٤٥ ـ ٤٩ ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى ...) بالحجج والبينات إلى فرعون ، فأعرض ونأى فكان من الهالكين ، وتقدم مرات ، أما هذا التكرار فقد ذكرنا شيئا من أسبابه عند تفسير الآية ٩ من طه ، هذا وقد يكون التكرار لسبب خاص أوجب نزول الآية وتكرارها.
٥٠ ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) أي حجّة قاطعة على أن الله على كل شيء قدير ، فعيسى معجزة لأنه من غير أب ، وأمّه معجزة لأنّها حملت من غير ذكر (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) مكان مرتفع من الأرض ، وهذه الربوة (ذاتِ قَرارٍ) يستقر فيها الإنسان ويطمئنّ (وَمَعِينٍ) وهو الماء الجاري. وجاء في الأناجيل أن الناصرة مسقط رأس السيدة مريم ، وفيها بشرت بالسيد المسيح (ع) وأيضا فيها نشأ وترعرع ، وقضى القسم الأكبر من الثلاثين سنة الأولى من حياته ، ولذلك لقب بيسوع الناصري نسبة إليها. وفيها العديد من الأديرة والكنائس وهي أكبر مدن الجليل ، وتقوم على جبل ، يرى منها جبل الشيخ والكرمل ، وتبعد عن عكّا شرقا تسعة عشر ميلا ، وعن القدس شمالا ستة وثمانين ميلا.
٥١ ـ (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) كلّ حلال فهو طيّب ، وكل حرام فهو خبيث (وَاعْمَلُوا صالِحاً) كل ما فيه خير للناس فهو صالح ، وكل ما فيه شرّ فهو فساد في الأرض ، وإن سأل سائل : كيف خاطب سبحانه الرسل بصيغة الجمع علما بأنهم بعثوا على التراخي والتتابع في العديد من الأزمنة؟ ـ أجبناه بأن الغرض من هذه الآية أن يقول سبحانه لمن يتقشّف ويتأفّف من الملذات والطيّبات : إن الورع والتقوى بالعمل الصالح النافع والزهد في الحرام لا في الحلال. قال الإمام عليّ (ع) : لا ورع كالوقوف عند الشبهة ، ولا زهد كالزهد في الحرام.
٥٢ ـ (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ...) تقدم في الآية ٩٢ من الأنبياء ، وأعيد تمهيدا لقوله تعالى :
٥٣ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) جمع زبور وهو الكتاب ، والمعنى تفرق أصحاب الكتب شيعا متشاحنة متطاحنة ، هذه تنتسب إلى موسى ، وتلك إلى عيسى ، ونحن إلى محمد ، ودين الأنبياء الثلاثة واحد ، وهدفهم واحد ، وهم إخوان الولاء والصفاء ، فإذن من أين جاء التباغض والشتات؟.
(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) علما بأن الحق واحد لا يتجزأ ، وأنه ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة ، والعقل هو الحاكم الحاسم ، ولذا احتكم إليه القرآن وخاطب خصومه بقوله : أفلا تعقلون وتفقهون وتتدبرون وتفكرون؟ وكرر ذلك مرات ومرات.
٥٤ ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) في جهلهم وضلالهم (حَتَّى حِينٍ) هلاكهم وعذابهم.
٥٥ ـ ٥٦ ـ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ) نعطيهم (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) وانها فضيلة لهم
___________________________________
الإعراب : (تَتْرا) مصدر وضع موضع الحال من الرسل أي متواترين متتابعين ، والفعل تواتروا. و (بَعْضَهُمْ) مفعول أول و (بَعْضاً) مفعول ثان.