ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

الثاني. وردّه شيخنا قدس‌سره «بأنّ القائل بالصحّة ملتزم بكون الأثر المترتّب على العقد الأوّل بعد إجازة العاقد له ، هو تملّك المشتري له من حين ملك العاقد ، لا من حين العقد الأوّل ، وحينئذٍ فتوقّف إجازة العاقد الأوّل على صحّة العقد الثاني مسلّم ، وتوقّف صحّة العقد الثاني على بقاء المال على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلّم أيضاً ، ولكن دعوى أنّ صحّة الأوّل يستلزم كون المال ملكاً للمالك والمشتري في زمان واحد ممنوعة ، لأنّه إنّما يلزم ذلك لو ادّعي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد وهذا ممنوع كما تقدّم ، بل يكفي فيها الكشف عن الملك في الزمان المتأخّر عن العقد وهو زمان العقد الثاني» (١)

أقول : مبنيّ ذلك على ما تقدّم من تصحيح العقد بدعوى وجود المقتضي لصحّته وهو العمومات الشاملة له ، مع التأويل في الإجازة الكاشفة بجعلها أعمّ من إجازة من كان مالكاً حين العقد الأوّل ومن صار مالكاً بعده بالعقد الثاني وهو العاقد ، وقد عرفت منع وجود المقتضي للصحّة بمنع شمول العمومات لذلك العقد فيرجع فيه إلى الأصل الأوّلي المقتضي للفساد.

وأمّا ما أورده المورد في السؤال على مطلق الفضولي على القول بالكشف من لزوم كون المال حال الإجازة ملكاً للمجيز والمشتري معاً ، فقد يقال عليه بأنّه غير الإشكال الّذي استنتجه من المقدّمات المذكورة وأورده على المستدلّ وهو لزوم كون المال ملكاً للمالك الأصلي والمشتري معاً في زمان واحد وهو زمان العقد ، وزيد عليه «بأنّه يلزم بناءً على هذا الإشكال على القول بالكشف اجتماع ملّاك ثلاث على ملك واحد المالك الأصلي والمشتري والعاقد ، لوجوب الالتزام بمالكيّة المالك الأصلي ليصحّ منه العقد الثاني ، والالتزام بمالكيّة المشتري لأنّ الإجازة كاشفة ، والالتزام بمالكيّة العاقد أيضاً لأنّ المشتري يتلقّى الملك منه وإلّا لم ينفع إجازته.

ثمّ اعترض على ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي بأنّه ممّا لا يسمن ولا يغني ، لأنّ الإجازة إذا وقعت فإن كشفت عن ملك المشتري قبلها كشفت

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤٤٠ ـ ٤٤١.

٨٢١

عمّا يبطلها ، لأنّ الإجازة لا تكون إلّا من المالك الواقعي ، والمالك الظاهري إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكاً حين الإجازة ، ولذا لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير مالك لم تنفع إجازته ، لأنّ المالكيّة من الشرائط الواقعيّة دون العلميّة» (١).

وأمّا ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد بكفاية الملك الظاهري في الاولى دون الثاني ، فاورد عليه بأنّه تحكّم صرف ، خصوصاً مع تعليله بأنّ الإجازة رفع لليد وإسقاط للحقّ ، فإنّ مناط كفاية الملك الظاهري عدم تبيّن انتفائه في الواقع ، وحيث لم يتبيّن ذلك كفى في المقامين ، وحيث تبيّن انتفاؤه لم يكف في المقامين.

أقول : التحقيق أنّ مناط صحّة الإجازة ـ على القول بالكشف في مطلق عقد الفضولي ـ كون المجيز مالكاً أصليّاً وهو من كان مالكاً قبل العقد ، ولا ينوط باعتبار الملك الظاهري بمقتضى استصحاب الحالة السابقة ، لأنّ الاستصحاب مع تبيّن خلاف المستصحب ممّا لا معنى له. والسرّ في كفاية المالكيّة الأصليّة أنّ الإجازة إمضاء للعقد وهو في معنى إمضاء رضا العاقد ، وهو إذا كان ممضى بإجازة المالك الأصلي شرط لصحّة العقد ، فتحقّقه في الواقع يؤثّر في الصحّة من حين العقد وعدم تحقّقه في الواقع يؤثّر في عدم الصحّة ، والكاشف عنهما إجازة المالك الأصلي وردّه ، فإنّ ردّه كشف عن عدم تحقّق شرط الصحّة في الواقع ، وإن أجاز كشف عن تحقّقه في الواقع ، إلّا أنّ الفرق حاصل بين الردّ والإجازة في أنّ الردّ يكون من المالك الأصلي مع بقاء ملكه حال الردّ ، والإجازة يكون منه مع عدم بقاء ملكه حال الإجازة ، ولا ضير فيه إذا ساعد عليه الدليل وهو جميع أدلّة اعتبار الإجازة في الفضولي الّتي عمدتها دلالة قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن قيس : «خذ ابنه الّذي باعك الوليدة حتّى ينفّذ لك البيع».

وثالثها : أنّ الإجازة لمّا كشفت عن صحّة العقد الأوّل وعن كون المال ملك المشتري الأوّل ، فقد وقع العقد الثاني على ماله ، فلا بدّ من إجازته كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأوّل ، فلا بدّ من إجازة المشتري البيع الثاني أيضاً حتّى يصحّ ويلزم ، فعلى هذا يلزم توقّف إجازة كلّ من الشخصين على إجازة الآخر ، وتوقّف

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤٤١ ـ ٤٤٢.

٨٢٢

صحّة كلّ من العقد والإجازة على إجازة المشتري الغير الفضولي ، وهو من الأعاجيب بل من المستحيل ، لاستلزام ذلك عدم تملّك المالك الأصيل شيئاً من الثمن والمثمن ، وتملّك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان ، ودون تمامه إن زاد الأوّل ، ومع زيادة إن نقص ، لانكشاف وقوعه والثمن له ، وقد كان المبيع له أيضاً بما بذله من الثمن وهو ظاهر.

واجيب (١) عنه أيضاً بابتنائه على وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد ، وهو ممنوع.

أقول : وقد عرفت دفعه وإن كان ما ذكر فاسد الوضع من جهة اخرى ، ملخّصها منع الملازمة ، كما يظهر وجهه بالتأمّل.

ورابعها : أنّ من المعلوم أنّه يكفي في إجازة المالك وفسخه فعل ما هو من لوازمهما ، ولمّا باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه وتملّك الثمن ، وهو لا يجامع صحّة العقد الأوّل ، فإنّها تقتضي ملك المالك للثمن الأوّل ، وحيث وقع الثاني يكون فسخاً له وإن لم يعلم بوقوعه ، فلا يجدي الإجازة المتأخّرة. وبالجملة حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة بل أولى منها ، فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي.

