رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

الفصل الخامس

أحكام التيمّم

متى تيمّم لمشروطٍ بالطهارة صحّ الدخول به في كلّ ما شرط بها من غير إعادة ، ولا يشرع التيمّم قبل الوقت ، ويجب حال تضيّقه. ولو أخلّ بالطلب أو في صحّته فبه أقوال ، أرجحها الجواز ، وأحوطها التأخير إلى آخر الوقت مطلقاً.

ولو دخل الوقت وهو متيمّم لمشروط جاز له الصلاة به في أوّله بلا شبهة ، والمتيمّم بدلاً من غسل غير الجنابة يتيمّم مرّة بدله ومرّة بدل ما معه من الوضوء.

وإذا أحدث المتيمّم بدلاً عن غسل أعاده بدلاً منه ، ففي الجنابة مرّة ، وفي غيره مرّتان.

ولو كان مع من عليه غير الجنابة ما يكفيه للغسل فقط اغتسل وتيمّم بدل الوضوء ، أو للوضوء فقط توضّأ وتيمّم بدل الغسل. ولو شكّ في شي‌ء منه قبل الفراغ أعاد غسله وحده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ ، وبعده لا يلتفت.

ولو نسي عضواً أو بعضه أتى به وبما بعده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ.

وكثير الشكّ يبني على الصحّة كغيره ، وفاقد الصعيد وما يسدّ مسدّه يطلبه كالماء مع تجويز حصوله وعدم المانع ، والأحوط ما بقي الوقت.

ولو وجد الماء بعد كمال ما تيمّم له فلا إعادة ولو اتّسع الوقت على الأقوى ، وفي

٢٨١

أثناء الصوم لا إعادة جزماً ، وفي الصلاة أقوال ، أقواها أنه لا يقطع ولو بعد تكبيرة الإحرام ، ولا يعدل إلى النفل ولو اتّسع الوقت ، ولو نوى به فرضاً مشروطاً بالطهارة دخل نفله وغيره مطلقاً كالعكس.

ولو تيمّم الصبي ليومية مثلاً ثمّ بلغ بغير المبطل دخل به فيها وغيرها ، والأولى الإعادة. والعاصي بسفره كغيره ولا يعيد ، والردّة لا تنقضه ، ويطلب الماء للميّت كالحيّ ، ولو يمّم ووجد الماء قبل أن يلحد فالأقوى تغسيله وإعادة الصلاة عليه.

ولو اجتمعت أحداث كحيض وجنابة وغيرهما كفى ما نوى بدل أحدهما ، فإن [ كان ] بدل الجنابة تيمّمم مرّة وإلّا مرّتين.

ويشترط في صحّته طهارة أعضائه دون باقي البدن ، ولا يتيمّم لنجاسة البدن مع تعذّر الماء ، ويمسح وجوباً إن خشي تعدّيها. ولو وجد فاقد الطهورين أحدهما بعد الدخول في الصلاة انصرف وتطهّر وصلّى.

ووقت التيمّم وقت العمل. ولو وجد جماعة متيمّمون ماءً مباحاً لكلّهم لا يكفي إلّا أحدهم فانتقاض تيمّمهم كلّهم أحوط ؛ لعدم اختصاصه بواحد ، ولو خصّ به مالكه أحداً اختصّ به وانتقض تيمّمه خاصّة بلا إشكال.

ولو مرّ المتيمّم بالماء ولم يعلم به إلّا بعد فقده لم ينتقض تيمّمه ، ولو لم يجد الماء إلّا في المسجد دخل متيمّماً وأخذه واغتسل خارجه ، ولو تعذّر إخراجه لم يصحّ غسله به إن أوجب اللبث.

٢٨٢

كتاب الصلاة

مقدمة

الواجب من الصلاة : اليوميّة ، والجمعة ، والعيدين إن تمّت شروط وجوبهما ، والطواف ، والآيات ، وما يلزمه نفسه بنذر أو عهد أو يمين أو إجارة ، والجنازة على القول بأنها حقيقة ، والقضاء ، وأمّا الاحتياط فداخلة في اليومية.

ويشترط في وجوب الصلاة التكليف بالبلوغ ، ويتحقّق بخروج المنيّ مطلقاً في الذكر والأُنثى ، وإنبات الشعر الخشن على العانة فيهما ، وبإنبات الشعر في وجه الرجل كما عليه جماعة (١) ، وبالسنّ ، والأشهر الأقوى أنه في الذكر كمال خمس عشرة سنة والأُنثى تسع سنين. وبالحيض في المرأة مع جهل السنّ ، وكذلك جعله أمارة كاشفة عن سبق التسع كالحمل في الكشف عن خروج المنيّ.

والخنثى المشكل بالإنبات والمنيّ منهما ، أو بلوغ خمس عشرة أو الحيض من مخرجه مع المنيّ من مخرجه ، وبالعقل وبالسلامة من الحيض والنفاس ، وبوجدان الطهور على الأقوى فيه. وكلّها شروط لصحّتها أيضاً إلّا البلوغ.

ويشترط في صحّتها أيضاً الإيمان وإن كان [ غير ] المؤمن مخاطباً بالفروع لتضييعه الشرط ، ولكن يسقط عنه القضاء بعد الإيمان مَنّاً وإن كان واجباً لنفسه أيضاً بعد الكمال. وهو أعظم أركانها ، فلا بدّ من معرفة الله تعالى وتقدّس بما يصحّ عليه وما

__________________

(١) انظر المناهل : ٨٩ ( حجريّ ).

٢٨٣

يمتنع من الصفات وأفعاله ، ومعرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وخليفته عليه‌السلام في كلّ زمان وصفاتهما المميّزة لهما كمال التمييز ، ومعرفة وجوب المعاد ومعرفة عدل الله. ويجب أن يكون كلّ ذلك بدليل تركن إليه نفس المكلّف ، والناس فيه متفاوتون فكلّ بما في وسعه.

