اعتبار آخر مغاير للأوّلين.
وهذان الكلّيّان عقليّان ، ولا وجود لهما في الخارج.
أمّا المنطقي : فلأنّه لا يتحقّق إلاّ عارضا لغيره ؛ إذ الكلّيّة من ثواني المعقولات ليست متأصّلة في الوجود ؛ إذ ليس في الخارج شيء هو كلّيّ مجرّد.
فالكلّيّة إذن عارضة لغيرها ، وكلّ معروض للكلّيّ من حيث هو معروض له فهو ذهنيّ ؛ إذ كلّ موجود في الخارج شخصيّ ، وكلّ شخصيّ ليس بكلّي ، فالكلّيّ ذهنيّ ، وكذا الكلّيّ العقلي ؛ لهذا ، فهذه اعتبارات ثلاثة في كلّ معقول ينبغي تحصيلها :
أحدها : الكلّيّ الطبيعيّ ، وهو نفس الماهيّة.
الثاني : الكلّيّ المنطقيّ ، وهو العارض لها.
الثالث : الكلّيّ العقليّ وهو المركّب منهما.
فإذا عرفت مراد المصنّف رحمهالله ممّا ذكره ، فاعلم أنّ العلماء اختلفوا في وجود الكلّيّ الطبيعي حقيقة ، وعدمه ـ بمعنى أنّ الموجود هو أشخاصه ـ على قولين :
الأوّل : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ موجود في الخارج ، بمعنى كونه جزءا عقليّا للذات الموجودة في الخارج بتحليل العقل للذات إلى ذلك الكلّيّ والتشخّص نظير الجنس والفصل ، لا جزءا خارجيّا موجودا بوجود على حدة وراء موجود الشخص ليلزم وجود أفراد غير متناهية ، وهو المحكيّ (١) عن جمع منهم العلاّمة التفتازاني (٢).
الثاني : أنّه غير موجود ، كما عن بعض ، كالسيّد الجرجاني (٣).
__________________
فالكلّي الطبيعي عبارة عن الماهيّة لا بشرط شيء ، وهو معروض الكلّي المنطقي ، ومجموع العارض والمعروض الذي لا يوجد إلاّ في العقل يسمّى كلّيا عقليّا.
والكلّي الطبيعي باعتبار الوجود الخارجي يسمّى طبيعة وحقيقة وذاتا. ( منه رحمهالله ).
(١) حكاه اللاهيجي في « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثاني.
(٢) انظر : « شرح المقاصد » ١ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
(٣) حكاه اللاهيجي ـ أيضا ـ في « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثاني ؛ وما في « شرح المواقف » و « حاشية الشمسية » خلافه. راجع « شرح المواقف » ٣ : ٣٠ ؛ « شروح الشمسية » ١ : ٢٩٣.