رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

الباب السادس

باب صلاة الخوف

اعلم أن الخوف سبب مستقلّ في إيجاب قصر الرباعيّة سفراً وحضراً ، وكلّ أسباب الخوف سواءٌ في إيجاب القصر ، كالخوف من اللصّ أو السبع أو السيل. ومن رأى شيئاً فظنّه عدوّاً فقصّر أجزأه ولو تبيّن خلافه. وليس التوحّل والغرق من أسبابه. وتجزي صلاة الخوف ولو بأقلّ درجاتها ، وتعاد أو تقضى لو لم يصلّ بها. ولا يشترط ضيق الوقت في القصر لمطلق الخوف ، واعتباره أحوط.

ولو صلّيت صلاة الخوف جماعة فلها صور :

منها : ذات الرقاع ، وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين ، ويصلّي بفرقة ركعة مخفّفة ، فإذا قام للثانية انفرد من صلّى معه ، وأطال القراءة حتّى يفرغوا ، ويقفون تجاه العدوّ ، وتأتي الفرقة الأُخرى فتدخل مع الإمام ويركع ويسجد بهم ، ويطيل التشهّد حتّى يقوموا فيأتوا بركعة ، ويلحقونه في التشهّد ويسلّم بهم ، وينفسخ قدوتهم حال إتيانهم بالركعة الثانية على الأقوى. وإن كانت الصلاة ثلاثيّة تخيّر بين أن يصلّي بالفرقة الأُولى ركعة والثانية ركعتين ، وبين العكس على ما وصف. ولا (١)

__________________

(١) في المخطوط : ( الثالث ).

٣٨١

يتحمّل الإمام عمّن انفرد شيئاً أصلاً ؛ للانفراد ، وقبله يتحمّل كما مرّ.

وتصلّى هذه بشرط كون العدوّ في غير جهة القبلة ، وعدم الأمن من هجومه حال الصلاة ، وعدم الاحتياج في مقابلته إلى أكثر من فرقة. ولا يشترط في الفرقة عدد ، بل ما يكفي ولو واحداً ، ويجب أخذ السلاح ما لم يمنع واجباً أو يؤذي مَن إلى جانبه.

ومنها : صلاة بطن النخل وادٍ أو قرية بالحجاز وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين أيضاً ، ويصلّي لكلّ فرقة الصلاة بكمالها ، لكنّها مع الثانية له نفل ولهم فرض ، كما في المعادة حال الأمن.

ومنها : صلاة عُسفَان وهي قرية جامعة على اثني عشر فرسخاً من مكّة ويشترط فيها كون العدوّ في جهة القبلة والمسلمون يرونه مع عدم أمنهم منه. وصورتها : أن يجعلهم الإمام صفّين ويحرم بهم جميعاً ، ثمّ يركع بهم ، فإذا انتصبوا سجد الإمام بالصفّ الأوّل وبقي الثاني قائماً يحرس ، فإذا قام الإمام مع الأوّل للثانية سجد الأخير ، ثمّ انتقل كلّ صفّ إلى موضع الآخر على الأولى للتأسّي ، ويصحّ بدونه ، فإذا ركع بهم جميعاً وانتصبوا سجد بالذي كان يحرس أوّلاً ، وبقي الآخر قائماً حتّى يجلس من سجد معه إلى التشهّد ، ثمّ يسجد من بقي قائماً ويلحق الإمام في التشهّد ، ويسلّم بهم جميعاً. ويجوز اختصاص الحراسة في الركعتين بصفّ ، وكون الحارس أكثر من صفّ كما لو تكثّرت الصفوف.

ولو حضرت الصلاة حال التحام الهيجاء ومعانقة الحديد للرجال صلّوا بحسب الإمكان مشاةً وركباناً ، ولو تعذّر الاستقبال حتّى بتكبيرة الإحرام سقط ، والسجود ولو على عُرف دابّته أو قَرَبوس سرجه ، أومأ برأسه ، فإن تعذّر فبعينيه ، وإن لا يمكن فبواحدة.

