رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

وليس كلّ شكوك متعدّدة مجتمعة ، بل شكّ واحد ورد به النصّ (١) ، إنما هو كما بيّناه. ولو تعلّق الشكّ بالسادسة يحتمل البطلان مطلقاً لعدم يقين البراءة من زيادة الركن والبناء على الأقلّ وهذا ضعيف جدّاً وإلحاقه بغيره. فما يمكن إرجاعه من صورة لما يكون صحيحاً يصحّ وما لا يمكن لا يصحّ. وهذا غير بعيد ؛ فما أعاد الصلاة فقيه قطّ يحتال فيها ويدبّرها (٢) و [ يظهر (٣) ] من غيره [ أن (٤) ] الإعادة أولى.

كما أن الاحتياط في الإتمام والإعادة في ما عدا الشكوك الأربعة الأُوَل ، ولنذكر جملة من ذلك :

فمنها : الشكّ بين الخمس والستّ ، فإن عرض وهو قائم هدمه ورجع شكّه لما بين الأربع والخمس بعد السجود ، وعرفت حكمه ، وإلّا بطلت الصلاة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والستّ والشكّ بين الأربع والستّ ، وهو مبطل في جميع حالات هذه الصور عدا الثالثة بعد السجود خاصّة ، ولكنّه يسجد للسهو لاحتمال الزيادة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الأربع والخمس والستّ.

وتصحّ الصلاة في الثانية إذا كان بعد السجود ؛ لرجوعه حينئذٍ إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع ، وحكمه حكمه ، ويسجد للسهو. وفي الرابعة إذا كان بعد كمال السجود ، ويلزمه احتياطُ الشكّ بين الثلاث والأربع وسجود للسهو. وتبطل في ما عدا ذلك من حالاتهما مطلقاً ؛ لتردّده في جميعها بين النقص والزيادة. وفي الخامسة والسادسة إن وقع قبل الركوع هدم القيام ورجع شكّه في الأوّل إلى ما بين الاثنتين والأربع والخمس ، فيحتاط بركعتين ويسجد للسهو. وفي الثانية إلى ما بين الثلاث

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٨ : ٢٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٣.

(٢) انظر وسائل الشيعة ٨ : ٢١٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ٣.

(٣) في المخطوط : ( مظهر ).

(٤) في المخطوط : ( و ).

٣٦١

والأربع والخمس ، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ويسجد للسهو ؛ لاحتمال الزيادة. ويحتمل صحّة السادسة أيضاً إن وقع بعد السجود ، ويسجد للسهو حينئذٍ خاصّة. وفي ما عدا ذلك من الستّ وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بعد كمال السجدتين والرفع منهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والأربع والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن وقع في الأولى بعد السجود احتاط بركعتين من قيام أو ركعة من جلوس وسجد للسهو ، وكذا في الثالثة كذلك ليس فيها ركعتان من جلوس ، وفي الرابعة إن كان قبل الركوع هدم القيام وصار شكّه بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فيتشهّد ويسلّم ويحتاط بركعتين قائماً وركعتين جالساً ويسجد للسهو.

وفي ما عدا ذلك من الصور الأربع وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن كان بعد الرفع من السجود بنى على الأربع ، واحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، ويسجد للسهو ، وإلّا فهو مبطل.

والأولى ملازمة الإعادة في جميع الصور السابقة ، وتتعيّن فيما تعلّق بالسابعة وإن أمكن انسحاب الحكم بالصحّة في نظائر الصور الصحيحة المتعلقة بالخامسة ، ولو تعلّق الشكّ بما زاد على السابعة مطلقاً فهو مبطل مطلقاً ، والأولى ما مرّ.

ومتى تعلّق الشكّ بما بين الاولى وغيرها مطلقاً فهو مبطل مطلقاً. ولو قال : لا أدري قيامي لثالثة أو رابعة ، فهو شكّ بين الاثنتين والثلاث. ولو قال : لرابعة أو خامسة ، قعد ولزمه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ويسجد للسهو. ولو قال : لثالثة أو خامسة ، قعد وتشهّد وسلم ، وانقلب شكّه إلى ما بين الثانية والثالثة ، ولزمه حكمه ويسجد للسهو.

ولو شكّ ثمّ رجّح بنى على الثاني وبالعكس. ومَن عرضت له شكوك مترتّبة لزمه حكم المتأخّر. ومَن حصل له شي‌ء ثمّ شكّ في أنه شكّ أو ظنّ فهو شكّ ؛ لأن الأصل

٣٦٢

عدم الترجيح. ومَن شكّ في شكّ سابق أنه مبطل أم لا بنى على الصحّة إن عرض في دخوله في فعل آخر. ومَن شكّ بعد مجاوزة محلّ الشكّ في أنه موجب لركعة أو ركعتين بنى على الركعة ، أو أنه موجب للسجود أو مع ركعتين ، فالسجود ؛ لأن الأقلّ هو المتبيّن ، والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ولو شكّ شكّاً يوجب الركعتين وبعد الفراغ منها انقلب شكّه إلى ما يوجب الركعة ، بنى على الأوّل. وكذا لو كان في أثناء الاحتياط. والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ومن شكّ ثمّ جهل شكّه من رأس أعاد ؛ لرجوعه إلى من لم يدرِ كم صلّى. ولا يجوز لمن لزمه احتياط أو سجود أن يتركه ويعيد الصلاة ، فلو فعل فعليه الإتيان بالجبر ؛ لأنه مشغول الذمّة ، ولأنه لم يبطل بفعل المنافي بناءً على أنها صلاة مستقلّة ، وإن قلنا بالجزئيّة فقد أبطل الصلاة بفعل المنافي وهو الصلاة المعادة فعليه إعادة الصلاة بَعدُ أيضاً ، والأحوط الإتيان بالجبر ثمّ الإعادة بعده.

