رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

الدليل على ما يجهر فيه ويخفت من الأخبار

ويدلّ عليه من الأخبار مثل صحيح الفضل بن شاذان : كما في ( الفقيه ) ، و ( العلل ) ، و ( المحاسن ) عن الرضا عليه‌السلام : في حديث ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض أنه قال إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أن هناك جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى ؛ لأنه إذا لم يرَ جماعة علم ذلك من جهة السماع. والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنما [ هما (١) ] بالنهار في أوقات مضيئة ، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع (٢).

وفي ( العلل ) عن محمّد بن حمران : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة (٣) وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلاة مثل الظهر والعصر لا يجهر فيها؟ فقال لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .. (٤) الخبر.

ووجه الدلالة فيهما إطلاق الحكم بنفي الجهر في الظهرين ، ولا يصدق النفي إلّا برفع الحقيقة ، فإذن لا جهر فيهما أصلاً بمنطوق الروايتين فيعمّ أخيرتيهما.

وأيضاً لو كان فيهما جهر لَمَا تحقّقت العلّة المذكورة في الخبر الأوّل ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما إلّا ما حكاه الشيخ حسين آل عصفور : في ( شرح المفاتيح ) عن عمّه في إحيائه من الحكم بتبعيّة الأخيرتين للأوليين في وجوب الجهر والإخفات ، محتجّاً بإطلاق كثير من المعتبرة المعلّلة وجوب الجهر والإخفات بقوله فيها : ( لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات مثل الظهر والعصر لا يجهر فيهما ) ، فإنه شامل للأوليين والأخيرتين. وكذا صحيح الفضل بن شاذان.

وأيّده بصحيحة زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال إذا كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( هو ).

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٤ / ٩٢٧ ، علل الشرائع ١ : ٣٠٥ / ٩ ، المحاسن ، باختلاف.

(٣) في المصدر : ( الفجر ) بدل : ( الجمعة ).

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٦ / ١.

٥٠١

الأُوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ، فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (١) والأخيرتان تبع للأُوليين (٢).

ووجه ذلك أنه قد ساوى بين الأُوليين والأخيرتين في الحكم معاً أعني في المنع من القراءة ووجوب الإنصات حتّى جاء في رواية ( السرائر ) (٣) بدل ولا تقرأن شيئاً ولا تقولنّ شيئاً ، ثمّ أكّده بقوله والأخيرتان تبع للأُوليين ، فهذه شاهدة بالمساواة.

وربّما يجاب عن هذا الاستدلال بأن هذه التبعيّة إنما كانت في تحريم القراءة خلف الإمام لا في وجوب الإنصات ؛ ولهذا اقتصر على قوله ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ولم يتبعها بقوله وأنصت لقراءته كما أتبعها في الأُوليين ، فيكون قوله والأخيرتان تبع للأُوليين دليلاً على المنع من القراءة خلفه لا غير ، وليس فيه تعرّض للإنصات ، فلا يكون دالّاً على الجهر في الأخيرتين تبعاً للأُوليين ، انتهى وهو حسن.

ولكنّا في غَناء عنه ؛ لتفرّده بهذا القول ، وخرقه الإجماع ، ولأنه مردود بالأخبار الدالّة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، أمّا الجهر فيتحقّق بتحقّقه في جزء من غيرهما ؛ لأنه إثبات ، وخرج جواز الأمرين في سائر الأذكار بدليل.

وقريب منهما ما في ( المحاسن ) في مسائل اليهود للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : في علّة الجهر في ثلاث فرائض ، والإخفات في اثنتين.

وقريب من ذلك صحيحة عبد الله بن سنان أنه قال إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ ، وكان الرجل مأموناً على القراءة (٤) ، فلا تقرأ خلفه في الأُوليين.

وقال يجزيك التسبيح في الأخيرتين.

قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال أقرأ فاتحة الكتاب (٥).

فإنه أثبت صلاة لا يجهر فيها الإمام أصلاً حتّى يفرغ.

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٠ وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٥ أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ٣.

(٣) السرائر ٣ : ٥٨٥.

(٤) من المصدر : ( القرآن ).

(٥) تهذيب الأحكام ٣ : ٣٥ / ١٢٤ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ١٢.

٥٠٢

فإن قلت : ذلك مخصوص بالقراءة.

قلت : الفرق بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين شاذّ ، بل الظاهر أنه حادث في عصرنا ولا دليل عليه أصلاً ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما.

ومنها : صحيحة ابن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس (١) ، فإن ظاهره أن هناك ركعتين معهودتين لا يعهد فيهما للإمام بالجهر ، وإنما حملنا الصمت فيهما على الإخفات للنصّ (٢) والإجماع على وجوب القراءة له في الأُوليين ، والقراءة والتسبيح في الأخيرتين.

قال الشيخ حسين : ( الركعتان اللتان يصمت فيهما يبعد حملهما على الأُوليين ؛ لأنه لا يستمر على الصمت فيهما ؛ لأنهما يكونان جهريّتين تارة وإخفاتيّتين اخرى. مع أنه اشتمل على ما يؤيّد كونهما الأخيرتين ، وهو قراءة الحمد وحدها ، وهو وظيفة الأخيرتين ، ولا ينافيه قوله

إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس

؛ لأنه مخيّر بين القراءة والتسبيح ، فيحمل السكوت على ترك القراءة خاصّة دون التسبيح بقرينة المقابلة ) ، انتهى.

ويدلّ عليه قيام النصّ (٣) والإجماع على عدم جواز سكوت المأموم في الأخيرتين بالكلّيّة ، ويحتمل ما هو أعمّ من الأخيرتين مطلقاً وأُوليي الظهرين ، ويحتمل اختصاصه بهما بقرينة الرخصة في السكوت بأن نحمله على ظاهره.

