فلمّا حُصر المعتزّ في أيديهم ، بعثوا إلى بغداد من يأتيهم بمحمد بن هارون الواثق الملقّب بالمهتدي من حبسه ، فأتوا به في يوم وليلة إلى سامرّاء! وتلقّوه قبلها. وأبى محمد بن الواثق أن يقبل البيعة له حتى يرى المعتزّ ويسمع كلامه! فأُتي إليه بالمعتزّ وعليه قميص مدنّس! وعلى رأسه منديل! فلمّا رآه محمد الواثق وثب إليه فعانقه وأجلسه معه على السرير وقال له : يا أخي ما هذا الأمر؟ فقال المعتزّ : هو أمر لا اطيقه ولا أقوم به ولا أصلح له ، فحاول المهتدي أن يتوسط ويصلح الحال بينه وبين الأتراك فقال له المعتزّ : لا حاجة لي فيها ولا يرضونني لها! فقال له المهتدي : إذاً فأنا في حلٍّ من بيعتك؟! قال له : أنت في حلّ وسعة! فصرف المهتدي وجهه عنه ، فأقاموه وردّوه إلى محبسه (١).
قال اليعقوبي : واجتمع القوّاد على أنّه ليس في أولاد الخلفاء أعقل ولا أفضل من محمد بن الواثق ، فشخص إليهم من بغداد فلمّا قدم اجتمعت كلمتهم عليه وبايعوه في يوم (٢٧ رجب) سنة (٢٥٥ ه) ، وبعد يومين جلس للناس ، وقرأ عليهم كتاباً ذكر فيه خلع المعتزّ نفسه وسمّاه خالع نفسه (٢) والغالب على الأمر والقائم بالتدبير صالح بن وصيف في غياب موسى بن بُغا الكبير إذ كان بالريّ (٣) والمهتدي دون الأربعين (٤).
وقال ابن العبري : دخل جماعة من الأتراك على المعتزّ فجرّوه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس يرفع رجلاً ويضع رجلاً
__________________
(١) مروج الذهب ٤ : ٩٢.
(٢) اليعقوبي ٢ : ٥٠٥.
(٣) التنبيه والإشراف : ٣١٧.
(٤) مروج الذهب ٤ : ٩٧.