ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

في الذمّة لغيره ، وأطلق اللفظ ، قال علماؤنا : يقف على الإجازة ، فإن أجاز صحّ ولزمه أداء الثمن ، وإن ردّ نفذ عن المباشر ، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد (١) وإنّما يصحّ الشراء لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال غيره ، وإنّما وقف على الإجازة لأنّه عقد الشراء له ، فإن أجازه لزمه وإن ردّه لزم من اشتراه ، ولا فرق بين أن ينقد من مال الغير أولا ، وقال أبو حنيفة : يقع عن المباشر» (٢) انتهى.

ووجّه الأصحاب في تصحيح الشراء لمن قصد له على تقدير الإجازة ما قدّمناه من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر ، وذلك يوجب صرف الكلّي إلى الغير تبعاً لوقوع الشراء له تبعاً لقصده له ، وهذا معنى ما يقال : من أنّ قصد البيع للغير أو إضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلّي إلى ذمّة ذلك الغير ، كما أنّ إضافة الكلّي إليه يوجب صرف البيع أو الشراء إليه وإن لم يقصده أو لم يضفه إليه ، وعلى ذلك مبنى القول بالتنافي بين إضافة البيع إلى غيره وإضافة الكلّي إلى نفسه أو قصده من غير إضافة ، وكذا بين إضافة البيع إلى نفسه وإضافة الكلّي إلى غيره.

فلو جمع بين المتنافيين بأن قال : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان» ففي الأوّل يحتمل البطلان لأنّه في حكم شراء شي‌ء للغير بعين ماله ، ويحتمل إلغاء أحد القيدين وتصحيح المعاملة لنفسه أو للغير ، وفي الثاني يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير فيقع للغير بعد إجازته ، ومبناه على إلغاء قيد إضافته إلى نفسه كما أنّ مبنى صحّته للمباشر على تقدير الردّ على إلغاء قيد إضافة الكلّي إلى الغير ، ولعلّ وجهه عموم آية الوفاء بكلّ عقد ، وفي صدق العقد مع الردّ نظر ، إلّا أن يكون إجماعاً كما هو ظاهر النسبة إلى علمائنا على تقدير شمولها الحكمين ، والمسألة لا تخلو عن إشكال.

الأمر الثاني (٣) : الظاهر بالنظر إلى إطلاق كلماتهم عدم الفرق في صحّة الفضولي بين وقوعه بالصيغة أو بالمعاطاة وفاقاً لشيخنا (٤) لعمومات الصحّة مثل «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٥) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٦) وغيرهما فإنّها كانت شاملة للمعاطاة كما تقدّم في بابها ، وللفضولي

__________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٠ والمغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) التذكرة ١٠ : ١٥ ـ ١٦.

(٣) في الأصل : الأوّل.

(٤) المكاسب ٣ : ٣٩٤. (٥) البقرة : ٢٧٥.

(٦) المائدة : ١.

٧٨١

أيضاً كما تقرّر في الباب ، ويلزم من ذلك شمولها لمعاطاة الفضولي أيضاً بناءً على المختار من كونها بيعاً مفيداً للملك ، مضافاً إلى عموم رواية عروة البارقي من جهة ترك الاستفصال ، بل قد يدّعي ظهورها في وقوع المعاملة بالمعاطاة ، وكذلك ترك الاستفصال في صحيحة محمّد بن قيس في بيع الوليدة وسائر ما تقدّم.

لا يقال : إنّ الإقباض الّذي يحصل به التمليك في المعاطاة محرّم لكونه تصرّفاً في مال الغير بدون إذنه كما هو حكم الفضولي في التصرّف في المال قبل الإجازة فلا يترتّب عليه الأثر. لأنّ المعاملة المعاطاتيّة قد لا تحتاج إلى إقباض المال كما لو باع الكلّي في الذمّة أو اشترى شيئاً بما في الذمّة ، مضافاً إلى أنّها قد يقارنها العلم برضى المالك في الإقباض بناءً على أنّها بمقارنة رضاه لا تخرج عن الفضوليّة ، وإلى منع اقتضاء النهي للفساد لتعلّقه بأمر خارج وهو وصف كونه بلا إذن ، وبأنّ المقصود ترتّب الأثر على الإقباض على أن يكون سبباً مستقلّاً وعدم ترتّب ذلك الأثر لا ينافي ترتّبه عليه على أنّه جزء للسبب.

فإن قلت : إنّ المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد إنشاء التمليك ، وهما من وظائف المالك ولا يتصوّر صدورهما من غيره ، ولذا ذكر الشهيد الثاني «أنّ المكره والفضولي قاصدان للّفظ دون المدلول ، وأنّ قصد المدلول لا يتحقّق من غير المالك» (١).

قلت أوّلاً : أنّه منقوض بالبيع بالصيغة ، فإنّ التراضي والقصد معتبران فيه أيضاً ، وهما من وظائف المالك على ما ذكرت.

وثانياً : أنّ القصد يتأتّى من غير المالك أيضاً بالضرورة ، وعليه مبنيّ صحّة الفضولي بعد الإجازة فإنّها إمضاء له ، والمعاطاة عقد فعلي ، وكما أنّ البائع بالصيغة يقصد بقوله إنشاء التمليك فكذلك في المعاطاة يقصد بفعله (٢) إنشاء التمليك. وأمّا التراضي فالمفروض حصوله مقارناً من الأصيل ، وأمّا من طرف غيره ، فإن اريد بكونه من وظائف المالك أنّ رضا الفضولي غير معتبر هنا بل المعتبر هو رضا المالك ، فهو حقّ لا سترة عليه ، ولكن مبنى تصحيح المعاطاة الفضوليّة ليس على الاكتفاء برضا الفضولي

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٦.

(٢) في الأصل : بقوله.

٧٨٢

بل على اعتبار رضا المالك لاحقاً بالمعاملة حين الإجازة الكاشفة عن الرضا. وإن اريد به أنّ المعتبر مقارنة رضا المالك الّتي لا يتأتّى إلّا بمعاطاته ، ففيه المنع كما عليه مبنيّ صحّة الفضولي. وبما ذكرناه اندفع ما نقل عن ثاني الشهيدين.

نعم لو قيل بعدم الصحّة على القول بكونها إباحة لا بيعاً مفيداً للتمليك كان متّجهاً ، لأنّ القاعدة في باب الفضولي حرمة التصرّف في المال قبل لحوق الإجازة وهي تنافي الإباحة ، والإجازة اللاحقة على تقدير تضمّنها الإباحة لا تجدي في صحّة المعاطاة من حيث إفادتها الإباحة ، لأنّ الإباحة اللازمة من الإجازة إباحة جديدة. وبالجملة إباحة التصرّفات في المال من وظائف المالك ، ولا تتأتّى إلّا بالإجازة ولا يعقل فيها الفضوليّة.

