ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

فسّرها في المجمع (١) «بالحركة الخفيفة» والعلّامة في القواعد «بأنّها الحركات السريعة بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشي‌ء وشبهه لسرعة الانتقال من الشي‌ء إلى شبهه» (٢) وفي المسالك «عرّفوها بأنّها الحركات السريعة الّتي يترتّب عليها الأفعال العجيبة بحيث يلتبس على الحسّ الفرق بين الشي‌ء وشبهه لسرعة الانتقال منه إلى شبهه» (٣) هذا هو الكلام في الموضوع.

وأمّا الحكم فالمعروف من مذهب الأصحاب كونها محرّمة والظاهر أنّه إجماعي وفي كلام جماعة نفي الخلاف كما عن الشهيد في الدروس (٤) بل عن المنتهى (٥) الإجماع عليه. والحجّة عليه بعد ما ذكر ـ مضافاً إلى عموم تحريم السحر إن جعلناه منه ـ أمران :

أحدهما : أنّه من الباطل وهو خلاف الحقّ ، وحاصل معناه الإتيان بخلاف الحقّ ، فيحرم ، لعموم تحريم الباطل الثابت بالعقل لكون قبحه ممّا يستقلّ بإدراكه العقل ، وبالنقل ومنه رواية يونس المتقدّمة في الغناء قال : «سألت الخراساني عن الغناء قلت له : إنّ العبّاسي زعم أنّك العبّاسي زعم ترخّص في الغناء ، فقال : كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء قلت له : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه‌السلام فسأله عن الغناء ، فقال له : إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، قال : قد حكمت» (٦) فإنّ قوله عليه‌السلام : «قد حكمت» كناية عن تحريم الباطل. ويدلّ عليه على وجه الكبرى الكلّيّة الّتي يندرج فيها الغناء ، فينتظم من ذلك مع ما تقدّم في جواب العبّاسي من قوله : «مع الباطل» قياس بطريق الشكل الأوّل هكذا : الغناء باطل ، وكلّ باطل حرام ، فيندرج فيه الشعبذة لأنّها من أظهر مصاديق الباطل ، خصوصاً على تفسير مجمل اللغة كما عرفت.

وثانيهما : أنّها من اللهو فيشملها عموم ما دلّ على تحريم اللهو وهو ما يلهي عن ذكر الله ، ومنه ما في رواية الأعمش المتكفّلة لتعداد الكبائر من قوله عليه‌السلام : «والملاهي الّتي تصدّ عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار» (٧) وفي الحسن بل الصحيح الوارد في

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٥١٤.

(٢) القواعد ٢ : ٩.

(٣) المسالك ٣ : ١٢٩.

(٤) الدروس ٣ : ١٦٤.

(٥) المنتهى ٢ : ١٠١٤.

(٦) الوسائل ١٧ : ٣٠٦ / ١٣ ، ب ٩٩ ما يكتسب به ، الكافي ٦ : ٤٣٥ / ٢٥.

(٧) الوسائل ١٥ : ٣٣١ / ٣٦ ، ب ٤٦ أبواب جهاد النفس ، الخصال : ٦١٠ / ٩.

٣٢١

تعداد الكبائر أيضاً عن الفضل عن الرضا عليه‌السلام قال عليه‌السلام ـ في جملة ذلك ـ : «والاشتغال بالملاهي» (١) والجمع المعرّف عامّ والشعبذة من أعظم الملاهي.

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بما في رواية تحف العقول من قوله عليه‌السلام : «وكلّ مبيع ملهوّ به ... إلى أن قال : حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه ...» الخ فإنّ مورده وإن كان هو الأعيان المعدودة من الملاهي كآلات اللهو والقمار غير أنّ الحكم معلّق على الوصف ، فيفيد أنّ تحريم تلك الآلات لكونها ملهوّاً بها فيفيد ذلك أيضاً تحريم كلّ ملهوّ به على وجه كبرى كلّيّة ، فيندرج فيها الشعبذة لأنّها من أعظم الملهوّ به.

لا يقال : إنّ غاية ما في التعليق على الوصف إنّما هو الإشعار بعلّيّة الوصف وهو دون الدلالة فلا يثبت به الكلّيّة المذكورة لأنّ المعتبر في استنباط الحكم الشرعي هو الدلالة لا الإشعار ، لأنّ هذا إنّما هو حكم التعليق على الوصف إذا لوحظ من حيث هو ولكن قد ينضمّ إليه بعض القرائن الخارجة المفيدة للعلّية ومنها كون الخطاب وارداً مورد تأسيس قاعدة كلّيّة وإعطاء ضابطة مطّردة والمقام منه بملاحظة سياق رواية التحف. هذا كلّه في تحريم عمل الشعبذة.

وأمّا تعلّمها فإن جعلناها من السحر فلا إشكال في تحريمه لعموم ما دلّ على تحريم تعلّم السحر ، وإلّا فإثبات تحريمه إذا لم يكن لغرض العمل في غاية الإشكال ، إذ لم نقف على دليل عليه ، والأصل يقتضي الإباحة. ويمكن الاستناد إلى عموم قاعدة حماية الحمى إن كانت في سياق التحريم لا التزهيد والكراهة ، وهو مشكل. فالإنصاف أنّ تعلّم الشعبذة ممّا لا دليل على تحريمه ، وتحريم عمل الشي‌ء لا يقضي بتحريم تعلّمه لا لأجل العمل.

وأمّا التكسّب بها وأخذ الاجرة عليها فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف في تحريمه بل الظاهر كونه إجماعيّاً ، ويمكن استفادته أيضاً من النبويّ «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» بالتقريب المتقدّم من كون المراد بالثمن مطلق العوض لا خصوص ما يقابل به العين.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٢٩ / ٣٣ ، ب ٤٦ أبواب جهاد النفس ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٥ ـ ١٢٦.

٣٢٢

المقام الثاني : في الكهانة.

وهي على ما يظهر من كلام القاموس بالفتح مصدر وبالكسر اسم قال : «كهن له كمنع ونصر وكرم كهانة بالفتح ، وتكهّن تكهّناً قضى له بالغيب فهو كاهن ، جمع كهنة وكُهّان وحرفته الكِهانة بالكسر» (١) انتهى. ويقرب منه المحكيّ عن المصباح المنير إلّا أنّه في كسره قال : «الكهانة بالكسر صنعة» (٢).

