العون من فضله على
أنفسهم.
٣ ـ (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) الغاسق : الليل المظلم والوقب : الدخول ، والمراد بشر
الليل ما يحدث من مكروه.
٤ ـ (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) ليس المراد بالنفاثات جماعات السحرة كما قيل ، بل المراد
كل مشعوذ محتال سواء أنفخ في العقد مدعيا تسخير الجن أم لم ينفث ، وخص سبحانه
النفث بالذكر لأنه مظهر من مظاهر التدليس والتلبيس ، أما الرواية القائلة بأن
النبي (ص) سحر فيجب طرحها لأنها تناقض القرآن في قوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) ـ ٦٩ من طه» وأيضا كذّب سبحانه المشركين الذين قالوا عن
الرسول المعصوم : (إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) ـ ٤٧ الإسراء».
٥ ـ (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) الحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن أهلها وهذه الأمنية
من أمهات الآثام وكبائرها ، وفي الحديث : «الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار
الحطب ... المنافق يحسد ، والمؤمن يغبط» أي يتمنى أن يكون له من النعمة مثل ما
لأخيه دون أن يرغب في زوالها عنه.
سورة النّاس
مدنيّة وهي ست آيات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
١ ـ ٣ ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ
النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) قال الشيخ الطبرسي وغيره من المفسرين : رب الناس : خالقهم
ومربيهم ، وملك الناس : سيدهم والمتصرف فيهم ، وإله الناس : معبودهم الذي يستحق
العبادة دون سواه. وقال الله تقدست أسماؤه : (أَيًّا ما تَدْعُوا
فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ـ ١١٠ الإسراء» ومعنى هذا أن جميع أسمائه مرادفة تعبّر عن
شيء واحد وهو الجلال والكمال.
٤ ـ ٥ ـ (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) الوسواس : اسم من وسوس إليه الشيطان أي كلمه بصوت خفي ،
والخناس : اسم فاعل للذي يخنس أي يتأخر ويتراجع إذا ذكر اسم الله تعالى ، والمراد
بالوسواس الخناس هنا حديث النفس وهواها الذي إذا سلطت عليه العقل والإيمان يزول
ويضمحل ، ومثاله أن يعرض عليك أحد السماسرة الأبالسة ألوف الليرات لتضل عن طريق
الحق والعدل ، فتوسوس النفس الأمارة لك وتزين أن تسمع له وتستجيب ، وعليك في مثل
هذه الحال أن تجمع قواك وتملك نفسك ، وتعتصم بالله ذاكرا أمره ونهيه وغضبه وعقابه
، وأنك لو مددت يدك إلى المال الحرام لتمتعت به قليلا ، ثم إلى أسوأ المصائر
والخسائر ، وتقدم في الآية ٢٠ من الأعراف.
٦ ـ (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) الوسواس نوعان : الأول خفي كالوهم وحديث النفس وهو المراد
بالجنة من جنّ فلان الشيء إذا ستره وأخفاه. الثاني ظاهر كالإعلانات والدعايات
الضالة المضلة في العهد الراهن ، وهذا الوسواس من شياطين الإنس الذين يلبسون الحق
بالباطل ، ويخدعون البسطاء بالتحريف والتزييف. ونعوذ بالله من إيثار العاجلة على
الآجلة ، ونشكره على ما وفق وأعان ، وصلّى الله على محمد وآله الذين ارتضاهم خزنة
لعلمه وولاة لأمره.