أمّا معرفة دفع الشبه فواجب كفائي ، ومن عرف ذلك بغير دليلٍ ما بل بمجرّد تقليد المعاشرين والخلطاء واطمأنت به نفسه ومات عليه فهو ناجٍ وإن عصى بترك الدليل ، بل محال أن تستنير نفسه باعتقاد ذلك ولا يحصل لها هداية للدليل ، فمن صلّى بغير أن يعرف ذلك فلا صلاة له ، فكيف يعبد من لا يعرف أو يطاع من لا يتبيّن ويوصف ، فالأعمال لطائف الاعتقادات.

وطريق معرفة العامل عمله حتّى يحصل له يقين البراءة ؛ أمّا الاجتهاد ومعرفة دليله تقصيّاً ، أو الأخذ عمّن هو كذلك ولو بوسائط عدلٍ أو واحدة كذلك ، فإن لم يتمكّن منهما فما يوجب الاحتياط ما أمكن حتّى يحصل المخرج كما وعد الله المتّقين ، ولا يعمل بهواه فيضلّ.

وشروط صحّتها : طهارة الثوب ممّا لا يعفى عنه ، وطهارة البدن عنه ومن الأحداث.

ومن شروط وجوبها وصحّتها : دخول الوقت ، فالظهر وهي أوّل صلاة فرضت من زوال الشمس إلى أن يمضي قدر تحصيل شروطها المفقودة ، وأداء واجبها بحسب حال العامل ووسعه قصراً كانت أو تماماً حتّى صلاة الخوف بمراتبه. ولو نسي جزءاً لا قضاء له سقط اعتبار زمنه ، ولا يدخل فيه زمن سجود السهو على الأقوى ؛ لانفصاله ، والأحوط اعتباره. والظاهر اعتبار زمن الجزء المنسيّ الذي يجب قضاؤه مع أنه أحوط.

وبعد ذلك يدخل وقت العصر ، وتشترك مع الظهر إلى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر كذلك فيختصّ بها ، ويصلّي الظهر قضاءً بعدها.

ولو بقي عن الغروب قدر خمس ركعات وجب الظهر ثمّ العصر أداءً كمَن أدرك من الوقت ركعة. ولو صلّى العصر في المختصّ بالظهر بظنّ الإتيان بها ؛ فإن تبيّن له وهو

٢٨٤

فيها عدل إلى الظهر ولو قبل التسليم وجوباً ثمّ أتى بالعصر ، وإلّا أتى بالظهر ثمّ العصر. ولو صلّى الظهر في المختصّ بالعصر ؛ فإن ذكر قبل التسليم عَدَلَ ، وإلّا قضاهما.

ولو تجدّد المسقط فإن لم يمضِ من الزوال ما يسعها وشروطَها تامّة كما مرّ سقطت إن استوعب الوقت ولا قضاء ، وإلّا فإن مضى قدر الظهر فقط وجب قضاؤها فقط ، أو إن مضى ما يسع الظهرين كذلك وجب قضاؤهما ، وكذلك الحكم لو زال آخر الوقت. ولو زال وقد بقي من النهار ما يسع واجب الشروط وواجب ركعة وجب العصر خاصّة ، أو واجب خمس فالظهران ، وكذلك لو بلغ الصبيّ أو أسلم الكافر. وإن ضاق عن ركعة فلا شي‌ء أصلاً. ومتى استوعب العذر الوقت سقطت أداءً وقضاءً.

ولو صلّى العصر قبل الظهر بظنّ أنه صلّى الظهر أو ناسياً ؛ فإن ذكر قبل السلام عدل مطلقاً ، وإلّا فإن أوقعها كلّها في المختصّ بالظهر أعادها بعدها ، وإلّا أجزأته ويصلّي الظهر بعدها. وهذه ثمرة الاختصاص والاشتراك.

ويعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد انتهاء نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه.

ووقت فضيلة الظهر إلى أن يحدث مثل ظلّ الزوال ، أو مثل الشاخص على الأقوى الأشهر. والعصر ضعف الظهر.

ووقت المغرب غروب الشمس الحقيقي ، وأمارته ميل الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس ، ولا عبرة بالصفرة. وإذا مضى منه قدرها على نحو ما مرّ دخل وقت العشاء ، فيشتركان حتّى يبقى من الانتصاف قدر ثلاث ركعات على نحو ما مرّ ، فيختصّ بالعشاء ويُقضى المغرب ، والكلام فيهما كالظهرين. ولو بقي عن الانتصاف قدر أربع صلّى المغرب ثمّ العشاء أداءً فيهما كَمَن أدرك قبل الغروب خمساً ، والأحوط هنا قضاء المغرب أيضاً.

وفضيلة المغرب إلى غياب الشفق الأحمر ، والعشاء إلى ثلث الليل.

ووقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني المعترض في الأُفق وآخره طلوع القرص. والفضيلة إلى طلوع الحمرة.

٢٨٥

ووقت صلاة الخسوفين من ابتدائه إلى تمام الانجلاء على الأشهر.

والزلزلة منها إلى آخر العمر ، فيقع أداءً أبداً. وباقي الآيات مدّة حصولها.

والجمعة من الزوال إلى مثل فضيلة الظهر أو إلى قدر أدائها مع الخطبتين.

[ و ] الجنازة قبل الدفن بعد التغسيل والتكفين.

والطواف بعده قبل السعي ، ويتضيّق بتضيّقه السعي ، وإلّا سعى معه بعده ما لم يرد الخروج من مكّة أو عملاً مشروطاً فيتضيّق ، وكونها بعد الطواف حينئذٍ أولى. وما يلتزمه المكلّف بحسب ما يلتزمه.

