بعض تلك الأفراد أولى بالكلّيّ من الآخر أو أقدم منه أو يوجد الكلّيّ في ذلك البعض أشدّ منه في الآخر ، كان مشكّكا.
والوجود من حيث هو بالنسبة إلى كلّ وجود خاصّ كذلك ؛ لأنّ وجود العلّة أولى بطبيعة الوجود من المعلول ، والوجود في العلّة مقدّم على الوجود في المعلول ، وعند بعضهم أشدّ ، يعني باعتبار التأثير حتّى لا يلزم قبوله الاشتداد المنفيّ ، فيكون مشكّكا (١).
قال : ( فليس جزءا من غيره مطلقا ).
أقول : هذا نتيجة ما تقدّم ؛ وذلك لأنّ المقول بالتشكيك لا يكون جزءا فيما يقال عليه ، ولا نفس حقيقته ؛ لامتناع التفاوت في الماهيّة وأجزائها على ما يأتي ، فيكون البتّة عارضا لغيره ، فلا يكون جزءا من غيره على الإطلاق.
أمّا بالنسبة إلى الماهيّات ؛ فلأنّه عارض لها ، على ما تقدّم من أنّه زائد على الحقائق.
وأمّا بالنسبة إلى وجوداتها ؛ فلأنّه مقول عليها بالتشكيك ، مع أنّ تكثّرها باعتبار الموضوعات ، وأصل الوجود طبيعة واحدة غير متكثّرة كما مرّ إليه الإشارة ، وهي بسيطة غير مركّبة فلا يتصوّر كونه جزءا ؛ فلهذا قال رحمهالله : « مطلقا ».
المسألة الخامسة عشرة : في الشيئيّة.
قال : ( والشيئيّة من المعقولات (٢) الثانية ، وليست متأصّلة (٣) في الوجود فلا شيء مطلقا ثابت ، بل هي تعرض لخصوصيّات الماهيّات ).
أقول : قال أبو عليّ بن سينا ـ على ما حكي ـ : « الوجود إمّا ذهنيّ وإمّا خارجيّ ،
__________________
(١) نسبه العلاّمة قدسسره إلى الأوائل في « مناهج اليقين » : ٩ ـ ١٠.
(٢) وهي ما لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر. ( منه رحمهالله ).
(٣) أي ليس لها وجود خارجيّ أصيل ؛ حذرا من التسلسل. ( منه رحمهالله ).