وعلى هذا فالكاهن الّذي هو اسم الفاعل من هذه المادّة يحتمل كون مبدئه حالاً أو ملكة أو حرفة وصنعة.

ويظهر ثمرة هذه الوجوه فيما لو علّق حكم في النصّ على اسم الفاعل كما في المحكيّ عن الاحتجاج ونهج البلاغة ، من قوله عليه‌السلام : «المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (٣) فعلى الأوّل يراد بالكاهن الّذي حكمه أنّه في النار الآتي بعمل الكهانة ، وعلى الثاني من له ملكة هذا العمل وإن لم يأت به ، وعلى الثالث من حرفته ذلك أي من اتّخذه وسيلة لكسب المال ، فعلى الأوّل يحرم عليه أصل العمل فيجب ترك الإتيان به ، وعلى الثاني يحرم عليه إبقاء ملكته فيجب إزالتها بإنساء ونحوها ، وعلى الثالث يحرم اتّخاذه وسيلة لتحصيل المال فيجب ترك الاتّخاذ.

ومن فروع هذه الوجوه أنّ الرواية إن صحّ الاعتماد عليها في إثبات حكم شرعي لا يثبت بها على أوّل الاحتمالات حرمة تعلّم الكهانة ولا حرمة التكسّب بها ، وعلى ثانيها يثبت حرمة تعلّمها أيضاً دون حرمة التكسّب بها ، وعلى ثالثها يثبت حرمة التكسّب دون التعلّم.

وكيف كان فمعنى الكهانة على ما نصّ عليه في القاموس «القضاء بالغيب» وحاصله الإخبار بالمغيبات ، ويوافقه المحكيّ عن النهاية الأثيريّة من «أنّها تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان» وهذا باعتبار قيد «مستقبل الزمان» أخصّ ممّا ذكره في القاموس. ثمّ عنه أيضاً «أنّ الكهانة في العرب وقد كان في العرب كهنة ،

__________________

(١) القاموس ٤ : ٢٦٤.

(٢) المصباح المنير : ٢٠٥.

(٣) نهج البلاغة (محمّد عبده) ١ : ١٢٥ ، الاحتجاج ١ : ٥٦٠ / ١٣٦.

٣٢٣

فمنهم من كان يزعم أنّ له تابعاً من الجنّ يلقى إليه الأخبار ، ومنهم من كان يزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات أسباب يستدلّ بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ، وهذا يختصّ باسم العرّاف كالّذي يدّعي معرفة الشي‌ء المسروق ومكان الضالّة» (١) انتهى.

وهذا يقتضي وقوع الاختلاف في مأخذ الإخبار بالمغيب الّذي يصير الكاهن به كاهناً على قولين ، أوّلهما أنّه يأخذ الخبر من تابع له من الجنّ يقال له «الشيطان» وهو اختيار جماعة من الأصحاب ، وعن التنقيح «أنّه المشهور» (٢) وفي كلام بعض مشايخنا (٣) والمحكيّ عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد (٤) من «أنّه من كان له رأي من الجنّ يأتيه الأخبار» والرأيّ على ما عن النهاية «يقال للتابع من الجنّ رأي بوزن كميّ» (٥) ونسب هذا القول في المحكي عن المغرب إلى الرواية قائلاً : «الكاهن أحد الكهّان وأنّ الكهانة في العرب قبل المبعث يروى أنّ الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى الكهنة وتقبله الكفّار منهم ، فلمّا بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرست السماء بطلت الكهانة» (٦) وربّما يشهد له عدّة روايات كالمرويّ عن الأمالي عن الصادق عليه‌السلام في حديث متكفّل لذكر عجائب وقعت ليلة ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ فيه «ولم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها» (٧) وعن ابن عبّاس في تفسير قوله : «إلّا من استرق السمع» (٨) «كان في الجاهليّة كهنة ومع كلّ واحد شيطان ، وكان يقعد من السماء مقاعد للسمع ، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض ، فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشيه الكاهن إلى الناس» (٩).

ورواية الاحتجاج المتقدّمة الّتي سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام عن أسئلة منها ما تقدّم في السحر ، ومنها : ما قال : «فمن أين أصل الكهانة؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدّث؟ قال عليه‌السلام : إنّ الكهانة كانت في الجاهليّة في كلّ حين فترة من الرسل كان

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٢١٥.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ١٣.

(٣) الجواهر ٢٢ : ٩٠.

(٤) القواعد ٢ : ٩. (٥) النهاية ٢ : ١٧٨.

(٦) المغرب : نقله عنه الطريحي في مجمع البحرين ٦ : ٣٠٥ (كهن).

(٧) أمالي الصدوق : ٢٣٥.

(٨) الحجر : ١٨.

(٩) مجمع البيان ٣ : ٢٣٢.

٣٢٤

الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم ، فيخبرهم بأشياء تحدّثه وذلك في وجوه شتّى ، فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفطنة الروح مع قذف في قلبه ، لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤدّيه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف. وأمّا أخبار السماء فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذلك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنّما منعت من استراق السمع لئلّا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ، ويلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله تعالى لإثبات الحجّة ونفي الشبهة ، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر ما يحدث الله في خلقه ، فيختطفها ثمّ يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحقّ بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر يخبر به هو ما أدّاه إليه شيطانه ممّا سمعه ، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنّما يؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخباراً للناس ممّا يتحدّثون به ، والشياطين يؤدّي إلى الشياطين ما تتحدّث في البعد من الحوادث من سارق سرق ، وقاتل قتل ، وغائب غاب ، وهم أيضاً بمنزلة الناس صدوق وكذوب» (١) الخبر.

بناءً على رجوع قيد مع قذف في قلبه إلى جميع الوجوه الأربع المذكورة ، أو على كون المراد من قوله : «انقطعت الكهانة» انقطاع ماهيّة الكهانة على تقدير رجوع القيد إلى الأخير كما هو الأظهر ، نظراً إلى الأصل المقرّر في الاصول ، ولكنّ الإنصاف أنّه ظاهر في انقطاع الفرد الكامل منه ، وهو ما كان مدرك المخبر بالغائبات في أخبار الأخذ من الجنّ ، مع كون مدرك الجنّ في قذفه الخبر في قلب الكاهن استراق السمع من الملائكة ، بقرينة ما في صدر الرواية من قوله : «كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه» إلى قوله : «فيخبرهم بأشياء تحدّثه وذلك في وجوه شتّى» فإنّه بظاهره يفيد أنّه من حيث كونه كاهناً كان حاكماً يحتكمون إليه ، وكان يخبرهم من هذه الحيثيّة بجميع الوجوه الأربع المذكورة الّتي لا مدخليّة للشيطان في الثلاث الاولى منها ، فإنّ

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢١٨ ـ ٢٢٠.

