رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

وقال تبارك وتعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه : صلاة المغرب والغداة. ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (١) ، فهي صلاة العشاء الآخرة.

وقال عزوجل ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (٢) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي وسط صلاتين : صلاة الغداة ، وصلاة العصر. ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٣) في صلاة الوسطى (٤).

وظاهر أن طرفيه خارجان عنه بحكم المقابلة والمساواة فيه بين صلاتي المغرب والغداة.

الثالث والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) بسنده عن حريز : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه المغرب والغداة (٥) الخبر. والتقريب ما تكرّر.

الرابع والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً من سرائر ابن إدريس ، نقلاً من كتاب محمّد ابن علي بن محبوب ، بسنده عن أبان : عن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (٦).

وقريب منه ما في ( البحار ) أيضاً نقلاً من ( فقه الرضا عليه‌السلام ) أن آخر وقت العتمة نصف الليل ، وهو زوال الليل (٧).

والتقريب ظاهر ممّا تكرّر بيانه.

الخامس والأربعون : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه‌السلام عند زوال الليل وهو نصفه أفضل (٨).

وزوال الليل لا ينصّف إلّا ما بين الغروب والطلوع ، كما هو غنيّ عن البيان.

وبالجملة ، فالأدلّة في بيان أن النهار من طلوع الشمس ، والليل إلى طلوعها حقيقة

__________________

(١) هود : ١١٤.

(٢) البقرة : ٢٣٨.

(٣) البقرة : ٢٣٨.

(٤) معاني الأخبار : ٣٣٢ / ٥ ، بحار الأنوار ٧٩ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ٣.

(٥) تفسير العياشيّ ٢ : ١٧٠ / ٧٣ ، بحار الأنوار ٧٩ : ٢٨٩ / ١٦.

(٦) السرائر ٣ : ٦٠٢.

(٧) بحار الأنوار ٨٠ : ٦٦ / ٣٤.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٢.

٤٨١

شرعيّة وعرفيّة ولغويّة ، أكثر من أن أُحصيها في هذه الرسالة ، وفيما ذكرناه غنية (١) لطالب الحقّ.

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه لا ينبغي (٢) لك الشكّ في سقوط قول من قال : ( إنه لا يفهم في عرف الشرع ، ولا في العرف العامّ ، ولا بحسب اللغة من اليوم أو النهار ، إلّا ما هو من ابتداء طلوع الفجر ، ولم يخالف في ذلك إلّا شرذمة قليلة قد انقرضوا.

نعم ، بعض أهل الحرف والصناعات لمّا كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس ، قد يطلقون اليوم عليه. وبعض أهل اللغة لمّا رأوا هذا الاصطلاح ذكروه في كتب اللغة ، ويحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة. وكذا المنجّمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب وعلى غير ذلك ) (٣) ، انتهى.

وأنت خبير بتناقض عبارته لدلالة صدرها على انقراض القائل بذلك وعجزها على استمرار وجود القائل به ، ويكفي احتماله في سقوط قوله. ومن أين يصحّ ما احتمله مع انقراض القائل به؟ ما هو إلّا احتمال ما بطلانه مقطوع به. هذا مع أنه هو نفسه قد حكم وجزم بأن منتصف النهار الزوال ، وأثبت وجود خطّ نصف النهار ، ودائرة نصف النهار من غير ذكر خلاف في شي‌ء من ذلك ولا احتمال. ما هذا إلّا غفلة منه عن ذلك ، وقد اعتمد في ذلك على تجوّز أطلقه جماعة من المفسّرين وأهل اللغة.

ونحن لا ننكر (٤) ورود إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس في بعض الأخبار ، وكلام بعض الفقهاء (٥) ، وبعض المفسرين (٦) ، وبعض أهل اللغة (٧)

__________________

(١) في « ق » : ( غيبة ).

(٢) في « ق » : ( ليبتغي ).

(٣) بحار الأنوار ٨٠ : ٧٤ ـ ٧٥.

(٤) في « ق » : ( نقل ).

(٥) الخلاف ١ : ٢٦٦ / المسألة : ٩ ، جواهر الفقه : ١٩ ، الذكرى : ١٣١ ( حجريّ ).

(٦) مجمع البيان ١ : ١٣٨.

(٧) القاموس المحيط ٢ : ٢١٢ النهار ، لسان العرب ١٤ : ٣٠٢ نهر ، المصباح المنير : ٦٢٧ نهر ، مجمع البحرين ٣ : ٥٠٧ نهر ، تاج العروس ٣ : ٥٩١ نهر.