ولا تصحّ الصلاة إلّا مع العلم بدخول الوقت ، أو الظنّ الغالب مع تعذّر اليقين كذوي الأعذار ويوم الغيم ، وأذان الواحد العارف ممّا يفيده ، فلو صلّى قبل ذلك لم تصحّ ولو دخل الوقت في أثنائها أو تبيّن أنه أوقعها كلّها فيه ؛ [ لأنه (١) ] دخل فيها على أن الوقت لم يدخل سواء كان عمداً أو سهواً ، عالماً أو جاهلاً.

[ و ] لا تصحّ أيضاً لو ظنّ دخوله فتبيّن أنه قبله ، إلّا أن يدخل حينئذٍ وقبل أن يسلّم فإنها تصحّ كما لو دخل فيها قبله سهواً فدخل قبل التسليم ، وإعادة الساهي أحوط ، والشكّ لا يكفي. ولو شكّ في خروج الوقت صلّى أداءً ولا إعادة لو تبيّن خروجه ، ولو ظنّ الخروج فصلّى قضاءً ثمّ تبيّن بقاؤه فلا إعادة أيضاً.

والأعمى والمحبوس والعامّي الذي لا يعرفه ولو بأمارة يقلّد العارف أو غيره إن أفاده الظنّ ، فلو تبيّن خلافه فهو كالظانّ. ومقدار الركعة التي مَن أدركها أدرك أداء الصلاة : مِن أوّلها إلى ابتداء الرفع من السجدة الأخيرة ، وليُسقِط أيضاً السورة على الأقوى الأظهر. ويجب ترتيب الفوائت إن ذكر أوّلها.

مكان المصلّي

ومن شروطها ملكيّة مكان أدائها عيناً أو منفعة أو الإذن فيه مطلقاً خصوصاً أو

__________________

(١) في المخطوط : ( لأنها ).

٢٨٦

عموماً ولو بالفحوى كالضيف والأجير أو بشاهد الحال كبستان الغير وشبهه ، إلّا أن يكون مغصوباً أو يعلم الكراهية من المالك فلا يكفي شاهد الحال ، وظاهر الأصحاب على ذلك ، والأحوط التنزّه هنا حتّى يحصل الإذن الصريح.

ومكان المصلّي ما يشغله حال صلاته بحركاته وسكناته ويعتمد عليه بوضع ثقله حالتها عليه ولو بواسطة ، فلو صلّى في مغصوب ولو بعضه ، أو كان الهواء الذي يتحرّك فيه الواقف عليه مغصوباً ، أو كان مكانه روشناً مخرجاً فيما لا يملك أو ساباطاً موضوعاً أطراف خشبه على ممنوع منه لم تصحّ ، عالماً كان أو جاهلاً بالتحريم أو بالصحّة والفساد ، لا الجاهل بالغصب والناسي فإنها تصحّ منهما ، وإعادة الناسي أحوط. ولو ظنّ المصلّي الغصب لم تصحّ ولو ثبتت الإباحة.

والمحبوس في مكان مغصوب ظلماً أو على حقّ عاجز عنه يصلّي ولا إعادة ما لم يمكنه التخلّص فيجب ، ولو أمكنه الخروج صلّى خارجه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج ، والقضاء هنا أحوط. ولو صلّى في فضاء [ أو (١) ] أرض أحاط بها مغصوب كالخيمة مثلاً صحّ.

ويجوز الصلاة في المكان المغصوب مع إذن المالك عموماً أو خصوصاً ما لم يكن هو الغاصب فإنه لا بدّ له من الإذن الصريح الخاصّ. ولو أذن المالك ثمّ منع ؛ فإن كان قبل التلبّس لم تجز الصلاة فيه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج وحيثما توجّه ، وإن كان بعده فله الإتمام ولا عبرة بمنعه حينئذٍ على الأقوى ولو اتّسع الوقت أو كان الإذن من شاهد الحال. والإتمام وإن كان آخذاً في الخروج حال ضيق الوقت أحوط. ولا فرق في المغصوب بين الخاصّ والمشترك كالمسجد والوقف المطلق ولو في صحراء مع تعيّنه في محصور ، لا بدونه فإنه يجوز.

ولا يشترط طهارة مكان المصلّي أو مساجده إلّا ممّا يتعدّى ممّا لا يعفى عنه

__________________

(١) في المخطوط ( و ).

٢٨٧

على الأشهر الأقوى ، إلّا في محلّ الجبهة فإنه يشترط طهارته من النجاسة مطلقاً ولو لم يتعدّ نصّاً (١) وإجماعاً (٢). وجاهل نجاسة المسجد أو الثوب أو البدن لو علم بها بعدُ لا يعيد صلاته مطلقاً ، وجاهل الحكم أو الصحّة والفساد يعيد مطلقاً كالناسي.

ولو اشتبه النجس في مكان محصور اجتُنب كلّه دون غير المحصور ، ويزول المنع بوضع طاهر عليه ، ولو شُدّ في المصلّي حبل طرفه نجس لم يضرّه ولو تحرّك بحركته ، ولا يضرّ أيضاً لو كان معه قارورة فيها نجاسة.

ويشترط أيضاً في المكان عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع القدمين بأكثر من عرض أربعة أصابع مضمومة ، وبالعكس على الأولى ، إلّا في الأرض المنحدرة فلا يضرّ الاختلاف ولو زاد على ذلك فيها. ولو وضع الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه ؛ فإن مسحها إلى ما يصحّ صحّ ، وإن رفعها ووضعها بطلت ، ولو وضعها على أرفع من المغتَفَر لم يضرّه الرفع والوضع ؛ لأنه حينئذٍ كالهاوي.