ومنها : صحيح أبي خديجة : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأُوليين ، وعلى الذين من خلفك أن يقولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام. فإذا كانوا في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٢ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ١٣.

(٢ و ٣) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٢ أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ٦.

٥٠٣

الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين (١).

فإن المماثلة بإطلاق شاملة للكميّة والكيفيّة من الجهر أو الإخفات ، والمعلوم من حال المأموم أن حكمه الإخفات بالتسبيح في أُوليي الإمام إذا كان حكمه التسبيح وذلك في أُوليي الظهرين ، ويكون هذا الخبر فيه دلالة على عدم جواز قراءة المأموم في أُوليي الإمام.

والتفريع في قوله فإذا كانوا ، يشعر بأنهم غير مسبوقين ، واحتمل بعض أجلّة المعاصرين في قوله فإذا كانوا أنه بيان لحكم المسبوقين بركعتين ، وهو بعيد مع أنه لا يخرج الحديث عن دلالة ظاهره على أن حكم الإمام أن يسبّح في الأخيرتين إخفاتاً كما هو ظاهر مع إطلاق المماثلة بينه وبين ما المعهود منه الإخفات به بلا خلاف وإن كان على وجه الأفضليّة.

ومنها : خبر بكر بن محمّد : عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال إني لأكره لكم أن يصلّي الرجل خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنه حمار.

قلت : فيصنع ماذا؟ قال يسبّح (٢).

والتقريب ما تقدّم في أوّل الأخبار ، حيث إنه أثبت صلاة لا جهر فيها أصلاً ، ويحتمل إرادة الأُوليين وإن كان خلاف ظاهره.

ومنها : ما نقله الشيخ حسين عن ( الذكرى ) (٣) و ( المعتبر ) (٤) و ( المنتهى ) (٥) من الخبر النبويّ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ، ويخفت في ما عدا ذلك. وهو صريح في المطلوب. وتخصيصه بما إذا قرأ دون ما إذا سبّح دعوى بلا دليل مع مخالفته لصريحة ، وخرج ما سوى الأخيرتين وثالثة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٢ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ٦ وفيهما : « كان » بدل : « كانوا ».

(٢) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٠ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ١ ، بتفاوتٍ يسير في الجميع.

(٣) الذكرى : ١٨٩ ( حجريّ ).

(٤) المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٢٧٧ ( حجري ).

٥٠٤

[ المغرب (١) ] بدليل الإجماع والنصّ (٢).

ومنها : صحيحة صفوان : قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام ، أيّاماً ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وأخفى ما سوى ذلك ) (٣).

وظاهره بعمومه شامل للتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب ، ولا ريب أنه سبّح في حال (٤).

ومنها : ما اشتهر بين الأُمّة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة النهار عجماء (٥) ، فإن إطلاقه شامل للتسبيح ، ولا فارق بين أخيرتي صلاة النهار والليل.

ومنها : صحيحة الحلبي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ خلفه (٦).

ومثلها حسنته (٧) تشعر بأن هناك صلاة لا يجهر فيها بالقراءة مطلقاً ، ولا دليل على الفرق بين التسبيح والقراءة ، ولا بين أخيرتي الإخفاتيّة والجهريّة.

ومنها : صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال إن كنت خلف إمام فلا تقرأن في الأُوليين شيئاً وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين. فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا

__________________

(١) في المخطوط : ( الظهرين ).

(٢) انظر وسائل الشيعة ٦ : ٨٢ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٦ : ٥٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١١ ، ح ١.

(٤) كذا في المخطوط.

(٥) بحار الأنوار ٣ : ١٣٣ ، بحار الأنوار ٨٢ : ٢٠٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٥ / ١١٥٦ ، وفيه : « أو » بدل : « أم » ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٥ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ١ ، ولم يرد فيهما : « خلفه ».

(٧) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ٢ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ، ب ١ ، ح ١٢.

٥٠٥

قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) (١) الآية والأخيرتان تبع الأُوليين (٢).

فقد أمره بالإنصات لقراءته في الأُوليين ، ونهاه عن القراءة في الأخيرتين ، ولم يأمره بالإنصات للإمام ، وهو مشعر بإخفات الإمام ، بلا فرق بين تسبيحه وقراءته فيهما ، وهو يدلّ على أرجحيّة التسبيح للمأموم.

ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ قال أمّا الصلاة التي لا يجهر فيها فإن القراءة جعلت إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت مَنْ خلفه (٣).

فقد دلّ على أن هناك صلاة لا جهر فيها أصلاً بتقريب ما سبق ، ولا فارق بين أخيرتي الجهريّة والإخفاتيّة ، والخبر كالفتوى لم يفرّق بين القراءة والتسبيح. ورواها عنه أيضاً في ( العلل ) (٤) بطريق صحيح على ما في ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : [ أيقرأ (٥) ] الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام (٦).

وهو بإطلاقه شامل للأخيرتين ، ولا فرق بينهما وبين أخيرتي غيرهما ، وظاهره أن الإمام يخافت فيهما بالقراءة ، وإنما علم المأموم أنه يقرأ بغير طريق سماعه القراءة ، ولا فرق بين القراءة والتسبيح.

ومنها : صحيح الحلبي (٧) : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أيضاً مثل صحيحه الأوّل (٨) ،

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٠ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٥ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ١ ، تهذيب الأحكام ٣ : ٣٢ / ١١٤ ، الإستبصار ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ / ١٦٤٩ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٦ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ٥.

(٤) علل الشرائع ٢ : ٢٠ / ١.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( ما يقرأ ).

(٦) تهذيب الأحكام ٣ : ٣٣ / ١١٩ ، الإستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٤ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٧ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ٨.

(٧) تهذيب الأحكام ٣ : ٣٤ / ١٢١.

(٨) الفقيه ١ : ٢٥٥ / ١١٥٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٥ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ١.

٥٠٦

وصحيح بكر بن محمّد (١) : أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : مثل حديثه الأوّل (٢) ، وصحيحه أيضاً عنه عليه‌السلام مثله (٣).