أقول : هذا واضح الدفع بأنّا إن لم نعتبر القول في ردّ عقد الفضولي واكتفينا بالردّ الفعلي فلا أقلّ من اعتبار قصد إنشاء ردّه وفسخه به ، وكون المالك ببيعه المال من الفضولي قاصداً لإنشاء فسخ العقد الأوّل أوّل الكلام بل محلّ منع ، خصوصاً إذا لم يلتفت بوقوع العقد الأوّل ، وبدون قصده لا معنى لالتزام بطلانه وخروجه عن قابليّة الإجازة.

نعم لو علم باعتبار الخارج أنّه قصد ببيعه إنشاء فسخه فلا كلام في بطلانه حينئذٍ ، إلّا أنّ ذلك جهة خارجة عن مفروض المسألة ، لأنّ الكلام في أنّ البيع المتخلّل بين العقد الأوّل وإجازة الفضولي بعد تملّكه المبيع بما هو بيع من المالك فسخ له ومقتض لبطلانه أم لا؟ والمانع عن ذلك مستظهر وإن رجع المورد إلى أنّ الإجازة حينئذٍ على

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤٤٣.

٨٢٣

الكشف لا تكشف عن الصحّة وتملّك المشتري الغير الفضولي من حين العقد الأوّل ، بل تكشف عن تملّكه بذلك العقد من حين العقد الثاني ، وهذا خلاف معنى كشف الإجازة فهو رجوع إلى وجه آخر تقدّم ذكره ، وكلامنا على هذا الوجه بعد الإغماض عن الوجه السابق أو البناء على عدم تماميّته.

وقد يقرّر الجواب عن هذا الوجه ، «بأنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه ، وأمّا الفعل المنافي لمضيّه ـ كتزويج المعقودة فضولاً نفسها من آخر وبيع المالك له المبيع فضولاً من آخر ـ فليس فسخاً له ، خصوصاً مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضولي ، غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمعنى العقد مفوّت لمحلّ الإجازة ، فإذا فرض وقوعه صحيحاً فات محلّ الإجازة ويخرج العقد عن قابليّة الإجازة ، إمّا مطلقاً كما في مثال التزويج ، أو بالنسبة إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع ، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل ، فللمالك الثاني أن يجيز.

نعم لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعاً ، ولعموم تسلّط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها» (١).

أقول : وفي التفصيل في خروج العقد الأوّل عن قابليّة الإجازة وعدمه بين المثالين منع واضح ، لا لابتنائه على ما تقدّم من كفاية إجازة المالك الثاني في الصحّة ، فالوجه فيهما الخروج عن القابليّة مطلقاً.

وخامسها : أنّه لو باع مال الغير لنفسه ولعلّ المراد أنّه إن وقع الثمن للعاقد على حسبما قصد لا للمالك مع وقوع المبيع للمشتري ، فهو خلاف مقتضى مفهوم المعاوضة وخلاف مقتضى الصيغة المقتضية لدخول كلّ من العوضين في ملك مالك العوض الآخر ، وإن وقع للمالك على خلاف ما قصده العاقد فهو موقوف على إجازته ، والمفروض عدم حصولها فيبطل. وهذا في محلّه.

وسادسها : أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك ورضى المالك والقدرة على التسليم ، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز لأنّه البائع حقيقة ، والفرض هنا عدم

__________________

(١) المكاسب ٢ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

٨٢٤

إجازته وعدم وقوع البيع عنه ، وهذا راجع إلى سابقه. فهو أيضاً في محلّه.

وسابعها : الروايات المقتضية عموماً أو خصوصاً فساد ذلك العقد.

أمّا الاولى : فالمستفيضة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناهية «عن بيع ما ليس عندك» (١) فإنّ النهي فيها مقتض للفساد. وقد يقرّر وجه الاستدلال بها بأنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقاً بالنسبة إلى المالك وإلى المخاطب العاقد معاً فيكون دليلاً على فساد عقد الفضولي مطلقاً ، وإمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب العاقد خاصّة فيكون دليلاً على عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقاً ولو ملكه فأجاز ، بل الظاهر إرادة بيان حكم صورة تملّكه بالخصوص ، وإلّا فعدم وقوعه له من دون أن يملكه بعد بيعه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

وأمّا الثانية : فعدّة أخبار فيها الصحيح وغيره ، كصحيحة ابن مسلم قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له : ابتع لي متاعاً لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال : ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (٢) ووجه الدلالة أنّ قوله عليه‌السلام : «إنّما يشتريه منه ...» الخ تعليل لنفي البأس المقتضي للصحّة ، فبمفهوم التعليل يدلّ على ثبوت البأس لو اشتراه منه قبل أن يملكه وهو ظاهر في الفساد لأنّ المفهوم نقيض المنطوق.

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل أمر رجلاً ليشتري له متاعاً فيشتريه منه ، قال : لا بأس بذلك ، إنّما البيع بعد ما يشتريه» (٣) ووجه دلالته كسابقه إلّا أنّ عموم التعليل في الأوّل ربّما يتناول الملك بسبب غير اختياري بانضمام أنّ المورد لا يخصّص.

وعموم الخبرين وإن كان يعمّ ابتياع المتاع الشخصي وابتياع المتاع الكلّي في الذمّة فبالمفهوم يدلّان على الفساد فيهما ، إلّا أنّه يخصّصهما بالمتاع الشخصي ما دلّ من الروايات على الصحّة في الكلّي :

كموثّقة إسحاق بن عمّار عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٧ / ٢ و ٥ ، ب ٧ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) الوسائل ١٨ : ٥١ / ٨ ، ب ٨ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٥١ / ٢٢٠.

(٣) الوسائل ١٨ : ٥٠ / ٦ ، ب ٨ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٥٠ / ٢١٨.

٨٢٥

عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ما ليس عنده فيشتري منه حالًّا قال : ليس به [بأس] قلت : إنّهم يفسدونه عندنا ، قال : وأيّ شي‌ء يقولون في السلم؟ قلت : لا يرون به بأساً يقولون هذا إلى أجل فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح ، فقال : فإذا لم يكن [إلى] أجل كان أجود ، ثمّ قال : لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل ...» (١) الخ ، فإنّه قاضٍ بالصحّة في غير العين الشخصيّة ، فيختصّ المحكوم بالفساد بمقتضى مفهوم التعليل في الصحيحين ببيع العين الشخصيّة قبل أن يملكه البائع.

ومن الأخبار الخاصّة مصحّحة يحيى بن الحجّاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال لي : اشتر هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها اربحك كذا وكذا ، قال : لا بأس بذلك ، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (٢).

ورواية خالد بن الحجّاج قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني فيقول : اشتر هذا الثوب واربحك كذا وكذا ، قال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، قلت : بلى ، قال : لا بأس ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» (٣) وغير ذلك من الروايات.

