والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي جوهر مجرّد أم لا بكونها جسما مجاورا للبدن كالروح البخاري؟
والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين من الإماميّة كالمفيد (١) منهم والغزالي (٢) من الأشاعرة ـ على ما حكي ـ أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وهو الذي اختاره المصنّف ، واستدلّ على تجرّدها بوجوه :
الأوّل : تجرّد عارضها وهو العلم.
وتقرير هذا الوجه : أنّ هاهنا معلومات مجرّدة عن الموادّ كالواجب والكلّيّات ، فالعلم المتعلّق بها يكون لا محالة مطابقا لها ؛ فيكون مجرّدا لتجرّدها ، فمحلّه ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون مجرّدا ، لاستحالة حلول المجرّد في المادّي.
أو يقال : إنّ الصورة المنطبعة في العقل مجرّدة ؛ لأنّها لا تقبل الإشارة الحسّيّة بالضرورة ، وهي خالية عن لواحق المادّة من الكمّ والكيف ونحوهما ، كما عن « الشفاء » (٣) حتّى لا يتوجّه منع مساواة الصورة مع المعلوم في الماهيّة كما قيل ، فتكون النفس الناطقة التي هي محلّها مجرّدة ، وإلاّ يلزم كون الصورة العقليّة الحالّة فيها غير مجرّدة ؛ لأنّ اختصاص المحلّ بالمقدار المعيّن والأين المعيّن والوضع المعيّن يوجب اختصاص الحالّ به.
واعترض عليه بجواز كون العلم بانكشاف الأشياء على النفس من دون ارتسام ، وعدم مساواة الصورة للمعلوم في تمام الماهيّة ، ومنع اقتضاء اتّصاف المحلّ بصفة اتّصاف الحالّ بها ، كما أنّ الجسم يتّصف بالبياض دون الحركة الحالّة فيه ، مع أنّ المادّيّة العرضيّة لا تنافي التجرّد الذاتي ، فتدبّر. (٤)
__________________
(١) نقل عنه ذلك في كلّ من « المطالب العالية » ٧ : ٣٨ ؛ « كشف المراد » : ١٨٤.
(٢) نقل ذلك عنه أيضا في « المطالب العالية » ٧ : ٣٨ ؛ « كشف المراد » : ١٨٤ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ١٠٤.
(٣) « الشفاء » كتاب النفس ٢ : ٢١٢.
(٤) إشارة إلى أنّ ذلك غير مندفع بالقول بالوجود الذهني ، بناء على عدم كونه بارتسام الصور. ( منه رحمهالله ).