ومنها : قويّة أبي بصير : قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتّى أسمعنا ، فلمّا انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهّده من خلفه. قال نعم (٤).

فإن فحواه ، بل ظاهره أنه عليه‌السلام أخفت بجميع صلاته ، وإنما جهر بالتشهّد أو بالتشهّد الأخير أو بآخر تشهّده.

قال الشيخ علي المقابي : ( وكيف كان ، فالخبر ظاهر ، بل صريح في أنه عليه‌السلام قبل تشهّده الأخير أو قبل آخر تشهّد لم يسمعهم شيئاً ، ويلزم من ذلك أنه لم يجهر ، وكون هذا الكلام ممّا يدلّ صريحاً على أنه عليه‌السلام قبل ذلك لم يسمعهم ممّا لا يحتمله الريب ؛ لأنه أمر جليّ متبادر لمن له أدنى معرفة بأساليب كلام الفصحاء ، فيكون مفاد الخبر أنه عليه‌السلام قَبلُ لم يُسمعهم شيئاً ، والجهر لازم للإسماع ) ، انتهى.

فهذه الأخبار وأمثالها دليل على وجوب الإخفات للإمام والمنفرد في الأخيرتين ، وحكم المأموم معلوم. وهذا كلّه ، مضافاً إلى أن الإخفات فيهما مطلقاً قرأ أو سبّح المصلّي هو المعروف من المذهب فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع. وهذا كلّه ، مضافاً إلى ما ادّعاه ابن زهرة في ( الغنية ) من الإجماع قال : ( ويجب الجهر بجميع القراءة في أوليي المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة بدليل الإجماع .. ويجب الإخفات في ما عدا ما ذكرناه بدليل الإجماع المشار إليه ) (٥).

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ويجب الجهر بالحمد والسورة في

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٠ أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ١.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٠ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ٣٧ / ١٢٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ١٠٢ / ٣٨٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠١ ، أبواب التشهّد ، ب ٦ ، ح ٣.

(٥) الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٤ : ٥٤٧.

٥٠٧

الصبح وفي الأُوليين من المغرب والعشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء ) (١) ـ : ( هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ في ( الخلاف ) (٢) الإجماع ) (٣) ، انتهى.

ودعوى الشيخ الإجماع على ذلك في ( الخلاف ) قد استفاض النقل به عنه جدّاً.

وقال الشيخ علي ابن الشيخ محمّد المقابي : في رسالته المعمولة في المسألة : ( المشهور بين علمائنا قديماً وحديثاً وجوب الجهر على المصلّي مطلقاً إماماً كان أو منفرداً في الصبح وأُوليي العشاءين ، والإخفات في البواقي ، فلو عكس عامداً بطلت صلاته ، بل نقل الشيخ في ( الخلاف ) (٤) عليه الإجماع. ومثله ابن إدريس في سرائره حيث قال : ( لا خلاف في عدم جواز الجهر في الإخفاتيّة ) (٥). وقال في موضع آخر : ( الجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب ) (٦) ). ثمّ نقل خلاف المرتضى.

وقال العلّامة : في ( التذكرة ) : ( يجب الجهر في صلاة الصبح وأُوليي المغرب ، وأُوليي العشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب وأخيرتي العشاء عند علمائنا أجمع ) (٧) ، انتهى. وهذا ينافي ما سيأتي من نسبة القول بجواز الجهر بالتسبيح للتذكرة في كلام الشيخ حسين : ولابن إدريس أيضاً ، والإجماع المنقول لا يقصر عن الخبر الصحيح إن لم نقل : إنه أرجح منه ؛ لما فيه من تطرّق الاحتمال بخلاف الإجماع.

وممّا يزيدك بياناً المرسل المشهور بين العصابة شهرة أكيدة مع اعتضاده بعمل المشهور قديماً وحديثاً به ، وأورده المحقّق : في ( المعتبر ) (٨) والشهيد : في ( الذكرى ) (٩) وشرّاح ( الجعفرية ) والعلّامة : في ( المنتهى ) (١٠) و ( التذكرة ) (١١) وغيرهم ، بل استفاض

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٧٢. (٢) الخلاف ١ : ٣٣١ / المسألة : ٨٣.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٦.

(٤) الخلاف ١ : ٣٧٢ / المسألة : ١٣٠.

(٥) السرائر ١ : ٢١٨.

(٦) السرائر ١ : ٢٢٣.

(٧) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥١ / المسألة : ٢٣٦ ، وفيها ( عند أكثر علمائنا ).

(٨) المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٩) الذكرى : ١٨٩ ( حجريّ ).

(١٠) منتهى المطلب ١ : ٢٧٧.

(١١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥١ / المسألة : ٢٣٦.

٥٠٨

نقله ، وكلّ من رواه نقله على سبيل القطع والجزم به.

فهو يدلّ بظاهره على دعوى استفاضته ، بل تواتره ، وهو أن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم كانوا يجهرون في الصبح وأُوليي المغرب والعشاء ، ويسرّون في البواقي ، إلّا إن بعض نقلته يقتصر على نقل ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعضهم ينقله عنه وعن جميع أهل البيت عليهم‌السلام (١) ، وبعضهم يصرّح بأن ذلك دأبهم في العمل وأنهم مداومون على ذلك مدّة حياتهم ، كبعض شرّاح ( الجعفرية ).

وعن العلّامة : في ( التذكرة ) أنه قال بعد أن نقل عن المرتضى القول بالاستحباب ـ : ( وهو غلط ؛ لمصادمته الإجماع ، ومداومة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والصحابة والأئمّة عليهم‌السلام ، فلو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان ) (٢) ، انتهى.

والأخبار المعلّلة للجهر والإخفات تدلّ على أن هذا المرسل حقّ.