ويجوز صلاة المرأة إلى جانب الرجل مطلقاً. ويجب استقرار المكان عرفاً ، فلا تصحّ على المنهال حال انهياله ، ولا الدابة ولو كانت معقولة ، ولا السفينة حال اضطرابها ، إلّا أن يضطرّ فيصحّ. ويكبّر حينئذٍ مستقبل القبلة ويدور إليها في باقي الصلاة بحسب الإمكان ، فإن تعذّر سقط ، والأقوى صحّة الصلاة في السفينة وإن أمكن الخروج إلى البرّ ، وهو أحوط وأولى. وتصحّ الفريضة في جوف الكعبة وعلى سطحها اختياراً على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ الصلاة في مكان ضيّق يمنع من بعض واجباتها إلّا اضطراراً.

ويجب في موضع الجبهة في السجود أن يكون أرضاً وهو ما يتيمّم به أو

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ، ب ٢٩ ، ح ١ ح ٣. ٣ : ٤٥٥ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٠ ، ح ٦.

(٢) الخلاف ١ : ٤٧٢ / المسألة : ٢١٧ ، المعتبر ١ : ٤٣٣ ، مختلف الشيعة ٢ : ١٣٠ / المسألة : ٧٠.

٢٨٨

نباتاً منها أو قرطاساً بجميع أنواعه كما هو ظاهر النصّ (١) والفتوى (٢) ، بشرط ألّا يكون النبات مأكولاً ولا ملبوساً عادةً ولو توقّفا على الطحن والغزل ، فلا يسجد على جوز القطن ولا على مثل البندق والأرز إلّا أن يميّز القشر فيجوز السجود عليه حتّى قشر الشعير فإنه غير مأكول عادة. ولو اختلفت العادة فيهما فالأقوى أن لكلّ بلد حكماً ، والأحوط عموم التحريم.

ولو كان له حالتان كقشر اللوز اختصّ المنع بحالة المأكوليّة ولا عبرة بأكل الحيوان العَجم. ولو شكّ في كونه مأكولاً أو ملبوساً فالمنع. ويجوز ضرورةً كتقية وشدّة حرّ السجود على الممنوع منه كالمعدن وغيره ، ولا إعادة. ولا يجوز السجود على نفس الكتابة لأنها جسم لا يصحّ السجود عليه ، ولو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه [ وهو ] يظنّه أنه ممّا يصحّ السجود عليه أعاد في الوقت دون خارجه ، والأحوط القضاء.

ولو صلّى مع شكّه في صحّة السجود عليه لم تصحّ ولو تبيّن أنه ممّا يصحّ السجود عليه. ولعدم الإعادة فيما لو صلّى [ ظانّاً ] أنه ممّا يصحّ السجود عليه فبانَ خلافُه وجهٌ قويّ ، كالجاهل بكون اللباس ممّا لا تصحّ الصلاة فيه فبانَ خلافُه.

ولا يجوز الصلاة في مكان يتقدّم فيه المصلّي على قبر المعصوم مع عدم الحائل ، ولا يعدّ مثل الصندوق حائلاً ، والأقوى عدم تحريم المساواة ، وقيل بالمنع (٣).

وتحرم الصلاة في الطريق إن منعت المارّة ، ولا يجب تعيين مكان المصلّي إلّا مقام إبراهيم لركعتي الطواف الواجب ، وإلّا ما يلتزمه الإنسان على نفسه من الصلاة في معيّن له مزية.

ولا يصحّ وقف مسجد ينقص عن مكان صلاة واحد ، ولا وقف كنيف إلّا بعد طمّه

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٥ : ٣٤٣ ، أبواب ما يسجد عليه ، ب ١.

(٢) المبسوط ١ : ٨٩ ـ ٩٠ ، منتهى المطلب ١ : ٢٥٢ ( حجريّ ) ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٣٤ / المسألة : ١٠٠.

(٣) انظر الحدائق الناضرة ٧ : ٢٢٢.

٢٨٩

وتطهيره ، ولا يجوز بيع آلة المسجد في حالة إلّا أن يخرج عن الانتفاع به فيها ، ويجوز استعمالها في مسجد آخر مع غنائه وحاجته كما وقفه ، ولا يجوز إدخال شي‌ء من الطريق فيها ولا شي‌ء منها في غيرها في حال. ويجوز جعل البِيَع والكنائس مساجدَ مع اندراس أهلها. ويحرم إدخال النجاسة المتعدّية فيها إجماعاً (١) ، ويجب تطهيرها منها لنفسها ، والأحوط عدم صحّة الصلاة ما لم تزل النجاسة عنها مع سعة الوقت وعلمه بها وتمكّنه من إزالتها.

ومن شروط صحّة الصلاة ستر لون بشرة العورة دون حجمها للصلاة وإن لم يرَه أحد من كلّ جهة سوى الأسفل ، ولو انكشفت في أثنائها بدون اختياره لم يضر ، ووجوب المبادرة إلى سترها متى علم. وهي من الرجل القبل والدبر والبيضتان دون العانة والعِجَانة ، ومن المرأة في الصلاة جميع بدنها وشعرها إلّا الوجه ، وهو هنا ما يواجه به أوسع من وجه الوضوء ، والكفّين من الزندين من ظاهرهما وباطنهما ، والقدمين من الساقين كذلك ، هذا من الحرّة البالغة. وجميع الرأس والرقبة وشعرهما من الأَمَة والصبية ليسا عورة فيها ، ولو لم يمكن إلّا ستر البعض وجب ، وعورة الرجل أولى من سائر جسدهما (٢). ولو شكّ في تحقّق الستر لم تصحّ. ولا فرق في الساتر بين حصوله بالثوب الواحد أو المتعدّد إذا حصل بالجميع سواء في ذلك الذكر والأُنثى.

