٤٩ ـ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما
أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ...) ويومئ هذا التكرار والتوكيد أن النبي (ص) غير مقصود
بالخطاب ، وإن وجه بظاهره إليه ، لأنه ليس بحاجة إلى شيء من ذلك كما هو معلوم
بالبديهة ، وأيضا ليس المقصود المستضعفين حيث لا نقش بلا عرش ، فتعين أن المقصود
بالذات كل حاكم وكل قائد له قوة وسلطان (فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) لأهل الحكم والسلطان ذنوب كثيرة ، والحكم بغير ما أنزل بعض
ذنوبهم لا كلها ، وإن ربك لهم لبالمرصاد.
٥٠ ـ (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) وحكام الجاهلية خير وأفضل ألف مرة من حكام عصر الكهرباء
والذرة (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) يؤمنون بالله ، وفيه إيماء إلى أن من يحكم بغير الحق عامدا
هو والكافر عند الله بمنزلة سواء.
٥١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) أصدقاء إذا نصبوا لكم العداء ، وكانوا حربا عليكم ،
ودليلنا على هذا القيد سماحة الإسلام المنصوص عليها في الآية ٨ و ٩ من سورة
الممتحنة ، والقرآن ينطق بعضه ببعض ، وقال الفيلسوف الشهير رسل في كتاب المجتمع
البشري في الأخلاق والسياسة ص ١٩٣ طبعة سنة ١٩٦٠ : «تسامح المسلمون الأول مع أهل
الكتاب على نقيض المسيحيين». (بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ) اليهودي لا ينصر إلا يهوديا ، والمسيحي لا ينصر إلا مسيحيا
، أجل قد تجتمع قوتهم معا ضد المسلمين كما حدث في عهدنا سنة ١٩٧٥ م (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي يتولى اليهود والنصارى الذين ، نصبوا العداء للمسلمين
فهو عند الله بحكم أعداء الإسلام ، يحاسب حسابهم ويعذب عذابهم.
٥٢ ـ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ) وهم الذين ينتمون إلى الإسلام في الظاهر (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) في معاونتهم (يَقُولُونَ نَخْشى
أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) بعض الذين يتسمون بسمة الإسلام يوالون أعداءه وأعداء
المسلمين لا لشيء إلّا حرصا على الدنيا ووجاهتها وحلاوتها حتى إذا دارت الدائرة
على المسلمين كان اللعين في مكان مكين عند أعداء الله والدين. (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ) فينصر المحقين على المبطلين (أَوْ أَمْرٍ مِنْ
عِنْدِهِ) يفتضح به كل انتهازي منافق (فَيُصْبِحُوا) المنافقون (عَلى ما أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ) من الغدر والنفاق (نادِمِينَ) حيث لا تغني الندامة والفخامة.
٥٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ
الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) حين يفتضح المنافقون ويظهرون على حقيقتهم ، يقول بعض
المؤمنين لبعض : أهؤلاء هم بالذات الذين كانوا يحلفون بالأمس أغلظ الأيمان إنهم
مناولنا ومعنا؟ وإلى هذا الحد بلغ بهم الغش والرياء؟ وكفى بذلك عارا وشنارا (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا
خاسِرِينَ) وخسر هنالك المبطلون.