٣٢٥

هذا كلّه يفيد أنّ الكهانة بحسب المأخذ أعمّ من الجميع ، وهذا ينهض قرينة أنّ المنقطع بعد ممنوعيّة الشياطين عن استراق السمع هو الفرد الكامل منها لا الماهيّة ، مضافاً إلى أنّ قوله : «واليوم إنّما يؤدّي الشياطين إلى كهّانها» يدلّ على عدم انتفاء الماهيّة بعد انقطاع الكهانة المستندة إلى استراق السمع من السماء.

ويؤيّد الرواية في اقتضاء ما ذكر بل يدلّ عليه أيضاً ما في المرويّ عن الاحتجاج ونهج البلاغة من قول مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أيّها الناس إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكهانة ، المنجّم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (١) فإنّ الكهانة الّتي يدعو إليها النجوم هي الإخبار بالغائبات الّذي مستنده النجوم ، وهذا يقتضي كون ذلك أيضاً من الكهانة ، ولا ينافيه ما بعده من قوله : «المنجّم كالكاهن» لأنّه تشبيه له به في الحكم فلا ينافي دخوله من حيث إخباره في الاسم.

نعم ربّما يعارض الروايتين بعض الأخبار الاخر مثل خبر نضر بن قابوس قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة ، ومن آواها وأكل كسبها ملعون ، وقال عليه‌السلام : المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (٢) ومثل الخبر الصحيح المرويّ عن مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربّما أخبر من يأتيه ، يسأله عن الشي‌ء يسرق ، أو شبه ذلك فيسأله ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب» (٣) فإنّ قرينة المقابلة تقضي بكون المنجّم قسيماً للكاهن.

ويمكن الجمع أمّا في الخبر الأوّل ، فأوّلاً لجواز كون المنجّم من حيث إنّه يعتقد

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٣٢٣.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ٧ و ٨ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الخصال : ٢٩٧ / ٦٧.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٥٠ / ٣ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، مستطرفات السرائر : ٨٣ / ٢٢.

٣٢٦

التأثير في النجوم وقع قسيماً للكاهن ، وهذا هو الجهة الباعثة على لعنه ، وهذا لا ينافي إخباره بالغائبات استناداً إلى النجوم من الكهانة. وثانياً أنّ الخبر عن الغائبات إذا كان له في إخباره طرق متعدّدة وسمّي في الجميع كاهناً ، فهو لا ينافي كونه باعتبار خصوص استناده إلى النجوم أيضاً يسمّى بالمنجّم ، وباعتبار استناده أيضاً إلى قواعد السحر يسمّى ساحراً أيضاً ، وهكذا نقول في الخبر الثاني أيضاً.

وهذا وإن كان ضرباً من التأويل إلّا أنّ الواجب إرجاع التأويل إليهما ، لأنّ الروايتين المتقدّمتين أظهر دلالة منهما على كون ما يستند فيه إلى النجوم أو غيرها أيضاً من الكهانة ، وأمّا الروايتان الاخريان المتقدّم نقلهما عن الأمالي وابن عبّاس فهما أيضاً لا تنافيانهما كما يظهر وجهه بأدنى تأمّل.

وممّا يرشد إلى صحّة ما قلناه ـ من عدم كون الأخذ من الشيطان معتبراً في مفهوم الكهانة وماهيّتها ـ أنّ الروايات الناهية عن الكهانة إماميّة والمفروض انقطاع استراق السمع في أزمنة صدورها ، فلو كان ذلك معتبراً في مفهومها لزم خروج هذه الروايات والنهي الوارد فيها بلا مورد واللازم باطل جزماً. والرواية المذكورة كما تدلّ على عدم اعتبار هذه الخصوصيّة في الكهانة فكذلك تدلّ على عدم اعتبار خصوصيّات اخر أيضاً فيها ، مثل كون الخبر المتلقّي من الشيطان مثلاً من أخبار السماء ، ومثل كونه إخباراً عمّا يقع في المستقبل لا عمّا وقع في الماضي ومثل كونه على بتّ وجزم ، كما يظهر جميع ذلك بالتأمّل في رواية الاحتجاج ونهج البلاغة. وعلى هذا فما نسب إلى المشهور أو الأكثر أو إلى جماعة من أصحابنا من اعتبار الأخذ من الشيطان فيها ليس على ما ينبغي.

ومن أغرب ما ذكر في المقام تعريف الكهانة بعمل يوجب طاعة بعض الجانّ له واتّباعه له ويأتيه بالأخبار الغائبة كما في المسالك (١) والروضة (٢) فإنّ العمل الموجب لطاعة بعض الجانّ لا يوافق لغة معنى الكهانة مصدراً واسماً ، إذ الأوّل على ما سمعت من القاموس «قضاء بالغيب» والثاني «صنعة وحرفة» مع أنّه ليس مورداً لأدلّة التحريم كقوله عليه‌السلام : «من تكهّن أو تكهّن له فقد برأ من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣) كما لا يخفى.

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٢٨.

(٢) الروضة ٣ : ٢١٥.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٤٩ / ٢ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، الخصال : ١٩ / ٦٨.

٣٢٧

وكيف كان فالمعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف هو حرمة عمل الكهانة ، وفي كلام غير واحد نفي الخلاف فيه ، وفي المستند (١) دعوى ثبوت الإجماع عليه ناقلاً «للتصريح به في كلام جماعة» فهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص ، منها : ما دلّ على أنّ أجر الكاهن من السحت.

ومنها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

ومنها : خبر الهيثم المتقدّم الناطق بأنّ «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه فقد كفر بما أنزل الله من كتاب» (٣).