وكيفيّة صلاة الاحتياط أن يقصد بقلبه صلاة ركعة أو ركعتين احتياطاً عمّا لعلّه نقص قربةً إلى الله تعالى ، ثمّ يكبّر تكبيرة الإحرام كما مرّ ، ثمّ يقرأ الفاتحة وحدها سرّاً ، ويجوز الجهر بالبسملة ، والأحوط الإخفات بها أيضاً ، ولا يكفي التسبيح بدل الحمد وإن كانت جبراً في الأخيرتين ، ثمّ يركع ثمّ يسجد بعد الرفع منه سجدتين كما مرّ ، ثمّ يتشهّد ويسلّم ، أو يأتي بأخرى كذلك إن كان بركعتين ، وتجري فيهما جميع أحكام الصلاة المذكورة من الشروط وغيرها ، إلّا إنه لا أذان بها ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت. ولو حصل له شكّ أو سهو ؛ فإن كان في محلّه تداركه ، وإلّا فلا شي‌ء ولا سجود سهو.

ويجب الإتيان بالاحتياط بعد التسليم فوراً بلا فصل. وهل [ هي ] جزء من الصلاة ، أم صلاة مستقلّة؟ قولان ، أظهرهما الثاني. فلو تخلّل المبطل بينها وبين التسليم بطلت الصلاة على الأوّل ، وتطهّر وأتى بها ، وصحّت على الثاني. والإتيان بها بعد الطهارة ثمّ الإعادة أحوط.

ومن ذكر نقصان الصلاة قبل الاحتياط فهو كمن سلّم على ركعة أو ركعتين ، وإن

٣٦٣

ذكر الزيادة أعاد الصلاة كما لو ذكرها بعد الاحتياط. ومن ذكر النقصان بعد الاحتياط صحّت صلاته وإن لم يطابق الاحتياط ، كما لو ذكر الثلاث وقد أتى بركعتين من جلوس. وهذا إنما يدلّ على استقلالها ، مضافاً إلى أنها جبر. وبعد التسليم فهي خارجة مشتملة على النيّة والتحريمة. وكونها ركعة في بعض الأحوال له نظير [ مثل ] مفردة الوتر. ومن تبيّن له التمام في الاحتياطية تخيّر بين إتمامها نافلة ، والقطع ؛ لأنها نافلة ، ويجوز فيها القطع.

وإن ذكر النقصان في أثنائها فأظهر الوجوه الصحّة ووجوب إتمام الاحتياط ، سواء كان الاحتياط موافقاً كما لو تبيّن نقص ركعة وقد دخل في ركعة قيام أو ركعتين وقد دخل في ركعتي قيام ، أو مخالفاً كالموافق كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي جلوس ، أو مخالفاً كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي قيام ، ولو دخل في ركعتي جلوس أتمّها وأتى بالباقي بعد.

ولو ذكر النقصان بعد الاحتياط أو في أثنائه وقد تخلّل المنافي بين الاحتياط وبين الصلاة ففي الإعادة إشكال ، وهي أحوط فيهما بعد الإتمام.

ومن صلّى قبل الاحتياط صلاة مطلقة بطلت لفوريّته ، فيقتضي النهي عنها ، وهو يقتضي الفساد ، وعليه الإتيان به.

ولو لزمه احتياط في الظهر فضاق الوقت إلّا عن العصر زاحم العصر إن بقي من الوقت ما يسع منه واجبات ركعة ، وإلّا صلّيت العصر. وفي بطلان الظهر حينئذٍ وجهان مبنيّان على أن فعل المنافي قبل الاحتياط مبطل ، أم لا؟ والأولى العدم. وكذا لو أخّره عمداً حتّى خرج الوقت ، لكنّه يأثم إجماعاً ، وعليه أن يأتي به قضاءً لأن وقته تبعٌ للفرض. ولا يجوز الاقتداء في الاحتياط ولو بمثله على الأظهر ؛ لاحتمال الفصل.

٣٦٤

الباب الرابع

في الجماعة

[ و ] لا تجب إلّا في الجمعة والعيدين بشروطهما وفي الملتزم جماعة ، وتنعقد بإمام ومأموم واحد ولو امرأة أو صبيّاً على الأقوى وإن قلنا : إن عبادته تمرينيّة ، ولا يجب تأخّر المرأة الواحدة على الأقوى ، فيجوز لها الوقوف عن يمينه أو بجنبه كالرجل على الأقوى الأشهر.

واعلم أنه قد يجب حضور جماعة أهل الخلاف كفاية أو عيناً وإن لم تصحّ نيّة الاقتداء بهم ، ولا يجوز أن يصلّي معهم بغير وضوء ، فإن لم يتمكّن يتيمّم ، فإن تعذّر فلا ينوي الصلاة ، وأرِهم كأنّك تركع وتسجد ولا تركع ولا تسجد. ولو اضطررت للدخول معهم بغير نيّة الصلاة فلا تستخفّ بها في حال. ومن نوى الائتمام بهم لم تصحّ صلاته فإنهم كالخشب المسنّدة.

ويلزم المصلّي معهم القراءة ولو سرّاً ، ويكفي معهم مثل حديث النفس. ويسقط الجهر في الجهريّة ، وينصت إلى قراءة إمامهم إذا سمعها ، فإذا سكت قرأ ، وإن لم يسكت قرأ في نفسه. ومن فرغ من السورة قبل إمامهم تخيّر بين أن يكمل السورة أو يذكر الله تعالى حتّى يركع ، وبين أن يؤخّر آية من آخر السورة ويذكر الله حتّى (١)

__________________

(١) في المخطوط : ( الباب الخامس ).

٣٦٥

يركع إمامهم فيقرأها ويركع. ومن لم يتمكّن من قراءة السورة سقطت عنه إجماعاً (١).

ومن لم يدرك إمامهم إلّا في الركوع ولم يتمكّن من إسقاط تلك الركعة دخل معهم واعتدّ بها على رواية ابن عمّار ، وفيها إنها من أفضل ركعاتك (٢).

وعمل بها بعض الفقهاء إلّا إن الإعادة حينئذٍ أولى وأحوط.

ومن لم يتمكّن من التشهّد جالساً ولو على عقبه أو هيئة أخرى تشهّد قائماً مطمئناً كما لو دخل معهم في ثانيتهم ، ولا يتشهّد حينئذٍ وهو آخذ في القيام.

