(١٠) كما في كفاية الأحكام : ٢٥٤.

(١١) النهاية ٣ : ١١١.

٣٣

نفي مجعوليّة الحكم الضرري ، وقاعدة نفي العسر والحرج الّتي مفادها نفي مجعوليّة الحكم الحرجي وحرمة شرب الخمر مع الاضطرار حكم ضرريّ حرجيّ فلا تكون مجعولة. والآيات مع الروايات المعلّقة للرخصة في تناول المحرّمات على الاضطرار.

ومن الاولى قوله عزّ من قائل : «وَما لَكُمْ أَلّا تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلّا مَا اضْطُرِرْتُمْ» (١).

ومن الثانية قوله عليه‌السلام في خبر المفضّل الطويل : «إنّه تعالى علم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه تفضّلاً منه عليهم به لمصلحتهم ، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم. ثمّ أباحه للمضطرّ فأحلّه في الوقت الّذي لا يقوم بدنه إلّا به ، فأمر أن ينال منه بقدر البُلغَة لا غير» (٢).

ونحوه بعينه قوله عليه‌السلام في خبري محمّد بن عبد الله ومحمّد بن عذافر (٣).

ومرسل الدعائم عن عليّ عليه‌السلام «المضطرّ يأكل الميتة ، وكلّ محرّم إذا اضطرّ إليه» (٤)

وعن التفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام قال الله سبحانه : فمن اضطرّ إلى شي‌ء من هذه المحرّمات فإنّ الله غفور رحيم ، ستّار لعيوبكم أيّها المؤمنون ، رحيم بكم حتّى أباح لكم في الضرورة ما حظره في الرخاء» (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما اضطرّوا إليه» في حديث رفع عن امّتي تسعة.

وخصوص قول الصادق عليه‌السلام في خبري حمّاد بن عيسى وعمّار بن موسى في الرجل أصابه عطش حتّى خاف على نفسه فأصاب خمراً قال : «يشرب منه قوته» (٦).

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على إباحة ما هو أفحش منها للمضطرّ كالميتة والخنزير والدم ، ومن ذلك مرسل الصدوق المرويّ عن نوادر الحكمة «من اضطرّ إلى الميتة والدم

__________________

(١) الأنعام : ١١٩.

(٢) الوسائل ٢٤ : ٩٩ / ١ ، ب ١ الأطعمة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٢٤٢ / ١.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٩٩ / ١ ، ب ١ الأطعمة المحرّمة ، الفقيه ٣ : ٢١٨ / ١٠٠٩ ، تفسير العيّاشي ١ : ٢٩٢ / ١٥.

(٤) دعائم الإسلام ٢ : ١٢٥ / ٤٣٥.

(٥) مستدرك الوسائل ١٦ : ٢٠١ / ٥ ، ب ٤٠ الأطعمة المحرّمة ، تفسير الإمام العسكري : ٥٨٥.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٣٧٨ / ١ ، ب ٣٦ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢.

٣٤

ولحم الخنزير فلم يأكل شيئاً من ذلك حتّى يموت فهو كافر» (١).

وهذه الأدلّة واضح الدلالة على إناطة الرخصة في شرب الخمر بل مطلق المسكر بل تناول مطلق المحرّمات بالاضطرار ، فالمضطرّ إلى شرب الخمر يحلّ له الشرب.

ولكنّ الكلام في تحقيق معنى المضطرّ وتشخيص مصاديقه :

فنقول : إنّه على ما حكي عن النهاية الّذي يخاف التلف على نفسه لو لم يتناول وكأنّه استظهار من قوله المحكيّ عنها : «لا يجوز أن يأكل الميتة إلّا إذا خاف تلف النفس» (٢) ونسبه في المسالك (٣) إلى تلميذه القاضي (٤) وابن إدريس (٥) والعلّامة في المختلف (٦) وفسّره في الشرائع (٧) والقواعد «بالّذي يخاف التلف لو لم يتناول ، وكذا لو خاف المرض بالترك ، وكذا لو خشي الضعف المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب أو إلى ضعف الركوب المؤدّي إلى خوف التلف» (٨).

وفي المسالك «هو المشهور بين الأصحاب لتحقّق معنى الإكراه [الاضطرار] (٩) على جميع هذه الأحوال ، ثمّ قال : وفي معنى ما ذكر من يخاف طول المرض أو عسر برئه لأنّ ذلك كلّه إضرار» (١٠).

وفي كشف اللثام (١١) وغيره (١٢) أضاف إلى الخوف على نفسه الخوف على نفس محترمة غيره كالحامل تخاف على الجنين ، والمرضعة تخاف على الرضيع ، وفيه وفي غيره أيضاً جعل الخوف أعمّ ممّا ينشأ من نفس عدم التناول أو من إكراه الغير على التناول بحيث يخاف معه على نفسه أو على نفس محترمة غيره أو على مال محترم له أو لغيره أو على عرضه أو من التقية الموجبة للخوف على أحد الامور المذكورة.

