الصناعية فهو زيادة في اللفظ لتقوية المعنى .. فأما ما جاء من ذلك على سبيل الحقيقة فقوله تعالى : ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) فإن الفائدة في قوله ـ في جوفه ـ كالفائدة في قوله ـ القلوب التي في الصدور ـ وذلك لما يحصل للسامع من زيادة التصور المدلول عليه لأنه اذا سمع صوّر لنفسه جوفا يشتمل على قلبين ، وكان ذلك أسرع إلى الإنكار .. وأما الذي جاء منه على سبيل المجاز فمنه ، قوله تعالى : ( فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ففائدة ذكر ـ الصدور ـ هاهنا أنه قد يعرف أن العمى على الحقيقة مكانه البصر وهو مصاب الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب استعارة ومثل فلما أريد اثبات ما هو بخلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف ليتقرر إن مكان العمى انما هو القلوب لا الأبصار. وهذا نوع من أنواع البيان عظيم اللطائف كثير المحاسن.
وأما الثالث : فقد اختلف علماء البيان فيهما فقال المحققون ، انهما متغايران .. وقال أبو هلال العسكري : الاطالة والاطناب سواء وهما عنده ضد الايجاز ووافقه جمهور الائمة. وقال أبو هلال أيضا في كتابه الاطناب في الكلام انما هو بيان والبيان لا يكون إلا بالاتساع ، وأفضل الكلام أبينه ، والايجاز للخواص والاطناب يشترك فيه الخواص والعوام ، ولهذا أطنب في الكتب السلطانية لافهام الرعايا. وكما أن الايجاز له مواضع ، فكذلك الاطناب له مواضع ، والحاجة إلى الايجاز في موضعه كالحاجة إلى الاطناب في موضعه. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ « خاطبوا النّاس على قدر عقولهم » ـ ومن استعمل الايجاز في موضع الإطناب ، والاطناب في موضع الايجاز ، فقد أخطأ فلا شك أن الكتب الصادرة عن السلطان في الامور العظيمة في الفتوح ، وتفخيم مواقع النعم المتجددة ، أو في الترغيب في الطاعة ، والتحذير من العصيان ،