ولو قرأ إمامهم العزيمة فإن لم يسجد صحّت صلاتك وتقضي السجود بعد الصلاة ولو في مكان آخر ، أو وقت آخر بحسب المكنة ، وإن سجد فاسجد معه ، وأعد الصلاة وقتاً واقضها خارجاً. وإن كانت صلاتك نَفلاً فاسجد معهم ولا شي‌ء. ولا يضرّ معهم التأمين ولا التكفير ولا التسليم في أثناء التشهّد ولو لم تندفع التقيّة إلّا به ، لكن يسجد للسهو حينئذٍ ، والإعادة حينئذٍ أحوط. ولا إعادة على مَن صلّى معهم. ويجوز أن يصلّي قبل صلاتهم ثمّ يصلّي معهم وتكون كالمعادة ، ولو صلّوا في غير وقت فصلّ معهم واجعلها نافلة وصلّ الفرض بعد دخوله. والمسبوق معهم يذكر الله مدّة التشهّد ثمّ يتمّ صلاته ، ولا يضرّه ترك التجافي.

ولا تشرع الجماعة في نافلة مطلقاً إلّا الاستسقاء إجماعاً (٣) ، وفي ندب العيدين على الأشهر الأقوى ، وفي الغدير كما عليه جماعة (٤) ، ولا بأس به. وتشرع في الواجبة مطلقاً ولو بالعارض.

ولا يشترط تساوي صلاة الإمام والمأموم عدداً ولا صِنفاً ، فيجوز الاقتداء في صلاة المغرب بمن يصلّي العشاء مثلاً وبالعكس ، وفي الطواف والمستأجر عليها بمن

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٣٢٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ : ٣٨ / ١٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤٣١ / ١١٦٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٦٨ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣٤ ، ح ٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٣٥ / المسألة : ٥٣٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١٦٠.

٣٦٦

يصلّي اليوميّة مثلاً وبالعكس ، والمسافر بالحاضر ، فيسلّم إذا كمل فرضه كغيره ، كمن قصر فرضه عن فرض الإمام ، ويجوز له أن ينتظر تسليم الإمام فيسلّم بعده ولا يتابع الإمام ، وبالعكس.

ومتى زاد عدد فرض المأموم على فرض الإمام قام المأموم ناوياً الانفراد بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة إن لم يكن عليه تشهّد حينئذٍ ، [ وإلّا فعليه ] أن يتابع الإمام في التشهّد ، فإذا سلّم الإمام قام وأتمّ ، ولا يتابعه في التسليم.

نعم ، يشترط اتّفاق صلاتي الإمام والمأموم نوعاً ، فلا يقتدي مصلّي العيد أو الآية بمصلّي اليوميّة مثلاً ، ولا العكس. ويقتدي المفترض مطلقاً بالمتنفّل نافلة تشرع فيها الجماعة كالمعادة في جماعة. والمتنفل بمثله وبالمفترض في المعادة للجماعة ، أو لطول الآية مع توافق هيئتي صلاتيهما.

وإذا أعاد مَن صلّى منفرداً لوجدان من يصلّي معه جماعة إماماً كان أو مأموماً فلينوِ بالثانية النفل لا الفرض ، وفي استحباب الإعادة لمن صلّى جماعة إشكال ، والعدم أولى.

والمسبوق بركعة يجلس على الثانية ويتشهّد تشهّداً خفيفاً ويلحق بالإمام ، وإذا جلس الإمام للتشهّد ولم يكن على المأموم تشهّد جلس معه ذاكراً لله أو متابعاً له.

ولو أزاد الإمام ركعة وجب على المأموم الانفراد ولو كان عليه ركعة ، كما إذا كان مسبوقاً بركعة.

والمسبوق يجعل أوّل ما يدخل فيه مع الإمام أوّل صلاته ، فيراعي فيها ما يلزمه فيها من قراءة وغيرها ، فلو أدركه في الثانية أنصت ولم يقرأ في أُولاه ، وقرأ الحمد وسورة في ثانيته التي هي ثالثة الإمام سرّاً ولو في جهريّة ، ويجلس بعدها ويتشهّد ويلحق بالإمام. وكذا لو دخل معه في ثالثة قرأ الحمد وسورة كذلك في أُولاه وثانيته ، فلو ترك القراءة عمداً أو جهلاً مع تمكّنه بطلت صلاته ، وسهواً يصحّ ويسجد للسهو ، وإن لم يتمكّن من السورة والحمد ومن إتمامهما قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع سقطت ، فيلحقه في الركوع ولا يتمّ الحمد والسورة ، فإن فاته

٣٦٧

الركوع حينئذٍ لحقه في السجود على الأقوى ، فإذا سلّم الإمام قام المسبوق بعده وأتمّ صلاته ولا يسلّم معه ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك سوى ما أشرنا له.

وليس للمسبوق الاقتداء في التتمّة بإمام آخر إلّا إذا كان مؤتمّاً معه كمسبوق آخر ، وكمن قدّم الجماعة بعد عروض عذر للإمام فينوي الائتمام به حينئذٍ بقلبه.

ويدرك المأموم الركعة ويعتدّ بها بإدراك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع ولو بعد الذكر الواجب على الأقوى الأشهر ، ولو شكّ هل أدركه راكعاً ، أو رافعاً؟ لم يعتدّ بها. ولو خشي المأموم فوت الركعة إذا وصل الصفّ مثلاً وقف في موضع تصحّ فيه القدوة وكبّر وركع ثمّ لحق به على أيّ حال ولو بعد السجدتين ، لكن بشرط أن يجرّ رجله جرّاً قاطعاً للذكر حال المشي محافظةً على الطمأنينة.

ويشترط ألّا يقع منه حينئذٍ فعل كثير أيضاً ؛ محافظة على ترك ما قام الدليل على المنع منه ، إلّا ما استثناه الدليل ، وتحصيلاً ليقين البراءة.

ويشترط في إمام الجماعة البلوغ ، فلا تصحّ إمامة الصبيّ حتّى المميّز إلّا لمثله. والعقل ، وتصحّ إمامة الدَّوري حال إفاقته. والإيمان وطهارة المولد ، فلا تصحّ ممّن ثبت شرعاً أنه ابن زنا ولو عدلاً ، وبولد الشبهة. وألّا تنقص هيئة صلاته عن هيئة صلاة المأموم ، فلا يأتم القائم بالجالس. وهكذا باقي المراتب. وألّا يكون مفلوجاً والمأموم صحيحاً. وتصحّ إمامة القاعد والمفلوج لمثله. ولو عرض أحدهما في أثنائها وجب الانفراد. والعدالة. وأن يكون متقناً للقراءة والأذكار الواجبة. وألّا يكون متأوّف اللسان كالألثغ (١) والفَأفَاء (٢) والتمتام (٣) ، إلّا أن يكون المأموم مثله في جهل ما جهله من ضبط القراءة وآفة اللسان ، أو ناقصاً عاجزاً عن التعلّم لضيق الوقت عن التعلّم وعدم التمكّن من الاقتداء بالأكمل. ومثل ذلك الألحن عند

__________________

(١) الألثغ : الذي لا يستطيع أن يتكلم بالراء. لسان العرب ١٢ : ٢٣٥ لثغ.