ومنها : ما في حديث المناهي المرويّ في الفقيه من «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن إتيان العرّاف ، وقال : من أتاه وصدّقه فقد برئ ممّا أنزل الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤) والعرّاف على ما عرفت من النهاية الأثيريّة «هو الكاهن» وفي البحار (٥) أيضاً قال الطيبي ـ في شرح المشكاة ـ : هو قسم من الكهّان يستدلّ على معرفة المسروق والضالّة بكلام أو فعل أو حالة.

والسرّ في البراءة على ما دلّ عليه هذه الروايات الثلاث أنّ تصديق الكاهن فيما أخبر به من الغيب تكذيب لله عزوجل فيما أنزله الله في كتابه على نبيّه من اختصاص علم الغيب به ، قال عزّ من قائل : «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلّا هُوَ ...» (٦) الآية ، وقال أيضاً : و «عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (٧).

ومنها : ما سمعت أيضاً من قول مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام : «إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكهانة ، المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار».

__________________

(١) المستند ١٤ : ١١٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٤٩ / ٢ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، الخصال : ١٩ / ٦٨.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٥٠ / ٣ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، السرائر : ٣٨ / ٢٢.

(٤) الوسائل ١٧ : ١٤٩ / ١ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، الفقيه ٤ : ٣ / ١.

(٥) البحار ٧٣ : ٣٣٠.

(٦) الأنعام : ٥٩.

(٧) لقمان : ٣٤.

٣٢٨

ومنها : ما سمعت أيضاً من خبر نضر بن قابوس قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة ، ومن أرادها وأكل كسبها ملعون ، وقال عليه‌السلام : المنجّم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار».

ثمّ إنّ ظاهر نصوص الباب وفتاوى الأصحاب أن يكون الإخبار على سبيل الحكم البتّي ، على معنى كونه بصورة الجزم سواء كان المخبر جازماً بما أخبر به أو ظانّاً به أو محتملاً له عملاً بالإطلاق ، وأمّا لو ذكر شيئاً على سبيل الاحتمال أو الظنّ بأن يقول : يحتمل أن يكون كذا ، أو أظنّ أنّه كذا ، أو أرجو أن يكون كذا ، وما أشبه ذلك ممّا لا يكون على سبيل الحكم بالمطلوب ، فلا يندرج فيهما فلا يشمله الحرمة فالأصل يقتضي جوازه ، ولعلّه إلى ذلك ينظر ما فصّله صاحب المفاتيح على ما حكي بقوله : «من المعاصي المنصوص عليها الإخبار عن الغائبات على البتّ لغير نبيّ أو وصيّ نبيّ سواء كان بالتنجيم أو الكهانة أو القيافة أو غير ذلك إلى أن قال : وإن كان الإخبار على سبيل التفؤّل من دون جزم فالظاهر جوازه لأنّ أصل هذه العلوم حقّ ولكنّ الإحاطة بها لا يتيسّر لكلّ أحد ، والحكم بها لا يوافق المصلحة» (١) انتهى ، وإن كان تعليله عليلاً مع نوع تشويش في العبارة ، لأنّ حقّيّة العلوم لا تنافي حرمة ترتيب الآثار عليها الّتي منها الإخبار بالغائبات.

ويؤيّدها علّة منع الشياطين من استراق السمع المتقدّمة في خبر الاحتجاج ، فإنّها تقتضي مبغوضيّة كلّ ما يشاكل الوحي ، ويوجب التباس ما جاء من الله تعالى لإثبات الحجّة ونفي الشبهة على الخلق والمبغوضيّة تلازم الحرمة. ثمّ الظاهر حرمة تعلّم الكهانة أيضاً للنهي المتقدّم عن تعلّم النجوم لأنّها تدعو إلى الكهانة ، وحرمة التكسّب بها وأخذ الاجرة عليها لما تقدّم الإشارة إليه من النصوص الدالّة على كون أجر الكاهن من السحت ، مع إمكان الاستدلال عليه بالنبويّ بالتقريب المتقدّم.

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ٢٣ ـ ٢٤.

٣٢٩

المقام الثالث : في القيافة.

قال في المجمع في الحديث : «لا آخذ بقول قائف ، هو الّذي يعرف الآثار ويلحق الولد بالوالد والأخ بأخيه ، والجمع قافة من قولهم قَفْتُ أثره إذا تبعته مثل قَفَوْتُ أثره ، وقاف الرجل يقوف قوفاً من باب قال تبعه» (١) ويقرب منه ما في القاموس قائلاً : «والقائف من يعرف الآثار ، جمع قافة ، وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه ...» (٢) إلى آخر ما ذكره.

وظاهرهما عدم بناء هذه المادّة على القيافة مصدراً ولا اسماً وإلّا لم يتركا ذكرها في تصاريف هذه المادّة ، فيكون القيافة حينئذٍ اسماً للصناعة المعهودة من الألفاظ المبتدئة المخترعة. وربّما يحتمل كون بنائها على الأجوف لضرب من النقل أي نقل العين مكان اللام واللام مكان العين بفرض كونه بحسب الأصل من الناقص ، كقفى يقفو واقتفى.

وكيف كان فالقيافة ـ على ما في المسالك (٣) والروضة (٤) وغيرهما (٥) ـ الاستناد إلى علامات ومقادير يترتّب عليها نسب شخص إلى شخص وإلحاقه به ، كالولد بوالده والأخ بأخيه.

وأمّا حكمها فالمعروف بينهم كونها حراماً ، وعن الحدائق (٦) نسبته إلى الأصحاب مؤذناً بالإجماع عليه ، وعن الكفاية «لا أعرف خلافاً فيه» (٧) وعن المنتهى (٨) والتنقيح (٩) والمفاتيح (١٠) الإجماع عليه.

وخلاصة القول فيها : أنّها صناعة من الصناعات ، والتكلّم في حكمها إن كان من حيث تعلّمها وتحصيل ملكتها فالوجه فيه الجواز ، إذ لا دليل على تحريمه فيبنى فيه على الأصل ، وإذا جاز تعلّمها لم يحرم إبقاؤها بعد التعلّم ولا يجب إزالتها بالتناسي ونحوه ، للأصل أيضاً. وربّما يستشمّ كونها في نفسها ممدوحة ممّا في رواية أبي بصير بعد قول السائل عن القافة ما يقولون شيئاً إلّا يقرب ممّا يقولون من قوله عليه‌السلام : «القيافة

__________________

(١) مجمع البحرين ٣ : ٥٦٠.

(٢) القاموس : ٣ : ١٨٨. (٣) المسالك ٣ : ١٢٩.