الأمر الثالث : الظاهر عدم اختصاص الفضولي بالبيع والنكاح كما هو المصرّح به في نكاح الروضة (١) على ما حكي ، وفي الجواهر (٢) تبعاً لشيخيه في شرح القواعد (٣) ومفتاح الكرامة ، قال في الثاني : «واعلم أنّه يجري في سائر العقود لأنّه إذا ثبت في النكاح والبيع ثبت في جميع العقود إذ لا قائل باختصاص الحكم بهما كما في الروضة ذكر ذلك في كتاب النكاح» (٤) انتهى. بل يجري في سائر العقود اللازمة والجائزة حتّى ما يعتبر في صحّته التقابض كالصرف أو الإقباض كالهبة ، ولا ينافيه كون إقباض المال قبل لحوق الإجازة محرّماً لأنّه نهي عن الشرط وهو توصّلي فلا دلالة له على فساد أصل المعاملة مع كونه في الشرط لوصف خارج.

نعم ينبغي القطع بعدم جريانه فيما يتوقّف في صحّته النيّة وقصد القربة المتوقّفة على الأمر كالوقف إذ لا أمر على الفضولي في وقف مال غيره ولو استحباباً ، وعن الشهيد في شرح الإرشاد (٥) دعوى الإجماع على عدم صحّته فيه ، وربّما يعلّل المنع بكونه من الإيقاعات المجمع على أن لا فضوليّة فيها. وبالجملة فهو إمّا عقد على الأقوى أو إيقاع ، على التقديرين ثبت لها جهة عبادة لتوقّف صحّته على النيّة ، مع اعتبار مباشرة المالك أو مقارنة رضاه لوقوعه في صحّته ثبت ذلك بالإجماع ونحوه.

ولا فيما ينافي الفضوليّة من حرمة التصرّف قبل الإجازة لمقتضى العقد كالعارية

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٤١.

(٢) الجواهر ٢٢ : ٢٨٠.

(٣) شرح القواعد ٢ : ٧٤.

(٤) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٠٤.

(٥) غاية المراد ٣ : ٤٢٥.

٧٨٣

لمنافاة إباحة الانتفاع لحرمة التصرّف ، وكذلك الوكالة الّتي هي استنابة في التصرّف الّتي تتضمّن الإذن فيه ، والإباحة والإذن اللازمتان من الإجازة إباحة جديدة وإذن مستأنف.

وعن شرح القواعد إجراؤه في غير العقود قائلاً : «وفي جري الفضولي فيما جرت فيه الوكالة من العبادات ـ كالأخماس والزكوات وأداء النذور والصدقات ونحوها من مال من وجبت عليه أو من ماله ـ وفيما قام من الأفعال مقام العقود ونحوه وكذا الإيقاعات ممّا لم يقم الإجماع على المنع فيها وجهان ، أقواهما الجواز ، ويقوى جريانه في الإجازة ، وإجازة الإجازة ، وهكذا ، ويتفرّع عليها أحكامه كما لا يخفى على ذوي الأفهام» (١) انتهى.

وهو في غاية الإشكال خصوصاً في العبادات ، لعدم الأمر في الفضولي الّذي عليها مبنى النيّة الّتي هي من شروط صحّتها ، وقبولها النيابة من جهة الوكالة لا يستلزم قبولها النيابة لا من جهة الوكالة ، وهو خلاف الأصل ولا دليل عليه هنا.

نعم ربّما ايّد الجواز بالنصوص الواردة في باب الخمس المشتمل بعضها على تصرّف بعض مواليهم فيه من غير إذنهم عليهم‌السلام ثمّ طلب الإجازة منهم عليهم‌السلام فأجازوه ، وبالروايات الواردة في باب اللقطة والمال المجهول المالك الآمرة بأنّه يتصدّق عن المالك ، فإذا تعيّن وأجاز صحّت الصدقة له ، وإلّا وقعت للدافع وعليه ردّ العوض إلى المالك.

ويندفع الأوّل : بأنّ النصوص المذكورة واردة في طلب الحلّ والإبراء ، لا في طلب الإجازة والإمضاء لفعله في الدفع إلى المستحقّ فضولاً ، كما لا يخفى على المتتبّع.

والثاني : بخروج مورد الروايات المشار إليها عن ضابطة الفضولي ، ولذا يجوز التصرّف للمتصدّق عليه في المال بجميع أنواع التصرّفات حتّى الناقلة والمتلفة منها ، ولو أتلفه لا رجوع للمالك عليه على تقدير عدم إجازته بل يرجع على الدافع ، بل الحقّ أنّ الدافع ليس بفضولي في دفعه بل هو مأذون من المالك الحقيقي فيكون كالوكيل. وقد يجاب بأنّ مضمون تلك الروايات إنّما هو من باب الحكم الشرعي في واقعة خاصّة مخالفة للقواعد والاصول ولا دخل له في باب الفضولي حتّى يستدلّ به على صحّة

__________________

(١) شرح القواعد ٢ : ٨٥.

٧٨٤

الفضولي في العبادات الماليّة أو ايّدت صحّته به ، فالحق أنّها لا تقع إلّا من المالك أو وكيله فيعتبر في صحّتها المباشرة أو مقارنة الإذن.

وأمّا إجراء الفضولي في الإيقاعات فهو أيضاً ممّا لا تعرف له وجهاً كيف؟ وقد قيل بأنّ الأصحاب أجمعوا على عدم صحّته في شي‌ء منها خصوصاً الطلاق الّذي ورد فيه «أنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق» (١) فالوجه أنّ منها ما يعتبر فيها المباشرة كالنذر والعهد واليمين ، ومنها ما يقبل النيابة من جهة الوكالة لا غير.

وأمّا الأفعال القائمة مقام العقود فإن اريد بها تقابض المعاطاة فقد مرّ الكلام فيه ، وإن اريد بها إشارة الأخرس فجريه فيها محلّ تأمّل للاسترابة في شمول أدلّته وعلى تقدير الشمول فلا كلام ، وإن اريد بها غيرهما كقبض الدين وقبض الثمن وقبض الوقف وقبض الهبة وما أشبه ذلك فضولاً فأمضاه من له ولاية القبض ، فالأمر فيه سهل.

الأمر الرابع : في حكم الإجازة من حيث الكشف والنقل ، وشروطها ، وسائر ما يتعلّق لها ، ففيه مباحث :

المبحث الأوّل : في أنّ القائلين بصحّة الفضولي بعد اتّفاقهم على توقّف الصحّة على الإجازة اختلفوا في كونها كاشفة عن الصحّة ، على معنى كشفها عن الانتقال وحصول الملك وترتّب آثار الملكيّة من حين العقد بحيث كأنّها وقعت حال العقد مقارنة له ـ كما عن ظاهر جماعة (٢) وصريح الشهيد في الدروس (٣) وحواشي القواعد (٤) واللمعة (٥) والفاضل المقداد في التنقيح (٦) والكركي في جامع المقاصد (٧) والشيخ إبراهيم القطيفي في إيضاح النافع (٨) والشيخ علي الميسي في الحاشية الميسيّة (٩) والمسالك (١٠) والروضة (١١) والرياض (١٢) ناسباً له فيه إلى الأشهر ، وعن مجمع البرهان «إنّه مذهب

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٥ : ٣٠٦ / ٣ ، ب ٢٥ كتاب الطلاق ، درر اللآلئ ٢ : ٢.

