رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

الفصل الأول

في الجنابة

وفيه أبحاث :

الأوّل في موجباتها

تحصل الجنابة وتجب أحكامها بإنزال ما يعلم أنه منيّ مطلقاً للذكر والأنثى ، وكذا لو وجده في ثوبه المختصّ به لكن من غير ما يرجّح خروجه ، والأحوط هنا أعاده العبادة من آخر غسل. ومن أمارات السبق على الوجدان وجوده جافّاً ، أو في ثوب خلعه قبل. ولو وجد المنيّ على المشترك ولا قرينة على الاختصاص فليس أحد بجُنب به ، وفي ائتمام بعض ببعض إشكال ، والأقوى الصحّة. ولا تصير المرأة جنباً بخروج منيّ الرجل منها. ولو شكّ في خروجه فالأصل العدم. ولو لم يبرز المنيّ عن الآلة فلا جنابة ولو أمسكه بيده فيها ، ولو خرج من غير المعتاد فكالأصغر ، والاعتبار به مطلقاً أحوط.

ومَن خرج من قبله شي‌ء فإن علم الحق بصنفه ، وإلّا فإن كان بعد الإنزال وقبل الاستبراء بالبول فحكم المنيّ ، وإلّا اعتبر في الصحيح بمصاحبة الشهوة وفتور البدن والعضو وشدّة الدفق ورائحة الطلع ، فإن وجد أحدهما فهو منيّ ، وإلّا فإن كان بعد

٢٤١

البول وقبل الاستبراء منه فحكم البول ، وإلّا فطاهر غير ناقض.

وصورة الاستبراء من البول أن تمسح من حلقة الدبر إلى أصل القضيب ثلاثاً ، وتعصره ثلاثاً ، وتنتره ثلاثاً.

والمريض يكفي فيه الشهوة والفتور بدون الدفق ، وكذا المرأة.

وتيقّن غيبوبة الحشفة كلّها أو قدرها من مقطوعها (١) في قبل أو دبر مطلقاً ولو كانا غير بالغين على الفاعل والقابل. ولو أولج في قبل خنثى مشكل أو أولجت مطلقاً فلا جنابة ؛ لاحتمال الزيادة.

نعم ، تحصل بخروج المنيّ منهما ، أو بإيلاجها ، مع الإيلاج فيها. وغير البالغ يخاطب بأحكامها إذا بلغ وإن سبقته. والكافر تجب عليه ولا تصحّ منه إلّا إذا أسلم.

ولا تثبت الجنابة بوطء البهيمة بدون إنزال في قول قويّ خلافاً للمرتضى ، وادّعى عليه الإجماع (٢) ، وهو أحوط. ولا تثبت بالإيلاج في غير المعتاد ولكنّه أحوط.

الثاني في أحكام الجنب

يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث بالأصغر ، واللبث في المشاهد والمساجد ولو متردّداً غير مستقرّ ، ويجوز الاجتياز بالدخول من باب والخروج من آخر ما لم يكن أحد مسجدي مكّة والمدينة زادهما الله تعالى شرفاً فلا يجوز الاجتياز فيهما أيضاً. ولو احتلم في أحدهما أو دخله جنباً لزمه التيمّم للخروج ، ولا يغتسل فيه وإن قصر زمانه عن زمان التيمّم ، وزوائدهما كالأصل على الأقوى. وربّما قيل بحرمة الاجتياز في الروضات أيضاً. و [ إن ] لم يتمكّن من الخروج أو أُلجئ للدخول والمكث وجب التيمّم مع المكنة حتّى يزول السبب. ولا يشرع الوضوء وقراءة شي‌ء من العزائم الأربع ، وهي : الم. تَنزِيل (٣) ، و ( فصّلت ) ، و ( النجم ) ،

__________________

(١) في المخطوط بعدها : ( ومقطوعها ).

(٢) عنه في مختلف الشيعة ١ : ١٦٨ / المسألة : ١١٢.

(٣) السجدة : ١ ـ ٢.

٢٤٢

واقرأ (١) ، حتّى البسملة. ومسّ أسماء الله تعالى وأنبيائه والأئمّة على الأشهر ، لا أسماء غيرهم وإن توافق اللفظان ، والعبرة بالقصد. ووضع شي‌ء في المساجد مطلقاً وإن لم يدخل ، وله الأخذ منها ولو بالدخول مع التعذّر.

ويجب الغسل أيضاً للصيام قبل الفجر ولو ندباً مع علمه وتمكّنه ، وقضائه المضيّق والنذر المعيّن ، ولم يصحّ في المطلق والموسّع والندب. والجنابة الحادثة نهاراً لا توجب الغسل للصوم.