وهذه الأخبار مع عمل المشهور به واستفاضة نقل الإجماع تخرج هذا الخبر عن حيّز الإرسال خصوصاً مع جزم ناقلية به ، فهو إذن أقوى من مسند صحيح بلا تأمّل. وهو مع ما استفاض بين الأُمّة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (٣) ، يدلّ على ما هو المشهور من وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقاً. على أنا لا نحتاج في دلالة الأوّل على الحكم إلى ضمّ الخبر الأخير إليه ؛ لأنه قد نقل جماعة الإجماع على أن الأصل في فعله في العبادات الوجوب خصوصاً في الصلاة ، كما في ( الفوائد الحائرية ) (٤) وغيره من كتب الأُصول ، خصوصاً وقد صلّى في محلّ البيان.

وبعد هذا فلا شبهة في وجوب الإخفات فيهما ، مع أنه الأحوط ؛ إذ لم يقل أحد فيما علمنا بوجوب الجهر فيهما مطلقاً ، وإنما حدث القول به من بعض من قارب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٨٢ ـ ٨٦ أبواب القراءة ، ب ٢٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٥٢ / المسألة : ٢٣٦ ، وفيه ( للإجماع ) بدل : ( لمصادمته الإجماع ).

(٣) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ / ٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٨٧ / ٣٨٥٦.

(٤) الفوائد الطوسيّة : ٣١٦ / الفائدة : ٣٢.

٥٠٩

عصره زماننا جدّاً (١). وبهذا يعلم أنه باطل ؛ إذ لو كان حقّا للزم خلوّ الأرض من قائل بالحقّ ، وهو باطل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل القول بخلوّ الأرض من قائل بالحقّ يؤدّي إلى إنكار وجود الحجّة ، ولسنا مكلّفين إلّا بما علمنا ، فإمكان وجود قائل لا نعلمه ولا يعلمه من وقفنا على كلامه في المسألة مع اختلاف أعصارهم وأمصارهم لا يصادم تحقّق الإجماع على عدم القول بالوجوب ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان.

وقد خصّ بعض المعاصرين المرسل المذكور بالقراءة دون التسبيح ، وهو تخصيص بلا دليل ، بل لا ينبغي الارتياب في وقوع التسبيح من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والأئمّة عليهم‌السلام مطلقاً ، سواء كانوا أئمّة أو منفردين ، ولأنه الفرد الأكمل من الفردين.

وممّا يدلّ على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : سبّح في أخيرتيه ما جاءت به الأخبار المعلّلة للتسبيح في الأخيرتين من الرباعيّة وثالثة المغرب أنه فعل ذلك لِمَا رأى من عظمة الله تعالى فسبّح (٢) ، بل ظاهره مواظبته صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، بل جزم بعض الأفاضل بمواظبته صلى‌الله‌عليه‌وآله على التسبيح ، مضافاً إلى جزمه بمواظبته على الإخفات في ذلك ، وجعله دليلاً على مساواة التسبيح لحكم القراءة.

وبما قرّرناه يجب ألّا يلتفت إلى إنكار بعض أجلّة أهل البحرين لذلك الخبر قائلاً : ( إنه غير ثابت من طرق الأصحاب ، وإنما هو من طرق العامّة ، فلا ينهض حجّة ). وهذا منه في غاية الغرابة بعد وقوفه عليه في كتب هؤلاء الأفاضل من رؤساء الفرقة جازمين به ، بل استفاض نقله بين العصابة على سبيل البتّ ، واشتهرت روايته بينهم كذلك ، بحيث لا يكاد ينكر ، بل كلّ من بحث في المسألة سلّمه ، والسبر شاهد. وعدم وجوده مسنداً في كتب أصحابنا لا يوجب إنكار روايته من طرقهم واختصاص العامّة بروايته ، بل الظاهر اتّفاق الأُمّة على روايته ، فلا ينبغي الارتياب

__________________

(١) رياض المسائل ٢ : ٣٠٨ ، مستند الشيعة ٥ : ١٦١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٩٢٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٣.

٥١٠

فيه بوجه ، وهو من أوضح الأدلّة في المسألة. وعلى ما قرّرناه لا يبقى حديث في المسألة يوهم خلافه يقوى على معارضته ومقاومته.

وما أجاب به الشيخ علي المقابي : عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلي (١) من منع كون الأمر للوجوب ، ظاهر الضعف. وتحقيق كونه للوجوب في كتب الأُصول ، على أن هذا بناء منه على أن دلالة المرسل المذكور على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا مفتقر إلى ضمّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أصلي.

وقد نبّهناك على أنه غير مفتقر لذلك ؛ لأن فعله حجّة كقوله ، خصوصاً البياني ، خصوصاً في العبادات ، خصوصاً في الصلاة ، وأن الأصل في فعله فيما علم منه التقرّب به خصوصاً الصلاة الوجوب ، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد.

وقال الشيخ حسن الدمستاني : ( وأمّا الاستدلال على وجوب الجهر والإخفات في محالّهما بأن ذلك واجب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : فيجب علينا لقوله صلّوا كما رأيتموني أصلّي ، فضعيف ). وأطال العبارة في توجيه الضعف بمنع دخول الأقوال وكيفيّاتها في جملة المأمور به في الخبر ، وإن ذلك يلزم منه تكليف ما لا يطاق ؛ لاستحالة الإتيان بمثل كيفيّة ألفاظه من كلّ وجه ، حتّى في الشدّة والضعف ومقدار الجهر والإخفات.

وقد أكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، وأغنانا عن ردّ كلامه بتسليمه أن ذلك واجب على الرسول ؛ إذ لا قائل بأن ذلك من خواصّه صلى‌الله‌عليه‌وآله. والبرهان من السبل الثلاثة قائم على أنه لا يكلّف بالمحال ، وقد فهم منه هذا الشيخ ما لم يفهمه أحد قبله من أرباب النفوس القدسيّة. وناهيك بها أمارة على خطأ فهمه ، عاملنا الله وإيّاه بعفوه.