(٢) الفَأْفَاء : الذي يكثر ترداد الفاء إذا تكلَّم. لسان العرب ١٠ : ١٦٧ فأفأ.

(٣) التمتمة : الترديد في التاء. لسان العرب ٢ : ٥٦ تمم.

٣٦٨

جماعة (١) ، وهو حسن. وألّا يكون امرأة والمأموم رجل ، وتصحّ إمامة المرأة للمرأة في النافلة والفريضة ، والأحوط العدم. ولا تصحّ إمامة الخنثى مطلقاً. وألّا يكون الإمام أغلف مقصّراً في تأخير الختان.

وألّا يكون مكان الإمام أعلى من مكان المأموم [ أو ] مرتفعاً بما يعدّ عرفاً أرفع ، فما كان قدر ذراع امتنع ، دون ما نقص ، وتبطل حينئذٍ صلاة المأموم دون الإمام ، ولا يضرّ العكس مطلقاً ما لم يفرط علوّ المكان ، كأن يكون المأموم على منارة. هذا كلّه ما لم تكن الأرض منحدرة ، فإنه يغتفر العلوّ فيها من الجانبين.

ولا يضرّ اختلاف المأموم والإمام في الفروع ، إلّا أن تكون صلاة الإمام باطلة عند المأموم فلا تصحّ قدوته به حينئذٍ ، كما لو اعتقد الإمام استحباب السورة مثلاً ، والمأموم وجوبها ، فإنه لا تصحّ القدوة حينئذٍ ولو قرأها الإمام ، على الأحوط. أو يرى الإمام جواز الصلاة في فرو السنجاب وهو لابس له حينئذٍ والمأموم العدم. أو يرى الإمام الجهر في الأخيرتين والمأموم الإخفات. أو في القبلة ، وأمثال ذلك.

ولو علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام ولم يعلم الإمام ، صحّت صلاة الإمام دون المأموم ، ولا يجب على المأموم إخباره حينئذٍ بها.

نعم ، يشترط علم المأموم بصحّة صلاة الإمام ظاهراً عنده ، فلو تبيّن له بطلان صلاة الإمام بعد الفراغ فلا إعادة. ولو بقي الوقت قبله ينفرد من موضعه وما مضى صحيح ، ولا يعيد القراءة لو فرغ منها ولا ما مضى لو تبيّن في أثنائها.

ولو أمّ القوم آخر ليتمّ بهم لفراغ الأوّل أو حدوث حادث به ، بنى اللاحق على ما مضى ، ولو وقعت في أثناء السورة فالأقوى البناء على ما مضى منها. وصرّح بعضٌ بعدم اشتراط كون النائب من المأمومين (٢) ، والاشتراط أولى وأحوط.

ولو استناب الإمام اختياراً جاز ، ولو لم يستنب جاز للمأمومين أن يستنيبوا كلّهم أو بعضهم ، وجاز لهم الانفراد كذلك.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٨١.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٣٨١.

٣٦٩

ولو صلّى اثنان ، فقال كلّ منهما : كنت مأموماً ، بعد الفراغ أعادا مطلقاً ، كما لو شكّا فيما نوياه. ولو قال كلّ منهما : كنت إماماً ، صحّت صلاتهما.

ولا يجوز تقدّم المأموم على الإمام ولو في الأثناء ، ويجوز مساواته على الأشهر الأقوى. والعبرة في المساواة والتأخّر والتقدّم بالعقب لا بالعرف على الأشهر ، ولا بالأصابع ولا بالمسجد ، فمتى تأخّر عقب المأموم تحقّق تأخّره ولو طالت أصابعه على أصابع الإمام وتقدّم مسجده على مسجده ، والأحوط تأخّر المأموم بالأصابع أيضاً. ولو صلّوا جلوساً فالعبرة بالمقعد ، ومضطجعين فبالجنب. ولو صلّوا حول الكعبة بالاستدارة فهل المعتبر فيمن هو في عين جهة الإمام عدم كون مسجده أقرب إلى الكعبة من مسجد الإمام ، أو تأخّره عنه بالعقب؟ قولان ، الأوّل أولى.

ويشترط في صحّة القدوة أيضاً عدم بُعد المأموم عن الإمام عرفاً ، أو عمّن هو متّصل به من الجماعة كالصفّ الأوّل بالنسبة للصفّ الذي خلفه ، وهكذا. ومحلّ البعد ما بين مسجد المأموم وموقف الإمام ، وهكذا في المصلّين. ومرجعه أن يقال عرفاً : إنه لا يصلّي خلفه ، وتقديره بما لا يتخطّى أحوط ، ولا يضرّ البعد إذا اتّصلت الصفوف ولو زاد على فرسخ. والظاهر جواز إحرام البعيد قبل القريب لصدق الاتّصال ، والأحوط العدم.

ولو خرج جماعة عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو غيره في أثنائها ، فهل تبطل قدوة البعيد حينئذٍ وينفرد ، أو لا ينفرد إلّا إذا لم يمكنه على القرب وألّا يستلزم المبطل؟ الأوّل [ .. (١) ] ، و [ الثاني (٢) ] مع الإعادة أحوط.

ويشترط أيضاً في صحّة القدوة نيّة الائتمام بمعيّن جامع لشرائط الإمامة ، فلو لم ينوِها بطلت صلاته [ إن (٣) ] أخلّ بما يلزم المنفرد ، ولو قرأ حينئذٍ غير معتقد الوجوب فالإعادة أحوط. وتعيين الإمام يحصل إمّا بالاسم أو الصفة أو بهذا الحاضر. ولو اقتدى بمن لا يعلم جمعه للشرائط ، قيل : لم تصحّ ولو تبيّن بعدُ كونه كذلك. ومن

__________________

(١) بياض في المخطوط.

(٢) في المخطوط : ( التنافي ).

(٣) في المخطوط : ( فإن ).