والجواب عن الأخبار العامّة النبويّة فقد تقدّم عند الاستدلال بها على فساد مطلق عقد الفضولي ، ونزيد هنا أنّ الاستدلال ربّما يتمّ لو كان الواقع مكان «عندك» «لك» لظهوره حينئذٍ فيما ليس ملكاً لك بخلاف «عندك» فإنّه ظرف مستقرّ وعامله المقدّر «حاصل أو موجود» فيكون ظاهراً في بيع الكلّي في الذمّة الّذي ليس موجوداً عنده فيشتري الفرد المطابق له ويردّه إلى المشتري ، ولمّا كان ذلك مخالفاً لنصوصنا وإجماع أصحابنا فوجب إطراحها أو تأويلها بحمل النهي على الكراهة.

وأمّا الأخبار الخاصّة ، فأُجيب (٤) عنها تارةً بما ملخّصه : أنّ دلالتها على النهي عن البيع قبل الملك ممّا لا مساغ لإنكاره ، وأنّ دلالة النهي على الفساد أيضاً ممّا لا مجال لإنكاره ، وأنّ الفساد عبارة عن عدم ترتّب الآثار أيضاً ممّا لا كلام فيه ، ولكن يكفي في ذلك عدم ترتّب الآثار المقصودة للمتبايعين ، وهو لزوم البيع بحيث يتسلّط المشتري

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٦ / ١ ، ب ٧ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٤٩ / ٢١١.

(٢) الوسائل ١٨ : ٥٢ / ١٣ ، ب ٨ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٥٨ / ٢٥٠.

(٣) الوسائل ١٨ : ٥٠ / ٤ ، ب ٨ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٥٠ / ٢١٩.

(٤) المكاسب ٣ : ٤٥١.

٨٢٦

على أخذ المبيع والبائع على أخذ الثمن ويجوز لهما التصرّف فيما أخذاه ، وهذا لا ينافي قابليّته لأن يترتّب الآثار عليه بالإجازة عقيب التملّك حين الإجازة أو حين التملّك.

ويزيّفه أنّه خروج عن مقتضى فساد النهي لأنّ معنى فساد النهي عدم ترتّب شي‌ء من الآثار على البيع بحيث يكون وجوده بمثابة عدمه ، وما ذكر تفصيل في الآثار بين الآثار الفعليّة بعدم الترتّب والآثار المتأخّرة بالترتّب ، ولا يتحمّله النهي إلّا بإخراجه إلى الإرشاد إلى أنّ الآثار الفعليّة المقصودة لا تترتّب والآثار المتأخّرة الغير المقصودة تترتّب ، ولا يسلّم ذلك إلّا بدليل ولا دليل عليه.

إلّا أن يقال : إنّ ذلك إنّما يتوجّه لو كان هناك نهي لفظي ، والمفروض في الأخبار الخاصّة خلافه ، لأنّ غاية ما فيها دلالة التعليل بمفهومه على ثبوت البأس في بيع المال قبل أن يملكه البائع ، ويكفي في صدقه عدم ترتّب الآثار المقصودة على ذلك ، ولا ينافيه قابليّته لأن يترتّب عليه الآثار بالإجازة بعد الملك حينها أو حين الملك.

واخرى : بأنّه يجب الاقتصار في الخروج عن عمومات الصحّة على مورد تلك الأخبار وهو وقوع البيع للبائع بمجرّد العقد بالاستقلال من دون حاجة إلى إجازة لا من المالك الأصيل ولا من البائع بعد تملّكه لأنّه الّذي يتبانى عليه المتبايعان ، وفساد عقد الفضولي على هذا الوجه ممّا لا كلام فيه ، بل الكلام في صحّته وفساده على تقدير إجازة العاقد بعد تملّكه ، ولا دلالة في الأخبار على الفساد فيبقى عمومات الصحّة سليمة ، وما ذكرنا كونه مورد الأخبار هو الّذي ذكره العلّامة في التذكرة نافياً للخلاف في فساده قائلاً : «لا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد (١) ولا نعلم فيه خلافاً ، لقول النبيّ : لا تبع ما ليس عندك (٢) ولاشتمالها على الغرر ، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها ، أمّا لو اشترى موصوفاً في الذمّة سواء كان حالًّا أو مؤجّلاً ، فإنّه جائز إجماعاً» (٣) انتهى.

وأصرح منه كلامه فيما تقدّم ذلك عند الجواب عن استدلال أهل القول ببطلان

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧.

(٣) التذكرة ١٠ : ١٦.

٨٢٧

عقد الفضولي رأساً ، وهو قوله : «والجواب : النهي في المعاملات [لا يقتضي] الفساد ، ونصرفه إلى أنّه باع عن نفسه ويمضي فيشتريه من مالكه ، لأنّه ذكره جواباً له حين سأله أن يبيع الشي‌ء ثمّ يمضي ويشتريه ويسلّمه ، والقدرة على التسليم من المالك موجودة إن أجازه» (١) وحكي عن المختلف (٢) أيضاً «الإجماع على المنع» واستدلاله بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز ، بل وقع على وجه يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه ، فحينئذٍ لو تبايعا على أن يكون العقد موقوفاً على الإجازة فاتّفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملّكه لم يدخل في مورد الأخبار ولا في معقد الاتّفاق ، ولو تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفاً على تملّك البائع دون إجازته ، فظاهر عبارة الدروس أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة حيث قال : «وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز ، ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده ، وقد نهى عنه» (٣) انتهى.

المسألة الثانية : في الصحّة وعدمها مع عدم الإجازة ، ونحن لمّا بنينا في المسألة الاولى على عدم الصحّة فلئلّا يصحّ في هذه المسألة طريق الأولويّة ، وذهب شيخنا قدس‌سره هنا إلى عدم الصحّة مع اختياره الصحّة في الاولى ، قائلاً : بأنّه «قد ظهر ممّا ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الاخرى ، وهي ما لو لم يجز المالك بعد تملّكه ، فإنّ الظاهر بطلان البيع الأوّل لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقيناً ، مضافاً إلى قاعدة «تسلّط الناس على أموالهم» وعدم صيرورتها حلالاً من دون طيب النفس ، فإنّ المفروض أنّ البائع بعد ما صار مالكاً لم يطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل ، والتزامه قبل تملّكه بكون هذه المال المعيّن للمشتري ليس التزاماً إلّا بكون مال غيره له.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كلّ عاقد وشارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه وإن كان قبل ذلك أجنبيّاً لا حكم لوفائه ونقضه ، ولعلّه لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين (٤) في الإيضاح بناءً على صحّة الفضولي صحّة العقد المذكور بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة.

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ١٥.

(٢) حكاه عنه في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، المختلف ٥ : ١٣٣.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٣.

(٤) الإيضاح ١ : ٤١٩.

٨٢٨

قيل (١) ويلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك (٢) وقد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (٣).