الثالث في أقسام الغسل

يصحّ الغسل ترتيباً وارتماساً في جميع الأغسال ، فينوي رفع الحدث واجباً أو ندباً قربة إلى الله تعالى ، والكلام فيه كالوضوء. ولا يجوز تأخيرها عند أوّل غسل [ عن ] أوّل مغسول وجوباً ، وهو أوّل جزء مغسول من الرأس مرتّباً ، وأوّل ملاقٍ من البدن مرتمساً ، ويجوز تقديمها مع أحد مندوباتها ، ويجب استدامتها كغيره. وأن يبدأ بغسل جميع بشرة الرأس والرقبة ، ولا يجب غسل الشعر ، وهو أحوط ، ثمّ الجانب الأيمن من أصل العنق إلى آخر القدم ، ثمّ الأيسر كذلك ، ولا ترتيب في نفس العضو ، فيجوز بالبدأة في كلّ واحدٍ من الثلاثة أيّ جزء اتّفق ولو آخره كالرقبة وأصابع الرجل ، فلا تجب البدأة من أعلى العضو إجماعاً. والعورة مع الجانبين ، أحدهما أصالة والآخر مقدّمة ، والأهداب.

وأقلّ واجب الغسل مسمّاة عرفاً كالوضوء ، ويجب الترتيب بين الثلاثة ، فلو قدّم وأخّر ، أو أغفل عن لُمعة من عضو أعاد وغسلها والعضو المتأخّر حتّى يحصل ترتيبها. ولا تجب فيه الموالاة حتّى في العضو الواحد إجماعاً (٢) ، واللازم الغسل كيف اتّفق حتّى يعمّه.

ويتحقّق الترتيب أيضاً برمس الرأس ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ، وبرمس

__________________

(١) العلق : ١.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١١١.

٢٤٣

بعض والصبّ على بعض ، والارتماس ثلاثاً ناوياً بالأُولى غسل الرأس والثانية الأيمن والثالثة الأيسر ، وبالكون تحت مطر غزير كذلك ، وبالخروج من الماء ناوياً أيضاً كذلك ، ويغسل الرأس مطلقاً ثمّ تحريك الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ناوياً غسلهما.

والارتماس [ أن ] تجعل البدن كلّه تحت الماء دفعة مع النيّة ، وإن أمكن بالكون تحت المطر الغزير صحّ ، وبأن ينوي بعد أن يغمره الماء فيحرك جسده ، وليس هو ترتيباً حكميّاً ، ولو نسي فيه لُمعة أو منع من وصول الماء إليه مانع أعاده على الأقوى.

ويجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة فيهما. ويجب إباحة مائه وطهوريّته وإباحة المكان ، لا الإناء ولا مسقط الماء ولكنه أحوط ، فلو اغتسل بالمغصوب عالماً فهو جنب. وأن يتولّاه بنفسه ، إلّا في الضرورة ولو أكثر من واحد مع الترتيب. ويجب الاستئجار لو توقّف عليه. ولو أحدث في أثنائه أتمّ وتوضّأ على الأقوى ، وهو مع الإعادة على الأحوط ، أمّا غيره من الأقسام فالإتمام مع الوضوء بلا شكّ.

وحكم الجبيرة واللصوق هنا حكمها في الوضوء. والأقوى [ ماء غسل ] (١) الزوجة على الزوج ، وتسخينه ونقله لها ، أو يدعها تذهب إليه وعليه أجرة الحمّام.

ولا يشرع معه الوضوء ، ويجب مع غيره مطلقاً. وغير بعيد الاكتفاء بإزالة النجاسة قبل غسل العضو ، وقبل الغسل أحوط.

__________________

(١) في المخطوط : ( غسل ماء ).

٢٤٤

الفصل الثاني

في الحيض

وفيه بحثان :

الأوّل في دم الحيض

دم الحيض في الأغلب حار أسود أو أحمر يميل له ، عبيط له قوّة ودفع. وأقلّه ثلاثة متوالية ، وهو أن تراه في أكثر كلّ يوم من الثلاثة بحيث لا تعدّ نقية على الأظهر ، لا في ضمن عشرة. وأكثره عشرة كأقلّ الطهر بين حيضتين. ولا يشترط التوالي بعد الثلاثة ، بل يكفي انقطاعه عليها ولو تخلّل نقاء ؛ إذ هو في أيّام الحيض حيض. فكلّ دم تراه فيها مع تحقّق الثلاثة والانقطاع على العشرة وعدم تيقّن أنه قرح أو بكارة فإنه حيض نصّاً (١) وإجماعاً (٢) مع الانقطاع عليها وإن لم يكن بتلك الصفات ؛ إذ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، وهذا ممكن ، كما هو ظاهر الفتوى (٣) والنصّ.

ولو رأته ثلاثة مثلاً ، ثمّ نقت عشرة ، ثمّ رأته ثلاثة مثلاً ، فكلّ منها حيض ؛

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٢ : ٢٩٣ ، أبواب الحيض ، ب ١٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٩٨ ( حجريّ ).

(٣) منتهى المطلب ١ : ٩٨ ( حجري ).

٢٤٥

لإمكان كونه حيضاً. وليس منه ما تراه قبل إكمال التسع وبعد حدّ اليأس ، وهو بلوغ خمسين مطلقاً ، وللتفصيل بين القرشية فستّون ، وغيرها فخمسون وجهٌ قوي ، والاحتياط لهنّ مطلقاً العمل بالعملين ضمن العشر ، أمّا جعل النبطية كالقرشية فلا وجه له يعتدّ به.