وهذا أصحّ ، لأنّ الاضطرار ليس من الموضوعات الشرعيّة ولم يرد له من الشارع

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢١٦ / ٣ ، ب ٥٦ الأطعمة المحرّمة ، الفقيه ٣ : ٢١٨ / ١٠٠٨.

(٢) النهاية ٣ : ٩٨ ـ ٩٩.

(٣) المسالك ٢ : ٢٤٩.

(٤) المهذّب ٢ : ٤٣٣.

(٥) السرائر ٣ : ١١٣.

(٦) المختلف ٨ : ٣٢١.

(٧) الشرائع ٣ : ٧٥٧. (٨) القواعد ٣ : ٣٣٣.

(٩) هكذا في المصدر وكلمة الإكراه سهو من قلمه الشريف.

(١٠) المسالك ٢ : ٢٤٩. (١١) كشف اللثام ٩ : ٣١٧.

(١٢) كما في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٣١٢ ، المستند ١٥ : ٣٣.

٣٥

تحديد بل هو من الموضوعات المستنبطة العرفيّة.

فالمرجع في استعلام مفهومه وتشخيص مصاديقه العرف ، وهو في متفاهم العرف يصدق على الجميع بل على ما لو أدّى الامتناع عن التناول إلى مشقّة شديدة لا تتحمّل عادةً ، فيصدق عليه في الجميع أنّه مضطرّ إلى التناول ، ويصحّ له أن يقول : في الجميع «اضطررت إلى تناوله» ولا يصحّ سلب الاسم عنه ولا تكذيبه في شي‌ء من الصور.

والضابط الكلّي خوف الضرر سواء كان الضرر المخوف تلف النفس أو تلف المال أو هتك العرض أو حدوث المرض أو بطء علاجه أو غيره من الأحوال المذكورة فالاقتصار فيه على خوف تلف نفسه كما عرفته عن النهاية غير جيّد.

والظاهر عدم الفرق فيه بين كون الضرر المخوف مقطوعاً أو مظنوناً أو محتملاً بالاحتمال العقلائي الّذي ملاكه الخوف وكونه بحيث يعتني بشأنه العقلاء ، فلا يكفي الوهم وهو مطلق الاحتمال المرجوح الغير المعتنى به عند العقلاء ، ويعتبر في نفس الضرر المخوف كونه ضرراً معتدّاً به وهو ما يعتني بشأنه العقلاء ويتحرّزون منها ولا يتسامحون فيه ، فالضرر اليسير المتسامح فيه عند العقلاء من صداع غير شديد وما أشبه ذلك لا عبرة به كما تنبّه عليه كاشف اللثام بقوله : «ولا يدخل فيه صداع غير متناه في الشدّة ونحوه» (١).

وبجميع ما عرفت ظهر ضعف قول الشيخ وضعف دليله ، لأنّ الاحتياط مع فرض الاضطرار لا حكم له حتّى من الرجحان ، وعموم أدلّة المنع يخرج منه بالتخصيص أو الحكومة ، والخبر الخاصّ ضعيف بالإرسال ، ومع ذلك يمكن حمله على الغالب ولو بحسب الأمزجة ، فيعتبر في محلّ الرخصة العلم أو الظنّ الغالب بترتّب الفائدة على شربها لعدم صدق الاضطرار بدون ذلك.

الثالثة : يحرم سقي الصبيان الخمر بلا خلاف يظهر ، وفي المستند (٢) هو المعروف في كلامهم ، لعموم قوله : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام».

__________________

(١) كشف اللثام ٩ : ٣١٧.

(٢) المستند ١٥ : ٢٣٤.

٣٦

وخصوص روايتي عجلان بن أبي صالح في إحداهما «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المولود يولد فنسقيه الخمر؟ فقال : لا ، من سقى مولوداً مسكراً سقاه الله من الحميم وإن غفر له» (١).

وفي الاخرى «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يقول الله عزوجل : من شرب مسكراً أو سقى صبيّاً لا يعقل سقاه الله من ماء الحميم مغفوراً له أو معذّباً ... الخ» (٢).

ورواية أبي الربيع الشامي قال : «سئل أبو عبد الله عن الخمر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : اقسم ربّي لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا إلّا سقاه الله ما يشرب منها من الحميم معذّباً أو مغفوراً له ، ولا يسقيها عبد لي صبيّاً صغيراً أو مملوكاً إلّا سقاه مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذّباً أو مغفوراً له» (٣) ويستفاد من ذلك حرمة سقيها المملوك أيضاً صغيراً كان أو كبيراً.

