بالاحتجاج على طريقة التقسيم ، فقال لا يخلو هذا الرجل من أن يكون كاذبا فكذبه يعود عليه ولا يتخطاه ، وإن كان صادقا فيصيبكم بعض الذي يعدكم إن تعرضتم له. وفي هذا الكلام من حسن الأدب والإنصاف ما أذكره لك أيها المتأمل وأقول : إنما قال : يصبكم بعض الذي يعدكم ، وقد علم أنه نبي صادق ، وإن كل ما يعدهم به لا بد من أن يصيبهم لا بعضه ، ولأنه احتاج مع أدلة خصم موسى أن يسلك معهم طريق الإنصاف والملاطفة في القول ، ويأتيهم من جهة المناصحة ، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله : وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه فقال : وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم وهو كلام المنصف في مقابلة خصمه غير المشتط فيه ، وذلك حين وصفه الله بكونه صادقا فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يقر به ، لكنه أردفه بقوله : ( يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا فضلا من أن يتعصب له ، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل ، وكذا قوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) أي لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله بالنبوة ولا عضده بالبينات ، فتبين أيّها المتأمل لهذه الدقائق اللطيفة الصنع تدل على التيقظ في صناعة التأليف.