(٤) الروضة ١ : ٢٧٣.

(٥) كما في جامع المقاصد ٤ : ٣٣ ، التنقيح ٢ : ١٣.

(٦) الحدائق ١٨ : ١٨٣. (٧) الكفاية : ٨٧.

(٨) المنتهى ٢ : ١٠١٤. (٩) التنقيح ٢ : ١٥.

(١٠) المفاتيح ٢ : ٢٤.

٣٣٠

فضلة من النبوّة ذهبت في الناس حين بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وإن كان من حيث استنباط القائف بالتفرّس والتحدّس نسب شخص إلى آخر قصد إلى معرفة نفسه جزماً أو ظنّاً من دون أن يبرزه في الخارج ويلحقه به ، فهذا أيضاً ممّا لا دليل على تحريمه ولم نقف على مفت أفتى به صريحاً بل ربّما كان الغرض من تقييدهم الآتي إخراج ذلك عن التحريم. وتوهّم : الدلالة عليه من قوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير : «ما احبّ أن تأتيهم» في جواب السائل عن القيافة أو القافة على اختلاف النسخة. يدفعه : منع الدلالة لظهور هذه اللفظة في الكراهة ، ولو سلّم عدم ظهورها فيها فلا يسلّم ظهورها في التحريم أيضاً فتكون محتملة لهما ، ولو سلّم ظهورها فيه فأقصاه الدلالة على تحريم إتيان القائف استعلاماً لنسب أو طلباً لإلحاق ولا يلزم منه تحريم استنباط نسب لا للإلحاق.

وإن كان من حيث استنباطه النسب للإلحاق ، فالظاهر أنّه موضوع المسألة ومعقد فتاوي الأصحاب بالتحريم ، ونحن نطالبهم بدليل ذلك ولم نقف لهم على دليل واضح يعتمد عليه ، فيشكل الإذعان به إلّا أن يكون إجماعاً كما يقتضيه الإجماعات المنقولة في كلام الجماعة ، ولكن ثبوته على تحريمها من حيث هي هي ليثبت به الحرمة النفسيّة غير معلوم ، ولذا قيّده جماعة كالشهيدين في الدروس (٢) والمسالك (٣) وجامع المقاصد (٤) والتنقيح (٥) بما إذا ترتّب عليه محرّم.

بل في كلام بعض مشايخنا «والظاهر أنّه مراد الكلّ وإلّا فمجرّد حصول الاعتقاد العلمي أو الظنّي بنسب شخص لا دليل على تحريمه» (٦) انتهى. وكأنّه قدس‌سره حمل المحرّم المترتّب على القيافة على نفس الإلحاق ، ولعلّ السرّ في تحريمه إمّا أنّه اتّباع لما لا يعلم من حيث إنّ العلامات والأمارات المستند إليها لا تفيد غالباً إلّا الظنّ فيندرج في عموم قوله تعالى : «لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (٧) أو أنّه إثبات للنسب بغير طريقة

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٤٩ / ٢ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، الخصال ١٩ : ٦٨.

(٢) الدروس ٣ : ١٦٥.

(٣) المسالك ٣ : ١٢٩.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٣٣.

(٥) التنقيح ٢ : ١٣.

(٦) الجواهر ٢٢ : ٩٢.

(٧) الإسراء : ٣٦.

٣٣١

الشرعي من العلم العادي أو الفراش أو الإقرار أو البيّنة ، فيكون من الحكم بغير ما أنزل الله المحكوم عليه في الكتاب بكونه فسقاً.

ويحتمل كون مراد الجماعة من المحرّم المحرّمات الاخر المترتّبة على الإلحاق لا نفسه ، على معنى أنّه وإن لم يكن محرّماً في نفسه إلّا أنّه كثيراً ما يترتّب عليه محرّم خارجي كإيذاء المؤمن فيما لو كان الإلحاق بحيث يتأذّى به الملحق أو الملحق به ويكرهه باعتبار كون صاحبه شخصاً رذلاً دَنيّاً وهو من أهل الشأن والشرف والنجابة ، أو القذف للملحق به وإشاعة فاحشته وإذاعة عيب الملحق بتقريب أنّ حصوله على تقدير الإلحاق كثيراً ما يكون من زنى ، أو التوارث فيما بينهما المفضي إلى استيلاء إنسان على مال آخر من غير استحقاق شرعي وهو إثم فيكون الإلحاق من المعاونة على الإثم ، أو استباحة نظر أجنبيّ إلى محارم أجنبيّ آخر من بنته أو امّه أو اخته أو حليلته من دون مجوّز ومبيح شرعي ، وهذا أيضاً إثم والإلحاق معونة عليه. وبالجملة فالقيافة محرّمة لتحريم ما يترتّب عليها لا في نفسها. وأمّا التكسّب بها وأخذ الاجرة عليها فالظاهر أنّ تحريمه إجماعيّ وهو الحجّة.

٣٣٢

النوع الثامن

التنجيم وتعلّم النجوم

أمّا التنجيم فقد عرّفه المحقّق الشيخ عليّ في جامع المقاصد «بأنّه الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكيّة والاتّصالات الكوكبيّة الّتي مرجعها إلى القياس والتخمين» (١).

وقد حرّمه بعض الأصحاب لدلالة الأخبار على تحريمه من حيث هو ، وظاهر جماعة كالسيّد (٢) والعلّامة (٣) والبهائي (٤) وغيرهم تحريمه من حيث فساد مذهب المنجّمين لاعتقادهم تأثير الكواكب وأوضاعها بالاستقلال اختياراً أو إيجاباً أو الاشتراك ، وعن بعض هؤلاء تحريمه أيضاً مع اعتقاد كونها معدّة لتأثير الله سبحانه لكونه علماً بما لا يعلم وكأنّه أراد بالمعدّية ما يرجع إلى القابل لا إلى الفاعل وإلّا كان كفراً ولا يناسبه التعليل بكونه علماً بما لا يعلم ، وعن بعض المتأخّرين «أنّه يحرم من حيث ابتنائه على الظنّ والتخمين وكونه قولاً بما لا يعلم» (٥) قيل : ويمكن أن يكون التحريم لأجل الإخبار بما لم يقع فيشبه الكهانة.