وإن اشتبه دم الحيض بالعذرة استدخلت قطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو بكارة ، وإلّا فحيض. وإن اشتبه بدم القرحة استدخلتها وأخرجتها برفقٍ ، فإن خرج الدم فيها من الأيمن فهو قرحة ، أو من الأيسر فحيض على الأقوى ، وهو أوفق بالطبع أيضاً. ومع القطع يلحق بالمقطوع به مطلقاً. ويجامع الحيض الحمل على أصحّ الأقوال وأشهرها.

وإذا عبر الدم العشرة بعد استقرار العادة وتتحقّق بتواليه مرّتين ، فإن اتّفقتا زمناً واحداً وانقطاعاً فهي عددية ووقتية ، أو عدداً فقط فهي عددية ، أو زمناً كأوّل الشهر مثلاً فقط فهي وقتية ، ولا يشترط في تحقّقها تساوي الطهرين وإن اختلفتا أخذت ذات العددية مطلقاً العدد وما زاد استحاضة إجماعاً ، وفهمه من النصّ غير عزيز ، فإن استظهرت حينئذٍ ولو إلى العشرة لجوازه لها كذلك ؛ لأنه زمان مشكوك فيه قضت ما فاتها من العبادة كما لو حصلت العادة بالتمييز ، فلو رأت في الأوّل ستّة أحمر وعشرة أصفر ومثله في الثاني واختلف في الثالث أو اتّحد ، فالستّة الحيض ولو كانت الأضعف ، والزائد استحاضة.

ولو تعارض التمييز والعادة رجّحت العادة على الأقوى الأشهر ، فذات الخمسة لو استمرّ بها إلى الخمسة عشر مثلاً وهو فيها رقيق أحمر أو أصفر وفي الزائد أسود حار بحرقة ، فالحيض الأوّل ، وكذا لو استمرّ إلى وقت العادة فعادتها حيض وما زاد استحاضة.

وغير متّحدة الوقت مخيّرة في جعل عدد الحيض أيّ زمن أرادت ، فالأولى الأوّل منصوصاً مع الصفات ، هذا في الشهر الأوّل ، وفيما بعده يتعيّن له ذلك الذي

٢٤٦

عيّنته. ولا اعتراض لزوجها في تعيين الوقت ، وليس له منعها عن الاختيار ، وليس لها الرجوع إلى اختياره ، فالحيض لها. ولو ذكرت بعد التحيّض أن أيّامها غير ما جلست رجعت إليها وقضت ما تركته.

وتتحيّض ذات الوقتية وإن اختلف العدد بمجرّد رؤيته.

أمّا المبتدئة وهي من لم تستقر لها عادة لابتدائها بالدم والمضطربة وهي من نسيت عادتها أو تكرّر لها الدم من غير استقرار عادة فالأشهر إنهما كذلك. وعن المرتضى (١) : التربّص ثلاثة أيّام ليقين وجوب العبادة وعدم تعيّن الحيض ، وليس ببعيد مع أنه أحوط ، والعادة قد تتقدّم وقد تتأخّر.

ولو رأت العادة وطهرت عشرة ، ورأت ما بصفته جامعاً لشروطه فهو حيض ، والأقوى أنه استحاضة حتّى يحصل لها الاعتياد له.

ومن اعتادت ستّة مثلاً ، ورأت ثلاثة وانقطع ، ثمّ يوماً ، وهكذا ، فإن عبر العشرة فعادتها حيض خاصّة وإن لم يستوعبها الدم إجماعاً بعد توالي ثلاثة ، ولزوجها وطؤها بعد العادة مع انقطاع الدم وإن جاز انقطاعه على العشرة.

ولو كان يعتادها في شهر أربعة وفي شهر خمسة وفي شهر ستّة وفي رابع أربعة وهكذا ثمّ عبر في شهر ، رجعت إلى نوبته إن ذكرتها ، وإلّا أربعة لأنه المتيقّن إن لم تعلم زيادتها عليها أو على عدد ، وإلّا أخذت بأقلّ الباقي ، فلو علمت الزيادة فالخمسة كذلك ، وهكذا.

ولو اختلفت لا على ترتيب [ كخمسة (٢) ] في الأوّل وسبعة في الثاني وتسعة في الثالث وهكذا رجوعاً ، فإن ذكرت نوبة الشهر تحيّضت مع العبور ، ومع النسيان الخمسة. وهكذا في باقي الصور.

وقد يحصل لذات العادة الوقتية حيض مع العبور كما لو ذكرت يوماً منه أنه أوّله أو وسطه أو آخره ، فتضيف يومين بعده في الأوّل وتوسّطه في الثاني وتقدمه في

__________________

(١) عنه في المعتبر ١ : ٢١٣.

(٢) في المخطوط : ( الخمسة ).

