وقد سلك الأسترآبادي رحمهالله مسلكا مغايرا لطريقتهم ، منتهجا نهج العلاّمة الحلّي في شرح المقدّمة مع بيان الفرق بين أصول الدين وأصول المذهب وما يترتّب عليهما من أحكام الدنيا والآخرة.
حاول أن يوضّح خمس مقدّمات قبل الولوج في الأبحاث الرئيسية :
المقدّمة الأولى : أوضح فيها الفرق بين علم الكلام وعلم التصوّف ؛ لأنّ كلا العلمين يبحث عن أحوال المبدأ والمعاد ، إلاّ أنّ البحث في علم التصوّف أو نحوه قد يكون على وجه فاسد ـ كما يرى الأسترآبادي ـ وإن كان اعتقاد الباحث فيه أنّه بحث على قانون العقل المطابق للنقل العرفي أو الذوقي.
ثمّ يخلص المؤلّف إلى أنّ علم الكلام « علم باحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل بطريق النظر والفكر ».
ولم يسلك مسلك غيره في إيراد التعاريف ثمّ مناقشتها بل ابتدأ بتعريف علم الكلام ، ثمّ أورد تعاريف الآخرين ونقضها وردّها.
بعد ذلك بيّن المصنّف ـ كما جرى على ذلك غيره ـ سبب تسمية علم الكلام بهذا الاسم ، ليعرج على معنى قولهم : « أحوال المبدأ والمعاد » فهو يرى أنّ أحوال المبدأ شاملة لأصول أربعة : التوحيد ، العدل ، النبوّة والإمامة ؛ ذلك لأنّ المبدأ بالاختيار لا بدّ أن يكون فعله لغرض عائد إلى العباد ، وهذا لا يتمّ إلاّ بالقابلية الحاصلة بالطاعة الموقوفة على المعرفة ، الموقوفة على النبوّة والإمامة ويرى أنّه يمكن إدراج أحوال النبوّة والإمامة في المعاد ؛ لأنّه عبارة عن رجوع الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ، ولا يكون ذلك إلاّ بالطاعة والمعصية الموقوفتين على التكليف ، الموقوف على النبيّ والإمام.
المقدّمة الثانية : في موضوع علم الكلام.
يرى الأسترآبادي رحمهالله أنّ علم الكلام هو المبدأ والمعاد ؛ لأنّ البحث فيه عن عوارضهما الذاتية ولو بحسب الاعتبار في الصفات الثبوتية الحقيقية.
أمّا ما ذهب إليه المتقدّمون من أنّ موضوعه الموجود بما هو موجود فقد تنظّر فيه الأسترآبادي ؛ وذلك لعدم انحصار الأمر في الموجود ، وعدم اقتصار النظر على صرف الوجود.