(٢) كما في المختصر : ١١٨ ، والمهذّب البارع ٢ : ٣٥٦ ، وكشف الرموز ١ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٢ و ٢٣٣. (٤) حواشي الشهيد : ٥٧.

(٥) اللمعة : ١١٠. (٦) التنقيح ٢ : ٦٢.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ـ ٧٥.

(٨) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٠٥.

(٩) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٠٥.

(١٠) المسالك ٣ : ١٥٨.

(١١) الروضة ٣ : ٢٢٩.

(١٢) الرياض ٨ : ١٢٤.

٧٨٥

الأكثر» (١) ـ أو ناقلة على معنى كونها موجبة للنقل والانتقال وحصول الملك وترتّب آثاره من حينها بحيث كان العقد وقع حالها مقارناً لها ، كما عن مجمع البرهان ٢ وظاهر فخر الدين في الإيضاح (٣) ونسب الميل إليه إلى كاشف اللثام (٤) وقد ينسب إلى الكفاية (٥) والمدارك (٦) في باب الزكاة.

ثمّ القائلون بالكشف بين قائل بالكشف الحقيقي ومعناه ما سمعت وهو لأكثرهم ، والكشف الحكمي وهو أن يكشف الإجازة عن ترتّب آثار الملك على العقد من حينه دون حصول نفس الملك بل هو حاصل بالإجازة حينها ، وهذا نقل حقيقي في حكم الكشف ، ولذا يقال له : الكشف الحكمي.

ومن مشايخنا من جعل كاشفيّة الإجازة على وجوه ثلاث قائلاً : «بأنّه قال بكلّ منها قائل أحدها : وهو المشهور الكشف الحقيقي مع الالتزام بكون الإجازة فيها شرطاً متأخّراً ، ولذا اعترضهم جمال المحقّقين في حاشية الروضة (٧) بأنّ الشرط لا يتأخّر.

والثاني : الكشف الحقيقي والتزام كون الشرط تعقّب الإجازة لا نفس الإجازة ، فراراً عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط. والتزم بعضهم (٨) بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد.

الثالث : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلّا بعد الإجازة» (٩).

وقد يجعل القائلون بالنقل أيضاً فريقين :

أحدهما : كون الإجازة ناقلة على أنّها جزء للسبب. والآخر : كونها ناقلة على أنّها عقد مستقلّ.

ويظهر اختياره من الآبي صاحب كشف الرموز (١٠). وقد وافق فيه شيخه المحقّق وعبارته على ما حكاه في مفتاح الكرامة في أصل مسألة صحّة الفضولي وبطلانه هكذا

__________________

(١) ١ و ٢ مجمع البرهان ٨ : ١٥٩.

(٣) الإيضاح ٣ : ٢٨.

(٤) كشف اللثام ٧ : ١٠٣.

(٥) الكفاية : ٨٩. (٦) المدارك ٥ : ٢٧. (٧) حاشية الروضة : ٣٥٨.

(٨) الجواهر ٢٢ : ٢٨٨.

(٩) المكاسب ٣ : ٤٠٨.

(١٠) كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

٧٨٦

«البحث في المسألة يبتني على اقتضاء النهي الفساد وعدمه ، فمن قال بالأوّل يلزمه القول بالبطلان إلّا أن يقول : إنّ عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص بل كلّ ما يدلّ على الانتقال ، فلو لم يلتزم هذا القول تكون الإجازة بمثابة عقد ثانٍ. ثمّ نقل عن شيخه أنّ النهي في المعاملة لا يقتضي الفساد وأن ليس للبيع لفظ مخصوص وأنّ الشيخين يخالفان في المسألتين ، وأنّه هو موافق لشيخه فيهما» (١) انتهى.

وينبغي التعرّض لبيان ثمرات الأقوال قبل الخوض في تحقيق المقام ، ويتمّ ذلك في طيّ مسائل :

المسألة الاولى : في الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الإجازة شرطاً وكون الشرط تعقّب العقد بها ، فقد يقال : إنّه قد تظهر الثمرة في جواز تصرّف كلّ منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد ، والظاهر أنّ المراد به جواز التصرّف على القول بشرطيّة التعقّب لأنّه يتصرّف في ملكه المعلوم حصوله بالعقد المقرون بشرط تأثيره بخلافه على القول بشرطيّة نفس الإجازة.

ويشكل بأنّ حصول الملك على القول بالكشف الحقيقي مع العلم بلحوق الإجازة فيما بعد مشترك اللزوم ، لأنّ الكلام بعد تصحيح تأخّر الشرط في الوجود الخارجي عن المشروط ، والإغماض عن استحالة تقدّم الموقوف على الموقوف عليه عقلاً.

ويمكن الذبّ بالبناء على أحد امور :

الأوّل : أن يقال : إنّ الشارع ينزّل الإجازة المتأخّرة في زمان حصولها منزلة الإجازة المقارنة للعقد ، فما لم تكن حاصلة لم يكن التنزيل واقعاً فيحكم بعدم حصول الملك ظاهراً ، وإن كان في الواقع حاصلاً.

الثاني : أن يقال إنّه ينزّل زمان العقد المفروض انقضاؤه وانعدامه منزلة الموجود حال الإجازة. ومرجعه إلى إعادة المعدوم تنزيلاً.

الثالث : أنّه جعل عدم حصول الشرط في حكم عدم حصول المشروط.

الرابع : أنّ من انتقل إليه المال قبل لحوق الإجازة محجور عليه من التصرّفات فيه

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٠٠ ـ ٦٠١.

٧٨٧

وإن كان مالكاً كحجر الراهن في العين المرهونة ، لبقاء حقّ وعلاقة فيه للمالك الأصيل وإنّما ينقطع علاقته بالكلّيّة بإجازاته ، فهو ما دام باقياً مانع من التصرّف كمنع حقّ المرتهن المتعلّق بالرهن. وفي الجميع ما لا يخفى وإن كان أوجهها الأخير.