٢٤٧

الثالث ، والثلاثة حيض بيقين ، ويكمل بمقتضى رواية من الروايات مراعية فيها التقديم ، أو التأخير ، أو التعويض.

ولا يجب فيما زاد على الثلاثة من تكملتها بإحدى الروايات على الاستحاضة ولا أن تغتسل بانقطاع دم الحيض في كلّ وقت تحتمله وتقضي عشرة أيّام أو أحد عشر فتكلّف بالتكليفين ، بل عليها لازم ذلك العدد خاصّة ، وإن كان ذلك أحوط.

ولو ذكرت يوماً ولم تعلمه أوّله أو غيره أو ما زاد كمّلته بإحدى الروايات ، ولا تعمل عمل المستحاضة في المتقدّم والمتأخّر ، ولا أن تغتسل في كلّ وقت يحتمل فيه الانقطاع ، إلّا على ذلك القول.

وذاكرة العدد لو ذكرته في وقت إجمالاً ، فلو كان نصف الوقت كخمسة من عشرة ، أو ينقص عنه كأربعة من عشرة كذلك تخيّرت في وضعه ما شاءت منه كما مرّ ، وليس عندها يقين حيض قبله ، وإن زاد عن نصفه فالزائد وضعفه من الذي يليه قبله حيض بيقين وتتمّ العدد أوّلاً وآخراً ، أو بالتفريق ، فلو قالت : حيضتي ثمانية من هذه العشرة ، فالزائد عن نصف العشرة مع مثله وهو ستّة حيض بيقين وتضيف يومين.

والمضطربة والمبتدئة إذا عبر دمهما العشرة ترجعان إلى التمييز باختلاف لون الدم أو غيره ممّا يميّز القويّ من غيره إن أمكن ، وكان المجعول حيضاً لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة والمجعول طهراً لا ينقص عنها. ولا يشترط التكرار في التمييز ، فإذا كملت الشروط جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وغيره استحاضة.

ولو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أصفر وعشرة أسود فلا تمييز ، وعند الشيخ : العشرة حيض ، وتقضي الثلاثة الأُول.

ولو رأت خمسة أحمر فعشرة أصفر فستّة أسود ، فالستّة الحيض ، وتقضي ما تركته في غيرها.

ولو رأت خمسة استحاضة وبقية الشهر أسود ، فالأقرب أنه لا تمييز.

٢٤٨

ولو رأت خمسة أسود وعشرة أصفر وخمسة أسود ، فكلّ من الأسودين حيض برأسه ، والعشرة طهر ، والاحتياط بالعملين في الكلّ أولى.

ومتى تكرّر لها التمييز في الشهر الثاني كالأوّل كانت ذات عادة.

ومتى فقدتا التمييز باتّحاد الدم صفة أو عدم تحصيل أقلّ الحيض في صفة ، أو عدم تحصيل أقلّ الطهر في غيرها ولو مع النقاء ، فالمبتدئة حينئذٍ ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها من الطرفين ، وإن اختلفن فإلى الأغلب على الأقوى.

ولا يعتبر اتّحاد البلد على الأقوى ، ولا عبرة بالأتراب مع فقد الأهل أو اختلافهم على الأقوى ؛ لعدم دليل واضح عليه إن لم يكن الإجماع على اعتبارهنّ معتمداً ، والظاهر العدم. فإن فقدت الأهل واختلفن وفقدت الأقران عند من يعتبرهنّ رجعت هي والمضطربة الفاقدة للتمييز أيضاً للروايات ، وهي : ستّة من كلّ شهر ، أو سبعة ، أو ثلاثة دائماً ، أو من شهر وعشرة من آخر ، أو عشرة دائماً ، أو عشرة طهر وعشرة حيض ، والأقوى السبعة من كلّ شهر. هذا في ناسية العدد والوقت ، فلو كان الوقت خاصّة أخذت العدد ، وهي مخيّرة في جعله أوّلا أو وسطاً أو أخيراً ، ولا اعتراض لزوجها ، ومتى اختارت عدداً أو وقتاً في الشهر الأوّل لزمها في الثاني. ولو نسيت العدد جعلت ما تيقّنت من الوقت حيضاً وأكملته بعدد من الروايات يطابق يقينها ، سواء كانت أوّلاً أو أخيراً أو محفوفاً بمتساويين أو مطلقاً.

المبحث الثاني في أحكام الحائض

كلّ ما يحرم على الجنب يحرم على الحائض على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ منها صلاة مطلقاً ، ولا يرتفع حدثها ولو انقطع دمها ، إلّا أن تغتسل بعده ، ولا يصحّ طلاقها ، وليس عليها قضاء صلاة فاتتها بسببه مطلقاً ، حتّى الآيات ، إلّا صلاة الطواف فإنها تأتي بها بعد الغسل منه أداءً وقضاءً وألّا يمضي من الوقت قدر واجب الطهارة ، والصلاة سفراً أو حضراً قبل شروع دمه ، أو تطهر قبل آخر بقدر واجب الطهارة

٢٤٩

وركعة ولم تأتِ فيهما بها فإنه يجب حينئذٍ القضاء نصّاً (١) وإجماعاً (٢) ، فلو أدركت قبل الغروب قدر الطهارة وركعة وجب عليها العصر أداءً على الأصحّ الأقوى ، ولو أدركت قبله قدر خمس ركعات بعد تحصيل واجب الطهارة وباقي شروط الصحّة وجب الفرضان على الترتيب.