٤٨٢

على سبيل المجاز ، مثل ظاهر ما رواه الصدوق : في ( الفقيه ) (١) ، و ( العلل ) (٢) ، و ( معاني الأخبار ) (٣) عن زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : ـ [ ومثله (٤) ] حديث ( التهذيب ) (٥). إلى أن قال ـ : وقال في ذلك ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (٦) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي وسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة ، وصلاة العصر.

وفي ( البحار ) (٧) نقلاً من ( م العيّاشيّ : ) (٨) عن زرارة : مثله.

وما رواه أيضاً في ( العلل ) عن موسى : عن أخيه عليّ بن محمد عليه‌السلام : في أجوبته ليحيى بن أكثم : أما صلاة الفجر وما يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ، إنما يجهر في صلاة الليل؟ قال جهر فيها بالقراءة ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلس فيها لقربها بالليل (٩).

قال في ( البحار ) : ( وفي ( تحف العقول ) (١٠) مرسلاً مثله ) (١١).

وفيه نقلاً من ( فقه الرضا عليه‌السلام ) أنه قال اعلم أن ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن ينبغي لك أن تبدأ بهن ، ولا تصلِّي بين أيديهن نافلة ، صلاة استقبال النهار وهي الفجر وصلاة استقبال الليل وهي المغرب وصلاة يوم الجمعة (١٢).

وفيه نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) عن محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال صلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار ، وهي الظهر (١٣).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ٦٠٠. (٢) علل الشرائع ٢ : ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) معاني الأخبار : ٣٣٢ / ٥.

(٤) في النسختين : ( مثل ).

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٤١ / ٩٥١.

(٦) البقرة : ٢٣٨.

(٧) بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٨.

(٨) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٤٦ / ٤١٧.

(٩) علل الشرائع ٢ : ١٧ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٧ ـ ١٠٨ / ٥.

(١٠) تحف العقول : ٤٨٠.

(١١) بحار الأنوار ٨٠ : ١٨٠.

(١٢) بحار الأنوار ٨٠ : ١١٠ / ٧.

(١٣) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٤٦ / ٤١٦ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١١٠ / ٨.

٤٨٣

وفيه أيضاً نقلاً من ( إرشاد القلوب ) عن موسى بن جعفر : عن آبائه عليهم‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال : في بيان فضل هذه الأُمَّة ومنها : أن الله عزوجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات (١) في خمسة أوقات ، اثنتان بالليل وثلاث بالنهار (٢).

وما في ( العلل ) عن علل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام : في علل أوقات الصلوات إن الله تعالى أحبّ أن يبدأ في كلِّ عمل أوّلاً بطاعته وعبادته ، فأمرهم أوَّل النهار أن يبدؤوا بعبادته ، وينتشروا فيما أحبّوا من مؤنة دنياهم ، فأوجب صلاة الفجر عليهم (٣).

وما في ( الكافي ) في الصحيح عن الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فقال بياض النهار من سواد الليل (٤).

وفي ( الفقيه ) : قال أبو جعفر عليه‌السلام : صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره (٥).

والجواب عن هذه الأخبار وشبهها ممّا دلّ بظاهره على إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس أن ما قدّمناه يراد به الحقيقة ، وهذا (٦) يراد به المجاز ؛ بدلالة الأخبار المستفيضة ، والإجماع الذي لا ريب فيه على أن منتصف النهار هو الزوال ، ومنتصف الليل زوال رقيب منزلة الشمس ، وهي النجوم الطوالع وقت الغروب. وقيام الإجماع أيضاً على أن معنى اعتدال الليل والنهار هو تَساوي ما بين الطلوع والغروب لما بين الغروب والطلوع. وغير ذلك ممّا قد اتّضح سبيل مأخذه ممّا قدّمناه.

ووجه التجوّز وعلاقته في إطلاق اسم النهار على ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، أنها لمّا كانت تشبه الحالة البرزخيّة بين الليل المحض الذي لا يشوبه شي‌ء من خواصّ النهار وصفاته ، وبين النهار الذي لا يشوبه شي‌ء من صفات الليل

__________________

(١) من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( مرّات ).

(٢) بحار الأنوار ٨٠ : ١١٠ / ١٠.

(٣) علل الشرائع ١ : ٣٠٦ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١١٠ / ١١.

(٤) الكافي ٤ : ٩٨ / ٣ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١١١ / ١٣.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٧٩.

(٦) من « ق » ، وفي « م » : ( هكذا ).

٤٨٤

وخواصّه ، وكانت مشابهتها للنهار وامتزاجها به وقبولها لفاضل نور النهار والشمس غالبة كثيرة ؛ لأنها مقدّمة النهار ، والنهار قد استقبلها واستقبلته ، فهي كالمقدّمة للنهار. وبهذا يحصل الفرق بينها وبين ساعة الشفق المغربيّة ؛ فإنّها قد استدبرت النهار واستدبرها ، واستقبلت الليل واستقبلها.