القول بأن الجهر مع القراءة والإخفات مع التسبيح والدليل عليه

وذهب بعض أجلّة المعاصرين من علماء البحرين إلى أن الإمام والمنفرد والمأموم إن قرؤوا وجب الإخفات ، وإن سبّحوا وجب على الإمام الجهر بالتسبيح ،

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٨ / ٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٨٧ / ٣٨٥٦.

٥١١

وتخيّر المنفرد بين الجهر والإخفات ، ووجب الإخفات على المأموم.

واستدلّ على وجوب الإخفات على مَن قرأ بجملة من الأخبار المتقدّمة ، وخصّها كلّها بعد تسليمه دلالتها عل وجوب الإخفات ، إماماً كان المصلّي أم مأموماً أم منفرداً بما إذا قرأ المصلّي دون ما إذا سبّح ، وهو تخصيص بلا دليل ، وفرق من غير فارق.

قال رحمه‌الله بعد أن استدلّ على وجوب الإخفات فيما إذا قرأ المصلّي بجملة من الأخبار الدالّة على وجوب الإخفات مطلقاً ، وخصّها من غير مخصّص بمن قرأ دون من سبّح ـ : بقي الكلام على التسبيح في الأخيرتين حيث لا دخول له في حكم القراءة ؛ لأنه بدل تخييري إلّا إنه من الأذكار ، فحقّه أن يكون المصلّي فيه بالخيار كالقنوت والتشهّد وأذكار الركوع والسجود وإن ترجّح للإمام الجهر به وللمأموم الإخفات به ، والمنفرد فيه باقٍ على الخيار ، إلّا إن هذا الرجحان الثابت فيه للإمام محتمل للوجوب والاستحباب ، فلا تبرأ ذمّة الإمام إلّا بفعله ، كما تدلّ عليه موثّقة أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال ينبغي للإمام أن يسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام شيئاً ممّا يقول (١).

وذلك أمارة الوجوب للإمام والمأموم ؛ لأنهما وردا في موثّقة أبي بصير على وتيرة واحدة بعبارة مشتركة بين الوجوب والاستحباب في الإمام ، وبين الكراهة والتحريم في المأموم.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر صحيحة محمّد بن قيس : التي فيها كان عليّ عليه‌السلام ، يقرأ في أُوليي الظهر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء ، وكان يقرأ في أُوليي العصر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء (٢).

فإن ظاهرها أنه عليه‌السلام كان مستمرّاً على الجهر بالتسبيح في الأخيرتين من الظهرين

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ١٠٢ / ٣٨٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠١ ، أبواب التشهّد ، ب ٦ ، ح ٢ ، باختلاف.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٧ / ٣٦٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٩. بالمعنى.

٥١٢

كما كان مستمرّاً على الإخفات بالقراءة في كلّ من الأُوليين في الظهر والعصر بقرينة المقابلة ، وإحالة التسبيح فيهما على صلاة العشاء التي هي من الجهريّة ، ولا يمكن نسبة الإخفات إلى صلاة العشاء باعتبار آخريّتها ؛ لأنها من الصلاة الجهريّة ، ولا تحال صلاة الإخفاتيّة عليها ، بل ينبغي العكس.

وكذا ليس المراد بالإحالة عليها في أصل التسبيح في الأخيرتين ؛ إذ لا خصوصيّة للعشاء به ، بل الصلوات كلّها فيه على حدّ سواء ، فلا إحالة على العشاء في هذا الصحيح لأمر سوى الجهر به كما فهمه محمّد تقي : في ( شرح الفقيه ) (١) ، وتبعه ابنه في ( شرح التهذيب ) (٢).

ومن العجب ما وقع للشيخ عبد الله بن صالح : في ( أجوبة المسائل المحمّديّة ) (٣) ، حيث استدلّ بهذا الصحيح على وجوب الإخفات في التسبيح.

والذي حمل هؤلاء على التزام الإخفات اشتهاره بين الطائفة لبدليّته عن القراءة ، والقراءة إخفاتيّة لما ذكرناه من الأدلّة. وهو من القياس الصرف ، وليس من مذهبنا الاستدلال به ، مع أن هذا الدليل يستلزم كون القراءة هي الأصل في الأخيرتين والتسبيح بدلاً عنها.

وقد قدّمنا لك من الأخبار البالغة حدّ الاشتهار أن التسبيح هو الأصل ؛ للفرق بين ما فرضه الله على العباد وبين ما فرضه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمرٍ منه ، ولأن التسبيح في الأخيرتين إنما فرضه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لِمَا ذكر ممّا أدركه من عظمة ربّه في صلاة المعراج (٤) فسبّحه تنزيهاً لذاته ، كما دلّت عليه تلك الصحاح أيضاً.

وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (٥) من دلالة بعض العمومات عليه فلم نقف عليه

__________________

(١) روضة المتقين ٢ : ٣٠٩.

(٢) ملاذ الأخيار ٣ : ٥٨٤ ـ ٥٨٥.

(٣) عنه في الفرحة الأُنسية ٢ : ٨٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٩٢٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٣.

(٥) الذكرى : ١٨٩ ( حجريّ ).

٥١٣

في أخبارنا ؛ فإن أراد به ما جاء عنهم عليهم‌السلام من أن صلاة النهار عجماء ، وصلاة الليل جهر (١) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالجهر (٢) ، فيشمل القراءة والتسبيح ، فليس بنافع ؛ لأن عموم هذه الأخبار إنما يدلّ على أن التسبيح في صلاة الليل جهر ، وفي صلاة النهار إخفات ، وهم لا يلتزمونه. وإن أراد به ما ذكره المحقّق في ( المعتبر ) (٣) وعلّامة ( المنتهى ) (٤) وهو نفسه في ( الذكرى ) (٥) من الخبر النبويّ المتقدّم من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ويخفت في ما عداها ، فليس بنافع أيضاً ، لأنه مختصّ بالقراءة ولا يمكن التزام عمومه في سائر الأذكار ؛ لأنه يؤدّي إلى سقوط رجحان الجهر للإمام في أذكار الصلاة كلّها جهريّة وإخفاتيّة ، ومسقط للتخيير للمنفرد لكون الأذكار تابعة للقراءة على التقدير الأوّل ، أو إنها كلّها إخفات لهذا الحديث الثاني ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخفت في ما عدا هذه الركعات الشاملة للقراءة والأذكار ، ولا قائل به.