ويجب عليها قضاء الصوم الواجب مطلقاً حتّى النذر المعيّن ، والأحوط لذات العشرة مع التجاوز لمن أخذتها من الروايات قضاء أحد عشر يوماً ؛ لاحتمال الكسر. ويحرم على زوجها وطؤها قبلاً خاصّة أيّام الحيض وأيّام الاستظهار على الأحوط ، بل الأولى ذلك إلى العشرة ، إلّا أن يتبيّن عدمه فيها إن كان عالماً عامداً ، ويكفي إخبارها إن لم تتّهم ويحتمله مطلقاً. والقول (٣) بتحريم الاستمتاع بما بين السرّة والركبة منها ضعيف جدّاً. ونهاية تحريم وطئها انقطاع الدم على الأقوى الأشهر.

ولا يجب على الزوج الكفّارة لو وطئها فيه مطلقاً ، لكنّه أحوط فلا يترك ، لأنه الأشهر عند المتقدّمين ، وحكى عليه جماعة الإجماع (٤) ، لكنّه يعزّر. وهي دينار في ثلثه الأول ونصف في الثاني وربع في الأخير. ومصرفها مصرف الزكاة ، وتتكرّر بتكرّره ، ولا كفّارة عليها مطلقاً ، لكنّها تعزّر. إلّا في وطء الأمة زمنه مطلقاً ، فإنه يجب عليه الكفّارة بثلاثة أمداد من طعام ، ولا كفّارة في وطء الأجنبية فيه للأصل وعدم الناقل عنه ، لكنّه أحوط.

ولو تلت العزيمة أو استمعتها أو سمعتها على الأحوط فهي كغيرها. ولا يصحّ طلاقها إلّا أن تكون غير مدخول بها ، أو زوجها غائباً عنها وقد مضى شهر أو له علم بعادتها. وفي حكمه المحبوس الذي لا يتمكّن من معرفتها فإنه يصحّ طلاقها حينئذٍ بلا خلاف ، وحكمها في قراءة سورة العزائم كالجنب ، ولو كان عليها جنابة أيضاً لم

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٣٦١ ، أبواب الحيض ، ب ٤٩.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٣٧.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٣٤٦ ، نقلاً عن السيّد المرتضى.

(٤) الانتصار : ١٢٦ / المسألة : ٢٦ ، الخلاف ١ : ٢٢٥ / المسألة : ١٩٤.

٢٥٠

ترتفع بغسلها حالته ، وحكم النقاء المتخلّل الحيض حكمه مطلقاً ، وغسلها كالجنب ، إلّا إنه لا بدّ من الوضوء وقيل : أفضل ، ولا يجزيها عنه وضوؤها حالته لذكر الله ، إلّا أن يظهر أنه وقع بعد انقطاعه ، فالأقوى الاكتفاء به ولو فعلته معتقدة بقاء الحيض ، والأحوط العدم ، ويجوز لها أن تنوي بوضوئها حينئذٍ رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى ولو تقدّم ، ولا تمنع من غسل مسنون.

وبالحيض يثبت البلوغ مع جهل السن ؛ لأن ما تراه قبل كمال التسع استحاضة.

لحاقة

لو اعتادت الدم من غير المخرج الطبيعي مع انقطاعه منه فهو حيض للنصّ والشهرة الأكيدة ، بل كاد أن يكون إجماعاً. وتلزمها أحكام الحيض مطلقاً ، إلّا الجماع فلزوجها جماعها في السبيلين ، وليس له الإيلاج في موضع الدم ، فإن فعل فعليه الكفّارة وجوباً أو استحباباً.

ولو رأت مَن اعتادت الدم في الشهر مرّة ومرّة أُخرى ، فإن [ كانت ] عادتها بأن لم يكن بينهما عشرة قبلها أو بعدها ، فهي استحاضة ، وإلّا فكما مرّ.

٢٥١
٢٥٢

الفصل الثالث

دم الاستحاضة

دم الاستحاضة يخالف دم الحيض غالباً ، فهو مائل إلى الصفرة بارد رقيق بالنسبة إليه ، ولا حدّ له قلّةً ولا كثرةً. واحترز بالغالب عمّا زاد عن العبور على العادة والتمييز والعدد من المختار من الروايات ، وقبل البلوغ ، وما نقص عن ثلاثة ، وما تراه بعد اليأس ، ووقت الحمل بعدم مجامعته ، وبعد أكثر النفاس وهو عشرة ، وما زاد منه على عادة ذات العادة في الحيض مع العبور ما لم يكن قرحاً أو جرحاً ، فإنه كلّه استحاضة وإن كان بصفة الحيض.

