وأما ما ذكرتم ممّا مسّكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري ما كان ذلك إلّا منكم بمُظافرتكم عليه ومُمايلتكم إياه (المخلوع) فلمّا قتلته تفرّقتكم عباديد : فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد (١) وطوراً أتباعاً لأعرابي (٢) وطوراً أتباعاً لابن شِكلة (٣) ثمّ لكل من سلّ سيفاً عليَّ! ولولا أن شيمتي العفو وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً! فكلكم حلال الدم مُحلّ بنفسه!
وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (٤)) ويلكم! إنّ العباس غلام حدث السنّ ولم يؤنس رشده ، ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب ، تدبّره النساء وتتكفّله الإماء. ثمّ هو لم يتفقه في الدين ولم يعرف حلالاً من حرام ، إلّامعرفة لا تأتي به رعية ولا تقوم به حجة. ولو كان مستأهلاً قد أحكمته التجارب ومتفقّهاً في الدين ؛ وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ؛ ما كان له عندي في الخلافة إلّاما كان لرجل من عَكّ وحِميَر! فلا تكثروا في هذا المقال فإنّ لساني لم يزل مخزوناً عن أُمور وأنباء كراهية أن تخبث النفوس عندما تنكشف! علماً بأن الله بالغٌ أمرَه ومظهر قضاه يوماً.
وإن أبيتم إلّاكشف الغطاء وقشر اللحاء ؛ فالرشيد أخبرني عن آبائه عما وَجد في كتاب الدولة وغيره : أن السابع من ولد العباس لا تقوم بعده
__________________
(١) محمّد بن أبي خالد من قواد الحسن بن سهل والواثب المتمرّد عليه ، مرّ خبره.
(٢) لعلّه يريد سهل بن الحسن الخراساني الأنصاري البغدادي الثائر بعنوان الأمر بالمعروف ، مرّ خبره.
(٣) ابن شكلة ، نُسب إلى أُمه وهو إبراهيم بن المهدي العباسي بويع بعد الأمين بدل المأمون ، مرّ خبره.
(٤) البقرة : ٦١.