المسألة الرابعة والعشرون : في الألم واللذّة.
قال : ( ومنها : الألم واللذّة ، وهما نوعان من الإدراك تخصّصا بإضافة تختلف بالقياس ).
أقول : من الكيفيّات النفسانيّة الألم واللذّة ، ومرجعهما إلى الإدراك ، وهما نوعان منه تخصّصا بإضافة تختلف بالقياس ؛ لأنّ اللذّة عبارة عن إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، والألم إدراك المنافر من حيث هو منافر ، فهما نوعان من الإدراك يخصّص كلّ واحد منهما بإضافته إلى الملاءمة والمنافرة ، وهما أمران يختلفان بالقياس إلى الأشخاص ؛ إذ قد يكون الشيء ملائما لشخص ومنافرا للآخر.
وعن الإمام الرازي (١) أنّه لم يثبت أنّ اللذّة نفس إدراك الملائم أو غيره ، وبتقدير المغايرة هل هي معلولة أم لا؟ وبتقدير المعلوليّة هل يمكن حصولها بطريق آخر أم لا؟ وأنّ الألم ليس هو نفس إدراك المنافر ولا هو كاف في حصوله ، كما في سوء المزاج بغلبة الرطوبة ، فتدبّر.
قال : ( وليست اللذّة خروجا عن الحالة الطبيعيّة لا غير ).
أقول : نقل عن محمّد بن زكريّا الطبيب أنّ اللذّة ليست إلاّ العود إلى الحالة الطبيعيّة بعد الخروج عنها (٢) ، وهو معنى الخلاص عن الألم ، كالأكل للجوع والجماع لدغدغة شهوة المنيّ.
وفيه : أنّه من أسباب اللذّة ؛ إذ بالعود إلى الحالة الملائمة يحصل إدراكها ؛ فإنّا نجد من أنفسنا حالة نسمّيها باللذّة.
__________________
(١) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥١٦.
(٢) انظر : « شرح المواقف » ٦ : ١٣٧ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٦٦ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٤. ونسب العلاّمة في « نهاية المرام » ٢ : ٢٧٧ هذا الكلام إلى القيل.
ولمزيد الاطّلاع حول تفسير ذلك راجع « المحصّل » ٢٥٧ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥١٢ ـ ٥١٣ ؛ « نقد المحصّل » : ١٧١ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ « كشف المراد » : ٣٥١ ؛ « مناهج اليقين » : ١٢١.