رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

خاتمة في بيان معنى الشرك بالله والكفر به اعلم أن الشرك ضد التوحيد ، والكفر ضد الإيمان ، وهما متقاربان في المعنى كالتوحيد والإيمان (١) ، وقد عرفت معنى التوحيد والإيمان.

فكلّ مَن ظنّ أن لله مثلاً وله جزءاً ، أو فيه جهة نقص ، أو جهة ظلم ، أو له شريكاً ، أو صفاته مغايرة لذاته ، أو كلّ صفة تغاير الأُخرى كالمخلوق ، أو أن له مكاناً ، أو يصعد ، أو ينزل ، أو يُرى بالقلوب ، أو بالأبصار في الدنيا أو الآخرة ، أو أنه يفعل القبيح ، أو أنه يخلق المعصية في العبد ويعذّبه عليها ، أو أنه بعد الرسول أهمل الخلق بلا خليفة ونائب عنه وحجّة له على عباده ، [ و ] وكل ذلك لاختيارهم وشهوتهم ، أو ظهرت له إمامة الأئمّة المذكورين وعصمتهم من المعقول أو المنقول فأنكرها ، أو أنكر ما ثبت من عصمتهم أو فضائلهم ، أو أنكر ما ثبت إخبار الرسول به من أُمور الدنيا والآخرة ، أو أنكر ما ثبت من معاجزه ، فقد كفر بالله وأشرك به ، فإن ذلك بعضه يقتضي إثبات واجبين وعبادة شيئين ، أو تكذيب الله بسبب تكذيب خلفائه ، وذلك يقتضي نسبة الظلم والعجز والنقص إليه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، ونسبة ذلك إليه تعالى يقتضي إثبات المثل والتركيب أيضاً ، كما عرفت.

وكذلك عبادة غيره أو جعل مَن لم يجعله الله وينصبه خليفة له وواسطة ووسيلة

__________________

(١) في المخطوط : ( كالتوحيد والكفر ضد الإيمان ) ، والظاهر أن ( الكفر ضد ) زائدة.

٦١

إلى خلقه الضعفاء عن إدراك جوده إلّا بواسطة نوّابه و [ أبوابه (١) ] ، فإن ذلك يقتضي نسبة الجهل والعجز إليه تعالى. فمَن اعتقد أن شخصاً أو شيئاً وسيلةٌ وشفيعٌ إلى الله تعالى ولم ينصبه الله ويختره لذلك ويدلّ عليه عباده ، فقد اتّخذ إلهه هواه.

ومَن لجأ أو رجا أو خاف أو أطاع أحداً لم تكن [ طاعته ] طاعة الله وأمره أمر الله ، فقد عبد هواه.

ومَن ظنّ أن مخلوقاً يقدر على جلب نفع أو هداية ، أو دفع ضرر ، أو يخلق ، أو يرزق ، أو يميت أو يحيى بذاته لا بقدرة الله وإرادته وعزّته ، فقد اتّخذ مع الله إلهاً آخر ؛ لأن ذلك يقتضي أن في الوجود مَن له جُود وكمال وقدرة لم يكن لله وليست من الله ، وهذا إثبات الشبه والنقص والعجز والشريك لله ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

فنحن نقول : إن أولياء الله يقدرون على ذلك بقدرة الله ؛ لأنه أقدرهم ، وهذا حقيقة التوحيد والإيمان ، لأنهم مستودع سرّ الله ، وخلفاؤه ، فأمرهم أمره ، وكذا كلّ وزير أمره ونهيه أمر مَلِكِه ونهيه ، وعزّته عزّته ، وإغضابه ومعصيته معصيته وإغضابه.

والمشركون أقاموا لهم شفعاء ووسائط ، أو أئمّة وخلفاء من عند أنفسهم لا بأمر الله واختيارِه ونصبِه لهم وإدلالِه خلقه عليهم ، وأمرِه لهم بالرجوع إليهم والتوسّلِ والاستشفاع له بهم ، فليست قدرتهم قدرة الله ، ولا الالتجاء إليهم التجاءً إليه ، ولا أمرهم وطاعتهم طاعته ؛ لأنهم ليسوا خلفاء الله ونوّابه ، بل نوّاب المخلوق الجاهل وخلفاؤه ، وليس للمخلوق الجاهل أن يحكم على الله بأن يجعل ويختار مَن جعله المخلوق بشهوته و [ اختاره (٢) ] بجهله وسيلةً وخليفة لله وشفيعاً إليه ؛ فإن الله هو أعلم بمَن هو أهل لذلك ، ولا بدّ أن يدلّ عليه خلقه ؛ لشدّة حاجتهم إليه وشدّة ضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بدون واسطة يختاره الله ويدلّ خلقه عليه ويأمرهم بالرجوع إليه ، وإلّا لم تكن فائدة ولا حكمة في إرسال الرسل لو كان الخلق متساوين في طاقتهم لقبول الهداية وغيرها منه ، والواقع بخلافه.