المسألة الثانية : في الثمرة بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي ، فقيل (١) : إنّه يظهر الثمرة فيما لو باع مالك جارية جاريته من فضولي عن غيره ، فهو قبل حصول الإجازة تصرّف فيها ووطئها واستولدها ، فلا إشكال في أنّ تصرّفه ووطأه كان حراماً (٢) في الظاهر لأصالة عدم حصول الإجازة فيما بعد. وحينئذٍ فلو فرض أنّ الغير المشتري له الجارية ردّ العقد فلا إشكال في انكشاف كون وطئه حلالاً في الواقع أيضاً لوقوعه في ملكه ، وكون الجارية امّ ولد له لحدوث الولد في ملكه فليس له أن يبيعها ما دام الولد. وإن أجازه فعلى القول بالكشف الحكمي فيها فكذلك أيضاً ، لحدوث الولد في ملكه كوقوع الوطء في ملكه فليس له بيعها لو عاد إليه الملك بإرث ونحوه. ويحتمل المنع قضيّة لجعل العقد ماضياً يترتّب عليه آثار الملك وإن لم يحصل الملك إلّا بعد الإجازة ، ومن آثاره حرمة تصرّف غير المالك الحكمي وحرمة وطئه فلا تكون الجارية حينئذٍ امّ ولد له ، فله أن يبيعها لو عاد إليه الملك كما أنّ للمجيز أن يبيعها لعدم كونه امّ ولد له. وعلى القول بالكشف الحقيقي انكشف كون وطئه حراماً في الواقع لوقوعه في ملك الغير ، وعليه عوض البضع من عشر القيمة على تقدير البكارة أو نصف عشر القيمة على تقدير الثيبوبة ، والولد رقّ للمشتري إن كان وطؤه لا عن اشتباه وإلّا فعليه ، فله فكّه على المشهور أو دفع قيمته على قول الشيخ وهي ليست بامّ ولد ، فله بيعها إن عاد إليه الملك كما كان للمجيز بيعها.

وقد يعكس هذه الثمرة بفرض الفضوليّة في جانب البائع فوطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز ، فإنّ الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهراً لأصالة عدم الإجازة ، حلال واقعاً لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه ، ولو أولدها صارت امّ ولد على الكشف الحقيقي والحكمي ، لأنّ مقتضى جعل العقد الواقع ماضياً ترتّب حكم

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤١٠ ـ ٤١١.

(٢) في الأصل : حلالاً ، والصواب ما أثبتناه.

٧٨٨

وقوع الوطء في الملك. ويحتمل عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي ، لعدم تحقّق حدوث الولد في الملك وإن حكم بملكيّته للمشتري بعد ذلك.

ولو نقل المالك امّ الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل على الكشف الحقيقي لانكشاف وقوعه في ملك الغير ، مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ وبقى صحيحاً على الكشف الحكمي ، وعلى المجيز قيمته لأنّه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضياً من حين وقوعه ومقتضى صحّة النقل الواقع قبل حكم الشارع بالجعل كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم.

المسألة الثالثة : في الثمرة بين الكشف والنقل ، وقد ذكروا للثمرة بينهما اموراً :

منها : النماء المتخلّل بين العقد والإجازة ، فإنّه على الكشف يقع للمنتقل إليه العين من غير فرق فيه بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي ، وعلى النقل للمنتقل عنه.

ومنها : ما حكي ذكره عن المحقّق الكركي في جامع المقاصد من ظهور الثمرة في فسخ الأصيل لو كان العقد بينه وبين الفضولي ، ونحوه فسخ المجيز لو وقع بين الفضوليّين فأجاز أحدهما قبل صاحبه فأراد الفسخ ، فعلى الكشف يقع باطلاً لأنّه صادف غير محلّه ، لأنّ من له الإجازة إمّا أن يجيز بعد فسخه أو لا؟ فعلى الأوّل يكشف عن وقوعه بعد لزوم العقد ، وعلى الثاني ينكشف وقوعه بعد فساد العقد ، وعلى التقديرين يقع بلا فائدة بخلافه على القول بالنقل وحينئذٍ فلا يبعد القول بصحّته قياساً له على فسخ الموجب إيجابه قبل لحوق القبول المجمع على قبوله الفسخ لجامع كون كلّ من القبول والإجازة جزءاً للسبب ، فإنّ العقد في الفرع بمنزلة الإيجاب في الأصل.

واستشكله شيخنا قدس‌سره بأنّه مع كونه قياساً مع الفارق فإنّ المانع من الفسخ إنّما هو اللزوم وهو من مقتضى آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فمحلّه لا بدّ وأن يكون عقداً ، والإيجاب بانفراده ليس عقداً فلا يتناوله الآية فلا لزوم له فلا مانع من قبوله الفسخ ، بخلاف ما نحن فيه فإنّه عقد ولا مانع من كونه مشمولاً للآية فتأمّل ، فالوجه فيه باعتبار الاصول عدم قبوله الفسخ لاستصحاب الحالة السابقة وهي الصحّة التهيّئيّة ولا يدري زوالها بالفسخ الطارئ فهو من الشكّ في قدح العارض ، ويجري فيه الاستصحاب كعكسه.

ومنها : جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل لعموم «الناس

٧٨٩

مسلّطون على أموالهم» حتّى أنّه جاز له فعل ما ينافي مقتضى العقد بحيث أدّى إلى انفساخه وإن قلنا بعدم قبوله الفسخ القولي ، فلو باع جارية من فضولي جاز له وطؤها وإن استولده صارت امّ ولد له ، ولو زوّجت الحرّة نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير فلو حصلت الإجازة لم تؤثّر لبقائها بلا محلّ. وبالجملة فعله لما ينافي انتقال المال عنه كما في المثالين يفوّت محلّ الإجازة فينفسخ العقد بنفسه وإن قلنا بأنّ الفسخ القولي غير مؤثّر في الانفساخ. قال شيخنا : «عدم جواز التصرّف على هذا القول أيضاً ولعلّه لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل وإن لم يجب في الطرف الآخر ، وهو الّذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب ، حيث قال : لا يجوز للبائع ولا الغاصب التصرّف في العين لإمكان الإجازة سيّما على القول بالكشف (١) انتهى. وفيه : أنّ الإجازة على القول بالنقل لها مدخل في العقد شرطاً أو شطراً ، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين ، لأنّ المأمور بالوفاء به هو العقد المقيّد الّذي لا يوجد إلّا بعد قيده» (٢) انتهى.

وأمّا على القول بالكشف فعن جماعة كالعلّامة (٣) والعميدي (٤) والمحقّق الثاني (٥) وظاهر غيرهم عدم جواز التصرّف له ، بل قيل : ظاهرهم الإطباق عليه لأنّهم ذكروه كلمة واحدة بلا نقل خلاف فيه. وقد يعلّل بإمكان الإجازة واحتمال خروجه عن الملك ودخوله في ملك الغير. واعترض عليه بأنّ مجرّد الاحتمال غير قاطع للأصل واستصحاب السلطنة السابقة ، ويكفي من الأصل أصالة بقاء الجواز السابق ، غاية ما هنالك أنّ هذا التصرّف الجائز ظاهراً بحكم الأصل لو كان منافياً لمقتضى العقد بأن يكون إتلافاً فعليه على تقدير حصول الإجازة دفع العوض مثلاً أو قيمة ، وعليه ردّ الاجرة لو كانت جارية واستخدمها ، ودفع عوض البضع لو وطئها بعشر القيمة أو نصفه على تقدير البكارة أو الثيبوبة.