لباس المصلي

ويشترط في لباس المصلّي كلّه الطهارة إلّا ممّا يعفى عنه ، ومرّ بيانه ، وأن يكون مباحاً ، وألّا يكون من ميتة مطلقاً ولو بعضه حتّى شِسع النعل ، إلّا أن يكون ممّا لا تحلّه الحياة إلّا من نجس العين حيّاً فلا يستثنى. ولا بدّ [ من العلم (٣) ] بالتذكية ، أو

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٢٧٧.

(٢) أي وستر مقدار عورة الرجل من الأمة والصبيّة أولى من سائر جسدهما.

(٣) في المخطوط : ( للعلم ).

٢٩٠

أخذِه من سوق يغلب على أهلها الإسلام ، أو من يد مسلم لا يستحلّ الميتة. ولا يحكم بتذكية ما وجد مطروحاً إلّا إذا وجد فيه أمارة شرعيّة كالهدي المعلّم ، ولا يكفي عدم العلم بعدمها. ولا تجوز الصلاة فيما ينفصل منها إلّا فيما لا تحلّه الحياة كالشعر والوبر والصوف من مأكول اللحم ، ولا بأس بمثل القمل والبرغوث والذباب والزنبور والبقّ ونحوها أيضاً وفضلاتها كالعسل والشمع ، والأحوط التجنّب. ولا يقبل إخبار مستحلّ الميتة بالتذكية.

وخصّ جماعة (١) الميتة بذي النفس السائلة ، وجوّزوا في ميتة غيرها ، وله وجه ، إلّا إن التعميم أولى. وعلى القولين يستثنى ما لا تحلّه الحياة منها ، ولا تجوز الصلاة في جلد غير مأكول اللحم مطلقاً ولا شعره ولا وبره ومنه السّمّورُ (٢) والفَنَكُ (٣) والثعلب والأرنب ولو كان ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً. ولا بأس بما ينفصل من الإنسان حال حياته إذا كان طاهراً كالشعر والعرق لعدم إمكان التحرّز عنه والتسامح فيه وإعارة الثوب من غير نكير سواء في ذلك فضلة المصلّي نفسه وغيره.

ويجوز استعمال جلد غير المأكول وشعره ووبره في غير الصلاة بعد التذكية إن وقعت عليه ، والأولى كونه بعد الدبغ. ويجوز في جلد الخزّ ووبره إجماعاً (٤) ، وفي السنجاب والحواصل (٥) قولان ، والمنع أولى. ولا بأس بالمصاحب الممنوع كالمحمول ، والمنع أحوط.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٧٧ ، مدارك الأحكام ٣ : ١٦١.

(٢) السَّمُّور : دابّة تسوّى من جلودها فِرَاءٌ غالية الأثمان. لسان العرب ٦ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ سمر.

(٣) الفَنَك : قيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وحكي أنه يطلق على فرخ ابن آوى في بلاد الترك. المصباح المنير : ٤٨١ فنك.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٤ ـ ٨٥ ، مختلف الشيعة ٢ : ٩٥ / المسألة : ٣٦.

(٥) الحواصل : جمع حوصل ، وهو طائر كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو. حياة الحيوان الكبرى ١ : ٣٨٨.

٢٩١

ولا يصحّ الصلاة في الحرير الخالص (١) للرجال والخناثى إلّا في الضرورة والتقيّة والحرب ، ويجوز افتراشه جلوساً ونوماً والتدثّر والالتحاف به وكفّ الثوب به وقُدّر بعرض أربعة أصابع والزرّ به والتعليم ، ولا يجب على الوليّ منع الصبي منه ، ويجوز للنساء الصلاة فيه اختياراً ، وللرجل فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً حين يراد الصلاة فيه ، فلو كان ممّا لا تتمّ فيه حينئذٍ وتتمّ لو غُيّر عن تلك الهيئة صحّت قبل التصرّف ومنعت بعده. والعبرة بما يستر عامّة الناس لا شديد الغلظ ولا النحيف. ولو نسي المصلّي كونه حريراً أو جهله صحّت ، ولو جهل التحريم أو الصحّة والفساد لم تصحّ ، وتصحّ في الممزوج مطلقاً ما لم يكن الخليط مستهلكاً لقلّته جدّاً فإنه كالخالص.

ولا تصحّ الصلاة للرجل والخنثى في الذهب ولو خاتماً إذا كان ملبوساً أو منسوجاً في ثوبه ، والمنع في المموّه أحوط ، ولا منع في المصاحب ، والأحوط في غير السكّة المنع من المصاحبة.

ويشترط في الساتر أيضاً أن يكون ممّا يعتاد لبسه كالجلود والأصواف والأثواب وشبهها ، وفي الضرورة يجوز بكلّ ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر والخوص والليف ما لم يحصل بصورة الثوب فتجزي اختياراً ، فإن تعذّر مثله استتر بالطين ، فإن تعذّر فبالماء إن أمكن معه تأدية الصلاة ، فإن تعذّر فبالحفيرة إن أمكن ، فإن تعذّر فبتابوت ضيّق إن أمكن. ولا يجزي الستر باليدين ولا ستر الدبر بالأليتين ولا بالظلمة ولا بالحفيرة اختياراً ، فإن فقد الساتر مطلقاً صلّى عارياً قائماً مع أمن المطّلع المحرم ، مومياً للركوع والسجود ، وجالساً إن لم يأمنه ، مومياً لهما أيضاً.