وقد عرفت أن قوله في صحيح أبي خديجة : كما يسبّح القوم (٦) إشارة إلى الكيفيّة ، وهي كون التسبيحات الأربع على هذا النحو المذكور من الترتيب والهيئة المذكورة.

وبالجملة ، فهذه الأخبار لا دلالة فيها على ما ادّعي من الإخفات بالتسبيح في الأخيرتين ، ومن ثمّ عدل عن هذا الحكم ابن إدريس : في سرائره (٧) والعلّامة : في ( التذكرة ) (٨) وأحمد بن فهد : في مهذّبه (٩) ، ومجرّد الشهرة غير كافٍ في الاستدلال.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٢ : ٢٠٢ / ١٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨٩ / ١١٦١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٢٧٧.

(٥) الذكرى : ١٨٩.

(٦) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٢ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٢ ، ح ٦ ، وفيهما : « مثل ما » بدل : « كما ».

(٧) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٨) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٤٥ / المسألة : ٢٢٩.

(٩) المهذّب البارع ١ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، وفيه : ( وهل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم. وبعدمه قال ابن إدريس ).

٥١٤

إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط هو أن يكون الإمام في الأخيرتين مرجّحاً للقراءة لتحصل له السلامة والخروج من عهدة هذا الخلاف وإن فاتته فضيلة التسبيح ؛ لما فيه من خطر الجهر والإخفات اللذين هما مظنّة البطلان والوقوع في محذور عدم القطع بصحّة الصلاة ، فهو في تردّد وحرج ؛ لعدم تيقّنه سلامة ذلك المنهج ) ، انتهى كلام خاتمة الحفّاظ المحدّثين الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

ولم يذكر دليلاً على تخيّر المنفرد لو سبّح إلّا أنه ذِكرٌ من الأذكار ، والأذكار يتخيّر فيها. ونحن نمنع كلّيّةً كبراه ، وسنده ما علمت ممّا قدّمناه وغيره ، ونطالبه بدليل كلّيّتها.

ثمّ أقول وبالله المستعان ـ : أمّا تخصيص إطلاقات تلك الأخبار وعموماتها بمن قرأ دون من سبّح فلا دليل عليه ، ولا ريب في أن المطلق والعامّ حجّة في جميع ما يتناوله من الأفراد. وإذا كان التسبيح بدلاً تخييريّاً من القراءة وقد ثبت وجوب الإخفات بأحد فردي الواجب التخييري ، ولم يظهر نصّ من الشارع على إخراج الفرد الثاني عن حكم مبدله ، وقد ثبت أن العبادات كيفيّات متلقّاة ظهر أن الشارع قد أحال حكمه على حكم بدله.

هذا إن سلّمنا عدم الدلالة على تساويهما في تلك الكيفيّة ، وقد سمعت الدلالة على ذلك. ولو قلنا : إنه لا دلالة فيما ذكرناه على ذلك ، لزم إهمال بيان كيفيّة التسبيح في غير الأُوليين ، مع إيجاب اتّباع الكيفيّة المتلقّاة في العبادات ، خصوصاً الصلاة ، مع أن الشارع بيّن كيفيّة جميع أجزائها واجباً ومندوباً ، فمحال أن يترك هذا الواجب ولم يبيّن وجوب الإخفات به أو الجهر أو التخيير. كيف يمكن أن يقال : لم يبيّن كيفيّته مع أنه بحسب الظاهر أفضل الفردين مطلقاً ، وهو قد استعمله البتّة ، والكيفيّة التي استعمله بها يجب اتّباعها ، ولا يجوز مفارقتها على حال ؛ لأن غيرها لم يأتِ من عند الله عزّ اسمه؟

وبيان كيفيّات الصلاة ممّا يعمّ به البلوى فلا يجوز إهماله في الشريعة ، والكيفيّة التي أتى بها الشارع فعلاً أو قولاً لا بدّ أن يتناقلها الشيعة جيلاً فجيلاً ، فدلّ هذا على أن الكيفيّة التي عليها عمل العصابة جيلاً فجيلاً ، المعروفة بينهم هي التي كان

٥١٥

يستعملها الشارع ، كما أنك تجزم بنسبة ما عليه معظم الشافعيّة في سائر الأعصار والأمصار إلى رئيسهم محمّد بن إدريس.

وبهذا يتبيّن لك أن المنفرد ليس فيه بالخيار كسائر الأذكار ، حتّى يقوم دليل عليه تصدق به كلّيّة الشيخ حسين ، ولم نقف عليه.

وأيضاً إذا سلّم بدليّته عن القراءة لزمه أن يحكم فيه بحكم مبدله ، كما نسبه هو إلى جميع من أوجب الإخفات به ، وهم معظم الفرقة.

وفي حكمه رحمه‌الله تعالى بوجوب الجهر به على الإمام والإخفات على المأموم إخراجٌ له عن حكم سائر الأذكار ، كأذكار الركوع والسجود والتشهّد وغيرها ، ممّا قام الدليل على جواز الجهر والإخفات به ، فليس هو إذن كأحدها.

وأمّا إنه لا تبرأ ذمّة الإمام بيقين إلّا بالجهر به ولا ذمّة المأموم بيقين إلّا بالإخفات به ؛ لاحتمال الوجوب والاستحباب في حقّ الإمام والكراهية والتحريم في حقّ المأموم ، فبناء منه على ما لا دليل عليه من دوران حكم الإمام بين الاستحباب والوجوب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم.