ويجب عليها [ اختبار (١) ] دمها بالكُرسُفِ ، فإن لطّخ الدم وجه الكرسف الداخلي ولم يثقبه فهي صغرى ، ويجب عليها تغيير القطنة إجماعاً (٢) ، وغسل ما يظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين أو غيره إن أصابه الدم ، ثمّ الوضوء لكلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلاً على الأشهر ، وعن ( الناصرية ) (٣) الإجماع. فلا تجمع بين صلاتين مطلقاً بوضوءٍ واحد ، ويجب أن تكون الصلاة عقيب الوضوء كما هو عند

__________________

(١) في المخطوط : ( اعتبار ).

(٢) الناصريّات ١٤٧ ـ ١٤٨ / المسألة : ٤٥.

(٣) المصدر نفسه.

٢٥٣

جمع (١) اقتصاراً في العفو على محلّ الضرورة ؛ لأنها مستمرة الحدث. ولعدم الوجوب وجه. ولا يضرّ الفصل بتحصيل مقدّمات الصلاة.

وإن غمس الدم الكرسف ولم يسِل فهي الوسطى ، ويجب عليها ما مرّ من تغيير الخرقة وتطهيرها وغسل الغداة وإن دخل وقتها وهي كذلك ، وإلّا فحكمها ما يتّفق فيها من الأنواع الثلاثة ، فإن صادف وقت الغداة وهي صغرى فحكمها كما مرّ ، فلو غمسه بعد ذلك إلى الظهر فعليها غسل ، وهكذا في غيرها ، أمّا لو صادف الغمس الأوقات كلّها فغسل الغداة فقط ووضوء لكلّ صلاة على الأشهر ، وعن بعض نفي الخلاف (٢) ، وعن ( الخلاف ) (٣) و ( الناصرية ) (٤) الإجماع. وإيجاب ابن الجنيد (٥) : وابن أبي عقيل (٦) : الأغسال الثلاثة هنا ضعيف كعدم إيجاب الثاني (٧) في الأُولى شيئاً.

وإن سال الدم فهي الكبرى ، ويجب عليها مع ما مرّ كلّه غسل للظهرين أيضاً ، وغسل للعشاءين ، تجمع بين كلّ فرضين منها بغسل. ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة عليها حينئذٍ ، وإنما هو في وجوب الوضوء لكلّ فرض ، وهو أحوط ، والاكتفاء للفرضين بوضوء واحد مع الغسل قويّ ، ولتكن الصلاة معاقبة للطهارة.

ولو كان السيلان في وقتٍ خاصّة ففيه خاصّة كالغمس ، وتجمع بين كلّ صلاتين مطلقاً بغسل ، ويجوز لها أن تغتسل لكلّ واحدة من الخمس. وغير بعيد ضمّ نوافل كلّ فرض له من غير غسل للتبعيّة وكذا نافلة الليل إن ضمّتها للغداة أو الغسل [ لكل ] واحد بدونه ، والاحتياط ظاهر.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨ ، السرائر ١ : ١٥٢. الجامع للشرائع : ٤٤ ، البيان : ٦٦.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٥٠.

(٣) الخلاف ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ / المسألة : ٢٢١.

(٤) الناصريّات ١٤٧ ـ ١٤٨ / المسألة : ٤٥.

(٥) عنه في مختلف الشيعة ١ : ٢١٠ / المسألة : ١٥١.

(٦) المصدر نفسه.

(٧) أي ابن أبي عقيل ، عنه في مختلف الشيعة ١ : ٢١٠ / المسألة : ١٥١.

٢٥٤

ويجب عليها التحفّظ حال الصلاة عن تعدّي الدم ، والاعتبار بحالها في الدم قبل وقت الصلاة لا حال العمل ، وربّما قيل : الاعتبار بحالها وقت العمل. والأحوط مراعاة أشقّ الحالتين ، فإذا فعلت ذلك فهي بحكم الطاهر مطلقاً ، وإن أخلّت بشي‌ء من ذلك لم تصحّ صلاتها ولا طلاقها ؛ لأنها إمّا محدثة أو ذات نجاسة غير معفوّ عنها. ويلزمها الغسل لدخول المساجد والوضع فيها ولقراءة العزائم الأربع ومسّ القرآن كالوضوء بالنسبة لغير ذات الغسل ، ويجوز لبثها في المساجد مطلقاً ، وفي توقّف حِلّ جماعها على جميع الأفعال (١) أو على الغسل خاصّة (٢) أو العدم مطلقاً (٣) أقوال ، أقواها الأخير ؛ لما دلّ على الإطلاق من النصّ (٤). أو بعد أيّام الحيض الموافق للأصل والقرآن. والأوّل أحوط كما عليه الأكثر.

ولا يصحّ صومها إلّا مع الغسل ، فلو أخلّت بغسل من الصبح أو الظهرين فسد.