لكن يضعّفه : أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب ، والمقام مقام استصحاب حكم الخاصّ ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ فتأمّل ، مضافاً إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلّها لغيرهم إلّا عن طيب النفس ، وفحوى الحكم المذكور في رواية الحسن (٤) بن زياد المتقدّمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه وأنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الّذي هو بمنزلة الإجازة» (٥) انتهى كلامه رفع مقامه.

هذا كلّه فيما لو دخل المال المبتاع فضولاً في ملك العاقد الفضولي بسبب اختياري كالاشتراء. وأمّا لو دخل في ملكه بسبب غير اختياري كالإرث كما لو كان البائع ممّن يرث المالك فمات المالك المورّث بعد بيعه من دون أن يجيزه فأجاز البائع الوارث بيعه ، ففي صحّته والعدم قولان :

يظهر أوّلهما من إطلاق العلّامة والشهيد في المختلف والدروس ، قال الأوّل في فصل النقد والنسيئة : «ولو باع عن المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع فأجاز فالظاهر أيضاً الصحّة ، لخروجه عن مورد الأخبار» (٦) وقال ثانيهما : «وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز» (٧).

وعن ظاهر العلّامة في القواعد (٨) والتذكرة (٩) عدم الصحّة ، أو الاستشكال فيها. وفيه نظر.

وكيف كان فمبنى الخلاف إن كان على أنّ عقد الفضولي من العقود الجائزة ومن حكمها أنّها تبطل بموت من له التصرّف فيها ـ كما في الوكالة والعارية والوديعة فعقد الفضولي أيضاً يبطل بموت المالك ـ ففيه منع الصغرى والكبرى معاً :

أمّا الأوّل : فلمنع كونه عقداً جائزاً بل هو عقد حيث صحّ لزم وحيث لم يلزم

__________________

(١) مقابس الأنوار : ١٣٤. (٢) المسالك ٦ : ٤٩.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٨١٦. (٤) الوسائل ٢١ : ١١٨ / ٣ ، ب ٢٦ أحكام العبيد والإماء.

(٥) المكاسب ٣ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

(٦) المختلف ٥ : ١٣٢.

(٧) الدروس ٣ : ١٩٣. (٨) القواعد ٢ : ١٩.

(٩) التذكرة ١٠ : ١٧.

٨٢٩

لم يصحّ ، لأنّه على تقدير الإجازة صحّ ولزم ، وعلى تقدير الردّ لم يلزم ولم يصحّ ، وهذا هو آية اللزوم ، وقبوله الردّ ليس معنى الجواز لأنّه على الكشف في الإجازة مردّد قبلها بين الصحّة الملزومة للّزوم وعدم اللزوم الملازم لعدم الصحّة ، وعلى النقل فيها لم يتمّ بعد وإنّما يتمّ بها وإذا تمّ صحّ ولزم ، وقبوله الردّ معناه قبوله البقاء على عدم التمام ، فالردّ إبقاء له على عدم التمام فيبطل بهذا الاعتبار بخلاف العقود الجائزة فإنّ بناءها من أوّل الأمر على جواز خروج كلّ من المتعاقدين عن الالتزام بمقتضى العقد من دون أن يكون فيها جهة لزوم.

وأمّا الثاني : فلمنع كلّيّة الكبرى وبطلان كلّ عقد جائز بالموت ، وما يرى في العقود الثلاثة المذكورة من البطلان بالموت فإنّما هو بدليل خاصّ بها ، والتعدّي منها إلى عقد الفضولي قياس لا نقول به.

وإن كان على كون الإجازة من الحقوق المنتقلة بالإرث إلى الوارث كحقّق الخيار وحقّ الشفعة وحقّ قبول الوصيّة عند موت الموصى له لينتقل الموصى به إليه نظراً إلى أنّه مشروط بموت الموصي وقبول الموصى له أو وارثه بعده ، ففيه أيضاً منع الصغرى ومنع البكرى معاً ، على معنى منع كونها حقّاً ومنع انتقال كلّ حقّ.

أمّا الأوّل : فلأنّ الحقّ عبارة عن سلطنة مخصوصة لإنسان على غيره من إنسان أو غيره والإجازة ليست بذلك ، فإنّ اعتبارها في عقد الفضولي إنّما هو من جهة كون الرضا من شروط الصحّة ، وهو إمّا رضى المالك أو رضى من أمضى رضاه المالك ، فهي على القول بالنقل رضى من المالك ، وعلى القول بالكشف إمضاء لرضى العاقد ، ولا ريب أنّ الشرطيّة من قبيل الحكم لا الحقّ فلا معنى لانتقاله بالإرث.

وأمّا الثاني : فلمنع كلّيّة الكبرى لأنّ من الحقوق ما لا ينتقل ، كحقّ الرجوع في الطلاق ، وحقّ القسم بين الزوجات ، وحقّ المضاجعة في كلّ أربعة ليال ليلة ، فانتقاله في الأمثلة المتقدّمة بالدليل ولا يقاس عليها غيرها.

والظاهر أنّ الفرق هو أنّ من الحقوق ما كان الموضوع مقوّماً له فإذا ارتفع الموضوع بالموت سقط الحقّ ـ كحقّ الرجوع وأخويه ـ ومنها ما لا يكون الموضوع مقوّماً له فلا يسقط بارتفاع الموضوع بالموت بل ينتقل إلى الورثة كحقّ الخيار

٨٣٠

وأخويه. وكون حقّ الإجازة من قبيل القسم الثاني دون القسم الأوّل يحتاج إلى دليل ، وحيث لا دليل عليه فيبقى الشكّ في انتقالها ، والأصل يقتضي العدم.

وإن كان على توهّم وجود المانع من الصحّة ، وهو لزوم المحال لو صحّ بإجازة الوارث من استلزام وجود الشي‌ء عدمه واجتماع مالكين على ملك واحد في وقت واحد وغير ذلك ممّا تقدّم في المسألة المتقدّمة ، ففيه : أنّه لا يتمّ على القول بالنقل في الإجازة لمنع الملازمة ، وأمّا على القول بالكشف فيها فقد يدفع الملازمة أيضاً بنحو ما تقدّم في المسألة المتقدّمة ، من أنّه إنّما يلزم إن فسّرنا الكشف بكشف الإجازة عن الصحّة وحصول النقل والانتقال من حين العقد ، وأمّا إن فسّرناه بما هو أعمّ منه ومن الكشف عن الصحّة في الزمان المتأخّر وهو زمان تملّك العاقد بالإرث فلا ، إلّا أنّه يرد عليه ما قدّمناه.