فالساعة الفجريّة تشبه ولوج الروح في الجنين في بطن امّه ، والمغربيّة تشبه وقت السياق وخروج الروح. والفجريّة أشبه بزمن الربيع وخروج الأزهار وبهجة الأنوار واعتدال الهواء من المغربيّة ، والمغربية أشبه بزمن الخريف وذبول الأشجار وانقضاء الأثمار من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بزمن خروج القائم : عجّل الله فرجه واستقبال بيان مزايلة الحقّ للباطل ، وطلوع شمس الدولة الغرّاء واستبانة الحقّ الّذي لا يشوبه شكّ (١) من الساعة المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بزمن ما بين رفع الحجّتين من الأرض وبين نفخة الصعق ، وبزمن موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وغياب شمس الرسالة والهداية والجلالة من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بالرتبة البرزخيّة بعد الموت بالنسبة للمؤمن من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بها بالنسبة للكافر من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بمبادئ الغنى والحياة والنموّ من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بأضداد ذلك.

وبالجملة ، لمّا كانت الفجريّة مقدّمة النهار ومفتاحه ، وفيها ابتداء انكشاف ظلمة الليل ووحشته ، قوي شبهها بالنهار ، وحسن التجوّز بإطلاق النهار عليها. ولأنها اتّصفت ببعض مزاياه وخواصّه أيضاً أُلحقت به ، بخلاف المغربيّة فإنّها مقدّمة الغربة ، وفقدان النور ، وتعطّل جلّ الأُمور ؛ فلذا لم يرد فيها أنها من النهار ، ولا قال به أحد من أهل الإسلام إلّا شذّاذ من براهمة الهند (٢). والظاهر انقراض القائل به.

__________________

(١) في « ق » مكانها بياض بمقدارها.

(٢) في « ق » : ( المفيد ).

٤٨٥

ولمّا ظهر في الساعة الفجريّة مزايا من النهار ومزايا [ من ] الليل ، ظهر فيها حكم البرزخيّة ، فصحّ التجوّز بإطلاق النهار عليها ، وقد اختصّت بمزايا ليست في النهار ولا في الليل ، مثل لطف هوائها في جميع الفصول بالنسبة إلى ليالي الفصول وأيّامها ، فهي أبرد في زمن الحرّ وأسخن في زمن البرد مع لطف في هوائها.

ومن خواصّها أن فيها تفيق مرضى المؤمنين ، والظاهر أنه يشتدّ فيها مرض الكافر ؛ فإن ما كان رحمة للمؤمن فهو عذاب على الكافر.

ومن خواصّها أن أكثرها نور بلا شمس ولا قمر ، ومن هذين الوجهين صارت تشبه ساعات الجنّة ، كما قال مولانا الباقر عليه‌السلام (١).

ومن خواصّها أنه يجتمع فيها ملائكة الليل والنهار ، والمراد بهم : الحفظة الكرام الكاتبون كما استفاضت به الأخبار ، ففي ( العلل ) بسند قويّ عن إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : قلت له أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر. قال مع طلوع الفجر ، إن الله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (٢) ، يعني : صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرّتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار (٣).

وفي ( ثواب الأعمال ) بسنده عن إسحاق : أيضاً عنه عليه‌السلام مثله (٤).

وفي ( البحار ) نقلاً من مجالس الشيخ : بسنده عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو ، وقبل أن يستعرض ، وكان يقول ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) ، إن ملائكة الليل تصعد ، وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر ، فأنا أختار أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي (٥) الخبر.

__________________

(١) تفسير القمِّي ١ : ١٢٦.

(٢) الإسراء : ٧٨.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٣٢.

(٤) ثواب الأعمال : ٥٧ ـ ٥٨ / ١.

(٥) بحار الأنوار ٨٠ : ٧٢ ـ ٧٣ / ٣ ، الأمالي : ٦٩٥ / ١٤٨١.

٤٨٦

والأخبار بهذا المضمون في الكتب الأربعة (١) وغيرها من الكتب المعتمدة مستفيضة لا نطوّل بذكرها.

ومن خواصّها أنها تشبه زمن أوّل البلوغ التكليفيّ ، فإنّها أوّل بدء الحياة بعد موتة النوم ، وأوّل انبعاث النفوس للسعي في طلب المعاش ، وعمارة الأرض حسب ما كُلّفوا ؛ ولذا افتتحت بفرض الصبح ، والتضرّع إلى الله بإظهار رسم العبوديّة التوحيديّة ، فصحّ التجوّز بأنها ليست من الليل.