__________________

(١) في المخطوط : ( بوابه ).

(٢) في المخطوط : ( اختياره ).

٦٢

فافهم هذا كلّه ، وتأمّله تأمّلاً صحيحاً بقلب فارغ من شبه الشيطان ومكائده ، فإنه ينفعك بإذن الله تعالى وحسن توفيقه ، ولا تستنكر من نفسك صرف برهة يسيرة من [ عمرك (١) ] في تحصيل ما يرضى به عنك مَن وهب لك العمر كلّه لتعبده فيه كلّه.

والله أرجو ، وبمحمّد : صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله إليه أتوجّه أن يمنّ عليّ بقبول هذا العمل الحقير ، إنه كريم رحيم ، وأن ينتفع بها طلّاب الحقّ في الدين ، والحمد لله ربّ العالمين بمحامده كلّها على جميع نعمه كلّها عدد ما حمده حامد من خلقه ، وصلّى الله بأفضل صلواته على هداة الخلق إليه ووسيلتهم إليه ، بابه المفتوح بالرحمة لخلقه ، محمّد : وآله الذين اختارهم على عِلم على العالمين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة أجمعين وسلم عليهم أجمعين كما هو أهله.

تمّت الرسالة بمنّ الله الكريم ، وحسن توفيقه العميم صبح يوم الجمعة ، هو الثامن من جمادى الآخرة سنة (١٢٠٩). كتبته بنفسي لنفسي ، وأنا الأقلّ الأحقر الأذلّ الأصغر صالح بن طعان بن ناصر بن علي المركوباني الستري البحراني رحمه‌الله (٢) ، [ عفا الله ] عنهم وعن المؤمنين أجمعين.

أسأل الله أن يوفّق لإلهام معانيها والعمل بما فيها ، إنه كريم رحيم.

__________________

(١) في المخطوط : ( عمره ).

(٢) عالم تقيّ ، ورعٌ زاهد ، له كتاب ( لؤلؤة الأفكار المستخرجة من بحار الأنوار ) ، توفّيَ رحمه‌الله بالطاعون في ( رابغ ) سنة (١٢٨١) هـ ، وهو والد العلّامة آية الله الشيخ أحمد آل طعّان البحراني القطيفي المتوفّى سنة ١٣١٥ ه‍. أنوار البدرين : ٢٣٥.

٦٣
٦٤

الرسالة الثانية

موجز في أدلّة الأُصول الخمسة

٦٥
٦٦

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، إنه كريم رحيم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

أمّا بعد : فيقول أقلّ عباد الله عملاً وأكثرهم زللاً ، أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : هذه رسالة يسيرة في بيان الدليل على ما يجب على كافّة المكلّفين معرفته بالدليل ، وهي الأُصول الخمسة التي يجب معرفتها على كافّة المكلّفين ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد.

وقد رتّبتها على فصول خمسة :

٦٧
٦٨

الفصل الأول

في بيان معنى التوحيد والدليل عليه

وفيه [ مسألتان (١) ] :

الاولى : اعلم أنه أوّل ما يجب عليك أن تعرف أن لك ولهذا الخلق كلّه خالقاً غير مخلوق. والدليل على ذلك أنك كنت بعد أن لم تكن ، وكذلك أبوك وجميع مَن تشاهده مِن الخلق ، فدلّك ذلك على أنك مخلوق ، وكلّ مخلوق له خالق غير مخلوق ، بل هو واجب الوجود لذاته أي لم يخلقه غيره ، ولا كان بعد العدم ؛ إذ لو كان كذلك لكان مخلوقاً ، فاحتاج إلى خالق فهو إذن خالق غير مخلوق.