وتشرع الجماعة حينئذٍ بشرط عدم تقدّم المأموم على الإمام ، ويغتفر حينئذٍ

٣٨٢

اختلاف الجهة ، فالجهات لهم حينئذٍ قبلة. وقال الشيخ رحمه‌الله (١) : بجواز الجماعة حال الأمن بصورة الخوف. ولا يجوز صلاة الخوف في طلب العدوّ ، ولا في القتال المحرّم ، وغير بعيد الصحّة إذا لم يخلّوا بركن ، لكن لو صلّوا بالإيماء لم تجزِ. وكذا الفارّ من الزحف لا يجزيه.

ولو انتهى الحال في صلاة الخوف إلى تعذّر الأقوال والأفعال ولو بالإيماء ، أجزأ عن مجموع الركعة الواحدة مع أقوالها أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر مرّة واحدة بعد النيّة وتكبيرة الإحرام ، ويتشهّد ويسلّم بعد.

ومن أراد قضاء فائتة في تلك الحال قضاها بالكيفيّة وأجزته. ولو فاتت صلاة الخوف قضيت صلاة أمنٍ في الكيفيّة. أمّا العدد ؛ فإن كان مسافراً قضاها قصراً ، وإلّا تامّاً ، والجمع أحوط. وكلّ ما جعل بدلاً في الاضطرار يلحقه حكمه ، ركناً كان أو واجباً أو ندباً في الزيادة والنقصان وغيرهما من سجود سهو أو احتياط وغيرهما ، ويؤتى به معهما كهيئتها.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٧.

٣٨٣
٣٨٤

خاتمة

الذكر مقسوم على سبعة أعضاء كما في حديث ( الخصال ) اللسان ، والروح ، والنفس ، والعقل ، والسرّ ، والقلب ، والمعرفة.

واستقامة اللسان صدق الإقرار ، والروح صدق الاستغفار ، والنفس صدق الاعتذار ، والعقل صدق الاعتبار ، والقلب صدق الافتخار ، والسرّ السرور بعالم الأسرار ، والمعرفة صدق اليقين ومعرفة الجبّار.

وذكر اللسان الثناء ، وذكر النفس الجهد والعناء ، وذكر الروح الخوف والرجاء ، وذكر القلب الصدق والصفاء ، وذكر العقل التعظيم والحياء ، وذكر المعرفة التسليم والرضا ، وذكر السر الاقتصار على رؤية اللقاء (١).

واعلم أنه لا يحرم أخذ الأُجرة على تعليم القرآن ، ولا يقرأ بما ورد عنهم عليهم‌السلام من القراءات في زمن الغيبة إلّا أن توافق أحد العشر للتقيّة ، ولأمرهم بأن نقرأ كما يقرأ الناس (٢). ويجوز إهداء ما تقرؤه منه لمحمّد : وآله صلّى الله عليه وعليهم وسلم.

وعليك بالمستحبّات في جميع العبادات فإنها حصن وحرز ومتمّمة للواجبات ، حتّى النفقات المستحبّة وهي نفقة ما عدا الآباء وإن علوا ، والأبناء وإن نزلوا ،

__________________

(١) الخصال ٢ : ٤٠٤ / ذيل الحديث : ١١٤ ، باب السبعة ، بتفاوت وقد نسبه إلى بعض الصالحين عليهم‌السلام.

(٢) التوحيد : ٢٨٤ / ٣.

٣٨٥

والزوجة والمملوك والدابّة تتمّم ما نقص من فرضها ما لم يقبل أو نقص ثوابه ، وحرز للعامل ودينه وماله وأهل حُزانته ، فواظب عليها ما استطعت ، خصوصاً صدقة السرّ.

والحمد الله آخراً كما بدأ ، والسلام دائماً على أئمّة الهدى والجُنّة من الردى محمّد : وآله أبواب الرضا.