وإن كان على دعوى وجود المقتضي لصحّة هذا العقد فإنّه عقد صدر من أهله في المحلّ القابل للعقد عليه فيشمله العمومات ، ففيه : أنّ كون المال المفروض محلّاً للعقد عليه أمر واضح لا يمكن الاسترابة فيه ، وأمّا كون الواقع عليه صادراً من أهله أوّل الكلام ، فإنّ العاقد الفضولي إنّما يسلّم كونه أهلاً إذا لحق عقده إجازة من كان مالكاً له قبل العقد. وأمّا صيرورته أهلاً بلحوق إجازة من يرث المالك بعد العقد فيحتاج إلى دليل وأيّ دليل قام بذلك؟

والّذي يسهّل الخطب هنا هو أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّه إذا مات المالك انتقل بموته إلى العاقد الوارث له شي‌ء ، وهو إمّا ملك المبيع ، أو سلطنة المالك على إجازة العقد الواقع عليه وعلى ردّه. واحتمال : عدم انتقال شي‌ء إليه وصيرورته هنا بمثابة الأجنبيّ ، ممّا لا يصغى إليه.

والظاهر بل المقطوع به على القول بالنقل في الإجازة انتقال ملك المبيع إليه ، لعدم خروجه بالعقد عن ملك مورّثه ، فيكون ممّا تركه الميّت فينتقل إلى وارثه ، وكذلك على القول بالكشف ولكنّ ظاهراً من جهة الاستصحاب ، فإنّه لا يدري أنّه لو بقي المالك حيّاً هل كان يختار إجازة العقد الواقع على ماله لتكشف عن خروجه عن ملكه ، أو يختار ردّه ليكشف عن بقائه على ملكه ، فيشكّ في أنّه بالعقد المتعقّب لموته خرج عن

٨٣١

ملكه أولا بل هو باق على ملكه؟ ومن المعلوم أنّ الأصل بقاؤه فيكون هذا الملك الظاهري أيضاً ممّا تركه الميّت فينتقل إلى وارثه.

وأمّا سلطنته على الإجازة والردّ فمشكوك في انتقالها بالإرث ، والأصل عدمه.

لا يقال : إنّ السلطنة على إجازة عقد الفضولي الواقع على المال وردّه من لوازم ملكه وإذا انتقل الملزوم إلى الوارث لزمه انتقال لازمه أيضاً لأنّ ما هو من لوازم الملك المنتقل إلى الوارث إنّما هو السلطنة على الإجازة والردّ في العقد الفضولي الّذي يقع على المال بعد ذلك ، وأمّا السلطنة على إجازة العقد السابق وردّه فهي ليست من لوازم ملك الوارث بل أمر زائد عليه ويشكّ في انتقاله مع الملك ، والأصل عدمه.

ثمّ إنّ هاهنا مسألة اخرى تعرّض لذكرها العلّامة في القواعد (١) والتذكرة (٢) قال : «لو باع مال أبيه بظنّ الحياة وأنّه فضولي فبان أنّه ميّت حينئذٍ فالوجه الصحّة» وظاهر أنّ ذكر البيع والأب مثال وإلّا فحكم المسألة يعمّ الصلح وغيره من عقود المعاوضة وبيع مال غير الأب من مورّث آخر له أو أجنبيّ ، فعنوان المسألة على الوجه الكلّي نظراً إلى اتّحاد الدليل هو : ما لو باع مالاً فضولاً باعتقاد أنّه لغيره فبان أنّه كان له فهل يصحّ وينفذ أو لا؟

وقد عرفت أنّ العلّامة قال : «الوجه الصحّة» وعن المحقّق الثاني في جامع المقاصد (٣) عند شرح العبارة حمل الصحّة في كلام مصنّفه على اللزوم ، وكأنّه استظهره من إطلاقه حيث لم يعتبر فيه الوقوف على الإجازة ، ثمّ قال : «والأصحّ وقوفه على الإجازة» واحتمل عدم الوقوف تعليلاً بكفاية قصد البيع ، ومعناه كفاية قصد الجنس بناءً على إلغاء قصد الخصوصيّة وهو كونه فضوليّاً. وحكي عن العلّامة في هبات القواعد ما يومئ إلى كون الصحّة إجماعيّة حيث ذكر ثمّة هبة الولد مال أبيه بظنّ الحياة فبان أنّه حينئذٍ ميّت وادّعى فيه الإجماع على الصحّة ، ثمّ قال : «وكذا لو باع مال أبيه بظنّ الحياة» (٤) الخ. بناءً على كون قوله : «وكذا» تشبيهاً للبيع على الهبة في الحكم ومدركه معاً ، كما عن مفتاح الكرامة (٥). وربّما منع من كونه تشبيهاً في المدرك لمجرّد الاستبعاد.

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٩٠.

(٢) التذكرة ١٠ : ١٧.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٧٦.

(٤) القواعد ٢ : ٤٠٩.

(٥) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٢٧.

٨٣٢

وفي المحكيّ عن الكفاية ما يومئ إلى دعوى الشهرة في الصحّة حيث ذكر في باب الهبات هبة الولد مال أبيه بظنّ الحياة فبان أنّه ميّت فقال : «المشهور الصحّة ، وكذا لو باع مال أبيه باعتقاد أنّه حيّ ثمّ بان أنّه ميّت» (١) بناءً على أنّه تشبيه في الحكم والشهرة.

وعن الشهيد في الدروس (٢) تعرّضه للمسألة والحكم فيها بالصحّة من دون دعوى إجماع ولا شهرة.

وعن فخر المحقّقين (٣) ما يومئ إلى تردّده في الصحّة حيث ذكر فيها وجهين الصحّة وعدمها ولم يرجّح شيئاً منهما.

ثمّ إنّ للمسألة صورتين ، إحداهما : ما لو باع مال غيره لنفسه فبان أنّه له ، واخراهما : ما لو باعه للمالك ـ أي لمن اعتقد كونه مالكاً ـ فبان أنّه له. وإطلاق كلام العلّامة وغيره في الحكم بالصحّة يعمّ الصورتين ، غير أنّ في كلام ولده ما هو ظاهر في أنّ معقد المسألة الصورة الثانية حيث إنّه استدلّ على عدم الصحّة بوجوه يأتي نقلها ، ومنها : أنّه باع عن الأب لا عنه.

وكيف كان فأمّا الصورة الاولى فأقوى الاحتمالين فيها وأصحّهما الصحّة ، لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه فيشمله العمومات المقتضية للصحّة ، أمّا كونه في محلّه لأنّه وقع على ما هو ملك للعاقد في الواقع ، وأمّا كونه صدر من أهله لأنّ المفروض كون العاقد هو المالك في الواقع واعتقاد كونه لغيره مع فرض عدم مطابقته الواقع غير قادح في الصحّة لأنّ وجوده بمثابة عدمه ، فالصحّة ممّا لا ينبغي الاسترابة فيها. نعم إنّما الكلام في لزومه من دون إجازة وعدم لزومه إلّا بالإجازة ، ومرجعه إلى أنّه هل يقف لزوم هذا العقد على إجازة العاقد بعد تبيّن كونه مالكاً أو لا؟ والّذي يترجّح في النظر القاصر عدم وقوفه عليها ، فإنّ الإجازة في الفضولي إنّما تعتبر من جهة أنّ رضا المالك شرط للصحّة وينوب منابه رضى العاقد إذا أمضاه المالك بإجازته العقد ، ورضا المالك هاهنا حاصل مقارناً للعقد ، لفرض كون العاقد مالكاً فهو ليس من رضا غير المالك حتّى يفتقر إلى إمضاء المالك بإجازته.