وعن كثير من الأصحاب التصريح بجوازه إذا لم يعتقد منافياً للشرع ، وفي المستند «بل هو الظاهر من الأكثر حيث قيّدوا التحريم بما إذا اعتقد التأثير» (٦) ونسب ذلك أيضاً

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣١.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١١.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٤ ، التحرير : ١٦١.

(٤) الحديقة الهلاليّة : ١٣٩.

(٥) كما في الدروس ٣ : ١٦٥ ، والقواعد والفوائد ٢ : ٣٥.

(٦) المستند ١٤ : ١١٨.

٣٣٣

إلى السيّد ابن طاوس فقال : «بأنّ علم النجوم من العلوم المباحات» (١) وجوّز تعليمه وتعلّمه والنظر فيه والعلم به إذا لم يعتقد أنّها مؤثّرة حاملاً لأخبار النهي والذمّ على ما إذا اعتقد ذلك ، ثمّ ذكر تأييداً لصحّة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به.

والقول بإطلاق التحريم الّذي عرفت نسبته إلى بعض الأصحاب يظهر من السيّد الأجلّ المرتضى أيضاً جاعلاً لأدلّ الدليل على بطلانه كونه موجباً لاختلال الأمر في معجزات الأنبياء قال ـ في جملة كلام له محكيّ عن كتاب الغرر والدرر ـ : «ومن أدلّ الدليل على بطلان أحكام النجوم أنّا قد علمنا أنّ من جملة معجزات الأنبياء الإخبار عن الغيوب وعدّ ذلك خارقاً للعادات ، كإحياء الميّت وإبراء الأكمه والأبرص ، ولو كان العلم بما يحدث طريقاً نجوميّاً لم يكن ما ذكرناه معجزاً ولا خارقاً للعادة ، وكيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النجوم وقد أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذاهبهم وبطلان أحكامهم ، ومعلوم من دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة التكذيب بما يدّعيه المنجّمون والإزراء عليهم والتعجيز بهم ، وفي الروايات عنهم عليهم‌السلام من ذلك ما لا يحصى كثرة ، وكذا عن علماء أهل بيته وخيار أصحابه ، فما زالوا يبرءون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً ، وما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يغترّ بخلافه منتسب إلى الملّة ومصلّ إلى القبلة» (٢) انتهى.

وتحقيق المسألة يستدعي التكلّم في مقامات :

المقام الأوّل : فيما يتعلّق بالأجرام الفلكيّة والكواكب من حيث القدم والحدوث والحياة وعدمها والاختيار والعلوم والإدراكات والإرادات وأضدادها لما عزي إلى المنجّمين خصوصاً أوائلهم من المذاهب المختلفة في ذلك ، فنقول : إنّ الفلكيّات والكواكب غير خالية عن كونها قديمة أو حادثة ، والمراد بحدوثها كونها مسبوقة بالعدم وبالقدم خلافه.

وعلى الأوّل : فإمّا أن يراد بالقدم قدمها لذواتها على معنى عدم كونها معلولة عن

__________________

(١) فرج المهموم : ٨١.

(٢) الغرر والدرر (أمالي المرتضى) ٢ : ٣٨٤ ـ ٣٩١ ورسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١.

٣٣٤

علّة قديمة لذاتها كذات الباري تعالى ، أو قدمها باعتبار الزمان على معنى أنّها وإن كانت معلولة غير أنّها قديمة زماناً لقدم علّتها ، والاعتقاد بالقدم بكلّ من معنييه كفر ومعتقده كافر ، لكونه مخالف لما علم ضرورة من دين الإسلام بل جميع الأديان من حدوث العالم ، وإنكاراً لما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما دلّت عليه الآيات المتكاثرة والروايات المتظافرة المتواترة من كون الفلكيّات والأرضين والسموات مخلوقة لله عزوجل وقد خلقها في ستّة أيّام ، مضافاً إلى كونه من كفر التشريك مع الله عزوجل المنافي للتوحيد الّذي من مراتبه التوحيد في الصفات الذاتيّة الّتي منها القدم ذاتاً وزماناً.

وعلى الثاني : فإمّا تكون في حدوثها متّصفة بصفة الحياة والعلوم والإدراكات والإرادات ، أو متّصفة بالعلوم والإدراكات والإرادات من دون حياة ، أو تكون كسائر الجمادات من دون أن يكون لها حياة ولا علوم وإدراكات وإرادات ، وهذه وجوه ثلاث صحيحها الموافق لدين الإسلام بل جميع الأديان ثالثها ، بل في كلام المجلسي في البحار والسيّد علي ما عن الغرر والدرر دعوى الضرورة وإجماع المسلمين على بطلان ما عداه ـ قال المجلسي في تأويل الرواية الدالّة على أنّ الله عزوجل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلاً من العجم فعلّمه النجوم ... الحديث : «لعلّ المراد ـ على تقدير صحّة الخبر ـ أنّ الله تعالى جعله في هذا الوقت ذا روح وحياة وعلّم وبعثه إلى الأرض لئلّا ينافي ما سيأتي من إجماع المسلمين على عدم حياة الأجسام الفلكيّة وشعورها ...» (١) إلى آخر ما ذكره. وقال السيّد في جملة كلام له في إبطال علم النجوم : «وأقوى من ذلك في نفي كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكوكب أحياء السمع والإجماع ، وأنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب ، وأنّها مسخّرة مدبّرة مصرّفة ، وذلك معلوم من دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ضرورة» وإذا قطعنا على نفي الحياة والقدرة فكيف تكون فاعلة فينا؟ ...» (٢) إلى آخر ما ذكره ـ مع ما في ثانيها من بطلانه في نفسه لامتناع العلم والإدراك والإرادة من دون حياة ، لكون هذه الصفات من لوازم الحياة أو ما به الحياة وهو الروح المتعلّق بالبدن.

__________________

(١) البحار ٥٥ : ٢٧٨.

(٢) الغرر والدرر (أمالي المرتضى) ٣ : ٣٨٤ ـ ٣٩١.

٣٣٥

وبذلك يندفع ما عساه يقال في منع الملازمة : من تنظير المقام بالروح بعد مفارقة البدن من حيث إنّه يعلم ويدرك ولا حياة له ، إذ لا يقال إنّه حيّ كما لا يخفى.