٣٧٠

نوى القدوة بواحد من اثنين أو بهما بطلت صلاته ولو جمعا للشروط ، وكذا من ائتمّ بحاضر على أن اسمه زيد فبان أنه عمرو على الأحوط ، والأولى الصحّة ؛ لأن الخطأ في الاسم خاصّة. ومن نوى الائتمام بزيد فبانَ أنه عمرو بطلت صلاته قطعاً.

وتجب نيّة الإمامة على الإمام فيما يجب من الجماعة ، ولا تصحّ من المأموم نيّة القدوة في أثناء الصلاة بعد أن دخل فيها بنيّة الانفراد ، وألّا يفارق الإمام الأوّل وينوي الاقتداء بآخر إذا عرض له مبطل أو انتهت صلاته. ويجوز للمأموم عدم المتابعة بنيّة الانفراد في الأثناء لعذرٍ وبدونه وبغيرها إلّا في التسليم فلا يسلّم عليه قبله عالماً عامداً بدون نيّة الانفراد ، والاحتياط لا يخفى ، فإن وقع فالإعادة أحوط.

ويشترط في قدوة الرجل خاصّة دون المرأة عدم الحيلولة بينه وبين الإمام أو من يشاهده من المأمومين بما يمنع مشاهدة المأموم للإمام أو من يشاهده ولو بوسائط إن لم يعلم بطلان صلاة الوسائط ، ولا تضرّه إلّا بمنع المشاهدة من الحاجز كالشبّاك المخرّق ، ومنع الاستطراق ، ولا ما يمنع الرؤية في بعض حالات الصلاة دون بعض. ولو صلّى الإمام في محراب داخل على وجه لا يمكن أن يراه من في جانبي الصفّ الأوّل بطلت صلاة الجانبين لعدم المشاهدة له مطلقاً ، أمّا باقي الصفوف فتصحّ لمشاهدتهم المشاهد ولو بوسائط. وهل تكفي المشاهدة مطلقاً ، أو لا بدّ من فقد الحائل بين المأموم أو الصفّ السابق؟ الأشهر الأوّل ، والأحوط الثاني ، فتصحّ صلاة مَن على يمين الباب ويساره لمشاهدتهم لمن يشاهد مَن في الدار. ولا تصحّ على الثاني إلّا صلاة من فيه ؛ لمشاهدتهم.

ويغتفر الحائل مطلقاً للمرأة إذا ائتمّت بالرجال أما إذا ائتمّت بالنساء فلا يغتفر. ولا تعدّ الظلمة ولا النهر ولا الطريق حائلاً.

ويجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال ، فلا يجوز له التقدّم عليه ، إمّا بعده أو معه ، والبعديّة أحوط ، فلو تقدّم أثم ، ولا تبطل صلاته ، والإعادة بعده أحوط. وإذا تقدّمه عمداً في رفع من ركوع أو سجود لم يجز له الرجوع له فيه ، فلو رجع بطلت صلاته قطعاً ، بل ينتظره حتّى يرفع. ولو رفع المأموم رأسه قبل أن يرفع الإمام من

٣٧١

الركوع أو السجود ناسياً أو ظانّاً رفعه فتبيّن خلافه ، وجب عليه أن يعود مع الإمام ، فإن لم يعد مع سعة الوقت بطلت صلاته ، ويغتفر حينئذٍ زيادة الركن. والجاهل عامد.

وأمّا في الأقوال فالأكثر على عدم وجوب المتابعة ؛ لعدم وجوب الإسماع ، ولو لا الشهرة لكان القول بالوجوب هنا قويّاً ، ولا ينافيه عدم وجوب الإسماع ، إلّا تكبيرة الإحرام فإنه تجب المتابعة فيها ، فلو تقدّم المأموم بها بطلت صلاته ، والأحوط ترك المقارنة فيها أيضاً ، والأحوط عدم قراءة المأموم غير المسبوق خلف الإمام مطلقاً ، والمنع مطلقاً قويّ. ولو لم يسمع المأموم الإمام بنى على ظنّه في الأذكار وغيرها ، فلو تبيّن خلافه أجزأه ولا إثم. ولا يجوز له التقدّم على الإمام بركن أو أكثر ، [ و ] مع العذر يجوز ويلحقه ولو بعد ركعة فأكثر بعد الدخول.

ولا يتحمّل الإمام عن المأموم واجباً غير القراءة ، وعلى المأموم أن يأتي بجميع الواجبات غيرها ، ولكلّ منهما حكم نفسه شكّاً وسهواً في واجب أو غيره ، وإذا لزم أحدهما سجود اختصّ به ، ويسجد الإمام له بعد التسليم.

أمّا الشكّ في عدد الركعات فيرجع كلّ منهما إلى يقين الآخر ، والشاكّ منهما إلى الظانّ ، والظانّ إلى المستقرّ ، ولا فرق حينئذٍ في المأموم بين كونه واحداً أو أكثر ، ذكراً أو أنثى ، حرّا أو عبداً ، عدلاً أو غير عدل ، ولا يتعدّى الحكم إلى غيره ولو كان عدلاً إلّا مع إفادة الظنّ أو شهادة عدلين.

ولو اشتركا في الشكّ واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، ولو اتّفقا في الظنّ واختلف المحلّ تعيّن الانفراد ، وإن اختلف الظنّ رجع إلى ما اتّفقا عليه وتركا ما انفرد به كلّ واحد ، وإن لم تجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلّ منهما حكم شكّه ، ولو اختلف المأمومون والإمام رجعوا إلى الرابطة إن كانت ، وإلّا انفرد كلّ بحكمه ، ولو اشترك الشكّ بين الإمام وبعض المأمومين رجع الظانّ منهم والشاكّ إلى الإمام. ويجب على المأموم تنبيه الإمام لو صدر منه سهو أو غلط ، فإن لم يتنبّه ؛ فإن كان سهوه عن ركن أو واجب ، بطلت صلاة المأموم إن لم ينفرد ؛ لوجوب الانفراد حينئذٍ.