وعلّله شيخنا بعموم آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فإنّه تقتضي وجوب الوفاء بالعقد على الأصيل ولزومه من طرفه وعدم كونه مراعى بإجازة الطرف الآخر ، بل مقتضاه وجوبه

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٣٣١.

(٢) المكاسب ٣ : ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٣) القواعد ٢ : ١٩.

(٤) كنز الفوائد ١ : ٣٨٥.

(٥) جامع المقاصد ٦ : ٣٣١.

٧٩٠

عليه وإن علم عدم إجازة المالك.

وبه يندفع الأصل المذكور ، لأنّ العموم دليل اجتهادي ، نعم لا لزوم له من الطرف الآخر حتّى يجيز ، فإنّ ردّ كان فسخاً له وإن أجاز كان إمضاءً له. ولزوم العقد من أحد الجانبين دون الجانب الآخر ليس بعزيز ، كما في موارد الخيار.

لكن هذا كلّه على المشهور في معنى الكشف ، من كون نفس الإجازة المتأخّرة شرطاً لكون العقد السابق حينئذٍ مؤثّراً تامّاً وهو الّذي يجب الوفاء به عليه بلا تقييد له بأمر غير حاصل أو مشكوك حصوله قبل الإجازة ، كما هو الحال على القول بشرطيّة تعقّب العقد للإجازة لمكان الشكّ في تحقّقه باعتبار الشكّ في حصول الإجازة ، فالاعتراض بالأصل المتقدّم على هذا التقدير في محلّه.

والسرّ في اللزوم من طرفه لأجل العموم أنّه التزم على نفسه مقتضى العقد من انتقال ملكه إلى الغير بإخراجه عن نفسه وإدخاله في ملك الغير ، فيجب عليه القيام بما التزم على نفسه لأجل العموم ، فلا يجوز له التصرّف فيما خرج عنه لحرمة التصرّف في ملك الغير من غير إذنه.

لا يقال : صدق العقد على إنشائه ممنوع لأنّه عبارة عن الربط المعنوي بين المالين ومناطه تحقّق المبادلة والمعاوضة والمفروض خلافه ، لأنّا نقول : بتحقّق المبادلة والمعاوضة بإنشائي الأصيل والفضولي ، فإنّ قضيّة كاشفيّة الإجازة حصول الصحّة بنفس العقد ولا يعقل حصولها بدون الانتقال من الجانبين ، فكما أنّ مال الأصيل خرج عن ملكه ودخل في ملك صاحبه فكذا مال صاحبه أيضاً ، وهذا هو معنى المبادلة والمعاوضة ، غاية الأمر أنّه من جانب الأصيل مستقرّ ومن الطرف الآخر متزلزل.

فإن قلت : لو صحّ ما ذكرت لجاز للأصيل التصرّف فيما انتقل إليه لفرض دخوله في ملكه بنفس العقد وهو خلاف إجماعهم الظاهر على عدم جواز التصرّف في المال قبل إجازة مالكه.

قلت : لعلّ المنع هنا تعبّدي ثبت على خلاف القواعد ، مع إمكان كون المانع بقاء حقّ للمالك في المال نظير حقّ الرهانة ولا ينقطع ذلك الحقّ إلّا بإجازته.

وبعبارة اخرى أنّ المال وإن خرج عن مالكه ودخل في ملك الغير إلّا أنّ علقته

٧٩١

بالمرّة غير منقطعة ، وهي الموجبة له الخيار بين الردّ والإمضاء فهي المانعة من التصرّف إلى أن يحصل ما يسقطها وهو الإجازة.

وبذلك يندفع ما قيل من أنّ القيام بمقتضى العقد كما يوجب حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه لأنّه مقتضى مبادلة المالين فحرمة التصرّف في المالين ينافي مقتضى العقد والمبادلة ، فإنّ ذلك لوجود المانع وهو ما ذكرناه لا لفقد المقتضي.

وهذا في دفع السؤال أولى وأسدّ ممّا قيل في دفعه من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد على الأصيل هو وجوب القيام بما التزمه على نفسه وهو خروج عينه عن ملكه وانتقاله إلى مالك البدل ، وأمّا انتقال البدل إليه فهو ليس ممّا التزمه على نفسه بل هو ما جعله لنفسه ، فلا مقتضي في وجوب الوفاء بالعقد لجواز التصرّف فيه ، بل يرجع فيه إلى الأصل وهو أصالة عدم الانتقال فإنّ ذلك خلاف الفرض ووارد على خلاف التحقيق.

أمّا الأوّل : فلأنّ الكلام على القول بكاشفيّة الإجازة ومقتضى الكاشفيّة على تقدير حصولها انتقال المالين عن مالكه إلى صاحبه من حين العقد ، فنفي انتقال البدل إلى الأصيل بالأصل خلاف فرض الكاشفيّة.

وأمّا الثاني : فلأنّ ما انتقل إليه لو صلح لنفيه بالأصل لكان ما انتقل عنه أيضاً صالحاً لنفيه بالأصل ، فنفي أحدهما بالأصل دون الآخر تحكّم.

لا يقال : انتقال البدل إليه معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه وهو حصول الإجازة ، لأنّ هذه الجهة مشتركة بين الانتقالين والشكّ في الانتقال لعدم العلم بحصول الإجازة متساوي النسبة إلى المالين فإجراء الأصل في أحدهما معاً دون الآخر تحكّم. وإجرائه فيهما معاً يقتضي جواز تصرّف الأصيل في ماله وحرمة التصرّف في بدله. ومع الغضّ عن ذلك فنفي انتقال البدل بالأصل يوجب فوات مفهوم المبادلة ، وهو يوجب عدم صدق العقد بمعنى الربط المعنوي بين المالين المنوط بتحقّق المبادلة ، ويلزم منه عدم شمول عموم وجوب الوفاء بالعقد لما نحن فيه حتّى في حقّ الأصيل بالنسبة إلى ما التزمه على نفسه.

وتوهّم : أنّ المبادلة العرفيّة حاصلة وهي كافية في صدق العقد ، يدفعه كون الربط المعنوي

٧٩٢

منوطاً بالمبادلة الشرعيّة الموقوفة بإدخال كلّ عوض في ملك مالك العوض الآخر.

قال العلّامة في نكاح القواعد : «ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجاً حرمت عليه الخامسة والاخت والامّ والبنت إلّا إذا فسخت على إشكال في الامّ ، وفي الطلاق نظر لترتّبه على عقد لازم فلا يبيح المصاهرة ، وإن كانت زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره إلّا إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر» (١).