المسألة الثانية : اعلم أنه يجب على كلّ مكلّف أن يعتقد أن خالق هذا الخلق كلّه واحد لا شريك له. ومعنى أنه واحد : أنه ليس كمثله شي‌ء ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شي‌ء. والدليل عليه أن ما سواه خلقه ، ولو أشبهه شي‌ء من خلقه لم يُعرف الخالق من المخلوق ، فيحتاج إلى مميّز يميّز أحدهما عن الآخر ، والمميّز لا يكون إلّا قاهراً للمميّز حاكماً عليه ، والمقهور المحكوم عليه لا يكون خالقاً غير مخلوق ؛ وقد بيّنّا أنه خالق غير مخلوق.

وأيضاً إذا كان الخالق مثل المخلوق في شي‌ء من ذاته أو صفاته ، احتاج إلى

__________________

(١) في المخطوط : ( مسلتان ).

٦٩

ما يميّزه من خلقه ، والمحتاج مفتقر ، والمفتقر ليس بخالق غير مخلوق. وليس معنى أنه واحد : أنه واحد بالعدد الذي هو نصف الاثنين ؛ إذ الواحد بالعدد كثير ؛ فهذا البيت واحد ، وهذا المسجد واحد ، وهذا الشخص واحد ، فأشبه الخالق المخلوق في وحدته. وقد بيّنّا أن الخالق لا يشبه الخلق ، فلو كانت وحدته بمعنى العدد لدخل في جملة المعدودات ، وأمكن أن يكون له ثانٍ.

فتبيّن لك أن معنى وحدانيّة الله أنه ليس كمثله شي‌ء ، وليس له جزء ، وليست وحدته تشبه وحدة الخلق. فإذا عرفت ذلك عرفت أنه لا شريك له ، فإن الشريك يشبه شريكه ، ولو في وجه الشركة ، والله عزّ اسمه لا يشبهه شي‌ء.

وأيضاً لو كان له شريك ؛ فإن كان ذلك الشريك يقدر على أن يمنع الخالق تعالى عمّا يريد ، فليس ذلك الخالق بخالق غير مخلوق ؛ لتبيّن عجزه ولو بالإمكان ، وإن لم يقدر فليس ذلك الشريك بشريك ؛ لأنه مغلوب عاجز.

٧٠

الفصل الثاني

في العدل

ومعنى العدل أن تعتقد أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، وأنه لا يجور في حكمه. والدليل على ذلك أن الظلم لا يفعله الظالم إلّا إذا طلب شيئاً أو أراد شيئاً ولم يقدر عليه إلّا بطريق الظلم ، والله تعالى قادر على كلّ شي‌ء ، وعالم بكلّ شي‌ء ، فلا يفعل الظلم ؛ لغناه الذاتي عن فعله.

وأيضاً الظلم قبيح بلا شكّ ، والله تعالى لا يفعل القبيح بلا شكّ ، ولا يأمر به.

فإذا عرفت أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا الظلم تبيّن لك أن الله تعالى لا يخلق الظلم في العبد ولا المعاصي ، ولا يجبر العباد على فعلها. والدليل على ذلك أن الله توعّد من يفعل ذلك بالعقاب وبالنار ، وإنما خلق النار لأهل المعاصي ، فلا يمكّن الخلق على فعل المعصية ، ويخلقها فيهم ثمّ يعذّبهم عليها ؛ لأن هذا من أشدّ الظلم ، والله تعالى عدل لا يجور.

فإذن المعصية إنما يفعلها الإنسان باختياره بعد أن نهاه الله عنها ، ومكّنه من فعلها وتركها باختياره ، فلو أن عبداً أجبره مولاه على أن يأكل شيئاً فأكله ، ثمّ ضربه على أكله ، عدّه العقلاء ظالماً بلا شكّ.

٧١
٧٢

الفصل الثالث

في النبوّة

اعلم أنك بعد أن تعتقد أن الله تعالى لا يجور ، حكيم بعباده ، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح ، وقد خلق الخلق لا لحاجة به لهم ، بل ليجود عليهم فإنه الجواد الكريم بذاته ، ولا يناسب ذاته نعيم الدنيا ؛ فإنه منقطع كما هو مشاهد محسوس وَجُود الله لا ينقطع ، ولمّا كان جود الله الدائم إنما يكون في الآخرة ؛ لأنها لا تفنى ولا تتغيّر ، وذلك الجود الدائم والحياة الطيّبة لا تدرك للعباد ولا ينالونها إلّا بمعرفة الله وعبادته.

