للنظر ؛ إذ لو لا اشتراط الترتيب ـ بأن كان العلم بالمقدّمات مطلقا كافيا ـ لحصلت العلوم الكسبيّة لجميع العقلاء ولم يقع خلل لأحد في اعتقاده ، وليس كذلك ؛ فإنّ كثيرا من العقلاء يعلمون مقدّمات كثيرة ولا شعور لهم بالنتيجة ؛ لفقدان الترتيب.
وقيل (١) : لا حاجة إليه ، وإلاّ لزم التسلسل أو اشتراط الشيء بنفسه.
وهو خطأ ؛ فإنّ التسلسل يلزم لو قلنا بافتقار كلّ زائد إلى ترتيب ، وليس كذلك ، بل المفتقر إلى الترتيب إنّما هو الأجزاء المادّية خاصّة.
قال : ( وشرطه عدم الغاية وضدّها ، وحضورها ).
أقول : الظاهر أنّ المراد أنّ شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذي هو غاية النظر ، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل.
وأمّا ما يصدر من العقلاء من إيراد أدلّة متعدّدة فهو في الظنّيّات ، لحصول زيادة قوّة ظنّ الظانّ ، وفي العلميّات لزيادة الاطمئنان.
ويشترط أيضا عدم ضدّها ، أعني الجهل المركّب ؛ لأنّه اعتقاده حصول العلم له لا يطلبه ، فلا يتحقّق النظر.
ويشترط أيضا حضورها والشعور بها ، بمعنى حضور المطلوب الذي هو الغاية ؛ إذ الغافل عن الشيء لا يطلبه ؛ لامتناع طلب المجهول مطلقا ، والنظر فرع الطلب.
ولا يخفى أنّ ما ذكره المصنّف إنّما يتمّ بحسب الغالب ، وإلاّ فقد يرتّب الجاهل مقدّمات منتجة لما هو الحقّ المخالف لمعتقده أو ما لم يكن ملتفتا إليه.
قال : ( ولوجوب ما يتوقّف عليه العقليّان ، أو انتفاء ضدّ المطلوب على تقدير ثبوته كان التكليف به عقليّا ).
أقول : اختلف الناس في أنّ وجوب النظر في معرفة الله ، والتكليف به ، هل هو عقليّ أو سمعيّ؟
__________________
(١) القائل هو الفخر الرازي في « المحصّل » : ١٣٨ ـ ١٣٩ ، ولمزيد التوضيح انظر : « نقد المحصّل » : ٦٣ ؛ « مناهج اليقين » : ١١٣ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٨٥ ـ ٢٨٨ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٤٠ وما بعدها.