تمّت بمنّ الله تعالى ظهر اليوم الثالث من جمادى [ الآخرة (١) ] سنة (١٢٠٩) بقلم أفقر العباد لعفو الله الكريم صالح بن طعّان بن ناصر الستري البحراني (٢) ، عُفِيَ عنه وعن والديه والمؤمنين والمؤمنات ، إنه غفور رحيم وتوّاب حليم ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطاهرين.

__________________

(١) في المخطوط الرقم : (٢).

(٢) عالم فقيه ( ت ١٢٨١ ه‍ ) ، والستري نسبة إلى مدينة سترة في البحرين ، تلمذ لأفاضل عصره منهم الشيخ عبد الله الستري ، والشيخ سليمان آل عبد الجبار ، أرسل إليه السيد شبّر ابن السيد علي ابن السيد مشعل البحراني نزيل المحمّرة مسائل في أُصول الفقه ، أجاب عنها ابنه العلّامة الشيخ أحمد برسالة سمّاها ( الدرر الفكرية في أجوبة المسائل الشبّريّة ). منتظم الدرّين : رقم ٥٢. ( مخطوط ).

٣٨٦

الرسالة السابعة

تحديد أوّل النهار

٣٨٧
٣٨٨

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد : فيقول أقلّ الورى أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : اعلم أن أصحابنا عظّم الله أُجورهم وضاعف إحسانه إليهم قد اختلفوا في تحديد أوّل النهار بعد اتّفاقهم على أن آخره غروب الشمس وإن اختلفوا فيما يتحقّق به الغروب على قولين :

أحدهما وهو المشهور عندهم ـ : أنه ذهاب الحمرة المشرقيّة ومجاوزتها سَمتَ الرأس ، وهو الأقوى.

والثاني : أنه استتار القرص.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المسألة ، وإنما غرضنا في هذه الرسالة بيان أوّل النهار بالمعنى الحقيقيّ لغةً وشرعاً ، فقد اختلفوا فيه على قولين : فالأشهر الأظهر أن أوّله طلوع قرص الشمس على الأُفق الحسّيّ ، كما عليه الأكثر ، وهو ظاهر كلّ من قال

٣٨٩

انتصاف الليل زواله. ومن فسّر زواله بانحدار النجوم الطالعة وقت الغروب ، وهم المعظم ، فإنه لا ينطبق إلّا على تنصيف ما بين الغروب إلى الطلوع كما هو ضروريّ.

وقال جماعة : إنه طلوع الفجر الثاني (١). وببيانه يتبيّن آخر الليل ووسطه وأوّله.

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٣٨ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٨٦ / المسألة : ٧٩.

٣٩٠

الأدلّة على أن أوّل النهار طلوع قرص الشمس

ولنا على ما اخترناه ضروب من الدلالات :

أحدها : ما جاء عنهم عليهم‌السلام لما سُئلوا : كم بين المشرق والمغرب؟ أنهم قالوا مسيرة يوم للشمس ، كما في ( نهج البلاغة ) (١) ، فدلّ على أن النهار زمان مسير الشمس من المشرق إلى المغرب.

ومثله ما في ( الاحتجاج ) أن أبا حنيفة : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال مسيرة يوم ، بل أقلّ من ذلك فاستعظمه ، فقال يا عاجز ، لم تشكُّ في هذا؟ إن الشمس تطلع في المشرق وتغرب في المغرب في أقلَّ من يوم (٢) الخبر.

فإن الظاهر أنه أراد به مسير الشمس ، فدلّ على أن النهار زمن مسيرها من المشرق إلى المغرب ؛ إذ لا خلاف في ترادف اليوم والنهار ، ولعلّه قال بل أقلّ نظراً إلى تفاوت ما بين كونها على الأُفق الحسّيّ والحقيقيّ ، فأجاب أوّلاً بما هو محسوس مُدرَك لعامّة البشر ، وهو المتعارف بينهم ، ثمّ أبان بالإضراب الحقيقة.