وأمّا نفي كونها من ساعات النهار فحقيقة ، ففي خبر الجاثليق : مع الباقر عليه‌السلام : حيث سأله عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فقال عليه‌السلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

فقال النصرانيّ : فمن أيّ الساعات هي؟ فقال عليه‌السلام من ساعات الجنّة ، وفيها تفيق مرضانا (٢) الخبر.

وقد مرّت الإشارة إليه ، ومرّ أيضاً خبر أبي هاشم الخادم : عن أبي الحسن عليه‌السلام : أنه قال ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة (٣) الخبر.

فدلّ الخبر الأوّل على أنها اختصّت بمشابهة ساعات الجنّة ؛ ولذا تفيق فيها مرضى المؤمنين ، والخبر الثاني على أنها اختصّت بأن جُعل في مقابلها ركعتان لكثرة ما فيها من المزايا والخواصّ التي تميّزت بها عن ساعات الليل والنهار ، حتّى كأنّها خارجة عنهما ، وإلّا فلا يظهر قائل بأن ساعات الليل والنهار (٤) خمس وعشرون ساعة.

فإذن ، معناه أن مجموع الليل والنهار ثلاثة أصناف : نهار محض ، وليل محض ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٢ / ٢ ، الفقيه ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ / ٦٤٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٣٧ : ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٥.

(٢) تفسير القمِّي ١ : ١٢٦ ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٢.

(٣) الخصال ٢ : ٤٨٨ ، أبواب الاثني عشر / ٦٦ ، علل الشرائع ٢ : ٢٢ ، ب ٢٣ ، ح ١ ، باختلافٍ يسير.

(٤) قوله : ( حتّى كأنها .. والنهار ) ليس في « ق ».

٤٨٧

وليل يشبه النهار شبهاً تامّاً ، ويختصّ (١) بمزايا لا توجد في الصنفين ، وهو الساعة الفجريّة ، فخصّها بالذكر من بين ساعات الليل ، ولم يفرد من ساعات النهار شيئاً ، فحكمه أن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، يدلّ على أن ساعات الليل كذلك ، بحكم المقابلة المجمع عليها ، وعدم القائل بقسم ثالث.

فقد دلّ هذا على ما قلناه من أن إفراده عليه‌السلام للساعة الفجريّة بالذكر من بين ساعات الليل ، مع بيانه أن كلّ واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة إنما هو لمزايا تخصّهما.

وما قاله بعض أجلّة المتأخّرين بعد إيراده هذين الخبرين من أن ( هذا اصطلاح آخر لليل والنهار سوى المشهور ، وكأنه مشهور بين أهل الكتاب ) (٢). وقال بعد إيراد خبر الجاثليق : ( قد مرّ أن (٣) هذا اصطلاح آخر عند أهل الكتاب ؛ فلذا أجابه عليه‌السلام على وفق معتقده. وقوله من ساعات الجنة ، أي شبيهة (٤) بها ، ولا يبعد (٥) أن يكون المراد أنها (٦) لا تحسب في انتصاف الليل ولا في انتصاف النهار ) (٧) انتهى لا يخفى سقوطه ، فإن الإمام لا يتكلّم إلّا بالحقّ المطابق للوجود وصفاته ، فإنه لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق بإذن الله ، وفي الحقّ سعة عن الباطل ، مع أنه ساقهما في الدلالة على أنها من ساعات النهار ، وقد نفى البعد عن خروجها عن الانتصافين.

وهذا كلام لا يعقل ولم يقل به أحد ، فاضطراب كلامه لا يخفى.

ويمكن أيضاً أن يجمع بين ما دلّ على أن الساعة الفجريّة من الليل ، وما دلّ بظاهره على أنها من النهار ، بحمل الأوّل على المعنى اللغوي وبحسب خارج الزمان ، فمدار التكليف الزماني عليه ، وحمل الثاني على حال الدهر بالنسبة إلى

__________________

(١) في « ق » : ( مختص ).

(٢) بحار الأنوار : ٨٠ : ١٠٦.

(٣) من « ق » والمصدر.

(٤) في « ق » : ( شبهه ).

(٥) في « ق » : ( يتعدى ).

(٦) في « ق » : ( بها ).

(٧) بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٧.

٤٨٨

حال السرمد ، فإنّها تشبه الدهر الذي هو صبح نهار السرمد بالنسبة إلى قوس العود. والدهر من حيث هو كذلك ألصق وأشبه بالسرمد من ليل الزمان ؛ فالحق به. أو نقول : صبح الأزل اللائح على هياكل التوحيد (١) نهارٌ ؛ لمساوقة طلوع شمس المعرفة في أُفق الأفئدة له. فبهذا الاعتبار أُلحقت الساعة الفجريّة بالنهار ، وباعتبار أُفق الزمان المحض وأحكامه هي من ليله وإن اختصت بمزايا ليست لعامّة ليله.