المقام الثاني : فيما يتعلّق بالأجرام العلويّة وحركاتها واتّصالاتها من حيث التأثير وعدمها في الحوادث السفليّة ، فإنّ المنجّمين لهم في ذلك أقوال مختلفة :

فإمّا أن يقال : بأنّها المدبّرة للعالم المؤثّرة في الكائنات والحوادث بالاستقلال على وجه يرجع إلى نفي وجود الصانع تعالى ، أو على وجه يرجع إلى تعطيله عن التدبير والتأثير مع كونها قديمة لذواتها أو باعتبار الزمان أو حادثة ، ومعنى الأخيرين أنّ الصانع تعالى لمّا خلقها قديمة زماناً أو حادثة فوّض أمر التدبير والتأثير إليها ، وحينئذٍ فإمّا أن يكون بحيث خرج الأمر عن تحت قدرته فلا يقدر على منعها عن التدبير والتأثير ، أو لا بل يقدر على المنع ولكنّه لا يمنع. وعلى جميع هذه التقادير الأربع فإمّا أن تكون مجبولة على التدبير والتأثير على معنى كونها فاعلة بالإيجاب كالنار في فعل الإحراق ، أو تكون مختارة فيهما على معنى كونها فاعلة بالاختيار.

أو يقال : بأنّها مؤثّرة لا بالاستقلال إمّا بأن يكون التأثير قائماً بها بشرط إرادته تعالى أو قائماً به تعالى بشرط توسّطها فتكون كالآلة والمعدّ ، إمّا لأمر راجع إلى الفاعل بأن لا يقدر على التأثر إلّا بهذه الآلة ، أو لأمر يرجع إلى القابل بأن لا يقبل الأثر إلّا بهذه الواسطة.

أو يقال : بعدم مدخليّة لها أصلاً بل المدبّر للعالم والمؤثّر في الكائنات والحوادث بالاستقلال هو الصانع تعالى إلّا أنّه جرى عادته بأن لا يفعل إلّا عند حركات الأفلاك واتّصالات الكواكب وأوضاعها المخصوصة بحيث لم يتغيّر عادته تعالى أصلاً ، فتكون هذه الحركات والأوضاع المخصوصة علامات دائميّة للآثار الحادثة من تأثيره تعالى ، أو بحيث جاز تغيّرها بالصدقة أو الدعاء أو غيرهما ، أو لا على وجه جرى عادته بذلك على الوجه الكلّي ، فيمكن أن يكون فيما يفعله تعالى من خلق أو تدبير أو تأثير ما لا يرتبط بحركات الأجرام العلويّة وأوضاع الكواكب المخصوصة أصلاً وإن كان في تلك الحركات والأوضاع المخصوصة أيضاً ما قد يرتبط به فعله تعالى وتأثير ارتباط ذي العلامة بالعلامة وارتباط المكشوف عنه بالكاشف.

٣٣٦

وهذه ستّة عشر وجهاً صحيحها الموافق لشرع الإسلام هو الأخير منها ، لبطلان ما عداه ، إمّا لكونه موجباً للكفر لما يتضمّنه من إنكار وجود الصانع ، أو لما يتضمّنه من التشريك معه في صفة القدم ، أو لما يتضمّنه من نفي صانعيّة الصانع وإنكار خالقيّته ، أو لما يتضمّنه من نفي القدرة عنه وإثبات العجز عليه ، أو لما يتضمّنه من تكذيبه تعالى فيما قاله في الكتاب : «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» (١) أو لكون الاعتقاد به من القول بما لا يعلم فيكون آثماً لدخوله في قوله عزّ من قائل : «لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (٢) «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (٣).

المقام الثالث : في نقل الأخبار المتعلّقة بالمسألة ، وهي على أنحاء ، منها : ما يدلّ على المنع من التنجيم أو علم النجوم بقول مطلق :

مثل خبر القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري عن محمّد بن عليّ عن أبيه عن الحسين بن عليّ عليه‌السلام قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خصال ... إلى أن قال : وعن النظر في النجوم» (٤).

وخبر نصر بن قابوس قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المنجّم معلون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة ومن آواها وأكل كسبها ملعون ، وقال عليه‌السلام : المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (٥).

والمرويّ عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال : «عزم عليّ عليه‌السلام على الخروج عن الكوفة إلى الحروريّة وكان في أصحابه منجّم ، فقال له : يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار ، فإنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذى وضرّ شديد ، وإن سرت في الساعة الّتي أمرتك بها ظفرت وظهرت وأصبت ما طلبت. فقال له عليّ عليه‌السلام : أتدري ما في بطن فرسي هذا أذكر أم انثى؟ قال : إن حسبت علمت ، فقال عليه‌السلام : فمن صدّقك بهذا فقد كذّب بالقرآن ، قال الله

__________________

(١) الرعد : ٣٩.

(٢) الإسراء : ٣٦.

(٣) البقرة : ١٦٩.

(٤) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ٩ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الخصال : ٤١٨ / ١٠.

(٥) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ٧ و ٨ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الخصال : ٢٩٧ / ٦٧.

٣٣٧

تعالى : «إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ...» (١) الآية ، ثمّ قال عليه‌السلام : إنّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يدّعي علم ما ادّعيت علمه ، أتزعم إنّك تهدي إلى الساعة الّتي يصيب النفع من سار فيها ، وتصرف عن الساعة الّتي يحيق السوء من سار فيها ، فمن صدّقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جلّ وعزّ في صرف المكروه عنه ، وينبغي للموقن بأمرك أن يولّيك الحمد دون الله جلّ جلاله ، لأنّك بزعمك هديته إلى الساعة الّتي يصيب النفع من سار فيها وصرفته عن الساعة الّتي يحيق السوء بمن سار فيها ، فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتّخذ من دون الله ضدّاً وندّاً ، اللهمّ لا طير إلّا طيرك ، ولا ضير إلّا ضيرك ، ولا إله غيرك ، ثمّ قال : بل نخالف ونسير في الساعة الّتي نهيتنا ، ثمّ أقبل على الناس ، فقال : أيّها الناس إيّاكم والتعلّم للنجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البرّ والبحر ، إنّما المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالكافر ، والكافر في النار ، أما والله إن بلغني أنّك تعمل بالنجوم لأخلدنّك السجن أبداً ما بقيت ، ولأحرمنّك العطاء ما كان لي سلطان ، ثمّ سار في الساعة الّتي نهاه عنه المنجّم فظهر بأهل النهر وظهر عليهم ، ثمّ قال : لو سرنا في الساعة الّتي أمرنا بها المنجّم لقال الناس : سار في الساعة الّتي أمر بها المنجّم وظفر وظهر ، أما أنّه ما كان لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منجّم ولا لنا من بعده حتّى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر ، أيّها الناس توكّلوا على الله وثقوا به فإنّه يكفي ممّن سواه» (٢).