وفي حرمة سقيها الدوابّ كما عن القاضي ابن البرّاج (٤) وجوازه على كراهية كما عليه العلّامة في القواعد (٥) وعن الشهيد في الدروس (٦) وفي المستند (٧) «أنّه الأشهر» قولان : والعموم المتقدّم يساعد على الأوّل ، وربّما يتناوله قوله عليه‌السلام : «وساقيها» في خبر الخصال المتقدّم (٨) كما جزم به بعض مشايخنا (٩).

وللقول الآخر ـ بعد الأصل والعمومات ـ رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كره أن تسقى الدوابّ الخمر» (١٠).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال : نعم يكره ذلك» (١١)

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٠٧ / ٢ ، ب ١٠ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١٠٣ / ٤٤٩.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٠٨ / ٣ ، ب ١٠ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٣٩٧ / ٧.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٠٧ / ١ ، ب ١٠ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٣٩٦ / ١.

(٤) المهذّب ٢ : ٤٣٣.

(٥) القواعد ٣ : ٣٣٢.

(٦) الدروس ٣ : ٢١.

(٧) المستند ١٥ : ٢٣٤.

(٨) تقدّم في الصفحة ٣٣ : الرقم ١.

(٩) الجواهر ٣٦ : ٤٢٠.

(١٠) الوسائل ٢٥ : ٣٠٨ / ٤ ، ب ١٠ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٤ / ٤٩٦.

(١١) الوسائل ٢٥ : ٣٠٩ / ٥ باب ١٠ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٤ / ٤٩٧.

٣٧

والروايتان لقصور سنديهما بل ضعف سند الثانية بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة وأبيه ، وقصور دلالتيهما نظراً إلى ظهور الكراهة في أخبار أهل بيت العصمة في الحرمة باعتبار كونها بمعنى المبغوضيّة لا تنهضان لتخصيص دليل المنع إلّا لجابر ينجبر به القصور والضعف سنداً ودلالة ، ولا يكون في نظائر المقام إلّا الشهرة المحقّقة الاستناديّة ، وتحقّقها فيما نحن فيه غير واضح ، فالمسألة موضع تأمّل وإن كان المنع لا يخلو عن قوّة.

الرابعة : يجوز الاكتحال بكحل متّخذ من الخمر للتداوي عند الضرورة لا للزينة ولا للتداوي من غير ضرورة ، كما عليه الشيخ (١) وجماعة كما في كاشف اللثام (٢) ونسبه في المسالك (٣) إلى الأكثر ، لعموم قاعدة الاضطرار الّذي مداره على العلم بانحصار العلاج فيه ، وخصوص ما رواه هارون ابن حمزة الغنوي في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل اشتكى عينيه ، فنعت له كحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به» (٤).

خلافاً لابن إدريس (٥) فمنعه مطلقاً ، لإطلاق النصّ والإجماع بتحريمه الشامل لما نحن فيه ، ولقوله عليه‌السلام «ما جعل الله في محرّم شفاء» (٦) وخبر مروك بن عبيد عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار» (٧).

ويقيّد الجميع بحال الضرورة ، لما عرفت مع ضعف سند الأخير بالإرسال فلا يقاوم لمعارضة الحسن ، ومعنى «ما جعل الله في محرّم شفاء» أنّه لم يأذن في الاستشفاء به إخراجاً له عن وصمة الكذب ، وقاعدة الاضطرار حاكمة عليه لأنّها بمضمونها متعرّضة لبيان مقدار موضوع المنع من الاستشفاء وهو غير المضطرّ.

الخامسة : اختلف الأصحاب في جواز التداوي بالخمر شرباً أو أكلاً أو طلياً

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٨٨.

(٢) كشف اللثام ٩ : ٣٢٣.

(٣) المسالك ٢ : ٢٥٢.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٥٠ / ٥ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٤ / ٢٩٣.

(٥) السرائر ٣ : ١٢٦.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٣٤٩ / ١ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٣ / ٤٩١.

(٧) الوسائل ٢٥ : ٣٤٩ / ٢ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٤١٤ / ٧.

٣٨

وعدمه ، فعن الأكثر كما في كشف اللثام (١) المنع مطلقاً ولو مع الانحصار ، وفي المسالك (٢) «هو المشهور بين الأصحاب» وعن الخلاف (٣) وظاهر المبسوط (٤) الإجماع عليه. وعن القاضي (٥) والعلّامة في المختلف (٦) وجماعة (٧) من المتأخّرين ومتأخّريهم الجواز مع الانحصار.

مستند المشهور الأخبار الآتية المستفيضة القريبة من التواتر إن لم نقل بكونها متواترة وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة القاضية بمنع التداوي بالخمر أو مطلق المسكر وبالدواء المتّخذ منهما بقول مطلق.