والتفاوت بينهم بحسب الظاهر ، هو قدر ما بين استتار القرص إلى ذهاب الحمرة من جهة المشرق ، وهو وقت فرض المغرب على المشهور ؛ فإنه الوقت الذي تغيب فيه الشمس من شرق الأرض وغربها حقيقة ، وهو آخر النهار حقيقة.

إمّا حسّا وبحسب العرف ، فهو استتار القرص عن أبصار أهل ذلك الأُفق ، ولا

__________________

(١) نهج البلاغة : ٧١٨ / قصار الحكم : ٢٩٤.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٧٢ / ٢٣٩.

٣٩١

يكون مثل هذا في حال الطلوع ، بل هي إذا طلعت طلعت في شرق ذلك الأُفق وغربه ؛ لأن المشرق مطلّ على المغرب ، كما جاء في الأخبار المعتمدة. ولذا اختلف الفقهاء وظواهر الأخبار فيما يتحقّق به الغروب دون الطلوع ، فإن الأخبار والأُمّة متّفقة على أن آخر وقت أداء الصبح طلوع قرص الشمس من الأُفق ؛ فمن أجل ذلك قال عليه‌السلام مسيرة يوم ، [ أي بحسب الحسّ والعرف العامّ ] ، بل أقلّ ، [ أي حقيقة (١) ].

الثاني : ما رواه العيّاشيّ : في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (٢) عن حريز : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال طرفاه : المغرب والغداة ، و ( زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) : هي صلاة العشاء الآخرة (٣).

فدلّ على أن المراد بطرفي النهار هما الطرفان الخارجان منه ؛ بدليل جعل وقت المغرب طرفاً. ولا قائل بأن وقتها من النهار ، فيكون وقت صلاة الصبح وهو الطرف الثاني خارجاً أيضاً بمقتضى المقابلة ، فيكون وقت صلاة الصبح خارجاً من النهار وداخلاً في الليل. وعلى هذا أوّل النهار طلوع القرص.

الثالث : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال :

قال : كتبت إليه عليه‌السلام في وقت صلاة الليل ، فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوَّله وآخره جائز (٤).

فقد دلّ على أن انتصاف الليل زواله ، وقد ثبت أن آية ذلك انحدار النجوم الطوالع وقت مغيب الشمس ، وهذا لا يتمّ إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ؛ لأن النجوم الطالعة وقت الغروب لا تنحدر عن وسط السماء ، ودائرة نصف النهار الأوسط زمان ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي إن شاء الله بيان تلك النجوم.

الرابع : ما رواه الصدوق : في الصحيح عن الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سُئل عن

__________________

(١) ورد في النسختين لفظ : ( أي حقيقة ) بعد قوله عليه‌السلام : « مسيرة يوم » ولفظ : ( بحسب الحسِّ والعرف العامِّ ) بعد قوله عليه‌السلام : « بل أقلّ ».

(٢) هود : ١١٤.

(٣) تفسير العياشيِّ ٢ : ١٧٠ / ٧٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٢.

٣٩٢

الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمَّ صومه (١).

وهو نصّ في أن نصف النهار هو الزوال ، وبالضرورة الحسّيّة أن الزوال لا ينصّف إلّا ما بين الطلوع والغروب فليس النهار إلّا ذاك.

الخامس : ما ورد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان يغلس بصلاة الفجر (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله صلِّها بغبش (٣) فقد ذكر بعض أئمة اللغة أن الغلس (٤) : والغبش (٥) : ظلمة آخر الليل. وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى. فدلّ على أن صلاة الصبح في آخر الليل لا في أوّل النهار ، فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس.

السادس : ما رواه الشيخ : بسند معتبر ، أو هو حسن عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء حتّى ينتصف الليل (٦).

فقد دلّ على أن صلاة الصبح في الليل ، فإذن أوّل النهار طلوع الشمس.