وبالجملة ، فممّا ظهر للبصائر أشدّ [ من ظهور (٢) ] الشمس في رابعة النهار للأبصار أن نهار كلّ رتبة من رتب الوجود لا يكون مفتاحه وابتداؤه وأوّله وأساسه ظلمة ، وأن الظلمة لا تكون مبدأ نور من أنوار الوجود على طبقاته ودرجاته. فلو لم نجد محملاً لمثل هذه الأخبار لوجب اطّراحها ، لعدم مقاومتها لشي‌ء ممّا ذكرناه من الأدلّة.

وأمّا ما ورد من مثل قولهم عليهم‌السلام إن ابن أُمّ مكتوم يؤذِّن بليل ، وبلال يؤذّن إذا طلع الصبح (٣) ، فليس فيه دلالة على أن ابتداء النهار من طلوع الفجر بوجه من وجوه الدلالة ، فضلاً عن أن يعارض به بعض ما ذكرناه ؛ إذ غاية دلالته أن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل يحلّ فيه الأكل ، وغيره ممّا يمسك عنه الصائم ، فلا تمسكوا ولا تصلّوا بأذانه أي قبل الصبح وبلال : لا يؤذّن إلّا في الصبح ، كما يكشف عنه مثل خبر ( الفقيه ) ، وفيه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال إن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال (٤).

وممّا يزيدك تنبيهاً على ذلك تنكيره عليه وآله أفضل الصلاة والسلام لفظ الليل ، فلا تغفل.

وأمّا مثل ما في ( الفقيه ) عن جابر : عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال إن إبليس : إنما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى أن يغيب الشفق ، ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس (٥) ، فليس فيه دلالة أيضاً على أن الساعة الفجريّة من النهار

__________________

(١) في « ق » : ( التوحد ).

(٢) في المخطوط : ( مما ظهرت ).

(٣) الكافي ٤ : ٩٨ / ٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣١٨ / ١٤٤٤.

٤٨٩

بوجه ، بل هو في الدلالة على أنها من الليل أظهر ؛ لأن ظلام الليل أنسب بإبليس : وجنوده ، وسلطانه فيه أقهر ، ودولته فيه أظهر ، فناسب أنه يبثّ جنوده في أوّل الليل وآخره ، فإنه من سنخ الظلام الذي هو عدم النور وغشاؤه ، فتفطّن.

وأمّا مثل ما ورد إن الله تعالى ينادي كلَّ ليلة من أوَّل الليل إلى آخره ، وفي بعضها إن الله تعالى ينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل الليل إلى آخره : ألا عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر (١).

وفي الثاني هل من سائل فأعطيه (٢).

وفي آخر هل من عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر إلى قوله : فما يزال ينادي بهذا إلى طلوع الفجر أو ـ : إلى أن يطلع الفجر (٣).

وما أشبه هذه الأخبار! فمعناها : أنه يخبر ويعد من فعل ذلك قبل طلوع الفجر في أيّ ليلة كانت ، سواء كان في تلك الليلة أو غيرها.

وحاصله : الحثّ على عبادة الله ، والدعاء ، والاستغفار في جوف الليل مطلقاً ، لا بخصوص ليلة شخصيّة ، فليس فيه دلالة على خروج ما بعد الفجر عن الليل بوجه. وعلى كلّ حال لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة القطعيّة.

وأمّا مثل ما ورد في تعقيب صلاة الصبح من مثل قولهم عليهم‌السلام الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته (٤) ، فمعناه أنه يحمد الله على نعمته المستقبلة بالنهار المستقبل المقطوع بمجيئه بسبب تحقّق الفجر الذي هو من فاضل نوره ، فطلوع الفجر دليل على النهار ولازم له.

ومثله قولهم عليهم‌السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (٥) ، بل هذا أوضح فيما ذكرناه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧١ / ١٢٣٧ ، عدّة الداعي : ٣٧ ، وفيهما : « لينادي ». بحار الأنوار ٨٠ : ١١٢ / ١٩. وقد نقله عن ( عدَّة الداعي ) بدون لفظ : « الجمعة ». وما في نسخة ( العدَّة ) التي بين أيدينا جاء الأثر بهذا اللفظ.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧١ / ١٢٣٨.

(٣) عدّة الداعي : ٣٧ ـ ٣٨.

(٤) الكافي ٢ : ٥٢٨ / ٢٠.

(٥) المصباح في الأدعية والزيارات : ٩٩.

٤٩٠

ومثله قولهم الحمد لله الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته ، وجاء بالنهار مبصراً برحمته (١) ، بل هذا أظهر في الدلالة على أنها ليست من النهار ؛ لما فيه من ذكر خاصّة الليل من الأظلام المتحقّقة فيها ، وخاصّة النهار من الإبصار المنتفية عنها.