ومستند الآخرين قاعدة الاضطرار المتقدّمة الّتي يمكن نهوضها حاكمة على الأخبار المشار إليها كما كانت حاكمة على أدلّة تحريم المحرّمات وغيرها ممّا تقدّم كرواية تحف العقول ، ولأجل ذا ربّما يترجّح في النظر القاصر هذا القول.

غاية الأمر أن يعتبر فيه إحراز الصدق الاضطرار العلم بانحصار العلاج فيه ، فلا يكفي فيه عدم العلم بعدم الانحصار ، ولكن الإفتاء به وبناء العمل عليه مشكل بل في غاية الإشكال لمخالفته الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع المعتضدة بالإجماع المنقول ، مع أنّ أدلّة القاعدة المزبورة من الآيات والروايات بمرأى من المعظم ومسمع ، والقاعدة المستنبطة منها مقبولة لديهم معمولة عندهم في غير محلّ البحث ، كالاضطرار إلى أكل الميتة أو إلى لحم الخنزير وإلى أكل مال الغير من دون إذنه ونحو ذلك ، ولم يلتفتوا هنا إليها أصلاً وأعرضوا عن أدلّتها رأساً وأخذوا بمفاد الأخبار المشار إليها ، مضافاً إلى خلوّها على كثرتها عمّا يدلّ على الرخصة في التداوي بالخمر أو مطلق المسكر مطلقاً أو مقيّداً بالانحصار الّذي هو ملاك الاضطرار ، مضافاً إلى اشتمالها على أنواع التأكيدات في إنكار التداوي بالخمر والمنع من الاستشفاء بالمحرّم الّذي منه المسكر القاضية بشدّة الإنكار والمنع.

ففي صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دواء عجن بالخمر؟ فقال : لا ،

__________________

(١) كشف اللثام ٩ : ٣٢١.

(٢) المسالك ٢ : ٢٥٢.

(٣) الخلاف ٦ : ٩٧ المسألة ٢٧.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨٨.

(٥) المهذّب ٢ : ٤٣٣.

(٦) المختلف ٨ : ٣٤١.

(٧) كما في السرائر ٣ : ١٢٦ ، وفي المنتهى ٢ : ١٠١٠ ، وفي الحدائق ١٨ : ٧٠.

٣٩

والله ما احبّ أن أنظر إليه فكيف أتداوى به؟ أنّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير وترون اناساً يتداوون به» (١).

وخبره الآخر قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن دواء عجن بخمر؟ فقال : ما احبّ أن أنظر إليه ولا أشمّه ، فكيف أتداوى به؟» (٢).

وصحيحه الآخر قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن به إنّما هو اضطرار فقال : لا ، والله لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به؟ وإنّما هو بمنزلة شحم الخنزير الّذي يقع في كذا وكذا لا يكمل إلّا به ، فلا شفى الله أحداً شفاه خمر أو لحم خنزير» (٣).

وحسن عمر بن اذينة بل صحيحه قال : «كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللذّة إنّما يريد به الدواء؟ فقال : لا ، ولا جرعة. ثمّ قال : إنّ الله عزوجل لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّم دواء ولا شفاء» (٤).

وخبر عمر بن يزيد قال : «حضرت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد سأله رجل به البواسير الشديد وقد وصف له دواء اسكرّجة من نبيذ صلب لا يريد به اللذّة بل يريد به الدواء؟ فقال : لا ، ولا جرعة. قلت : ولِمَ؟ قال : لأنّه حرام ، وأنّ الله لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّمه دواء ولا شفاء» (٥).

والمرويّ عن الصادق عليه‌السلام «لا يتداوى بالخمر ولا بالمسكر ، ولا تمتشط به النساء ، فقد أخبرني أبي عن جدّي أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل لم يجعل في رجس حرّمه شفاء» (٦).

وخبر أبي بصير قال : «دخلت امّ خالد العبدية على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقالت : إنّه يعتريني قراقر في بطني وقد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق ، فقال :

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٤٥ / ٤ ، ب ٢٠ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٣ / ٤٩٠.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٤٥ / ٦ ، ب ٢٠ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٤١٤ / ١٠.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٤٦ / ١٠ ، ب ٢٠ الأشربة المحرّمة ، طبّ الأئمّة : ٦٢.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٤٣ / ١ ، ب ٢٠ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٤١٣ / ٢.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٣٤٦ / ٧ ، ب ٢٠ الأشربة المحرّمة ، طبّ الأئمّة : ٣٢.

(٦) البحار ٦٣ : ٤٩٥ / ٤١ ، ب الأنبذة والمسكرات ، دعائم الإسلام ٢ : ١٣٤ / ٤٧٣.

٤٠