السابع : ما رواه أيضا عن زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال كان عليّ عليه‌السلام : لا يصلِّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ، ولا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس (٧).

فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس كالذي قبله.

الثامن : ما رواه الصدوق : في ( من لا يحضره الفقيه ) عن أبي جعفر : أنه قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يصلِّي بالنهار (٨) شيئاً حتّى تزول الشمس ، فإذا زالت صلّى ثماني ركعات ، وهي

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢.

(٢) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ٩٢٦.

(٣) بحار الأنوار : ١٣٥.

(٤) الصحاح ٣ : ٩٥٦ غلس ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ : ٣٧٧ غلس ، لسان العرب ١٠ : ١٠٠ غلس.

(٥) الصحاح ٣ : ١٠١٣ غبش ، لسان العرب ٣ : ١١ غبش.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٦٦ / ١٠٦٠.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٦٦ / ١٠٦١.

(٨) في المصدر : « من النهار ».

٣٩٣

صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء ، وتهبُّ الرياح وينظر الله إلى خلقه. فإذا فاء الفي‌ء ذراعاً صلّى الظهر أربعاً ، وصلّى بعد الظهر ركعتين ، ثمّ صلّى (١) ركعتين أُخراوين (٢) ، ثم صلّى العصر أربعاً إذا فاء الفي‌ء ذراعين ، ثمّ لا يصلِّي بعد العصر شيئاً حتّى تؤوب الشمس ، فإذا آبت وهو أن تغيب صلّى المغرب ثلاثاً ، وبعد المغرب أربعاً ثمّ لا يصلّي شيئاً حتّى يسقط الشفق ، فإذا سقط الشفق صلّى العشاء ، ثمّ آوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى يزول نصف الليل ، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ، وقرأ (٣) فيهن بفاتحة (٤) الكتاب ، وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ، ويتكلَّم ويأمر بالحاجة ، ولا يخرج من مصلّاه حتّى يصلِّي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ، ثمّ يسلِّم ويصلِّي ركعتي الفجر قبل الفجر ، وعنده وبعده ، ثمّ يصلِّي ركعتي الصبح وهو (٥) الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً. فهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : التي قبضه الله تعالى عليها (٦).

ووجه الدلالة [ في ] الخبر معلوم ممّا سبق ، ومثله ما رواه الشيخ : عن زرارة عنه عليه‌السلام (٧).

التاسع : ما رواه الشيخ : في الصحيح عن زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : سألته عمّا فرض الله من الصلوات ، فقال خمس صلوات في الليل والنهار.

فقلت : هل سمّاهنّ الله عزوجل ، وبيّنهن في كتابه؟ قال (٨) نعم قال الله عزوجل لنبيِّه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٩) ودلوكها : زوالها ، ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن وبيَّنهنَّ ووقَّتهن. وغسق الليل : انتصافه. ثمَّ قال ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (١٠) فهذه الخامسة ، وقال في ذلك ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ

__________________

(١) ليست في المصدر. (٢) كذا في المخطوط والمصدر.

(٣) في المصدر : « يقرأ ».(٤) في المصدر : « فاتحة ».

(٥) في المصدر : « وهي ».(٦) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٨.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦ / ١١١.

(٨) في « ق » : ( فقال ).

(٩) الإسراء : ٧٨.

(١٠) الإسراء : ٧٨.

٣٩٤

النَّهارِ ) (١) وطرفاه : المغرب والغداة ، ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (٢) وهي : صلاة العشاء الآخرة ، وقال ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (٣) وهي : صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر (٤).

وهو نصّ في المطلوب ؛ فإنه لا يكون الزوال إلّا وسطاً ما بين الطلوع والغروب بالضرورة ، وأمّا أن صلاة الغداة من صلاة النهار فسيأتي إن شاء الله له معنًى غير أن أوّل النهار طلوع الفجر ، وإلّا لتناقض صدر هذا الخبر وعجزه ، وهو محال.