وقيل : لا يشترط في صحّة اليوم غسل ليلته (٥) ؛ نظراً إلى أن شرطيّته في هذا الحدث للصوم تابع للصلاة وجوداً وعدماً ، وسعة وضيقاً ، فيجوز تأخيره إلى آخر وقتها.

ومن نظر إلى أنه شرط للصوم أوجب تقديمه على الفجر بحيث يقارن فراغه الفجر ولو ظنّاً ، فلو تبيّن خلافه لم يضرّ ما لم يطل الفصل (٦) ، وهذا أولى.

ويجب عليها قضاء الصلاة لو أخلّت بشي‌ء ممّا يلزمها. ولو دخلت في الصلاة بحكم الصغرى ثمّ فاجأتها الكبرى أتمّتها واغتسلت للأُخرى إن بقيت ، والإعادة أحوط. وبالعكس لا شي‌ء إن لزمها غسل الانقطاع ، وانقطاع دمها إن لم يكن للبرءِ

__________________

(١) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ٥٧.

(٢) الفقيه ١ : ٥٠ ، الهداية : ٩٩.

(٣) المهذّب ١ : ٣٨ ، تحرير الأحكام ١ : ١٦ ( حجري ) ، البيان : ٦٦.

(٤) وسائل الشيعة ٢ : ٣٧٢ ، أبواب الاستحاضة ، ب ١ ، ح ٤.

(٥) البيان : ٦٦.

(٦) مسالك الأفهام ١ : ٧٤.

٢٥٥

لا ينقض وضوءها ، وإن كان له فعليها ما يلزم بحسب الدم ، وعليها التحفّظ من تعدّي الدم بالاحتشاء والاستثفار (١) كمن به السلَس والبَطَن ، فإنه يتحفّظ بحسب الإمكان بعد تطهّر المحلّ ويتوضّأ لكلّ صلاة. وغسلها كالحائض بلا فرق مع الوضوء أيضاً.

__________________

(١) استثفر بثوبه : ردّ طرفه بين رجليه إلى حجزته. مختار الصحاح : ٨٤ ثفر.

٢٥٦

الفصل الرابع

النفاس

النفاس : دم يقذفه الرحم بعد الولادة إجماعاً (١) ، ومعها ولو بخروج جزء على الأشهر الأقوى ، بل خلافه شاذّ الآن. وما يخرج قبل خروج جزء ليس بنفاس إجماعاً (٢) ، بل استحاضة. ولو ولدت ولم ترَ دماً فلا نفاس إجماعاً (٣) ، ولا غسل عليها ، وكذا ما تراه بعد أكثر النفاس. ولا يشترط في كونه نفاساً تماميّة خلقة الحمل إجماعاً (٤) ، فلو ولدت علقة يعلم كونها مبدأ رقيّ ولو بشهادة القوابل كان الدم نفاساً. ولو تعدّد الحمل فلكلّ نفاس على حدة ، ويتداخل ما اتّفقا فيه ، فابتداء النفاس في الأوّل ، والعدد في الثاني إن لم يتخلّل بين الدمين أقلّ الطهر ، فإن تخلّل فلكلّ عدد غير الثاني ، وتَبِين بالثاني إذا اعتدّت بالوضع. ولا حدّ لأقلّه إجماعاً (٥).

وإن انقطع دمها في العشرة وخرج الكرسف نقيّاً اغتسلت فهي طاهر ، وإن انقطع على العشرة فكلّه نفاس من غير فرق بين النساء إجماعاً (٦).

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٢١٥ / المسألة : ١٥٦.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢١٥ / المسألة : ١٥٦.

(٣) الذكرى : ٣٣ ( حجريّ ).

(٤) الذكرى : ٣٣ ( حجريّ ).

(٥) الخلاف ١ : ٢٤٥ / المسألة : ٢١٤ ، الذكرى : ٣٣ ( حجريّ ).

(٦) الخلاف ١ : ٢٤٣ / المسألة : ٢١٣.

٢٥٧

وكذا لو رأت الأوّل والعاشر وانقطع عليه ، فالعشرة نفاس ، وكذا ما بين كلّ دمين إذا لم يتجاوز العشرة ، ولا كذلك النقاء المتخلّل مع العبور تقدّم أو تأخّر.

ولو رأت الخامس فقط أو العاشر فقط فهو النفاس. ولو رأت العاشر واستمرّ فإن كان العاشر من عادتها فهو النفاس والزائد استحاضة ، وإلّا فالكلّ استحاضة.

ولو عبر العشرة سواء ابتدأ من أوّلها أو أثنائها فإن كانت ذات عادة عدديّة في الحيض أخذته نفاساً وما زاد استحاضة ، ولا ترجع إلى عادتها ولا عادة قرابتها في النفاس ، وإلّا فقياسها عشرة على الأشهر الأقوى ، وخلافه شاذّ ، والزائد استحاضة ولو صادف أيّام عادة حيضها ؛ إذ لا بدّ من فصل أقلّ الطهر بين النفاس والحيض.