وقد خلق الله البشر في أوّل ولادته لا يعلم شيئاً ، عدلاً منه ورحمة فوجب أن يبعث لهم رسولاً يعلّمهم كيف يعبدون الله وكيف يوحّدونه ، يأمر العباد بالمعروف والخير الذي يوصلهم إلى مرضاة الله ونعيم الجنّة ، وينهاهم عن المعاصي والشرور التي توصلهم إلى غضب الله وإلى النار.

فإذن لا بدّ من بعثة الرسل ، ويجب أن يكون رسول البشر بشراً مثلهم ؛ ليفهموا كلامه ومقصده ، ويقبلوا أمره ونهيه ، ولا تستوحش منه نفوسهم وطباعهم ؛ إذ لو بعث لهم ملكاً أو جنّياً لم يقدروا على مشافهته ، لا يفهموا مخاطبته ؛ لأن نفوسهم تستوحش منه ، وطباعهم تنفر منه ، فلا يقبلون أمره ونهيه باختيارهم.

وإنما تتحقّق منهم الطاعة والمعصية التي يستحقّون عليها العقاب والثواب الدائم

٧٣

إذا فعلوا الطاعة والمعصية بالاختيار التامّ منهم ، وهو كمال القدرة على فعل الطاعة والمعصية وتركهما ؛ لأن الذي تكون أفعاله بنوع من الجبر وسلب الاختيار لا يعدّ مطيعاً ولا عاصياً كالقَدُوم (١) في يد النجّار ، والنار إذا أحرقت الحطب ، والماء إذا بلّ الثوب ، فإن ذلك لا يعدّ طاعة ولا معصيةً.

ويجب أن يكون الرسول معصوماً من السهو والكذب والغلط والنسيان ، وعن جميع النقائص ؛ إذ لو كان الرسول ليس كذلك لم يكن أولى من غيره بالرسالة ، ولم يقطع الناس بما يخبرهم به عن الله ، وبما يأمرهم وينهاهم به عن الله أنه أمرُ الله ونهيه. ولا يمكن أن تصدر منه معصية في حال من الأحوال ؛ لأن قوله وفعله حجّة في كلّ حال ؛ وذلك أنه خليفة الله ونائبه ، وواجب الطاعة على جميع الخلق. فلو أمكن منه المعصية في حال لزم أن يوجب الله تعالى طاعة العاصي في حال عصيانه ، وهذا لا يجوز ؛ لأن هذا ظلم والله تعالى منزّه عن الظلم والعتب. أينهى الله العباد عن المعاصي ويأمر بطاعة العاصي؟ هذا محال.

ويجب أن تعلم أن الرسول إلينا هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المدفون الآن في المدينة في بيته ؛ وذلك لأنه قال أنا رسول الله إليكم (٢) ، وأتى بالمعاجز الدالّة على أنه رسول الله إلى الخلق ، فقد سلّم عليه الغزال (٣) ، وسبّح في كفّه الحصى (٤) ، وانشقّ له القمر (٥) ، وغير ذلك من معاجزه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) التي أكبرها القرآن ؛ فقد عجز الخلق أن يأتوا بسورةٍ من مثله إلى يوم القيامة.

__________________

(١) القَدُوم : التي ينحت بها. لسان العرب ١١ : ٦٩ قدم.

(٢) كنز العمال ١٣ : ٢٩٢ / ٣٦٨٤٩ ، باختلاف.

(٣) دلائل النبوّة ٦ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) انظر : الخرائج والجرائح ١ : ١٥٩ / ٢٤٨ ، مناقب آل أبي طالب ١ : ١٢٦ ، دلائل النبوّة ٦ : ٦٤.

(٥) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٦٣ ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ٣٨ ، البداية والنهاية ٣ : ١٤٦.