__________________

(١) الكفاية ٢ : ٣٤.

(٢) الدروس ٣ :

(٣) الإيضاح ١ : ٤٢٠.

٨٣٣

لا يقال : إنّ المالك الّذي هو العاقد إنّما رضى بالعقد على أنّه فضولي لا على أنّه مالكي ، والمقصود من الاستدلال تصحيح هذا البيع على أنّه مالكي ، لا على أنّه فضولي ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد ، فلا بدّ من الإجازة لأنّ العقود تتبع القصود.

لأنّا نقول : إنّ الفضوليّة والمالكيّة في العقد ليستا من أركانه ، فلا يندرج قصدهما في القصود الّتي تتبعها العقود.

نعم يمكن أن يقال : إنّ ما ذكرت إنّما يتمّ لو كان مبنى العقد على المداقّة بحيث أحرز فيه العاقد كون بيع المال صلاحاً مع موافقته الغرض في الثمن المسمّى فيه ، وأمّا لو كان مبناه على المسامحة باعتبار اعتقاد العاقد كونه بيعاً لمال الغير فلم يحرز فيه كون أصل البيع صلاحاً ولا كون الثمن المسمّى فيه موافقاً للغرض ، بحيث لو علم كون المال له لم يبعه لعدم كونه صلاحاً أو لم يرض بذلك الثمن لعدم موافقته غرضه. وحينئذٍ فلو الزم على البيع من دون اعتبار إجازته لزم الضرر وهو منفيّ في الإسلام ، إلّا أن يقال : إنّه ضرر أقدم هو عليه وأدخله على نفسه. ولكن يدفعه أنّه أقدم عليه على أنّ المبيع لغيره فلم يقدم على ضرره من حيث إنّه ضرره ، هذا.

ولكن التحقيق أنّ إثبات حقّ الإجازة فيما نحن فيه بقاعدة الضرر ليس في محلّه ، لأنّها إنّما يتمسّك بها لإثبات حقّ الخيار لا لإثبات حقّ الإجازة ، والفرق بينهما أنّ حقّ الإجازة يثبت في كلّ عقد يكون متزلزلاً في حدوثه كعقد المكره وعقد الفضولي ، وحقّ الخيار يثبت في عقد متزلزل في بقائه ، ولذا تراهم أنّهم لإثبات اعتبار الإجازة في عقد الفضولي تمسّكوا بالأدلّة الخاصّة من إجماع أو نصّ لا بقاعدة نفي الضرر ، والمفروض في المقام عدم تزلزل العقد في حدوثه لعدم الشكّ في صحّته وتأثيره من حينه ، لأنّ تزلزل العقد في الفضولي إنّما نشأ من عدم مقارنته لرضا المالك وهو فيما نحن فيه مقارن لرضاه فلا جهة لكونه متزلزلاً في حدوثه ، واعتقاد كون المال لغيره على خلاف الواقع لا يوجب التزلزل في حدوثه مع مقارنته لشرط التأثير ، وتقدير عدم الرضا بتقدير علمه بكون المال له لا يصير الموجود معدوماً.

نعم لو شكّ في تزلزله في بقائه وعدمه وجرى فيه قاعدة نفي الضرر أمكن فيه الالتزام بحقّ الخيار ، وهذا لا ينافي عدم وقوف لزومه على الإجازة ، كما لا ينافيه

٨٣٤

لو ثبت الخيار من جهة هذه القاعدة لظهور غبن أو عيب أو نحو ذلك.

نعم يبقى الكلام في جريانها فيما بني على المسامحة حتّى يثبت بها حقّ الخيار الّذي يكفي في سقوطه الرضا بالعقد وعدمه ، والّذي يساعد عليه النظر هو عدم جريانها هنا لعدم كون الضرر المترتّب على المسامحة بحيث يسند عرفاً إلى الله سبحانه لو جعل اللزوم لهذا العقد كما في موارد خياري الغبن والعيب ، بل إنّما يسند إلى البائع لمسامحته وهو من فعله.

لا يقال : كما أنّ المسامحة هاهنا أمر راجع إلى البائع ومن ثمّ يصحّ إسناد الضرر إلى نفسه فكذلك الجهل بالقيمة أو العيب في موارد خيار الغبن أو العيب أمر راجع إلى البائع فينبغي أن يسند الضرر إليه لا إلى الله لو جعل اللزوم للعقد ، لوضوح الفرق بين الفعل الاختياري والوصف الغير الاختياري ، فإنّ اختياريّة الأوّل ممّا يصحّح في نظر العرف إسناد الضرر إلى فاعله ، وعدم اختياريّة الثاني ممّا يوجب صرف النظر عنه ، وإسناد الضرر إلى جاعل الحكم ففي الأوّل يقال : إنّ البائع سامح في بيعه فأدخل الضرر على نفسه ، وفي الثاني يقال : إنّه تعالى جعل اللزوم للعقد فأدخل الضرر على العاقد.

وأمّا الصورة الثانية : فالأقوى فيها أيضاً هو الصحّة ، لوجود المقتضي وفقد المانع :

أمّا الأوّل : فالعمومات الشاملة للمقام ، لكونه عقداً صدر من أهله في محلّه بالتقريب المتقدّم.

وأمّا الثاني : فلأنّه ليس في المقام ما يحتمل كونه مانعاً إلّا ما حكي الاستدلال به على عدم الصحّة عن الإيضاح ، من «أنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عنه ، ولأنّه وإن كان منجّزاً في الصورة إلّا أنّه معلّق في المعنى لأنّ التقدير إن مات مورّثي فقد بعتك ، وكالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبيع لغيره» (١).

وليس شي‌ء منها بشي‌ء ولا يصلح للمانعيّة :

أمّا الأوّل : فلما ذكرناه مراراً من أنّ قصد كونه عنه غير معتبر في الصحّة ، وقصد كونه عن غيره غير قادح فيها ، بل البيع في وقوعه يتبع ملك المبيع والمفروض كونه له

__________________

(١) الإيضاح ١ : ٤٢٠.

٨٣٥

فيقع عنه. وقد يقرّر الجواب بأنّه باع عن الأب على أنّه المالك ففي الحقيقة باع عن المالك ، والمفروض أنّه المالك لا الأب ، غاية الأمر أنّه أخطأ في اعتقاد كون المالك هو الأب ، والاعتقاد الخطئي لا يصرف البيع عن المالك الحقيقي إلى غيره.

