(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إذا هموا بالمعصية وعزموا عليها ، وأنذرهم نذير بغضب الله وعذابه ـ أحجموا واتقوا وإلا فمجرد خشوع القلب بلا أثر فليس من الإيمان والتقوى في شيء (٢) ـ : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) بأنهم على بصيرة من دينهم ، وأنهم يصبرون على الجهاد في سبيله مهما تكن النتائج. (٣) : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ينهضون إلى العمل ، ويبذلون غاية الجهد ، وفي الوقت نفسه يفوضون أمر النجاح لتوفيق الله وعنايته (٤) ـ :
٣ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أبدا لا يقبل سبحانه الإيمان بلا صلاة ، ولا مبرر عنده لتركها على الإطلاق ، فهي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان ، أجل من نطق بالشهادتين يعامل في الدنيا معاملة المسلم ، وإن ترك الصلاة متهاونا لا جاحدا ، وهو في الآخرة من الخاسرين (٥) ـ : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وحكم الزكاة والصلاة واحد بنص القرآن.
٤ ـ (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وبهذا يتبين لنا أنه لا إيمان بلا عمل ، وأن الأقوال بلا أعمال ليس من الإيمان الحق في شيء (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) ـ ٣ الصف» (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) تبعا لما يقدمون به من خدمات لأخيهم الإنسان ، وما أكثر أحاديث هذا الباب : «خير الناس أنفعهم للناس ... أفضل الجهاد أن لا تهم بظلم ... أفضل العبادة كف الأذى ... الدين النصيحة والمعاملة» حتى الملحد إذا ثار على الظلم ، وعمل لسعادة المنكوبين والبائسين ، فإنه يلتقي مع الإسلام أراد ذلك أو لم يرد.
٥ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ...) المراد بهذا البيت المدينة المنورة ، وبالحق : الصواب الذي لا محيد عنه ، ويشير سبحانه بهذا إلى غزوة بدر ، وخلاصتها : إن المهاجرين تركوا أموالهم في مكة ، وذهبوا مع النبي (ص) إلى المدينة ، فاغتصبها أبو سفيان وغيره من جبابرة الشرك ، وحملها أبو سفيان إلى الشام للتجارة ، وعاد إلى مكة بالعير مثقلة بكل نفيس وثمين ، فحث النبي (ص) الصحابة أن يقطعوا الطريق ، ويستولوا على العير ، فخرج ٣١٣ رجلا ، ولما علمت قريش بذلك خرجت بقيادة أبي جهل للذب عن العير ، ولكن أبا سفيان سلك طريقا آخر ونجت العير ، وأشير على أبي جهل بالرجوع فأبى. وكان قد وعد سبحانه نبيه الأكرم بإحدى الطائفتين : عير أبي سفيان أو نفير أبي جهل ، فاستشار الصحابة أيمضون لقتال النفير أو يعودون إلى المدينة؟ فقال بعضهم : ما لنا وللقتال؟ إنما خرجنا للعير لا للنفير. فقال النبي (ص) : مضت العير على ساحل البحر. فقال سعد بن عبادة امض لما شئت ، فإنا متبعوك. وقال سعد بن معاذ لو خضت هذا البحر لخضناه معك. وقال المقداد : لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا لفعلنا ... ولا نقول لك ما قال بنو إسرائيل : اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكنا نقول : امض لما أمرك ربك ، فإنا معك مقاتلون. ففرح رسول الله (ص) وقال : سيروا على بركة الله.
٦ ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) وهو قتال النفير بقيادة أبي جهل (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) بعد ما أخبرهم النبي (ص) بالنصر (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أسبابه عيانا ، وهل ينجو من الموت من خافه ، ويعطي البقاء