٣٧٢

الباب الخامس

في صلاة القصر

يتأكّد التخلّص من الحقوق الواجبة عليك لله أو للناس إذا أردت السفر. والذي يقصر من الصلوات في السفر هي العشاء والظهران ، وإنما يجب القصر بشروط :

الأوّل : القصد إلى المسافة وكون المقصود معلوماً ، فلو خرج لطلب آبق أو دابّة ضالّة بغير قصدها لم يقصّر ولو بلغ الصين ، وكذا التابعُ للغير إذا لم يعلم قصد متبوعه ، والعبدُ والزوجة إذا خرجا مع المولى أو الزوج يجوّزان العتق والطلاق مع ظهور الأمارة ولم يُرِدا السفرَ معه. والمجبور على السفر إن علم مقصد المُكرِه ولم يحتمل التخلّص منه بحسب الظنّ الغالب من حصول الأمارة وجب عليه التقصير إن قصد المسافة ، وإن عزم على الهرب متى قدر مع احتماله لم يقصّر لعدم قصدها ، وإن احتمل الأمرين أو جهل حاله أو مقصد المُكرِه لم يقصّر.

وقصد المتبوع للمسافة كافٍ ، فلو سافر بعبدٍ أو زوجته وعلم قصده لها قصّر. ولا يعتبر في التابع كونه ممّن تجب متابعته للمتبوع ، بل هو كلّ من وطّن نفسه على المتابعة. ومنتظر الرفقة إذا خرج إن لم يبلغ محلّ الترخّص أتمّ مطلقاً ، وإن بلغه فإن جزم بالسفر قصّر ما لم ينوِ الإقامة أو يمضِ له ثلاثون يوماً فيتمّ كما لو بلغ المسافة ، (١)

__________________

(١) في المخطوط : ( الباب السادس ).

٣٧٣

وإن تردّد أو لا يعلم بحال الرفقة وحاله متعلّق عليه أتمّ ؛ لعدم قصدها.

ولو قصد ثلاثة فراسخ ثمّ ثلاثة أخرى وهكذا أتمّ ، لكنّه في الرجوع يقصّر إن تحصّل له قصد المسافة ؛ إذ لا فرق في قصد المسافة بين الذاهب والراجع. ومن رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها ولو في أثناء الصلاة أتمّ ، إلّا أن يقصد مسافة أخرى ، ولا يعيد ما صلّاهُ قصراً قبل عدوله ، ولا يضمّ ما بقي من الذهاب إلى الرجوع مطلقاً ، وحكي عن الأكثر ، والأولى ضمّه إن كان الرجوع مسافة ، وعدمه إن لم يكن ولو بلغها مع التبعيّة لتعدّد المقصد ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

والمعتبر قصد المسافة النوعيّة لا الشخصيّة ، فمن قصد مسافة معيّنة وسلك بعضها ثمّ عدل إلى قصد غاية أخرى بقي على التقصير إن كان ما سلكه مع ما يبلغها به مسافة. ولا بدّ من العلم بكون المقصد مسافة ، ويحصل بذَرعِ الطريق وبشهادة عدلين وبمسير يوم معتدل للإبل القطار ذوات الأثقال.

ومن تردّد في بلوغ الطريق المسافة لم يقصّر ، والأحوط حينئذٍ وجوب الاعتبار. ومن أتمّ مع الشكّ ثمّ تبيّن [ أنه ] لم يتحقّق المسافة لا يعيد. ولو تعارضت البيّنات قدّمت بيّنة الإثبات. وقد يحصل العلم بها بالشياع.

وقدر المسافة [ التي (١) ] يجب التقصير على مَن قصدها بريدان ، وهي ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، والذراع عرض أربعة وعشرين إصبعاً من مستوي الخلقة ، والإصبع عرض سبع شعيرات ، والشعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون (٢).

ومبدؤها من منتهى عمارة بلد السفر لا من بساتينها ومزارعها ، هذا في المتوسّطة. وفي المتّسعة من منتهى عمارة محلّته.

ولا يتعيّن لقطعها زمن ، لكن من قطعها في زمن طويل بحيث يخرج عن اسم

__________________

(١) في المخطوط : ( الذي ).

(٢) البِرْذَوْن : الدابّة ، والبراذين من الخيل : ما كان من غير نتاج العِراب. لسان العرب ١ : ٣٧٠ برذن.

٣٧٤

المسافر كما لو قطعها في ثلاثة أشهر لم يقصّر كما عليه جماعة (١). ومسافة البحر قدر مسافة البرّ ولو قطعت في ساعة. ومن قصد مكاناً له طريقان أحدهما مسافة دون الآخر ؛ فإن سلك الأطول قصّر ذهاباً وإياباً ولو من الأقصر ولو كان سلوكه لأجله ، وإن سلك الأقصر أتمّ ، وكذلك إن رجع منه ، وإلّا قصّر في رجوعه خاصّة.

وقصد المسافة يتحقّق بقصد الثمانية ذهاباً ، وبقصد أربعة فراسخ فما فوقها إلى ما دون الثمانية ذهاباً إذا رجع في يومه أو ليلته مع اتّصال السفر عرفاً ، فمن كان كذلك قصّر مطلقاً لشغل يومه حينئذٍ ، ومن لم يرد الرجوع كذلك أتمّ مطلقاً على الأقوى الأشهر. ومن قصد أقلّ من أربعة لم يقصّر إجماعاً ولو رجع ليومه أو حصّل المسافة.

والحاجّ إذا دخل مكّة ولم ينوِ الإقامة فيها ثمّ خرج إلى عرفات يبقى على قصره مطلقاً ولو صلّى تماماً في مكّة من جهة التخيير ، والمقيم بمكّة إذا خرج لعرفات يتمّ لعدم رجوعه في يومه أو ليلته ، هذا هو الأشهر وعليه تجتمع النصوص (٢).

ولا بدّ في تحقّق صحّة القصر من تحقّق الدخول في السفر ، وهو الضرب المذكور في الآية (٣) ، فلا يكفي قصد المسافة بدون الخروج من محلّ الإقامة. ولا يعتبر في الضرب قدر معيّن ، بل متى بلغ محلّ الترخّص وهو مكان يخفى فيه أذان محلّ إقامته وجدران بيوته قصّر ، ولا عبرة بسواده ولا حدوده ولا بشاهق الأبنية ولا صيّت المؤذّنين ولا حديد السمع له ، بل العبرة في كلّ ذلك بالوسط.