وأمّا الثاني : فلمنافاته الوجه الأوّل أوّلاً ، لأنّه يقتضي تقدير حياة أبيه لا موته ، ومع الغضّ عن ذلك يتوجّه المنع إلى قصده التعليق المذكور ، وتقديره على الوجه المذكور انتزاع تعليق غير مقصود له فلا يكون مؤثّراً في البطلان ، ولو سلّم أنّه مضمر له ولكنّه ليس من التعليق المبطل ، وهو التعليق في اللفظ على شرط أو صفة بواسطة أداة الشرط من كلمة «إن» و «لو» وما بمعناهما.

وأمّا الثالث : فلأنّه إنّما يكون كالعابث إذا لم يقصد التلفّظ بالصيغة أو لم يقصد المعنى الإفرادي أو لم يقصد المعنى التركيبي ، ومحلّ الكلام ما جامع شروط الصحّة ، واعتقاد كون المبيع لغيره لا يؤثّر في انتفاء هذه القصود كلاًّ ولا بعضاً ، وإلّا لاطّرد ذلك في مطلق عقد الفضولي ، وهو كما ترى.

ثمّ إنّ الكلام في عدم وقوفه على الإجازة نظير ما سبق في الصورة الاولى فإنّ الإجازة في عقد الفضولي إنّما تعتبر من جهة كون رضا المالك شرطاً في صحّة العقد وينوب منابه رضى العاقد إذا أمضاه المالك وإجازته إمضاء له ، ومفروض المقام مقارن لرضى المالك الحقيقي ولا معنى لاعتبار إمضاء رضائه أو لا دليل عليه ، وإلى ذلك يرجع ما عن غير واحد ممّن وافقنا من التعليل بأنّ المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه.

وعن المحقّق والشهيد الثانيين (١) وقوفه في الصورتين على الإجازة ، ووافقهما بعض مشايخنا قائلاً : «فالدليل على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم ، وحرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض. وبالجملة فأكثر أدلّة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا ... إلى أن قال : وأمّا أدلّة اعتبار التراضي وطيب النفس فهي دالّة على اعتبار رضى المالك

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٦ ، المسالك ٦ : ٥١.

٨٣٦

بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله ، لا بنقل مال معيّن يتّفق كونه ملكاً له في الواقع فإنّ حكم طيب النفس والرضا لا يترتّب على ذلك» (١) انتهى.

ويشكل بأنّ الاستدلال بهذه العمومات لإثبات اللزوم بعد البناء على صحّة أصل العقد ليس في محلّه ، أمّا عموم تسلّط الناس على أموالهم فلأنّه يقتضي التسلّط على المال في ابتداء البيع ، وأمّا إذا باع المالك الواقعي ماله الواقعي وفرض كون البيع صحيحاً فهو يقتضي خروج المال عن كونه مالاً له ، ومعه لا يبقى لعموم هذا العامّ محلّ حتّى يستدلّ به على إثبات توقّف اللزوم على الإجازة ، بل اللزوم يثبت بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» من دون اشتراط له بالإجازة. وبناء الاستدلال على كون ذلك المال بعد خروجه عن ملكه مالاً له باعتبار ما كان ، يوجب الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معاً.

وفيه ما فيه ، وأمّا أدلّة اعتبار طيب النفس والتراضي فلأنّها أدلّة يستدلّ بها على اشتراط الصحّة بطيب النفس والتراضي على اشتراط اللزوم بهما ، حتّى أنّ الاستدلال بها على اشتراط الإجازة في الفضولي فإنّما هو لإثبات اشتراط صحّة الفضولي بها لا اشتراط اللزوم بها ، بل اللزوم لازم للصحّة من جهة عموم وجوب الوفاء بالعقد لا من جهة تلك الأدلّة ، فالاستدلال بها لإثبات اشتراط اللزوم بالإجازة بعد الالتزام بأصل الصحّة بدون الإجازة ليس في محلّه بل لا يخلو عن تهافت. فالوجه ما بيّنّاه من عدم اشتراط اللزوم بالإجازة المستأنفة.

ومثل البيع المفروض في الصحّة واللزوم من دون وقوف على الإجازة ما لو باع مالاً بعنوان الفضوليّة عن المالك أو عن نفسه ثمّ بان كونه وليّاً على المالك باعتبار كونه صغيراً أو وكيلاً عن المالك في بيعه فإنّه صحيح لازم لوجود المقتضي وفقد المانع ، وقصد عنوان الفضوليّة غير قادح في الصحّة ولا اللزوم لعدم كون ذلك العنوان من أركان العقد ليؤثّر قصده في عدم الصحّة أو عدم اللزوم إلّا مع الإجازة.

وأمّا عكس المسألة بكلتا صورتيها ، وهو ما لو باع مالاً باعتقاد أنّه ماله ثمّ بان أنّه لغيره ، فهو مندرج في عقد الفضولي فيلحقه أحكامه الّتي منها توقّف نفوذه على الإجازة ،

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤٦٣.

٨٣٧

وقصد عنوان كونه بيعاً مالكيّاً لا يقدح في لحوق أحكام عقد الفضولي بذلك البيع ، لما عرفت من عدم كون هذا العنوان من أركان العقد ليترتّب على قصده أثر ، فليتدبّر.

الأمر السابع : فيما يتعلّق بالمجاز.

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : يعتبر أن يكون العقد جامعاً لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره ممّا يرجع إلى الصيغة ، وما يرجع إلى المتعاقدين ، وما يرجع إلى العوضين ، ويضبطها كون الأصيل والفضولي معاً كاملين بالعقل والبلوغ قاصدين للتلفّظ والمعنى الإفرادي والمعنى التركيبي ـ أعني الإنشاء ـ عالمين بالعوضين جنساً ووصفاً وقدراً مع طهارتهما الأصليّة والانتفاع بهما وغير ذلك ، سوى القدرة على التسليم والرضا ، من غير فرق فيه بين القولين في الإجازة بالكشف والنقل.

أمّا على الأوّل : فلأنّ العقد سبب تامّ للنقل والانتقال والإجازة كاشفة عن تماميّته ، ولا يعقل التماميّة إلّا باجتماعه جميع الشروط المعتبرة في تأثيره.

وأمّا على الثاني : فلأنّ العقد إمّا تمام السبب والإجازة من شروط تأثيره ، أو جزؤه والإجازة جزؤه الآخر ، وعلى أيّ تقدير فلا بدّ من اجتماعه للشروط.

ويتفرّع على ما ذكرناه أنّه لا يكفي حصول الشرائط في طرف الأصيل ، ولا يقوم مقام حصولها للفضولي ـ موجباً كان أو قابلاً ـ حصولها أو حصول جملة منها للمجيز حين الإجازة إلّا شرطان :

أحدهما : القدرة على التسليم ، فيكفي حصولها للمجيز حال الإجازة ، ولا يعتبر حصولها للفضولي أيضاً ، بل لا يمكن ذلك بالنسبة إليه بعد كونه ممنوعاً بحسب الشرع من التصرّف والإقباض.