العاشر : ما رواه الشيخ : عن عمّار بن موسى الساباطي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس ، وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل (٥).

وهذا ظاهر في أن صلاة الصبح بالليل.

الحادي عشر : ما رواه الشيخ : عن ابن فضّال : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال السنَّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنَّة في صلاة الليل بالإجهار (٦).

فدلّ بإطلاقه على أن صلاة الصبح من صلاة الليل ؛ لأنها بالإجهار ، فيكون أوّل النهار ما بعد آخر وقتها ، وهو طلوع الشمس.

الثاني عشر : ما رواه الشيخ : بسنده عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه‌السلام عند زوال الليل ، وهو نصفه (٧).

فدلّ على أن انتصاف الليل بالزوال ، وزواله لا يكون إلّا بانحدار النجوم عن وسط السماء ؛ وذلك لا يكون منصّفاً إلّا لما بين الغروب والطلوع ، كما سيجي‌ء إن شاء الله

__________________

(١) هود : ١١٤.

(٢) هود : ١١٤.

(٣) البقرة : ٢٣٨.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨١.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨٩ / ١١٦١.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٢.

٣٩٥

بيانه. ومثل هذا الخبر في هذه الدلالة كثير.

الثالث عشر : ما في ( الكافي ) عن : عليّ بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن ابن أُذينة : عن عدّة من أصحابنا ، أنهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام ، يقول كان أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل (١).

فنفي صلاته بالنهار حتّى تزول الشمس دليل على أن وقت صلاة الصبح ليس من النهار ، فيكون أوّل النهار طلوع الشمس.

الرابع عشر : ما رواه الصدوق : في ( الخصال ) (٢) ، و ( العلل ) (٣) بسنده عن أبي هاشم الخادم : قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : لم جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، فجعل لشفق الصبح ركعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجَعل للغسق ركعة.

فدلّ بظاهره على خروج الساعة التي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ساعات النهار ، بل على أنها من ساعات الليل من وجهين :

الأوَّل : الإجماع عرفاً ولغةً على أنه لا مثلث للّيل والنهار من الزمان.

والثاني : إفراد ذكر ساعات النهار عنها ، وذكرها في سياق ساعات الليل ، وتخصيصها بالذكر لا ينافي ذلك ، كما لا ينافي ذكر الساعة المغربيّة بخصوصها كونها من ساعات الليل.

الخامس عشر : ما دلّ على أن نصف النهار هو الزوال ، وهو كثير جدّاً ، مثل صحيح الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ٧.

(٢) الخصال ٢ : ٤٨٨ ، باختلاف.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٢٢ ، ب ٢٣ ، ح ١ ، باختلاف يسير.

٣٩٦

صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه (١).

وصحيح محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتدُّ به من شهر رمضان (٢).

وصحيح ابن سنان : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال من أصبح وهو يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثمّ يقضي ذلك اليوم (٣) الخبر.

وحسنة الحلبي : أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ، ثمّ يبدو له فيفطر قال هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار (٤).

وخبر ابن بكير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار قال يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار (٥).

وخبر سماعة : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوله الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال إن ذلك في الفريضة ، فأمّا في النافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس (٦).

وفي ( التهذيب ) ، و ( الاستبصار ) أن عليّاً عليه‌السلام قال إن الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم (٧).

وفي صحيح عبد الله بن سنان (٨) ، وخبر إسحاق بن عمّار (٩) ، وأخبار كثيرة (١٠) أن من أراد الصيام فهو بالخيار إلى زوال الشمس.

وبالجملة ، فالأخبار بأن نصف النهار هو زوال الشمس مستفيضة المضمون ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ : ١٨٧ / ٥٢٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٢١ / ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ : ٣٢٢ / ٩٨٩.

(٦) تهذيب الأحكام ٤ : ١٨٧ / ٥٢٧.