(٦) انظر السيرة النبويَّة ( ابن هشام ) ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٧٤

الفصل الرابع في الإمامة

إذا عرفت أنه يجب في حكمة الله بمقتضى عدله إرسال الرسول من البشر ، والرسول أشدّ طاعة لله ، فله أجزل الأجر والثواب الدائم ، وذلك لا ينال إلّا في الآخرة ، فلا بدّ أن ينتقل إلى الآخرة وما أعدّ الله له فيها من الجزاء الدائم. فإذا انتقل إلى جوار الله ودار كرامته ، فلا بدّ أن يجعل الله لعباده خليفة يسدّ مسدّ الرسول في جميع ما يحتاج الخلق إليه من أُمور الدين والدنيا ، حاكماً مطاعاً معصوماً كالرسول ، فإنه خليفة الله كالرسول.

ولا يجوز أن يكون الإمام الذي أوجب الله على الخلق طاعته [ هم الذين ] (١) يختارونه وينصبونه ، وإنما ينصبه الله ويختاره لخلافة رسوله ؛ لأنه خليفة الله وخليفة رسوله. فلو كان نصب الإمام باختيار الخلق لأمكن أن يختاروا منافقاً ، وهو في الباطن عابد صنم أو يهودي أو نصراني ، فيكون قد أوجب الله على العباد طاعة كافر ، وهذا محال في حكمة الله وعدله.

والإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بلا فصل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ من بعده ابنه الحسن عليه‌السلام ، ثمّ أخوه الحسين عليه‌السلام ، ثمّ ابنه زين العابدين عليّ بن

__________________

(١) في المخطوط : ( هو الذي ).

٧٥

الحسين عليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، ثمّ موسى ابن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد عليه‌السلام ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام ، ثمّ الحسن بن عليّ العسكري عليه‌السلام ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي عليه‌السلام : إمام هذا الزمان عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه إلّا إنه غائب عن أبصار عامّة البشر ؛ لشدّة طلب الظالمين له.

ومع ذلك فهدايته تصل إلى الخلق ، كالشمس التي حجبتها السحاب ؛ فإن الناس يهتدون بها ولا يرونها ، ولا بدّ أن يأذن الله له بالفرج ، فيقوم ويظهر ويملأ الله [ به ] الأرض قسطاً وعدلاً. ولو لم يكن كذلك لكان الخلق الآن بلا إمام ، وبلا حجّة لله عليهم يهديهم ويثبّت به الأرض ، بل من حين موت الحسن العسكري : عليه‌السلام إلى الآن ، وهذا ينافي عدل الله ورحمته بالعباد.

والدليل على أن هؤلاء الاثني عشر هم الأئمّة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دون مَن سواهم أن الأُمّة أطبقت كلّها عدوّهم وصديقهم على جلالة قدرهم وغزارة علمهم ، وعلى صدق الكرامات والمعاجز منهم ، وعلى أنهم لم تصدر منهم منقصة ولا معصية بحال ، ولم يسجد أحد منهم لصنم أبداً. ولم تتّفق الأُمّة على من هو كذلك إلّا عليهم ، بل كلّ من تراه في هذه الأُمّة غيرهم قد وقع منه ما ينافي استحقاقه لهذا المنصب الذي هو خلافة الله ورسوله ، جائياً ذلك على لسان عدوّه ووليّه ، وهذا ظاهر لا التباس فيه ، والله الهادي.

٧٦

الفصل الخامس

في المعاد

اعلم أنك إذا عرفت أن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحّدوه ، ويجود عليهم بالجزاء الدائم والجزاء الدائم لا يكون إلّا في الآخرة ؛ لأن الدنيا لا تصلح لذلك ؛ لأنها ذائبة مضمحلّة لا دوام لشي‌ء فيها ولا ثبات ، كما هو محسوس فلا بدّ أن يحيي الله العباد ؛ ليجازيهم بأعمالهم الجزاء الدائم ، فإنه المناسب لجود الله تعالى وعدله.

وأيضاً العمل غير الجزاء ، فلا بدّ أن تكون دار العمل غير دار الجزاء. والدنيا دار عمل خاصّة ، فلا بدّ أن يوصل الله العباد بعدله وكرامته إلى دار الجزاء الدائم ، وينتصف إلى المظلوم من الظالم ، وهو المعاد.

والحمد لله وحده ، وصلى الله على خير خلقه وسلم.

ختم في يوم الأربعاء ، عصر السابع والعشرين [ من ] ربيع الثاني من السنة (١٢٤٣) ، وصلّى الله على محمّد : وآله.

٧٧
٧٨

الرسالة الثالثة

الرجعة

٧٩
٨٠