ويجوز في الضرورة الصلاة في الممنوع منه كالنجس وجلد غير المأكول وأمثالهما إلّا المغصوب ، والمشتبه بالممنوع له حكمه ، إلّا إنه يجب أن يصلّي الصلاة

__________________

(١) احترز بالخالص عن الممتزج بنحو القطن والكتّان قلّ أو كثر ، إلّا أن تكون قلّة الخليط بحيث لا يسمّى في العادة إلّا حريراً محضاً فإنه لا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ. قال علي بن عبد العالي في حاشية ( الشرائع ) : ( وهل يجوز التدثّر أي الالتحاف به؟ فيه وجهان ، وليس ببعيد الجواز ). ( هامش المخطوط ).

٢٩٢

الواحدة أكثر من عدد الممنوع منه بواحد ، فلو اشتبه ثوب نجس بطاهر أو أكثر صلّى في اثنين مرّتين متعاقبتين ، أو اثنان نجسان بأكثر منهما صلّى ثلاثاً كذلك .. وهكذا ، هذا مع سعة الوقت ، وإلّا أجزي الممكن.

وليس من الضرورة فقد السائغ (١) بل إن فقد صلّى عارياً ، وعن الشيخين (٢) وجماعة (٣) المنع من الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا ساق له ، وهو أحوط. وأمّا ما له ساق فسائغ إجماعاً (٤).

وتجوز في جلد المأكول أن ذكّاه وفي شعره ووبره وصوفه مطلقاً. ويحرم اللثام والنقاب إن منعا واجباً. وتجوز في الثوب الواحد للرجل والمرأة اختياراً إجماعاً (٥) ، وفي ثوب عَمله كافرٌ إن لم يعلم مباشرته له برطوبة ، فإن علم وجب غسله. وإبراز اليدين من الثياب أولى. والأقوى إعادة الصلاة إذا ترك الستر ناسياً ، والجاهل عامد سواء جهل الحكم أو الصحّة والفساد.

تتميم

أُمّ الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤدّ شيئاً كالقنّ الخالص ، ولو تحرّر بعض الأَمَة فكالحرّة ، ولو أعتقت في أثناء الصلاة أو بلغت الصبية كذلك وجب عليهما ستر ما تستره الحرّة البالغة ، فإن توقّف على فعل منافٍ قطعت الصلاة واستأنفتها إن وسع الوقت ، وإلّا استمرت. ولو لم تعلم بوجوب الستر حينئذٍ فاستمرت أعادت مع السعة ، ولو لم تعلم بالعتق والبلوغ إلّا بعد الفراغ أجزأتها وإن بقي الوقت.

__________________

(١) كذا في المخطوط.

(٢) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١٥٣ ، النهاية : ٩٨.

(٣) المراسم ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٣ : ٣٦٨ ، المهذّب ١ : ٧٥ ، شرائع الإسلام ١ : ٥٩ ، المعتبر ٢ : ٩٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٩٨ / المسألة : ١٣٣.

(٥) كشف اللثام ٣ : ٢٣٢ ، وذكر فيه الإجماع للرجل خاصّة.

٢٩٣

وإن كان في ثوبه خرق يوازي العورة فجمعه بيده وأمسكه أجزته إن تحقّق الستر بالثوب ، ولو ظهرت عورته من أسفل لم يضرّه إلّا إن [ كان ] على مرتفع ، فالبطلان قويّ. ولو رأى عورته من جيبه ولم يبادر إلى سترها فوراً بطلت صلاته من حينه

لا من أوّلها ، فيتمّ المأموم منفرداً.

ويجب تحصيل الستر بكلّ ما أمكن حتّى الشراء بأكثر من ثمن المثل ما لم يضرّ بحاله ، أو بالإعارة أو الهبة إلّا أن يرجو حصوله فإن الأحوط التأخير. ولو لم يكن عنده إلّا ثوب يمنع بعض واجباتها فالأرجح طرحه والصلاة عارياً ، وقيل : يصلّي فيه لتعذّر بعضها على التقديرين (١).

ومن شروط صحّة صلاة الفريضة مطلقاً استقبال القبلة بمقاديم بدنه حتّى الوجه والقدمين على الأحوط إلّا اليدين ، كأجزائها المعيّنة ، وصلاة الاحتياط وسجدتي السهو ، دون التلاوة. ويجب استقبالها أيضاً بالذبح والنحر مع التمكّن ، وبالأموات حال الاحتضار والدفن ، ويحرم حال التخلّي كالاستدبار. ولو اضطرّ إلى الصلاة على الراحلة أو لم يتمكّن من الاستقبال في حالٍ استقبل ما أمكن ، فإن تعذّر استقبل بتكبيرة الإحرام ، فإن تعذّر سقط ، ولو تمكّن منه في أثنائها وجب ، وإن عرض التعذّر في أثنائها سقط ولا إعادة فيهما ولو بقي الوقت. ولو دخل في الصلاة ظانّاً الاستقبال أو ناسياً وتبيّن له الانحراف اليسير في أثنائها استقبل وأجزته كما لو تبيّن بعد الفراغ ، ولو بقي الوقت ؛ فإن تبيّن أنه إلى محض اليمين أو اليسار في أثنائها قطع وأعادها ما لم يتضيّق الوقت فيستمر كما لو تبيّن له ذلك بعد الفراغ وبقي الوقت ، ولو تبيّن له الاستدبار فكذلك ، والأحوط والأولى فيه الإعادة والقضاء.

ويجب تحصيل القبلة لما يجب له الاستقبال أو يحرم فيه ، والاستدبار ؛ فإن تعذّر العلم كفى الظنّ مراعياً الأقوى فالأقوى. ويعوّل على محاريب الإسلام وقبورهم وذبحهم ما لم يظهر الخطأ ، وعلى قبلة صلّى [ إليها (٢) ] معصوم ولا اجتهاد حينئذٍ ،

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٧ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٦.

(٢) في المخطوط : ( عليها ).