(٧) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٨١ / ٨٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ / ٣٩٧ ، وليس فيهما قوله : « إن ».

(٨) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٣.

(٩) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٨.

(١٠) انظر وسائل الشيعة ١٠ : ١٥ ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ، ب ٤.

٣٩٧

بحيث يحصل القطع بمضمونها بلا مخالجة الشكّ. ومن الضروريّ أن الزوال منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، وأن الليل ما سوى النهار من الزمان ، فيكون الليل هو زمن ما بين غروبها وطلوعها.

قال السبزواريّ : في رسالته المعمولة في المسألة بعد أن نقل جملة من هذه الأخبار ، وغيرها ممّا في معناها من طرق العامّة أيضاً المصرّحة بأن نصف النهار هو الزوال ـ : ( وهل يستقيم لعاقل أن يقول : أحد النصفين يزيد على النصف الآخر بساعة ، أو بقريب من ساعة ونصف ، بل أكثر كما في كثير من البلاد؟ ) ، انتهى.

السادس عشر : ما رواه عليّ بن إبراهيم : في تفسيره عن أبيه عن إسماعيل بن أبان : عن عمرو بن أبان الثقفي : قال : سأل نصرانيّ الشام أبا جعفر الباقر عليه‌السلام : عن ساعةٍ ما هي من الليل ولا من النهار ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

قال النصرانيّ : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فمن أيّ الساعات هي؟ قال أبو جعفر عليه‌السلام من ساعات الجنة ، وفيها تفيق مرضانا (١).

ورواه الكليني (٢) ، وجملة من كتب الفضائل (٣).

فدلّ هذا الخبر على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من النهار ، فتكون من الليل.

فإن قلت : كما دلّ هذا على أنه ليس من النهار دَلّ على أنه ليس من الليل ، فيكون من النهار.

قلت : المنازِع لا يدّعي خروجه من النهار ولا يقول أحد الفريقين بخروجه عنهما ، ونهاية الأمر تعارض الدلالتين. وتترجّح دلالته على أن ذلك الزمان من الليل بموافقة الاستصحاب ، والعرف العامّ المحكّم في الوضعيّات.

السابع عشر : ما صحّ عن أهل البيت عليهم صلوات الله ـ : من قولهم أسألك ..

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ١٢٦ ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، عنه في بحار الأنوار ٤٦ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٢.

(٢) الكافي ٨ : ١٠٦ / ٩٤.

(٣) مدينة معاجز الأئمة ٥ : ٦٤.

٣٩٨

باسمك الذي وضعته على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم (١).

والضرورة الوجدانيّة قاضية ببقاء الظلام بعد طلوع الفجر الثاني ، وهو آية بقاء أثر الاسم الموضوع على الليل فيه ، فيكون من الليل ، ولو كان من النهار لاستنار بالاسم الموضوع على النهار استنارة كاستنارة النهار ؛ لأن أثره نوع واحد ، ولا يتعقّب هذا بما في قرب طلوع الشمس وغروبها من الاستنارة في الجملة ، فإن ذلك لمجاورته نور النهار وقربه منه ، والنور والوجود له فاضل وفضل يفيض منه على ما جاوره وقرب منه ، بخلاف الظلمة والعدم ، فإنه ليس له فضلٌ ولا فاضلٌ يفيض منه على الوجود والنور ؛ لأنه نقطة ، وإلّا لكان الوجود والنور قابلاً مستمدّاً من العدم والظلام ، والضرورة قاضية باستحالته.

وعليك باعتبار ظلّ الجدار وشعاع الشمس فإنّك لا تجد من الظلّ أثراً في شعاع الشمس ، وليس له فاضل يفيضه عليه عند المجاورة والمقابلة ، وتجد لنور شعاع الشمس فاضلَ نور يُلقيه ويفيضه على ظلّ الجدار المجاور له حتّى إنه تُبصر فيه النواظر ، ولفاضله فاضلاً يفيضه على مجاورة من الظل. وهكذا إلى أربعين رتبة فينقطع ظهور أثره وفيضه وتستحكم الظلمة وتخلص.

