نسبة التشبيه ، وهو جار في جميع الأسباب.
العاشر : حرفان وهما ـ لعل وعسى ـ وهما مجاز تشبيه أو تسبب وحقيقتهما الترجي والتوقع ، فالله سبحانه تعالى وتنزه أن يوصف بحقيقتهما ، بل يصح حملهما على مجاز التشبيه والتسبب. أما مجاز التشبيه فلأن معاملته بالأمر والنهي والوعد والوعيد مشبه بمعاملة ملك عامل عبيده بذلك على رجاء إجابتهم ، فإن كل من سمع الملك يأمر وينهى ، ويعد ويوعد يرجو اجابة المأمول واثابته لا سيما إذا كان ذلك الملك كريما صدوقا لا يخلف الميعاد.
( وأما ) مجاز التسبب فلأن رجاء الإجابة وما يترتب عليها من الفلاح مسبب عن لين الخطاب ، وحسن الترغيب والترهيب ، فكذلك أمر الرب ونهيه مع وعده وايعاده يوجبان لكل من سمعهما خوفا ورجاء لا يوجد مثلهما في حق غيره. ويحقق ذلك أن الكلام المنفّر لا يتوقع منه اجابة ولا إنابة ، والكلام اللين المرغب يتوقع كل من سمعه الإجابة والانابة ، فلذلك قيل لموسى وهارون عليهماالسلام : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) لما كان القول اللين سببا للتذكر والخشية أمرهما به لتقوم عليه الحجة ، فهذا الرجاء المتعلق بكلامه. وأما الرجاء المتعلق بأفعاله فكما في قوله سبحانه : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) لما ذكر هذه النعم الجسام التي لا يتصور وجودها من غيره أردفها بقوله ـ لعلكم تشكرون ـ من جهة أن الشكر مرجو من المنعم عليه متوقع منه ، ولا سيما عند هذه النعم لأنه عاملهم بهذه النعم معاملة الراجي كما عاملهم بالفتن معاملة الفاتن ، فوصفه نفسه بكونه راجيا كوصفه نفسه بكونه فاتنا وكذلك نظائره.