ويتوثّقون له ممّن كانفه وعاضده ، ويبايعون له من سمح بنصرته ، ويتجسّسون له أخبار أعدائه ، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتى بلغ المدى ، وحان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله والإيمان به ، بأثبت بصيرة وأحسن هدى ورغبة ، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة ، ومعدن الحكمة ، وورثة النبوة وموضع «الخلافة» وأوجب لهم الفضيلة ، وألزم العباد لهم الطاعة.
وكان ممّن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر والسواد الأعظم ، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب ، ويقصدونه بالأذية والتخويف ، ويبادونه بالعداوة وينصبون له المحاربة ، ويصدّون عنه من قصده ، وينالون بالتعذيب من اتّبعه.
وأشدّهم في ذلك عداوة وأعظمهم مخالفة ، وأوّلهم لكل حرب ومناصبةً في كل مواطن الحروب من بدر وأُحد والخندق والفتح ، لا يُرفع على الإسلام راية إلّا كان صاحبها وقائدها ورئيسها (هو) «أبو سفيان بن حرب» وأشياعه من بني أُمية الملعونين في كتاب الله ، ثمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدّة مواضع ، لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم ، فحارب جاهداً ودافع مكايداً وأقام منابذاً حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون ، فتقوّل بالإسلام غير منطوٍ عليه وأسرّ الكفر غير مقلع عنه ، عرفه بذلك رسول الله والمسلمون فميّز له المؤلّفة قلوبهم فقبله وولده.
فمما لعنهم الله به على لسان نبيّه وأنزل به كتاباً قوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً (١)) ولا خلاف من أحد أنه أراد بها «بني أُمية».
__________________
(١) الإسراء : ٦٠.