ومثل هذا جاء في أسماء أهل البيت عليهم‌السلام : الذين هم أسماء الله العليا أن الله كتبها على كلّ شي‌ء ، وبها قام كلّ شي‌ء ، وقبِل الوجود بحسب قابليّته الاختياريّة في جميع أنحاء وجوده ولوازمه ، فقد روى خاتمة الحكماء الشيخ أحمد بن زين الدين : في ( شرح الجامعة الكبيرة ) عن كتاب الحسن بن سليمان الحلي : المعروف بـ ( مختصر بصائر سعد ) ، بروايته عن بعض علماء الإماميّة في كتاب ( منهج التحقيق إلى سواء الطريق ) بسنده إلى سلمان : أنه قال : يا أمير المؤمنين ، كيف تملك وتعلم بهذه الأشياء؟ قال عليه‌السلام أعلمُ ذلك بالاسم الأعظم الذي إذا كتب على ورق الزيتون وأُلقي في النار لم يحترق ، وبأسمائنا التي كتبت على الليل فأظلم وعلى النهار فأضاء واستنار ، وإنّا

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٥ : ٣١٧ / ٣.

٣٩٩

المحنة النازلة على الأعداء ، وإنّا الطامَّة الكبرى ، أسماؤنا مكتوبة على السماوات فقامت ، وعلى الأرض فانبسطت ، وعلى الرياح فذرت ، وعلى البرق فلمع ، وعلى النور فسطع ، وعلى الرعد فخشع (١) الخبر.

فإن المراد بأسمائهم : صفاتُهم العليا ، فإن الاسم صفة لموصوف (٢) ، كما جاء عن مولانا الرضا عليه‌السلام ، والمراد : أنهم سلام الله عليهم لمّا كانوا خُزّان رحمة الله وجوده ، فهم يفيضون على كلّ شي‌ء ما تقبله فطرته من الوجود وكمالاته ، بكمال اختياره بحسب قابليّته. فالجود والوجود واحد ، والقوابل مختلفة ، فاختلف باختلافها ظهوره كاختلاف ألوان الماء وأوضاعه باختلاف أوانيه ، فاللون والوضع [ اللذين ] (٣) حكاهما الماء إنما هما للإناء ، وكقطر المطر في أجواف الأصداف درّ ، وفي أجواف الأفاعي سمّ (٤). وفي معادن الذهب ينبت الذهب ، وفي معادن الكبريت ينبت (٥) الكبريت ، وهكذا.

فالاسم الأعظم كتب على النهار ليكون نشوراً مبصراً ، ونوراً تهتدي به أبصار الحيوانات لتطلب معاشها لمعادها ، وتميّز بين ضارّها ونافعها ، وتصلح به المواليد الثلاثة التي هي مراقي الإنسان لمعاده ، فقد خلقت له كما قال تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (٦) ، فقبله على ذلك فأُوتى قسطه وما يستحقّه بسؤاله ، فجعل وكان كذلك ، فهو يسبّح اللهَ ويسجد له بضيائه واستنارته ، وإبصاره وضياؤه واستنارته [ هي (٧) ] أثر تلك الكتابة وقبوله لها ، بل هي ذلك الاسم المكتوب ، أي صفته.

وكذلك الليل كتب عليه ذلك الاسم الأعظم ليكون ستراً وجماماً ، وقوّةً ولباساً ،

__________________

(١) شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ٤ : ١٦.

(٢) التوحيد : ١٩٢ / ٥.

(٣) في النسختين : ( الذي ).

(٤) إشارة إلى البيت المشهور :

كقطر الماء في الأصداف در

وفي بطن الأفاعي صار سمّا

شرح المشاعر : ٦١.

(٥) ليست في « ق ».

(٦) البقرة : ٢٩.

(٧) في النسختين : « هو ».

٤٠٠