وأما مثل قولهم عليهم‌السلام في تعقيب الصبح أيضاً اللهمّ إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم (٢) ، فهو بالدلالة على أنها خارجة من النهار أولى ، بل هو ظاهر فيه ؛ لعطف اليوم على الصباح.

وأمّا مثل قولهم عليهم‌السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (٣) ، وقولهم عليهم‌السلام فيه أيضاً مرحباً بخلق الله الجديد واليوم العتيد (٤) ، وقولهم فيه اللهمَّ اجعل أوّل يومي هذا صلاحاً (٥) ، وما أشبه ذلك ، فلا ينافي حكمهم بأن الساعة الفجريّة من الليل ؛ إذ غايته الإشارة بما يشار به للقريب ، والنهار قريب من الساعة الفجريّة. وعلى كلّ حال لا يعارض شيئاً ممّا ذكرناه.

وأمّا مثل قولهم عليهم‌السلام يستحبّ أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن (٦) ، وشبهه ، وقولهم عليهم‌السلام إذا كان يوم الجمعة فزرهم يعني : القبور فإن من كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يعلمون بمن أتاهم في كلِّ يوم (٧) ، وقولهم عليهم‌السلام لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتّى تطلع الشمس (٨) ، وقولهم عليهم‌السلام إذا أراد العمرة انتظرَ إلى صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ثمّ يكون مهلاً في ذلك اليوم (٩) ، وما أشبه هذا ممّا أُضيف فيه الصبيحة والصبح والفجر إلى اليوم ، فليس فيه دلالة على أن الساعة الفجريّة من النهار بوجه ، فإن الإضافة تصحّ بأدنى ملابسة.

وأيضاً فإنه كما ورد إضافة ذلك إلى اليوم كثيراً ورد إضافته إلى الليل كثيراً ، مثل

__________________

(١) البلد الأمين : ٥٤ ( حجريّ ).

(٢) مصباح المتهجِّد : ١٨٨.

(٣) المصباح في الأدعية والزيارات : ٩٩.

(٤) المصباح في الأدعية والزيارات : ٩٩.

(٥) المصباح في الأدعية والزيارات : ١٠٠.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٩ / ٦.

(٧) الأمالي ( الطوسيّ ) : ٦٨٨ / ١٤٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٤٨٢ / ٧.

(٩) الكافي ٤ : ٥٣٦ / ٤.

٤٩١

صبيحة ليلة كذا ، وصبح ليلة كذا ، وفجر ليلة كذا. ومثل ما في كتاب النرسي : عن الصادق عليه‌السلام : قال إن الشمس تطلع كلّ يوم بين قرني شيطان إلّا صبيحة ليلة القدر (١).

ومثله في الكتاب والسنّة لا يحصى ، كما لا يخفى على المتتبّع ، وهو أشهر وأظهر من أن يحتاج إلى بيان.

والوجه في ذلك أن ورود إطلاق الليلة على الليل ويومه ، واليوم على النهار وليلته في الكتاب والسنّة ، وكلام العرب ، والفقهاء أظهر وأشهر من أن يحتاج إلى بيان ، فلا نطوّل بذكر شي‌ء من ذلك كلّه. وبهذا يجاب عن مثل ما جاء في الأخبار وكلام الفقهاء من مثل قولهم عليهم‌السلام ، لمّا سُئلوا : أيجزي (٢) إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال نعم (٣).

وقولهم عليهم‌السلام لمّا سئلوا : في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ فقال عليه‌السلام .. إلى أن قال ـ والغسل أوّل الليل.

قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر (٤).

وجميع ما دلّ على أن غسل يوم الجمعة أوّل وقته بعد طلوع الفجر ، فإن الجمعة ويوم الجمعة قد يطلق على ما يعمّ الليل. وأيضاً نمنع أن غسل الجمعة من الأغسال المختصّة بالنهار ، ولكن لمّا كان السرّ فيه أن استقبال نهار الجمعة والدخول في صلاة الجمعة ينبغي أن يكون على أكمل الطهارة والنظافة أُضيف الغسل إلى الجمعة وإلى يوم الجمعة.

هذا مع أن خبر زيارة القبور يحتمل تعليق الظرف ، وهو ما بين بـ وُسِّع ، وب يعلمون فلا إشعار فيه بالمدّعى من أنها من النهار.

وأمّا مثل قولهم عليهم‌السلام لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوَّله إلى آخره ، إلّا إن أفضل ذلك بعد

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٠ : ١٥٠ / ١٣.

(٢) في « ق » : ( أيخرج ).

(٣) الكافي ٣ : ٤١٨ / ٨.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٣ / ١١٤٢.