وثانيهما : الرضا بوقوع الأثر في الخارج على القول بالنقل في الإجازة ، فيكفي حصوله للمالك المجيز حال الإجازة ، ولا يعتبر حصوله للفضولي بل لو حصل كان وجوده بمثابة عدمه.

ومثل القدرة على التسليم إسلام مشتري المصحف والعبد المسلم ، فيكفي فيه إسلام من له الإجازة لأنّه المنتقل إليه ، ولا يعتبر إسلام الفضولي في اشترائه فلو كان

٨٣٨

كافراً مع إسلام من له الإجازة لم يقدح في الصحّة. ولو انعكس الأمر على معنى كون الفضولي مسلماً مع كفر من له الإجازة فالظاهر البطلان ، لانتفاء شرط الصحّة فيمن انتقل إليه المبيع. وهل يعتبر في إسلامه حصوله من حين العقد باقياً إلى حال الإجازة ، أو يكفي حصوله حال الإجازة فيما لو كان حين العقد كافراً فأسلم فيما بينه وبين الإجازة ثمّ أجاز ، أو يفصّل بين القول بالكشف في الإجازة فيعتبر حصوله من حين العقد إلى حال الإجازة والقول بالنقل فيها فيكفي حصوله حال الإجازة؟ وجوه ، أوجهها الأخير ، ووجهه واضح.

وهل يعتبر في الشروط المعتبر حصولها حال العقد بقاؤها إلى حال الإجازة أو لا يعتبر ذلك ، أو يفصّل بين القولين في الإجازة ، أو يفصّل بين شروط المتعاقدين فلا يعتبر وشروط العوضين فيعتبر؟ وجوه.

والتحقيق أن يقال : إنّ من شروط المتعاقدين ما لا يمكن بقاؤه كالقصود المعتبرة في الصيغة ، ومنها ما لا يعتبر بقاؤه كالكمال فلو جنّ أحدهما أو كلاهما بعد العقد لم يضرّ. وأمّا شروط العوضين فمنها : ما يعتبر بقاؤه على القول بالنقل في الإجازة لا الكشف كالطهارة الأصليّة ، فلو بيع العصير فضولاً ثمّ انقلب فيما بين وقوع العقد ولحوق الإجازة خمراً فعلى القول بالكشف لم يضرّ ، وعلى القول بالنقل لم ينفع الإجازة فيبطل العقد. ومنها : ما يعتبر بقاؤه مطلقاً كمعلوميّة الجنس أو الوصف أو القدر ، فلو طرأ الجهل بنسيانهما الجنس أو النوع أو الوصف لم ينفع الإجازة للزوم الغرر ، ويمكن الاكتفاء في رفع الغرر بعلم المجيز لو كان متذكّراً لما وقع عليه العقد ، وأمّا مع جهله فالوجه هو البطلان كما ذكرناه ، ولكنّ المسألة بعد غير خالية عن شوب الإشكال.

المسألة الثانية : هل يعتبر في المجاز ـ وهو العقد الواقع في الخارج ـ أن يكون معلوماً للمجيز بالتفصيل باعتبار جنسه ككونه بيع داره لا إجارتها أو بالعكس وكونه بيع جاريته لا نكاحها أو بالعكس وباعتبار نوعه ككونه بيعاً لداره لا صلحاً أو بالعكس وباعتبار متعلّقه ككونه بيعاً لداره لا بستانه أو بالعكس ونحو ذلك ممّا يرجع إلى الثمن ، أو يكفي كونه معلوماً له بالإجمال بأن يعلم بوقوع عقد في الخارج قابل للإجازة ، أو يفصّل بين ما لو علم من حاله أنّه راضٍ بما وقع على جميع تقاديره فيكفي فيه

٨٣٩

الإجمال وما لو علم أنّه غير راضٍ به إلّا في بعض تقاديره فيعتبر التفصيل ، أو يفصّل بين القولين بالكشف والنقل في الإجازة فيكفي الإجمال على الأوّل دون الثاني؟.

والّذي يساعد عليه النظر أنّه على القول بالنقل يعتبر العلم بالتفصيل لئلّا يلزم الغرر ، فإنّ الإجازة إنّما يعتبر حينئذٍ لكون المكشوف عنها بالإجازة شرطاً في تأثير العقد ، فهو رضا متأخّر حكمه كحكم الرضا المقارن ، فكما يعتبر في الرضا المقارن كما في صورة مباشرة المالك لإجراء كون متعلّقه معلوماً بالتفصيل دفعاً للغرر فكذلك في الرضا المتأخّر أيضاً يعتبر ذلك ، وهذا واضح.

وأمّا على القول بالكشف فيفصل بين معلوميّة رضاه بجميع تقادير العقد الواقع فيكفي الإجمال لأنّ الإجازة حينئذٍ إمضاء لرضا العاقد الحاصل بالفرض مقارناً لعلمه بالتفصيل فيكفي في إمضائه الإجمال ، وبين معلوميّة عدم رضاه إلّا ببعض التقادير فيعتبر التفصيل لئلّا يلزم إمضاء ما لا يرضى به في الواقع ، فليتأمّل.

المسألة الثالثة : في العقود المترتّبة على المثمن أو الثمن أو هما معاً ثمّ لحقها الإجازة ، فإن أجاز الجميع صحّ الجميع ، وإن أجاز البعض فإن كان من العقود المترتّبة على المثمن صحّ المجاز وما بعده ، وإن كان من العقود المترتّبة على الثمن صحّ المجاز وما قبله ، هكذا ذكره في الروضة (١) تبعاً لجماعة منهم الإيضاح (٢) والدروس (٣).

وتنقيح المسألة مع بيان دليل الصحّة في المجاز وما بعده في الشقّ الأوّل وفيه وما قبله في الشقّ [الثاني] ، وبيان ما اورد على إطلاق الحكمين ، والتعرّض لما استشكله العلّامة في بعض صور المسألة وغير ذلك يستدعي الكلام في مقامات :

المقام الأوّل : في ترتّب العقود على المثمن وهو سلعة الفضولي موجباً كان أو قابلاً ، كما لو باع دار أحد بكتاب ثمّ باعها المشتري بسيف ثمّ باعها المشتري الثاني بفرس ، أو باعها بمائة ثمّ باعها المشتري بمائتين ثمّ باعها المشتري الثاني بثلاثمائة فأجاز المالك أحدها ، فإن كان الأخير اختصّ الصحّة به لأنّ بإجازته انتقل ملك الدار عنه إلى المشتري الثاني ، وبطل سابقاه لعدم الإجازة ، وعقد الفضولي بدون الإجازة

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٣٣.

(٢) الإيضاح ١ : ٤١٨.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٣.

٨٤٠