٢٩٤

وعلى إخبار الكافر إن تعذّر غيره وأفاد الظنّ ، وعلى قبلتهم إن علم دلالتها عليه بالمقابلة ونحوها ، ولا يعتمد على إخبار من يشكّ في عدالته ما لم يفد الظنّ.

والعامّي والأعمى يرجع إلى من يقلّده ، ولو تبيّن له الخطأ ولو بإخبار الأعدل والأشدّ اجتهاداً في أثنائها استدار إن لم يكن إلى محض اليمين أو اليسار ، وإلّا أعاد كالمستدبر ، والاستدارة لها وجه.

ولو صلّى عن اجتهاد فعرض له الشكّ في أثنائها مضى ، وبعدها يعيد إن تبيّن الخطأ باجتهاد آخر. والمقلّد يقلّد الأعلم بمعرفتها ، فإن تساووا طلب المرجّح ، ومع الضيق مخيّراً (١). ولو ضاق الوقت على المجتهد قبل تحصيلها قلّد المجتهد المحصّل ، ولا يقلّد المجتهد المجتهد ، والمقلّد له لا يعدل لتقليد غيره إلّا أن يتبيّن له أعلميّة الآخر أو [ خطؤه (٢) ].

فمن تعذّر عليه تحصيلها صلّى إلى ما اشتبهت عليه فيه ، وإن كان في جهتين صلّى إلى كلّ منهما ، أو في ثلاث فإلى كلّ منهم ، أو في أربع صلّى إلى الأربع ، يقيسها على خطوط أربعة قائمة على زوايا قوائم ، وغير بعيد الاكتفاء بثلاثة قائمة. هذا مع سعة الوقت ، وإلّا صلّى إلى ما أمكن ، وإلّا قضى. ولو صلّى إلى غيرها عمداً أو جهلاً بالحكم لم يجزه ولو تبيّن أنه إليها.

واعلم أن الكعبة قبلةُ حاضرها ومَن في حكمه كمن يمكنه مشاهدتها ، والنائي قبلته الجهة. ولا تصحّ صلاة مَن خرج عن المسجد إليه بدون محاذاتها ، ولا من فيه إلى الحجر ؛ إذ ليس شي‌ء منه من الكعبة ولا قلامة ظفر وإن وجب إدخاله في الطواف ، والشاذروان وهو الأساس دورها منها.

والقبلة ما حاذى البناء الموجود من تخوم الأرض السابعة إلى السماء السابعة المحاذي للبيت المعمور في السماء ، فالمصلّي [ في (٣) ] أعلى جبل أو في أسفل بئر

__________________

(١) أي يقلّد مخيّراً.

(٢) في المخطوط : ( خطيئته ).

(٣) في المخطوط : ( إلى ).

٢٩٥

يتوجّه إليها ، وكذا المصلّي في جوفها أو على سطحها ، فلو أدبر لا يرجع ، ولكن يجب عليه إبراز شي‌ء من فضائها أمامه. وغير المشاهد لها يعوّل في تحصيل الجهة على ما قرّر في السمتِ الذي يرجّح على كلّ جزء منه أنه الكعبة ويقطع بعدم خروجها عنه ، فكلّ أهل إقليم وصقع يستندون إلى العلامات الموضوعة لهم باستنباط أهل الهيئة ، فإنه يرجع لهم فيها. وبعض ما ذكروه يوافق النصوص والنظر أيضاً.

فأهل أوساط العراق كالنجف وكربلاء والزوراء وسامراء ومَن قاربهم يجعلون الجدي بين الكتفين لمسامتته حينئذٍ للقطب الذي هو العلامة الحقيقية ، ويجعلون مغرب الاعتدال على اليمين ومشرقه على اليسار.

ومثل القطيف والبحرين والحساء يجعلون الجدي خلف المنكب الأيمن بأربع أصابع ، وعلى ما ذكره باقر ( البحار ) (١) : يزيد على ذلك ، لكن هذا البيّن من النظر في العلامات.

وتعرف القبلة أيضاً بمعرفة الجهة ، ويعوّل في معرفتها على الآلات الموضوعة لها وهي مشهورة ، وبالرياح الأربع في بعض البقاع ، وتكفي الجهة العرفية إذا فقدت الأمارات الشرعيّة ، والضابط العلم ، ومع فقده يعوّل على الظنّ الأقوى ، فإن فُقدا فكما مرّ.

ومقتضى الأصل وظاهر القرآن (٢) عدم جواز الانحراف عن سمت القبلة حيث تتشخّص ، ولا بالقليل فتبطل به الصلاة عمداً وإن لم يضر الاختلاف اليسير في القدوة ، والأولى عدم صحّتها.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨١ : ٢٨ ـ ٨٩.

(٢) البقرة : ١٥٠.

٢٩٦

الباب الأول

في كيفيّة الصلاة

إذا أراد المكلّف بها فعلها حصّل شروطها ، وقام وقصد بقلبه أداء الفرض قربةً إلى الله ، وكبّر وقرأ الحمد وسورة ، وركع مطمئناً وسبّح مطلقاً ، واعتدل قائماً مطمئناً وسجد مطمئناً على السبعة المساجد وسبّح مطلقاً ، وجلس مطمئناً وسجد كذلك وقام ، وفعل كما فعل في الأُولى وجلس مطمئناً وقال أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً : عبده ورسوله ، اللهمّ صَلّ على محمّد : وآل محمّد.

ويسلّم بإحدى الصيغتين إذا كانت ثنائيّة ، وإلّا قام قبل التسليم حتّى يطمئن وذكر الله مطلقاً وركع وسجد وتشهّد ويسلّم كما مرّ إن كانت ثلاثيّة ، وإلّا قام وأتى بالرابعة كالثالثة وتشهّد وسلم ، هذا هو الواجب منها.