أقول : لعلّ الوجه في ثبوت تحريم المصاهرة في حقّ المباشر وهو الأصيل إذا كان هو الزوج أنّ العقد وإن لم يعلم سببيّته وعدم سببيّته باعتبار دورانه بين تقديرين يكشف أحدهما عن كونه سبباً من حين وقوعه وهو الإجازة على الكشف والآخر عن عدم كونه سبباً من حينه وهو الفسخ ، إلّا أنّه نقل المصاهرة في الموارد الأربعة عن الحلّ والجواز لتعلّق التحريم فيها بعنوان يكفي في تحقّقه كون العقد في عرضة الصحّة وهو الجمع بين نكاح الأربع لو كان المعقود عليها فضولاً رابعة الأربع ونكاح الخامسة ، والجمع بين الاختين في النكاح ، والجمع بين العقد على البنت والعقد على الامّ ، والجمع بين العقد على الامّ والعقد على البنت.

ووجه الحلّ على تقدير فسخها أنّه يكشف عن عدم وقوعه مؤثّراً ، ومعناه انكشاف بطلانه من حينه فصارت المعقود عليها كمن لم يعقد عليها ، وارتفع به عنوان الجمع بالنسبة إلى العقد على امرأة اخرى لعدم كونها خامسة حينئذٍ حتّى لو كانت اختاً للُاولى أو امّاً لها أو بنتاً لها. ووجه الإشكال في تأثير الفسخ بالنسبة إلى الامّ إذا كانت المعقود عليها هي البنت ، لأنّ الامّ بعد العقد على البنت يضاف إليها مع حرمة الجمع حرمة العين والفسخ إنّما يوجب زوال حرمة الجمع لارتفاع الموضوع ورفعه حرمة العين أيضاً محلّ إشكال ، أو أنّ ثبوت هذه الحرمة أيضاً قبل الفسخ موقوف على صدق امّهات النساء على امّ المعقود عليها فضولاً ، وهو محلّ شبهة ، فإن كانت حرمة العين حاصلة باعتبار صدق امّهات النساء فالفسخ لا يرفعها ، وإلّا كشف عن عدم حصولها رأساً.

وأمّا وجه النظر في الطلاق فمن أنّه واضح مترتّب على عقد لازم وهذا ما لم يلحق

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧.

٧٩٣

الإجازة غير لازم من طرف المعقود عليها فلا يوجب إباحة المصاهرة ، ومن أنّه طلاق صدر من أهله في محلّه ، لكون موقعه كاملاً والعقد من طرفه لازماً ، فوجب أن يترتّب عليه مقتضاه ، وهو إباحة نكاح الاخت والبنت.

وناقش فيه الكركي في جامعه «بأنّه لا نكاح من طرفه فكيف يقع الطلاق منه ، ولأنّ الحال لا يخلو من أن تجيز المرأة أو تفسخ ، فإن فسخت تبيّن بطلان النكاح وعدم تحريم الاخت والبنت ، وإن أجازت تبيّن صحّة النكاح ولزومه ، فيكون الطلاق الواقع صحيحاً فيبيح نكاح البنت والاخت ، فعلى كلّ من التقديرين يحلّان. ثمّ تنظّر فيه بأنّ الطلاق مع عدم الجزم بالزوجيّة غير مؤثّر ، فالحقّ حلّ الجميع بفسخها لا بالطلاق» (١).

قال بعض مشايخنا : «وأمّا مثل النظر إلى المزوّجة فضولاً وإلى امّها مثلاً فهو باقٍ تحت الاصول ، لأنّ ذلك من لوازم علاقة الزوجيّة الغير الثابتة بل المنفيّة بالأصل» (٢).

ويشكل بأنّ نفيه زوجيّته بالأصل أيضاً ممكن وإجراءه في طرفها دونه تحكّم ، فينبغي أن يحلّ المصاهرة بلا حاجة إلى فسخها إلّا أن يذبّ بما نبّهنا عليه من نقل العقد عن الحلّ.

ومنها : اشتراط بقاء قابليّة الملك في كلّ من المتبايعين من حين العقد إلى حصول الإجازة وعدمه على القولين ، فلو باع عينه من فضولي ثمّ مات فيما بينه وبين الإجازة فعلى الكشف صحّت الإجازة وكشفت عن صحّة العقد وبالموت ينتقل الثمن إلى الوارث لحصول الملك حال حصول الشرط وهو الحياة ، وعلى النقل بطلت لأنّ الميّت لا يملك ولزمه بطلان العقد من رأسه. ولو باع عبده المسلم أو المصحف من فضولي حال إسلام من له الإجازة فارتدّ قبل الإجازة ثمّ أجاز فعلى الكشف لا يقدح ارتداده في صحّة العقد غاية الأمر أنّه يجيز على بيعهما ، وعلى النقل يبطل لعدم جواز نقل المسلم والمصحف إلى الكافر.

واعترض (٣) عليه بعدم الفرق في عدم الصحّة بين القولين لظهور الأدلّة في اعتبار

__________________

(١) جامع المقاصد ١٢ : ١٦١.

(٢) المكاسب ٣ : ٤١٧ ـ ٤١٨.

(٣) اعترض عليه صاحب الجواهر ٢٢ : ٢٩١.

٧٩٤

استمرار القابليّة إلى حين الإجازة على القول بالكشف ليكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّاً إلى حين الإجازة.

وردّ بأن لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة ولا استمرار التملّك المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها ، كما لو وقعت بيوع متعدّدة على ماله فإنّهم (١) صرّحوا بأنّ إجازة الأوّل توجب صحّة الجميع مع عدم بقاء مالكيّة الأوّل مستمرّاً كما يشعر بعض أخبار المسألة المتقدّمة ، حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، مضافاً إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين كما في صحيح (٢) الحذّاء قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما ، وهما غير مدركين؟ فقال : النكاح جائز ، وأيّهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلّا أن يكون قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر ، قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : وإن كان الرجل الّذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتّى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر.قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لأنّ لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فإن كان أبوها هو الّذي زوّجها قبل أن تدرك قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية ...» (٣) الخ.

والمراد بالوليّين في صدره بقرينة ما في ذيله من له الولاية عرفاً كالعمّ والأخ ، أو في المال خاصّة كالحاكم والقيّم والوصيّ ونحوه.

ومنها : ما لو زالت قابليّة الملك والتملّك عن محلّ العقد كما لو كان عبداً فمات أو خلاًّ فانقلب خمراً قبل الإجازة ثمّ أجاز ، فعلى الكشف لا يقدح في الصحّة لحصول

__________________

(١) كما في المسالك ٣ : ١٥٨ ، وغنائم الأيّام : ٥٤٣ ، ومفتاح الكرامة ١٢ : ٦١١ ، والجواهر ٢٢ : ٢٩٢.

(٢) سند الرواية على ما في التهذيب عن محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى عن أحمد وعليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب عن عبيدة الحذّاء. منه.

(٣) الوسائل ٢٦ : ٢١٩ / ١ ، ب ١١ ميراث الأزواج ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ / ١٥٥٥.

٧٩٥

الملك حال وجوده ، وعلى النقل لغت الإجازة وبطل العقد ، لأنّ الميّت لا يملك ، والخمر لا يتملّك ولا ينقل.