ويقدّر أيضاً مرتفع الأرض ومنخفضها بمستويها. وعادم الحسّ يرجع لواجده. ويكفي خفاء أحدهما إن لم يوجد الآخر ، ولو وجدا وخفي أحدهما دون الآخر فالأقوى عدم التقصير. هذا في قاصد السفر الصحيح من محلّ إقامته. ومثل غير القاصد والعاصي بسفره يقصّر متى زال المانع إن بقي له قصد مسافة.

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٧ ( حجريّ ) ، مدارك الأحكام ٤ : ٤٣٣.

(٢) انظر وسائل الشيعة ٨ : ٥٣٧ ـ ٥٣٨ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٧.

(٣) النساء : ١٠١.

٣٧٥

ومنتهى القصر مبدؤه إن انتهى سفره إلى بلده ، فيتمّ إذا وصل في عوده إلى حدّ محلّ الترخّص في ذهابه وإن لم يدخل البلد ، فضلاً عن المنزل. ولو ردّته الريح في البحر قصّر ما لم يبلغ أحدهما ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

ولو قصد الصبيّ مسافة فبلغ في أثنائها قصّر في الباقي وإن قصر عنها ، وكذا من عرض له الجنون أو الإغماء في السفر ثمّ زال.

الثاني : كون السفر سائغاً ، فلا يجوز القصر لمن غايته بسفره المعصية كالإباق والهرب عن الغريم وقطع الطريق وإضرار مسلم في ماله أو عرضه أو نفسه أو الاستعانة بظالم على التمكّن من مظلمة. ويقصّر من ركب دابّة مغصوبة أو على رَحلٍ مغصوب أو استصحب مغصوباً إن لم نقل : إنه بحكم الغريم الهارب ، وإنه منهيّ عنه ، وإلّا أتمّ ، والأحوط القصر والإتمام حينئذٍ. والسالك الطريق يرجّح العطب فيه يتمّ ، وهذا الشرط معتبر ابتداءً واستدامةً ، فلو عرض له قصد المعصية في أثنائه انقطع الترخّص حينئذٍ ، ولو عاد إلى الطاعة عاد الترخّص ، ويشترط كون الباقي مسافة ولو بالعَودِ. ولو كان الباعث على السفر طاعة ثمّ عرضت له المعصية لم تضرّ بما هو سبب لترخّصه ما لم تكن المعصية غايته ولو في الأثناء.

والثالث : ألّا يكون السفر عمله ، وهو كثير السفر ، فمن كان كذلك لم يقصّر ولم يفطر ، كالبريد والجابي والمكاري والملّاح وإن لم يكن أهله معه ، والتاجر يدور بتجارته من سوق للأُخرى.

وتتحقّق الكثرة على الأقوى بالسفر مرّتين بدون إقامة عشرة أيّام في بلده مطلقاً ، وفي غيرها إن نوى الإقامة. وبحكمها العشرة بعد الثلاثين ، فمتى تحقّقت له سفرتان كذلك وجب الإتمام والصيام في الثالثة ، سواء جدّ به السير أم لا. ولا يرتفع عنه هذا الحكم في أن السفر عمله حتّى يقطعها بأحد الأمرين السابقين ، فتنقطع الكثرة ويرجع حكمه إلى القصر حتّى تحصل له سفرتان كذلك ، فيتمّ في الثالثة ، وهكذا.

٣٧٦

ومن تحقّق أن السفر عمله عرفاً ولم تحصل له سفرتان كذلك فالأحوط له القصر ، والإتمام لمن تحقّقت له كذلك ولم يتحقّق أنه عمله عرفاً. ولو أقام مَن تحقّقت له وكان السفر عمله عرفاً خمسة أيّام لم يفطر ولم يقصّر ، والأحوط الإتمام والقصر والصوم والقضاء.

وهل يكفي في قطع السفر به نيّة العشرة وإن لم يستوعبها بالفعل ، أو لا بدّ من استيعابها؟ الظاهر الثاني ، والاحتياط أولى.

ولو نوى عشرة ثمّ بدا له السفر قبل مضيّها وخرج إلى حدّ المسافة ، ثمّ نوى الإقامة ، وسافر قبل مضيّ العشرة بقصد جديد ، وهكذا ، صدق على الثالثة أنها ثالثة جديدة ، فلا يرجع إلى القصر فيها ، بل يتمّ ، والجمع حينئذٍ أولى.

تنبيه :

المراد من إقامة العشرة القاطعة للسفر ولكثرته تحقّقُ العزم في النفس على إقامة عشرة أيّام متوالية بلياليها من غير شكّ وتردّد في بلد أو قرية أو بادية أو غيرها ، ولا يضرّ قصد الخروج إلى حدود مكان الإقامة المتّصل به إذا صدق معه الإقامة فيه عرفاً ، وإلّا ضرّ كما في البلد المتّسعة.

ومَن علّق نيّة إقامة العشرة على حصول شي‌ء لا يحصل إلّا بعد العشرة أتمّ ، ولا تخلّ بها حصوله قبلها لو اتّفق.

ولو نوى إقامة عشرة في قرى متعدّدة ينتقل من بعضها لبعض كمَن نواها في مطلق الأحساء أو القطيف أو البحرين ولم يعيّنها في قرية منها بخصوصها لم يبطل سفره ويقصّر ولو طال الزمان وتجاوز الثلاثين.

ومَن قال : إني إن لقيت فلاناً في البلد أقمت وإلّا لم أقم ، لم ينقطع سفره. ومن تردّد في الإقامة في محلّ وهو فيه ، أو نوى السفر قبل العشرة ولم يسافر ، قصّر إلى ثلاثين يوماً ، وبعدها يتمّ ما بقي فيه ولو صلاة واحدة ، وغير بعيد الاكتفاء بالهلالي ، والعشرة التي بعد الثلاثين بحكم المنويّة ابتداءً.

٣٧٧

ومن نوى الإقامة ثمّ بدا له العزم على السفر قبل أن يصلّي صلاة مقصورة تامّة رجع إلى القصر. ومن بدا له وهو في أثناء الصلاة ؛ فإن كان لم يتجاوز محلّ العدول قصّر وبقي على حكم المسافر ، وإلّا فليس له العدول ، فيتمّ حتّى يسافر سفراً جديداً مستجمعاً لشروط القصر.