ومنها أركان هي : القيام مع القدرة ، وتكبيرة الإحرام ، والركوع ، والسجود ، والنيّة على قولٍ (١) ، وهي بالشرط أشبه وإن كانت كالركن تبطل الصلاة بزيادته مطلقاً إلّا في مواضع مخصوصة ، وبعدمها مطلقاً.

وقراءة الحمد وسورة ، وذكر الركوع والسجود ، والسجود على غير الجبهة من

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٠ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩٣ ، مختلف الشيعة ٢ : ١٥٦ / المسألة : ٨٧ ، منتهى المطلب ١ : ٢٦٦ ( حجريّ ).

٢٩٧

السبعة ، والتشهّد ، والتسليم ، والترتيب ، والطمأنينة ، والتوالي ، والرفع والجلوس من السجدتين ، والتشهّد واجبات غير أركان ، تبطل الصلاة بتركها عمداً وجهلاً لا سهواً. والهويّ والنهوض واجبان بالتبعيّة.

ولكلّ من الواجبات والأركان أحكام تذكر في فصول.

٢٩٨

الفصل الأول

في النيّة

وحقيقته القصد إلى الإتيان بالمنويّ المعيّن إن اشترك متقرّباً به إلى الله تعالى ، وملاحظة الوجوب أو الندب والأداء والقضاء والقصر والتمام في مواضع التخيير أحوط ، ولا يعتبر ملاحظة عدد الركعات ، ولو نوى بها الأقلّ لم تبطل ، ولا إحضار تفصيل الصلاة وواجبها ومندوبها فيها ، بل يكفي القصد إليها إجماعاً ، ولا يصحّ أن تنوي بها شيئاً فشيئاً. ويشترط استدامتها حكماً كسائر العبادات ، ويبطلها العجب والرياء ولو في أثنائها في واجبها أو مندوبها على وجهٍ ، وهو أحوط. ولا تبطل لو عرض أحدهما بعدها ، ولا بمجرّد حضوره إذا لم يتعلّق بشي‌ء منها.

وليست النيّة تصوّر المنويّ ، فما ذكر من معنى مقارنتها للتكبيرة قليل الجدوى ، بل عديمه ؛ لابتنائه على أنها تصوّر المنويّ مع تعسّره عليه أيضاً ، كيف وهي بسيطة وإنما التركيب فيه؟ وهي من أفعال القلب وهو من المقارب ، فكيف تتصوّر المقارنة بينهما كما قالوه؟ كيف ، ونسبتها منه نسبة الروح من الجسد؟ فلا ملاحظة للمقارنة كما قيل. ولا يشترط التلفّظ بها ، بل عدمه أولى ، ولو تلفّظ بغير ما قصد لم يضرّ ، ولو شكّ فيما نوى بعد الجزم بسبق القصد إلى معيّن جعله هو.

ولو ذكر أن عليه سابقة عدل إليها إن أمكن ، وإلّا هدمها. ولو تردّد في أنه نوى

٢٩٩

الحاضرة أو الفائتة جعلها الفائتة ، ولو نوى القطع أو تردّد فيه ولم يطل الفصل ولم يفعل المنافي لم يضرّ. ولو علّمه النيّة غيره جزءاً فجزءاً وتكلّم بها لم يضر إذا كان القصد متحقّقاً ، لكنّه يجب قطع همزة لفظة الله من التحريمة ، ولو وصلها بلفظة النيّة بطلت.

ولا فرق بين أن يقصد بالصلاة القربة إلى الله تعالى أو الإخلاص أو الطاعة أو الشكر له أو امتثال أمره أو طلب مرضاته أو الخوف من سخطه أو عذابه أو الرجاء لثوابه أو الرغبة فيه أو ما تركّب من ذلك ، فالكلّ نيّة صحيحة. وتبطل لو قصد بها التوصّل لأمر دنيوي. ولو قصد المصلّي الظهر فسبق لسانه أو خياله للعصر مثلاً فالبناء على ما قام قاصداً له ، ولو نوى القضاء فتبيّن له الأداء أو بالعكس أو الندب بالوجوب أو العكس لم يضرّ ذلك كلّه ، والأحوط الإعادة مطلقاً.

ولو شكّ هل نوى نفلاً ، أو فرضاً؟ فهي لما قام له ولا إعادة. ويجب على المأموم نيّة الائتمام بالإمام المعيّن ، ولا يجب على الإمام نيّة الإمامة إلّا أن تجب عليه الجماعة. ويجب أن تنوي الصلاة وأنت قائم مطمئن مع القدرة ، أو في باقي المراتب لعجزٍ عنه على الترتيب.

ولا يجوز نقل النيّة من صلاة إلى أُخرى إلّا لمن دخل في حاضرة فذكر فائتة مع إمكان العدول وسعة الوقت لهما ، ولمن دخل في لاحقة فذكر أن عليه سابقة ترتّبت عليها على جهة الوجوب إن وسعها الوقت ، ولا فرق بين كونهما من مؤدّاتين إلى مقضيّتين ، كما يجب من الفائتة إلى الحاضرة إذا تضيّق وقتها وأمكن العدول.

فلو شرع في قضاء رباعيّته قبل طلوع الشمس مثلاً فذكر أنه لم يصلّ فرض الصبح الحاضر ؛ فإن وسعهما الوقت أتمّ للقضاء وأتى بالأداء ولو لم يدرك من وقته إلّا قدر ركعة ، وإلّا قطع المقضي وأتى بالحاضر ، ثمّ قضى الفائت. ولمن شرع في مقضيّة ثمّ علم البراءة فإنه يعدل إلى المؤدّاة جوازاً على الأقوى. ولمن شرع في فرض إلى النفل إذا خشي فوات الجماعة وبقي محلّ العدول. ولو نوى القصر وعليه

٣٠٠