ومنها : ما حصلت القابليّة للمحلّ قبل الإجازة بعد ما كان غير قابل حال العقد فأجاز ـ كما لو كان خمراً فانقلب خلاًّ ، أو كان كلب هراش فصار كلب صيد ، أو كان امّ ولد فمات ولدها ـ فعلى الكشف كان العقد فاسداً ولم يصحّحه الإجازة ، وعلى النقل صحّ بالإجازة لحصول الملك والنقل والانتقال حال وجود الشرط.

وفيه : أنّ ظاهر أدلّة الشروط اعتبار حصولها حال العقد ، مع أنّ ظاهرهم في باب الفضولي إطباقهم على وجود جميع شرائط الصحّة حال العقد مقارناً له عدا رضا المالك المختلف في اعتبار المقارنة فيه أيضاً وعدمه ، فتجدّد القابليّة بعد العقد حال الإجازة لا يصلح ثمرة لبطلان العقد على القولين ، وكذا سائر الشروط لو قارن العقد فقدها فتجدّد حصولها عند الإجازة.

وقيل (١) قد يظهر الثمرة في تعلّق الخيارات وحقّ الشفعة واحتساب مبدأ الخيارات ، ومعرفة مجلس الصرف والسلم والايمان والنذور المتعلّقة بمال البائع أو المشتري. وتظهر الثمرة أيضاً في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن وسيأتي بيانه إن شاء الله.

وإذا عرفت جميع ما ذكر فينبغي التعرّض لذكر أدلّة القولين ، فنقول : استدلّ الأكثر على كاشفيّة الإجازة بوجوه :

الأوّل : ما عن الفخر من «أنّه لو لم تكن الإجازة كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأنّ العقد حالها عدم» (٢) وتوضيحه : أنّ الملكيّة الّتي تحصل عند الإجازة أمر وجودي أثّر فيه العقد الّذي صار حال الإجازة معدوماً لأنّه على النقل جزء للسبب ، والتالي باطل لامتناع تأثير المعدوم في الموجود ، كما حقّق في الكلام ، وعليه أكثر المتكلّمين ، وبنوا عليه إثبات الصانع فقالوا : لو جاز تأثير المعدوم في الموجود لزم انسداد باب إثبات الصانع ، إذ كلّما أردنا إثبات كونه من الامور الوجوديّة صانعاً كان للخصم المنكر لوجوده منع ذلك ، استناداً إلى جواز تأثير المعدوم في الموجود ، ولعلّ

__________________

(١) شرح القواعد الورقة ٦٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

٧٩٦

هنا أمراً عدميّاً هو المؤثّر في الوجود ، واحتياج الممكن إلى المؤثّر لا يلازم كون المؤثّر أمراً وجوديّاً حتّى يلزم وجود الصانع الواجب وجوده عندكم.

والجواب عنه تارةً : بالنقض بالقبول الّذي هو أيضاً جزء للسبب ، وجزؤه الآخر الإيجاب الّذي هو حال القبول معدوم ، بل بالجزء الآخر من القبول الّذي عنده يحصل الملكيّة وقد انعدم سائر أجزائه مع الإيجاب ، لكون التلفّظ بالصيغة من الامور السيّالة فيوجد حرفاً فحرفاً.

واخرى : بالحلّ فإنّ معنى امتناع تأثير المعدوم في الموجود امتناع كون المعدوم علّة تامّة للوجود ، وعليه مبنى إثبات الصانع لا امتناع كونه جزء من العلّة كيف وقد أطبق المحقّقون من الفقهاء والاصوليّين على كون عدم المانع كالشرط جزء من العلّة ، ومعنى جزئيّته أنّ له مدخليّة في وجود المعلول كالشرط ولا امتناع فيه ، والعقد على النقل جزء للسب لا أنّه علّة تامّة. وقد يقال أيضاً بناءً على عدم كون العلل الشرعيّة كالعلل العقليّة بل هي معرّفات بجواز أن يجعل الشارع الأمر العدمي مناطاً للتأثير في الوجود ، فتأمّل.

الثاني : ما عنه أيضاً من أنّه لو كانت الإجازة ناقلة لزم وقوع القبول بأيّ لفظ يكون ، واللازم باطل لأنّه لا يقع إلّا بألفاظ مخصوصة فكذا الملزوم. وكأنّه ذكره قبالاً لمن يظهر منه جعل الإجازة بمنزلة القبول ، فجوابه حينئذٍ أنّ هذا القول فاسد في نفسه ، والدليل لا يرد على من يجعلها شرطاً.

الثالث : ما عن جامع المقاصد والروضة (١) من «أنّ العقد سبب تامّ في الملك ، لعموم قوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) وتمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّاً يوجب ترتّب الملك عليه ، وإلّا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة بل به مع شي‌ء آخر» (٣).

وفيه : أنّه إن اريد من العقد مجموع الإيجاب والقبول ومن كونه سبباً تامّاً كونه علّة تامّة للملك على ما هو المعنى المصطلح عليه عند أهل المعقول ، فانّما يسلّم كونه كذلك

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٢٩.

(٢) المائدة : ١.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ـ ٧٥.

٧٩٧

إذا اجتمع شروط التأثير وفقد موانعه ، وبدون أحدهما كان سبباً تامّاً وهو المقتضي القابل لمقارنة فقد بعض شروط التأثير أو فقد بعض موانعه كما هو المعنى المصطلح عليه الاصولي. وأمّا تبيّن كونه تامّاً بالإجازة فهو أوّل المسألة ، لأنّ الإجازة تكشف عن لحوق الرضا الّذي هو من الشروط لا عن مقارنة الرضا فيصير تامّاً عند الإجازة لتأخّر شرط تأثيره ، ومعه كيف يعقل حصول الأثر قبله ، فلا يلزم منه كون ما يجب الوفاء به هو العقد مع شي‌ء آخر بل إنّما يكون الوفاء بالعقد الجامع لشروط التأثير الّذي تحقّق اجتماعه بلحوق الرضا المكشوف عنه بالإجازة خاصّة.

وأضعف من البيان المذكور للدليل تقريره «بأنّ العقد الواقع جامع لجميع الشروط ، وكلّها حاصلة إلّا رضى المالك فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله (١) فإنّ الاعتراف بكون الرضى شرطاً مع الاعتراف بعدم مقارنته العقد اعتراف بكون الإجازة الكاشفة عن تأخّر حصول الشرط عن العقد ناقلة لاستحالة تقدّم المشروط على الشرط.