ولا يكفي النافلة ، ولا صلاة غير المقصورة سفراً ، ولا صلاتها تماماً لا بنيّة الإقامة ولو جهلاً أو نسياناً ، ولا إتمامها في موضع التخيير ، ولا صلاة فرض تماماً قضاءً ، ولا الصوم وإن خرج الوقت ، ولا خروج وقت الرباعيّة مع تركها عمداً أو سهواً ؛ وقوفاً على المتيقّن من النصّ (١).

ولو دخل المسافر في مقصورة ثمّ نوى الإقامة في أثنائها أتمّ.

ويكفي في العشرة كونها ملفّقة فيكملها من الحادي عشر. ولو تجدّد نيّة السفر للمقيم قبل مضيّ العشرة جاز له السفر ويقصّر إذا خرج. والمسافر إذا نوى الإقامة ثمّ خرج في العشرة إلى أبعد من محلّ الترخّص بعد أن صلّى تماماً يبقى على الإتمام ما بقي في محلّه ، أو رجع إلى محلّ إقامته ناوياً إقامة عشرة مستأنفة ، أو تردّد في إقامته في عشرة مستأنفة ذهاباً ، وفي محلّته التي خرج إليها ، وإياباً إلى محلّ الإقامة وفيه.

وإن لم يقصد الإقامة في رجوعه أصلاً ، أو قصد إقامة أقلّ من عشرة ، قصّر في عوده وفي محلّ إقامته جزماً ؛ لقصده المسافة وهي مبطلة للإتمام ، وتكون بلد إقامته أوّلاً كغيرها ، وللضرب في السفر. لكن هل يضمّ الذهاب إلى العود حينئذٍ فيقصّر ذهاباً أيضاً كما عليه جماعة إذا بلغ موضع الترخّص تكون بلد الإقامة كبلد الوطن على الأقوى ، أم لا يضمّه فلا يقصّر في الذهاب؟ الأرجح الأوّل ، والجمع أحوط.

وإن خرج ناوياً العشرة غير قاصد شيئاً من الرجوع والسفر وعدمهما أو متردّداً ، فقولان ، أولاهما الإتمام ذهاباً وفي القصد وعوداً ؛ لعدم قصد المسافة ، والأحوط

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٨ : ٥٠٨ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٨.

٣٧٨

الجمع خصوصاً في المتردّد.

ومن خرج بعد العشرة لما دون المسافة إن كان متردّداً أو ذاهلاً أو ناوياً العود عشرة مستأنفة أو متردّداً بَعدُ يتمّ مطلقاً ، والجمع أحوط ، فإن نوى بخروجه السفر قصّر. وفَرقُ بعض المتأخّرين في الخارج قبل العشرة بين الرجوع ليومه فيتمّ مطلقاً ، وعدمه فيقصّر ، ضعيفٌ لا دليل عليه.

الرابع : أن يكون مستمر القصد والسفر ، فلو قطعه بإقامة أتمّ ، فالعاصي بسفره والواصل إلى حدود وطنه يتمّ ولو لم ينوِ الإقامة.

ولا فرق في الملك بين المسكن وغيره ، بل ينقطع السفر بما لو وصل إلى مكان له فيه ملك مطلقاً ولو مثل النخلة والجدار ، ولكن لا بدّ من استيطانه ستّة أشهر اتّصلت أم تفرّقت قبل البلوغ أو بعده أو ملفّقة ، مختاراً كان أو مضطراً ، فرضه فيه التمام أو القصر.

ولا يشترط السكون في الملك ولا دوام استيطانه المدّة المذكورة في كلّ سنة ، ولا عدم اغتصابه منه كلّ ذلك ؛ للإطلاق في موضع البيان الموجب للعموم. ولو خرج عن ملكه ساوى مَن لا ملك له لا بإعارة أو إجارة. ولو اتّخذ غير ذلك البلد وطناً فهل يتمّ بمجرّد الوصول إليه ، أو إذا نوى الإقامة؟ الأولى الأحوط الثاني ، والأحوط منه الجمع. وبحكم بلد الملك البلد المتّخذة وطناً على الدوام ، لكن بعد الاستيطان ستّة أشهر ، والأحوط نيّة الإقامة إلّا في ملك استوطنه ستّة أشهر على الدوام.

ومتى اجتمعت الشروط وجب قصر الرباعيّة ، فلو أتمّها عالماً عامداً لم تجزِه ، كما لو كان عالماً بوجوبه جاهلاً بالمحلّ. والجاهل بالحكم تجزيه لو أتمّ مطلقاً ، والناسي يعيد وقتاً لا خارجاً على الأشهر ، والأحوط القضاء. ومن قصّر غير الرباعيّة اليوميّة لم يجزِه مطلقاً.

والمدار في وجوب القصر والتمام على وقت الفعل ، فلو دخل الوقت ومضى منه قدر الشروط والصلاة قبل مجاوزة محلّ الترخّص ولم يصلّ حتّى جاوزه صلّى

٣٧٩

قصراً ، وبالعكس تماماً.

والعبرة في القضاء بحال الفوات لا الوجوب ، ففي الأوّل لو لم يصلّ قضى قصراً ، وفي الثاني تماماً. وتقضى القصر قصراً ولو في الإقامة ، والتمام تماماً ولو في السفر. ومن قصّر في محلّ الإتمام لم يجزِه بحال.

وإذا كان المسافر في مسجد حرم مكّة أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : أو جامع الكوفة أو حائر الحسين عليه‌السلام : وهو دَورُ الضريح بخمسة وعشرين ذراعاً على الأقوى تخيّر بين القصر والإتمام إن وسع الوقت ، والإتمام أفضل على الأشهر ، والقصر مطلقاً أحوط ، هذا في المؤدّاة ، أما المقضيّة فتقضى كما فاتت مطلقاً. ولو فاتت الفريضة في أحدها قضيت قصراً مطلقاً ، ويحتمل بقاء التخيير إن قضيت في أحدها. ولا يتخيّر في الصوم مطلقاً. واعلم أن زوائد مسجد الحرم بمكّة وزوائد مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : بالمدينة بحكمها.

ولا يشترط في النيّة نيّة التمام أو القصر مطلقاً على الأقوى ، وكلّ ما أقصر بالسفر أفطر ، وبالعكس ، إلّا إن المسافر إن تجاوز محلّ الترخّص قبل الزوال أفطر ، ولم يجزِه صيام ذلك اليوم ، وإلّا صام وأجزأه ، ولا فرق بين تبييت نيّة السفر وعدمه.

٣٨٠