٤٩٢

الانتصاف (١).

وقولهم سلام الله عليهم في صفة صلاة الليل ثمانٍ من آخر الليل ، ثمَّ الوتر ثلاث ركعات ، ويفصل بينهما بتسليمة ، ثمّ ركعتي الفجر (٢) ، وسائر ما دلّ من الأخبار على أن وقت صلاة الليل آخر الليل ، أو أن فعلها في آخر الليل أفضل ، وشبه ذلك. فالمقصود منه أن وقتها في النصف الأخير من الليل دون الأوّل ، أو أن فعلها في النصف الأخير أفضل ، فالأوّليّة والآخريّة في مثل (٣) هذه الموارد إنما هي باعتبار النصفين.

وأمّا مثل ما ظاهره أن وقتها يمتدّ إلى آخر الليل ، فهي آخريّة إضافيّة ، ومجاز قطعاً ؛ لأن آخره الحقيقيّ إنما هو جزء لا يسع ركعة فضلاً عن نافلة الليل التي ورد فيها من الأذكار والأدعية والحثّ على السور الطوال ما لا يخفى ، وإنما آخره الحقيقيّ ما لا يسع الصائم فيه مضغ اللقمة وابتلاعها. فظهر أن المراد بذلك ما قارب الساعة الفجريّة التي هي آخر الليل ، فسمّي ما قبلها آخراً من باب مجاز المجاورة.

وبهذا يظهر الجواب عن مثل قولهم بما معناه عليهم سلام الله ـ : الأمر بطلب الحوائج في ساعة كذا وكذا ، وفي ساعة من آخر الليل قبل طلوع الفجر (٤). بل مثل هذا دلالته على أن الساعة الفجريّة من الليل أظهر ، لمقام التقييد بقبليّة طلوع الفجر ، ولولاه لم يكن لهذا القيد فائدة تظهر ولا نكتة تعرفها ، وكلامه طبق الحكمة ، وإنما ينطقون عن الحكيم.

وأمّا مثل ما في خبر الزهريّ : عن زين العابدين عليه‌السلام : أنه قال وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ، ثمّ قدِم أهله أُمر بالإمساك بقيّة يومه ، وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت (٥) ، وشبهه ، فالمراد به الأوّليّة الإضافيّة ، أو من باب (٦) مجاز المجاورة كما مرّ.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٣٣ / ٦٠٧.

(٢) المعتبر ٢ : ١٥ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٢٢ / ٥٨.

(٣) قوله : ( فعلها في النصف .. في مثل ) ليس في « ق ».

(٤) الخصال ٢ : ٦١٦ ، أبواب المائة وما فوقها / حديث أربعمائة ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٢٥ / ٧٠.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٦) قوله : ( باب ) ليس في « ق ».

٤٩٣

ويحتمل أيضاً أنه ذكر حكم الأكل في النهار ولم يتعرّض لذكر الأكل بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، ولا ينافي مساواته لهذا في هذا الحكم بدليل آخر.

ومثله قول أبي عبد الله عليه‌السلام : لمّا سأله عبد الأعلى : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان قال عليه‌السلام عليه الكفّارة.

قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ قال عليه‌السلام عليه كفّارتان (١) ، وما أشبهه.

وعلى كلّ حال فليس شي‌ء من هذا ولا كلّه يقاوم شيئاً ممّا ذكرناه من الأدلّة القطعيّة. وما ربّما يتوهّم أو يقال في بعض ألسنة من لم يتأمّل ما قال من الفرق بين نهار الصائم والبيْن وغيرهما فوهْم لم يدلّ عليه دليل ، بل ليس له معنًى يعقل ؛ فإنه ليس إلّا ليلاً واحداً ونهاراً واحداً ، هما حقيقتان متباينتان ، بل متضادّتان. غاية الأمر أنه دلّ الدليل على وجوب الصوم من طلوع الفجر إلى آخر النهار ، وأن ذلك ظرف للصوم ، وأن من فعل في هذه المدّة مع تعيّن صومها عليه ما ينافي الصوم وجب عليه حكمه من قضاء أو كفّارة ، وأثم.

والمجلسيّ : نوّر الله ضريحه في ( بحار الأنوار ) بعد أن صرّح ونصّ على أن منتصف النهار زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ، وأن معنى تساوي الليل والنهار هو تساوي ما بين الطلوع إلى الغروب ، وما بين الغروب إلى الطلوع ، اختار أن الساعة الفجريّة من النهار ، وأطال وأكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، واستدلّ بما لا يحتجّ بمثله في هذا المطلب العظيم ، وبما لا يدلّ على ذلك بوجه ، وبما دلالته عليه لا له. وهذا جهده شكر الله سعيه وجزاه عن الشريعة جزاء الصالحين فإنه [ من ] المرابطين في سبيل الله لقتال أعداء الله.