ودعوى : أنّ الشروط الشرعيّة ليست كالشروط العقليّة بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع ، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس وإعطاء الفطرة قبل وقته ، فضلاً عن تقديم المشروط على شرطه كغسل الفجر بعد الفجر لصوم المستحاضة ، وغسل العشاءين لصوم اليوم الماضي على القول به. يدفعها : بأنّ استحالة تقدّم المشروط على الشرط إذا كانت عقليّة فلا يتفاوت فيها الحال بين الشروط العقليّة والشروط الشرعيّة. وما ذكر بالنسبة إلى الشروط يشبه بأن يقال : إنّ التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع من اجتماعهما ، لأنّ النقيض الشرعي ليس كالنقيض العقلي. وهو كما ترى.

وأمّا الاستشهاد للجواز بالأمثلة المذكورة حتّى بالنسبة إلى المسبّب والسبب الشرعيين ، ففيه المنع من تقديم المسبّب على السبب في المثالين الأوّلين ، ثمّ المنع من تقديم المشروط على الشرط في المثالين الآخرين.

أمّا سند المنع في أوّل المثالين الأوّلين ، فلأنّ غسل يوم الخميس لخائف طروء

__________________

(١) قرّره الشهيد في الروضة ٣ : ٢٢٩.

٧٩٨

العذر في يوم الجمعة مع غسل يوم الجمعة لغير الخائف تكليفان في حقّ مكلّفين ، وكلّ منهما يقع في وقته لا أنّ الأوّل يقع قبل وقته ، وإطلاق التقديم عليه لأنّ مرجعه لو لا خوف طروء العذر أن يقع يوم الجمعة ، كما أنّ إطلاق يوم الجمعة عليه أيضاً بهذا الاعتبار. وفي ثانيهما فلأنّ إعطاء الفطرة قبل وقته إن اريد به إعطاؤها بعنوان الفطرة قبل توجّه الخطاب إليه فجوازه وإجزاؤه محلّ منع ، وإن اريد إعطاؤها المستحقّ قرضاً ليحتسب عليه في الوقت فهو ليس من تقديم المسبّب على الوقت الّذي هو السبب.

وأمّا سنده في المثالين الآخرين فلمنع كون الغسلين من قبيل الشرط المتأخّر عن المشروط ، لعدم كون المشروط بهما نفس الصوم المنعقد قبلهما بل صحّته ، والصحّة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر بمعنى موافقة المأتيّ به للمأمور به الكلّي ، وهي حاصلة باعتبار أنّ المأمور به هو الإمساك المتعقّب لهذين الغسلين.

ودعوى : أنّ الشرط فيما نحن فيه أيضاً هو تعقّب العقد لرضى المالك أو لحوق الرضى به لا نفس الرضى ، فالشرط مقارن للعقد والمشروط وهو انتقال ملك العوضين مترتّب عليه ومتأخّر عنه ، لأنّ العلّة التامّة هو العقد المتعقّب للإجازة والعقد الملحوق بالإجازة ، والصفة الّتي هو الأمر المنتزع مقارنة للعقد وإن كان نفس الإجازة متأخّرة عنه.

يدفعها : أنّ جعل الشرط الأمر المنتزع وإن كان ممكناً إلّا أنّه لمخالفته أدلّة شرطيّة الرضى يحتاج إلى دليل مفقود في المقام ، فإنّ ظاهر الآية والرواية كـ «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» و «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» كون الشرط نفس الرضى وطيب نفس المالك ، لا لحوقه بالعقد ولا تعقّب العقد له.

وتوهّم : الفرق في ذلك بين العقد الّذي باشره المالك ومن يقوم مقامه ، والعقد الّذي باشره الفضولي ، وشرطيّة نفس الرضى بمقتضى ظاهر الأدلّة إنّما هو في الأوّل دون الثاني.

يدفعه : أنّ هذا الفرق يحتاج إلى فارق شرعي ، والبيان المذكور لكاشفيّة الإجازة لا يفي بذلك.

الرابع : أنّ الإجازة متعلّقة بالعقد فهو رضى بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه.

وفيه : أنّ كون الإجازة متعلّقة بالعقد وكونها عبارة عن الرضا بمضمونه مسلّم ، ولكن كون مضمونه نقل العوضين من حينه غير مسلّم.

٧٩٩

أمّا أوّلاً : فبالنقض بالقبول الّذي هو أيضاً رضى بمضمون الإيجاب ، فوجب أن يكون مضمونه نقل العوضين من حينه لا من حين القبول بل بعد الفراغ منه ، ولا نظنّ قائلاً بذلك.

وأمّا ثانياً : فبالحلّ بأنّ مضمون العقد وإن كان نقل العوضين المقصود إنشاؤه حين العقد ، ولكنّه بمجرّده لا يستلزم الانتقال الّذي هو أثر العقد ، بل يتوقّف استلزامه الانتقال على الرضا المفروض تأخّره عن زمن العقد المقصود به النقل المذكور ، وقضيّة تأخّر الشرط تأخّر الانتقال الّذي هو عبارة عن تأخّر ترتّب الأثر ، ومعناه تأخّر الملك وحصوله حين الإجازة المفروض كونها رضى بمضمون العقد.

وأمّا ما يقال : من أنّ العقد سبب للملك فلا يتقدّم عليه ، فممّا لم نتحقّق معناه ، فإن اريد به أنّ العقد مع الملك المسبّب منه من قبيل السبب والمسبّب اللذين يتّحدان ذاتاً ويتغايران بحسب العبارة ـ نظير الإتيان بالصلاة إلى الجهات الأربع عند اشتباه القبلة وتحصيل العلم بأداء المأمور به الواقعي ـ وقضيّة اتّحادهما ذاتاً عدم تقدّم السبب على المسبّب ، ففيه منع واضح ضرورة تغايرها ذاتاً على معنى تغاير وجوديهما وعدم كونهما نظير ما ذكر ، ولذا لا يصحّ الحمل بينهما فلا يقال : العقد ملك ولا الملك عقد ، بخلاف ما ذكر فيصحّ الحمل فيه.

وإن اريد أنّهما مع تغايرهما ذاتاً لا يتقدّم فيهما السبب على المسبّب ، فهو أوضح منعاً ، ضرورة أنّ قضيّة تغاير وجودي السبب والمسبّب مع ترتّب وجود المسبّب على وجود السبب تأخّر وجوده عن وجود السبب ، غاية الأمر أنّه قد يتّصل وجوده من طرف الابتداء بوجود السبب من طرف الانتهاء ، وقد يتّصل بوجود آخر شروط تأثيره كما فيما نحن فيه ولذا قد يقال : إنّ الشي‌ء يستند إلى العلّة التامّة أو إلى الجزء الأخير منها.

الخامس : آية وجوب الوفاء بالعقد ، بتقريب أنّ الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد.

وفيه : أنّ الخطاب يتوجّه إلى المالكين ومن يقوم مقامهما ، فما لم يصدر الإجازة الكاشفة عن الرضا ـ الّذي هو من شروط تأثير العقد ممّن له الإجازة ـ لم يتوجّه إليه الخطاب بالوفاء ، وإلّا لم يحتج إلى اعتبار إجازته. والمراد من الوفاء بالعقد حينئذٍ هو

٨٠٠