وخبر عبد الملك بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّي قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشرّ جلست ولم أذهب فيها ، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة ، فقال لي : تقضي ، قلت : نعم ، قال : احرق كتبك» (٣) قال المجلسي رحمه‌الله : «وهذا خبر معتبر يدلّ على أظهر الوجوه على أنّ الإخبار بأحكام النجوم والاعتناء بسعادة النجوم والطوالع محرّم يجب الاحتراز عنه» (٤).

أقول : يعني بأظهر الوجوه أظهر الوجوه المحتملة في قوله عليه‌السلام : «تقضي» وهو أن

__________________

(١) لقمان : ٣٤.

(٢) البحار ٥٥ : ٢٦٤ / ٢٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٩ ، الخطبة ٧٨.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٧ / ١ ، ب ١٤ آداب السفر ، الفقيه ٢ : ١٧٥ / ٧٧٩.

(٤) البحار ٥٥ : ٢٧٢.

٣٣٨

يكون المراد به الحكم بالحوادث والإخبار بالامور الآتية أو الغائبة ، وأمّا اعتبار الخبر فلعلّ الوجه فيه كونه ممّا أورده الصدوق في الفقيه بملاحظة ما ضمنه من إيراد ما أفتى به وحكم بصحّته واعتقد فيه أنّه حجّة فيما بينه وبين ربّه ، وإلّا ففي سنده على ما ضبطه في المشيخة أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه وهما مجهولان وهو من موجبات الضعف.

ومنها : ما هو كالشارح للأخبار المذكورة بعد الإغماض عمّا في أسانيدها من الضعف والقصور ، وهو المرويّ عن احتجاج الطبرسي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «إنّ زنديقاً قال له : ما تقول في علم النجوم؟ قال : هو علم قلّت منافعه وكثرت مضارّه» (١) وفي نسخة اخرى «مضرّاته» وقوله عليه‌السلام هذا صغرى لكبرى مطويّة ، تقديرها كلّما قلّت منافعه وكثرت مضارّه وجب التحرّز عنه وكون الحكم وجوب التحرّز دون رجحانه الّذي أقلّ مراتبه الاستحباب ، لاستقلال العقل بوجوب التحرّز عمّا كثرت مضارّه.

فهذا يدلّ على أنّ المنع من علم النجوم لكثرة مضارّه ، وهذه المضارّ الكثيرة لا تخلو عن امور :

منها : ما تعرّض لذكره في هذا الخبر بعد قوله : «وكثرت مضارّه» بقوله : «لا يدفع به المقدور ، ولا يتّقى به المحذور ، إن خبّر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء ، وإن خبّر هو بخير لم يستطع تعجيله ، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه ، والمنجّم يضادّ الله في عمله بزعمه أنّه يردّ قضاء الله عن خلقه» (٢).

ومنها : أنّه قد يؤدّي إلى الطيرة المنهيّ عن ترتيب الأثر عليها والاعتناء بها ، كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «تقضي» في خبر عبد الملك بن أعين على أحد احتماليه ، وهو إرادة العمل على مقتضى تطيّره ، وهو جلوسه عن الحاجة وعدم ذهابه فيها ، وأصرح من ذلك دعاؤه المتقدّم في مرسلة ابن أبي الحديد بقوله عليه‌السلام : «اللهمّ لا طير إلّا طيرك ...» الخ ونحوه ما في المرويّ عن مجالس الصدوق رحمه‌الله.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ١٠ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الاحتجاج : ٣٤٨.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ١٠ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الاحتجاج : ٣٤٨.

٣٣٩

ومنها : أنّه يدعو إلى الكهانة وهو الإخبار بالغائبات الغير الواقعة ، كما يشهد به قوله مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الاحتجاج المتقدّم ذكره في باب الكهانة : «أيّها الناس إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البرّ والبحر لأنّها تدعو إلى الكهانة».

ومنها : أنّه ربّما يفضي إلى تكذيبه تعالى في قوله تعالى : «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلّا هُوَ» (١) وقوله أيضاً : و «عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (٢) فيما إذا ادّعى المنجّم العلم بالامور الغائبة الّتي منها ما في الأرحام ونزول الأمطار وآجال الناس وأفعالهم في مستقبل الزمان وما أشبه ذلك ، كما يشير إليه ما في مرسلة ابن أبي الحديد المتقدّمة ، ونحوه ما في المرويّ عن مجالس الصدوق من قوله عليه‌السلام : «من صدّقك بهذا فقد كذّب بالقرآن» مضافاً إلى أنّه قد يوجب الكذب في إخباراته لاستحالة الكذب في قوله تعالى.

ومنها : أنّه يوجب إضلال من يعتمد على قول المنجّم ويصدّقه فيما يدّعيه ويخبر به لتكذيبه القرآن واتّخاذه إيّاه ضدّاً وندّاً لله سبحانه ، كما دلّ عليه ما في المرويّ عن المجالس ، ونحو مرسلة ابن أبي الحديد من قوله عليه‌السلام : «من آمن لك بهذا فقد اتّخذك من دون الله ندّاً وضدّاً».

ومنها : أنّه يوجب انسلاخ صفة التوكّل عنه أو عن غيره ممّن يقفو أحكامه ، فيجلس عن الحاجة تارةً ويذهب فيها اخرى.

ومنها : أنّه قد يفضي إلى تكذيبه تعالى في قدره وقضائه وفي محوه وإثباته.

ومنها : أنّه قد يستتبع الكفر وفساد المذهب إذا اعتقد التأثير بالاستقلال أو المدخليّة في الكواكب وحركاتها ، وقد أشار إليه وإلى سابقه المرويّ عن الخصال بسنده عن أبي الحصين قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الساعة؟ فقال : عند إيمان بالنجوم وتكذيب بالقدر» (٣) والمرويّ عنه أيضاً بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن

__________________

(١) الأنعام : ٥٩.

(٢) لقمان : ٣٤.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ٦ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الخصال : ٦٢ / ٨٧.

٣٤٠