وغير خفيّ أن يقين البراءة إنما هو في الإخفات لهما ؛ لانحصار الحكم بين الفرقة في سائر الأعصار والأمصار في جواز الجهر به مطلقاً ، ووجوب الإخفات مطلقاً ، واستحبّ بعض القائلين بالجواز الجهر به للإمام (١).

فالاحتياط ويقين البراءة لا [ يحصلان (٢) ] إلّا بالإخفات به مطلقاً ، حيث لا نعلم قائلاً بالوجوب قبل حدوث هذا القول من الشيخ المذكور وبعض أعمامه وأبيه الشيخ محمّد ، بل ظاهر كلام الشيخ محمّد : والد الشيخ حسين : المذكور وجوب الجهر للإمام بجميع أذكار الصلاة عدا الستّ الافتتاحيات (٣) ؛ لخبر أبي بصير

__________________

(١) سداد العباد : ١٧٠ ـ ١٧١ ، الفرحة الأُنسية ٢ : ٧٩.

(٢) في المخطوط : ( يحصل ).

(٣) انظر وسائل الشيعة ٦ : ٣٣ ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ب ١٢.

٥١٦

المذكور (١) ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا الاستدلال على أن حكم الإمام دائر بين الوجوب والاستحباب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم ، بموثّقة أبي بصير المذكورة (٢) حيث إنها اشتملت على لفظ ينبغي للإمام .. ولا ينبغي للمأموم ، وهو لفظ مشترك بين الوجوب والندب ، لوروده مستعملا فيهما ، فنفيه مشترك بين الكراهية والتحريم ففيه أن لفظ ينبغي لا نعرف أحداً ممّن علمناه قبل الشيخ عبد علي : عمّ الشيخ حسين : المذكور ـ [ فهم ] من معنى ينبغي إلّا الرجحان الذي لا يبلغ حدّ الوجوب. واستعمال الشارع له في الوجوب بقرينة لا يدلّ على أنه حقيقة شرعيّة ولا عرفيّة ولا لغويّة فيه ، بل ظاهر اللغة والعرف العامّ أنه حقيقة في الرجحان كما قلنا.

والنقل عنه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، والشارع لا يخاطب الناس إلّا بما يعرفون ، بل أمروا عليهم‌السلام نوّابهم بأن يخاطبوا الناس بما يعرفون ويذروهم بما لا يعرفون ، فلو أرادوا عليهم سلام الله من لفظ معنى لا يعرفه المخاطب فلا بدّ أن يبيّنوا له المراد ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان. ومتى أطلقوا القول ولم يدلّوا على معنى غير ظاهره وما يفهمه المخاطب منه ، فلا بدّ أن يريدوا منه ما يفهمه المخاطب بمقتضى أدلّة العدل.

ولو سلّمنا أن « ينبغي » مشترك بين الوجوب والاستحباب شرعاً حتّى يكون لا ينبغي مشتركاً بين الكراهة والتحريم ، وأطلق القول كما في هذا الموثّق بلا قرينة تعيّن أحد الحقيقتين وجب حمله على القدر المتيقّن ، وهو المعنى المشترك بين الحقيقتين أعني : مطلق الرجحان وهو لا يدلّ على أكثر من الاستحباب ؛ لأنه المتيقّن ، وإلّا لزم الإغراء بالجهل ، أو التكليف بالمجهول ، وهو تكليف بما لا يطاق.

هذا مع أنه محال أن يطلق الشارع في حال التكليف لفظاً له معنيان حقيقيّان ولا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ١٠٢ / ٣٨٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠١ ، أبواب التشهّد ، ب ٦ ، ح ٢.

(٢) المصدر نفسه.

٥١٧

يبيّن المراد منهما مع تباين الحقيقتين ؛ لأن أحدهما غير مراد البتّة. والتكليف قبل البيان محال ، فظهر بطلان قوله بأن يقين البراءة إنما يحصل بالجهر به ؛ لأنه ربّما كان المراد الندب ، فاعتقاد أنه واجب والإفتاء به حينئذٍ مع قيام الاحتمال وإجمال المقال ربّما أدّى إلى الإدخال في الشريعة ما ليس منها.

وبالجملة ، إذا قيل : إنه حقيقة في الوجوب والندب وجب أن يردف بقرينة تعيّن المراد ، ومتى سلّمنا أنه أطلق في مقام بلا قرينة تُعيّن المراد وجب القول بأنه ليس له إلّا حقيقة واحدة يجب صرفه إليها مع الإطلاق ، وإلّا لزم القول بوقوع التكليف قبل البيان ، وهو محال لما يلزمه من التكليف بالمحال.

وإن التزمنا إردافه بقرينة لزم أنه مجاز ، وأنه لا يستعمل إلّا مجازاً ، والشيخ حسين قد سلّم أنه في هذا الموثّق مستعمَل بلا قرينة تُعيّن أحد الأمرين ، فيلزمه أنه ليس حقيقة إلّا في أحدهما ، فأمّا أن يعرف موضوعه فيجب صرفه إليه وإن كان المفروض مستحيلاً لوجوب البيان ، وإلّا وجب صرفه إلى الاستحباب ؛ لأنه القدر المتيقّن.

ولو سلّمنا أنه حقيقة في الوجوب كما ذهب إليه الشيخ محمّد أبو الشيخ حسين ، وعدّى الحكم بوجوب الجهر على الإمام في جميع أذكار الصلاة ، عملاً بهذا الموثّق عدا الستّ الافتتاحيات ففيه بعد المنع بما سمعت أنه يعارض أيّ خبر من الأخبار المتقدّمة ، خصوصاً المرسل [ الذي (١) ] اشتهرت روايته والعمل به بين الفرقة اشتهار الشمس في رابعة النهار ، وقد أُمرنا بالعمل بما اشتهر. [ والإجماع (٢) ] المنقول في كلام جمع حتّى كاد أن يستفيض على وجوب الإخفات (٣) بالأخيرتين وثالثة العشاء مطلقاً. [ و (٤) ] الإجماع المحقّق في سائر الأزمان والأصقاع على عدم وجوب الجهر في ذلك مطلقاً ، حتّى كاد أن يكون ضرورياً بين المسلمين قديماً وحديثاً. ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فهذا الخبر عامّ.

