ـ على ما حكي ـ إلى أنّ الأكوان لا تنحصر في الأربعة ؛ إذ الكون في أوّل زمان الحدوث ليس بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق ، فالأكوان خمسة.
قال : ( فالحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة ، أو حصول الجسم في مكان بعد آخر ).
أقول : هذان تعريفان للحركة : الأوّل منهما مختار الحكماء (١) ، والثاني للمتكلّمين (٢).
أمّا التعريف الأوّل فهو أنّ الحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة.
بيان ذلك أنّ حال حصول الجسم في المكان المنتقل عنه معدومة عنه ممكنة له ، فهي كمال الجسم ، ثمّ إنّ حصوله في المكان الثاني معدوم عنه ممكن له فهو كمال أيضا ، والجسم في تلك الحال بالقوّة في المكان الثاني ، لكنّ الحركة أسبق الكمالين ، فالحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة ، أعني الجسم الذي هو بالقوّة في المكان الثاني.
وإنّما قيّدناه بقولنا : « من حيث هو بالقوّة » لأنّ الحركة تفارق سائر الكمالات بأنّ جميع الكمالات إذا حصلت ، خرج ذو الكمال من القوّة إلى الفعل ، وهذا الكمال من حيث إنّه كمال يستلزم كون ذي الكمال بالقوّة.
وأمّا الثاني فإنّ المتكلّمين قالوا : ليست الحركة هي الحصول في المكان الأوّل ؛ لأنّ الجسم لم يتحرّك بعد ، ولا واسطة بين الأوّل والثاني وإلاّ لم يكن ما فرضناه ثانيا ثانيا ، فهي الحصول في المكان الثاني لا غير.
ولهذا يقال : إنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، كما أنّ السكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل.
ولكنّ الإنصاف أنّ الكون في المكان الثاني معلول الحركة لا نفسها ، بل الحركة
__________________
(١) وهو تعريف أرسطو وأتباعه ، كما في « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٨٢ ـ ٨٣ ؛ « النجاة » : ١٠٥ ؛ « الحدود » : ٢٩ ؛ « التحصيل » : ٤٢٠ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٤٠٩ ـ ٤١١ ؛ « مناهج اليقين » : ٥٧ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ٣٢٧ ـ ٣٢٩ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٤٠٩ ـ ٤١١ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٩٠.
(٢) « التوحيد » : ١٣١ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ؛ « المحصّل » : ٢٣٧ ؛ « نقد المحصّل » : ١٤٩ « التعريفات » : ١١٤ / ٥٦٠.