ويفارق النفاس الحيض في الأقلّ إجماعاً (١) وفي الأكثر على قولٍ (٢) ، وفي الدلالة على البلوغ ، فإن الحمل سابق وبه يثبت ، وفي انقضاء العدّة فإن للحيض تعلّقاً بها دونه ، فإنه بالولادة إلّا أن يكون من زنا ، فإن النفاس يحسب قرءاً ؛ إذ لا حرمة للزنا ، فلو رأت قرائن زمن الحمل فهو ثالث وانقضت العدّة بابتدائه أو انتهائه. وفي عدم اعتبار أقلّ الطهر بين الحيض وبينه على قول ضعيف.

ويتساويان في جميع الأحكام مطلقاً ، وجوباً وكراهة واستحباباً حتّى كفّارة الوطء حالته ، وكراهة الوطء قبل الغسل أو تحريمه ، وقضاء الصوم دون الصلاة ، وبطلان الطلاق ، وغير ذلك ككيفيّته وغيره فإنه حيض في المعنى ، فحكمه حكمه مطلقاً ، إلّا فيما ظهر تصريحاً أو تلويحاً.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٣٢٥.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٣٢٥.

٢٥٨

الفصل الخامس

في غسل الأموات

وفيه أبحاث :

الأوّل في الوصيّة

تجب الوصيّة خصوصاً مع ظهور علامة الموت بما على المكلّف وما لَهُ ، وقد يجب عيادة المريض ، ويحرم تمنّي الموت لبؤس دنيوي ، ويجب كفايةً توجيه المُحتضِر المسلم ومَن بحكمه إلى القبلة ، وإن اشتبه موته انظِرَ ثلاثة أيّام ، إلّا أن تظهر فيه أمارات الموت كارتفاع البيضتين وتدلي جلدة وجهه وانخلاع الرجل من الكعبين وغَور العينين. وهل نجاسة الميّت عينيّة أو حكميّة أو مركّبة؟ الأرجح أنها حكميّة على إشكال.

الثاني في بعض أحكامه

يحرم النظر إلى عورة الميّت ، وتجب إزالة النجاسة عن بدنه قبل الغسل. والنيّة من الصابّ ؛ لأنه الغاسل لا المقلّب ، ولو نويا فلا بأس. وهي مع كلّ غسل ، والبدء بغسله بماء مزج بشي‌ء من ماء السدر مزجاً لا يسلبه الإطلاق ، ثمّ تغسيله بماء مزج بشي‌ء من الكافور كذلك ، ثمّ بماء خالٍ منهما ، ومزج الأوّلين مع الإمكان شرط

٢٥٩

صحّتهما كخلوّ الثالث على الأقوى ، ولو عدم أحدهما وجب بدله بالقراح ، ولا يسقط. والأحوط أن يتمّم في محلّ المفقود بعد غسله بالقراح بدله. ولو فقد الماء ولم يتمكّن من استعماله حذراً على الغاسل أو على الميّت من تناثر لحمه كالحريق والمجدور أو غير ذلك من أسباب عدم التمكّن من استعماله وجب أن ييمّم ثلاثاً. ولو لم يحصل له ماء إلّا لغسلةٍ فالسدر وهكذا ، وييمّم بدل المفقود. ويجب ترتيب الثلاثة كما مرّ ، فلو أخّر وقدّم أعاد المؤخّر ، ولو أهمل عضواً أو بعضه من مقدّم أعاد عليه وما بعده إن كان وأعاد تاليه من رأس.

ويكفي الإرماس في كثير وضع فيه سدر ، ثمّ ما فيه كافور ، ثمّ في قراح. ومسمّى الخليطين كافٍ ، وفي الكثرة ما لا يخرجه عن الإطلاق. وأخضر السدر أولى من مطحون يابسه.

وكيفيّة كلّ غسل كالجنابة ، ويكفي فيه ما يكفي فيه من القدر ، فلا بدّ من إيصال الماء إلى البشرة ، ولو كان عليه ما يمنع منه ولو جبيرة وجب نزعه ، فإن تعذّر غسل ظاهره. والجرح يحشّى ويعصّب ويغسل ، ولو لم يمكن حبس الدم ولو بوضع شي‌ء ترك مخرج الدم وغسل غيره.

ولو أُبين عضو أو بعضه غسل في موضعه ليحصل الترتيب وجعل في الكفن. ومن مات وعليه غسل واجب كفى غسل الأموات إجماعاً (١). ولو خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده ، طهّرت ولا يعاد الغسل ولا يوضّأ لها. والميّت مُحرماً كغيره مطلقاً إلّا في الكافور ، فإنه لا يقربه في غسل ولا حنوط ولا بدل له. ولو غسل محرم محلّاً ضرورةً فإن توقّف على مسّه سقط غسل الكافور ، ويحتمل عدم السقوط وتلزم الكفّارة كالمضطرّ.

ويجب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين عدا من حكم بكفره فإنه لا يغسّل ولا يدفن إلّا أن يتضرّر المسلمون بريحه. وبحكم المسلم طفله حتّى السقط إذا كمل له أربعة

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٤٣٢.

٢٦٠