__________________

(١) في المخطوط : ( التي ).

(٢) في المخطوط : ( أم إجماع ).

(٣) شبه الجملة خبر للمبتدإ : ( والإجماع ).

(٤) في المخطوط : ( أم ).

٥١٨

فإمّا أن نعمل بعمومه فنطرد الحكم بوجوب الجهر على الإمام قرأ أم سبّح ، بل وفي جميع أذكار الصلاة ، أو نعمل بعموم تلك الأدلّة وإطلاقاتها فنوجب الإخفات عليه قرأ أم سبّح.

فإن قلنا : خرج ما سوى ذكر الأخيرتين وثالثة المغرب قراءة وتسبيحاً بدليل.

قلنا : إمّا أن نطرح تلك الأخبار والأدلّة ونعمل بهذا الموثّق قراءة وتسبيحاً ، أو نعمل بتلك الأدلّة ونطرح هذا الموثّق قراءة وتسبيحاً.

أمّا تخصيص تلك الأدلّة بالقراءة ، والموثّق بالتسبيح فحكم بلا دليل وجمع عليل ، وأيّ عليل؟ خصوصاً إذا قلنا بأن الجهر للإمام على سبيل الوجوب بمجرّد هذا الخبر الضعيف.

هذا كلّه مضافاً إلى أن الفقهاء قديماً وحديثاً إنما فهموا منه استحباب جهر الإمام بذكر الركوع والسجود والتشهّد وسائر الأذكار المستحبّة غير الستّ الافتتاحيات والتعوّذ وإخفات المأموم بذلك ، ولم يفهم منه أحد شمول التسبيح في الأخيرتين والثالثة ، ولا اختصاصه بذلك قبل أبناء الشيخ أحمد الدرازي على ما يشهد به التتبع ، وهم أصحاب النفوس القدسيّة ورؤساء الفرقة. ويجب على الباحث عن أحكام الشريعة إذا فهم من حديث معنًى أن يعرض فهمه على فهوم العلماء ورؤساء المذهب ، فإن وافق فهمه فهومهم حمد الله ، وإن خالف فهمه فهو مهم اتّهم نفسه واشتغل بإصلاح وجدانه ، ويستفرغ وسعه في الطلب والبحث ، ويجتهد في الدعاء والاستغفار ، ويسلك في سيره من الطريق التي نهجها له الشارع ، فحينئذ لا بدّ أن يهديه الله السبيل كما وعد ، ولا يبادر إلى تخطئة الوسائط والحكّام ، بل يقف وهو طالب باحث حتّى يأتيه الجواب من صاحب الأمر ، فإنه عليه الهداية لمستحقّها ، فإن زاد المؤمنون ردّهم ، وإن نقصوا أتمّه.

وبالجملة ، فلا دليل على تخصيص الموثّق بالتسبيح ، فما ذكروه بعمومه مدفوع بالنصوص المستفيضة والإجماعات المستفيضة في سائر الأذكار ، ولا على

٥١٩

تخصيص تلك الأخبار المتكثرة بالقراءة ، ومجرّد وجود هذا الموثّق لا يخصص تلك الأدلّة إن عملنا بها ، ولم يعرض عنها ونطرحها. وكما أن مجرّد وجودها لا يوجب تخصيص الموثّق بالتسبيح دون القراءة إن لم نطرحه ؛ فإمّا أن نطرحها أو نطرحه ، أو يوجد دليل يجمعهما. ولا دليل ، فيما علمنا ، وإلّا كان جمعاً وحكماً بمجرّد الرأي بلا دليل ، وهو غير مقبول.

وأمّا صحيح محمّد بن قيس (١) فظاهره الدلالة على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يخافت بالتسبيح في الأخيرتين ؛ لأن التشبيه بصلاة العشاء ؛ إمّا باولييه أو أخيرتيه ، والظاهر أن الأوّل غير مراد ؛ إذ لا تسبيح فيهما لا لإمام ولا مأموم ولا منفرد حتّى يشبّه به تسبيحه في أخيرتي الظهرين.

والقول بأنه أراد تشبيه كيفيّة تسبيحه في أخيرتي الظهرين بكيفيّة قراءته في أوليي العشاء من الجهر خاصّة دون كيفيّة التسبيح لفظاً وعدداً وترتيباً مع إطلاق التشبيه ، فلا دليل عليه ، مع أنه خارج عن عبارات سائر الفصحاء ، فضلاً عن أبلغ البلغاء ، ومع ما قيّد من الإبهام على المخاطب من غير تقيّة في محلّ البيان ووقت الحاجة ، بل إطلاق التشبيه يجب حمله على المشابهة من كلّ وجه ، وذلك يستلزم بطلان إرادة الأوّل.

وأيضاً لو كان هو المراد كنّا نسأل القائل به عن النكتة في تخصيص أُوليي العشاء بالتشبيه دون المغرب والصبح مع تساوي الجميع في كيفيّة الجهر. وحيث لا نكتة ، لا يكون ذلك مراداً ؛ صوناً لكلام ينبوع البلاغة عن الالتحاق بسائر عبارات أضعف العوام ، فتعيّن إرادة الثاني ، وهو تشبيه تسبيحه في أخيرتي كلّ من الظهرين بتسبيحة في أخيرتي العشاء.

والنكتة في تخصيصه بالعشاء المساواة في العدد دون المغرب فهو أجلى

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٧ / ٣٦٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ١٢٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٩.

٥٢٠