وأنا أقول : هذا جهدي قد وفدت به على باب مولاي صاحب الزمان عليه‌السلام ، فإن قبله فطالما عفا ورحم ، وإن ردّه فبجرائمي ، ولكنّي أرجو عفوه ورحمته ، وألّا أخيب مِن بين مَن قرع باب رحمته ، ولجأ إلى ظلّه ، والصلاة والسلام من الله على محمّد

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / ٥٢٣.

٤٩٤

حبيبه وآله المستحفظين دائما أبداً ، والحمد لله ربّ العالمين.

وكان ختامها بقلم مؤلّفها القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : عفا الله برحمته عنهم ، والحمد لله ربّ العالمين.

وقع الفراغ آخر نهار اليوم الثامن عشر من شهر [ جمادى (١) ] الأُولى سنة (١٢٤٣) الثالثة والأربعين والمائتين والألف.

وقد نقلتها وأنا العبد الجاني المخطئ الآثم زرع بن محمّد عليّ بن حسين بن زرع : عفا الله عنهم بمحمّد وآله.

[ .. (٢) ]

__________________

(١) في « م » : ( الجميدي ).

(٢) في « ق » : وقع الفراغ من نساخة هذه الرسالة الشريفة ضحى يوم الأربعاء من الأُسبوع ، اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان من سنة (١٢٤٣) بقلم الأقلّ الأحقر ، تراب أقدام إخوانه المؤمنين ناصر بن علي ابن الحاج ناصر ابن الحاجّ علي بن ناصر بن حرم ، عفا الله عنه وعن والديه آمين وعن جميع إخوانه المؤمنين والمؤمنات بحقّ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، آمين ، آمين.

٤٩٥
٤٩٦

الرسالة الثامنة

الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة

٤٩٧
٤٩٨

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول الأقلّ أحمد بن صالح بن طوق : مسألة : يجب الجهر بقراءة الحمد والسورة في أوليي العشاءين وفي الصبح ، والإخفات بهما في أوليي الظهرين بالإجماع فتوًى وعملاً في سائر الأعصار والأمصار والقائل بالاستحباب شاذّ (١) وبالنصوص المستفيضة (٢) ، فلو أخفت فيما يجب الجهر فيه أو بالعكس عالماً عامداً بطلت صلاته بالإجماع والنصّ ، كما في صحيحتي زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣).

قال الشيخ حسين : ( والأخبار الدالّة على وجوب الجهر في مواضعه المسمّاة ، والإخفات في مواضعه على الرجال مستفيضة ). وساق جملة من الأخبار.

__________________

(١) انظر مختلف الشيعة ٢ : ١٧٠ / المسألة : ٩٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٨٢ ـ ٨٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٤٧ / ٥٧٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٨٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ١ ، ح ٢.

٤٩٩

هذا حكم الرجال ، أمّا المرأة والخنثى المشكل ومن ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء فليس عليهم وجوب جهر فيما يجب الجهر فيه مطلقاً ؛ للأصل ، ولأن المعروف من الفتوى وظاهر الأخبار اختصاص وجوب الجهر بالرجال.

أمّا ما يجب فيه الإخفات مطلقاً فيجب الإخفات به على كلّ مكلّف رجلاً كان أو غيره ؛ لعموم الدليل وعدم المخصّص له بالرجال.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : نسبة ذلك لظاهر الأكثر ، والأكثر على الخنثى لو سمعها الأجانب من الرجال وجب الإخفات ، وبحكمها من ليس له أحد الفرجين ، والأحوط الأولى لهما إذا لم يسمعهما الأجانب الجهر في الجهريّة ، بل تعيّنه حينئذٍ غير بعيد.

ويعذر الجاهل والناسي نصّاً (١) وإجماعاً ، ولا فرق في ذلك بين المنفرد والإمام.

ففي صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته (٢).

وصحيحه أيضاً عنه عليه‌السلام ، قلت له : جهر رجل بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما لا ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه. فقال أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه (٣).

أمّا الأخيرتان من الظهرين والعشاء وثالثة المغرب فيجب فيها كلّها الإخفات ، كما هو المعروف من المذهب قديماً وحادثاً ، سواء في ذلك المنفرد والإمام والمأموم والرجل والمرأة والخنثى ومن ليس له أحد الفرجين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٨٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٦٢ / ٦٣٥ ، وفيهما « أو أخفى » بدل : « وأخفى » ، وسائل الشيعة ٦ : ٨٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٦ ، ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ١٤٧ / ٥٧٧ ، وفيه « الإخفات » بدل : « الإخفاء » ، وسائل الشيعة ٦ : ٨٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٦ ، ح ٢.

٥٠٠