فاللين كيفيّة يكون الجسم بها مستعدّا للانغماز ، ويكون للشيء بها قوام غير سيّال ، فينتقل عن وضعه لقبول الغمز الى الباطن ، ولا يمتدّ كثيرا ولا يتفرّق بسهولة. ويكون الغمز من الرطوبة وتماسكه من اليبوسة.
والصلابة كيفيّة تقتضي مقابل ذلك ، فهما من باب قوّة الانفعال والاستعداد نحو الانفعال ، فتكونان مغايرتين للرطوبة واليبوسة.
وكذا الخشونة والملاسة ؛ فإنّ الخشونة عبارة عن اختلاف أجزاء ظاهر الجسم بالارتفاع والانحطاط ، والملاسة عبارة عن استوائها ، فهما من باب الوضع.
قال : ( والثقل كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إن كان مطلقا ، والخفّة بالعكس ، ويقالان بالإضافة بالاعتبارين ).
أقول : المراد أنّ من الكيفيّات الملموسة الثقل والخفّة ، وكلّ منهما مطلق وإضافيّ.
والثقل المطلق كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إذا لم يعقه عائق.
والخفّة المطلقة بالعكس ، وهي كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى فوق بحيث يعلو على العناصر ، وينطبق سطحه على سطح الفلك إذا لم يعقه عائق.
أمّا الإضافي فإنّه يقال لمعنيين :
أحدهما : الذي في طباعه أن يتحرّك في أكثر المسافة الممتدّة بين المركز والمحيط حركة إلى المركز كالماء ، أو المحيط كالهواء ، وقد يعرض له أن يتحرّك عن المحيط.
والثاني : ما يقتضي حركة الجسم إلى المحيط والمركز في الجملة بالإضافة ، كالهواء ؛ فإنّه إذا قيس إلى النار نفسها كانت النار سابقة له إلى المحيط ، وإذا قيس إلى الماء كان سابقا ، فهو ثقيل بالإضافة إلى النار ، وخفيف بالإضافة إلى الماء.
قال : ( والميل طبيعيّ وقسريّ ونفسانيّ ).
أقول : لمّا كان الثقل والخفّة ممّا له تعلّق بالميل ، فإنّه ما يكون به الجسم مدافعا لما يمنعه ، عقّبهما بمباحث الميل ، وهو الذي يسمّيه المتكلّمون اعتمادا.